ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 05/10/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

الثورة السورية .. دور المعارضة والمجتمع الدولي في الأزمة الراهنة

علي صدر الدين البيانوني - الدوحة

يعكس وضع المعارضة السورية حجم ما تعرضت له من قمع وسحق وانتهاك خلال عقود، إذ لم يكن النظام السوري ليعترف في أيّ يوم من الأيام وخلال أربعين عاما، بأي شكل من أشكال المعارضة السياسية.

سُحِقت كل قوى المعارضة الحقيقية في سورية، فلم يبق إلا رموز تاريخية، اختارت أشكالا من التعبير، تتيح لها حظا من البقاء، ومعارضة إسلامية اختارت المواجهة، فصدر بحقها قانون يحكم عليها بالإعدام.

ليس الهدف من هذه الإشارة، الانتقاص من دور القوى غير الإسلامية، لكن معظم هذه القوى فقدت كثيراً من قواعدها الشعبية منذ وقت طويل. ومعظم الذين كان يمكن أن يتسيّسوا من أبناء المجتمع، كانوا أمام طريقين: اختيار النظام ومؤسساته الحزبية، لأهداف وصولية نفعية، أو اختيار النهج الإسلامي في نبذ سياسات الاستبداد والفساد الاجتماعي والاقتصادي والإداري، دون أن ننفيَ وجود أفراد أو أحزاب محدودة، من مثقفين لم يكونوا من هذا الفريق أو ذاك..

مشكلة أخرى واجهت المعارضة العلمانية في سورية، وربما في العالم العربي، هي أن كثيرا من هذه المعارضات، بدلا من أن تتبنى العلمانية كمشروع للحرية، مناهض للاستبداد.. تبنته كمشروع مناهض للفكر الديني ومرتكزاته وأشخاصه. فتحالفت مع المستبد، في الحرب على الإسلام والإسلاميين، إن لم يكن تحالفاً سياسيا تماما، فثقافيا واجتماعيا، فخسرت الكثير من قواعدها..

نلاحظ اليوم أن بعض الجهات التي تبحث عن قيادة للمعارضة السورية، لا تعجبها القوى المتحركة في الشارع، هذه القوى التي لا تخفي هويتها، مع تبنيها لكل الشعارات المدنية: الوطنية ضد الطائفية، والسلمية ضد العنف، والسعي إلى الدولة المدنية التعددية.. تحاول هذه الجهات فرض قيادة للمعارضة لا تتمتع برصيد شعبي، فيتم تبنّي بعض الأفراد إعلاميا وسياسيا كرموز لهذه المعارضة، في محاولة لفرضها على الرأي العام السوري والإقليمي. ولعلّ هذا من أهم العوائق التي أسهمت في تأخير وحدة المعارضة السورية.

قد يكون بعض هؤلاء الأفراد أصحاب مشروع شخصي، تدور مطالبهم حول أشخاصهم ومواقعهم. ومن كان منهم صاحب مشروع سياسي، فهو يريد أن يضخم من مشروعه ومن قواه، بحيث يكون عنصر استئثار وإقصاء أيضا..

أعتقد أنه ينبغي أن يتوقف أصحاب هذه المحاولات عن مخادعة أنفسهم، وأن يبادروا إلى الاعتراف بالقوى الحقيقية الشعبية القائمة على الأرض، بالعناوين المعبرة عنها. والتعامل معها من منطلق واقعي، وتجاوز كل ما هو فردي أو متمحور حول التطلعات الذاتية..

وأعتقد أنه عندما يتم الاعتراف بالمعارضة السورية الجادة، وبقواها الرابضة على الأرض، كما حصل في تونس ومصر وليبية.. فإن هذه المعارضة سرعان ما ستحقق وحدتها وانسجامها..

 

المعارضة السورية والتخوفات الذرائعية

مرت قرابة خمسة عقود على الشعب السوري، والقوى المجتمعية الوطنية الشريفة الرافضة للانخراط في مشروع السلطة للاستبداد والفساد، تدفع ضريبة باهظة، من الكرامة والحقوق المادية والمعنوية على السواء. ليس سرا أن النظام الذي قدم نفسه للعالم - كما يقول كاتب اللوموند الفرنسية - على أنه نظام الأقلية الذي يحمي الأقليات، قد أحاط نفسه بحزام من هذه القوى، أشركها معه في بعض المكاسب، وجعلها دريئة يحمي بها خصوصيته الطائفية والأقلوية.

إن الحديث الحرج عن هذا الموضوع، يجب أن يقترن دائما بتقديم بعض الإيضاحات، حتى لا يسبق الفهم الخاطئ إلى الأذهان:

فالحديث عن طائفية النظام، لا يعني أبدا اتهام جميع أبناء طائفته، بالانخراط في مشروعه، ولا يعني أبدا تحميل هذه الطائفة مسئولية ما يرتكبه النظام من جرائم بحق أبناء الشعب السوري..

وكذلك فإن الحديث عن وجود طبقة أقلوية، منحها النظام امتيازات على حساب الأكثرية المجتمعية، لا يعني أبدا تحميل أبناء هذه الأقليات، المسئولية عن ممارسات النظام التمييزية التي يقوم بها بحق أكثرية الشعب السوري..

إن القراءة الصحيحة للواقع السوري، ينبغي أن تستحضر كل عناصر هذا الواقع، ولا يمكن للسياسي أن يستحضر بعضها، ويتجاهل بعضها الآخر..

لقد كان بالإمكان تجاوز هذه الطروحات، لولا أننا بدأنا نسمع أحاديث عن تخوّفات، تطلقها مرجعيات روحية وسياسية، هنا وهناك. وهي في معظمها تخوّفات موهومة، أو تخوّفات على مكاسب غير مشروعة، وامتيازات ليست وطنية، يحرص البعض على التمسك بها. ممن لا يبالون أن تتحقق مصالحهم الفئوية على حساب الملايين من أبناء سورية، الذين قدّموا مئات الآلاف من الشهداء، والمفقودين، والمعتقلين، والمشردين، من الرجال والنساء والأطفال.. وعلى حساب كرامتهم المنتهكة، وحقوقهم المسلوبة..

وحين يستعرض المرء تاريخ سورية الحديث، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وفي مرحلة مقاومة الاستعمار، ثم في مرحلة الاستقلال، يدرك أن الحقوق الوطنية للأقليات، لا خوف عليها من حكم ديمقراطي رشيد، إنما الخوف من هذا الحكم على مصالح المستأثرين، وهؤلاء ليسوا من طائفة أو أقليات معينة، إنما يتوزعون على كافة فئات المجتمع ومكوّناته.

وإذا كان لأحد أن يتخوّف من أبناء الشعب السوري فهم أولئك الذين قدموا عشرات الألوف من الشهداء خلال أربعة عقود، والذين صدر بحقهم قانون يحكم عليهم بالإعدام لمجرد الانتماء الفكري أو السياسي، وهم ليسوا جماعة أو حزباً فقط، كما يظن الكثيرون، والذين تعرضوا لمذابح في صبرا وشاتيلا أيضا، وكذلك الذين لاحقهم رصاص الإرهاب في سورية ولبنان وعمان وباريس وآخن ومدريد. وحين تكون مخاوف البعض مجرد هواجس يحملها مسئولون مسموعو الكلمة إلى آذان أصحاب القرار الدولي، فإن مخاوف هؤلاء، إنما هي من تاريخ واقعي نسعى إلى تغييره، بإماطة سكاكين الظالمين المتواطئين، عن أعناق أبناء جيل يتطلع إلى حياة حرة كريمة في ظل المحبة والسلام والوئام.

 

المعارضة السورية والمشروع الوطني

وبالخروج من الحديث عن الإنسان حامل المشروع الوطني: هويته وتطلعاته وهمومه يقتضينا المقام أن نعود لتقرير طبيعة المشروع الوطني الذي يسعى إليه هؤلاء السوريون..

ابتداء نحب أن نقرر أنه ليس من حق أي فريق وطني على الصعيدين السياسي والفكري، أن ينسب إلى فريق آخر رأيا أو موقفا أو تصورا لم يصدر عنه بشكل رسمي. هذه الطريقة التاريخية في بناء الصور والأنماط السلبية للمخالفين ينبغي أن تتوقف. لا يجوز لفريق وطني أن يرسم صورة مخالفه استمدادا من ثقافة تاريخية دينية أو مدنية، قامت في الأصل على التنابذ والاحتراب.

إن التشاركية الوطنية تقتضي من الناس أن يصغيَ بعضهم إلى بعض، وأن يقبل بعضهم من بعض. وأن يبحث الجميع عن المشتركات التي توحد ولا تفرق.

يقوم مشروع المعارضة السورية على وحدة في الهدف المطروح: إسقاط نظام الاستبداد والفساد، وبناء الدولة المدنية الحديثة، الدولة المدنية التعددية والتشاركية التي تكون مرجعيتها صندوق اقتراع حر ونزيه.

قد يكون هناك التباس بين قوى المعارضة حول هذا المشروع، حيث أن الحديث عن الدولة المدنية، قد يكون نوعا من الحديث عن المشترك اللفظي، الذي يحتاج إلى توضيح وتفصيل. وبوصف جماعة الإخوان المسلمين أحد مكونات التيار الإسلامي العريض في سورية، فإنني أستطيع أن أوجز فهمنا لهذه الدولة المدنية والذي سبق أن عبرنا عنه في ميثاق الشرف الوطني عام 2001، وفي المشروع السياسي لسورية المستقبل عام 2004

فالدولة المدنية في رأينا هي دولة تبنى على الأسس العامة للدولة الحديثة، وفق ما توصل إليه الفكر السياسي الإنساني في أرقى مجاليه..

دولة تبنى على دستور مدني تعاقدي، يشكل العقد الاجتماعي بين مكوّنات الدولة البشرية..

وتكون المواطنة المجردة من أي وصف إضافي، هي أساسَ العلاقة مع المواطنين، وفيما بينهم، وهي مناط الحقوق والواجبات.. فيتساوى في بناء هذه الدولة، وفي الحقوق والواجبات، كلّ الأقوام والملل والنحل والمذاهب والأديان، كما يتساوى الرجال والنساء..

دولة تقوم على سيادة الدستور والقانون، المعبّرَين عن الإرادة الجمعية لأبناء المجتمع السوري.

إن الحديث عن دكتاتوية الأكثرية في رأينا إنما هو محاولة للمصادرة على المطلوب الديمقراطي. إن طبائع الأشياء ووقائع تاريخ علوم السياسة والاجتماع، تشهد أن الأقليات دائما هي الأقدر على التحزب والانغلاق. بينما الأكثريات بطبيعتها البشرية تكون دائما ميدانا رحبا يستوعب كل التناقضات والاختلافات. هذه سنن تاريخية عمرانية، وليست خاصة بأمة ولا بشعب.

سأتقدم خطوة أخرى على طريق شرح موقفنا من الدولة المدنية وقانونها المدني، ومرجعيتنا الإسلامية، وكيف يتم الجمع بين هذا وذاك..

كان الشيخ فارس الخوري الحقوقي السوري، ورئيس الوزراء السوري المسيحي، يقول: إنك تستطيع أن تحكم بالشريعة الإسلامية كقانون مدني.

وإذا كانت قوانين الدولة المدنية وسياساتها، ينبغي أن تكون تعبيراً عن إرادة الأكثرية السياسية من أبناء المجتمع، المتساوين في سهمهم في القرار الوطني، فإننا نؤكد دائماً على ضرورة الاحتكام إلى صندوق الاقتراع، والقبول بنتائجه كائنة ما كانت هذه النتائج.

وحتى عندما نخفق في تحقيق بعض ما نطرح، لن يكون هذا الإخفاق بالنسبة إلينا نهاية العالم..

الجدلية الديمقراطية ستكون مقبولة لنا أو علينا. وليس من الإنصاف أن يقول قائل: هناك من سيكسر سلم الديمقراطية بمجرد وصوله للسلطة!! لأن هذا القول إنما هو جزء من المنطق الاستبدادي الذي أرهقنا طوال عقود. بل هو تعبير أحيانا عن رواسب وخلافات عقائدية وثقافية أو حزبية، ينبغي علينا جميعا أن نتسامى عنها..

إن الإسلام الذي نؤمن به ونرجع إليه، يؤكد أن الأمة هي مصدر جميع الولايات. ولقد كانت التداولية هي الملمح الأول من ملامح الخلافة الراشدة التي انتقلت الأمة بأفول نجمها إلى مرحلة الملك العضوض.

كما أننا نؤمن أن الحاكمية التي تعني أساسا قيميا لحياة البشر، للتمييز بين الحق والباطل، والخير والشر، والحسن والقبيح، ستظل في العصر المشتبك الذي نعيش فيه، موضوعا دعويا، ينبغي على حملة المشروع الإسلامي رعايته، حتي يكسبوا له الأنصار والإسناد الشعبي اللازم، وإلا فاللوم لن يقع في مجتمع ديمقراطي إلا عليهم.

ربما من المفيد أن نقرر إلى أيّ مدى سيتداخل الفردي بالمجتمعي في منظومة القوانين. ما هي أبعاد الحرية الفردية في المجتمع المدني الذي نريد. قرأنا لكثير من المفكرين المسلمين يستنكرون على الجمهورية الفرنسية التدخل في اللباس الفردي باعتباره جزءاً من الحرية الفردية. يعتقد الكثيرون من المثقفين والدعاة والمفكرين، بضرورة احترام هذه الحرية على المستوى الاجتماعي كما على المستوى الفكري والسياسي. المجتمع الحر يبني ذاته، والمجتمع المنغلق ينتج المزيد من الانغلاق ولو في الاتجاه المضاد..

هذه الدولة المدنية حسب تصورنا السياسي هي التي بها نطالب وعليها نعاهد وهي التي تمثل جوهر مشروعنا الوطني، نتكفل أن نقنع بها من وراءنا وأن نتعاقد عليها مع من أمامنا. لا خوف ولا تخويف ولا وكس ولا شطط..

 

رؤية مستقبلية ومطالب

نعتقد أن النظام السوري قد حظي منذ أوائل الستينات بألوان من الدعم الدولي لم يحظ بمثله أي نظام عربي. ونعتقد أن الغبار المثار حول المشاكسات المعلنة على جزيئات تفصيلية ما هي إلا جزء من اللعبة.

لقد كان للنظام في سورية دور وظيفي في المنطقة، ما يزال الكثيرون يراهنون على استدامته. يحرجهم النظام، فيضطرون إلى التفكير بالبديل، وفي كل مرة يتقدمون ثم ينكفئون. نحن متأكدون أن ثمة أسبابا تاريخية وراء الموقف. وليس هنا موضع التفاصيل. فبلاد الشام التي كانت هدفاً للحروب الصليبية الأولى هي الوحيدة التي تحولت بعد سايكس – بيكو إلى خمس دول. وحماية إحدى هذه الدول كانت هي المدخل العملي لمحنتنا في سورية التي هي جزء من محنتنا في فلسطين.

والآن.. وبعد سبعة أشهر من الثورة الشعبية، وبعد أكثر من خمسة آلاف شهيد، وعشرات الآلاف من المصابين، والمعتقلين، والمفقودين، والنازحين.. ما يزال النظام السوري يحظى بأنواع من الغطاء الدولي. لقد استُقبِل وليد المعلم في أوروبة، واستُمع له في نيويورك. وروسيا أو الصين ليستا بالدولتين القادرتين على رفض الموقف الدولي لو كان حازما.

لا نريد أن نجرّ على شعبنا ويلات تدخل عسكري، ولا انعكاساته وتداعياته أيضا. وحين يسأل المجتمع الدولي ماذا تريدون أن نصنع، ندرك أنهم لا يريدون أن يصنعوا شيئا..

كتب أحد الصحفيين الكويتيين: إن النظام السوري هو الوجه العلماني لتنظيم القاعدة.. فلم تصل الرسالة..

تساءل كاتب سوري ترى لو كان هؤلاء القتلى بآلافهم الستة – والفظائع التي ترتكب بحقهم كانوا من أبناء أي دين آخر أو طائفة أخرى.. كيف سيكون الموقف الدولي بل والإقليمي أيضا.. فلم تصل الرسالة.

نعتقد أن وجود بشار الأسد في السلطة وريثاً لأبيه، كان جزءاً من قرار دولي، شارك فيه جاك شيراك، وعمدته مادلين أولبرايت، وغطته إرادة دولية صمتت عن تحويل سورية ببشرها وشجرها وحجرها إلى مزرعة.

المطلوب من المجتمع الدولي، أن يوجد آليات مدنية سلمية أيضا، مثلما يطالب الشعوب المستضعفة أن تكون ثورتها سلمية.. آليات تكفل حماية المدنيين من جرائم الإبادة الوحشية، وتحيل مرتكبيها إلى العدالة الدولية..

إن نظاماً ارتكب هذه الجرائم الوحشية بحق أبناء شعبه، وتفنّن في تعذيبهم وإهانة كرامتهم وإنسانيتهم، وفعل ما فعل بالطفل حمزة الخطيب وأمثاله، وبالشابة زينب الحصني وأمثالها، وارتكب ما ارتكب من جرائم وفظائع يندى لها جبين الإنسانية، بحق الشيوخ والنساء والأطفال.. لا ينبغي أن يجد له مقعدا في النادي الدولي بأي حال من الأحوال..

وإن الشعب السوري بثورته الوطنية السلمية الشاملة، مصمم على متابعة طريقه نحو استرداد حريته وكرامته، مهما بلغت التضحيات، لكن لا يجوز أن يُترَك لوحده يواجه آلة القمع الوحشية، التي تنتهك كلّ القيم الإنسانية. وعلى المجتمع الدوليّ أن يتحمّل مسئوليته كاملة، لحماية المدنيين، من الانتهاكات الخطيرة التي ترتكب بحقهم.

=========================

الربيع العربي و تحديات الوسيط الامبريالي .. هل من آفاق للتحرر من خطر الصهيونية في المنطقة العربية ؟

بقلم: د. إدريس جندا ري – كاتب و باحث أكاديمي مغربي

1-        الربيع العربي .. بين تحديات الداخل و تحديات الخارج

 يدشن الربيع العربي؛ اليوم؛ لعهد جديد في العالم العربي؛ قوامه استعادة فكر التحرر الوطني؛ كسلاح لمواجهة تحديات الداخل و الخارج؛ فعلى المستوى الأول؛ يبدو أن المد الثوري قد نجح في اقتلاع جذور الاستبداد و التسلط في عدة أقطار عربية؛ و آلة الهدم و الاقتلاع ما تزال تواصل طريقها بلا هوادة؛ مشرقا و مغربا؛ أما على المستوى الثاني؛ فإن بوادر الثورة على المشاريع الاستعمارية في المنطقة العربية؛ بدأت تعلن عن نفسها؛ سواء من خلال الرجة القوية التي أحدثها الحراك الشعبي في مصر؛ في مواجهة اتفاقية الذل و العار مع الصهاينة (كامب ديفيد)؛ أو من خلال الخطة الفلسطينية الجديدة؛ القاضية بتدويل القضية الفلسطينية و إخراجها من عتمة المفاوضات الثنائية المتحكم فيها أمريكيا؛ و التي نجحت لعقود في حماية الكيان الصهيوني من الرجات العنيفة التي عرفتها المنطقة العربية؛ و في المقابل فشلت في تأمين المستقبل الفلسطيني؛ الذي ظل رهينة في يد الصهاينة؛ يبلورونه حسب مصالحهم الإستراتيجية .

 إن الحراك الشعبي العربي؛ حينما يوحد بين تحديات الداخل و الخارج؛ و حينما يجمع بين الديمقراطية و التحرر؛ لا يخطئ الطريق؛ كما لا يخطئ في تقدير طبيعة الرهان المنشود؛ و ذلك لأن تحديات الداخل لا تقل خطورة عن تحديات الخارج؛ كما أن مواجهة تحديات الخارج تتطلب قدرة و وعيا داخليا؛ يجب أن يكون في مستوى هذه التحديات المفروضة .

 لذلك؛ يجب أن نستوعب جيدا؛ طبيعة هذا التزامن الذي يفرض نفسه؛ اليوم؛ فالنجاح –رغم نسبيته- الذي حققه المد الثوري العربي؛ في الإطاحة بأنظمة تسلطية عميلة للغرب؛ بدأ يعطي ثماره بشكل سريع جدا؛ على مستوى المواجهة الخارجية؛ و بشكل خاص؛ في مواجهة الكيان الصهيوني؛ و ذلك لأن النخبة الثورية؛ على تمام الوعي؛ بان الكيان الصهيوني يجسد بقوة؛ المشاريع الاستعمارية الغربية في المنطقة العربية؛ ولذلك فإن مواجهة هذه المشاريع؛ تمر –بالضرورة- عبر مواجهة مفتوحة مع الكيان الصهيوني .

 و ذلك لأن دروس التاريخ تثبت؛ أن الاستعمار الغربي دشن المرحلة الثانية من مسيرته الاستعمارية في المنطقة العربية؛ منذ صدور وعد بلفور عن الحكومة البريطانية سنة 1917؛ و الذي سيتطور إلى إعلان دولة (أنبوبية) سنة 1948؛ بدعم أوربي-أمريكي كامل .

 و قد كان هذا التأسيس؛ بمثابة إعلان صريح عن استمرارية التواجد الاستعماري في المنطقة؛ فقد خرجت القوى الاستعمارية الغربية من الباب على وقع ضربات المقاومة؛ لكنها تسللت عبر النافذة؛ من خلال الوسيط الامبريالي؛ الذي سيعمل على تجديد العهد مع وظيفته القديمة التي ميزت تواجده في أوربا .

 إن المد الثوري العربي؛ و هو يوحد بين مواجهة الأنظمة التسلطية الفاسدة من جهة؛ و الصهيونية من جهة أخرى؛ يكون قد وضع للمرة الأولى في التاريخ العربي الحديث؛ العربة على السكة الصحيحة؛ و ذلك لأن النضال من أجل الديمقراطية؛ يتطلب وعيا حادا بمختلف التحديات التي يفرضها التواجد الاستعماري في المنطقة العربية؛ و الذي يجسده الكيان الصهيوني بامتياز؛ منذ التأسيس و حتى حدود الآن .

2-        الحركة الصهيونية: مشروع استعماري غربي بغطاء يهودي

 عاش العالم؛ حتى نهاية الحرب العالمية الثانية؛ على وقع أشكال خطيرة من التطرف الفكري و السياسي؛ و قد زكت هذا التطرف؛ الحركات القومية المتطرفة في أوربا. و هكذا ظهرت الفاشية في إيطاليا؛ و النازية في ألمانيا... و هما شكلان فقط من بين أشكال كثيرة من التطرف؛ لكن النازية تميزت بين هذه الحركات القومية المتطرفة بطاقتها المتفجرة؛ التي تقوم على أساس الجنس النقي (الآري).

 بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ كان من أهم النتائج المتحققة؛ القضاء على هذه الحركات؛ التي أثارت الرعب في أوربا و في العالم؛ وصار مؤرخو الفكر يتحدثون عن نهاية عهد القوميات؛ ليفسح المجال أمام عهد جديد؛ يقوم على تكتلات أوسع و أشمل؛ كان الاتحاد الأوربي من أهم تجلياتها .

 خلال هذه المرحلة؛ و بعد أن تمكنت أوربا من القضاء على كل حركات التطرف القومي؛ كان المكبوت الغربي؛ يبحث عن مكان بديل؛ خارج أوربا لزرع التطرف القومي من جديد. و بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؛ بثلاث سنوات (1948) كان الغرب على كامل الاستعداد لزرع جرثومة سرطانية في الجسد العربي الإسلامي؛ تلك الجرثومة التي تخلص منها؛ عبر عملية جراحية قاسية؛ أودت بأرواح آلاف المدنيين؛ و خربت أوربا عن آخرها. لقد كان الغرب على تمام الوعي؛ بتصدير أمراضه خارج الحدود؛ و ظهرت ملامح هذا الوعي منذ 1917 تاريخ صدور وعد بلفور؛ و كان الهدف؛ هو تحقيق الشفاء-طبعا- بعد زرع المرض في جسد أخر .

 و إذا كانت الصهيونية قد تأسست فعليا سنة 1948 في شكل كيان استعماري / عنصري / متطرف؛ فإن البذور الأولى لهذا التأسيس؛ تعود إلى ما قبل ذلك بكثير. فقد كان أول ظهور لمصطلح الصهيونية سنة 1890 على يد الكاتب اليهودي (ناثان برونباوم)؛ في مقالة له منشورة في مجلة "التحرر الذاتي"، ثم استعاده مرة أخرى في كتاب له بعنوان "الإحياء القومي للشعب اليهودي في وطنه كوسيلة لحل المشكلة اليهودية" سنة 1893. (1)

 وقد كان حضور هذا المصطلح عند برونباوم؛ يمثل استجابة نظرية لواقع فعلي يتمثل في ظهور مجموعة من التنظيمات اختارت كلمة "صهيون" اسما لها مثل جمعية "أحباء صهيون"، فضلا عن الإكثار من استخدام الكلمة في شعارات وخطابات وكتب رجالات الفكر الصهيوني؛ أواخر القرن التاسع عشر. و يعرف برونباوم الصهيونية بوصفها " نهضة سياسية لليهود تستهدف عودتهم الجماعية إلى أرض فلسطين"

 و في العام 1896 قام الصحفي اليهودي (تيودور هرتزل) بنشر كتاب اسمه (دولة اليهود)؛ و فيه طرح فكرة اللاسامية؛ و كيفية علاجها؛ و هو إقامة وطن قومي لليهود. و في العام 1897 نظم هرتزل أول مؤتمر صهيوني في مدينة (بازل) السويسرية؛ و حضره 200 مفوض؛ حيث صاغوا برنامج بازل؛ الذي سيظل هو برنامج الحركة الصهيونية . (2)

 و كما يبدو من خلال مراحل التأسيس؛ فقد تشكلت الصهيونية؛ كإيديولوجية و كحركة سياسية؛ في موازاة مع صعود الإيديولوجية القومية في أوربا؛ و بنمو اهتمام المركز الإمبريالي؛ بإيجاد كيانات مصطنعة في مراكز مستعمراته؛ لضمان الهيمنة.

 و قد استغل يهود أوربا أجواء المرحلة؛ الطافحة بالروح القومية؛ و طالبوا القوى الاستعمارية؛ بتوفير وطن قومي لهم. و قد أثارت هذه الفكرة اهتمام الأوربيين؛ منذ البداية؛ و حصلت على دعمهم اللامحدود؛ لأنها قادرة على تحقيق طموحين أوربيين:

-  أولا: إجلاء اليهود من أوربا؛ باعتبارهم يمثلون نشازا داخل المجتمعات الأوربية؛ و يثيرون القلاقل و النزعات؛ و مواطنتهم غير مضمونة (حادثة دريفوس في فرنسا- اتهام هتلر لليهود الألمان بخيانة وطنهم). و قد كانت بولندا نموذجا في هذا السياق؛ فقد شجعت الحكومة البولندية هجرة اليهود؛ بل و تدخلت بطريقة مباشرة؛ في تأسيس منظمات إرهابية؛ تعمل على إجلاء الفلسطينيين؛ لإفساح المجال لليهود المهاجرين ( و خير مثال على ذلك منظمة الهاجاناه الإرهابية) التي تأسست بدعم مباشر؛ مالي و عسكري؛ من الحكومة البولندية .

-  ثانيا: صناعة وسيط إمبريالي؛ قادر على حماية المصالح الغربية؛ في منطقة غنية بالثروات الطبيعية؛ و في هذا المجال فقد استغل اليهود شهرتهم الواسعة؛ في أوربا كوسطاء ماليين؛ أثناء العصر الإقطاعي؛ بحيث ساهموا بشكل فعال؛ في تخفيف القيود الدينية المسيحية؛ التي كانت تحرم الربا. لكن و بعد تراجع سلطة الكنيسة و تحرير التعاملات التجارية من القيود؛ فقد اليهود الكثير من إشعاعهم؛ و لذلك فقد فكروا في مواصلة نفس النشاط (السمسرة)؛ و لكن هذه المرة خارج الحدود الأوربية. فقد قدموا نفسهم؛ كوسيط إمبريالي؛ قادر على المحافظة على المصالح الاستعمارية خارج الحدود؛ كما حافظ خلال عصر الإقطاع على هذه المصالح داخل الحدود.

 و بما أن القارة الإفريقية كانت أرضا مشاعا بين القوى الاستعمارية؛ تصول فيها و تجول بلا رقيب؛ فقد كان اقتراح بريطانيا في البداية؛ أن ينشئ الصهاينة وطنهم القومي شرق إفريقيا في أوغندا؛ و قدمت الحكومة البريطانية لذلك دعما ماليا للحركة الصهيونية؛ لكن هذا الاقتراح لم يرق لرموز الصهيونية.

 فعندما عقد المؤتمر السابع سنة 1905 تم رفض أوغندا؛ كوطن قومي لليهود؛ و شكل (أرائيل لانغول) المنظمة الإقليمية اليهودية؛ التي لها صلاحية اختيار مكان مناسب للوطن القومي لليهود. و خلال هذا المؤتمر كانت فلسطين مطروحة على طاولة النقاش؛ نظرا لما تحمله من شحنة دينية؛ كانت أعين الصهاينة موجهة إليها منذ البداية لاستغلالها؛ عبر تحويلها إلى إيديولوجيا؛ تخدم المصالح الاستعمارية للغرب؛ كما تخدم مصالح الصهيونية .

 لقد نجح الصهاينة –إذن- في إقناع القوى الاستعمارية – و خصوصا بريطانيا – بإنشاء وطنهم القومي؛ على أرض فلسطين؛ و صدر وعد بلفور المشؤوم سنة 1917؛ الذي ينظر للرعايا اليهود بعين العطف؛ و يمنحهم وطنا؛ كأنه مقتطع من الأراضي البريطانية؛ إنه حقيقة؛ كما يسمى وعد " من لا يملك لمن لا يستحق" وذلك بناء على المقولة الصهيونية المزيفة " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ". و هذا نص الوعد الذي قدمه آرثر بلفور :

وزارة الخارجية

في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 1917

عزيزي اللورد روتشيلد،

يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته، التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية، وقد عرض على الوزارة وأقرته:

"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى تأسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الآن في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى".

وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.

المخلص: آرثر بلفور (3)

 و كما يبدو من خلال الوعد؛ فإن الحكومة البريطانية متورطة بشكل واضح في صناعة كيان عنصري و إرهابي؛ في وطن يسكنه أهله لمئات السنين؛ و هذه الحقيقة التاريخية؛ هي ما يتلافاها بلفور في وعده للصهاينة؛ فهو ينطلق بشكل واضح من المقولة الصهيونية: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. و لذلك فهو يكتفي بالإشارة إلى " الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين " و ليس "الشعب الفلسطيني".

 و هذا في الحقيقة ليس هفوة من آرثر بلفور؛ بل إن الإيديولوجيا الاستعمارية الغربية؛ تقوم على هذا الأساس؛ حيث نجد في أشهر الموسوعات الفرنسية (encyclopédie universalis) مصطلح "صهيونية sionisme يرتكز على النظر إلى الصهيونية بوصفها حركة لحل المشكلة اليهودية (مشكلة الشتات، وما أصاب اليهود فيها من اضطهاد).

وفي طبعة عام 1943 من موسوعة "دائرة المعارف البريطانية" تم تعريف الصهيونية بأنها "رد فعل لليهود على اللاسامية الأممية".

أما في طبعة 2000 من الموسوعة البريطانية فنقرأ تعريفا (إسرائيليا) للصهيونية، بلغ في صهيونيته؛ حد تسمية فلسطين ب" أرض إسرائيل ". و تزيد الموسوعة (البريطانية) فتستخدم اللفظ العبري لتأكيد هذا المعنى، مقدمة كل ذلك وكأنه من المسلمات التي لا خلاف عليها! حيث جاء في الموسوعة: "الصهيونية حركة يهودية قومية تستهدف إنشاء ودعم دولة لليهود في فلسطين "إرتز يسرائيل" (أرض إسرائيل بالعبرية).

والموسوعة (العلمية) البريطانية بهذا التحديد؛ تقوم بالدعاية المفضوحة للمشروع الصهيوني؛ الذي عمل ولا يزال على ابتزاز دول العالم؛ بحجة الاضطهاد الذي مورس على اليهود في أوروبا، والتغطية على فعلها الاستعماري وإبادة وإجلاء الشعب الفلسطيني من أرضه.

و في هذا السياق كذلك نجد مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل يعرف الصهيونية بأنها " حركة الشعب اليهودي في طريقه إلى فلسطين" وهو التعريف الذي أخذت تكرره مختلف الأدبيات الخاصة بالمسألة الصهيونية.

 و لعل مقارنة بسيطة؛ بين التعريفات التي صاغها مؤسسو الصهيونية لحركتهم؛ و بين ما تصوغه هذه الموسوعات (العلمية)؛ ليؤكد بوضوح؛ أن الصهيونية إيديولوجية استعمارية؛ نظر لها – و ما يزال- العقل الغربي؛ و يعمل الوسيط الاستعماري على التنفيذ؛ حماية للمصالح الاستعمارية الغربية .

 و قد حدث هذا أثناء التأسيس؛ و ما يزال مستمرا حتى حدود الآن؛ من خلال الدعم الغربي؛ سياسيا و اقتصاديا و عسكريا ؛ سواء من أوربا أو أمريكا؛ و خصوصا بعد الطفرة النفطية الكبيرة في المنطقة؛ فقد أصبحت إسرائيل رأس الحربة؛ في جميع الخطط التي تستهدف المنطقة العربية؛ باعتبارها وسيطا استعماريا فوق العادة .

 

3-        في الحاجة إلى استلهام فكر التحرر

الوطني/القومي لمواجهة التحدي الاستعماري/ الصهيوني

 إن العالم العربي؛ اليوم؛ و هو يؤسس لربيع الديمقراطية و التحرر؛ يجب أن يكون في مستوى تحديات المرحلة؛ و على النخب السياسية و الفكرية العربية أن تعلم؛ أن الأمة العربية تعيش على إيقاع الطبعة الثانية من الاستعمار الغربي للمنطقة؛ و أن الحديث عن الاستقلال؛ في ظل الاستيطان الإسرائيلي؛ هو مجرد أوهام؛ لا علاقة لها بالواقع؛ فكل المنطقة العربية مستهدفة؛ من طرف المخطط الاستعماري الصهيوني؛ و من دون استثناء.

و الواجب يفرض؛ اليوم؛ أكثر من أي وقت مضى؛ استعادة فكر التحرر الوطني و القومي؛ الذي ساد خلال المرحلة الاستعمارية الأولى؛ و استطاع طرد أعتى القوى الاستعمارية من المنطقة العربية؛ عبر تضحيات ملايين الشهداء؛ في مشرق العالم العربي و مغربه بلا استثناء .

 أما أن نطوي هذا الإرث النضالي؛ في مرحلة خطيرة من تاريخ أمتنا؛ فهذه مغامرة غير محسوبة العواقب؛ لا يمكن أن نجني منها سوى الخيبات؛ التي رافقتنا منذ إجهاض مشاريع التحرر الوطني و القومي؛ و التي قادها رجالات المقاومة و التحرير؛ في جميع أقطار العالم العربي.

 إن النضال من أجل الديمقراطية في العالم العربي؛ اليوم؛ لا يجب أن ينفصل عن النضال من أجل التحرر؛ و هذا أول درس تقدمه إلينا حركات التحرر الوطني/القومي؛ التي لم تفصل يوما بين تحديات الخارج و تحديات الداخل؛ و لعل الانتقال نحو المنهجية الديمقراطية و دولة المؤسسات في العالم العربي؛ هو المدخل الرئيسي؛ لتحقيق استقلالية القرار السياسي و الاقتصادي و الثقافي ... العربي.

 لقد كان الكيان الصهيوني؛ لعقود من الصراع؛ المستفيد الأول؛ من غياب المنهجية الديمقراطية و دولة المؤسسات؛ في العالم العربي؛ كما أن قوته في المواجهة؛ كانت ترتبط بالوعي المبكر لقادة الصهيونية؛ بفعالية المنهجية الديمقراطية و هياكل الدولة الحديثة. و لذلك استطاع الصهاينة؛ كسب التأييد الدولي لمشروعهم الاستعماري؛ بادعاء منهجيته الديمقراطية؛ و قدرته على بناء مؤسسات الدولة الحديثة؛ لكن في المقابل؛ خسر العرب الرهان؛ لأن الأنظمة الاستبدادية الحاكمة في العالم العربي؛ لا يمكنها أن تؤسس للمنهجية الديمقراطية؛ كما لا يمكنها بناء دولة المؤسسات؛ بل على العكس من ذلك؛ فهي لا تدافع سوى عن مصالحها الخاصة؛ حتى و لو كان ذلك على حساب المصالح الوطنية و القومية .

 إن غياب الإرادة الشعبية؛ لعقود؛ عن صناعة القرار السياسي في العالم العربي؛ هو الذي كان يهدد على الدوام؛ سيادتنا الوطنية/القومية؛ و ذلك لأن أي نظام سياسي لا يمتلك السند الشعبي و الشرعية الشعبية؛ يكون دوما في موقف ضعف؛ على مستوى سياسته الخارجية؛ لأن القوى الاستعمارية تبقى دوما مستعدة لممارسة سياسة الابتزاز؛ و ذلك عبر غض الطرف مقابل الحفاظ على مصالحها الإستراتيجية؛ و بذلك يكون الابتزاز مضاعفا؛ و تخسر الدولة في الأخير كل مواردها؛ في سبيل إرضاء هذه القوى الاستعمارية .

لقد مارس الغرب في علاقته بالعالم العربي؛ سياسة استعمارية مقيتة؛ تقوم على تصور واضح؛ يسعى إلى المحافظة على وضعية السطاتيكو خدمة لمصالحه؛ و يمكن رصد هذا التصور على مستوى محورين أساسيين :

-  المحور الأول: دعم الأنظمة الاستبدادية/البوليسية؛ في

مواجهة شعوبها؛ و يقوم هذه الدعم على أساس مدها بأحدث التجهيزات العسكرية؛ و تدريب أجهزتها الأمنية/العسكرية؛ لمواجهة أي (تمرد شعبي)؛ كما يقوم على أساس الموقف السياسي الداعم لهذه الأنظمة؛ باعتبارها الخيار الوحيد الممكن؛ لتحقيق استمرارية الدولة.

و سواء على مستوى الدعم المادي أو الرمزي؛ فإن قوى الاستعمار الغربي؛ كانت تسعى إلى المحافظة على هذه الأنظمة؛ التي نجحت –بشكل مبهر- لعقود؛ في استنزاف موارد و قدرات الدولة خدمة للمصالح الغربية؛ و هذا ما لم يتحقق حتى خلال المرحلة الاستعمارية الأولى؛ حيث كان الاستعمار ينزل بجنوده للسيطرة على المجال؛ و إخضاعه لمصالحه .

لقد ظلت فرنسا وفية لنظام بنعلي في تونس إلى آخر لحظة من عمره؛ و عبرت عن وفائها باقتراحها -المتحضر جدا- بمحاصرة (التمرد) الشعبي؛ عبر إرسال قوات مكافحة الشغب الفرنسية؛ و عبر تصدير الأسلحة المتطورة؛ القادرة على قمع المتظاهرين؛ الذي يهددون عرش الجمهورية الفرنسية العظمى في تونس .

 كما ظلت إسرائيل تدعم بدون انقطاع؛ نظام مبارك؛ و هو يترنح على وقع المد الثوري؛ و جربت كل الوسائل؛ في شراكة –طبعا- مع رموز الفساد؛ من الأمنيين و جهاز المخابرات؛ و جميع الأجهزة النافذة؛ التي كانت تحمي عرش إسرائيل في قاهرة المعز؛ جربت كل الوسائل لإخماد النيران المشتعلة؛ و هي تعلم جيدا أنها ستلتهم كل ما راكمته؛ لعقود؛ من خلال شراكتها الإستراتيجية الفريدة جدا؛ مع نظام مبارك؛ الذي لم يكن يلتفت إلى المصلحة الوطنية أو القومية؛ أكثر من التفاته إلى المحافظة على مصالحه الشخصية؛ التي توفرها و تحميها؛ الشراكة مع الكيان الصهيوني النافذ في المنطقة؛ و الذي يمتلك مفاتيح قارون؛ التي توصل إلى مخازن الذهب و الفضة ...!

 و ما ذكرناه بخصوص فرنسا و إسرائيل؛ في علاقاتهما المشبوهة مع النظامين البائدين؛ في تونس و مصر؛ لا يمثل الاستثناء؛ بل ذلك هو القاعدة الأساسية؛ في تعامل القوى الاستعمارية مع العالم العربي؛ من المشرق إلى المغرب؛ فهي لا تهتم بترسيخ الديمقراطية؛ كما لا تهتم بالإرادة الشعبية؛ و هي لا تكترث لطبيعة الأنظمة الحاكمة – حتى و لو كانت قروسطوية /استبدادية/ بوليسية / متطرفة ... ! بقدر ما تسعى إلى المحافظة على مصالحها الإستراتيجية؛ التي تزعم أن هذه الأنظمة قادرة لوحدها على حمايتها.

 إن الربيع العربي؛ اليوم؛ و هو يطيح بهذه الأنظمة البوليسية العميلة للقوى الاستعمارية؛ هو في الحقيقة يؤسس لمرحلة جديدة في عالمنا العربي؛ قوامها السيادة الوطنية؛ التي ستظل أمانة في أعنق النخبة الثورية؛ التي ساهمت في إطلاق شرارة المد الثوري؛ فبقدر النضال من أجل ترسيخ قيم الديمقراطية في منظومتنا السياسية؛ يجب أن يكون النضال؛ من أجل حماية السيادة الوطنية؛ التي تظل مهددة من طرف القوى الاستعمارية.

 و يحضر الكيان الصهيوني في المنطقة العربية؛ كأكبر تهديد لمستقبل الربيع العربي؛ و ذلك لأن قادة الاحتلال الصهيوني مستعدون بضوء أخضر أمريكي-أوربي؛ لعرقلة أي توجه يهدد المصالح الاستعمارية في المنطقة العربية؛ و خصوصا إذا ارتبطت هذه المصالح بالوسيط الامبريالي (إسرائيل) ؛ المؤتمن على حماية التواجد الغربي في العالم العربي .

 من هنا يمكن أن نفهم؛ السعار الذي أصاب قادة الكيان الصهيوني؛ و معهم ممثل الأيباك في أمريكا (أوباما) ! بعد اعتزام الفلسطينيين؛ التوجه إلى الأمم المتحدة؛ لطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين؛ الشيء الذي اعتبروه تجاسرا على سادة العالم؛ فليس هناك طريق مختصرة للوصول إلى تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة؛ يصرخ أوباما و هو يستجدي الأيباك؛ للحصول على ولاية رئاسية ثانية !

-  المحور الثاني: دعم و حماية الكيان الصهيوني؛ و هذا

رباط مقدس لا انفصام له في الفكر الغربي الحديث؛ و ذلك لأن هذا/هذه الدعم/الحماية؛ يقوم/تقوم بوظيفتين مزدوجتين؛ الأولى تطهيرية؛ كان يسعى من خلالها الغرب؛ إلى التكفير عن تاريخه الأسود مع اليهود؛ الذين عوملوا في أوربا كعبيد؛ لقرون؛ و بعد أن وضعت الحرب أوزارها بين الجيران الأوربيين الألداء؛ و توقيع اتفاقيات الصلح و الصداقة؛ بعد (ح ع 1) و (ح ع 2)؛ بدأت قضية اليهود تفرض نفسها في أوربا بقوة؛ و كان التفكير في البحث عن وطن لليهود. أما الوظيفة الثانية؛ فهي إستراتيجية؛ ترتبط بتعويض الانسحاب الغربي من العالم العربي؛ و لا يمكن أن يتقن هذه الوظيفة؛ غير الصهاينة؛ الذين يشهد لهم في أوربا؛ بإتقان مهمة الوساطة (السمسرة).

من هذا المنظور –إذن- كان الغرب يتعامل مع القضية الصهيونية؛ باعتبارها حصان طروادة؛ يحقق مجموعة من الغايات؛ التي تبدو للوهلة الأولى متناقضة؛ لكن الثقة المفرطة للقوى الاستعمارية الغربية؛ في قدرتها على تدجين الجميع؛ و فرض أجندتها؛ كان يسهل المهمة؛ و يحول الجميع إلى وسائل؛ في خدمة المشروع الاستعماري الغربي.

 إن القوى الاستعمارية الغربية؛ حينما تدعم الكيان الصهيوني بمختلف الأشكال و الوسائل؛ فهي تعمل بصيغة غير مباشرة؛ على حماية المشروع الاستعماري الغربي؛ الذي انطلق في المنطقة العربية خلال مرحلة القرن التاسع عشر؛ لكنه انكسر على يد حركات التحرر الوطني؛ التي نجحت في استثمار التحولات الدولية؛ لإعلان الاستقلال في جميع الأقطار العربية؛ مشرقا و مغربا .

 و من ثم فإن القوى الاستعمارية في علاقتها بالعالم العربي؛ تمتلك إستراتيجية واحدة؛ تسعى إلى تصريفها عبر خطط مختلفة؛ لكن التصور الذي يتحكم في هذه الخطط واحد؛ و لذلك يتساوى لديها دعم الأنظمة السياسية التسلطية؛ بدعم الكيان الصهيوني؛ و الهدف واحد؛ هو تحقيق استمرارية الهيمنة الغربية على المنطقة؛ عبر استنزاف ثرواتها الطبيعية؛ و تحويلها إلى سوق استهلاكية ضخمة؛ لمنتجات الغرب الصناعية.

-  عود على بدأ

 إن الواجب الوطني/القومي يفرض على طليعة المد الثوري العربي؛ أن تكون في مستوى هذه التحديات الداخلية و الخارجية الكبيرة؛ التي لا تنفصل؛ فكل منها يؤدي إلى الآخر و يرتبط به. و لا يزعمن أحد أنه سينجح في الفصل بينها؛ فمواجهة الأنظمة التسلطية؛ لا تنفصل عن مواجه المشروع الاستعماري الغربي؛ الذي تمثله الصهيونية؛ و العكس صحيح طبعا.

و في هذا الصدد؛ لا بد أن نذكر مرة أخرى؛ بأن روح هذا المد الثوري؛ يجب أن تمتد لتنهل من الرصيد النضالي؛ الذي خلفته حركات التحرر الوطني/القومي؛ التي لم تميز يوما بين تحديات الداخل و تحديات الخارج؛ فقد كان النضال ضد الاستعمار؛ يسير جنبا إلى جنب؛ مع النضال ضد الاستبداد و التسلط .

قد يشير البعض إلى أن هذه الحركات رغم نضالاتها لم تحقق المبتغى المطلوب؛ لأننا حصلنا على استقلال ناقص و مشوه؛ لكن يجب أن نعلم أن النضال مسيرة طويلة لا تتوقف؛ بل تستثمر التراكم لتحقيق الطفرة؛ و إذا كانت حركات التحرر الوطني لم تحقق كل المبتغى؛ فإنها شقت الطريق –و هذه أصعب مهمة- بينما يجب علينا –كجيل جديد- أن نستثمر إنجازاتها؛ و أن نتعلم من أخطائها؛ لكن ما لا يجب أن نتخلى عنه هو هذا الطريق ذاته؛ الذي تم شقه عبر نضالات كبيرة؛ تعبر عنها نتائجها طبعا .

 

الهوامش:

1-          نظر: القضية الفلسطينية والخطر الصهيوني- إعداد مركز الأبحاث والجيش اللبناني- سلسلة الدراسات- رقم 34 - بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية - 1973، ص51

2-          تيودور هرتزل – دولة اليهود – ترجمة؛ تحقيق؛ نشر: مؤسسة الأبحاث العربية - ط:1 – 1997 .

3-          أنظر: عبد الوهاب المسيري – موسوعة الصهيونية .

4-          encyclopédie universalis - sionisme

5-          أنظر موسوعة دائرة المعارف البريطانية - طبعة 1943 – الصهيونية .

6-          أنظر: الموسوعة البريطانية – طبعة 200 – الصهيونية .

===========================

المجلس الوطني السوري وأمانة الثورة بين مؤشرات النجاح ومواطن الخطر

نبيل شبيب

ما الذي ينبغي صنعه الآن على صعيد الثورة الشعبية في سورية، بعد تشكيل المجلس الوطني السوري، وانتشار مظاهر التأييد له شعبيا، وبداية تحوّله إلى أمر واقع على الساحة السياسية عربيا ودوليا، لا بدّ من التعامل معه، بينما لا تزال فعاليات الثورة مستمرة في تصاعد يقابل تصعيد العنف القمعي الاستبدادي إلى أقصاه، وهو واقع ثوري، يمثل النسبة الأهم والأعظم من الأمر الواقع الجديد الذي يفرض التعامل سياسيا معه.

 

معايير جديدة للثورة

لا يوجد قبل الثورات الشعبية العربية -وليس الثورة السورية فقط- ما يمكن أن تقاس عليه، إنما توجد عناصر افتراق واختلاف مثلما توجد قواسم مشتركة بينها وبين ما أطلق عليه من قبل وصف ثورات وحركات ثورية، أهمها:

1- أوّل عناصر الافتراق والاختلاف أنّ الثورات الشعبية انطلقت من الشعب مباشرة، دون إعداد مسبق، ودون قيادة منظمة.

2- ومن عناصر الالتقاء على قواسم مشتركة مع "الثورات التاريخية" السابقة أنّها انطلقت لتحقيق تغيير جذري واسع النطاق، على صعيد المجتمع والحكم.

3- ومن عناصر الافتراق والاختلاف أنّ الشعب اختار النهج السلمي لإسقاط أنظمة مستبدة لا تتورع عن استخدام القوة المسلحة العاتية في القمع.

4- ومن عناصر الالتقاء على قواسم مشتركة وجود أهداف كبرى ثابتة لدى الثوار لا رجوع عنها، فالرجوع يعني "الموت في قبضة الاستبداد الانتقامية" بمعنى الكلمة، وبالتالي أصبح اندلاع الثورة يحتّم المضيّ بها حتى تحقيق هذه الأهداف بغض النظر عمّا يطرأ حتى ذلك الحين.

5- ومن عناصر الافتراق والاختلاف أنّ القوة الشعبية ورؤاها وأهدافها لا تصطدم بالأنظمة المستبدة فقط، بل تجاوزت الرؤى الفكرية والسياسية السابقة للثورة أيضا، أي ما انتشر في وصفه تعبير المعارضة السياسية التقليدية أو الناشطين والرموز التاريخية وما شابه ذلك.

6- ومن العناصر المتميزة بذاتها، لأنها تجمع نقاط التقاء واختلاف في آن واحد، أنّ الثورات الشعبية العربية -لا سيما في سورية واليمن- قد صنعت منذ لحظة اندلاعها الأولى ما يُعرف بالشرعية الثورية، وهذا ما يسري على ثورات تاريخية سابقة، إنّما تتميّز الثورات العربية -إضافة إلى ذلك- بأنّ هذه الشرعية الثورية شعبية خالصة، فهي لا ترتبط بحزب أو تنظيم أو قيادات أو رموز أو طرح فكري قائم بذاته، وإن تلاقت الرؤى والأهداف الكبرى المطروحة عبر الثورة الشعبية، مع بعض الأطروحات والأهداف التي يتبناها هذا الفريق أو ذاك ممّا يوجد في الساحة السياسية والفكرية.

يمكن تعداد المزيد، إنّما المهمّ من هذا التعداد ضرورة استيعاب أمر بالغ الأهمية في اللحظة الراهنة، التي تمثل في سورية (واليمن) النقلة الضرورية من واقع جديد صنعته الثورة إلى "مرحلة انتقالية" لتحقيق أهدافها، ممّا يتطلّب الوسائل السياسية إلى جانب الفعاليات الثورية.

إنّ هذه النقلة لا تتحقق إلا من خلال معايير جديدة أو معظمها "جديد"، غير مسبوق في عمليات التغيير الذي أحدثته ثورات وحركات ثورية من قبل.

 

استقرار المجلس الوطني السوري

في الوقت الحاضر ظهر للعيان أن المجلس الوطني السوري الذي أعلن عن تشكيلته يوم 2/10/2011م في اسطنبول حصل على الفور على تأييد واسع النطاق، من معالمه:

1- التأييد الرسمي من جانب كبرى التنظيمات الثورية في الداخل: الهيئة العامة للثورة السورية.. وسواها.

2- وجود عناصر من الفعاليات الثورية بين الجهات الموقعة على بيانه التأسيسي.

3- انتشار اللافتات المؤيدة في نطاق الفعاليات الثورية الداخلية على نطاق واسع.

4- بدايات "اعتراف ضمني" غير رسمي به من جانب بعض القوى الدولية.

وليس غائبا عن الأنظار أنّ مثل هذا التأييد لا يحظى به فريق معارض آخر لا يزال يعمل على الساحة، في الداخل والخارج، فلم يبق أمامه سوى أن يبقى ضعيفا على الصعيد الشعبي أو أن يفتح أبواب التواصل مع المجلس الوطني السوري ليكون رفدا له فحسب.

وليس مجهولا أيضا أنّه لم يعد يوجد مجال لإطلاق مبادرة بديلة.. ويعني هذا أنّ على المجلس الوطني السوري مسؤولية كبرى، تجنّبا لأخطاء يرتبط بها الكثير في مسار الثورة وتحقيق أهدافها، إنّما يرتبط بها قبل ذلك مصير المجلس نفسه.

ويضمّ المجلس الوطني السوري أطرافا عديدة متباينة، تتلاقى على قواسم مشتركة كبرى، ولا يخلو أي منها من مؤثرات "تاريخ تكوينه وطريقة عمله" من قبل، ومن أخطر المزالق أن يسعى أحد هذه الأطراف من أجل:

1- هيمنة توجّهه وطريقة عمله على المجلس، سواء بنفسه أو عن طريق ممارسات "المحاور" مع أطراف أخرى داخل المجلس أو خارجه، بما في ذلك من ينضمّ لاحقا إليه.

2- الإقدام على ممارسات ممّا يوصف على وجه التعميم باللعب على الحبال، أي أن يحاول أحد الأطراف أن يعمل "جماعيا" داخل إطار المجلس من أجل تحقيق الأهداف المشتركة المنسجمة مع الثورة، ويعمل "انفراديا" خارج إطاره على تعزيز موقعه الذاتي لدى أي جهة من الجهات، العربية والدولية، بل حتى في إطار "فتح ثغرة" لِما يسمّى حوارا أو حلولا وسطية تجاه "النظام المنهار"، على انفراد، أو بمشاركة من لا يزال على استعداد لذلك من قوى سياسية خارج المجلس.

هذان المنزلقان هما الأخطر من سواهما، لأنهما أقرب إلى ممارسة "الخداع" القريب من "خيانة الثورة" وتقويض المجلس من داخله، إنما توجد منزلقات أخرى لتعامل المجلس بمجموعه، مع الثورة والفعاليات الثورية في الداخل.

 

نهاية التنافس على تمثيل الثورة

إمكانات النجاح والإخفاق أمام المجلس رهن بألاّ يقع بنسبة ما ولسبب ما، فيما أدّى إلى إخفاق مبادرات ومحاولات سياسية سابقة.

علاوة على أسباب موضوعية عديدة، مثل اضطهاد المعارضة لعدة عقود، والصراع التاريخي بين محوريها الرئيسيين، الإسلامي والعلماني، وتشتيتها ما بين "داخلية وخارجية"، ومساعي إعطاء الثورة صبغة الاتجاه الذي يمثله هذا الفريق أو ذاك.. علاوة على ذلك كان السبب الجوهري الذي أصاب بالضعف إلى درجة الانهيار سائر المبادرات والمؤتمرات والمحاولات العديدة خلال ستة شهور من عمر الثورة، أنّ من أقدم عليها من معارضين وتنظيمات أرادوا أن يجعلوا منها -أي من أنفسهم- "ممثلا سياسيا" للثورة، وهم يعلمون أنهم لم يصنعوا الثورة ولا يستطيعون التحكّم في مسار فعالياتها، وانعكس ذلك مثلا في:

1- تأكيد متكرر على وجود تواصل ما مع الفعاليات الثورية في الداخل السوري..

2- الادعاء أحيانا بأنّ هذا الطرف أو ذاك يحرّك فعاليات الثورة..

3- مشاركة أفراد يمثلون نسبة ما من "التنسيقيات" سيان ما حجمها الحقيقي وما مدى تجاوزها مهمة الإعلام التي تؤدّيها -وهي بالغة الأهمية- إلى مهمة الفعل الثوري الميداني على الأرض..

4- محاولة ضعيفة النتائج للتأثير على الشارع فيما يمكن وصفه بحرب اللافتات والشعارات..

لا تزال توجد آثار مما سبق في المجلس الوطني السوري أيضا، وهي قابلة للاضمحلال.. على طريق النجاح المرجو، وقابلة للاستشراء.. على طريق الإخفاق، لا سمح الله.

النجاح المرجو للمجلس الوطني السوري مقترن بالأمل الكبير في:

1- أن يعتبر نفسه "الجناح السياسي" للثورة.. لا أن يعتبر الثورة "الجناح الثوري" له.

2- أن يعتبر مشروعية عمله السياسي البالغ الأهمية.. مقيّدا بأهداف الثورة ومشروعيتها، لا أن يجعل من عمله السياسي أداة "تكييف" لتلك الأهداف على حسب قدرته هو على الإنجاز السياسي.

3- أن يعتبر وجود عناصر قريبة من الفعاليات الثورية فيه "عناصر للتواصل".. وليس عناصر "تمثيل" للثورة وأجهزتها وتنظيماتها الذاتية، ضمن إطار المجلس.

4- لقد ثبتت الثورة الشعبية في سورية خطوطها الحمراء، لا سيما:

- على صعيد رفض التدخل العسكري الخارجي مع تعريف الحماية الدولية المطلوبة..

- على صعيد رفض عسكرة فعاليات الثورة مع الإقرار بمشروعية دفاع الشرفاء المنضمين إليها من قلب الجيش الوطني السوري، وحتى من الأجهزة الأمنية..

- فضلا عن الخطوط الحمراء القطعية الأخرى المعروفة، مثل "لا للطائفية بجميع ألوانها وممارساتها وطرق التعبير عنها" و"المساواة بين المواطنين دون تمييز" و"الإرادة الشعبية وحدها هي المرجعية في جميع ما يرتبط بمستقبل سورية" و"المحافظة على حقوق ما يُطلق عليه أقليات في الدولة التعددية"..

ولا بدّ للمجلس الوطني السوري أن يجعل من هذه الخطوط الحمراء للثورة خطوطا حمراء لأي جهد سياسي يبذله، وأي تواصل يقوم به مع أي طرف، وأية مطالب يطرحها تجاه أي جهة من الجهات.

 

مستقبل الثورة وموقع المجلس منها

إنّ الثورة الشعبية في سورية تستمدّ قوتها -من بعد الاعتماد على الله عز وجل- من الشعب الذي صنعها، وقد يضيرها وقوع المجلس في أخطاء ما، ويسيء إليها، ويزيد عدد ضحاياها، ويطيل طريقها حتى ساعة النصر الحاسمة، ولكن لا يوجد ما يمكن أن يقضي عليها، فقوة الشعب وإرادته أوجدت شروط النصر، ولا بد أن يتحقق النصر بإذن الله.

يمكن للمجلس الوطني السوري أن يدعم مسار الثورة نحو النصر.. ولكن الأهمّ من ذلك بالنسبة إلى المجلس نفسه، أنّ قوّته الذاتية الضرورية لينجز الواجب الملقى على عاتقه ويؤدّي المسؤولية التي اضطلع لها تجاه الثورة والشعب والوطن، "قوة مكتسبة".. لا يمكن أن يستمدّها إلاّ من الثورة الشعبية.

إن مرجعية الشعب وثورته، هي الورقة الأكبر تأثيرا والأقوى مفعولا، في تعامل المجلس الوطني السوري مع أي طرف آخر، بدءا ببقايا النظام المتهالك، انتهاء بأعتى قوة دولية تتطلّع -بطبيعة الحال- إلى تحقيق مآربها الذاتية وتوظيف كل حدث من الأحداث، بما في ذلك حدث الثورة الشعبية في سورية، لهذا الغرض.. ما استطاعت إلى ذلك سبيلا.

لم تترك الثورة الشعبية في سورية ثغرة لذلك.. ولا ينبغي أن ينزلق المجلس إلى فتح ثغرة من هذا القبيل.

لم تتردّد فعاليات الثورة الشعبية عن تأييد المجلس الوطني السوري، ولا ينبغي للمجلس أن يتردّد في تأكيد ارتباطه بتلك الفعاليات، ارتباطه بشعب سورية الثائر، وأهدافه، وتطلعاته.. وأمانة الضحايا والمضطهدين في أعناق كلّ من يتحرك، خارج ميدان التضحيات البشرية المباشرة، أي في الميادين السياسية والفكرية والإعلامية وما يشابهها.

إنّ الأمانة الوطنية في أعناق مكوّنات المجلس الوطني السوري أمانة ثقيلة، وإن أداء هذه الأمانة هو الامتحان الأكبر لهذه المكوّنات.. التي يرجى أن تعمل يدا واحدة، وقلبا واحدا، ولهدف واحد، أسوة بشعب سورية الثائر، ومكوّناته التي نجحت في امتحان الثورة، فتحركت ولا تزال تتحرك.. شعبا واحدا، وقلبا واحدا، وهدفا واحدا.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ