ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 03/11/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

قراءة في أوراق الناطق - الاخواني - السوري

جاءنا هذا المقال رداً على رؤيتنا (أوراق حول الحالة السورية)

ننشر هذا المقال للأستاذ صلاح بدر الدين، ونترك للقارئ الكريم أن يتحقق من صحة كل كلمة أو رأي ينسبها الأستاذ صلاح إلى كاتب المقال الأول ثقتنا بعقول القراء وقلوبهم كبيرة جداً..

ونحن لا نرى مانعاً أن نختلف فالاختلاف حالة صحية ولكن ليس من الموضوعية والإنصاف أن ينسب أحد منا للآخر كلاما لم يقله أو يحمله مسئولية رأي لم يطرحه..

كل الدول الديمقراطية التعددية هي دول ذات هوية. والديمقراطية والتعددية لا تنفي الهوية..

وهذا إقليم كردستان العراق فيه كرد وعرب وتركمان و... ومع ذلك يطلقون عليه كردستان حسب المكون السكاني الأكبر..

مهما اختلفنا في الأرقام ومقالنا يؤكد على غياب الإحصاءات الدقيقة فلن يجاحدنا أحد أن المكون العربي والإسلامي هو المكون السكاني الأكبر..

في دولة مدنية تعددية ستكون حقوق الفرد باعتبار مواطنته هي نفس الحقوق التي يتمتع بها من يظن نفسه أنه ابن الأكرمين.

في الدولة التي ندعو إليها سيكون كل مواطن باعتبار مواطنته فقط هو ابن الأكرمين

مسيحيا كان أو مسلما، عربيا كان أو كرديا أو تركمانيا، سنيا كان أو علويا أو درزيا أو إسماعيليا..

الاعتراف بهوية الأكثرية لا يعني أبدا النيل من حقوق أي مكون من مكونات المجتمع ... زهير سالم

قراءة في أوراق الناطق - الاخواني - السوري

صلاح بدرالدين

في مقالة مطولة بعنوان – أوراق عن الحالة السورية – كتبها حديثا من القاهرة القيادي في جماعة الاخوان السورية والناطق الرسمي باسمها * يفصح فيها بخلاف السلوك الكتوم المتبع لدى الجماعة حتى قبل وقت قصير عن مايدور في خلدهم ومايخبؤون في سرهم من رغبة جامحة في تولي حاكمية بلدان المنطقة ومن بينها سوريا خاصة وأنهم يستشعرون بروز أقرانهم للوهلة الأولى مابعد اتمام المرحلة الأولى من الانتفاضتين الثوريتين في كل من مصر وتونس ومازالوا في " نشوة الاعتراف الأمريكي الغربي بهم " بحسب الكاتب والاعلامي المصري محمد حسنين هيكل وكما يظهر فان أوراق الناطق تحمل في طياتها النذر اليسير من الحقائق والشيء الكثير من الدعاوى والتمنيات يمكن القول أنها بمواضيعها المثارة وأرقامها وايماءاتها قراءة آيديولوجية اسلامية – سنية صرفة للنظام السياسي الحاكم ولتاريخ سوريا وجغرافيتها البشرية ومستقبلها مابعد ازالة الاستبداد توطئة في ذات الوقت لتطويع كل الأسباب في خدمة أحقية الاخوان قوميا ودينيا ومذهبيا بحسب نتائج حسابات أوراقه جمعا وطرحا لامتطاء صهوة جواد الخلافة في محاولة استباقية لقيادة البلاد .

جاء في أوراقه * بخلاف المعلومات والاحصائيات المغلوطة التي لاتستند الى أية مصادر عليمة صورة مفرطة في التطرف والمغالاة تجاه الحالة السورية الثورية وتناول النظام الحاكم من منطلقات مذهبية ضيقة بتجاهل الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية ودون الاقتراب من طبيعته العنصرية الشريرة تجاه الشعوب والأقوام الوطنية ومخططاته الاقصائية ضد الكرد السوريين وجوهره المعادي للديموقراطية وحقوق الانسان واستغلاله ونهبه لخيرات الشعب السوري وبالخصوص الطبقات الدنيا وجمهور الفقراء فهو لايرى سوى المسألة الطائفية كمن ينظر بعين واحدة ويكاد أن يأخذ كل أبناء وبنات الطائفة العلوية الكريمة بجريرة النظام العائلي وتجريمهم وتهديدهم كما لايتوانى عن اتباع منهج التفسير الديني للتطور الوطني والثوري في سوريا وحصر الثورة في المسلمين وبخاصة السنة كما يستدل من أوراقه متنكرا بذلك ظلما وتجاوزا على حقيقة مساهمة كل الأطياف السورية من عرب وكرد وأشوريين وتركمان مسلمين ومسيحيين سنة وعلويين ودروز بشكل أو بآخر قليلا أو كثيرا في الانتفاضة الثورية الوطنية .

وتضمنت أوراقه قراءة شوفينية– عقائدية – اقصائية لواقع حال المكونات الوطنية السورية من قوميات وأثنيات وأديان ومذاهب ناكرا بصورة واضحة الطبيعة التعددية للمجتمع السوري طوال التاريخ منذ آلاف السنين وحتى الآن والهدف كما يبدو من أطروحات المنظر الأول للاخوان هو التحضير من الآن لنسف مااتفق عليه السورييون في معظم مؤتمراتهم ومجالسهم وحواراتهم في الداخل والخارج حول تماسك وتكاتف كل المكونات والعمل من أجل اعادة بناء الدولة السورية الديموقراطية التعددية الحديثة والسعي للترويج للبديل الأحادي قومية ودينا ومذهبا تماما كما هو طبيعة النظام القائم المستبد فهو ينفي فسيفسائية الشعب السوري وتنوعه وتعدده ويتهم الفضائيات باختلاق هذا الانطباع ويمضي في سبيل منح المصداقية لمزاعمه تسجيل أرقام احصائية من وحي خياله الشاعري الواسع باعتبار نسبة مسيحيي سوريا 5% معللا هذا النقص بتأثير الهجرة للغرب ليس طلبا لسعة العيش فحسب بل يتهمهم بالانصياع لأفكار الغرب متناسيا أن غالبية مهاجري سوريا ومنهم المسيحييون لم يقطعوا الصلة بوطنهم ماديا ومعنويا وعاطفيا ونضاليا أيضا ولاأدري وضع الاخوان المسلمين حيث 99% بحسب التقديرات متواجدون في الغرب بل في قلب الامبريالية منذ أكثر من أربعين عاما وبحسب الناطق يجب التشكيك بوجود وولاء هؤلاء كما يسترسل في الخداع ويمنح العلويين 10% والدروز 4% والاسماعيليين 1% ليخلص الى نتيجته المفضلة أن المسلمين السنة 85% والمسلمين عموما 95 ويتفضل مشكورا بالاعتراف بوجود " أقليات عرقية " من أكراد وتركمان وشركس يشكلون بمجملهم 10% وبنشوة المنتصر في منهجه الأصولي - الديني – المذهبي – الشوفيني يخرج بنتيجة باهرة قد تساعد مشروعه السلفي التكفيري السياسي : " هذه هي الحقائق الديمغرافية عن سورية أو عن بلاد الشام العربية المسلمة التي يثور شبابها اليوم طلبا للحرية والعدل وانتصارا للدين والهوية.. هذه الثورة من جهد المعارضة وفي مقدمتها جماعة الاخوان المسلمين التي حملت راية المعارضة وتزعمتها طوال ثلاثين عاما .. ورفضت التدخل الخارجي أو الاستعانة بالأجنبي .. وتلمس النصرة من ( تركية ) بحكم الجوار وحسن الظن " .

قبل الرد على الناطق أود الاشارة الى أن الأرقام والأعداد لاتلعب الدور الأساسي في استحقاقات المكونات الوطنية في أي بلد وخاصة سوريا بل أن المبادىء والمواقف السياسية الديموقراطية هي المنطلق لقراءة أية ظاهرة اجتماعية سياسية وثقافية وبما يتعلق بحقائق الجغرافيا البشرية في بلادنا وبحسب المعطيات غير الرسمية والتقديرات الأقرب الى الصحة البعيدة عن المواقف المؤدلجة المسبقة فان النسب تتوزع بالشكل التالي : 15% أكراد 13% علوييون 14% مسيحييون 7% دروز 2% اسماعيلييون 4% تركمان 2% شركس وشيشان ومن بين المسيحيين هناك قوميات وأثنيات مثل الأرمن والآشوريين والكلدان والسريان والنتيجة أن 57% من السوريين اما ليسوا عربا أو ليسوا مسلمين سنة مما لاتوفر شروط اقامة امارة اسلامية – سنية صافية للسيد الناطق الاخواني .

أما عن أباطيل أن الاخوان السورييون يتزعمون المعارضة منذ ثلاثين عاما وحتى الآن واضافة الى تناقضه مع تصريحات المرشد العام أقول اذا كان الناطق أنكر علاقتهم بكل ماجرى في الثمانينات في بيانات عديدة لم يتبق من فعلهم المعارض سوى ماأعلنوه على الملأ عن " تجميد " معارضتهم منذ أعوام من أجل تحرير المسكينة غزة وكل سلوكهم في الجبهات والاعلانات والمؤتمرات والمجالس عبارة عن زيارات استكشافية موسمية حتى ظهور العامل التركي الذي يسعون لاستثماره لمصلحة أجندة غامضة تثير الشكوك من بينها المزايدة حتى على حكومة الحزب الاسلامي الحاكم في معاداة الكرد من جهة ومزاحمة التيارات الشوفينية في سوريا في تجاهل الكرد وقضيتهم والانتقاص من حقوقهم بل اثارة الفتن بين العرب والكرد بهذه المواقف المريبة للناطق أو لم يكن كلمة شيخهم ومرشدهم السيد البيانوني في " مؤتمرالانقاذ " عندما أعلن متحديا وبدون سبب عن عروبة سوريا باستانبول سببا في اشعال فتنة أدت الى انسحابات ومواجهات وكذلك تصريحاته الأخيرة على الفضائيات ؟ .

لقد حذرالبعض من الأصدقاء والحلفاء العرب السوريين في المعارضة من مغبة محاولات اثارة الفتنة والشقاق بين العرب والكرد وكما تدل الوقائع هناك خطط موضوعة بهذا الاتجاه من جماعات الاسلام السياسي وخاصة الاخوان المسلمين ومن تيارات وشخصيات قوموية شوفينية أخرى فبعد التصريح المسيء للسيد برهان غليون ( رغم اعتذاره الشكلي ) صدر بيان آخربنفس المعاني والتوجهات من " التيار القومي العربي " ( المعارض ) جاء في احدى فقراته : لقد لاحظ الموقعون على هذا البيان، أنّ معظم أدبيات وبيانات المعارضة السورية ، ولا سيما تلك التي صدرت بعد 15  3  2011 قد تجاهلت البعد العربي لسورية، وباتت تتكلم عنها كما لو كانت جزيرة معزولة عن محيطها العربي. !ن سورية جزء من الوطن العربي، و !ن شعبها جزء لا يتجزأ من الأمة العربية " .

نرى أن كل ما يجري الآن على ساحتنا عبارة عن صراع فكري – سياسي بدأه الاسلام السياسي والتيارات القوموية الاقصائية مبكرا لتلمس الخطوط العامة لبديل المستقبل بعد ازالة الاستبداد وفي الوقت الذي نؤكد فيه على ضرورة الالتزام بقواعد الحوار وأصول المعركة السياسية والفكرية والثقافية نرى بأن العمل على صياغة البرنامج السياسي للمعارضة الوطنية بات من أولويات الواجبات الوطنية وسنبقى كما كنا أوفياء لقضيتنا الوطنية السورية المشتركة ولشراكتنا وتلاحمنا ونضالنا الواحد مع أشقائنا السوريين بكل أطيافهم وتياراتهم أمام العدو المشترك : نظام الاستبداد .

========================

الربيع العربي يضاعف من مسؤولية الحركات الإسلامية ..

حسان القطب

مدير المركز اللبناني للأبحاث والإستشارات

لطالما كانت الحركة الإسلامية بكافة تفاصيلها ومسمياتها وفصائلها ومجموعاتها عرضةً للاتهام بمحاولة زعزعة استقرار الأنظمة العربية والعمل على إسقاطها، وموضع تشكيك بمشروعها ورؤيتها السياسية وبرنامجها الإنمائي والاقتصادي وقدرتها على استلام السلطة وإدارة دفة الحكم بنشاط وفعالية، ودائماً ما كانت هذه الحركة أو الحركات محل استهداف وملاحقة أعضاء وسجن رموز وإعدام قادة وتنكيل بمؤيدين، ومنع من العمل السياسي والدعوي والفكري، تحت طائلة الملاحقة والمعاقبة، وغالباً ما أشارت بعض الأنظمة والبعض من القوى السياسية في العالم العربي إلى خطورة دور هذه الحركات على مستقبل الأمة العربية ودولها وعلاقاتها بالعالم الغربي وكذلك على الأقليات الدينية والعرقية في عالمنا العربي.. لذلك بقيت هذه الحركات خارج السلطة السياسية الرسمية، واكتفت بإدارة نشاطها في مجالات الدعوة والعمل الاجتماعي إلى جانب إعطاء بعض المواقف السياسية التي تتعلق بقضية فلسطين وبعض القضايا الإسلامي التي تهم العالم الإسلامي أجمع وليس مجتمع بعينه كقضية أفغانستان والشيشان والبوسنة وغيرها.. وابتعدت عن مناقشة القضايا السياسية الداخلية إلى حدٍ ما تجنباُ للمواجهة مع السلطة الحاكمة في هذه الدولة أو تلك..

الأنظمة العربية الحاكمة حالياً والتي تستهدفها ثورات الربيع العربي اليوم، طالما عملت على ترهيب مجتمعاتها من خطورة وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة ولو ضمن شراكة سياسية مع بعض القوى السياسية الأخرى بما فيها العلمانية، وهذا ما أكده بشار الأسد في تصريحه الأخير حين قال بأن حزبه الحاكم هو في حالة صراع مع حركة الإخوان المسلمين منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي، وأن الصراع في سوريا اليوم هو بين القوى الإسلامية وقوى القومية العربية.. في حين أن نظام الأسد نفسه استعمل هذه الحركات الإسلامية لمواجهة بعض الأنظمة في دول الجوار، ولإشاعة الفوضى في العراق، وقام بدعم حركة حماس في فلسطين إلى جانب الجهاد الإسلامي، ليعطي انطباع بأنه من أهم ناصري قضية العرب المركزية(قضية فلسطين). ومع ذلك يعلن بأن صراعه هو مع الإسلاميين باعتباره ممثل قوى الفكر القومي العربي. أضف إلى ذلك انه من أهم الحلفاء الاستراتيجيين لدولة فارس في إيران التي تتناقض مفاهيمها مع ثوابت الفكر القومي العربي التي يتبناها حزب البعث، وشهدنا هذا الأمر في العراق، خلال الحرب الضروس التي دامت ثماني سنوات، بين العراق وإيران. ونعيشها اليوم في تنفيذ سياسة اجتثاث البعث التي يمارسها حلفاء إيران في دولة العراق بحق القوميين العرب..

مع انطلاقة ثورات الربيع العربي التي أطلقتها الشعوب العربية المغلوبة على أمرها والمقهورة والمسحوقة لعقود من قبل هذه الأنظمة، دأبت هذه السلالات الحاكمة على القول بأن بديلها هو المجموعات الإسلامية المتطرفة التي سوف تستهدف شعوبها قبل جيرانها، وان الظلم الذي سيلحق بهذه الشعوب سوف يتجاوز بأضعاف ما تعيشه هذه الجماهير تحت سلطتها..وأشارت بشكل مباشر لحالة الأقليات الدينية التي سوف تعاني من كبت الحريات الدينية، في محاولة لجذبها إلى محور الصراع الداخلي وأتون الحرب الأهلية، وألمحت إلى تدهور الاقتصاد والتنمية الاجتماعية وغياب الحريات السياسية والإعلامية، التي سوف تسود عالمنا العربي.. وهذا الكلام مع إدراكنا بأنه محاولة للتشكيك بالثورات العربية وأسباب اندلاعها وأهدافها، إلا انه يشير إلى أن بعض الحركات الإسلامية وفي حال وصلت للسلطة، سوف تتجاهل منطلقات الثورة ومبادئها وسوف تستعيد ممارسات السلطة الحاكمة السابقة، وكل ما في الأمر هو أن الشعب العربي بثورته قد استبدل ديكتاتورية بأخرى.. لذلك فإن على الحركات الإسلامية أن تدرك هذه الحقيقة وهذه المحاولة وان تسعى لتكون على قدر المسؤولية في المرحلة المقبلة وان تكون شريك فاعل في قيادة شعوبها للانتقال من مرحلة قاتمة مظلمة إلى مرحلة أكثر إشراقاً ونضجاً ونجاحاً وهذا يقودنا للإشارة إلى بعض النقاط الهامة التي على الحركات الإسلامية أخذها في عين الاعتبار في حال تمكنت من الوصول إلى السلطة أو كانت جزءاً منها:

- إن انتفاضة التحرر العربي التي أطلقتها شعوبنا ضد الظلم والقهر، من الممكن أن تندلع وتنطلق وتشتعل مرة ثانية في حال حاولت السلطة الجديدة سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية تكرار ممارسات من سبقها في الحكم..

- إن حالة الحكم الديكتاتوري والحزب الحاكم والقائد الملهم لم تعد مجدية في عالمنا العربي والإسلامي، وأن حالة الوعي لدى مجتمعاتنا قد تجاوزت هذه العقبة التي كان يستند إليها زعماء وحكام المرحلة السابقة، ومن غير الممكن إعادة تجربتها.

- إن موضوع التنمية الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني من أهم مطالب شعوبنا لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة والعالم يواجه اليوم أزمات غذاء ومياه وأمن وطاقة وتأمين فرص عمل وسكن .. وهذا ما يجب أن يكون في أول سلم اهتمامات أي سلطة منتخبة حاكمة..

- إن موضوع الحريات الدينية والسياسية والإعلامية والاجتماعية شان لا يمكن العبث به أو تجاهله أو القفز فوقه، وأن عملية التحول الاجتماعي والسياسي يجب أن تأخذ وقتها الطبيعي لأنه من غير الممكن التحول من حالة سياسية واجتماعية حكمت لعقود، إلى حالة أخرى جديدة مغايرة بمجرد تغيير شكل واسم النظام وأسماء قادة السلطة ورموزها..

- إن الحالة الإسلامية سواء كانت في السلطة أو في المعارضة، هي جزء من النسيج الاجتماعي والسياسي في هذه الكيانات والدول، فلا يمكن تجاهل وجودها أو التلويح بخطرها من قبل البعض، كما لا يفترض بهذه الحالة الإسلامية أن تقدم نفسها على أنها الحل الأوحد والحاكم الوحيد وأنها لا تستطيع أن تحكم إلا بمفردها لأن عليها أن تتقبل التعايش مع قوى سياسية أخرى قومية وعلمانية ودينية موجودة وفاعلة على الساحة العربية والقرار النهائي هو بيد الشعب الذي عليه أن يختار سلطته الحاكمة في صندوقه الاقتراع، وعليها أن تمارس دورها على هذا الأساس وان تقدم أفضل ما عندها..

- إن التفاهم والتعايش والتعاون والتفاعل مع الأقليات الدينية والعرقية في عالمنا العربي هو مفتاح الاستقرار في المنطقة، وأي سوء يصيب هذه العلاقة يفتح باب التدخلات الدولية لحماية هذه الأقلية أو تلك وهذا ما جرى بالفعل خلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين إبان ضعف الدولة العثمانية، والتلويح بهذا الملف يأخذ الكثير من وقت بعض الكتاب والمفكرين والسياسيين وتصريحات القادة والسياسيين وبعض الرموز الدينيين.. وهذا ما يجب على الحركات الإسلامية أن تأخذه بعين الاعتبار وبجدية..

الكثير من الصحافيين والسياسيين والباحثين والدبلوماسيين يتحدث عن هذه المعضلة المفترضة، والكلام عن التجربة التركية الرائدة في العمل على انسجام وتناغم النظام العلماني التركي مع المفاهيم الإسلامية، فيه الكثير من التحدي لهذه الحركات الإسلامية العربية، نظراً للتباين والاختلاف بين البيئة العربية التي عاشت أنظمة حكم ديكتاتورية منذ الاستقلال وليومنا هذا، وبين المجتمع التركي الذي عاش تجارب متعددة من ديكتاتورية وعسكرية إلى ديمقراطية سمحت له بالتمييز بين هذا الشكل من النظام وذاك، وبين أهمية وفعالية هذا النهج وخطورة ذلك. ولكن يبقى على هذه الحركات الإسلامية في عالمنا العربي أن تدرك أنها أمام فرصة تاريخية لتقديم نفسها لجماهير الأمة العربية في قالب وأسلوب ومفاهيم وصور مختلفة عن تلك التي أعطيت لها من قبل الأنظمة البائدة والأحزاب المعادية والمجموعات المتطرفة، بغض النظر عن الأسباب التي أدت إلى التطرف أو إلى المواجهة والصدام.. ويبقى أن ندرك أن عملية التحول من الديكتاتورية إلى الديمقراطية سوف تأخذ وقتاً ليس بالبسيط، ويجب أن نعمل جاهدين لتصويب المسار والمسير عند وقوع أي خلل للخروج من عقلية حكم الفرد إلى حالة العمل السياسي الجماعي، ومن منطق العائلة والعشيرة والحزب، إلى سيادة حكم القانون والمصلحة الوطنية والكفاءة والشفافية.. وعندها تكون الحركات الإسلامي وسائر القوى السياسية قد استطاعت أن تقدم نموذجاً مختلفاً لبناء وطن ومجتمع متقدم ومتطور ديمقراطي تعددي...

===========================

سوريا: الثورة بين المنظومة والنظام .. هل يأتي الحسم من الخارج؟

د. بشير زين العابدين

أكاديمي سوري

بشار يفكك منظومة والده!

ارتكزت السياسة الداخلية في سورية إبان الفترة: 1970-2000 على ترسيخ دور المؤسسات الأمنية والعسكرية في الحياة العامة والإدارة المحلية،مما منح الرئيس السابق حافظ أسد مجالاً كافياً لإدارة سياسة خارجية مثلت محور استقرار نظامه ومورداً أساسياً لخزينته.

فقد أقام حافظ أسد علاقة تعاون عسكري مع الاتحاد السوفيتي-سابقاً- حصل بموجبها على نحو 12 مليار دولار من قيمة المعدات العسكرية،كما نجح في المحافظة على علاقات ودية مع دول الخليج العربي، في الوقت الذي وقف طوال الحرب العراقية-الإيرانية مع طهران نظير الصول على مكاسب اقتصادية، وفي المقابل؛أمّنت المشاركة السورية في حرب تحرير الكويت عام 1991، للنظام إيرادات سخية.

ونتيجة لبراعة حافظ أسد في إدارة الأزمات الإقليمية؛ فقد بلغت نسبة المساعدات الخارجية 60 بالمائة من مجموع إيرادات سوريا طوال فترة الثمانينيات والتسعينيات.

إلا أن بشار، الذي ورث السلطة عن والده، لم يرث منه الحنكة السياسية؛ فسرعان ما خسر الملف اللبناني برمته، واضطر إلى سحب قواته من لبنان، وأدى سوء إدارته إلى انشقاق نائبه عبد الحليم خدام، ومقتل وزير داخليته غازي كنعان، وتصفية عدد من ضباطه الأمنيين في ظروف غامضة خلال الفترة: 2005-2007.

وبدا واضحاً أن الرئيس الجديد لم يتمكن من فهم التحولات الإقليمية التي طرأت في مطلع الألفية الثالثة، ومن أبرزها: تراجع شعبية إيران إثر انكشاف سياستها الطائفية والشعوبية تحت أستار المقاومة، إضافة إلى ظهور الدور التركي، ورغبة حكومة "العدالة والتنمية"في ممارسة دور إقليمي أكثر فاعلية من ذي قبل.

فقد مثلت سياسة الانخراط ضمن المنظومة الإيرانية دعماً لنزعات طهران العدائية التي ضاقت الدول العربية بها ذرعاً، خاصة وأن خلايا "حزب الله" المدعومة من قبل سوريا قد استهدفت هذه الدولفي أمنها واستقرارها.

وبالإضافة إلى استعداء الدول العربية ضد سوريا؛ أخذ بشار يفقد جميع التوازنات التي ورثها عن والده؛ حيث تعرضت السياسة الخارجية السورية في الفترة: (2000-2011)، لعدة نكسات من أبرزها:فقدان السيطرة على القضية الفلسطينية عقب اتفاق أوسلو، ونشاط المعارضة الكردية ضده بعد تسليم أوجلان، والتوتر مع الحدود العراقية إثر الغزو الأمريكي، وإرغام القوات السورية على مغادرة لبنان بعد مقتل الحريري، وتعميق عزلة سوريا عن محيطها العربي نتيجة الإمعان في دعم مشروع التوسع الفارسي، وإفلاس النظام بسبب توقف المساعدات.

الامتعاض الروسي!

ولدى اندلاع الثورة السورية رمى الروس بثقلهم خلف النظام السوري لمنع فرص التدخل الخارجي، وبادروا إلى استخدام حق النقض لمنع قرار ضد سوريا بمجلس الأمن في 5 أكتوبر 2011، في محاولة لتجنب تكرار المشهد الليبي من قبل حلف الناتو، خاصة وأن موسكو تعتبر سوريا أحد أهم مناطق نفوذها، وتمثل قاعدتها البحرية في طرطوس نقطة ارتكاز لها في البحر المتوسط منذ أحداث جورجيا عام 2008.

ونتيجة لاستخدامها حق النقض؛ فقد واجهت روسيا سخطاً أوروبياً وأمريكياً، وإحراجاً دولياً بسبب ترجيح مصلحتها الإستراتيجية على أي اعتبار إنساني أو أخلاقي، مما اضطر موسكو لتبرير موقفها برفض التدخل الخارجي، ورغبتها في عدم خسارة سوريا لصالح حلف الناتو الذي سيحكم طوقه على مناطق ليست ببعيدة عن أراضيها، خاصة بعد نشر منظومته الصاروخية في تركيا.

ولكن الروس لم يكونوا حلفاء موثوقين لأصدقائهم العرب؛ فقد عارضت موسكو الغزو الأمريكي للعراق، ومن ثم الحملة العسكرية للناتو ضد نظام القذافي، ولكنها ما لبثت أن غيرت مواقفها مقابل الحصول على مميزات اقتصادية وإستراتيجية من الغرب.

وفي الوقت نفسه تسبب النظام السوري بإحراج كبير لنظام ميدفيديف الذي أبدى امتعاضه من سوء إدارة بشار للأزمة، وإفراطه في استخدام العنف دون أي رؤية سياسية أو أمنية واضحة، وعجزه عن الوفاء بالتزاماته بإخماد الثورة وإنهاء حملة القمع بسرعة ترفع عن موسكو الحرج أمام المجتمع الدولي.

ومع تفشي ظاهرة الانشقاقات العسكرية وتصاعد وتيرة العنف؛تبنى النظام السوري سياسة إقليمية خارجة عن الحصافة السياسية وفهم حساسيات الحلفاء؛ إذ أخذ الإعلام الرسمي يهدد بتأزيم الأوضاع الإقليمية، وكان لوليد المعلم (وحسون!) السبق في التلويح بتفجير الأوضاع في المنطقة، وهو أمر يضر بمصالح موسكو التي تريد استخدام الورقة السورية كوسيلة للمحافظة على التوازنات الإقليمية وليس للإخلال بها.

ونتيجة لذلك فقد بادر الروس إلى التوضيح بأن الفيتو لم يكن يقصد به منح النظام رخصة مجانية لممارسة القتل، بل كان القصد منه منع فرص التدخل الخارجي.

وللتأكيد على تباين موقفهم من سياسة دمشق؛ رد الروس على تهديد المعلم (معاقبة من يعترف بالمجلس الوطني) باستقبال بعض أعضاء المجلس في 10 أكتوبر 2011، ومن ثم تصريح الرئيس الروسي بأن على الأسد الرحيل إذا كان غير قادر على تطبيق الإصلاحات الضرورية في بلاده.

التحولات الإيرانية

سارعت طهران منذ الأيام الأولى لاندلاع الثورة السورية إلى دعم نظام أسد؛ فأوفدت اللواء محمد رضا زاهدي لإدارة مركز إيراني يهدف إلى تدريب الأمن السوري على قمع المحتجين.

وفي الوقت نفسه عمدت طهران إلى تحريك خلاياها لزعزعة الأمن في كل من: البحرين والكويت والسعودية، كما دفعت بعناصر تابعة لها لتنظيم مظاهرات أمام سفارات السعودية والبحرين في الأردن والقاهرة وطهران في وقت واحد، وذلك بهدف لفت الانتباه وتخفيف الضغط عن النظام السوري.

إلا أن الإيرانيين فوجئوا بضعف أداء النظام السوري الذي أخذ أقطابه يهددون باستخدام الشبكة الإيرانية لزعزعة أمن دول الخليج العربي، دون أن يدركوا بأن إيران قد هبت لنجدتهم بغية المحافظة على شبكة نفوذها، وحرصاً على استمرار توازنات القوى الإقليمية وليس بهدف الإخلال بها، وأصبح من الواضح لملالي طهران أن النظام لسوري قد أصبح مصدر تهديد مباشر لهم بسبب انعدام الفطنة السياسية لدى بشار والمحيطين به.

وتؤكد المصادر أن طهران قد فوجئت بقوة رد الفعل الإقليمي والدولي في أعقاب أحداث العوامية وإعلان محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير، حيث بادر الرئيس الفرنسي ساركوزي بتحذير إيران من احتمال تعرضها لضربة استباقية، وظهر قلق موسكومن خلال المناورات العسكرية التي قامت بها القوات الروسية مع القوات المسلحة لكل من: كازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان تحسباً لاندلاع مواجهات في سواحل بحر قزوين، وهدفت المناورات إلى تدريب جيوش هذه الدول على حماية المنشآت النفطية لديهم في حال تعرضها لقصف جوي أو استهدافها بصواريخ موجهة، وقد حضر الرئيس الروسي جزءاً منها للتأكيد على أهميتها.

أما في الخليج العربي؛فقد أجريت في الفترة: 6-16 أكتوبر2011؛ مناورات جوية مشتركة لدول مجلس التعاون الخليجي في قاعدة الملك فهد الجوية بالطائف، وعقدت في الفترة نفسها مناورات تدريب بحري مشترك لدول المجلس، بمشاركة قطع من الأسلحة البحرية التابعة للقوات البحرية لهذه الدول، وفي هذه الأثناء عقد اجتماع استثنائي لرؤساء أركان دول مجلس التعاون في أبو ظبي، واختتم في 19 أكتوبر 2011 بتصريح مسؤول عسكري إماراتي رفيع أن: "بعض القوى الإقليمية والجماعات التابعة لها كانت وراء الأحداث المؤسفة التي وقعت في دول الخليج العربي".

ولكن المناورات الأكثر خطورة من حيث الحجم والدلالة تمثلت في التدريبات التي تجريها القوات الأمريكية في منطقة الخليج العربي في الوقت الحالي، وتضم 41 مقاتلة عملاقة من اللواء الثاني والعشرين، ويخوضها مقاتلون بكامل جهوزيتهم القتالية، كما تشترك فيها 7 سفن حربية، وقوات برية بالذخيرة الحية.

وأمام ذلك التصعيد العسكري غير المسبوق؛ وجد الإيرانيون أنفسهم مضطرين للتهدئة تفادياً لردود أفعال قد يكون لها أسوأ الأثر على نظام طهران الذي يواجه أزمة اقتصادية خطيرة جراء التضخم المالي، ويعاني من خفض حجم الاستثمار في القطاع الإنتاجي، وارتفاع نسبة البطالة، وانخفاض إنتاج النفط وإيرادات تصديره، مما أدى إلى تخفيض الإنفاق الإيراني ل: "حزب الله" بنسبة أربعين بالمائة، بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران.

وقد شهد الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر تدهوراً ملحوظاً في العلاقات بين طهران ودمشق، وظهرت بوادر الأزمة لدى إلغاء وزير الخارجية الإيراني صالحي زيارته التي كانت مقررة إلى دمشق في 25 أكتوبر 2011 دون ذكر الأسباب، وكان رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي أكبر ولايتي قد عقد اجتماعاً مع المرشد الأعلى علي خامنئي لمناقشة تأثير الأوضاع في سوريا على إيران، واتفق الطرفان على أن نظام بشار أسد مقدم على انهيار يصعب تفاديه، وتقرر في ذلك الاجتماع إعادة صياغة الإستراتيجية الإيرانية تجاه سوريا، حيث أكد خامنئي على ضرورة فصل "حزب الله" عن سيطرة سوريا، وذلك من خلال تقديم الدعم للحزب عبر قنوات أخرى، كما تردد الحديث عن إمكانية دعم طهران لمشروع تشكيل حكم ائتلافي بديل تتوافق عليه الأطراف الإقليمية ويتعهد بدوره بالمحافظة على المصالح الإيرانية.

ولتأكيد تحول الموقف الإيراني؛ ذكرت مصادر أمريكية أن مكتب أحمدي نجاد اتصل بقناة (CNN) وأصر على إجراء لقاء معه، وبعد تشاور مدراء القناة مع البيت الأبيض تم إيفاد مراسلها "فريد زكريا" إلى طهران في 22 أكتوبر 2011 لسماع ما يرغب نجاد بقوله، وكانت المفاجأة هي أن نجاد كان واضحاً في الإعلان عن تغير مزاج طهران تجاه دمشق عندما قال: "ليس لأحد، ليس لأحد، ليس لأحد الحق في أن يقتل الآخرين، لا الحكومة ولا معارضيها"، ثم أردف قائلاً: "نرى أن على الحكومات أن تستمع إلى مطالب واحتياجات شعوبها، وأن تحقق أمنهم وتحفظ حقوقهم، وهذا يشمل كلاً من ليبيا وسوريا"، مضيفاً: "سنقوم ببذل جهود لتشجيع الحكومة السورية والأطراف الأخرى للوصول إلى اتفاق، ونعتقد بأنه يجب أن لا يكون هناك تدخل من الخارج".

وقد تسببت هذه المقابلة في فتور العلاقة بين دمشق وطهران، وترسخ ذلك الفتور عقب زيارة وزير الخارجية الإيراني صالحي إلى الرياض للتعزية بوفاة ولي العهد السعودي، حيث حرص صالحي في أثناء زيارته على لقاء مسؤولين سعوديين بهدف توصيل رسائل إيجابية وتهدئة الأوضاع، واختتم صالحي زيارته القصيرة بمقابلة أجراها مع صحيفة الشرق الأوسط أكد فيها رغبة طهران في تقوية العلاقة بين البلدين، وزيادة التنسيق بينهما في القضايا الإقليمية.

ملامح المبادرة الإقليمية

يمكن رسم ملامح السياسة التي تدفع كل من روسيا والصين وإيران باتجاهها في المبادئ التالية:

1- منع فرص تدخل الناتو في الشأن السوري لما يمثله ذلك من إخلال في التوازنات الإستراتيجية في المنطقة.

2- تشجيع القوى الإقليمية، وبالأخص منها الدول العربية، للتقدم بمبادرات تنهي حملة القمع التي يرتكبها النظام.

3- التوصل إلى حلول تضمن المحافظة على الأوضاع القائمة، ولا تؤثر سلباً على مصالح كل من بكين موسكو وطهران في المنطقة.

وقد لجأت القوى الثلاث إلى تنسيق مواقفها خلال الأيام الماضية، بسبب عجز نظام أسد عن ضبط الأوضاع الأمنية في سوريا من جهة، وتصاعد وتيرة الثورة السورية من جهة أخرى، ولم تخف هذه الدول قلقها من حملة التصعيد التي تتزعمها تركيا عبر إجراء مناورات عسكرية لتدريب مقاتلي الفرقة 39 للانتشار على الحدود الجنوية في حالات الطوارئ، وقرار القيادة العسكرية أخذ زمام المبادرة جراء استغلال حزب العمال الكردستاني حالة الفوضى في المناطق الحدودية مع سوريا لشن هجمات على الجيش التركي، مما أدى إلى مقتل 27 جندي تركي،وتوعد رئيس الجمهورية عبد الله غل برد مزلزل، في حين أكد أردوغان أن:"المشكلة في سورية شأن تركي داخلي، لأنه يؤثر على أمننا بصورة مباشرة". وقد دفعت هذه التطورات وزير الخارجية الإيراني صالحي لزيارة أنقرة وتأكيده على تعاون بلاده من أجل احتواء الأزمة.

وفي إشارة لتحول مواقف الدول العبرية؛ نشر الباحث في الشأن السوري إيال زيسر مقالة هامة تحدث فيها عن وقوع تحولات كبيرة في مسار الثورة السورية، مؤكداً أن استمرار النظام السوري بات يهدد أمن إسرائيل، وذكر زيسر في بحثه (الذي لاقى اهتماماً كبيراً في تل أبيب) أن بشار أسد حاكم ضعيف لا يستطيع أن يبرم معاهدة سلام حقيقية مع إسرائيل، كما أن استمراره في دعم حماس و"حزب الله"، واعتماد الإيرانيين عليه في تنفيذ سياستهم العدائية في المنطقة يشكلان خطورة على أمن إسرائيل التي يجب أن لا تنخدع بهدوء جبهة الجولان، وأن تبحث جادة في بحث بدائلها إزاء الوضع المتدهور في سوريا، خاصة وأن أي بديل يخلف حكم آل أسد سيكون ضعيفاً ولن يشكل خطورة تذكر على أمن إسرائيل في السنوات القادمة، باستثناء بعض التوتر الذي يمكن أن تشهده الحدود ولكنه لن يرقى إلى تهديد كيان الدولة العبرية.

النظام السوري يقود حلفاءه إلى الهاوية

بعد سبعة أشهر من التخبط الرسمي في مواجهة مطالب الإصلاح، والإفراط في استخدام القوة العسكرية ضد الشعب؛ بدأ النظام السوري يتجرع مرارة تخبطه؛ فعلى الصعيد الاقتصادي شهدت البلاد توقف حركة النقل والتبادل التجاري مع الدول المجاورة، وسجل قطاع السياحة خسائر قدرت بنحو 5 ملايين جنيه إسترليني، في حين فقدت الليرة السورية 15 بالمائة من قيمتها مقابل الدولار، وتراجعت نسبة الاحتياطي النقدي الأجنبي في البلاد بنسبة 6 بالمائة، واختفى الدولار من الأسواق، وارتفع سعره بنسبة 10 بالمائة في السوق السوداء، في حين شهد الاقتصاد السوري انكماشاً بنسبة 2 بالمائة في الأشهر الماضية، وأدى عزوف الشركات الخليجية والأجنبية عن الاستثمار في سوريا إلى هدر فرص استثمارية بقيمة 27.3 مليار دولار.

في هذه الأثناء انخفض إنتاج النفط بنسبة خمسين بالمائة، إذ تؤكد أرقام المؤسسة العامة للنفط أن سوريا أنتجت خلال النصف الأول من السنة الجارية 70 مليون برميل نفط، مقابل نحو 141 مليون برميل في الفترة نفسها من العام الماضي، ومع سريان مفعول المقاطعة الأوروبية ستفقد البلاد نحو 2,5 مليار دولار سنوياً، ولن تجدي سياسة البحث عن مشترين جدد، إذ إن عملية الانتقال إلى سوق جديدة تتطلب وقتاً لا يملكه النظام في ظل مصاريف باهظة للحرب الشاملة التي يشنها النظام ضد شعبه.

أما على الصعيد الميداني، فقد شهد النصف الثاني من شهر أكتوبر 2011؛ انهيارات جديدة في المؤسسة العسكرية، حيث ترددت أنباء عن اختفاء ثلاث ضباط برتبة لواء، أحدهم في جهاز الاستخبارات، وتؤكد المصادر أن عدد المنشقين من الجيش السوري يزيد عن عشرة آلاف، في حين تتسع دائرة المواجهات بين القوات الموالية للنظام وفرق "الجيش السوري الحر"، والتي تستخدم فيها الطائرت المقاتلة والمدرعات والرشاشات الثقيلة، وتؤكد صحيفة نيويورك تايمز أن الحكومة التركية توفر الحماية للجيش السوري الحر الذي تنشط فرقه داخل سوريا، وتقوم بعمليات نوعية، وتذكر الصحيفة أن الجيش الحر يستخدم الأسلحة التي كانت بحوزته عندما أعلن انشقاقه، وبأن عددهم لا يقل عن عشرة آلاف، وتؤكد مصادر مطلعة أن الجيش الحر يستخدم أسلحة (آر بي جي) المضادة للدروع، والرشاشات الروسية (الكلاشنكوف) والقنابل اليدوية، وقد قام جنوده بعمليات نوعية تم التكتم عليها في المناطق الشمالية، وفي هذه الأثناء بدأ عدد من شباب منطقة حمص ودير الزور يتطوعون في كوادر الجيش الحر بهدف الدفاع عن أنفسهم وأهليهم من بطش الشبيحة وعناصر الأمن.

وفي المقابل تسود حالة من الهلع في المناطق التي عرفت بولائها للنظام، حيث يعمد السكان إلى نشر المتاريس ونقاط التفتيش، ويشترون الأسلحة التي يتم تهريبها من البلدان المجاورة، فقد ذكر الباحث بيتر هارلينج من مجموعة الأزمات الدولية أن تجارة السلاح بدأت تزدهر في سوريا وخاصة في أوساط الموالين للنظام بسبب تخوفهم من الأوضاع، وكذلك من قبل المعارضين الذين يشترون الأسلحة الخفيفة لحماية أنفسهم من عصابات النظام، وأغلب الأسلحة التي يتم تداولها في السوق السوداء هي أسلحة قديمة من بقايا الحرب الأهلية بلبنان، ويؤكد هارلينغ أن قرى "علوية" قد تسلحت بشكل واسع خوفاً من عمليات ثأر محتملة.

وفي ترسيخ حالة الهلع السائدة في أروقة النظام، أكدت وكالات الأنباء قيام مجموعة كتائب هندسة من الجيش السوري خلال اليومين الماضيين بزراعة الألغام على الحدود مع كل من: الأردن (شمال نهر اليرموك) ولبنان (بالقرب من قرى كنايسه والحنيدر، وهيت وبويت) وتركيا (إدلب وجبل الزاوية)، بهدف وقف تهريب الأسلحة وتسلل المعارضين.

وتأتي هذه الإجراءات في ظل تردد الحديث عن إصابة بشار بحالة من الاكتئاب لدى رؤية مشاهد مقتل القذافي، حيث تغير سلوكه، وبدأ يشعر بالخوف من زيادة عدد المنشقين، ومقتل عدد من ضباط جيشه في عمليات نوعية لا يعلن عنها.

وكان بشار قد بدا في آخر مقابلة له على التلفاز السوري مثل نيرون: يتحدث بصوت خافت، ويعزف على أنغام التعديلات المصطلحية في الدستور بينما تحترق بلاده، إلا أن تأكيد رئيس الأركان القطري اللواء حمد بن علي العطية في 27 أكتوبر 2011 لأول مرة مشاركة المئات من القوات القطرية في العمليات على الأرض مع الثوار الليبيين، قد أثار مخاوف بشار، الذي أفزعه كذلك تصريح الإدارة الأمريكية أنها تبحث في وسائل حماية المدنيين في سوريا.

جدير بالذكر أن الحديث عن الحظر الجوي وحماية المدنيين كان بداية التدخل العسكري لحلف الناتو بليبيا في شهر مارس الماضي.

ما الهدف من مبادرة جامعة الدول العربية؟

في 16 أكتوبر 2011؛ أعلنت جامعة الدول العربية عن مبادرة أثارت جدلاً كبيراً حول جدوى التقدم بشروط لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع، إضافة إلى ما صاحبها من تكتم وغموض.

ونظراً لأهمية هذه المبادرة، وما يمكن أن يتمخض عنها، فإنه يمكن توضيح أهم ملامحها فيما يأتي:

1- تحدث بيان الجامعة عن: "إمهال" النظام السوري فترة 15 يوماً لفتح حوار مع المعارضة في مقر الجامعة بالقاهرة، ودعا دمشق إلى: "وقف كافة أعمال العنف والاقتتال ورفع كل المظاهر العسكرية، وبدء الحوار بين الحكومة السورية وأطراف المعارضة لتنفيذ الإصلاحات السياسية التي تلبي طموحات الشعب السوري".ولا شك أن الحديث عن "مهلة" زمنية يقتضي وجود إجراءات أخرى في حال انقضاء المهلة دون تحقق الشروط، كما أن دعوة النظام السوري إلى وقف أعمال العنف وسحب قواته في ظل تصاعد وتيرة الانشقاقات العسكرية، وزيادة زخم التظاهرات هو بمثابة انتحار لا يمكن للنظام أن يوافق عليه.

2- في استمرار لسياسة التخبط؛ بادر نظام أسد إلى رفض هذه المبادرة، وجند إعلامه الرسمي لمهاجمتها،ولكنه ما لبث أن وافق عليها تحت ضغط "الأصدقاء"، والتقى بشار على مضض بالوفد الذي ترأسه رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري حمد بن جاسم وضم وزراء خارجية كل من مصر والسودان والجزائر وسلطنة عمان، وبعد ذلك صرح رئيس الوفد أن اللقاء كان: "ودياً وصريحاً"، وتم الاتفاق على عقد لقاء ثان يوم 30 أكتوبر 2011.

3- يغيب عن محاولات تقييم هذه المبادرة ما صاحبها من ديبلوماسية إقليمية مكثفة، حيث تمت زيارات غير معلنة لطهران، وأجرى مسؤولون إيرانيون لقاءات مع نظرائهم في كل من تركيا والمملكة العربية السعودية، وعقدت شخصيات من المجلس الوطني لقاءات مغلقة مع بعض القادة العرب، ومن ثم أعلنت كل من: الصين وموسكو وباريس دعمهم للمبادرة العربية، في ظل سكوت إيراني يوحي بالرضا.

4- أما على الأرض فلم يكن الوضع "ودياً" على الإطلاق، حيث صعّد النظام وتيرة العنف، وحصدت آلته العسكرية أرواح المئات من الشعب السوري استقبالاً للوفد العربي، مما دفع بالجامعة لمخاطبة النظام السوري يوم السبت 29 أكتوبر 2011، معبرة عن امتعاضها من استمرار تدهور الأوضاع، ومعربة عن تطلعها إلى تحقيق نتائج جدية من الزيارة المزمعة لوفدها في أقل من 24 ساعة.

ويمكن القول أن هذه المبادرة تعتبر أول محاولة تتوافق عليها القوى الرئيسة بهدف احتواء أزمة التصعيد الإقليمي التي يهدد النظام بإشعالها.

وبالإضافة إلى ذلك فإن جميع هذه القوى ترغب في رفع الحرج عن نفسها بسبب صمت البعض وتأييد الآخرين للنظام السوري الذي نجح في إحراج مؤيديه ومعارضيه على حد سواء.

وفي الوقت نفسه جاءت هذه المبادرة لتعكس إجماعاً إقليمياً بفشل المعالجة الأمنية وغياب الرؤية السياسية لدى بشار والفريق المحيط به، وحرصهم على التحرك بهدف احتواء حالة الفوضى التي يمكن أن تندلع في حالة استمرار العنف الرسمي وفقدان القيادة العسكرية السيطرة على جنودها، وسيكون لذلك عواقب وخيمة تنعكس على أمن الدول المجاورة.

كما أن وقوف المنظومة الإيرانية لصالح النظام السوري، وما نتج عن ذلك من استعار المنافسة الإقليمية أخذ ينذر القوى الكبرى باحتمال اندلاع حرب شاملة يصعب السيطرة عليها، مما دفع بكل من فرنسا والصين وروسيا إلى دعم هذه المبادرة لتهدئة الأوضاع والبحث عن البدائل التي يمكن أن تتوافق عليها جميع الأطراف، إلا أن هذه القوى لا تملك رؤية واضحة لما يمكن أن يؤول إليه المشهد السوري في ظل عجز النظام وفقدانه جميع مقومات الاستمرار، ويؤكد خطاب الجامعة العربية قبيل الزيارة الثانية لوفده يوم الأحد هيمنة الترقب والقلق، وتلاشي الرؤية السياسية في دوامة المخططات الإقليمية والمبادرات.

لكن الصورة على أرض سوريا كانت واضحة منذ الأيام الأولى للثورة؛ حيث أحرقت الأعلام الإيرانية والرايات الصفراء التابعة لها في رسالة مفادها أن الشعب السوري مستعد لمواجهة المنظومة الإيرانية حتى يحقق هدفه في إسقاط النظام.

===========================

الصراع القومي العلماني مع جماعة الإخوان المسلمين .. آخر صيحات النظام وفبركاته

محمد فاروق الإمام

في مقابلة أجرتها صحيفة (ذي صنداي تلغراف) البريطانية، ونشرت يوم الأحد 30 تشرين أول المنصرم حذر الأسد الصغير من أن أي عمل غربي ضد دمشق سيؤدي إلى "زلزال" من شأنه أن "يحرق المنطقة بأسرها".

وقال الأسد إن "سورية اليوم هي مركز المنطقة. إنها الفالق الذي إذا لعبتم به تتسببون بزلزال... هل تريدون رؤية أفغانستان أخرى أو العشرات من أفغانستان؟".

وأضاف إن "أي مشكلة في سورية ستحرق المنطقة بأسرها". وأنه "يدرك أن القوى الغربية "سوف تكثف الضغوط حتما" على نظامه، ولكنه شدد على أن "سورية مختلفة كل الاختلاف عن مصر وتونس واليمن. التاريخ مختلف، والواقع السياسي مختلف".

وأكد الأسد الصغير في مقابلته على أن ما تشهده سورية اليوم هو "صراع بين الإسلاميين والقوميين العرب (العلمانيين)"، مضيفا "نحن نقاتل الإخوان المسلمين منذ خمسينيات القرن الماضي وما زلنا نقاتلهم".

الغرب اعتبر أن تهديدات الأسد الصغير تقصده إذا حاول التدخل عسكرياً لحماية الشعب السوري من المذبحة التي يتعرض لها، فقد اعتبرت صحيفة (فرنكفورتر-فرانكفورت العامة) الألمانية أن تهديدات الأسد جدية، (فالرجل لا يرقب بإنسان ببلده إلاًّ ولا ذمة، فهو يطلق الرصاص على الآمنين ولم يعد يميز بين طفل وشيخ وامرأة) مشيرة إلى أن (تصريحات الأسد شبيهة بتصريحات سلفه معمر القذافي الذي حذر الغرب من مغبة استلام الإسلاميين حكم ليبيا لأنها ستصبح معقلاً للقاعدة) داعية الغرب إلى (اتخاذ سياسة حازمة ضد نظام الأسد وإنقاذ الشعب السوري) واصفة تحذيرات الأسد الصغير بالجوفاء (فهو كان قد وعد ميليشيات حزب الله بدعم عسكري أثناء مواجهة ذلك الحزب لجيش الكيان الصهيوني في صيف عام 2007 إلا أنه اختبأ بأحد جدران قصره في اللاذقية بل قامت طائرات تابعة للكيان الصهيوني بضرب اللاذقية ولم يطلق أي رصاصة تجاه الطائرات ثم خرج ليشتم دول الخليج العربي وفي مقدمتها السعودية لتخاذلها عن نصرة حزب الله، والأسد الذي وعد بتحرير الجولان لم يقم بتنفيذ وعده بل ساهم بقتل شعبه)

هنا أكتفي برد الصحيفة الألمانية على عنتريات الأسد الصغير وقد كشفت بالوقائع والحقائق على الأرض طبيعة هذا النظام، الذي لا يجيد إلا الجعجعة وكيل الاتهام للآخرين ووصمهم بالتخاذل والخيانة والعمالة، وذبح العزل وقتل المحتجين والمتظاهرين السلميين الذي خرجوا مطالبين بالحرية والكرامة والديمقراطية!!

أما عن دعاوي الأسد الصغير من أن الصراع في سورية كان بين القوميين العرب العلمانيين والإسلاميين، وأنه يقاتل الإخوان المسلمين منذ خمسينات القرن الماضي فشيء يثير التقزز والغثيان من هذه المفتريات، التي لا تقنع الطفل الصغير الذي يصدح في الشارع منذ ثمانية أشهر ويتلقى رصاص شبيحة ورجال أمن الأسد بصدره العاري (بشار ما منحبك ارحل عنا أنت وحزبك).

ولو رجعنا إلى خمسينات القرن الماضي لوجدنا أن الصراع كان في حقيقة الأمر بين القومين العرب العلمانيين وبين حزب البعث العربي الاشتراكي الانقلابي الذي كان وراء كل انقلابات العسكر التي حدثت في سورية (انقلاب حسني الزعيم، وانقلاب سامي الحناوي، وانقلابي أديب الشيشكلي الأول والثاني، وانقلاب الضباط البعثيين الصغار)، فلو رجعنا إلى رموز هذا الحزب ومذكراتهم وتصريحاتهم لوجدنا أن الجميع يقرون بذلك ويدعونه، وأن الصراع كان بينهم وبين القوميين العرب العلمانيين للوصول إلى السلطة وبأي شكل وبأي ثمن، في حين كان الإسلاميون وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين يلتزمون بقواعد اللعبة الديمقراطية التي كانت تعيشها سورية في تلك الحقبة، ولم تكن يوماً إلى جانب الانقلابات العسكرية أو تفكر في تبنيها، رغم ممارسات عدد كبير من ضباط الجيش الضغوط عليها لتسلم الحكم عقب انقلاب ناجح يقومون به، لأن جماعة الإخوان المسلمين كانت على الدوام تؤمن بأن الشعب هو صاحب القرار والاختيار، وكانت على الدوام تلتزم بنتائج صناديق الاقتراع، وتعقد التحالفات مع كل الأطياف القومية واليسارية والعلمانية سواء خلال خوض الانتخابات أو في تشكيل الحكومات أو في المصادقة على القرارات.

كل الأطياف السياسية الفاعلة في سورية في خمسينات القرن الماضي كان لها تمثيل بحسب حجمها في مجلس النواب، ولم يكن لحزب البعث أي تمثيل في هذا المجلس حتى العام 1952، حيث جرب الأستاذ ميشيل عفلق وصلاح البيطار مؤسسا الحزب خوض الانتخابات فلم يحقق أياً منهما الفوز.. إلى أن توحد حزب البعث الذي يقوده ميشيل عفلق والحزب العربي الاشتراكي الذي يقوده أكرم الحوراني الذي كان يملك قاعدة شعبية واسعة في ريف حماة وبعض أرياف المدن السورية الأخرى، وقد حقق هذا الدمج حصول الحزب على 16 مقعداً في مجلس النواب، في حين كانت تتقدم عليه في عدد المقاعد أحزاب (الوطني والشعب والجبهة الإسلامية)، ولما لم يتمكن حزب البعث من الوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع الحر يمم وجهه نحو الجيش من جديد، حيث دفع عدداً من ضباطه إلى السعي للاتصال بالرئيس جمال عبد الناصر من وراء الحكومة الشرعية المنتخبة ودون استشارتها، وعقد اتفاق معه على إقامة وحدة اندماجية بين سورية ومصر يكون فيها جمال عبد الناصر رئيساً، ووضع هؤلاء الضباط الحكومة السورية أمام خيار واحد، إما القبول بما اتفقوا عليه مع الرئيس عبد الناصر أو الإطاحة بهم لأنهم كانوا ضد إقامة الوحدة مع مصر، وهي الأمنية التي كانت تراود كل العرب من المحيط إلى الخليج، وحتى لا يوصم رجال الحكم آنذاك بأنهم ضد الوحدة ذهبوا مع الضباط إلى القاهرة ووقعوا على الوحدة وآثروا الانسحاب من الحياة السياسية، لتصبح سورية الديمقراطية والتعددية والتداول السلمي للسلطة رهينة بيد البعثيين الذين انتشوا فرحاً عندما أصبحوا جزءاً أساسياً من النظام الجديد، حيث شغل أكرم الحوراني الرجل الثاني في حزب البعث منصب نائب رئيس الجمهورية وتسلم عدد كبير من أعضاء الحزب حقائب وزارية هامة، ولم يطل شهر العسل بين عبد الناصر والبعثيين عندما شعر أن هدف الحزب من كل هذه الوحدة هو التسلط على سورية وجعلها مزرعة لهم، فبدأ الصراع الخفي بين الطرفين القوميين العروبيين (الناصري والبعثي) يظهر إلى العلن، حيث تقدم البعثيون باستقالة جماعية، وراحوا يحيكون المؤامرات لفصم هذه الوحدة والإطاحة برائد القومية العربية آنذاك جمال عبد الناصر.

لقد كان من شروط الوحدة أن تحل كل الأحزاب السورية نفسها وقد فعلت تلك الأحزاب ذلك وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين إلا حزب البعث فإنه رفض حل نفسه (رغم إعلانه عن حل نفسه)، وبدأ العمل من تحت الأرض ساعياً إلى تدمير الوحدة ودولتها وبكل الوسائل والسبل، فقد أنشأ مجموعة من ضباطه المقيمين بالقاهرة خلية سرية أطلقوا عليها اسم (اللجنة العسكرية) ضمت كلاً من (العقيد محمد عمران والعقيد صلاح جديد والعقيد حافظ الأسد) وبدأت تتوسع هذه اللجنة حتى أصبحت من القوة بحيث كان بإمكانها فصل سورية عن مصر واستلام الحكم فيها، ولكن مجموعة من (الضباط الشوام) التي شعرت بالغبن الذي أصاب سورية والشعب السوري من هذه الوحدة الاندماجية غير المدروسة تمكنت من فصل سورية والاستيلاء على الحكم، ولم يُعدم البعثيون الحيلة حيث سارع رموز الحزب (أكرم الحوراني وصلاح البيطار) بصياغة بيان الانفصال والتوقيع عليه، في حين رفضت جماعة الإخوان المسلمين التوقيع على البيان، واعتبرت أن حركة الانفصال حركة غير شرعية ولا تمثل الإرادة الشعبية.

وراح ضباط حزب البعث من خلال توافقات بينهم وبين الضباط الناصريين والقوميين والشيوعيين يعملون على الإطاحة بالضباط الشوام إلى أن تمكنوا من النجاح أخيراً في فجر الثامن من آذار عام 1963 والإطاحة بهم وتسلم السلطة وتوزع المناصب فيما بينهم وبين حلفائهم من الناصريين والقوميين والشيوعيين وبعض المستقلين، وفي الخفاء كانوا يخططون للاستئثار بالحكم دون الجميع، وتم لهم ذلك في تصفيات متلاحقة بحق الضباط الناصريين والقوميين والمستقلين حتى إذا ما أمسكوا بالحكم في كل مفاصله بدأ الصراع فيما بينهم يأخذ طابعا دموياً حيث أطيح بالرئيس أمين الحافظ في مجزرة دموية بشعة في 23 شباط عام 1966، لتنكب سورية بهزيمة حزيران عام 1967 على يد البعثيين وتسلم الجولان دون دفع أو مدافعة إلى الصهاينة بقرار من وزير الدفاع آنذاك اللواء حافظ الأسد الذي أعلن سقوط القنيطرة وأمر الجيش بالانسحاب الكيفي، ولما شعر الحزب بالخزي والعار الذي أصابه جراء هذه الهزيمة، وفكر بعض رموزه في محاسبة وزير الدفاع حافظ الأسد على تخاذله وتسليمه للجولان للعدو الصهيوني وإعلانه عن سقوط القنيطرة قبل دخول القوات الإسرائيلية إليها، سارع هذا – أي وزير الدفاع حافظ الأسد – بالاستيلاء على السلطة في عملية غدر بشعة، حيث ألقى القبض على رئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي ورئيس وزرائه يوسف زعين، ورفاقه أعضاء القيادة القومية والقيادة القطرية لحزب البعث فجر السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970.

وأخذ الحكم الجديد يلاحق القوميين والناصريين والرفاق البعثيين وكل معارضيه داخل سورية وخارجها اعتقالاً وسجناً ونفياً وقتلاً وتصفية، وكان في مقدمة من وقع ضحية للنظام الجديد رفاق رأس النظام حيث تم اغتيال القائد البعثي صلاح جديد في باريس، واغتيال الشريك في الجنة العسكرية العقيد محمد عمران في لبنان، وسجن الرفيق في اللجنة العسكرية العقيد صلاح جديد حتى مات في سجنه، وغير هذه الأسماء كثير وكثير، وكلها كانت تعتنق العروبة والقومية والعلمانية واليسارية، ولم يكن للإخوان المسلمين أي دور في كل هذه الأحداث لا من قريب ولا من بعيد.

وشارك حافظ الأسد أنور السادات في حرب تشرين أكتوبر 1973، فحرر السادات سيناء ومضائق ثيران واجتاز خط بارليف، في حين سلم حافظ الأسد بقية المناطق والقرى التي لم تحتلها إسرائيل عام 1967 (34) قرية حدودية تابعة للجولان، وعقد مع الصهاينة اتفاقية فك الاشتباك عند الكيلو (54) عام 1974 التي تعهد الأسد بموجبها المحافظة على أمن إسرائيل في مقابل إعادة القنيطرة المدمرة، وهذا ما حصل بالفعل حيث لم يسمع أزيز رصاصة واحدة تطلق في سماء الجولان منذ عقد تلك الاتفاقية.

وعلى المستوى القومي والعروبي وقف حافظ الأسد إلى جانب الإيرانيين الفرس في حربهم ضد رفاقه البعثيين في العراق لثماني سنوات يمدهم بالسلاح والعتاد والتمويين حتى توقفها، ومن ثم انضمامه إلى التحالف الدولي تحت راية الولايات المتحدة في حربها ضد العراق عام 1990، وبعدها فعل نفس الشيء وريثه بشار الأسد عندما قدم الدعم المخابراتي واللوجستي للأمريكيين في غزوهم للعراق عام 2003.

أما عن القضية الفلسطينية فحدث وحرج عما فعله النظام القومي والعروبي البعثي بمنظمة التحرير وفصائلها المقاتلة في لبنان، وما فعله بالمنظمات الوطنية المقاتلة اللبنانية التي كانت تقف إلى جانب الفلسطينيين، وحدث ولا حرج عن قتله واغتياله للقادة الوطنيين العروبيين والقوميين اللبنانيين.

الحديث عن فعال القوميين والعروبيين البعثيين بأنفسهم وما فعلوه بأقرانهم ورفاقهم لا يمكن الإتيان عليه بمقال أو دراسة أو بحث أو كتاب، وما قدمناه هو شيء قليل لنثبت للجميع أن الصراع لم يكن في سورية يوماً من الأيام بين جماعة الإخوان المسلمين والقوميين العلمانيين، فتلك افتراءات باطلة ساقها بشار الأسد عن غير وعي أو إدراك في معرض تخبطه وفقدان توازنه وهو يرى انهيار حكم الاستبداد لنحو نصف قرن الذي حكم به البعث الشمولي وأبوه من قبله وسار هو على دربه أنها مسألة وقت، وأن اللعب على الوقت لن يسعفه مهما حاول وارتكب من آثام وجرائم وقمع في غعادة عقارب الساعة إلى الوراء، فقد قال الشعب كلمته وأصدر قراره (حرية للأبد ارحل عنا يا أسد).

============================

نظام بشار بؤرة للإرهاب وتصدير المرتزقة

م. محمد حسن فقيه

ليس بمستغرب على نظام مستبد فاسد يقتل شعبه بطريقة إجرامية همجية ، ويمثل بأطفاله بطريقة سادية وحشية ، أن يصدر الإرهاب والمرتزقة لحكومات الطغيان والإستبداد من رفاق مدرسته وأصحابه وحلفائه ، ليشغل المجتمع الدولي بالجرائم والتوترات في أكثر من منطقة وعلى أكثر من جبهة ، لعل ذلك يخفف عنه من ضغط المجتمع الدولي ومراقبته لجرائمه ، فيسرح ويمرح متلذذا بقتل أبناء شعبه من الشباب الحر الثائر الذي رفض الخنوع ، واتخذ قراره الحاسم باستعادة كرامته المصادرة وانسانيته المسحوقة ولو كلفه ذلك الغالي والنفيس .

لقد شاءت إرادة الله فضح هذا النظام الفاشي وعلى جميع الفضائيات ، بتصدير الإرهاب والمرتزقة من الطيارين السوريين إلى نظام القذافي الذي ولى خائبا مخزيا ، ومنهزما مدحورا إلى غير رجعة ، بعد أن فر المجرم من قصره وقلعته في باب العزيزية هائما على وجهه ، قبل أن تطاله يد الثوار الأبطال ويلقى مصرعه ونهايته الحتمية السوداء جزاء وفاقا على جرائمه الفظيعة التي يصعب حصرها والإحاطة بها ضد شعبه وأبناء وطنه .

لقد تم كشف هذا الحلف الشيطاني والتعاون الأثيم بين أنظمة الاستبداد والتوريث والفساد ، عندما أسقط ثوار ليبيا في راس لانوف طائرة كانت تقصف مواقع الثوار ، فعثروا على وثائق شخصية سورية لدى أحد الطيارين اللذين قتلا ، كما نقل عن الثوارالليبيين أسر طيارين سوريين بعد إسقاط طائراتهم ، وكما تم تشييع الطيار العقيد أحمد الغريب في مدينة السلمية غرب حماة حيث سقطت طائرته في ليبيا وكانت جثته مشوهة المعالم ، كما ذكرت عدة مواقع ووكالات أنباء عن إرسال طائرتين عسكريتين سوريتين محملة بالطيارين السوريين حدد عددهم بخمسين طيارا ، مع باخرة محملة بالعتاد وعناصر جنود سوريين مرتزقة من الوحدات الخاصة لدعم القذافي ، وذلك في بداية الثورة الليبية وقبل أن تنطلق الثورة السورية في سورية .

واليوم تكشفت فضيحة أخرى من تورط عصابات الأسد الإرهابية ، بتصدير طيارين مرتزقة من شبيحة الأسد إلى اليمن ، ليقوموا بقصف مواقع الثوار اليمنيين المعارضين للرئيس اليمني المخادع علي صالح بطائرات (ميغ – 29 ) بعد أن رفض الطيارون اليمنيون فعل ذلك ، فقام الطيار البطل اليمني عبد العزيز الشامي ، والذي تطوع لنقلهم من مطار صنعاء إلى مطار العند في الجنوب ، يوم الأثنين الموافق ( 24/ 10 / 2011 ) وقام بتنفيذ ما عزم عليه وبلغ به زملاءه قبل إقلاعه بأن هؤلاء المرتزقة لن يصلوا إلى العند ولن يتحقق لهم قصف أبناء الشعب اليمني ، فأقدم على تنفيذ عملية انتحارية بالطائرة التي يقودها ومن فيها قرب لحج ، فانفجرت الطائرة وقتل بها ثمانية طيارين سوريين مرتزقة من شبيحة الأسد وجرح الثلاثة الباقين وقد ذكرت أسماؤهم ، الإعلام السوري لم ينف الخبر بعد أن وثق بالأسماء إلا أنه حاول التمويه على الموضوع بادعائه بأن هؤلاء الطيارين هم فنيون وكانوا في مهمة تدريبية .

 إن هؤلاء الطيارين المرتزقة من شبيحة عصابات الأسد الإجرامية ، قد درجوا وتدربوا وتشربوا على القتل والإجرام والإرهاب ، فهم الأجدر لتنفيذ عمليات القمع والإرهاب حتى من الإنسان الآلي والألة الصماء .

لقد رفض الكثير من طياري اليمن الشرفاء قصف أبناء شعبهم وربما هربوا بطائراتهم إلى بلدان أخرى ، أو ألقوا بحمولاتها بعيدا عن أهدافها المزمعة من البشر والشباب الثائر ، كما فعل بعض الطيارين في ليبيا حين رفضوا قصف أبناء وطنهم ، وكما يفعل اليوم جنود وأبطال الجيش السوري الحر .

والسؤال : لماذا يقدم النظام السوري هذا الخدمات الإرهابية لهذه الأنظمة الاستبدادية الفاسدة ؟

مع أن هذه الأنظمة ساقطة لا محالة طال الزمن أم قصر، ولا أظن أن النظام السوري يجهل هذه الحقيقة .

وتأتي هذه المساعدات والدعم الإرهابي ، رغم الخلافات العميقة والسابقة بين نظام صالح ونطام الأسد ، سواء في حرب الخليج حيث كانت سورية في المعسكر الأمريكي مع دول التحالف وكانت اليمن مع صدام حسين ، أو في معركة صالح ضد الجنوب قبل الوحدة في بداية ثمانينات القرن الماضي ، أو بعد الوحدة في حرب الإنفصال مع علي سالم البيض ورفاقه في عام (1994) ، أو في معارك علي صالح الأخيرة مع الحوثيين المدعومين ، من قبل حلفاء نظام بشار من حزب الله وإيران .

إن سبب هذه الدعم الإرهابي بين منظومات الإستبداد رغم خلافاتها فيما بينها يمكن تلخيصه فيما يلي :

أولا : العوامل المشتركة بين هذه الأنظمة التي تجمع بينها رغم الخلافات الإستراتيجية في السياسة والتوجه والإيدولوجيا ... والمرجعية ، ولكن من أهمها :

1 - الاستبداد : أهم العوامل المشتركة بين هذه الأنظمة هو عامل الإستبداد ، فالقذافي يحكم ليبيا من أكثر من أربعين سنة ، وعلي صالح من ثلاث وثلاثين سنة ، وبشار مع أبيه من أكثر من أربعين سنة إذا عنينا بالإستبداد حكم الشخص أو العائلة ، أما إذا عنينا بالإستبداد حكم الحزب فإن الإستبداد في سوريا يقترب من نصف قرن .

2 - الفساد : عامل مشترك آخر يجمع بين هذه الأنظمة لأنه الطريق الحتمي لحماية هذه الأنظمة بشراء الذمم وما يحتاج ذلك لنهب الأموال من مستحقات الشعب ، وسرقة مقدرات الوطن وثرواته لإيداعها في حساباتهم الخاصة وحسابات أولادهم وعائلاتهم والمتاجرة أو المقامرة بها في الخارج ، ضمانا لحسابات المستقبل وتقلبات الزمان !

ولعل رصيد القذافي وعائلته في أعلى القائمة ، بحسب الوضع المادي لكل دولة وتعداد سكانها ، وعلى صالح وعائلته في أسفلها .

3 - التوريث : لقد كان النظام السوري هو القدوة السيئة الذي دشن هذا المشروع النكد بين الأنظمة الجمهورية ، وزاد على هذا النكد بتعديل الدستور في مجلس الشعب السوري ليصبح على قياس بشار ، لما يتمتع به من قدرات خارقة وابداعات خلاقة ومهارات أسطورية يستحيل وجودها في شخص غيره ... داخل سورية ... لا بل على الكرة الأرضية ! وقد هيأ بشار نفسه لتوريث جديد فسمى إبنه البكر حافظ ، ليكون حافظ الثاني حاكما لسورية من بعده ، ومثله القذافي وولي عهده سيف الإسلام ، وعلي صالح وولي عهده أحمد علي ، وحسني مبارك وولي عهده جمال مبارك .

ثانيا : إشغال المجتمع الدولي وتشتييت جهوده على أكثر من دولة ومحور ، مما يطيل في عمرهذه الأنظمة الفاسدة المتهالكة ، وهذا ما حدا بنظام الأسد دعم نظام القذافي بالطيارين والعتاد ، كما دعم نظام علي صالح بالطيارين المرتزقة ، بل إن نظام بشار استطاع أن يغير موقف حليفه الإستراتيجي إيران وحزب الله بدعم القذافي ، وأرسلت إيران أسلحة لدعم القذافي كما أرسل حزب الله مقاتليه إلى ليبيا تضامنا مع الموقف السوري لتخفيف الضغط الدولي على نظام بشار ، بعد أن كان القذافي يمثل عدوا استراتيجيا لإيران وحزب الله بسبب قضية الإمام موسى الصدر الذي غيب واختفى في ليبيا في آب ( أغسطس ) عام 1978 .

 

المطلوب من قادة الثورات المنتصرة في هذا الربيع العربي أن تشكل حلفا استراتيجيا وتتعاون فيما بينها ، ردا على تلك التحالفات الظالمة من المستبدين ضد الشعوب ومطالبها العادلة من الحرية والعدالة ، وقد تجلى ذلك بوضوح في موقف المجلس الليبي الإنتقالي من اعترافه بالمجلس الوطني السوري وعرض تقديم المساعدات اللازمة ، وتعاضد الشباب الثائر والمتظاهر بين سورية واليمن ، واجتماع المجلس العسكري المصري مع المجلس الوطني السوري ، ولعلنا ننتظر قريبا موقفا مشرفا وقويا من الحكومة التونسية الجديدة بقيادة النهضة ، خاصة وأن تونس كانت منطلق شرارة ثورات الربيع العربي وفاتحة الثورات المنتصرة .

لعله يكون مقياسا لمصداقيه هذه الثورات المنتصرة ، ويعبر عن مدى تحالفها وتآلفها وتقديم يد العون والتنسيق فيما بينها ، وتعزيز المواقف القوية والشجاعة بمؤازرة الثورات العربية ، لتحقيق أهدافها وطرد الطواغيت والمستبدين ، وإنهاء عهود الفساد ونهج الذل والإستعباد ، ووأد التوريث والحكم العائلي أو حكم الحزب الشمولي المطلق ، لبناء دولة الحرية والعدالة والشورى والديموقراطية والتعددية ... التي تعيد للمواطن كرامته المسحوقة ، وإنسانيته المسلوبة ، وترسم خريطة جديدة ... ومعالم جديدة ... وأجندة جديدة ... ومسارا جديدا ... وأهداف جديدة ... للمواطن العربي الحر الجديد .

=====================

ماذا بعد الاعتراف بعضوية فلسطين في اليونسكو ؟

د/ إبراهيم أبراش

Ibrahemibrach1@gmail.com

قبول فلسطين عضوا في المنظمة الدولية للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو ) يوم 31-10-2011 يعتبر نصرا دبلوماسيا ومعنويا لفلسطين ،صحيح أن اليونسكو منظمة دولية متخصصة لا تتدخل بالشأن السياسي ولا تُصدر قرارات ملزمة ،وصحيح أيضا أن هناك فرق بين العضوية في منظمة دولية متخصصة كاليونسكو والعضوية في منظمة الأمم المتحدة من خلال مجلس الأمن ،ذلك أن العضوية الكاملة في الأمم المتحدة لا تكون إلا من خلال مجلس الأمن أما العضوية في اليونسكو فلا يكون لها نفس الدلالة السياسية لان اليونسكو قبلت بعضوية دولة فلسطين دون أن تخوض بماهية وحدود هذه الدولة.ومع ذلك فالعضوية في اليونسكو يعد مؤشرا على تزايد الاعتراف والقناعة الدولية بحق الفلسطينيين بدولة مستقلة خاصة بهم وهو مؤشر على تراجع قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على التحكم في الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة،وهو اعتراف سيجعل موقف واشنطن أكثر إحراجا عند التصويت في مجلس الأمن على عضوية فلسطين،وسيزيد من محاصرة إسرائيل دوليا.

اعتراف اليونسكو بدولة فلسطين عضوا كاملا يؤشر على أهمية الجهود السياسية والدبلوماسية التي يبذلها الفلسطينيون وأن العمل السياسي العقلاني والهادئ شكل من أشكال النضال الوطني وهو مؤشر على أنه إن لم نكن قادرين الآن على هزيمة إسرائيل عسكريا أو بالضربة القاضية يمكننا الانتصار عليها أو توفير شروط الانتصار بتراكم تسجيل نقاط لصالحنا دون أن يعني ذلك تجاهل أشكال النضال الأخرى التي يجب أن تندرج في إطار إستراتيجية وطنية وبشكل لا يؤثر سلبا على الجهود السياسية والدبلوماسية.

وهكذا بعد اعتراف اليونسكو لا شيء يمنع من اكتساب العضوية في بقية المنضمات الدولية المتخصصة الشبيهة باليونسكو وهي:برنامج الأغذية العالمي ،برنامج الأمم المتحدة للبيئة،منظمة الامم المتحدة للتنمية الصناعية،برنامج الأمم المتحدة الإنمائي،مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ،منظمة الصحة العالمية،المنظمة العالمية للأرصاد الجوية،المحكمة الإدارية للامم المتحدة،الوكالة الدولية للطاقة الذرية،وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى،منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف)،اللجنة الاقتصادية والاجتماعية،لغربي أسيا (أسكوا) ففي هذه المنظمات لا يوجد فيتو أمريكي أو غيره.

اليونسكو لا تستطيع إلزام إسرائيل أو واشنطن بشئ لأن أهدافها وكما هو مقرر لها عند التأسيس هو العمل على تعزيز التعاون السلم العالمي من خلال التربية والعلوم والثقافة،وبالتالي قدرتها على العمل مرتبط بتعاون مختلف الأطراف على تحقيق أهدافها وتوصياتها،ولان واشنطن وتل أبيب متخوفتان من تداعيات اعتراف اليونسكو بفلسطين فقد تنسحبان من هذه المنظمة أو يوقفا تمويلها وسبق لواشنطن أن انسحبت من اليونسكو عام 1985 ولم ترجع لها إلا عام 2003 وسبق لبريطانيا أيضا أن انسحبت من اليونسكو،إلا أن انسحابهما أو التهديد به يجب أن لا يؤثر على استمرار الجهود الفلسطينية لاكتساب العضوية في بقية المنظمات الدولية لأنها معركة يجب ان تُخاض حتى النهاية.

اعتراف اليونسكو تحديدا بعضوية فلسطين أمر مهم نظرا لطبيعة الصراع بيننا وبين إسرائيل،فمعركتنا ليس حول احتلال الأرض كما هو الحال لبقية الشعوب التي خضعت للاحتلال ،بل معركة حول الوجود الوطني الفلسطيني برمته :أرضا ،ثقافة وهوية وتاريخا،ذلك أن الجهود التي تقوم به إسرائيل لتدمير ونفي ثقافتنا وهويتنا وتراثنا لا تقل عن جهودها لسرقة الأرض الفلسطينية ،وقد لاحظنا ما تقوم به إسرائيل من تدمير لتراثنا وآثارنا سواء المادية أو المعنوية ،وما يجري في مدينة القدس والخليل ونابلس وما يجري من سرقة الثوب الفلسطيني وشجرة الزيتون الفلسطينية والمأكولات الفلسطينية ونسبتها لهم يبين خطورة المعركة مع الكيان الصهيوني وتشعبها لمجالات متعددة.

عضوية فلسطين في اليونسكو يفتح المجال أمام الفلسطينيين للنضال والعمل في مجالات لا تقل أهمية عن المجال السياسي والعسكري وهو ميدان التربية والعلوم والثقافة وهذا ميدان واسع يشمل التعليم والبحث العلمي والفنون والمعرفة بكل أشكالها وتبادل الثقافات وحماية البيئة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية، والتدريب في هذه المجالات.هذا يتطلب من الفلسطينيين تجهيز طواقم جديدة تستطيع توظيف الإمكانيات التي تتيحها عضويتهم في اليونسكو ، ذلك أن اليونسكو تقوم بتنفيذ برامج في الميادين المشار إليها بناءً على طلب الأعضاء فيها،وهذا يتطلب أن تقوم الدولة العضو باتخاذ إجراءات وتهيئة الظروف حتى يمكنها الاستفادة من خدمات اليونسكو .

من المهام العاجلة التي يجب على الفلسطينيين القيام بها الآن:

1-        تفعل توصيات وقرارات سابقة صدرت عن اليونسكو لها علاقة بفلسطين وأخرها قرارات دورته ال 185 .

2-        وضع قانون فلسطيني لحماية التراث.

3-        مطالبة إسرائيل بإرجاع ما سرقته من آثار.

4-        مطالبة إسرائيل بوقف الحفريات في القدس وبقية الأراضي الفلسطينية.

5-        وضع المناطق الأثرية الفلسطينية تحت حماية اليونسكو

6-        وضع وتطوير برامج في التربية والعلوم والثقافة لتشرف عليها وتمولها اليونسكو.

7-        تشكيل طواقم من الخبراء في التربية والثقافة والعلوم للعمل مع اليونسكو وشبكة المنظمات الأهلية وغير الحكومية التي تتعامل معها اليونسكو والمنتشرة في كل بقاع العالم.

8-        ضرورة أن تشمل أنشطة اليونسكو الضفة والقدس وقطاع غزة ولاجئي الشتات.

9-        رفع ميزانية الوزارات التي تشملها اختصاصات اليونسكو وخصوصا وزارة الثقافة ووزارة السياحة ووزارة التعليم وتطوير كادرها حتى يمكن الاستفادة القصوى من خدمات اليونسكو.

 

وأخيرا نقول بأن متغيرات إقليمية ودولية تجري من حولنا وهي متغيرات داعمة لعدالة قضيتنا ،فإذا أضفنا لحالة التأييد والتعاطف العالمي مع شعبنا مكسب اعتراف اليونسكو بفلسطين دولة ومكسب أن فلسطين عضو مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة ويمكن تطوير الصفة التمثيلية إن لم تنجح جهود العضوية من خلال مجلس الأمن،فإن الشرط الدولي لقيام الدولة الفلسطينية أصبح متحققا وتبقى مسؤولية تقع على عاتق القوى السياسية الفلسطينية بتوفير الشرط الوطني لتوظيف هذه المكتسبات و الشرط الوطني يحتاج لإجراءين:

الأول:التقدم سريعا نحو مصالحة إستراتيجية،مصالحة إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بحيث يستوعب كل القوى السياسية وكل تجمعات الشعب في الداخل والخارج والابتعاد عن مصالحة إدارة الانقسام أو تقاسم مغانم سلطتين مأزومتين.

 والثاني:إعادة النظر بوظيفة السلطة الفلسطينية- وليس حلها- بتحويلها من سلطة حكم ذاتي خاضعة للشروط الإسرائيلية لحكومة وطنية تفرض وجودها على الأرض وتكتسب شرعيتها من الشعب ومن الاعتراف الدولي الذي تجسد في الفترة الأخيرة وبذلك نضع إسرائيل أمام الأمر الواقع،لأنه لا يعقل أن ننتظر من المنتظم الدولي أن يقوم بنفسه بتحويل سلطة الحكم الذاتي لسلطة وطنية سيادية.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ