ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 05/11/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

ثورة شعب سورية.. ومبادرة السياسة العربية .. الثورة أوصدت نهائيا أبواب المراوغة على حساب إرادة الشعب

نبيل شبيب

ليس صحيحا أن ما يسمّى النظام الحاكم في سورية لم يردّ سريعا على مبادرة جامعة الدول العربية، وأن الردّ الرسمي هو ما يجري تقديمه في اللقاء الوزاري الذي يُفترض أن يبدأ في القاهرة بعد تسجيل هذه السطور بحوالي ساعة واحدة، وهو ردّ لم يعلن شيء عن فحواه، بينما أعلن ما يكفي عن عناوين سطور تلك المبادرة. وهي أربعة، لا تحتمل أجوبة من قبيل: "نعم.. ولكن"، فإما التلبية أو الرفض:

1- وقف آلة العنف تقتيلا وسحبها من المدن والقرى.. وجاء الرد بتصعيد استخدامها.

2- فتح ابواب المعتقل الكبير لدخول منظمات ووسائل إعلام من خارج الحدود.. وجاء الردّ ببقاء الأبواب مؤصدة

3- إخلاء سبيل جميع المعتقلين.. وجاء الرد باعتقال المزيد.

4- الحوار مع المعارضة في القاهرة.. وهنا جاء الردّ المراوغ: لا حوار إلا " تحت سقف الوطن" أي داخل المعتقل الكبير.

 

لغة السياسيين

رغم ظهور واقع الردّ الفعلي على الأرض من جانب ما يسمّى النظام السوري على ما يوصف بمبادرة الفرصة الأخيرة، من جانب مجموعة الدول العربية، يمكن أن نواكب بلغة التحليل السياسي مجرى اللعبة السياسية -وإن كانت دماء الشهداء وأوضاع الشعب الثائر هي التي تشغل عن سواها- فنجد أن الطرفين في مأزق حقيقي، طرف ما بقي من النظام وقد أصبح مقتصرا على دبابات وشبيحة، وطرف الديبلوماسية العربية التي تمثل الحكومات العربية الأعضاء في الجامعة.

1- آخر ورقة سياسية وإعلامية تضليلية في يد بقايا النظام هي أن في الشارع السوري، أي في الشعب، مؤيدين ومعارضين، بدليل مظاهرات التأييد.. ولو استجاب لمطلب واحد من مطالب "المبادرة": وقف آلة التقتيل والاعتقال والتعذيب، لتحوّلت المدن والقرى السورية، كبيرها وصغيرها، عربا وأكرادا وسواهم، مسلمين ومسيحيين وغيرهم، إلى "ميدان تحرير" يضم بضعة وعشرين مليون إنسان، بمن في ذلك النسبة الأعظم ممّن يشاركون بالترغيب والترهيب، من نفعيين وخائفين، فيما يوصف بمظاهرات التأييد، أي المظاهرات المتنقلة من محافظة إلى أخرى.

2- آخر وسيلة من وسائل إعطاء الحلفاء الإقليميين والدوليين ذريعة لعدم التحوّل المطلق -أما التحوّل الجزئي فقد ظهر بالفعل- إلى إعلان القطيعة مع بقايا النظام، هي التشبّث الاعتباطي بأنّ ما يجري ليس كما تتناقله مئات المصوّرات اليومية، وتشهد عليه الجنازات اليومية، وترصده المنظمات السورية والعالمية، وتنقله الفضائيات الناطقة بالعربية، بالبث المباشر في كثير من الأحيان.. بل هو مؤامرة وعصابات مسلحة وعنف ضد عنف، ولو استجاب ما يسمّى نظاما حاكما في سورية ففتح الأبواب أمام "أعين العالم" لفقد آخر ذريعة يعطيها لحلفائه للحيلولة دون سقوطه أو إسقاطه.

3- آخر وسيلة من وسائل الحيلولة دون تحوّل مظاهرات الشعب الثائر من الألوف وعشرات الألوف إلى مئات الألوف والملايين، هي حملات الاعتقال والتعذيب والترهيب، وغير ذلك من الإجرام الهمجي اليومي.. بينما ظهر للعيان أن الشعب لا يخاف، وأن التعويض عن المعتقلين بمزيد من الثائرين وضع السجّانين في دوّامة، فكيف لو خطت الثورة الشعبية خطوة أعظم، إذا ما كسر ما يسمّى نظاما حاكما هذه الحلقة المفرغة بنفسه، وأصبح الإنسان المواطن في سورية لأول مرة منذ خمسين سنة، مطمئنا إلى أن باستطاعته أن يتظاهر ويحتج ويقول لا، أو يقول: إرحل! أو يقول: الشعب يريد إسقاط النظام، دون أن يجد نفسه في الأغلال وتحت التعذيب، هذا إذا نجا من مصير حمزة الخطيب ومن قبله ومن بعده من الشهداء؟..

 

عبثية الحوار

لقد حاول من وضع صياغة المبادرة في جامعة الدول العربية استبقاء نقطة واحدة أمام بقايا النظام السوري في دمشق -وهذا ما ردّ عليه إردوجان واقعيا بقوله هذا نظام لا شرعية له، يقتل شعبه، ويجب اتخاذ إجراءات ضدّه-

وهي النقطة المتعلقة بالحوار، مع اشتراط أن يكون ذلك تحت سقف جامعة الدول العربية.

ومن المؤكّد -وهذا الكلام قبل أن تظهر نتائج اجتماع يوم الأربعاء 2/11/2011م- أنّ هذه الثغرة ستكون محور ما تتعلّق به بقايا النظام، ليمكنها الاستمرار في عملية التقتيل التي تتقنها، بدلا عن حوار لا تتقنه، ولا يمكن أن يفيد أيّ طرف بعد أن أصبحت الثورة على أبواب إسقاط المزيد من بقايا النظام.

ولكنها ثغرة أمامها عوائق كبيرة:

1- لا يمكن أن يجري أيّ حوار ما دامت تلبية المطالب الثلاثة الأولى مرفوضة على أرض الواقع، وهي شروط أي حوار، بغض النظر عن مضمونه، وإن جرت تلبيتها انتهت المشكلة التي تتستّر المبادرة بردائها الشفاف، بانتهاء القدرة على مواصلة تضليل مكشوف حول حقيقة الثورة، وحقيقة مجراها.

2- كل سياسي سوري من المعارضة التقليدية المدعوة إلى "حوار"، داخل الحدود أو خارج الحدود، يعلم علم اليقين، أنّه يصبح جزءا من النظام الذي تجرف الثورة بقاياه، إذا قبل بأيّ حوار ينطوي على إنقاذ تلك البقايا من السقوط، بدعوى امتلاكها ما يكفي من قوة لإجرامية مسلّحة لمواصلة التقتيل، أو ينطوي على مشاركتها في رسم معالم ما بعد الثورة، من دستور أو قوانين أو انتخابات أو أحزاب، أو ماشابه ذلك.

3- ربما كان من دوافع أصحاب المبادرة من جانب جامعة الدول العربية من وراء طرح الحوار بالصيغة التي تسرّبت الأنباء حولها دون إعلانها رسميا، هو إعطاء بقايا النظام فرصة أخيرة للنجاة من محاكمات قادمة، مقابل التوقف عن ارتكاب مزيد من الجرائم، وطرح ذلك التصوّر -كما صُنع مع ثورة اليمن- أنه من باب الحرص على دماء شعب سورية.. أو ربما كان من الدوافع إسقاط آخر أوراق التضليل والمراوغة في أيدي بقايا النظام.. سيّان ما هي الدوافع، الحوار مستحيل، لأنه عبثي، ومسار الثورة بكل ما ينطوي عليه من تضحيات وبطولات، لا يمكن أن يتبع حوارا يتخذ اتجاها عبثيا.

4- لا يمكن أن يجري حوار تقبل به الثورة الشعبية، أو يفضي إلى نتيجة أصلا، إذا كان على قدم المساواة، بين من يتصدّون للعمل السياسي المعارض باسم الثورة، وهم يعلمون أنه ليس لديهم سواها ما يتحدّثون باسمه، وبين من فقدوا أي صفة سياسية معتبرة من بقايا النظام، فذلك أشبه بمشاركة القاتل في هيئة قضاء مستقلة لمحاكمته على جريمته.

 

لغة الثوار

الحوار الوحيد الممكن هو الحوار على نقل السلطة، من بقايا النظام، إلى قيادة سياسية من المعارضة -فقط- بمشاركة أساسية ومباشرة من جانب القيادات الميدانية للثوار، ولا يمكن أن يجري ذلك إلا بعد وقف آلة القتل، وفتح أبواب المعتقل الكبير -أمام المشرّدين والمغتربين أيضا- والإفراج عن المعتقلين، أي هو حوار حول كيفية الاستسلام مع وضع حدّ لعملية الانتقام التي يمارسها النظام البائد، والتي تسبّب المزيد من الشهداء والضحايا والدمار.. أما البديل عن حوار عبثي مستحيل، فهو استمرار فعاليات الثورة.

لا يمكن لمبادرة جامعة الدول العربية أن تجد أي فرصة لنجاح جزئي أو كبير، إلا من خلال تجاوز الحكومات الأعضاء في الجامعة لنفسها، ومخاوفها من أي نوع، ومن خلال استيعابها أنّ الثورة الشعبية في سورية -كما في اليمن- ماضية حتى النصر.

لا يمكن أن تساهم الجامعة فعلا في وقف مسلسل عمليات الإجرام الجارية بحق الشعب الثائر في سورية، إلا من خلال اتخاذ موقف واضح قاطع إلى جانب الثورة والشعب، دون ثغرة تستهدف إنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا النظام. والمطلوب بتعبير آخر، هو أن تعرض على بقايا النظام أحد خيارين دون أي مراوغة عنهما:

1- إمّا التوقف عن متابعة مسلسل الإجرام، والدخول في حوار استسلام أمام الشعب الثائر، وتسليم السلطة حقنا لمزيد من الدماء، وحفاظا على سورية وطنا وشعبا بعد كلّ ما أصابها في نصف قرن من الا ستبداد الإجرامي المتسلّط عليها..

2- أو التحوّل المباشر إلى قطيعة كاملة مع ذلك الاستبداد، ودعم عربي رسمي علني، بمختلف أشكاله السياسية والعسكرية والمالية، غير مشروط، ولا محدود، للشعب الثائر، تجنّبا لما يوصف بتدويل قضية سورية.. قضية تحرّر شعب سورية من الاستبداد وبقايا نظامه غير المشروع منذ نشأته إلى يوم سقوطه.

قد لا تكون جامعة حكومات الدول العربية على استعداد لذلك.. وسيّان ما هي الأسباب، المهمّ ألا يجد فريق صغير أو كبير، من المعارضين السياسيين التقليديين، عبر مبادرة الجامعة، ثغرة لأنفسهم.. وليس للثورة، فيستجيبوا بذريعة من ذرائع المراوغات والمساومات السياسية، لحوار عبثي، لا يمكن أن يفضي إلا إلى إطالة أمد المأساة الإجرامية.

أمّا الثورة فقد تخسر بعض السياسيين المعارضين آنذاك، أو تعايش مزيدا من التمحيص، ولكنّها مستمرة، لأن الشعب الثائر انتزع بدمائه لنفسه زمام كلّ مبادرة ترتبط بمستقبله، ولن يفلتها، بحال من الأحوال، وقد اندلعت ثورته من تحت رماد حرائق خمسين سنة من الإجرام، ضد من يملك آلة مواصلة الإجرام ولا يتورّع عن استخدامها، ولهذا فثورته ماضية، دون أيّ خطوة نحو الوراء، حتى يتحقق النصر للشعب، والوطن، والأمة، ولإنسانية الإنسان، على همجية الاستبداد، سواء سمّي نظاما، أو سياسة، أو حمل أي اسم آخر، ممّا لا ينبغي أن يكون لمن فقد أي أثر لإنسانية الإنسان.

==============================

هل اقتربنا من يوم الحسم؟

مجاهد مأمون ديرانية

3 ملاحظات استباقية

(1) خلال الشهرين الماضيين تلقيت رسائل كثيرة تطلب مني اختصار المقالات الطويلة لتَسهُل قراءتُها، وبعد أخذ وردّ وجولة “مساومات” مع بعض القرّاء وصلتُ إلى الحجم الذي رأيتموه في المقالات الأخيرة، صفحتين أو تزيدان قليلاً. لكنّي لم أستطع اختصار هذه المقالة لأنها في الحقيقة مجموعة مقالات في واحدة، فأرجو أن تتعاملوا معها على هذا الأساس لتسهل قراءتها، وسامحوني هذه المرة!

(2) هذه المقالة ليست مرتبطة بما نُشر قبلها في الأسابيع الأخيرة، بل هي المقالة السادسة من مقالات ما بعد حماة التي نشرت الخمسَ الأولى منها في رمضان، وسوف تُفهَم بشكل أفضل إذا وُضِعَت في سياقها الصحيح وقُرئت بعد تلك المقالات: “حماة، المعركة الفاصلة” (3/8)، “حماة تهزم النظام بالضربة القاضية” (8/8)، “الفصل الأخير: ماذا بعد حماة؟” (9/8)، “الأحداث المتسارعة تقرع بابَ النهاية” (15/8)، “في الطريق إلى يوم الحسم” (24/8).

(3) كتبت هذه المقالة خلال أربعة أيام ونيّف، وقبل نشرها بساعات أُذيع خبر موافقة النظام السوري على المبادرة العربية، فلم أغيّر شيئاً من محتوياتها لأن تغييرها يحتاج إلى جهد كبير، إلا أنني أضفت إليها فقرة أخيرة صغيرة ختمت بها المقالة، على أن أعود لأتحدث عن احتمالات ما بعد الموافقة المزعومة وعمّا ينبغي علينا أن نَحْذره وما ينبغي أن نفعله، وهي أمور تحتاج إلى مقالة خاصة لعلي أنشرها خلال أيام بإذن الله؛ ادعوا لي، فإن العمل كثير والوقت قصير، والمُستعان هو الله، لا معين سواه.

-1-

لماذا تعطّل قطار الأحداث؟

هل تذكرون مقالة “الفصل الأخير: ماذا بعد حماة؟” التي نشرتها في التاسع من رمضان؟ قلت في أولها: “يجب أن ننتظر ما بين أسبوع وأسبوعين، أما ما سيحدث بعد هذا الوقت القصير فأتوقع أن يكون مفاجأة من العيار الثقيل؛ تطوراً حاسماً جداً وكبيراً جداً، إما أن يضع نهاية سريعة جداً للنظام ويفضي إلى انتصار حاسم للثورة، أو يقود إلى فترة انتقالية صعبة وطويلة. لا أرى حلاً وسطاً بينهما، وأتمنى أن تكون الأولى”. في تلك المقالة والتي قبلها (حماة تهزم النظام بالضربة القاضية) رصدتُ ثلاثين موقفاً من المواقف الدولية الكبيرة والمتسارعة، ثم علقت عليها قائلاً: “عندما نقرأ المواقف الثلاثين معاً فسوف يتبادر إلى أذهاننا على الفور استنتاج واحد: إنهم يقرعون طبول الحرب!”

لبثت بعدها أنتظر وأراقب المؤشرات، وكان ينبغي أن تتوالى يسحب بعضُها بعضاً باتجاه “حسم” من نوع ما، وفجأة توقف كل شيء! ومضت أيامٌ طويلة ثقيلة ليس فيها من التطورات ما يستحق أن يُذكَر، وكتب إليّ أحد الأفاضل يقول: ها قد مضت المدة التي توقعتَها ولم يحصل شيء! فكتبت إليه: معك حق، لم يأت الحدث الكبير حتى الآن، وهذا يدل على واحد من أمرين: إما أنني فاشل في القراءة السياسية، أو أن التطورات المنتظَرة تستغرق وقتاً أطول مما ينبغي. كل واحد من الاحتمالين السابقين صحيح بنسبة خمسين بالمئة، بل لا يضيرني أن أعترف مبدئياً بأنني أنا الفاشل حتى يثبت العكس.

كما قلت قبل قليل: لبثت أنتظر وأراقب المؤشرات، وازددت اقتناعاً مع الوقت بأنها تمشي في الاتجاه الصحيح، لكن السرعة كانت مختلفة جداً عمّا كنت أتوقعه. لقد أوحى الانفجار المفاجئ للتطورات السياسية على المستويين الإقليمي والدولي -الذي شهدناه في أواسط رمضان- بتسارع هائل للأحداث، لكنها ما لبثت أن تحولت إلى تطورات بطيئة مملّة. فما الذي حصل فعلاً؟ لقد بدأ قطار الأحداث بالتحرك نزولاً في طريق شديد الانحدار، وفجأة وقف في وسط الطريق! لماذا وقف في وسط الطريق؟

كان مما خطر ببالي مبكراً أن تأخر المعارضة في إعلان مجلسها من شأنه أن يؤخّر التحرك الدولي باتجاه محاصرة وإسقاط النظام (لأسباب أوضحتها في مقالة “في الطريق إلى يوم الحسم” التي نُشرت في الرابع والعشرين من آب)، فلما تأخر إعلان المجلس كتبت مقالة شديدة اللهجة بعنوان “المجلس الوطني: تعليق لا بد منه” قلت في أولها: “مَن يتابع الأحداث الجارية والمواقف الدولية المتسارعة يدرك أن الإعلان عن مجلس وطني أو هيئة جامعة تمثل الثورةَ صار هو عنق الزجاجة في المسار كله، وهو الذي يؤخر العملية الدولية التي أُعِدّت ترتيباتها وحُبكت خيوطها باتجاه إسقاط النظام… فأرجو أن تحسموا أمركم وأن تعلنوا عن مجلسكم اليومَ قبل الغد، أو غداً قبل غداة الغد، فكل يوم جديد يمر عليكم ولمّا تعلنوا مجلسكم هو يومٌ جديد يمرّ على أهلكم في المحنة والمعاناة”.

نعم، غلب على ظني أن التطورات الدولية توقفت عن التدفق والتسارع بسبب تعثر وتأخر ولادة المجلس الوطني، ومع ذلك شككت في نفسي وفي تقديراتي السابقة، وراجعت المعطيات مراراً فأوصلتني إلى النتيجة نفسها (بنسبة عالية بالطبع، أما الجزم فلا يجرؤ عليه أحد). بعد ذلك ثابرت على متابعة المؤشرات الظاهرة والخفية والمباشرة وغير المباشرة، وقد استمرت تلك المؤشرات بلا توقف ولكنها كانت بطيئة جداً للأسف الشديد… حتى وُلد المجلس أخيراً، وبسرعة البرق بدأت الرسائل الإيجابية -من ترحيب وقبول- بالتوارد من العواصم العالمية، وبدأ قطار الأحداث بالتحرك مرة أخرى، بما يوحي بأن الصورة التي رسمَتها تطوراتُ رمضان لم تكن عشوائية؛ لقد كانت حلقاتٍ من مسلسل انقطع بثُّ حلقاته بسبب “عطل فني”، هو غياب وكيل للثورة يمكن أن ينطق باسمها ويمثلها في المحافل الدولية، فلما تم إصلاح ذلك العطل الفني ووُلد المجلس استُؤنف بثّ الحلقات من جديد.

-2-

عينٌ على النظام

نحن كلنا نتابع باهتمام المؤشرات الدالّة على تدهور النظام وعلى اقتراب لحظة انهياره الكامل، ولكن النظام نفسه أشد اهتماماً وأحرص على المراقبة، ولا شك أنه يمر بلحظات عصيبة وهو يرى الحبل يلتف حول رقبته ويزداد في كل يوم التفافاً وضيقاً. لعله راقب بفزع المؤشرات التي تسارعت في رمضان منذرة بعمل حاسم يمكن أن يقتلعه من جذوره، وما كاد رمضان ينقضي حتى فوجئ بضربة من العيار الثقيل: انشقاق وهروب المحامي العام الأول في حماة، الأستاذ عدنان بكور. آخر ما نُشر عن تلك الحادثة المهمة هو أن الرجل وصل إلى تركيا وأنه نجح في حمل وثائق خطيرة تحمل توقيع بشار الأسد وتتضمن أوامر صريحة بقتل المتظاهرين السلميين، وقد سُلّمت الوثائق إلى محكمة الجنايات الدولية كما قيل. أرجو أن لا تنسوا تلك الحادثة المهمة لأن لها ما بعدها، ولا ريب أنكم ما زلتم تتذكرون الحالة الهستيرية التي أُصيب النظام بها بعد إعلان الهروب، وسوف تدركون من درجة هيجانه وجنونه القيمةَ الحقيقية للرجل ولما حمله معه من وثائق.

ثم جاءت الضربة الموجعة الجديدة التي حاول النظام أن يتجنبها طويلاً، ولادة “المجلس الوطني السوري” والإعلان الرسمي عنه في الثاني من تشرين الأول الماضي. هل تذكرون ردّ الفعل الجنوني من قِبَل النظام؟ من الواضح أنه فَقَدَ أعصابه لأنه أدرك حجم الكارثة القادمة، وحينما تتابعون تصريحات وزير الخارجية وتهديداته الفارغة لكل من يعترف بالمجلس، وتسمعون هذيان “المفتي” عن الحرب المقدسة والعمليات الانتحارية “في العمق الأوربي”، عندما تتابعون كل ذلك سوف تتساءلون: أهذا إعلام دولة عاقلة؟ لا، ليس كذلك، ولكنه المذبوح يرقص رقصة الموت.

إن النظام يشعر بأنه يقترب من نهايته يوماً بعد يوم، وما زيادة جنونه وعنفه وهيجانه على الأرض -في حمص وفي ريف دمشق خاصة، وفي سائر مناطق الثورة على العموم- إلا انعكاس لقلقه وتوتره وإدراكه أن خياراته تتآكل وأن أيامه تنقضي بسرعة. بالإضافة إلى الجنون والإجرام اللذين يعبّران عن قلقه وذعره إليكم ثلاث علامات مهمة رصدتُها خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة:

أ- أفاد تقرير نشرته صحيفة الديلي تلغراف يوم الجمعة 7/10 بأن أفراداً من عائلة الرئيس السوري بدؤوا ببيع إمبراطوريتهم العقارية المنتشرة حول العالم، وأبرزها مجموعة من المنازل يملكونها في لندن. وأشارت الصحيفة إلى أن تصرف عائلة الأسد في جميع ممتلكاتهم العقارية في الخارج يأتي تحسباً لإجبار النظام على التخلي عن إدارة البلاد في أي وقت، وأضافت: الملاحَظ أن رفعت الأسد يشارك في بيع جميع ممتلكاته في أميركا وبريطانيا وفرنسا وإسبانيا تحسباً للملاحقات القضائية وعمليات المصادرة التي قد تطوله هو أيضاً في حالة سقوط النظام.

ب- بعد ذلك بأسبوع واحد (14/10) وردت من دمشق أخبار تشير إلى أن حالة هلع انتشرت بين كبار التجار في العاصمة بعد تسرّب معلومات عن تهريب أكثر من عشرة أطنان من الذهب والعملات الصعبة من البنك المركزي إلى طهران.

ج- في اليوم التالي (15/10) انتشرت في اليوتيوب معلومة مهمة جداً قدّمها مساعدٌ منشقّ اسمه محمود عبد الرحمن، حيث أكّد أن كبار الضباط العلويين بدؤوا بتسفير عائلاتهم إلى خارج سوريا مؤخراً. أهمية المعلومة هي أن مصدرها واحد من موظفي الأمن الداخلي في مطار دمشق الدولي.

-3-

المواقف الغربية والدولية

الإعلان الرسمي عن المجلس السوري الوطني كان قبل شهر من اليوم، ومنذ ذلك الوقت صدرت عن مجموعة من المسؤولين الكبار في أوربا والولايات المتحدة والأمم المتحدة مواقف وتصريحات تتجه كلها باتجاه واحد، وهو الإعداد لعمل كبير من شأنه إسقاط النظام. فيما يلي عرض لأهم المواقف مرتّبةً بتاريخ صدروها:

3/10- “الاتحاد الأوربي رحب بالمجلس الوطني ودان القمع الوحشي بأشدّ العبارات، وكرّر مطالبة الأسد بالتنحي الفوري، ودعا إلى محاكمة المسؤولين عن المجازر في سوريا”.

3/10- “أعلن وزير الدفاع الأميركي بأن سقوط النظام السوري هو مسألة وقت”. عندما تسمعون هذا الرأي الصريح من فرد من أفراد الناس فإنكم تقولون إنه رأي شخصي، أما عندما يصدر عن مسؤول رفيع في الإدارة الأميركية بحجم وزير الدفاع فإن معناه مختلف تماماً، فهو يكاد يحمل رسالة ضمنية مفادها: نحن نعمل على ذلك.

10/10- “دعت واشنطن رعاياها في سوريا إلى مغادرتها فوراً قبل أن يشهد المستقبل توقف الرحلات الجوية”. أليس من المنطقي أن نتساءل: لماذا ستتوقف الرحلات الجوية؟

11/10- “قال الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إن الرئيس السوري لم يَفِ بالوعود الكثيرة التي قطعها, ودعا إلى القيام بعمل دولي موحّد ضد النظام السوري”. ترى ما هو هذا العمل الدولي الموحد؟ هل يعلم الأمين العام للأمم المتحدة ما لا نعلم، أم أنه يدفع باتجاهٍ ما بناءً على ترتيبات مع بعض الدول الكبرى؟

14/10- الأمم المتحدة مرة أخرى: “دعت الأمم المتحدة إلى إجراء دولي لتجنب حرب أهلية شاملة في سورياً، وطالب أمينها العام السلطات السورية بوقف حمامات الدم فوراً”.

21/10- بعد فشل التحالف الغربي في تمرير قرار ضد النظام السوري في مجلس الأمن أوائلَ الشهر بسبب الفيتو الروسي-الصيني: “صرح وزير الخارجية الفرنسي، ألان جوبيه، بأن الاتحاد الأوربي ما زال يعمل على مشروع قرار لإدانة النظام السوري”.

23/10- تصريح ملفت للانتباه من واحد من أهمّ أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي وأكثرهم تأثيراً في السياسة الخارجية: “صرّح السناتور الأميركي ورئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، جون ماكين، بأن العمل العسكري ضد النظام السوري سيؤخَذ بالاعتبار بعد أن تجاوز عدد ضحاياه ثلاثة آلاف، قائلاً إن واشنطن تصغي إلى طلب المعارضة المتكرر لنوع من التدخل العسكري الأجنبي وإنها تعمل مع المجلس الوطني السوري بهذا الشأن”.

23/10- “نقلت مصادر صحفية عن مسؤول بريطاني أن حظراً جوياً سوف يُفرض على سوريا خلال أسابيع قليلة”.

24/10- “سحبت واشنطن سفيرها روبرت فورد من دمشق (بسبب ما وُصف بأنه مخاوف أمنية)”.

الملخص السابق يوضح بما لا يدع مجالاً للشك أن المجتمع الدولي يمشي جادّاً باتجاه إسقاط نظام الأسد، أما المؤشرات الخفية وغير المباشرة التي تتسرب من وراء كواليس الإدارة الأميركية فتقول ما هو أكثر من ذلك: ليس أمام النظام سوى واحد من خيارين: الاستسلام والتنحّي أو الحرب. أما التوقيت فلا يبدو بعيداً جداً، حاولوا أن تتابعوا -منذ اليوم- المؤشرات من خلال التحركات العسكرية والمناورات المشتركة مع دول الجوار، وراقبوا البحر؛ إن تحرك الأساطيل والقطع البحرية من المؤشرات المهمة في النزاعات الدولية.

-4-

ماذا يحدث في تركيا؟

برأيي فإن أهم المؤشرات هي التي تأتي من تركيا. ما هي هذه المؤشرات؟ تقريباً لا شيء! لا تظنوا أني أمزح، لا والله، بل أنا جادّ غيرُ هازل، فإن الصمت التركي هو أشد الإشارات أهمية، وهو أكثر ما يثير قلق النظام السوري. لقد قال القادة الأتراك ما ينبغي أن يقولوه وحرقوا الجسور مع النظام السوري ثم سكتوا، سكتوا ولكنهم ما سكنوا، بل استبدلوا بالكلام أفعالاً، وبدؤوا بالعمل لإسقاط نظام الأسد وبإعداد المسرح لما بعده. المؤشرات المعلَنة في هذا الاتجاه ليست كثيرة حتى الآن، ولكن التسريبات كثيرة وتكفي لرسم صورة أكثر وضوحاً وتؤكد ما كنت قلته قبل شهور: إن تركيا ستكون هي رأس الحربة لأي مشروع حقيقي لتحرير سوريا. الأيام القادمة سوف تكشف الكثير، أما الآن فبين أيدينا قليل من المعلومات والمؤشرات الواضحة:

أ- وجهت تركيا الإنذار الأخير للنظام السوري قبل نهاية آب بأيام، وأثار الموقف التركي حفيظة الإيرانيين الذين اعتبروا أنهم مكلَّفون بالرد على التهديد التركي لحماية حليفهم في سوريا. في اليوم الأول من أيلول أعلن الناطق باسم الخارجية التركية سلجوق أونال بأن تركيا وافقت على نشر الدرع الصاروخي التابع لحلف شمال الأطلسي على أراضيها (وأشارت وكالة فرانس برس إلى أن تركيا طلبت أن يغطي الدرع كل الأراضي التركية وليس فقط المناطق القريبة من إيران كما كان مخططاً أصلاً). لقد بدأت المفاوضات على نشر الدرع الصاروخي في قمة لشبونة التي عُقدت في العشرين من تشرين الثاني من السنة الماضية، أي أنها استغرقت قريباً من سنة، وكان من المرجَّح أن تستمر لعدة شهور أخرى، فلماذا عُجِّل بإعلانها في هذا التاريخ تحديداً؟ ربما كان للتوقيت علاقة بتطور الموقف التركي من الثورة السورية وربما لم يكن، لا أستطيع الجزم ولا غيري يستطيع ما لم يطّلع على خفايا المفاوضات التي جرت بين أطراف الاتفاق، لكنه يبقى احتمالاً وارداً، وإذا كان الغضب الروسي مفهوماً ومنسجماً مع موقف روسيا من المشروع منذ البداية فإن الثورة الإيرانية العارمة التي حملت المسؤولين الإيرانيين على تجاوز اللغة الدبلوماسية المتحفّظة في تعليقهم على الاتفاق، هذه الثورة تستحق التأمل والتفكير.

على أي حال، وسواء أكان التوقيت مقصوداً أم لم يكن، سيبقى أهمّ ما في موضوع الدرع المذكور هو أن الرادار الذي سيُنشَر في تركيا قبل نهاية السنة الحالية يستطيع أن يغطي مناطق تبعد بضعة آلاف من الكيلومترات جنوباً وشرقاً، مما يعني أن كامل التراب السوري صار تحت عين جيوش حلف الأطلسي، وهو أمر يؤخَذ في الحسبان في ظل الاحتمالات القائمة لتدويل الأزمة السورية أو للتدخل العسكري لحسمها.

ب- في الخامس والعشرين من أيلول صرّح أردوغان بأنه يريد تحقيق رغبة الشعب السوري في تنحي رئيسه. في الثاني عشر من تشرين الأول قال وزير الخارجية التركي داود أوغلو إنه يتوقع انقلاباً داخل النظام في سوريا، ومن المفهوم أن تصريحاً بهذا الوضوح يحمل دلالة أهم من التوقع المجرَّد كما لا يخفى، لا سيما حينما نربطه بتسريبات متناثرة تحدثت عن خطط سرّية تركية تمشي في هذا الاتجاه. بعد ذلك بأسبوع واحد التقى أوغلو بممثلي المجلس الوطني، وهو لقاء رمزي مهم يعني أن تركيا قطعت طريق العودة الذي يربطها بالنظام السوري.

ج- ألقى رئيس الوزراء التركي أمس (1/11) كلمة أمام كتلته البرلمانية تضمنت أشد وأعنف تصريح يصدر عن جهة رسمية دولية حتى الآن، حيث اعتبر ضحايا النظام السوري “شهداء” لأن النظام الذي قتلهم لا يستند إلى إرادة الشعب، وتساءل: النظام السوري ما زال يتحدث عن إصلاحات وعن حاجته لمزيد الوقت لتنفيذها، إلى متى سنتريث؟ وقال إن بشار الأسد يقتل شعبه بالآلاف بأسلحة اشتُريت للدفاع عن الوطن، وشدد على أنه صار فاقداً للشرعية، وأعرب عن ثقته في أن الشعب السوري سيحقق أهداف “ثورته المجيدة”. وقال أردوغان بأوضح عبارات ممكنة: لقد جمعتنا صداقة تسع سنوات مع النظام السوري، لكن هذا النظام لم يقدّر صداقتنا وأطاح بها رغم نصائحنا، وهو يواصل قتل شعبه في حماة وحمص ودير الزور ودرعا بإرث أعتقد أنه ورثه عن أبيه، ونحن لا يمكننا أن نسكت على ذلك ولا بد أن نتخذ موقفاً.

د- يبدأ وزير الخارجية التركي داود أوغلو غداً بحملة دولية لحشد المجتمع الدولي ضد النظام السوري، ستكون ألمانيا أولى محطاتها، وذلك بعد جولة عربية محدودة في الأسبوع الماضي خصّصها لبحث الملف السوري، زار فيها قطر أولاً، ثم الأردن حيث صرّح قائلاً إن “ما يحدث ضد المدنيين في سوريا غير إنساني، وعلى الحكومة السورية سحب قواتها العسكرية من المدن والقرى على الفور”، وأكّد أن تركيا “لا تستطيع أن تغضّ النظر عما يجري، وعلينا أن نفعل كل ما في وسعنا لوقف تلك الأعمال”. وحسب تسريبات غير مؤكدة -جرى تداولها بعد زيارته للأردن- فإن من غير المستبعَد أن يكون هدف الزيارة هو تنسيق عملية عسكرية مشترَكة بين الأردن وتركيا ضد النظام السوري. وللتذكير فإن الأردن وقطر هما الدولتان العربيتان الوحيدتان اللتان كان لهما وجود عسكري على الأرض الليبية في أثناء حملة الناتو على نظام القذافي البائد.

-5-

انقلاب الموقف الإيراني

أ- الموقف الإيراني تغير في الشهر الأخير بزاوية حادّة. يبدو أن وصول الإيرانيين إلى قناعة نهائية بفشل النظام السوري وضعفه وعجزه عن إنهاء الثورة الشعبية قد حملهم أخيراً على الاستعداد لمغادرة السفينة الغارقة والتخلي عن الحصان الخاسر. ربما كانت هذه القناعة قد تراكمت خلال الشهور الثلاثة الماضية، منذ اقتحام حماة الفاشل إلى اليوم، لكني أكاد أجزم أن السبب المباشر للتحول الكبير جاء من الولايات المتحدة. ففي وقت من أسوأ الأوقات بالنسبة لإيران وأقلها احتمالاً لأي عمل أخرق يمكن أن تُقدم عليه القيادة الإيرانية، في ذلك الوقت تحديداً فجّر الأميركيون قنبلة إعلامية ودبلوماسية من العيار الثقيل، عندما كشف مسؤولون فدراليون في واشنطن عن إحباط عملية إرهابية كبرى كان هدفها اغتيال السفير السعودي عادل الجبير, واتهمت الإدارة الأميركية رسمياً عناصرَ إيرانية بالتخطيط للعملية، مؤكدة أنها ستتخذ إجراءات لمعاقبة إيران على ذلك!

لا شك أن الأطفال يدركون أن المؤامرة المزعومة ليست سوى مسرحية تعمّد الأميركيون تأليفها وإخراجها في هذا الوقت بالذات لإحراج إيران وإخراجها من معسكر الدول الداعمة للنظام السوري، وأكاد أجزم أنها كانت هي الطلقة الأخيرة التي حسمت الموقف الإيراني. لقد بدا الإعلان الأميركي عن اكتشاف المؤامرة المزعومة وكأنه إعلان حرب من جهة واحدة، ثم مضت ثلاثة أسابيع وطُوي الملف بما فيه ولم نعد نسمع عن أي إجراء، لا من الطرف الأميركي ولا السعودي، فما الذي حصل وراء الكواليس؟ ما علاقة ذلك الحدث المفاجئ بالانقلاب الملحوظ في الموقف الإيراني؟ إنه لغز ستكشفه الأيام.

ب- فيما كنت أجمع مادة هذه المقالة وأكتب مسودتها صدرت لأخي الفاضل الدكتور بشير زين العابدين مقالة قيّمة عنوانها “سوريا: الثورة بين المنظومة والنظام (هل يأتي الحسم من الخارج؟)”، وهي مقالة قيمة رصينة على عادة مقالات الدكتور بشير التي يتحفنا بها بين وقت وآخر، فأرجو أن تبحثوا عنها وتقرؤوها وسوف تستفيدون منها كثيراً. في المقالة وصف للانقلاب الواضح في موقف إيران من النظام السوري بسبب الأداء الضعيف والعجز الواضح للقيادة السورية، يقول: “شهد الأسبوع الأخير من شهر أكتوبر تدهوراً ملحوظاً في العلاقات بين طهران ودمشق، وظهرت بوادر الأزمة لدى إلغاء وزير الخارجية الإيراني صالحي زيارته التي كانت مقررة إلى دمشق في الخامس والعشرين من الشهر دون ذكر الأسباب. وكان رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني علي أكبر ولايتي قد عقد اجتماعاً مع المرشد الأعلى علي خامنئي لمناقشة تأثير الأوضاع في سوريا على إيران، واتفق الطرفان على أن نظام الأسد مُقْدم على انهيار يصعب تفاديه، وتقرر في ذلك الاجتماع إعادة صياغة الإستراتيجية الإيرانية تجاه سوريا”. ثم يحدثنا -نقلاً عن مصادر أميركية- أن مكتب أحمدي نجاد “اتصل بقناة السي إن إن وأصرّ على إجراء لقاء معه، وبعد تشاور مدراء القناة مع البيت الأبيض تم إيفاد مراسلها فريد زكريا إلى طهران يوم 22 أكتوبر لسماع ما يرغب نجاد بقوله، وكانت المفاجأة هي أن نجاد كان واضحاً في الإعلان عن تغير مزاج طهران تجاه دمشق عندما قال: ليس لأحد، ليس لأحد، ليس لأحد الحق في أن يقتل الآخرين، لا الحكومة ولا معارضيها”.

ج- لاحظ الناس الذين يتابعون الأخبار العودةَ المفاجئة لعمليات حزب العمال الكردستاني بعد انقطاع استمر لعدة سنوات، ولم يشكّ أحدٌ منهم في أن النظام السوري هو من يقف وراء ذلك التصعيد. الأتراك هم أول من يعرف أن النظام السوري هو الذي قذف الحجر على سطح الماء الراكد وهو الذي حرّك حزب العمال، وهم علموا منذ البداية أن أكراد تركيا سيكونون ورقةَ ضغط في يد النظام السوري. لكن تركيا ليست بلا أوراق، بل هي تملك ورقة مشابهة مهمّة تستطيع أن تضغط بها على إيران، أقوى حلفاء الأسد، وهي بدورها يمكن أن تضغط على حليفها السوري. في وقت قريب من عودة العنف إلى المناطق التركية الكردية انفجرت في إيران اضطرابات واسعة في الأقاليم ذات الأغلبية الأذرية، حيث شهد إقليما أذربيجان الشرقية والغربية مظاهرات واحتجاجات واسعة شملت أكثر المدن. في إيران تشكل القوميات غير الفارسية أكثر من نصف السكان، والترك الأذريّون (الأذربيجانيون) هم ثاني أكبر قومية في البلاد بعد الفرس، ينتشرون في أربعة أقاليم في شمال غرب إيران ويبلغ عددهم نحو 18 مليون نسمة. وكما يحصل في سوريا، قام النشطاء الأذريون بنشر أعداد كبيرة من أفلام الفيديو على اليوتيوب تصوّر المتظاهرين الذين يعبّرون عن احتجاجاتهم باللغة التركية. هل كان لتلك الاضطرابات أثر في تغيّر الموقف الإيراني ودفع إيران إلى التخلي عن دعم سوريا؟ ربما، إن لم نستطع الجزم بالإثبات فلن يستطيع أحدٌ الجزمَ بالنفي.

د- يوم الأحد كان وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي في الدوحة، حيث عقد محادثات مع الشيخ حمد بن جاسم رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري وعدد من المسؤولين القطريين، وبعدها توجه إلى بغداد “لإجراء مباحثات مع كبار المسؤولين العراقيين” كما قيل. لم يخبرنا لا الإيرانيون ولا القطريون بما دار في ذلك الاجتماع، ولا عرفنا أيضاً الهدف من زيارة صالحي لبغداد، وفي غياب المعلومات لا يملك المرء إلا التخمين. من الممكن تقديم نظريات متعددة، أما أنا فنظريتي هي أن إيران فقدت الأمل نهائياً في نظام الأسد، لكنها تريد إنقاذ بقية أجزاء التحالف. هل تذكرون الوصف الذي دوّنَه المؤرخون لمعركة اليرموك؟ قالوا إن الروم كانوا مُسَلسَلين كلّ أربعة في سلسلة واحدة لمنعهم من التفرق والهرب، فكان الواحد منهم إذا سقط في الواقوصة جرّ معه أصحابَه. الإيرانيون يريدون -فيما يظهر لي- تفكيك السلسلة لكي يسقط الأسد وحده وينجو المالكي في العراق وحزب الله في لبنان. ما سنشهده في الأسابيع المقبلة على جبهتَي العلاقة السورية-العراقية والسورية-اللبنانية سوف يقوّي هذه النظرية أو يضعّفها، والله أعلم.

-6-

روسيا والصين

أ- ما هي الرسالة التي أرادت روسيا إيصالها عندما أجهضت مشروع قرار مجلس الأمن ضد سوريا في الخامس من الشهر الماضي باستعمال حق النقض (الفيتو)؟ نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، قال إن موسكو “كان يمكن أن تصوّت إلى جانب القرار الذي طرحته البلدان الغربية لو أنه تضمن ما طلبته من ضمانات تمنع استخدام القوة العسكرية ضد سوريا على غرار ما حدث مع ليبيا لدى تطبيق القرار 1973. روسيا إذن لم تعد في موقف الداعم المطلق للنظام السوري، لكنها لا تريد أن تخرج من المسرح وتفقد كل مصالحها في سوريا كما حصل في ليبيا.

النظام السوري فسّر الفيتو الروسي على أنه تعاطف وتأييد مطلق معه وأسرع برفع لافتات الشكر لروسيا في مسيرات التأييد (المزعومة)، واستمر في القتل والتنكيل كما كان أولاً، فسارع الرئيس الروسي ميدفيديف -بعد الفيتو بأقل من أسبوع- إلى انتقاد إدارة بشار الأسد للأزمة وعجزه عن الإصلاح، وقال إن “على النظام السوري الرحيل إذا لم يحقق الإصلاحات”، وبعد ذلك بيوم واحد استقبلت روسيا وفداً من المعارضة السورية. هل يمكننا القول إن الموقف الروسي الرسمي تغيّر فعلاً خلال تلك المدة القصيرة؟ غالباً ليس هذا هو التفسير الصحيح لتناقض المواقف الروسية، بل لعله اختلاف المواقف والقناعات بين الرئيس الروسي ميدفيديف ورئيس الوزراء بوتين، حيث يبدو أن الرئيس أكثر تشدداً مع النظام السوري فيما يبدو رئيس الوزراء أكثر حرصاً على مصالح روسيا في سوريا، ولذلك فإنه يبحث عن حل توفيقي يُبقي الأسد في الحكم مع إجراء إصلاحات جزئية يتصور أنها يمكن أن تمتص غضب الشارع وتساعد على إنهاء الثورة الشعبية.

لكن روسيا بدأت تفقد ثقتها أخيراً في قدرة النظام السوري على الاستمرار، وقد بدا من لقاء ميخائيل مارغيلوف، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي، وميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية، بدا من لقائهما مع وفد المعارضة السورية في موسكو قبل ثلاثة أسابيع أن روسيا تضغط على الرئيس السوري للإسراع في الإصلاحات (المزعومة) وأنها لن تنتظر إلى الأبد. علينا أن نتذكر أن روسيا باعت بسهولة عدداً من حلفائها في الماضي، صربيا وليبيا مثلاً، وهي يمكن أن تبيع نظام الأسد بالسهولة نفسها عندما تحصل على صفقة مناسبة، ولا نستبعد أن تُرتَّب صفقة من هذا النوع بمشاركة الولايات المتحدة أو بعض الدول العربية الغنية، وها هي روسيا -مبدئياً- تدعم مبادرة الجامعة العربية.

ب- الصين أيضاً استعملت حق النقض (الفيتو) لتعطيل قرار يدين النظام السوري في مجلس الأمن، وكان ذلك هو أول “فيتو” تستعمله في تاريخها في تصويت لا يخصّ نزاعها التقليدي مع المجتمع الدولي على تايوان. بعد أقل من ثلاثة أسابيع دعت الصين سوريا إلى التحرك بشكل أسرع للوفاء بوعودها بتطبيق إصلاحات، وكانت تلك هي المرة الأولى التي تخالف فيها الصين موقفها الدائم والقائم على عدم التدخل في الشأن السوري. ثم أيّدت المبادرة العربية، وهي خطوة ملفتة جداً للانتباه وتدل على تغير حقيقي في الموقف الرسمي الصيني. بعد ذلك وصل إلى دمشق المبعوث الصيني إلى الشرق الأوسط، وو سي كي، وهو -بالنسبة للملف السوري- أهم شخصية صينية في الوقت الحاضر فيما يبدو لي، وأحسب أن لتصريحاته التي أدلى بها في القاهرة عشيّةَ مغادرة دمشق قيمة كبيرة ومغزى لا يخفى. ماذا قال؟ وصف الأوضاع في سوريا بالخطيرة، وأكد أنه حذّر السلطات السورية من أن قمع المظاهرات لا يمكن أن يستمر، وأكّد لمسؤولين رفيعي المستوى في سوريا أن الرئيس السوري بشار الأسد يجب أن يستجيب للتطلعات والمطالب المشروعة للشعب السوري، داعياً إلى وقف كافة أعمال العنف وإجراء إصلاحات من خلال الحوار والطرق السلمية، مضيفاً: “يجب احترام خيار الشعب”.

-7-

المبادرة العربية

أخيراً وبعد جمود امتدّ عشرة أسابيع تحرك تمثال الشمع من جديد، حيث تداعى وزراء الخارجية العرب لعقد اجتماع في القاهرة “لبحث الوضع المتفجّر في سوريا”! وبعد مخاض عسير طويل وُلدت أخيراً مبادرة عربية واضحة المعالم.

ماذا تقولون في المبادرة العربية الأخيرة؟ كثيرون لا يرون فيها سوى حركة شكلية هدفها ترضية الشارع العربي والإيحاء إليه بأن الجامعة والدول العربية قامت بالواجب، أي من باب رفع العتب لا غير، أما أنا فلا أراها كذلك لأكثر من سبب، أولها أن الجامعة علّمتنا من قديم الزمان أن لا نتوقع منها شيئاً، وقد خلعت ثوب الحياء من قديم فلا تبالي بأي دِثار تدثّرت. أما دول العرب فلم يهتموا بشُجون العرب وهموم العرب قط، فلماذا اليوم؟ الأمر الثاني: المحنة في سوريا لم تبدأ في الأسبوع المنصرم، ها هي الآن تختم شهرها الثامن. مضى ثُلُثَا سنة والشعب السوري يعاني من القمع والتنكيل والعرب ساكتون، إلا من بعض عبارات الشجب والاستنكار المبعثرة التي هي أشبه بالطلقات الفارغة في الهواء، باستثناء تحرك رمضان الملفت للانتباه (الذي كان من المؤشرات التي اعتمدتُ عليها لبناء توقعاتي آنذاك)، فما هو السر في عودة الحياة إلى تمثال الشمع اليوم؟

ثم لماذا تُحرج الدول العربية نفسها بتحديد حدود زمانية تحصر داخلها النظام السوري وتطالبه بتنفيذ عمل محدد قبل انقضائها؟ الشجب والاستنكار والامتعاض وغيرها من التعبيرات المطاطة لغةٌ دبلوماسية معروفة، وهي كافية لرفع العتب لو كان الغرض رفعَ العتب، أما أن يطالب العربُ النظامَ السوري بأمور ثلاثة كبيرة وصعبة عليه، وفي خمسة عشر يوماً لا غير، فهذا يدل على أمر من ورائه أمور.

هذا الظن يبدو مرجَّحاً بنسبة أكبر عندما نراقب ردة فعل النظام السوري، فمن الواضح أنه يتعامل مع المبادرة العربية بقلق وجِدّية غير مسبوقة، ربما لأنه يدرك أن الحبل قد أُحكم لَفُّه حول رقبته، ربما يدرك أن الجامعة العربية لا تتحرك في فراغ بل في سياق ترتيبات أممية أعدّت العدةَ لضربه ضربة نهائية. لو أنه أصرّ على المكابرة والرفض فإن تجميد عضوية سوريا في الجامعة أمرٌ محتمَل جداً، بل إنه يبدو مرجَّحاً، وإذا جُمِّدَت عضويتها فسوف تفقد الغطاء العربي ويصبح التدخل الدولي المباشر قانونياً دون الحاجة إلى تفويض عربي.

يمكن أيضاً أن تبادر الجامعة إلى الاعتراف بالمجلس الوطني، ولن يكون اعترافٌ من هذا النوع تصريحاً شفهياً عابراً. الدولة الواحدة لا تمثلها سلطتان بل واحدة، وعندما تعترف بإحداهما تسحب اعترافك من الأخرى تلقائياً. إذن فإن أي دولة تعترف بالمجلس الوطني ستقطع فوراً علاقاتها الدبلوماسية بالنظام الحالي وتسحب سفيرها من دمشق وتعتبر المجلس ممثلاً شرعياً وحيداً لسوريا.

من دراسة كل المواقف والتطورات التي استعرضتها في هذه المقالة يبدو أن المجتمع الدولي جادّ في حملته على النظام هذه المرّة، ولا بد أن يكون النظام نفسُه هو أول من يدرك هذه الحقيقة ومن يخشاها. لماذا يبيع كبار المجرمين أملاكهم في أوربا؟ لماذا يهرّبون احتياطي الذهب إلى إيران؟ لماذا يسفّر المسؤولون الكبار عائلاتهم خارج سوريا؟ ألا تدل هذه المؤشرات على فزع حقيقي يسيطر على العصابة الحاكمة؟ ألا يعبّر عنها الكلامُ الأهوج لرئيس العصابة حينما هدّد بزلزال سيضرب المنطقة كلها لو تعرض أحد لنظامه؟ كل هذا يدل على أن النظام السوري يعيش لحظات عصيبة وأنه أدرك أخيراً أن بقاءه صار أمراً مشكوكاً فيه، وإذن فإنه سوف يستعمل كل ما بقي في جعبته من أسلحة… والذي بقي في جعبته قليل قليل لحسن الحظ، فإذن لم يبقَ بيننا وبين النصر الكبير غيرُ وقت قصير بإذن الله.

-8-

الخلاصة

بعد استعراض التطورات الأخيرة ما تزال النتائج التي وصلَت إليها مقالات رمضان هي هي، وما زلنا بحاجة إلى بعض الوقت لنعرف السيناريو الذي سيختاره المجتمع الدولي لإسقاط النظام. ما يزال أكثر السيناريوهات تداولاً وراء الكواليس هما اللذان كانا مطروحَين قبل شهرين: (أ) عملية اختراق سريعة تنتهي باعتقال أو قتل أو هروب أكثر الرؤوس الكبيرة وانهيار سريع جداً للنظام، أو (ب) حرب استنزاف تعتمد على حرب عصابات يقودها جيش سوريا الحر انطلاقاً من مناطق آمنة. وبالطبع لا يمكننا استبعاد سيناريوهات أخرى (ثالث ورابع وخامس أو أكثر، إنما أعرض هنا الأكثرَ تداولاً والأكثر ترجيحاً من سواه).

في رمضان كان ترجيحي مائلاً إلى الاحتمال الأول بسبب الأدلة المتوفرة في ذلك الوقت، أما الآن فيبدو أن الاحتمال الثاني صار أقرب، مع التأكيد على أن الاحتمالات كلها تبقى قائمة. إن الإنسان العادي -مثلي ومثلك أيها القارئ العزيز- يضع دائماً خططاً بديلة، فربما ذهبتُ إلى الحلاق لأحلق شعر رأسي (أو ما بقي منه، ولم يبقَ الكثير) وفي نفسي أنني لو وجدت في دكّانه ازدحاماً فسوف أذهب إلى الحلاق الآخر. إذا كان بسطاء الناس يضعون في حياتهم اليومية خططاً أصيلة وخططاً بديلة فما بالكم بالدول الكبرى؟ لا شك أنها تفعل أكثر من ذلك، فتضع خططاً كثيرة وتوفّر لها كلها الإمكانيات الكاملة، فإذا بدأت بالأولى وتعذّر تنفيذُها لأي سبب فإنها تنتقل من فورها إلى الثانية دون إضاعة الوقت ودون الحاجة إلى البدء بالتفكير والتخطيط من جديد.

على أنني أعود إلى التأكيد: إن كون الاحتمال الثاني احتمالاً راجحاً أو أقوى من غيره في الوقت الراهن لا يعني أنه حتمي، فنحن -عامة الناس- ليس لنا إلا ما نراه فنحكم بناء عليه، وهو قد يكون مغايراً للحقيقة، وقد يكون هو الحقيقة لكنها حقيقة متغيرة، تصحّ يوماً ثم لا تصح في اليوم التالي. ما نراه حتى الآن يشير إلى أن تركيا تقترب من إنشاء منطقة عازلة (أو منطقة آمنة) تكون مأوى للمدنيين المهدَّدين وقاعدة لجيش سوريا الحر الآخذ بالتضخم يوماً بعد يوم بحمد الله، ويبدو أيضاً أن حلف الأطلسي سيطبق منطقة حظر طيران في القسم الشمالي من سوريا، ربما من خط عرض 35 مثلاً، وربما أيضاً منطقة حظر في الجنوب.

قبل عدة أسابيع أثار وزير الخارجية التركي داود أوغلو الاهتمام عندما قال: “ليس في نيتنا إقامة منطقة عازلة مع سوريا, إلا أننا نترك الشعب السوي ليقوم بما يتوجب عليه”. خبراء السياسة الذين قرؤوا رسالة أوغلو ترجموها من اللغة الدبلوماسية إلى اللغة التي يتفاهم بها الناس، فقالوا إن معناها هو أن تركيا تدفع الثوار والمنشقّين العسكريين إلى إقامة منطقة عازلة في وقت قريب جداً لتسريع إسقاط النظام السوري.

في وقت قريب من تصريحات أوغلو، في الرابع من تشرين الأول الماضي، صرّح قائد الجيش السوري الحر العقيد رياض الأسعد بأنه موجود في مكان آمن في تركيا، شاكراً حكومة تركيا وشعبها على حسن الضيافة الرعاية والحماية التي يتلقاها هو والجنود الأحرار، وتمنى أن يحافظ الشعب السوري على معنوياته المرتفعة، قائلاً: “سندخل سوريا قريباً بإذن الله وندمّر النظام السوري”. الملفت للانتباه أن الجهة التي نشرت تصريحات العقيد الأسعد هي وكالة أنباء الأناضول الرسمية التركية، مما يدل على أكثر من مجرد توفير المأوى والحماية، إنه تقريباً اعتراف ضمني مبكر بشرعية الجيش الحر.

أيضاً ما تزال تتوارد وتتواتر منذ شهرين أخبار تؤكد أن تركيا تمد الجنود الأحرار بالذخائر وببعض الأسلحة الخفيفة، ويبدو أنها توفر لهم أيضاً دعماً لوجستياً يشمل الخدمات الاستخباراتية المهمة لتوفير تحرك آمن، ولا يُستبعَد أن تعلن تركيا في وقت قريب اعترافها الرسمي بالجيش الحر وقيادته وأن يوفر الجيش التركي الحماية للمنطقة الآمنة، وقد تصبح هذه المنطقة هي المقر الرسمي للمجلس الوطني وتمثل قاعدة للتحرير على غرار بنغازي في ليبيا.

حسناً، لنصل إلى السطر الأخير ونتفق على القاعدة الذهبية: سواء أصحّت التوقعات السابقة أم لم تصحّ فنحن ماضون في ثورتنا، لأن العالم سيتخلى عنا في اللحظة التي نترك فيها الشوارع ونعود إلى البيوت. قد لا نعرف أي المسارات (السيناريوهات) سيسلك قطارُ الحل، ولكنّا نعلم أن محطة الختام في رحلته هي سقوط النظام بإذن الله ذي الجلال والإكرام، فامضوا في ثورتكم ولا تهادنوا النظام، واصبروا وصابروا يا أيها الأحرار الكرام.

-9-

ماذا بعد موافقة النظام على المبادرة العربية؟

لا أريد أن أدّعي ولا أن أتعالم فأزعم أنّي توقعت موافقة النظام على المبادرة العربية. الحقيقة أنني توقعت أن يرفضها رفضاً كاملاً، فكيف له أن يوافق على دخول الصحافة الحرة إلى سوريا؟ كيف يسحب الجيش والمسلحين من جميع المدن؟ كيف يطلق المعتقَلين من السجون؟ إنه يوقّع على بيان الانتحار حينما يصنع ذلك. على أننا لن نجزم أنه وافق إلا بعد الفعل، وهو لا يملك الوقت للمناورة لأن نص الجامعة كان صريحاً وقاطعاً: “الاتفاق ساري المفعول من لحظة إعلانه، وسنوفد فوراً مجموعة للتحقق من تنفيذ سوريا لبنود الاتفاق”.

إذن ربما يسقط في الاختبار قبل أن تقرؤوا هذه الكلمات، وربما يراوغ ويخادع وينفّذ الشروط مجزوءة فيُفقدها قيمتها، فيملأ المدن بعناصر أمن وشبيحة باللباس المدني ويطلقهم على المتظاهرين كالكلاب المسعورة فيَضربون ويعتقلون، وربما يُخفي الدبابات في مخازن وملاعب قريبة من الأحياء السكنية ليبقيها قريبة ويعيد استعمالها عند الحاجة، ولعله يختلق المعاذير لكي يُبقي عدداً كبيراً من المعتقلين في السجون، كأنْ ينكر وجودهم أصلاً أو يتهمهم بحمل السلاح أو بالتخريب فيعتقلهم على أنهم مجرمون جنائيون لا سياسيون… إلى غير ذلك من الحيل والألاعيب التي نعرف أن النظام السوري الماكر يجيدها ويعيدها كلما تعرض إلى تهديد حقيقي، كما صنع في أزمته مع المحكمة الدولية قبل بضع سنوات.

لكن مهما فعل النظام، سواء أطبّق شروط المبادرة العربية أم لم يفعل، وسواء أخلص في تطبيقها أو راوغ وخادع، فلا بد أن تمضي الثورة قوية كما كانت، بل أقوى مما كانت. احفظوا درساً واحداً وانسوا ما عداه إن شئتم: إنكم ما وصلتم إلى هنا إلا بثورتكم السلمية، ولم يتحرك العالم أخيراً إلا بسبب ثورتكم السلمية، ولم يَحْنِ النظام رأسه الذي ما حَناه من قبلُ قَطّ إلا بسبب ثورتكم السلمية، وحينما تستمرون في هذه الثورة فسوف تَصلون إلى الغاية وتقطفون الثمرة بإذن الله.

لا يضرّكم ولا يغرّكم ما فعل النظام، فإنه مهما يفعل زائل بإذن الله، ولا تهنوا ولا تضعفوا ولا ترضوا بالدنيّة، فإن ثورتكم منصورة بإذن الله.

==============================

ما بعد المبادرة

غادة السورية

كما يبدو أن الجامعة العربية لم ترتوي حتى اللحظة من دماء الشهداء الذين سقطوا على يد عناصر الفرقة الرابعة التابعة للمتوحش ماهر الاسد وشبيحة النظام السوري الغادر , وقد تجاوزت اعدادهم اكثر من 4000 شهيد ... على مدى سبعة اشهر.

ولا أبالغ حين أقول أن مبادرة الجامعة العربية ( أو مايسمى بورقة العمل التي قدمت يوم امس في مقر الجامعة بالقاهرة ووافق عليها النظام السوري من دون أي تحفظ ) قد كتبت بدماء الشهداء التسعة عشر ، الذين سقطوا في مجزرة دموية على أيدي شبيحة النظام في معمل للمناديل الورقية في منطقة الحولة . ومما يزيد جدية النظام في القمع والتنكيل الطائفي للشعب السوري هو سقوط أكثر من 20 شهيداً في حمص غداة الموافقة المزعومة من قبل النظام .

المبادرة العربية هذه تأتي بعد سكوت مطبق للجامعة العربية لأكثر من سبعة أشهر على مايدور من قمع وقتل للمتظاهرين السوريين ، كما لو أن سورية بلد غير عربي .

إن توقيت المبادرة في هذا الوقت يوحي بسيناريو قادم لإسقاط النظام العلوي الطائفي البغيض . الأمر الذي دعى الجامعة العربية لأن تتقدم بهذه مبادرة لرفع العتب فقط . وأنها مبادرة ولدت ميتة .... بدليل عدم أي تغير في الواقع السوري .

موافقة النظام السوري على المبادرة تأتي من باب تفويت الفرصة عن الجامعة ( في حالة رفض النظام للمبادرة مباشرة ) وكسب مزيداً من الوقت قبل سقوطه ورحيله , للتنكيل أكثر مايمكن في الشعب السوري. لقد بات معلوماً حتى عند الجامعة العربية أن النظام السوري يجيد لغة الخداع واللف والدوران . وهو ما عبر عنه في تسريبات صحفية عن إجتماع الدوحه رئيس الوزراء القطري ورئيس الدورة الحالية للجامعة العربية " الشيخ حمد بن جاسم " في معرض رده على تبريرات وليد المعلم وزير الخارجية السوري أثناء الاجتماع ... عندما قال للمعلم ( لانريد لف ودوران ) هذه مبادرتنا واضحة البنود والمعالم ، إما أن توافقوا عليها أو ترفضوها وتتحملوا النتائج ؟!! وهو مايؤشر على وجود سيناريو قادم للنظام السوري .

تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب اوردغان الشديدة اللهجة هذه المرة والتي جاءت في البرلمان التركي قبل يومين لها دلالتها المختلفة عن التصريحات السابقة في عالم السياسة ... ما يفيد أن تركيا لن تقف صامتة تجاه مايحدث في سوريا . هذه التصريحات تؤشر ربما لتهيئة البرلمان التركي لإتخاذ مايلزم بخصوص الموقف التركي الجديد تجاه الجارة سوريا في الأيام القليلة القادمة . ويضاف الى ذلك تصريح البيت الابيض الصادر عن الرئيس أوباما قوله : ( على الرئيس السوري ان يتنحى ) ، والذي جاء بعد الإعلان عن موافقة دمشق على المبادرة العربية فإن له دلالة أخرى .

ماهو مؤكد أن النظام السوري قد أدمن على قتل وقمع الشعب السوري ... كونه نظام طائفي بغيض ... قد ورث ذلك من المقبور ( حافظ أسد ) يوم أن قتل أكثر من 10000 مدني في مجزرة حماه الشهيرة عام 1982 م . وهو ما يدعونا وبدون أدنى شك إلى القول بأن النظام سيستمر في قتل المتظاهرين على الرغم من إعلانه الموافقة على المبادرة العربية وبنودها التي تقضي بإنهاء جميع مظاهر العنف ، وإيقاف القتل ، وإطلاق سراح المعتقلين .

النظام السوري قطعا سيفشل بالوفاء بما ألزم نفسه عليه من خلال موافقته على المبادرة العربية . وعندها ستتخذ الجامعة العربية قرارها برفع اليد عن النظام ليواجه السيناريو المنتظر . اسوة بالنظام الليبي .

وماهو مؤكد كذلك أن الشعب السوري سيستمر في ثورته الشعبية السلمية وتقديم الشهداء تلو الشهداء حتى إسقاط النظام . وهي حقيقة أصبحت واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار . والأيام القادمة ستكون حاسمة ... وأن النظام السوري قد استنفذ جميع أوراقه وكما يقولون قد ذهب الكثير ولم يبقَ إلا القليل . وسينال الشعب السوري الكريم الرائع حريته وكرامته التي سلبها النظام العلوي الطائفي الغاشم لأكثر من أربعة عقود متواصلة .

==============================

الأرض والثور والشرق الأوسط

بدرالدين حسن قربي

مما ورد في الأساطير القديمة أن أرضنا الجميلة بما فيها وماعليها محمولة على قرن ثور، وعندما ينال منه التعب يقوم بحركة مناسبة، تتسبّب بنقلها إلى قرنه الآخر،فتحدث الكوارث الطبيعية تبعاً لقوة النقلة وسرعتها. وهو تفسير بدائي لحدوث الزلازل بات من تاريخ الخرافات وقصصها، وإنما الغريب أن يبقى من الناس من يعتقد بنفسه أو بغيره أن له تأثيرات مماثلة بأهمية هذا الثور وقَرْنَيه على العالم لأنه اعتقاد هو أقرب للتخريف.

نقول هذا الكلام في معرض مانسمعه هذه الأيام من النظام السوري رئيساً وجوقة عبر الصحافة والفضائيات معاداً ومكروراً بقرع طبول التهديد والوعيد وكأنها بداية حرب نووية تنذر بنهاية العالم،وهو مايكذّب قبل كل شيء كلاماً لهم قالوه مراراً بأن الأصعب من الأزمة السورية بات وراءهم ومن الماضي وأن المسألة قاربت على الانتهاء.

مَزْمورهم ووعيدهم بأن سوريا بمركزيتها في المنطقة وبمجتمعها المعقّد وبتحالفها العتيد مع إيران وحزب الله وحماس، لهي الفالق من الأرض الذي يعني اللعب فيه ( أي المساس بالأسد وترحيله) التسبب بزلزال يحرق منطقة الشرق الأوسط برمتها، فالنظام ورئيسه شخصياً يمثل القلعة الأخيرة للعروبة، وفي حال سقوطه سوف تنتهي العروبة والقومية العربية إلى الأبد، ولن يكون هناك سوريا، ولا بلداً ولا نظاماً لأن بديله الطوفان أو الخراب، بل رؤية أفغانستان أو أفغانستانات أخرى. يعني بالمشرمحي إما استمرار الأسد أو تحرق البلد.

إن هذه التهديدات بالزلازل وبعشرات الآلاف من الصواريخ العابرة والتوعدات بالأفغنة التي تريد أن تضعنا فيمشهد الكواكب التي سوف تتصادم، والمحيطات التي سوف تتلاطم، والبراكين التي سوف تتحامم، والأرض التي سوف تتزلزل، إنها ليست أكثر من كلام واسع وقرقعة لنظامٍ قاتلٍ لشعبه، وسارقٍ للقمة عيشه، تُذكر بقرقعات الراحل القذافي وتهريجاته وخطبهبما فيها تجهيزاته واستعداده لحربٍ إلى يوم القيامة، وبنهايته البئيسة كأحد طغاة العصر ومستبديه، وتبشر بنهاية وشيكة لنظام مافياوي أسقط من حساباته دولة المواطنة المدنية الديمقراطية التعددية، وجعل منها مذاهب وطوائف وجيشاً عقائدياً وشبيحةً لتكون الفالق الزلزالي الذي يتوهمه لإنقاذه ساعة العسرة ويوم الحساب.

قد نتفهم أن يكون لنظامٍ ما ثوره الذي يعتقد بأهميته، ولكن كلنا يعلم أن شيراك وبوش وغوردن براون في أعتى دول العالم قد رحلوا، وجاء من بعدهم ساركوزي وأوباما وكاميرون ولم يحصل عندهم شيء مما نُهدّد به من الزلازل ونتوعد به من الحريق وتسونامي الصواريخ.وإنما سواء اتفقنا مع هؤلاء القادة السابق فيهم واللاحق أو اختلفنا على مواقفهم وسياساتهم، فإنه لاخلاف أنهم جاؤوا مناصبهم وخرجوا منها بطريقةٍ مميزةٍ وملفتة على وقع الابتسامات والتهاني والتبريكات وفلاشات الكاميرات، توديعاً ووداعاً وتسليماً واستلاماً فيصبح التالي رئيساً والأول رئيساً سابقاً، ويخرج وهو يلوّح لناسه ومواطنيه بيده مودعاً، ومتوجهاً إلى موقعٍ آخر من مواقع العمل الوطني لايحمل من منصبه أكثر من لقب رئيس سابق، وهو كما يحصل عندنا بالضبط ولكن بعد عشرات الآلاف من الضحايا والدمار وخراب الديار.

إن التصريحات الجديدة لرئيس النظام السوري عبر الإعلام العالمي صحافة وتلفزيوناً، تعني مرحلة جديدة بدأ يحس معها من بعد ثمانية أشهر، بدخوله في طريق مسدودة بقمعه لتظاهرات الحرية والكرامة المطالبِة برحيله، وأنه ماعادت تنفع معها آلات القتل والإرهاب، ولاسجون الترويع والاعتقال والتعذيب،في ظلال تعتيم ومنع لكل وسائل الإعلام العربية والدولية من تغطية مايزعم أنه عمل عصابات ومندسين وإرهابيين وسلفيين، وأن مخرجه من خوفه وهلعه هو صرخاته على العالم الخارجي المنذرة بالويل والثبور وعظائم الأمور، والتي تعني ابتداءً أنه مستمر في القتل وسفك الدماء، وأنه لم يعتبر بعد من سابقيه الهارب منهم والمتنحي، والمشوي منهم والراحل، بل هو يعيش أوهام القذافي قدرةً وتحطيماً، بأن ساعة العمل دقت، وعجلة الزحف بدأت، وأن لارجوع.. وإلى الأمام، ثورة ثورة، دار دار، وزنقة زنقة، فقد تحركت ماكنات الانتصار.

أن يعتقد من يعتقد بخرافة الأرض والثور فهذا شأنه، ولكن محاولته تسويقها في القرن الواحد والعشرين وفي الشرق الأوسط، فهذا ضرب من الإفك والدجل وباختصار. فنظام من هكذا طراز يفترض أنه منقرض منذ زمن وإن تلبّسّ المقاومة والتحفَ الممانعة، فيكفيه ماقتل من شعبه بعشرات الآلاف وأضعاف أضعافهم من المعتقلين والمهجرين.

http://www.youtube.com/watch?feature=

player_detailpage&v=kjm5h-wrnVk

http://www.youtube.com/watch?feature=

player_detailpage&v=t-WGHOvYiJQ

http://www.youtube.com/watch?feature=

player_detailpage&v=8yRoQ6Sagtw

http://www.youtube.com/watch?feature=

player_detailpage&v=6jhk6Hiv2kA

===============================

ميثاق شرف للحوار عند الاختلاف

أ.د/ عبد الرحمن البر

أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر وعضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين وعضو الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 قال الإمام شمس الدين الذهبي في (سير أعلام النبلاء): قال يونس بن عبد الأعلى الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي! ناظرتُه يوماً في مسألةٍ ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة. ثم علق الذهبي على ذلك بقوله: «هذا يدل على كمال عقل هذا الإمام (الشافعي) وفقه نفسه، فما زال النظراء يختلفون».

هذه القصة هي إحدى روائع تاريخنا الفكري المضيء، وهي تكشف أن اختلاف السلف في الرأي لم يكن داعيا إلى الفرقة، ولا باعثا على القطيعة، ولا دافعا إلى السب أو الشتم أو التجهيل والتسفيه والتحقير، فضلا عن التفسيق والتبديع والتضليل، بل غاية ما كان يدور في صدر الواحد منهم أن مخالفه أخطأ في تلك المسألة؛ لا في كل المسائل، بل كان الواحد منهم يشكر من دلَّه على خطئه، أو أبان له عن فساد ما مال إليه من الرأي، ما دام أمر القلوب مجتمعا وطريقة التعبير عن الرأي راقية خالية من الألفاظ النابية والتعبيرات المُسِفَّة، وما دام لدى كل طرف حسن ظن بالآخر، واقرأ إن شئت مقدمات الحوار الرائع والرسائل المتبادلة التي تبادلها الفقيهان الكوفي أبو حنيفة والبصري عثمان البَتِّيُّ، حيث كتب البَتِّيُّ إلى أبي حنيفة يذكر له بعض ما عدَّه أخطاءً وقع فيها أبو حنيفة، فكتب إليه يقول بعد السلام والدعاء وما يراه من أخطاء: «فافهم كتابي إليك، واعلم أنه لولا رجاءُ أن ينفعك الله به لم أتكلف الكتاب إليك، فاحذرْ رأيَك على نفسِك، وتخوَّفْ أن يدخل الشيطانُ عليك» فكتب إليه أبو حنيفة: «بلغني كتابُك، وفهمتُ الذي فيه من نصيحتك وحفظك لنا، وقد كتبتَ أنه دعاك إلى الكتاب حرصُك على الخير والنصيحة، وعلى ذلك كان موضعُه عندنا» ثم بدأ يرد عن نفسه،ثم ختم الرسالة بقوله: «ثم إن أشكل عليك شيءٌ أو أدخل عليك أهلُ البدع شيئاً فأعلِمْني أُجِبْك فيه إن شاء الله تعالى، ثم لا آلوك ونفسي خيرا، والله المستعان. لا تَدَعْ الكتاب إليّ بسلامك وحاجتك».

ومثل هذا حصل بين الإمامين مالك بن أنس فقيه المدينة والليث بن سعد فقيه مصر في مسائل اختلفا فيها، فكتب كل منهما إلى الآخر رائعة من روائع الحوار لا تزال مثالا للخلاف الراقي.

أذكر هذا وغيره ثم أقارنه بما نراه ونلمسه ونسمعه على شاشات الفضائيات ونقرؤه على صفحات الصحف وعلى صفحات الشبكة العنكبوتية من حوارات زاعقة، تطفح بعبارات غير لائقة، وتكون أقرب إلى التراشق منها إلى الحوار، وأدخل في باب الترامي بالتهم وسوء الظن والتخوين الوطني والتفسيق الشرعي منها بالجدال المشروع بالتي هي أحسن، وليس لكل ذلك من نتيجة عملية في الواقع إلا إنتاج المزيد من التوتر والتشقق والتخاصم والتقاطع بين أهل الرأي والفكر والفقه، وإدخال العامة في حيرة وبلبلة وحشدها في اصطفافات دينية أو فكرية وجبهات حزبية ذات طبيعة إقصائية، ويصبح هدف كل فئة إقصاء الفئة الأخرى وتشويهها، وتضيق الصدور بسماع الآراء والأفكار المتنوعة، والخاسر الأكبر من كل ذلك هو الوطن الذي ينبغي أن يستفيد من الثراء والتنوع الفكري لكل أبنائه.

في ضوء هذا فإنني أتقدم إلى إخواني من العلماء والباحثين والكُتَّاب بميثاق شرفٍ أخلاقي يلتزمه الباحث الجاد والمنصف في تعامله مع مخالفيه وحواره مع معارضيه، سواء التزم به المخالفون أو لم يلتزموا، وهو يتكون من عشرة بنود على النحو التالي:

1–إخلاص النية لله في طلب الحق ومعرفة الصواب، وترك الرياء والمماراة والتعالي على الناس والتعالم على الخلق، واتباع الدليلَ والدوران معه حيث كان، من غير تعصب لشيخٍ ولا لمذهبٍ، والقبول بالرجوع عن الخطأ متى استبان، وفي الحديث الذي أخرجه ابن ماجه وصححه ابن حبان والحاكم قال صلى الله عليه وسلم: «لاَ تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ، وَلاَ لِتُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ، وَلاَ تَخَيَّرُوا بِهِ الْمَجَالِسَ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَالنَّارُ النَّارُ».

2–العدل مع المخالف وإحسان الظن به ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة/8]

3–انتقاء الألفاظ اللائقة واختيار الألقاب المناسبة عند مخاطبة أهل العلم أو الباحثين والكُتَّاب وعند الحديث عنهم﴿وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا﴾ [الإسراء/53].

4–عدم المبالغة في تعظيم الشيوخ أو الكُتَّاب الأقرب إلى القلب أو المذهب أو الجماعة الفكرية أو الحزب السياسي، وعدم المبالغة في تضخيم أخطاء المخالفين ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا﴾ [النساء/135].

5–البعد عن تصيد الأخطاء والزلات العارضة للمخالفين، وعدم العمل على نشرها أو إذاعتها، والتثبت الكامل قبل اتخاذ المواقف ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات/6]

6-التركيز في الحوار على موضوع الخلاف؛ لا على مثالب وخصوصيات المخالف، وعدم الخوض في عرض المخالف أو حياته الشخصية التي لا علاقة لها بالموضوع المختلف فيه، وعدم الخلط بين الخصومات الشخصية والاختلافات الفكرية والمذهبية، وقد كان المحدثون يمتنعون أن يعبروا عن حال الراوي الضعيف بكلمتين إذا أمكنهم أن يعبروا بكلمة واحدة.

7–التماس العذر للمخالف المجتهد العالم بالأدلة الشرعية إن غابت عنه بعض تلك الأدلة أو ذهب في تأويلها مذهبا مخالفا، وكذلك التماس العذر لكل باحث أو كاتب غابت عنه بعض الحقائق، أو قرأ الوقائع قراءة خاصة وفهمها على وجه مختلف.

8–مراعاة أن المسائل الفقهية الخلافية ليست مجالا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو ليست محلا للإنكار الشديد فيما بين العلماء المختلفين في الرأي، بل هي محل للمناقشة وإيراد الحجج والأدلة للترجيح والتضعيف.

9–الاختلاف في الاجتهاد الفقهي والفكري ليس مدعاة للتأثيم والطعن في دين المخالف أو وطنيته، وغاية ما يمكن أن يقال فيه: إنه اجتهاد إن أصاب صاحبه فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد.

10–أن يكون شعار المتحاورين دائما: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه، ويبقى هذا المختلف فيه محل حوار ونقاش مصحوب بالرغبة الصادقة في الوصول إلى الصواب.

تلك عشرة كاملة أزعم أنها تصلح للبناء عليها، وتقبل الإضافة والحذف بحسب ما يحقق إدارة جيدة للاختلاف في واقعنا الفقهي والفكري والإعلامي، وأنا في انتظار تعليقات وآراء القراء الكرام والباحثين الجادين.

مفاجأة!: فاجأنا الأستاذ الدكتور على السلمي بالدعوة لما أسماه وثيقة المبادئ الأساسية للدولة المصرية، ومعايير تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، في انقلاب واضح على نتيجة استفتاء 19 مارس وتجاوز عجيب للإعلان الدستوري الذي تلاه، وتصرف قد يؤدي إلى إرباك المشهد السياسي قبيل الانتخابات المنتظرة، فهل أصبح المعارض السابق والوفدي الليبرالي فاقدا للأمل في هذا الشعب ومسيئا للظن بشعب لطالما تغنى بضرورة احترام رأيه والرضوخ لاختياراته! صباح الحرية يا دكتور على، وحمدا لله على سلامتك.

تهنئة: أقدمها للشعب المصري وللأمة العربية والإسلامية بالعيد السعيد، أعاده الله على الأمة بالعز والرخاء، وعلى الثوار في اليمن وسوريا بالنصر والتوفيق.

===========================

عضوية فلسطين في اليونسكو خطوة في مسار العدالة الدولية وفشل للسياسة الأمريكية-الإسرائيلية

د. علاء مطر

لم تتوان رأس الاستكبار العالمي وراعية الإرهاب المنظم في العالم "الولايات المتحدة الأمريكية" يوماً عن نصرة دولة الاحتلال الحربي الإسرائيلي وتسخير إمكاناتها له لتنفيذ سياسته القائمة على الاحتلال والحرب والعدوان والقتل والدمار، بل هي الحامية للمشروع الإسرائيلي في المنطقة بما يضمن سعي الأخيرة للسيطرة على الإقليم.

الولايات المتحدة هي من وقفت دائماً إلى جانب المحتل وحالت دون اتخاذ العديد من القرارات في مجلس الأمن لإدانة جرائمه بحق الفلسطينيين بشكل خاص "شعباً وأرضاً". والولايات المتحدة هي من تدعم إسرائيل بضربها الحائط كل القرارات الدولية المساندة للحقوق الفلسطينية، وهي من تقف حجر عثرة أمام انضمام فلسطين لعضوية الأمم المتحدة لنيل العضوية الكاملة بما يحمله ذلك من قدرة أكبر على طريق إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني، بل إنها وبجانبها إسرائيل بذلتا ما بوسعهما للحيلولة دون حصول فلسطين على عضوية اليونسكو، إلا أن جهودهما باءت بالفشل بحصول فلسطين على تلك العضوية.

إن التغاضي عن ممارسات الولايات المتحدة الأمريكية التي تقف حجر عثرة أمام إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في تقرير المصير الذي كفله القانون الدولي- "لجميع الشعوب حق في تقرير مصيرها بنفسها، وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي وحرة في السعي لتحقيق نمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي" - يحتاج إلى وقفة جادة من أصحاب الضمائر الحية في هذا العالم، مخصوصين بالذكر الامتداد الطبيعي للفلسطينيين وهم العرب والمسلمين، مغتنمين في ذلك ثورات الشعوب العربية المقهورة والمظلومة التي أطاحت بعروش الطغاة في دولهم، آملين الاستمرارية بدك عروش من تبقى من هؤلاء الطغاة. فالاختيار الحر للشعوب العربية من المفترض أن يفرز قيادات ترسخ جهودها لخدمة مطالب شعوبها بما يعزز من مكانة القضية الفلسطينية، لتنتقل من ضمير ووجدان الشعوب إلى دعم الحكام لها.

 عليه فإن أي قيادة عربية جديدة لا تضع القضية الفلسطينية ضمن أولوياتها مسخرة جهودها لنصرتها، لن ترضي طموحات شعوبها التي كان من ضمن أسباب ثوراتها تنكر تلك القيادات لحقوق الشعب الفلسطيني وتركه وحده في الميدان يدافع عن شرف الأمتين العربية والإسلامية في وجه قوى الظلام والإرهاب إسرائيل وراعيها الأول الولايات المتحدة الأمريكية.

أيها العالم الحر، من تدعُون إلى إرساء الديمقراطية وقيم العدالة وسيادة القانون وحماية الإنسانية من براثن الإرهاب. ندعوكم إلى أن تبرهنوا صدق دعواكم، وقد علمتم حقاً أن ممارسات إسرائيل الإجرامية هي محور أساسي في الإرهاب العالمي وأن رعاية الولايات المتحدة لسياستها هي راعية للإرهاب. إذاً فهي دعوة للوقوف جدياً في وجه الغطرسة الأمريكية-الإسرائيلية ليصبح العالم أكثر أمناً، فلا زالت الولايات المتحدة الأمريكية ترعى سياسة دولة الاحتلال الإسرائيلي الإجرامية بحق المدنين الغزيين، وذلك عبر رعايتها للحصار المفروض على قطاع غزة الذي له آثار كارثية على مجمل حقوق الإنسان بما يتنافي مع الحد الأدنى للمعايير الدولية لحقوق الإنسان ويرتقي إلى جرائم حرب تتطلب محاكمة قادة دولة الاحتلال أمام القضاء الدولي.

فلتتكاثف جهود الإنسانية جمعاء وكل من يؤمن بقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، للانتصار لحقوق الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره. كما آن الأوان أن توضع الولايات المتحدة وإسرائيل في خانة واحدة ضمن الدول الأكثر إرهاباً "رعاية وممارسة"، وكفى لهما أن يقفا حجر عثرة أمام تطبيق العدالة الدولية وإحقاق حقوق الشعوب المقهورة وفي مقدمتها حق الشعب الفلسطيني. وكلنا أملاً أن يكون وقوف دول العالم إلى جانب الشعب الفلسطيني بالحصول على عضوية اليونسكو خطوة تتبعها خطوات أخرى في مسار نيل الفلسطينيين لكامل حقوقهم المشروعة.

==============================

يونسكو وصورايخ

د. فايز أبو شمالة

في المواجهة العسكرية بين رجال المقاومة والجيش الإسرائيلي، خرج رجال المقاومة منتصرين، وقد فرضوا على مليون إسرائيلي العيش في فزع، لتقف إسرائيل عاجزة مع قبتها الحديدية عن تحقيق الأمن لمواطنيها.

في المواجهة الدبلوماسية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل حسم الأمر لصالح فلسطين، وحصلت على العضوية في منظمة اليونسكو، وفضحت الموقف الأمريكي المتحالف مع إسرائيل، والمنحاز لوجهة نظر أشد المستوطنين تطرفاً.

في المواجهة العسكرية بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، عززت المقاومة من حضورها الميداني، بينما اكتفت دولة الصهاينة بالتهديد اللفظي بسحق غزة، وتدميرها، وحصارها، وهذا أمر تعود عليه المقاومون!

في المواجهة الدبلوماسية انتصرت السلطة الفلسطينية على الورق، دون أن تحقق أي مكسب فعلي على الأرض، انتصار سيجر العقاب الإسرائيلي المجرم على السلطة، وعلى الشعب الفلسطيني بشكل عام، وسيجلب العقاب الأمريكي على منظمة اليونسكو، بينما ستقف السلطة عاجزة عن الرد، أو غير راغبة في الرد القاسي المتمثل بوقف التنسيق الأمني.

في المواجهة الدبلوماسية لم تنتصر المقاومة، ولست مع القائلين: بأن النصر الدبلوماسي يعزز من شرعية المقاومة، بل على العكس من ذلك، الولوج في الخط الدبلوماسي كان على حساب خط المقاومة في الضفة الغربية. بينما المواجهة العسكرية أعطت للدبلوماسية الفلسطينية دفعاً، وحرضت دول العالم للوقوف السياسي خلف التحرك الفلسطيني، خوفاً من تعزيز فكرة المقاومة المسلحة لدى الشعب الفلسطيني.

المواجهة الدبلوماسية مع إسرائيل في مراحلها الأخيرة، وهي تنحسر عن رمل المفاوضات غير المثمر، وتنبئ بأيام قاسية على السلطة، ستقف فيها غير قادرة على مواصلة المشوار. بينما المواجهة العسكرية مع الصهاينة في مراحلها الأولى، وهي تتطور لصالح المقاومة، وتبشر بأيام قادمة ستخرج منها إسرائيل منهزمة.

كانت ردة فعل الإسرائيليين على قرار انضمام فلسطين إلى منظمة اليونسكو، مزيدا من التوسع الاستيطاني، ووقف تحويل الأموال، بينما ردة فعل الإسرائيليين على القذائف الفلسطينية تمثل في وقف التعليم في المدن الإسرائيلية الكبرى.

جاء رد فعل السلطة الفلسطينية على التوسع الاستيطاني اليهودي في القدس، رداً بارداً يحذر من تدمير عملية السلام، بينما كانت ردة فعل المقاومة على كل صاروخ إسرائيلي ينطلق على قطاع غزة، وابل من الصواريخ التي وزعت الخوف على المدن الإسرائيلية.

لما تزل رسالة إسرائيل إلى المقاومة تقول: حافظوا على الهدوء لنحافظ عليه من طرفنا أكثر منكم، ولما تزل رسالة إسرائيل إلى المفاوض: اضبط لنا الأمن داخل الضفة الغربية، وحافظ على هذا الوضع، كي نحافظ على بقاؤكم، وتواصل تدفق الدعم المالي لكم.

=============================

ثورتنا سلمية أم مسلحة أم كلتاهما

جابر عثرات الكرام السوري

 تعرف الثورة أنها:

" الخروج عن الوضع الراهن إلى وضع مغاير يحتمل أن يكون للأفضل أو للأسوأ "

و انتصار الثورة لا يحدده انتصار الاشخاص الذين قاموا بالثورة بل انتصار المبدأ الذي قامت من أجله الثورة و تحقيق أهداف الثورة و في غالب الثورات يكون الهدف هو الحرية و القضاء على الاستبداد و الظلم و الاستغلال.

و عليه فإن استبدال ديكتاتور بديكتاتور و ظلم بظلم هو فشل للثورة و ان تغير الظالم أو الديكتاتور

خلال تاريخ الأمم كان هناك الكثير من الثورات بكافة اشكالها منها ما انتصر فيها المبدأ و الاشخاص و منها ما فشل المبدأ و الاشخاص و منها ما انتصر فيها الأشخاص و انهزم المبدأ و منها ما انتصر المبدأ و هزم الأشخاص.

عموما يخطئ من يظن أن هناك ثورات سلمية بحته أو مسلحة بحته بل جميعها امتزج فيها السلمي بالمسلح و إن اختلفت درجة المزج.

المهم هنا حسن ادارة الأمور و التحكم بالمسار الصحيح و استخدام كل نوع عند توفر مقوماته و عدم الافراط بالقوة و كذلك عدم التفريط من خلال السلمية المطلقة, و لكل منهما مقومات و ظروف تحدد درجة المزج فغاندي أشهر زعماء الثورات السلمية يشترط لنجاحها تمتع الخصم ببقية من ضمير وحرية تمكنه في النهاية من فتح حوار موضوعي مع الطرف الآخر( وهذا ما لا يتوفر في النظام السوري), وكذلك الثورة المسلحة تحتاج الى أسباب القوة و أهمها التنظيم و الانضباط و الخزان البشري الذي سيرفد هذا النضال والاستعداد بالقبول بالآخر في حال تراجعه عن أخطائه و الرضى بالمحاسبة عليها و قبوله مطالب الثوار وكذلك تجرد الثوار من روح الانتقام (مع مبدأ محاسبة من تلوثت يداه بالدم و عدم التعدي الى آخرين لم يذنبوا).

يجب أن نميز ما بين أسلحة الثورة اي تحويل الثورة الى ثورة مسلحة و ما بين الدفاع عن النفس و العرض و المال و الأهل للشخص نفسه أو للغير فالثورة السلمية تبقى سلمية عندما تدافع عن ابنتك التي يريد عنصر الامن اغتصابها و تمنع شبيح من قتل طفل في حيك او تدمير سيارة جارك أو حرق منزله هذه الحماية للنفس أو الغير لا تعد تحويلا الى ثورة مسلحة سواء تمت الحماية بشكل فردي أو جماعي و مهما بلغ حجم الجماعي.

مثال حماية الثوار للجرحى في المستشفيات في حمص عندما أراد الشبيحة اختطافهم

و قد رأينا كيف قامت الفرقة الأولى مدرعة بحماية المتظاهريين السلميين في اليمن مما منع صالح من اجهاضها و بالمقابل لم تتحول الثورة الى مسلحة

كما ان رفض جندي أو ضابط او شرطي الأوامر الموجهة له بقتل أبناء شعبه السلميين و هروبه أو انشقاقه و دفاعه عن نفسه أو عن المتظاهرين لا يعد تحويلا الى ثورة مسلحة سواء تم ذلك بشكل فردي أو جماعي و مهما بلغ حجم الجماعي.

هذين الصنفين يدخلان تحت الثورة السلمية و تؤيدهما كافة الشرائع السماوية و الأرضية و هي حق لا جدال فيه

الذي نقصده بالمسلحة هو التحول الى المواجهات العسكرية الشاملة و هي أيضا حق للشعوب في حال فشل الوسائل السلمية.

ان ما يحكم مسار الثورة أمور كثيرة منها ميزان القوة و طبيعة الخصم و الظروف الداخلية و الخارجية ,و للسلمية محاسنها و هي الافضل ان كانت قادرة على حسم الأمور و للتسلح المنضبط الحكيم للدفاع عن الثورة دوره في حال عجزت السلمية و هددت الثورة بالاجهاض و توفرت مقومات العمل المسلح, ففي كل مرحلة يجب الموازنة مابين المكاسب و الخسائر و لا يوجد طريق ثابت لا حياد عنه.

أما الشيئ الذي نرفضه بالمطلق فهو و القيام بالاغتيالات و التفجيرات و القتل على الانتماء و الهجوم على المنشآت و نشر الفوضى و الرعب و دون التميز مابين ما بين مدني مسالم و مابين شبيح و لا يبرر احد أن ذلك ما يقوم به النظام و أنه يقوم بما اسوأ من ذلك بمراحل فلنا الحق في الرد عليه و لو بجزء من جرائمه , أقول لكم أنه ينتصر لمبادئه التي تربى عليها و هي الظلم و الطغيان و الوحشية و البغي و نحن ندافع عن مبادئنا المتمثلة بالانسانية والعدل و الرحمة و الاحسان فإن مارسنا و لو جزئا من ممارساته لكنا مثله و لكان النصر لمبدئه و ان انتصرنا كأشخاص.

 لكن دفاعنا عن حقوقنا و أرواحنا و أهلنا و مالنا بكافة السبل هي حق مشروع.

فلنأخذ أمثلة من أشهر الثورات على مستوى العالم و ماذا حققت لشعوبها:

  أعظم ثورات التاريخ ألا و هي رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ابتدأت سلمية لمدة خمسة عشر عاما و من ثم تحولت مسلحة الا أنه كان هناك ضبط للمسار سواء السلمي أو العسكري وحكمة بالغة في ادارة الأمور وانكار للذات وهناك ترشيد لاستعمال القوة و تحكم كبير بالانفعالات (مثال العفو عن قريش حين فتح مكة) كما أن عدد قتلى غزوات و سريا الرسول ال خلال الثلاث و عشرون عاما لم يتجاوز ال (النظام السوري قتلهم دون حرب في مدة )

كما أن العدو (رغم شركه و تخلفها عن زمننا 1400) الذي كان يتعامل معه الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمتلك الكثير من قيم الصدق و الوفاء بالعهد و احترم العلاقات القائمة وعدم الافراط بالتوحش وغيرها من القيم التي يفتقر اليها النظام السوري الذي لا يتمتع بأية قيم على الاطلاق بل يفخر بأنه بلغ الذروة في كافة الموبقات.

هذه القيم ساعدت الرسول على البقاء و الاستمرار في الفترة السلمية من دعوته.

و قد انتجت رسالة الاسلام المدينة الفاضلة الوحيدة التي عرفتها البشرية على مدار التاريخ و أنارت للعالم حضارة لمئات من الأعوام, و ان غابت عنها الديموقراطية فان العدالة لم تغب.

و هناك من يقول أن الرسول صلى عليه و سلم مؤيد من الله جل جلاله نعم أنا أتفق معه و لكن لحكمة اقتضاها رب العالمين كانت الرسالة و نجاحها لكافة الرسل تعتمد على جهد الرسول (الله قد يؤيده ببعض المعجزات و لكن لا يستخدم قدرته لفرض الايمان) من أجل أن يكون ايمان من يؤمن خالصا من القلب و عن قناعة تامة ليكون الحساب عادلاً.

و قد قرأنا عن كثير من الانبياء (رغم الجهد العظيم الذي بذلوه) لم يستطيعوا تحويل قومهم للايمان بسبب اشتداد كفرهم ومنهم من قتله قومه مثل يحيى و زكريا ومنهم من عوقب قومه مثل قوم شعيب و صالح و نوح, و هؤلاء الأنبياء جميعا مؤيدون من الله أيضا.

  الثورة الروسية ثورة مسلحة : أدت الى انتصار البلاشفة على القياصرة و أدت الى مقتل عشرون مليون روسي خلال الثورة و الثورة المضادة و على مدى سبعون عاما من الديكتاتورية سلب الشعب حريته و كرامته وأ قتيد المعارضين بعشرات الالوف الى سيبيريا و هجرت قوميات من بلادها و منع الناس من ممارسة شعائرهم الدينيه و أدى في النهاية الى انهيار القوة الثانية العظمى ذاتيا دون طلقة رصاص واحدة.

  الثورة الفرنسية ثورة مسلحة: يوميا و لمدة عشرة سنوات (1789-1799) كانت هناك عشرات الرؤس تتدحرج على المقصلة بدون محاكمة و لمجرد الشبهة و صناع الثورة كانت رؤسهم من ضمن هذه الرؤس و تطلب استقرار فرنسا بشكل نهائي عشرات السنين ما بين امبرطورية و ملكية و جمهورية.

  الثورة الايرانية ثورة سلمية : قامت عام 1979 و انتصر الخميني على الشاه و لكن تم تعويض النظام الديكتتوري بنظام اشد ديكتاتورية وقمع الشعب وخاضت ايران حربا طويلة وعادت جيرانها بسبب محاولاتها تصدير الثورة كما أن الاقليات العرقية و الدينية رغم كبر حجمها مقموعة بشكل كبير.

  الثورة الايرانية 2009 : ثورة سلمية قام بها الشعب الايراني بسب تزوير الانتخابات و تم قمعها.

  ثورة جنوب افريقيا : نضال طويل دام خمس و اربعون عاما أمتزج فيها السلمية بالعمل المسلح أدت الى انتقال سلمي للسلطة من نظام العنصري الذي يسيطير عليه البيض الى نظام ديموقراطي لكافة السكان بدون تميز دون اراقة دماء و دون تدمير مقومات الدولة و الانسان.

  ثورة الهند ضد الاستعمار الانكليزي نضال سلمي رافقه قليل من العمل المسلح استمر ثلاثون عاما لم يكن ليؤدى الى خروج الانكليز من الهند لولا انهاك بريطانا بحربين عالميتين و بروز نظام عالمي جديد و بعد الاستقلال انفصلت باكستان و بنغلادش عن الهند و حدثت اعمال عنف طائفي من قبل الهندوس ضد المسلمين و خلال ستون عاما بعد الاستقلال تحولت الهند الى اكبر ديموقراطية في العالم فيها تداول للسلطة لم تحدث فيها حروب اهلية رغم التنوع العرقي و الديني الشديد أصبحت من الدول العشرة الصناعية الكبرى في العالم و في عام 2050 سيصبح الاقتصاد الهندي ثاني اقتصاد عالمي.

  الثورة الانكليزية : ثورة مسلحة ادت الى حرب بين أنصار الملك و انصار البرلمان قامت في القرن السابع عشر دت الى تحول بريطانيا الى مثال للديموقراطية و الملكية الدستورية وهي قائمة حتى يومنا و استطاعن هزيمة جميع الدكتاتوريات التي حارنتها مثل نابليون و هتلر.

  الثورة الفلسطينية 1936 : عسكرية أجهضها الاحتلال البريطاني.

  الانتفاضة الفلسطينة الاولى السلمية :عدد القتلى: 2000 سياسيا :       تعاطف دولي واسع بسبب كشف الوجه الحقيقي لاسرائيل بحيث أصبحت المسيرات و النشرات الاخبارية التي تهاجم العنف الاسرائيلي شيئا اعتياديا في أوروبا و تمت مقاطعة البضائع الاسرائيلية و شارف الاقتصاد الاسرائيلي على الانهيار و اضطرت اسرائيل للقبول بدولة فلسطينية من اجل ايقاف الانتفاضة

  الانتفاضة الفلسطينة الثانية المسلحة: عدد القتلى 6000 تعاطف دولي مع اسرائيل كونها تواجه ارهابا أخمدت اسرائيل الانتفاضة دون دفع ثمن بل توسعت في الاستيطان و الجدار العازل و ارتكبت الكثير من الجرائم دون ادانة.

مما نرى أنه ليس هناك ثورة مثالية و أن نجاح الثورة و فشلها لا يتعلق بسلميتها أو عسكرتها بل بميزان القوى بين الطرفين و باصرار كل طرف وقتاله حتى النهاية وحسن ادارته للأمور و الموارد المتاحة و قدرته على لعب ورقتي المسلحة و السلمية حسب الظروف بدون التفريط بأي منهما كما أن نتائج الثورة وتاثيراتها على المجتمع سلبا و ايجابا لا تحدده السلمية أو العسكرية فكما رأينا أن ثورة ايران 1979 السلمية أنتجت أسوأ النظم الديكتاتورية في العالم و أن ثورة الهند السلمية كان من نتائجها تقسيم البلاد وحرب أهلية و أن ثورات عسكرية دمرت البلاد و أن ثورات سلمية أو عسكرية نجحت كما نلاحظ أن الصورة الموجودة عند كثير من الناس عن السلمية المطلقة لثورتي الهند و جنوب أفريقيا هي غير دقيقة سواء من ناحية وجود مقاومة مسلحة أو من ناحية نتائج الثورتين.

==============================

فلسطين كلمة حق أمام سلطانٍ جائر

د. مصطفى يوسف اللداوي

لم تستطع سطوة الولايات المتحدة الأمريكية بكل جبروتها وكبريائها وظلمها وتعديها، وبما ملكت من قوةٍ غاشمة، وسلاحٍ غادرٍ قاتل، ونفوذٍ واسع، وسيطرة وهيمنة على الكثير من حكومات دول العالم، ومعها كيان الظلم والاستبداد، ودولة القهر والإذلال، التي قامت على القتل والتهجير، والمذابح والمجازر والدماء، ومعهما دولٌ قليلة افتأتت على الحق، وعاشت على الظلم، واستمرأت الفساد، وعاثت في الأرض الخراب، ورضيت أن تكون تبعاً وذيلاً، تتقرب من الولايات المتحدة الأمريكية وتخطب ودها، وتحرص على حبها والوفاء لها، وقد كانت هي السبب في تعاسة أمة، وتشتت شعب، وتمزق دولة، وضياع حلم، أن تمنع دولاً أخرى، وحكوماتٍ كثيرة من أن تقول كلمة الحق، بلا خوفٍ ولا جبن، وبلا ترددٍ أو إكراه، دون أن تحسب حساباً لقوة أمريكا ونفوذها، ودون أن تصغي السمع لتهديداتها ووعيدها، فلم تبالِ بالغضب الأمريكي الذي سينصب عليها، وربما بالعقوبات التي ستفرضها عليها، كما لم تهتم بوعود الإغراء، ومنح الرشوة، ومساعدات السراب إن هي سكتت عن الظلم، وامتنعت عن شهادة الحق، وأيدت الجلاد وتخلت عن الضحية، وتنكبت للقيم وانقلبت على معايير العدل والمساواة، ولكن هذه الحكومات قالت كلمتها بلا خوف، وأعلنت تأييدها للحق الفلسطيني في أن تكون له دولة ووطن، وأن تتمتع كغيرها من دول العالم بعضويتها الكاملة غير المنقوصة في كل المؤسسات الدولية، ففلسطين دولةٌ لشعبٍ عريق يضرب بجذوره في عمق الأرض والزمن معاً، ولا يمكن لقوةٍ أن تجتثه، ولا لقهرٍ أن يشطبه، ولا لدولةٍ مهما علا سلطانها، واشتد بأسها، وامتد نفوذها أن تحرم فلسطين وشعبها من أن تكون له دولته على الأرض كلها، بكامل سيادتها وبكل حريتها، فكان اعتراف منظمة التربية والعلوم والثقافة بحق فلسطين في دولتها ووطنها شهادةُ حقٍ أمام دولةٍ جائرة.

وبغض النظر عن تأييد بعض الفلسطينيين لهذا الاعتراف الرمزي أو رفضهم وإنكارهم له بحجة عدم الأهمية، وفقدان القيمة، وأنه لا يقدم شيئاً حقيقياً للشعب الفلسطيني، فما الذي سيعنيه هذا الاعتراف، هل سيطرد الاحتلال الإسرائيلي، أم أنه سيمكن الفلسطينيين من رفع علم دولتهم فوق تراب فلسطين، وهل سيجبر هذا الاعتراف الحكومة الإسرائيلية على الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني، والانسحاب من أرضه، والتسليم له بحقوقه كاملةً في أرضه ووطنه وتاريخه ومقدساته، أم أن هذا الاعتراف سيمهد الطريق أمام مجلس الأمن الدولي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وسيشجع دول العالم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة لتتخذ ذات الخطوة، وتؤيد ذات الطلب، وترفض الفيتو الأمريكي، وتتجاوز الرفض الإسرائيلي وتعترف بفلسطين عضواً كامل السيادة إلى جانب جميع دول العالم الأخرى.

بعيداً عن هذا الجدل المحلي المؤيد والرافض، والمرحب والمستخف، فإن تأييد دول العالم لحق فلسطين في أن تكون لها دولة ووطن، وصوتٌ ومقعدٌ وسيادة، إنما هو ثورة على الظلم، ورفضٌ للهيمنة الأمريكية والسيطرة الغربية، وبداية تحول لسياساتٍ دولية ترفض الهيمنة الأمريكية، وتعارض سياسات التبعية لها، وتستنكر تهديداتها ومحاولات الضغط التي تستخدمها ضد دول العالم ومؤسساته، ترغيباً وترهيباً، عطاءاً وحرماناً، هذا الاعتراف إيذانٌ عملي وحقيقي بأن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها لن يستطيعوا أن يمضوا في سياسة فرض الأمر الواقع بالقوة، وترهيب الآخرين بالفوضى والحرمان، وتهديدهم بالضياع والرحيل وفقدان الأمن والاستقرار، فقد قالت دولُ العالم كلمتها بوضوحٍ جلي، وصراحةٍ مدوية، دونَ خوفٍ على مستقبل، أو قلقٍ على حاضر، ولعل الإدارة الأمريكية أحسنت قراءتها، وأصغت السمع لتداعياتها، وأدركت مفاعيلها ومدى التغيير الحادث في المزاج الدولي العام، فعلمت أن الزمن الذي كانت تضع فيه السياسات الدولية وحدها قد ولى، وأن الوقت الذي كان مندوبو دول العالم ينتظرون كلمة السر من المندوب الأمريكي في مجلس الأمن والأمم المتحدة لم يعد موجوداً، فكل دولة لها سيادتها وقرارها المستقل، والعقل الإنساني أصبح يدرك الظلم وينقلب عليه، ويعرف الحق ويتمسك به، فهذا زمنٌ آخر وعالمٌ مختلف، لن تكون فيه السيادة للظلم، ولا الكلمة للسلطان الجائر.

اعتراف دول العالم في منظمة التربية والعلوم والثقافة هو اعترافٌ بقيم والحق ومبادئ العدل والمساواة، وهو انتصارٌ للحق على الباطل، وثورةٌ للمظلوم على الظالم، وهو إيذانٌ ببدء عهدٍ جديد تنتصر فيه الشعوب المقهورة على الحكومات القاهرة، وتعلو قيم العدل على معايير الظلم، وتسود معاني المحبة على أدران الكراهية والحقد، وهو اعترافٌ يضع العالم كله أمام مسؤولياته الإنسانية والأخلاقية، ويذكرهم بواجبهم حيال الشعب الذي تسبب الكيان الإسرائيلي في شتات شعبه، وتمزيق أرضه ووطنه، وهو اعترافٌ يدفع عقلاء العالم وعلمائه ومثقفيه لأن تكون لهم كلمة ورأي، وأن يثوروا على معاني الاستعباد والإذلال، وأن يرفضوا مفاهيم التبعية ومصادرة حرية الدول والشعوب في أن تقول كلمتها بحق، وأن ترفع صوتها بلا خوف، وهي دعوة لمثقفي العالم لأن يمارسوا دورهم العلمي المهني المنصف الشفاف في بيان حق الشعوب، وتسليط الضوء على حقهم في النضال من أجل استعادة الأرض والحقوق، ونيل الحرية والسيادة، اعتراف منظمة التربية والعلوم والثقافة بالدولة الفلسطينية هو اعترافٌ بالهوية والثقافة الفلسطينية، وبالموروثات الحضارية التاريخية والدينية الفلسطينية.

لعل ما قامت به دول العالم في منظمة اليونسكو واعترافها بحق فلسطين التاريخي والثقافي والديني والحضاري، هو انتصارٌ للضعفاء على الأقوياء، وهو انتصارٌ لأصحاب الحق على المتغولين عليه والغاصبين له، وهو تحالفٌ لحملة العلم والقلم على مالكي الدبابة والصاروخ وصناع الموت والخراب، وهو تأكيدٌ على تزاوج الثقافة والعدل، وافتراقها عن الظلم والبغي، وهو درسٌ بالغ الأهمية إلى الإدارة الأمريكية وحلفائها أن أدواتهم في التغيير أصبحت بالية، ووسائلهم في تغيير المواقف لم تعد سارية، وأصوات الشعوب لم تعد مرهونة، وإرادة الدول لم تعد مكبلة، وأن عليها هي أن تؤوب إلى الحق، وأن تقلع عن الظلم، وأن تتوقف عن مساندة دولة البغي والطغيان، وأن تدرك أن إسرائيل تضرب بسيفها، وتقتل بسلاحها، وتعتدي بجبروتها، وترهب الآخرين بتحالفها معها، فهل تحسن الإدارة الأمريكية قراءة هذه الرسالة والاستفادة منها، أم أنها ستأخذها العزة بالإثم، وستمضي في غيها، وستبقى سادرةً في تيهها وضلالها، لا يردها حقٌ ولا يوقظ ضميرها عدلٌ.

moustafa.leddawi@gmail.com

==============================

صحوة ضمير: الإعلامي السوري توفيق الحلاق يتحدث ...

بقعة ضوء

أتذكرون ذلك الرجل؟

توفيق الحلاق اعلامي سوري عمل في التلفزيون السوري لاكثر من 35 سنة وكان يقدم برنامجه السالب والموجب ..

كتب اليوم على صفحته في الفيس بوك التعليق التالي:

كان عليّ أن أتأكد بنفسي من قصة العصابات المسلحة التي تندس بين المتظاهرين وتطلق النار عليهم وعلى رجال الجيش والأمن . سألت عن الطريق وجاءني الجواب من شاب يعمل في النهار ويتظاهر في الليل . كانت المسافة قريبة حوالي عشرة دقائق بالسيارة . من خلف نافذتين في بيته رأيت المتظاهرين الشباب يتقدمون من نهاية حارة ضيقة باتجاه ساحة البلدة ويهتفون للحرية . بعد أقل من خمس دقائق دوى صوت الرصاص دون أن أتبين مصدره وسقط أمام عيني أربعة شباب في عمر الورد مضرجين بدمائهم وفيما بدأ العشرات منهم يهربون في كل الاتجاهات كان آخرون يحملون المصابين إلى الحارة التي جاؤوا منها . وفي نفس الوقت ظهر في الساحة شباب بالزي العسكري مسلحون بالرشاشات يطلقون النار في الهواء وخلفهم شباب بزي مدني يحملون العصيً الكهربائية و يطاردون المتظاهرين . رأيتهم يحاصرون ثلاثة منهم وينهالون عليهم بالضرب المبرح . سمعت صراخهم الرهيب . اقتادوهم إلى حافلة بيضاء قدمت إلى الساحة فورا . ثم ساد الصمت ولم يبق من آثار المعركة إلا بقع متقاربة من دماء.

إلى كل المتشككين من إخوتي في مثل هذه القصص : أرجوكم افعلوا مثلما فعلت إذا كنتم تحبون وطنكم وشعبكم وتخافون على مستقبل البلد . سترتاح ضمائركم وتدركون الحقيقة . فقط هي عشرة دقائق تفصلكم عن البلدات المنتفضة حول دمشق أوحلب أو أية مدينة أو منطقة أخرى .

أرجو الدخول على صفحته و قراءة التعليقات الممتعة للمنحبكجية المحرجين و الذين شعرت بكثير من الشفقة عليهم, حقيقة يعني!

من أحلى التعليقات الخجولة كتبتها أخت منحبكجية بطيئة الفهم (أو لا تريد ان تفهم): بصراحة لم افهم ما يريد قوله الاستاذ الحلاق ،،،، هل هو مع فكرة عصابات مسلحة مندسة مع المتظاهرين و لا تمت للامن او الجيش بصلة أم ماذا ؟؟؟؟؟ هل ممكن تبيان فكرتك بشكل اوضح و صريح ؟؟؟

فكتب إليها أحدهم كلمتين ... نقطة ... انتهى: هو يشرح كيف ان الجيش هو العصابات المسلحة.

ياإلهي شو صعبة!

كم من الضمائر الميتة نحتاج أن تحيا حتى يحيا هذا البلد ؟

==============================

سوريا بين تونس و ليبيا

د.مصطفى الحاج حامد*

بالأمس القريب ،عاشت الأمة العربية أحداثاً متسارعة ،لم تكن هذه الأحداث قابلة للتصديق والتصور قبل فترة قليلة لدى كثير من المراقبين والمتابعين السياسين، ناهيك عن أبناء هذه المنطقة.

لقد هوى ملك ملوك أفريقيا، الذي هدد بأنه سيشعل كل القارة الأوربية والعالم كله قبل أن يتخلى أويتنازل عن الحكم ،أتهم شعبه بالجرذان وأبى إلا أن تكون نهايته هارباً كالجرذ في صحراء ليبيا.

وبجانب ليبيا التي كانت مهد أنطلاق شرارة الربيع العربي، خاضت تونس الخضراء أول أنتخابات حرة نزيهه، ولأول مرة في حياتها،لقد قاد الفترة الانتقالية منذ سقوط النظام حتى هذه الفترة رجال أغلبهم من أعمدة الحكم السابق ، ورغم هذا أوصلوا البلاد لحافة الأمان وصناديق الاقتراع بدون مخاض عسير.الأنتخابات، جرت بدون أي حوادث كبيرة تؤثر على صحتها ،وتعيق المرحلة الديمقراطية، أو تشكك في اللجان القائمة على سير العملية الانتخابية،كثير من الناخبين التونسيين رأيتهم وهم يصرحون بعد الإدلاء بأصواتهم بأن مجرد نجاح العملية الانتخابية بدون تزوير وبأجواء حرة ونزيهه هو مسكب بحد ذاته، يكفي ليكون منبع لسعادتهم، واحساسهم بأن ثورتهم أنتصرت.الكل كان يقول النتيجة غير مهمة، طالما كانت معبرة بصدق عن رغبة ورأي الناخب والشارع التونسي.كلام مذهل ويحمل مبشرات كثيرة، عن عمق وثقافة ، وفهم العملية الديمقراطية للمواطن العربي ،الذي ظلت الأنظمة العربية ومن يدور في فلكها من حملة أقلام مأجورين مبتورين يتذرعون ويتهمون بأن المواطن العربي ليس جاهزاً للحرية والديمقراطية ويحتاج سنين طويلة للتدردج لكي يتعود على الانتخابات ويتعلم الإختيار الحر.

وبين الحالتين التونسية والليبية، تترنح الحالة السورية وقد طالت محنة الشعب، وكثرت تضحاياته، ولاتزال الدول العربية والعالمية والصديقة والمجاورة مترددة في مواقفها بل وحتى المعارضة لم تحسم أمرها ولم تتحد على خارطة طريق واضحة معلنة ومحددة.

النظام لم يستخلص الدرس الذي رآه أكثر من مرة في العراق وتونس ومصر وليبيا، ولا يزال يعاند ويكابر، وربما يخدع نفسه وهو سائر تجاه حتفه المحتوم ونهايته الوخيمة.لم يعتبر سابقاً من تشاوشيسكوا ولا حديثاً من معتوه ليبيا.بل يكرر نفس الكلام ويلعب نفس الادوار ويراوغ مستنسخاً أدوار وألاعيب غيره مما سبقوه من أنظمة بائدة.هو ماضي في إجرامه غير آبه بكل القيم الخلقية والمواثيق الدولية، طالما الصين تهادنه وروسيا تدعمه، وبعض الأخوة من الدول العربية يتواطئ معه.

المعارضة هي بدورها لاتزال بين الحالتين ،فلا هي استطاعت أن تستنهض همم كل الشعب وتخرج الملايين في كل المدن الرئيسية ، لتوقف حركة الحياة وتشل مفاصل قوى النظام ،وتمنعه من الوصول بقواته الامنية وشبيحته للمظاهرات والناشطين،وتستميل الجيش بشكل قوي وكبير للإنحياز للثورة كما حدث في تونس ومصر.هذه حقيقة واقعة ورغم كل المبررات والاعذار المقبولة والمرفوضة ، المنطقية والغير منطقية ،لكن واقع الحال يقول بهذه المعضلة على أرض الثورة.

ولا هي من جهة ثانية أيضاً أستطاعت الاتفاق والاجتماع على خارطة طريق محددة وواضحة، لا لبس عليها ،على صيغة التدخل الأجنبي كما فعل الأخوة الليبين منذ البداية ، بحسم أمرهم وإعلان طلب تدخل الناتوا العسكري بشكل واضح وعلني على مسمع كل المعارضين والمترددين من الدولة العربية وتركيا وروسيا والصين.هذه الرؤية الواضحة-بغض النظر عن صحتها من عدمه-هي مفقودة عند المعارضة السورية ،التي تتخفى وراء كلمات وعبارات تختلف من الحماية الدولية الى الحظر الجوي الى المنطقة العازلة وغيرها من المسميات التي ترمي بالأخير لهدف واحد وإن أختلفت المسميات.فيجب الخروج من هذه الضبابية،، وإختصار الطريق إن كانت هناك قناعة بحتمية هذا الخيار.المعارضة السورية أغرقت نفسها في كثرة المؤتمرات والمحاصصة واللجان ،وأهدرت الوقت طويلاً في أعداد اللوائح والقوائم، وتوزيع المقاعد وأختيار الاسماء التي يكتشف الشارع مع كل يوم تزداد معرفته بسيرها الذاتية هزالة حجة المعايير والمؤهلات التي لم تكن هي المقاييس الوحيدة للإختيار.

أما الدروس والعبر للشعب السوري، من كافة الاطياف والطبقات، والعاملين بالدولة ،وخاصة تلك الفئات المترددة الصامتة المترقبة حتى الآن وقد بلغ السيل الزبى،عليها هي الأُخرى، إستخلاص واختيار نموذج لكي تسير نحوه بخطى سريعة إما أن تخرج مثل التونسيين ولا تعود لبيوتها حتى رحيل النظام ، لكي تنعم بالحرية والكرامة والأمن والأمان وحرية الترشح والانتخاب والاختيار.

أو أنها ستتحمل وتعاني وتتحمل عواقب هذا السكوت والتردد،فتدفع الثمن للشبيحة وقوى الامن مثل ما عاناه أهل ليبيا من المرتزقة وكتائب القذافي.فإما المشاركة بالثورة والتضحية طوعاً لنيل الحرية والفرحة، أو الخنوع والمآسي والخزي قبل النصر وبعده.

الدرس الأخير هو للدول العربية والمجاورة الصديقة والعالمية البعيدة والقريبة، عليهم فهم الواقع كما هو والتشخيص الدقيق لهذه المعضلة فالشعب السوري قال قولته الموت ولا المذلة ولن يتراجع دون نيل الحرية ،والنظام قال قولته أيضاً بأنها عصابات مسلحة ويجب القضاء عليها ولو أدى الأمر لحرق المنطقة بأسرها....هذه هي المعادلة القائمة في الحالة السورية...وهنا يقع على المجتمع العربي والاسلامي والدولي عبء تعجيل الحسم ،ومسؤولية تجنيب المزيد من الخسائر، وحماية المنطقة من انتشار هذه السرطان في جسم الامة العربية والاسلامية...

مهنة الطب علمتني أن نفتش عن مكامن المرض مبكراً لمعالجة مكامن الخطر قبل أستفحاله، وهذا ما يدفعني لتلمس الاخطاء والاخطار والعلل التي يريد البعض أن يدفن رأسه كالنعامة بالتراب كي يخدع نفسه ولايراها .والقاعدة الذهبية بالطب عندنا تقول :التشخيص نصف العلاج....فهل نشخص واقعنا بشكل صحيح ومنطقي وواقعي كي يكون علاجنا شافيا حاسماً وكافياً بإذن الله.

*طبيب وكاتب

drmh2009@hotmail.com

============================

في قفص الاتهام - الخيانة العظمى

د . محمد شمالي

في تعليق سريع على مقالة كانت قد تناقلتها صفحات الأنترنيت ( اللوبي الصهيوني والأسد...) قال أحد الأخوة لافتا النظر إلى أهمية الحفاظ على " نظافة " المقاومة السورية المسلحة : " الجيش السوري الحر يملك الشرعية لكونه جيش سوري وطني. »

 

بعيدا عن التصريحات الصحفية المقولبة حيث الكلام يحمل في طياته العديد من التأويلات والتفسيرات والذي من خلالها يراد إيصال رسالة غالبا ما تكون متعددة الغايات ومراعية لمشاعر من هم على رأس التشرذمات والفئات( وما أكثرها في هذه الأيام الصعبة ! ) جاءت هذه العبارات البسيطة لتترجم إحساسا عاما سيطر على المواطن السوري مع بداية انتشار دبابات الفرقة الرابعة في سهول حوران للقضاء على انتفاضة الشارع في درعا وجاسم وإنخل ...لا يمكن لأي قارئ أن يخطئ في تفسير ما تريد قوله لنا هذه الكلمات الواضحة والعادية . إنها تصدر حكما قطعيا بحق الجيش السوري .إنها تقول للعالم أجمع : هذا الجيش الذي يدك بمنهجية الغازي وإصراره ولؤمه حمص وحماة وجبل الزاوية وبانياس ودير الزور...لا يمكننا أن نصفه بسوري، مهما كانت مسوغات قائده وغاياته وشعاراته . فكيف لجيش أن يقتل أبناءه عمداً أو عن سابق إصرار وتصميم دون أن ننعته بالمجرم بحكم الشرع وبحكم كل قوانين الأرض ؟

كيف لا تشق الهواء صيحات غضب من فقدوا أخا أو أبا أو ابنا ..عندما يصدحون : « يا ماهر ويا جبان خود كلابك عالجولان ؟ " نعم .حكم الشعب جاء مدويا : الجيش السوري ليس أكثر من قطيع من الكلاب الهائجة ، الجيش السوري فقد سوريته، فقد وطنيته، وبالتالي فقد سدوته ولحمته ! . كم تبدو خيبة آمال السوريين ومرارتهم وشكوكهم كبيرة عندما يتساءلون اليوم : أحقا لمثل هذا الجيش كانت فيروز تغني" خبطة قدمكم عالأرض هداره إنتو الأحبة وإلكم الصدارة ! " أين السوريون الآن من المشاعر الوطنية التي كانت تثيرها عند كل منهم وخاصة عند من تغرّب عن أرض الوطن "الغالي » تلك الكلمات التي تخرج من حنجرة جوزيف عازار جارفة معها فيضا من دموعهم " بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب . لامالي ولا ولادي على حبك ما في حبيب !"

مفارقة غريبة تلك التي تعصف بمفاهيمنا وبشعاراتنا وبأسلوب تعاملنا مع المستجدات ! أليس من صفوف هذا الجيش "المجرم واللاوطني " ولدت فصائل" الجيش السوري الحر" التي حظيت بتلاحم الشارع ومحبته !

وكم من جندي خرج من صفوف هذا الجيش المجرم مؤثرا الموت على أن يقتل إخوته من الخندق الآخر! .

سؤال كبير بمدلولاته قد خطر ببال الكثيرين وكم الإجابة تصعب عليه في هذه الظروف الصعبة : ماهي الأسباب التي تدفع عسكريا إلى قتل متظاهر بدم بارد وتدفع عسكريا آخرا إلى التضحية بنفسه في سبيل إنقاذ نفس هذا المتظاهر من براثن الموت؟ وبعبارات أخرى : ما هي القواسم المشتركة بين هؤلاء "المجرمين القتلة" من الجيش السوري؟ إحصاءات علمية في هذا المجال قد تضعنا أمام حقائق مرعبة .

أيعلم النظام السوري أنه عندما وضع جيش الوطن لمحاربة الشعب وترويعه فإنه بذلك داس ببوط عريض قذر على مفاهيم مقدسة لا يمكن لأي عاقل تجاهلها ؟، وبعبارات أخرى، أيدرك من يقود هذا الجيش بأنه ترك على جبين الوطن بصمة عار وفي سجلات العدل حالة خيانة عظمى موصفة ولا تقبل الجدل ؟ .

 لماذا لم يأخذ بشار الأسد درسا من الأ خطاء القاتلة التي وقع في فخها النظام العراقي السابق عندما وجه فيالقه لضرب بشر من لحمه ودمه في البصرة وفي حلبجة ... ؟ . كل ما يمكن جزمه في هذه اللحظة : لقد أعمى الله على قلب بشار ووضع غمامة أمام بصيرته عندما اختار السير في درب والده حافظ الأسد وقلده في التجييش لضرب المدن برا وجوا وبحرا. هناك مثل شعبي سمعته كثيرا : « الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون ".يفيد كثيرا في حالة الرئيس السوري الذي ما زال يقطف ثمار الأخطاء التي كان قد وقع فيها أبوه في التعامل مع انتفاضة السوريين في بداية الثمانينات.

 عندما نلتفت إلى ما عصف وما زال يعصف بأهل العراق لا بد وأن نقف عند الآثار المأساوية التي خلفتها السياسة الداخلية للنظام العراقي السابق على أمن العراق ودولته.والحقيقة التي لا تقبل الشك هو أنه عندما أقدم نظام صدام على وأد المعارضة الداخلية فإنه وأد معها الوطن الذي صنعه العراقيون " كل شبر بندر" وأحبوه والتفوا حول علمه وضحوا بدمهم تحت رايات جيوشه في فلسطين سنة 1948 . وفي نفس السياق يمكننا القول أنه عندما رص الزعيم الراحل صدام حسين صفوف جيش العراق من أجل حماية جبهته الداخلية فإنه عرض للخطر ( إن لم نقل قتل) عن قصد أو عن غير قصد أسمى ما عندهم من قيم و أهم ما جنوه من مكتسبات تاريخية : أسس تكوين هويتهم ووحدتهم ومنعتهم و روح المواطنة فيهم . هذه الروح التي تمد الإنسان بالحماس والعزيمة من أجل الدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات .لذالك عندما قرر" الصقر" جورج بوش غزو العراق فإنه كان مدرك تماما لهذه الحقيقة .بمعنى آخر ، فإنه عندما قرر إرسال المارينز لغزو العراق فهو كان واثقا بأنهم سيدخلون بغداد بدون مقاومة . لم يدخل الأمريكيون بغداد فقط وكأنهم في نزهة بل استقبلوا كفاتحين ومحررين لإرادة الشعب العراقي العربي المسلم، صاحب أعرق حضارة وأغنى دولة في الشرق الأوسط بمواردها الطبيعية. لم يتردد العراقيون ( أو غالبيتهم على الأقل ) ولو للحظة واحدة في القتال إلى جانب " البويز" الأمريكيين بالرغم من كل ما يحمل هؤلاء الغزاة من احتقار وكره لأحفاد الرشيد! . من منا لم يكن يتوقع مثل هذه الهزيمة و مثل هذه الدرجة من الذل في نفس المواطن العراقى المسلوب الإرادة ؟

 في فترة حرب الإستنزاف التي شنتها القوات الأمريكية طوال عشرة سنوات تقريبا على العراق كانت الجاليات العربية تعيش على وقع الضربات اللئيمة التي لم يعد الجيش العراقي يتحمل شراستها في الأيام الأخيرة .وفي إحدى المناسبات العديدة التي كانت تجمعنا بالإخوة العراقيين نقل التلفزيون الفرنسي مشاهد لغارة جوية كانت قد نفذتها طائرات الشبح الأمريكية على مواقع ومؤسسات عراقية . عبثا حاول أحفاد الرشيد إخفاء البهجة التي ارتسمت على وجوههم لرؤية صور قد هزت لقسوتها وفظاعتها ضمائر الغربيين أنفسهم. كنا نشعر بالإحباط والمرارة للمس هذه الحقيقة , نحن الطلبة السوريين الذين غرفنا بنهم من دروس القومية العربية . وعرفنا ساعتها أن طلاقا بالثلاثة وقع بين الشعب العراقي وبين جيشه وان أي جيش في العالم ومهما بلغت شدة ظلمه بات بالنسبة لهؤلاء العراقيين من عرب وأكراد أقرب إلى قلوبهم من جيش النظام .

 . لم يفهم الرئيس السوري هذه البديهيات . وكل ما عرفه عن طبيعة العلاقة المقدسة بين الشعب والجيش لم يتعدى حدود الشعارات الجوفاء ودروس والده في الفاشية العسكرية .وهذا ينعكس بشكل أو بآخر على خطابه السياسي وعلى أسلوب تعامله مع المواقف الطارئة وعلى علاقته مع المجتمع السوري .فعلى هذه المستويات ليس من الصعب الملاحظة بأن تحليله بقي سطحيا وغارقا في العموميات والنظريات .إنه الأسد الابن .إنه سر أبيه ..

 ومع ذالك هل كان بشار الأسد يدرك بأن الجيش السوري ,حسب الدستور وحسب العرف الذي يتجلى في القسم العسكري , ليس ملكا له ؟ كما لو كان لعبة بين يدي طفل يكسرها متى يشاء ويرميها في سلة النفايات متى عصىت أوامره ؟ . هل كان الدكتور بشار الأسد يميز بين مفهومي التملك والرمز؟ . أليس من أبسط البديهيات أن ندرك ( مهما تدنت درجة ذكائنا وثقا فتنا) أن أي جيش ليس ملكية خاصة بل ملكا للوطن ( هذا إذا لم يكن مؤلفا من مرتزقة أو من قطاع الطرق أومن عصابات مافياوية ) وأن الوطن ملك للشعب وبالتالي فإن الجيش السوري هو من الشعب وللشعب؟.

لنضع أ نفسنا ،في المستقبل القريب ، في مكان الادعاء العام السوري ولنضع القائد العام للجيش والقوات المسلحة السورية الحالي أمام جريمته في صنع الشرخ العميق الذي حصل بين الجيش والشعب . فإننا سنقول لا محالة للمتهم الأسد : يا سيادة الرئيس : الجيش السوري شركة وطنية ساهم في هيكلتها كل الشعب السوري منذ الثورة العربية الكبرى وميسلون وحتى هذه اللحظة التي تجمعنا في محكمة الشعب . المواطن السوري بناه بعرق جبينه لبنة لبنة ودفع من أرواح أبنائه ومن ماله ومن وقته ومن رفاهيته من أجل منعته وعزته وكرامته .الشعب وضع الجيش أمانة في عنقك كونك المواطن الأول و الممثل الشرعي لهذا الشعب حسب الدستور . لقد طعنت الدستور و خنت الأمانة وسخرتها لمصلحة شخصية وفئوية سياسية .

لقد خنت الأمانة باستخدامك للجيش لمصلحة فئة ضد مصلحة فئة أخرى ولسياسة ضد سياسة أخرى ولفكر ضد أفكار أخرى ولعقيدة ضد عقيدة أخرى ولسوري ضد سوري آخر.

الجيش هو من الشعب و لكل الشعب. لا يعرف فكرة سوى فكرة الوطن ولا يحمل هوية سوى هوية الوطن . حدوده هي الحدود التي تحمي المواطن وتشعره بالدفء والأمان ضمن البيت الكبير سوريا . سوريا التي لم تنم على أنين فلسطين وما زالت تبكي الجولان .

الجيش يا سيادة المتهم ليس أداة بل هو غاية بحد ذاته لأنه عزة الوطن . الجيش ليس كبش فداء بل رمزا يموت تحت رايته الشعب. ذبحته ووصمته كما توصم الخراف المذبوحة . وجعلت منه سلعة للاستهلاك المحلي و الإقليمي . جنود الوطن أسمى من كل شعاراتك وأرفع من كل هوية سياسية حاولت تضعهم تحتها . عندما قاتلوا تحت راية العظمة كانوا سوريين فقط . لم يحملوا بطاقة بعثي أو ناصري أو قومي سوري أو شيوعي أو علوي أو سني أو مسيحي أو درزي أو عربي أو كردي أو تركماني ….كلهم تقلدوا النسر السوري رمزا والعلم السوري لونا والله ربا.

الجيش السوري لا يختار رئيسا لأنه أسمى من الرئيس . الجيش السوري لا يتعامل مع الأحزاب لأن الأحزاب تفرق. والجيش روحه الوحدة. الجيش لا يريد ضرب الشعب لأنه لا يريد الانتحار

 خيانتك العظمى يا سيادة الرئيس تكللت بهذه المحاولة الدؤوبة لحمل الجيش على الانتحار .انتحار تبرر من خلاله للتاريخ قعودك عن تحرير الجولان . الجولان الضائع ا لذي يبحث عن هوية ،الجولان النازح ا لذي يبحث عن وطن ،الجولان اليتيم الذي يبحث عن رئيس .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ