ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 27/11/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

أيها المسلمون: أغيثوا أهلنا في سوريا

بقلم الدكتور: أحمد بن فارس السلوم

منذ أن أعلنها الشعب السوري ثورة على الظلم والاستبداد أعلنها النظام الشبيحي ثورة على الشعب والناس، كان الشعب السوري وما زال يستمد عونه ومدده من الله وحده، وكان النظام وما زال له حبال من الناس هنا وهناك.

لم يرحم النظام الشبيحي أحدا من أبناء شعبنا، لا طفلا ولا شيخا ولا امرأة ولا حتى حيوانا بهيما.

قتلوا وأفسدوا وأحرقوا ومثلوا وارتكبوا فظائع لم تشهد الشام لها مثيلا على وجه الدهر.

لم يرقب النظام في أهلنا إلا ولا ذمة، فالنظام الذي ارتكب كل تلك الجرائم لو استطاع أن يمنع الهواء ويحبس القطر من السماء على هؤلاء الثوار لفعل.

هذا العدو اللدود هو الذي يقاومه شعبنا الأعزل منذ تسعة أشهر إلى اليوم.

ومع حلول الشتاء يضيق الخناق على شعبنا الأبي أكثر وأكثر.

فالنظام الشبيحي قد فرض حصارا على المدن المقاومة الباسلة، وقطع عنهم الامدادات الغذائية والغاز والكهرباء والاتصالات كذلك في أحيان كثيرة.

آخر ما وردني من اتصالات من محافظة إدلب أن الحصار المضروب عليها قد أضر بهم كيرا، فهذا بيت لم توقد فيه نار منذ اربعة أيام إذ لا غاز متوفر في المنطقة، وأما المازوت فذاك أبعد وأبعد.

اتصل بنا أحدهم يخبرنا أنه ليس لديه شي يوقد به كي يسخن الحليب لابنه الرضيع، وأن فرشهم ولحفهم لا ترفع من الغرف ليلا ونهارا، إذ أنهم لا يستطيعون مغادرتها من البرد الشديد.

وأما حمص أم البطولات فلعل المشاهد التي رشحت على شاشات التلفزة عن تلك الطوابير التي لا يرى أولها من آخرها على صهاريج المازوت يلخص لكم مأساة شعبنا الباسل.

إن هذا النظام الشبيحي المجرم يقتل أبناءنا بأسلحته، ويريد الآن أن يطعنهم بالبرد ويميتهم من الجوع!!

هل نسلم إخواننا في سوريا للبرد كما أسلمناهم للقتل!!

ماذا أفدنا إخواننا في سوريا أكثر من أن نهيجهم على الثورة ثم قعدنا في بيوتنا وخذلناهم في شيء قد نستطيعه!!

اتقوا الله ايها المسلمون فإنكم محاسبون ومسؤولون عن هذا الشعب الذي يدافع عن دينكم ويذب عن ملتكم.

أيها المسلمون أغيثوا أهلنا في سوريا وساعدوا في رفع الكرب عنهم لعل الله أن يرفع عنكم كرب الدنيا والآخرة، اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.

=======================

السياسة والأخلاق

أنور ساطع أصفري

كاتب وإعلامي وناشط سياسي

من المؤكد ومن المسلم به عند علماء الاجتماع والمؤرخين وكذلك عند علماء النفس ؛ ان السلوك الاجتماعي للناس وأخلاقهم مع أنفسهم ومع الآخرين ودرجة وعيهم وتقبلهم للآخر ليست هي أبنية مسبقة الصنع يصنعها الفرد لنفسه بعيدا عن المجتمع ؛ وانما هي نتاج تصنعه أوضاع المجتمع من ناحية ؛ وأداة تؤثر في المجتمع وتساهم في تطويره من جانب آخر . ودرجة الاهتمام التربوي الحضاري الذي تبذله الدولة من أجل أبنائها .

ولقد انتبه كثير من ذوي الاختصاص الى تأثير الأوضاع الاقتصادية على الأخلاق ؛ وبيّنوا ما يطرأ على سلوك الناس من تغييرات تصاحب ما يصيبهم من شدة وعسر أو رخاء ويسر ؛ وفي ذلك قال سيدنا علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ( لو كان الفقر رجلا لقتلته ) . ومن تراثنا أيضا ( أن الفقر اذا ذهب الى بلدة قال له الكفر خذني معك ). وفي القرآن الكريم تحليل دقيق متكرر لنماذج السلوك الانساني والأخلاق التي تميّز ( المترفين ) لا تخرج كثيرا عما نشاهده من حولنا من نماذج المترفين المعاصرين .

وكذلك الأوضاع السياسية في أي بلد تعكس سلوكها على المواطن بشكل أو بآخر أو فلنقل بشكل مباشر . لأن أي نظام قمعي سيخلّف قمعيّون مستجدون ، وأي نظام فاسد سينتج عنه فاسدون ، وأي نظام ديمقراطي حر سينتج عنه المواطن الذي يتمتع بالوعي الحضاري والتنوّر السياسي .

 لذلك نقول أن الأخلاق كما تتأثر بالأوضاع الاقتصادية وتؤثر فيها ؛ فانها تتأثر أعظم التأثر بالأوضاع السياسية وتؤثر فيها أيضاً.

ولا نريد هنا أن نتوقف كثيرا عند أثر الأخلاق الفردية للحكام أو القادة على سياساتهم وعلى الأوضاع العامة لدولهم ؛ فذلك معروف وسجّله التاريخي موثّق ومحفوظ ؛ ابتداء مما كتبه مكيافيلي في كتابه الأمير ؛ ومرورا بمؤامرات البلاط والحاشية في النظم الملكية في اوروبا خلال القرون الوسطى وما بعدها كفضيحة الووتر جيت على سبيل المثال والأمثلة كثيرة ولغاية يومنا هذا من خلال الأنظمة المستبدّة في عالمنا العربي .

وانما نسجل هنا بكل اهتمام وبدقة أن النظم الفردية والاستبدادية التي تقوم على القهر والقمع والتي تعتمد في استمرارها على سلب الحريات واهدار الحقوق وسلب المال العام ومس الكرامات وتسليط أجهزة الاعلام على العقول والنفوس الى درجة حجب الحقيقة وتزييف الوقائع وغسل الأدمغة ؛ هذه النظم الاستبدادية تترك بصمات واضحة المعالم على سلوك الناس ؛ وتصيب بنيتهم الأخلاقية بعاهات حقيقية يكشف عنها التأمل في أنماط سلوك الناس تحت ظلالها القاتمة .

ولكن هذه البنيّة التي تفتقد إلى السلامة في بنيتها ستجد منفذاً لها في يوم ما لتنتفض من جديد لتعيد إلى هيكلتها السلامة المنشودة وأدنى حقوق المواطنة الفعلية ، وهذا ما شهدته وتشهده الآن الساحة السياسية العربية .

 أن النظم التي تستند الى الارادة الحرة للانسان والتي تتغذى شجرتها على المشاركة الحقيقية للأفراد ؛ والتي تورق وتزهر وتثمر بقدر مايودعه فيها الأفراد من رحيق الكلمة الحرة الجريئة ؛ هذه النظم أيضا تترك بصماتها التي لا تخفى على أخلاق الناس وسلوكهم ؛ ولطالما تساءل الباحثون وتساءلنا معهم جميعا فيما بيننا ؛ كيف يحدث هذا والناس هم الناس أنفسهم ؟ أليس الأقرب الى الحقيقة أن أخلاق الناس لا تتغير وان الأفراد هم الذين يتغيرون ويتفاوتون ؛ وأن نظم الاستبداد ونظم الحرية يستعين كل منهما بمن يتناسب خلقه وسلوكه مع أوضاع النظام ومتطلباته ؛ فينحاز فريق من الناس الى نظام الاستبداد ويغذيه بأخلاقه التي يحتاج اليها ؛ ويتغذى هو على ثمار الخبيثة ؛ متصدرا المجالس والموائد ؛ معتلياً المنابر ؛ منتشراً في الساحات متبجحاً عن الحريات وكرامة المواطن ؛ والدفاع عن الوطن وحماية الانسان ! بينما ينزوي الأحرار الذين يمقتون الاستبداد ويمقتهم . أليس هذا دليلا على أن الأخلاق تنبع من ينابيع بعيدة عن السياسة ونظامها والحكم وأساليبه ؟

ان النفس البشرية أو الانسانية ذلك السر الأعظم أشبه بوعاء كبير يتجاور فيه الخير والشر وتتعايش فيه متناقضات النوازع والأخلاق ؛ الأمانة والوفاء يجاوران الغدر والخيانة ؛ والكرامة تجاور المذلة ؛ والشجاعة تجاور الجبن ؛ والصدق يجاور النفاق ؛ والرحمة الحانية تلاصق بأكتافها في نفس الانسان القسوة الضاربة والعنف الدموي الذي لا يعرف الحدود . والأهم من ذلك التقوى تجاور الفجور .

كل هذه الأخلاق المتناقضة تعيش بذورها الحية داخل نفس الانسان ؛ وعلى باب هذه النفس صمام فيه من العقل والادراك نصيب ومن الارادة والاختيار نصيب .

وحين ينفتح تيار الحياة على نفس الانسان تمتد في داخلها يد تستخرج من هذا الوعاء ما يناسب المقام ؛ تكيفاً مع البيئة وتلاؤما مع الظروف وتعايشا مع المتطلبات ومن بينها أنظمة الحكم وأوضاع السياسة في البلاد .

فاذا كان النظام نظام نظام قمع وقهر انكمش الصدق وانزوى الوفاء وتوارت الشجاعة ونكّس العدل رأسه ؛ واستعدت الرحمة للرحيل وارتفعت هامات الكذب والخيانة وتعالت أصوات النفاق والمداهنة ؛ وغنت النفوس قصائد المدح الوثني الذي يمتهن انسانية الانسان ؛ ويزري بالمادح والممدوح على السواء ؛ والذي قال فيه سيدنا محمد صلّى الله عليه وسلم ( اذا رأيتم المدّاحين فانثروا في وجوههم التراب ).

واذا طال زمن القهر ونسيت البراعم الناشئة من جيل الشباب طعم الحرية --- تحوّل النفاق الى طبع مغروس في النفوس وعادة عفوية تمارس بلا تفكير ؛ وصار المال قبلة الناس وكعبتهم فيخرجون وهم لا يشعرون الى وثنية حقيقية تتسلل الى نفوسهم مع أنفاس كل يوم يعيشونه في ظلال القهر والقمع والخوف ؛ حتى ينتهي بهم الأمر الى عبادة فرد أو أفراد ؛ والى اسقاط كل القيم الموضوعية التي ترتبط بها حياة الأحرار ومواقفهم ومشاعرهم وفكرهم ؛ وهذا منتهى التدني والذل والخنوع ؛ وقاع الهبوط الذي يصل اليه الانسان .

ان النظم الاستبدادية تفرز فوق ذلك أخلاقا عديدة تنبع من استغراق المشاعر كلها في التوجه الى الحاكم الفرد ؛ والتفاني في طاعته والحرص المطلق على رضاه ؛ وفي مقدمة هذه الأخلاق أمران لا يخلو منهما النظام الاستبدادي :

الأول: ظاهرة المستبدين الصغار ؛ ذلك أن الاستبداد الذي يمارسه حاكم مطلق يترك أثره في نفوس خاصته وحاشيته والمحيطين به ؛ فيتحولون الى ظلال وأشباح تتحدث بلسانه وترى بعينه وتبطش بيده. وقد يتجاوز بعض هؤلاء حدود ما يطلب منه ليفوز في سباق المنافسة الرخيصة على رضا المستبد الأكبر ؛ فاذا به يذيق عامة الناس الارهاب والقمع والاساءة اجتهادا منه ومبالغة في الطاعة واظهارا للولاء المطلق .

الثاني: ظاهرة الرؤية الواحدة للامور ؛ وهي الرؤية التي يختارها المستبد وينقلها عنه المستبدون الصغار ويرددها المنافقون ليل نهار حتى تلون الحياة كلها بلون واحد وتفسر الظواهر كلها على النحو الذي يراه الحاكم الفرد ؛ فلا يتجاسر عالم ومفكر على أن يفكر بعقله هو أو يرى بعينه أو يعلن موقفا من الامور العامة يخالف فيه اجماع المنافقين الخائفين المسبحين ليل نهار بذكاء المستبد وفطنته ونفاذ بصيرته ؛ اذ أن الجموع الخائفة من الناس ترى في هذه الجسارة مخالفة الحاكم في رأيه ؛ ورؤية مخالفة قد يصيبهم بلاء مغامرتها ؛ ومدخلا لموجات جديدة من القهر والظلم لا صبر لهم على تحملها ؛ والنتيجة الحتمية لذلك أن تشير الجماعة كلها على رأي حاكمها الفرد ؛وأن يجمد الفكر ويبطل الابداع الحر ويتعرض العمل العام كله للعثرات نتيجة غياب النقد الذي يوجه ويثري التجربة .

ان المجتمعات التي تعيش في ظل الرؤية الواحدة لحاكمها الفرد قد يصلح حالها زمنا طويلا أو يقصر ؛ ذلك أن تعدد الآراء يظل دائما أكبر الضمانات لترشيد حركة المجتمع وتأمينها ؛ ومن هنا فان حماية الكلمة وضمان حرية الرأي يظلان في مقدمة الضمانات التي تحمي مسيرة الجماعة وأفرادها ؛ وفي هذا الضوء نفهم حرص الاسلام وهو يدعو الناس الى ابداء الرأي واعلانه بقوله سبحانه وتعالى ( ولا يأب الشهداء اذا ما دعوا ) على أن يحمي حريتهم وأن يصون أمنهم بقوله سبحانه جلّ جلاله ( ولا يضار كاتب ولا شهيد).

أما حينما تكون الحرية هي القيمة العليا وتكون الشورى الصادقة هي النظام والدستور هو السائد دون أي تلاعب ؛ وسيادة القانون هي مظهر الدولة ؛ فان شياطين الأخلاق تولّي هاربة مذعورة ؛ فتتسارع الى ساحة النفس والمجتمع أخلاق الحرية في موكب مهيب وعلى رأسه الشجاعة والصدق والأمانة والوفاء والرحمة والعدل ويعود الفرد كائنا من كان انسانا وبشرا سويا بدون تقزيم أو عملقه ؛ يستمع اليه اذا تكلم وتحفظ عليه كرامته ويعطى نصيبه المفروض من المشورة والعدل حين يكون محكوما من الرعية ويعطى نصيبه المشروع من الوفاء والولاء والطاعة في المعروف والعدل حين يكون حاكما .

ان وعاء النفس البشرية ليس كأوعية الأطعمة والأشربة ؛ وانما هو وعاء ذكي لا يستخرج شيئا مما عنده الا بحساب ؛ وبعد طول حذر واطمئنان ؛ فاذا زال القمع وارتفع الخوف عن كاهل البشر وبدأت أخلاق الحرية تجيب النداء فان أخلاق الخوف وطبائع الاستبداد التي استقرت في كيان المجتمع واتخذت لها من نسيجه أعشاشا وأوكارا ستظل تقاوم متشبثة بالحياة .

فيرى الناس في أنفسهم وفي الناس من حولهم مايحسبونه تناقضا يحارون في تفسيره ؛ أنظمة ومؤسسات وتشريعات تؤكد الحرية وتعلن الأمن وتبشر بسيادة المجتمع المدني والقانون ؛ وبقايا أخلاق القهر والقمع يموج بها المجتمع حتى لتكاد تسد الطريق على نظام الحرية وتفسد عليه أمره .

ويتساءل ذوي الاختصاص عن المخرج في مثل هذه المواقف التي تتكرر في بلادنا مع محاولات الاصلاح السياسي ؛ ان المخرج من هذا الموقف هو المزيد من الحرية والديمقراطية حتى تستوثق النفوس المترددة وتستيقن أن عودة الحرية هي عودة حقيقية وليست خداعا ولا استدراجا يعقبه قهر جديد . اضافة الى مطاردة فاعلة للبقية الباقية من أخلاق الاستبداد يحمل لواءها أصحاب الكلمة وأصحاب القلم والمفكرون ورجالات الحكم .

وأتمنى لو عرف الساسة والمثقفون في بلادنا أن الحرية ليست مجرد تنفيس وشعار ؛ لكنها ضمان حقيقي للرشد عند اتخاذ القرار وهي ينبوع كبير من ينابيع الخلق السوي والسلوك السليم المستقيم ؛من أحياها فكأنما أحيا الفضائل كلها .

لهذا نؤمن بما ذهب اليه بعض علماء السياسة والقانون من أن حرية التعبير عن الرأي تختلف عن سائر الحريات وأن لها بين تلك الحريات مكانا مفضلا أو ممتازا لأنها في حقيقة الأمر مفتاح لسائر الفضائل وضمان لبقية الحريات ؛ وهذا المركز الممتاز ينبغي أن يكون له مظهر تعليمي وتربوي يشرح صفتها ويثبتها في العقول والقلوب . كما ينبغي أن تكون له آثاره العملية والقانونية التي تقف في وجه كل تشريع أو قرار يهدد تلك الححرية أو يحول دون أدائها لوظائفها .

ان علماء السياسة وعلماء الاجتماع في بلادنا مدعوون الى تغيير منهج حديثهم عن الحرية ؛ فقد ملّ الناس الحديث عن عموميات الحرية ؛كما ملّوا التناول الرومانسي لها الذي يحولها الى مجموعة شعارات غامضة ؛ كما ملّوا التنازل الطوعي الممزوج بالخوف والقهر من تصرفات السلطة . وصارت الحاجة ماسة الى دراسات اكثر تحديدا وتفصيلا تبين للحكام والمحكومين على السواء أن للحرية وظائف في حياة الناس ؛ كما تبين ( على وجه التحديد ) :

مانسميه فسيولوجيا الحرية أو وظائفها في حياة الأفراد والجماعات . وما نسميه باثولوجيا الحرية أو أمراضها ؛ وما يطرأ على أحوال الناس وأخلاقهم ومصالحهم من فساد وضرر اذا غابت الحرية وحلّ محلها القهر والاستبداد والقمع والارهاب .

وبغير هذه الخطوات مع الأسف ستنشأ أجيال تتحدث عن الحرية وتنادي بها دون أن تكون مقتنعة بفائدتها وأهمية الحفاظ عليها .

فهل يستطيع المفكرون والسياسيون وعلماء النفس وعلم الاجتماع والمؤرخون أن يأخذوا دورهم الجدي والجريء لبناء جيل حر كاسرٌ لجدار الخوف وهو بطبعه ينادي بجرأة واخلاص ووعي وإدراك أكيد من أجل الحرية وطمس كل معالم القمع الاستبدادي ... ..والفساد المتفشي في البلاد ؟ وأخذ دوره الفاعل المشارك في صناعة القرار السياسي والعسكري والأمني والاجتماعي والثقافي والاقتصادي والتربوي في الدولة ؟

=======================

الجنود الأحرار: اختبار الوفاء

مجاهد مأمون ديرانية

مرة أخرى قطعني قاطعٌ عن مقالات الحرب التي كنت منهمكاً بكتابتها، فبعد نشر مقالة الأمس عن الجيش الحر تلقيت عدداً من الرسائل يسألني فيها إخوةٌ كرام: كيف نستطيع أن ندعم هذا الجيش؟ هل نرسل المال إلى الحسابات التي أعلن عنها في صفحته الرسمية؟ هل من طرق أخرى للمساعدة؟ ماذا نستطيع أن نفعل وبأي شيء يمكننا المشاركة في الجهاد؟

إخوة آخرون لم يسألوني ولكنْ قَصّوا عليّ بعض القصص المحزنة عن معاناة طائفة من الجنود المنشقين الأحرار، فلما قرأت ما قرأت عزفَت نفسي عن تتمة ما كنت فيه ولبثت هنيهة أفكر مهموماً، ثم قررت أن أصنع الشيء الوحيد الذي أستطيع أن أصنعه، أكتب لكم وأترككم لتتصرفوا بما يفتح به الله عليكم وبما تستطيعون.

يا أيها السادة: إن سوريا اليوم صارت أرض البطولات والمكرمات. إني أسمع الناس يتحدثون عن أهلها بخشوع كما يتحدثون عن أبطال الأساطير وأصحاب الكرامات، وأي كرامة أعظم من صبركم وثباتكم هذه الشهورَ الطوال في وجه مجرم العصر وطاغية الزمان الذي ابتُليت به بلاد الشام؟ لكن البطولة درجات والأبطال طبقات، وفي أعلى درجاتها وطبقاتها جنودُنا الأحرار.

إن كل حر شريف خرج في مظاهرة في أي بقعة في سوريا هو بطل مقدام وليث ضرغام، فإنه يعلم أنه ربما خرج ماشياً على رجليه ليعود محمولاً على الأعناق، لكنه يعلم أن الذين يكسبون الشهادة -أكرِمْ بها من مصير- آحادٌ من ألوف المتظاهرين. أما الجندي الذي يتمرد على أوامر رؤسائه ويرفض أن يقتل الأبرياء فإنه يعلم أنه مقتول آجلاً أو عاجلاً، فإما أن يقتله المجرمون على الفور أو ينجو إلى حين، وهو إذا نجا من القتل المعجَّل صار شهيداً يمشي على رجلين، لا يدري في أي ساعة يحين أجله وترتقي روحه إلى بارئها، لأنه إن عاد إلى أهله تعقّبوه في دار أهله، وإن هام على وجهه أوشكوا أن يدركوه فيُرْدوه، وإن وصل إلى أصحابه من الجنود الأحرار والتحق بهم صار مشروع شهيد، لا يدري إذا أصبح أيدركه المساء وإذا أمسى أيدركه الصباح.

هؤلاء أعظم الرجال رجولة وأكثر الأبطال بطولة، باعوا أنفسهم لله واستقبلوا الموت ليدفعوا عن الأبرياء الموت، فكيف نكافئهم وبأي شيء نردّ الجميل؟ إنّ منهم من يصل إلى إخوانه من أحرار الجيش الحر، فإما أن يلتحق بهم وينضمّ إليهم أو يساعدوه في الوصول إلى الأمان. هؤلاء السعداء منهم، لكنهم ليسوا كلهم كذلك، فكثيرون لا يصلون إلى إخوانهم ولا يصل إخوانهم إليهم، فيتشردون في العراء.

منذ أيام قرأت رسالة مؤثّرة كُتبت بمداد الصدق والإخلاص، لعلكم اطّلعتم عليها من قبل أن أنقلها إليكم. قال كاتبها (أنقلها عنه بالحرف): “إخوتي الثوار، هل تعلمون حال أفراد الجيش السوري الحر؟ والله لم نكن لهم أوفياء. لقد دعونا الجنود والضباط إلى الانشقاق والدفاع عن الشعب، وعندما انشقوا تجاهلناهم وتناسيناهم. قبل أسبوع مررت في أحد البساتين بريف دمشق فوجدت عدداً قليلاً من الجنود المنشقين. أقسم بالله إن وضعهم يبكي العين ويدمي القلب. هل فكرتم بهم كيف ينامون؟ ماذا يأكلون؟ كيف يتحركون؟ ما شاهدته معهم هو فرشات إسفنج خفيفة وبعض الأغطية موزعة تحت الأشجار. هل هذا ما سوف يقيهم برد الشتاء؟ يا من تقودون هذه الثورة، اتقوا الله في الجيش الحر، اتقوا الله بمن هو معلق بين السماء والأرض يدافع عنا منتظراً مصيراً لا يعلمه، إن وجدوه قُتل، وإن عاد إلى بيته أُعدم، وإن بقي بدون دعمنا ومساندتنا مات من البرد والجوع وتحطمت معنوياته. اتقوا الله في هذا البطل الذي ضحّى بكل شيء لينصر الثورة”.

أرأيتم ما يقوله صاحب الرسالة؟ “إنْ بقي بدون دعمنا ومساندتنا مات من البرد والجوع”. هل تظنون أنه يبالغ أو يتخيل؟ اليوم وصلتني رسالة من أخ كريم ينقل فيها عن أخت دمشقية فاضلة أن ثلاثة من شرفاء الجنود الأحرار المنشقّين وُجدوا في البرية أمواتاً، قتلهم البرد والجوع.

لا، ما قتلهم الجوع ولا قتلهم البرد يا أختاه، بل نحن الذين قتلناهم! قتلناهم لمّا تخلينا عنهم وتركناهم يواجهون المحنة فُرادى، قتلناهم حين نسيناهم ولم نمدّ إليهم يدَ العون والنجدة، قتلناهم لأننا سلمناهم إلى برد البراري ووحشتها وأوينا إلى دفء البيوت وأُنسها آمنين. عليكم رحمة الله يا أيها الشهداء الكرام، وعفوك اللهمّ، اعفُ عنا فإنا ما قصّرنا عن علم ولا تخلينا عن مقدرة، ولكنْ أبعدَنا الجهل وأقعدنا العجز، وإنا وإياهم في الضرّ سواء.

* * *

يا أهلنا في سوريا: إن الجنود المنشقين أمانةٌ في أعناقكم؛ ابحثوا عنهم، ادعموهم، شجعوهم. لا والله لسنا أهل بِرّ ووفاء لو تركناهم يواجهون وحدهم الجوع والبرد والخوف والمرض. وفّروا لهم المأوى -إن استطعتم- ولا تتركوهم ينامون في العراء، وفّروا لمن مرض منهم العلاجَ والدواء، ولمن بَرَد اللباس والكساء، ولمن جاع الطعام والغذاء. وإن استطعتم أن توصلوهم إلى أهليهم أو إلى دار أمان فافعلوا يا أيها الكرام.

أما أنتم يا أحرار الخارج والشتات فاعلموا أنكم مسؤولون. إنكم قد حُرمتم أن تشاركوا في الثورة بأنفسكم، لكنكم لم تُحرَموا أن تشاركوا فيها بأموالكم. إن القوم هناك يجاهدون -سلماً وحرباً- فيُقتَلون ويُؤسَرون ويعذَّبون ويشرَّدون، فشاركوهم بما تستطيعون. لا كلمةَ عندي أكتبها لكم بعد كلمة الله، إنه {اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}. الله مُشتَرٍ يا أيها المؤمنون، والسلعة الجنة، فأين البائعون؟

الجيش الحر بحاجة إلى دعمكم وإلى أموالكم، إن أبطاله يجاهدون بالنفس فجاهدوا بالمال، وها هي حساباتهم مُعلَنة في صفحاتهم، فلا عذر بعد اليوم لقادر، وما عاد يجوز أن تصرفوا الأموال في فضول الأحوال وشرفاء الرجال يجودون بأنفسهم في ساحات النزال.

يا أيها الناس: إننا أمام امتحان الوفاء، فهل سننجح في امتحان الوفاء؟

=====================

شرارة الزر الإلكتروني وسقوط الديكتاتوريات

لافا خالد

في الثورات و آلياتها، مصائرها وحواراتها الداخلية، حدود ساحاتها وملامح أبطالها، المتناسخين في فصولها والمتّحدين خلف شعاراتها، نكتشف أنّ الرأسمالية التي نفت عصر "الملاحم"على حدّ تعبير اسحق دويتشر، قد خلقت عبر ميكانيزم قمعها وقهرها الداخلي، والمُصَّدر لهامشها، أشكال جديدة لأسطورة هي الأقرب الى الواقع، ﻷنها خرجت من عالم الرموز الميثولوجية ومدن اليوتوبيا الفردوسية، لتتجه قبل الساحات الشبابية صوب مملكة معارفهم، وبداية مملكة تحرّرهم من خلال ثائر يضغط على الزر اﻻلكتروني، فالشرارة التي أحرقت سهلاً على حد تعبير زعيم الثورة الصينية (ماوتسي تونغ) تحوّلت إلى الزر الإلكتروني الذي أسقط حكومة وأنهى دكتاتوراً وتجاوزه.

 

إنهم ثوّار جدد، لم ينطلقوا من متاريس الطبقات وﻻ من غابات رجال حرب العصابات... إنهم ثوّار عصر العولمة وعوالم تخلق ألف ثورة، ثوّار تم توصيفهم ب "ثوار الفيس بوك" الذين غيَّروا المسرح بل والحدث بكامل تفاصيله، فالثورة معهم ومن خلالهم وبعد نهاية الأسطورة التي كانت تفسيراً طفوليّاً لنظرة الإنسان لذاته ولما يحيط به هي بداية لأسطورة مفسّرة للعلم الطبيعي والاجتماعي وبأدواته.

 

الثورات، من القرمطي حمدان والخرّميّ بابك، لحين آخر ماويّ أو جيفاريّ مروراً بمقتحمي السماء من بوابات الكومونة الباريسيّة، كانوا ضمن حدث وصيرورة تاريخية ﻻ تخرج عن إطار القصة أو المسرحية. فكان هناك دوما الكاتب ممثلاً ب" منظّمة" أو "حزب ثوري"، وأبطال مغامرون "ثوّار المدن" أو "رجال حرب العصابات الثورية" إضافة لجمهور يتابع المسرحية، وفي أفضل الأحوال فإن الفصل بين الممثلين والجمهور يمكن اختراقه جزئيا كما الحال مع ربيع الديمقراطية في أوروبّا الشرقية وهذا يذكرنا بمحاولة الأب الشرعي للمسرح الواقعي اﻻشتراكيّ حينما حاول ردم المسافة وهدم الحاجز بين الجمهور والمسرح.

 

شرارة الزر الإلكتروني التي أحرقت عواصم الدكتاتوريّات العربية بدءا من تونس ومرورا بمصر وليبية واليمن وليس انتهاء بثورة شعب سوريا الحر ضد أعتى دكتاتوريات العصر الحديث أعادت إنتاج قراءاتنا للمفاهيم المتوارثة، فتراجع دور الحزب وتقدّم الشباب، تراجع دور الطبقة وتقدم دور الجماهير، تغيّرت نظرتنا لل "بؤرة الثورية"، ليست هي جبال جيفارا وغابات هوشي منه، هي الساحة والحارات التي استيقظت في الليلة الثانية بعد الألف. الزر الإلكتروني أعاد مفاهيمنا للأصدقاء والأعداء، الرئيسيين منهم والثانويين، بل ظهر هناك أعداء جدد يضافون لأجهزة القمع إن لم نقل هم الأكثر عداءً للثورة، إنهم المرتزقة من شبيحة الإعلام الإلكتروني وخبراء اختراق مواقع الفيس بوك والبريد الإلكتروني.

 

لقد فرض ثوّار الفيس بوك أسئلة مازالت لم تطرح بعد على صعيد توثيق الثورات. فالثورة الروسية كتب عنها ووثّقها (جون ريد) بأيامه العشرة التي هزّت العالم، أو (تروتسكي) الذي كتب في تاريخ الثورة الروسيّة، أو (جيفارا) الذي وثق الحدث في مذكراته.

 

كتابة تاريخ الثورات المعاصرة (ثورات الشباب) بحاجة إلى جهد خارق، فتوثيق موبايلات الشباب صوروهم المرسلة للفضائيات وتوثيق الحدث في مئات الصفحات الشبابية للثورة يحتاج إلى أكثر من (ريد) أو (تروتسكي) فالثورات قبل ثورات الشباب كانت تأخذ شكلا عموديا وفي أفضل الأحوال يتخذ شكلاً هرمياً، في حين أن الثورات الشبابية اتخذت شكلاً أفقيّاً نتيجة لحجم المشاركة الجماهيرية من جهة وﻻستمرارها لفترات طويلة من جهة أخرى، كما هي الحال مع الثورات الليبية واليمنية والسورية.

 

بسرعة إيقاع وتناغم الزر الإلكتروني إيجازا لتراكمات التطورات العلمية والتكنولوجية ومع اللمسة الشبابية رمزاً لتراكم المقموعين والمهميشن تحوّل الناس البسطاء، بل وحتى الأمّيين منهم إلى مراسلين يرسلون موادّهم عبر الفيس بوك والتويتر وكاميرا الموبايل إلى كُبرى وسائل الإعلام العالمية. الثورات الشبابية خلقت الإعلام الشعبيّ، الذي أضاف نبضة الحقيقة للإعلام الموجّه برأس المال الماليّ.

 

هل قامت الثورات الشبابية بدمقرطة اﻻعلام الموجّه، أم أنّ سلطة رأس المال المُنتج لوسائل الإعلام دخلت ساحات الشباب بغرض احتواءها أو توجيهها حسب متطلبات تراكمها النقدي وتراكماتها الاجتماعية التي تنتهي بمقبرة تم تسميتها بنهاية التاريخ؟

 

للزر الإلكتروني الذي أحرق تاريخاً للقمع وسلسلة للثوارث مفاجآت في الطريق، وما ساحات الغرب التي رفعت شعار "احتلوا وول ستريت" إﻻ جزء من الشرارة الإلكترونية التي ستغيّر وجه التاريخ، فالتاريخ "بداية" وليس نهاية كما أعلن (فوكوياما)، وبداية التاريخ تبدأ بأغنية. فالأغنية حينما تمتزج بالعمل الإنساني وبشكل أدقّ بالإنتاج فإنّها موحّدة للنسق العام لحركة المنتجين، فكيف الحال إن جمعت الأغنية الجماهير في ساحات الثورة؟

 

"هيلا هوب هيلا هيلا هيلا... هيلا هوب هيلا هيلا هيلا" هي الأغنية التي يغنيها الصيادون، وكانت قبلها أغانٍ تجمع المزارعين في حقول الحصاد، وقبلها أصوات إنسانية تجمع البشر البدائيّين حينما يرمون السهام والرماح كي تنطلق سويّة صوب الفريسة. الأغنية وبشكل أعمّ الفن كان لها دور في العملية الإنتاجية لحين تحوّل الإنسان إلى جزء من روبوت رأسمالي بلا مشاعر. فهل فقد الإنسان ذاته بعد أن ربح العالم كلّه؟

 

هي حقيقة، لولا روح الثورة والجين الذي نحمله عبر كروموسومات جبل أولمب والثورة البرومثيوسية، ولولا ثورات الشباب في منطقتنا والتي حملت أجنحة صوت شبيبتنا روحاً للثورة لما تلقفه شباب الرأسماليات الغربية فكانت الصرخة "احتلوا وول ستريت" بديلا عن شعار "يا عمال العالم اتحدوا".

الثورات الشبابية أعادت للأغنية الجماعية دورها كمنتجة للثورة، بل وسيلة إنتاج ثورية. الأغنية الجماعية لشابات وشبّان الشرق أعادت مفهوم الفن في منطقتنا بل وفي العالم أسره، حينما تغني الآلاف المتوحّدة اغنية لسميح شقير، أو لبقيّة (لوركات) ثوراتنا، فإننا بحاجة الى (أرنست فيشر) كي يكتب مجدّداً كتابه "ضرورة الفن".

 

الثورة ضرورة إنسانية كي يكسب الإنسان نفسه، ساحات الجمع في سقيفة الشباب بداية لكي يعود الإنسان لذاته بعد أن خسرها في مسيرته لامتلاك العالم كله.

 

الوجيز في الكلام، قال (ماركس): "حين الثورة لن يخسر العامل سوى قيوده"، وقال الشباب حين الأغنية الجماعية في ساحات السلطة الشبابية، لن نخسر سوى تكلّس تاريخنا ونربح من جرّاءها سرّ الخلود الذي بحث عنه كلكامش...

 

الثورة في ساحات الشباب إعادة لمفهوم العمر والزمان، كما هي إعادة لمفهوم الثورة والطبقات.

=========================

هذا ما أكد عليه السوريون (المجلس الوطني يمثلني)

محمد فاروق الإمام

إنها بوصلة الشعب السوري الثائر والمنتفض التي لا تخطئ وقد قالت كلمتها في جمعة (المجلس الوطني يمثلني) وهي لم تقل ذلك وتؤكده إلا ليقينها بأن هذا المجلس بكل أطيافه يستحق منح الثقة من هذه الجماهير الثائرة في طول البلاد وعرضها، وقد قرأت في قسمات أعضاء هذا المجلس الصدق والوطنية والثبات والإخلاص والتفاني والإيثار، وقد جعلوا مطالب الثوار نصب أعينهم فلا صوت يعلو على صوت المطالبين بالحرية والكرامة وهم الذين يدفعون مهر هذه الحرية وثمنها الغالي من دمائهم وأرواحهم وشظف عيشهم وترويع أبنائهم ونسائهم، وعذابات القهر والإذلال التي يتعرضون لها في بيوتهم وشوارع وساحات مدنهم وبلداتهم وقراهم على مدار الساعة على يد شبيحة النظام ورجال أمنه الأوباش، الذين تبلدت قيم الإنسانية لديهم وأحالتهم إلى ذئاب كاسرة وكلاب مسعورة وضباع جائعة!!

المجلس الوطني يستحق هذا التكريم من جماهير الشعب الثائرة والمحتجة وقد تمكن بحيوية ونشاط أعضائه من جعل الأحداث التي تجري في سورية هي رغيف خبز الإنسان في العالم كله وحديث يشغله عما سواه من أحداث، حتى وإن كانت تؤرق حياته الخاصة في موطنه.. وحتى في احتجاجه عما يجري في بلاده راح يسلك الطريق التي سلكها الثوار في سورية، وراحوا أبعد من ذلك فقد خطوا لوحات ويافطات غضبهم باللغة العربية وعلى الطريقة السورية، ورددوا نفس الأهازيج والطريقة التي يصدح بها بلابل الحرية في المدن والبلدات والقرى السورية المنتفضة والثائرة.

وبفضل نشاط وحيوية هذا المجلس تكثفت اللقاءات الدولية بشأن مستقبل سورية في الأيام الأخيرة بشكل كبير، حيث أصبح الوضع السوري محوراً رئيسياً في لقاءات رؤساء الدول، وسببا لاجتماعات مغلقة للدبلوماسيين في معظم عواصم دول العالم، وقد سقطت شرعية النظام السوري لدى غالبية أفراد الأسرة الدولية، وخير دليل على ذلك قرار الإدانة الذي اتخذ في الجمعية العمومية للأمم المتحدة والاجتماعات التي تعقد على مدار الساعة في عواصم القرار مع أعضاء من المجلس الوطني السوري، بما يضفي اعترافاً رسمياً مبطناً بالمجلس باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري الذي يناضل للخروج من دوامة قمع يمارسها نظام يائس يفقد تدريجياً جميع حلفائه وينتظر إطلاق رصاصة الرحمة عليه.

فقد صرح ميخائيل مارغيلوف رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي، صديق النظام السوري حتى النخاع، إن "روسيا استنفدت كل الوسائل التي تسمح للرئيس الأسد المحافظة على وضعه القانوني في المحافل الدولية"، وقد جاء ذلك في تصريحات أدلى بها إلى وكالة "إيتار – تاس" الروسية للأنباء يوم 23 تشرين الثاني، معلقا على نتائج التصويت في الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة بشأن شجب خروقات حقوق الإنسان في سورية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الوفد الروسي قد امتنع عن التصويت على مشروع القرار الذي قدمته فرنسا وبريطانيا وألمانيا.

وقال مارغيلوف "لقد كان الفيتو الأخير على قرار مجلس الأمن الدولي الوسيلة الأخيرة التي تسمح لبشار الأسد المحافظة على وضعه القانوني في المحافل الدولية. لقد كانت إشارة جدية للرئيس السوري من جانب روسيا، وبهذا الفيتو استنفدنا كافة الوسائل".

وحسب قوله فإن "على الرئيس السوري أن يفهم أن هذا الموقف ذو مدلول واحد: الإصلاحات ووقف أعمال العنف وإجراء انتخابات حرة. هذا ما يجب على القيادة السورية عمله فورا، بالرغم من أن هذا كان من المفروض عمله يوم أمس أو أول أمس".

وفي السياق ذاته التقى وفد المجلس الوطني السوري يوم الثلاثاء 22 تشرين الثاني 2011 برئاسة الدكتور برهان غليون بوزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي السيدة (كاترين أشتون)، ثم بالسيد (بيير ريمون)، رئيس لجنة الأمن والسلام في الخارجية الأوروبية، ثم مع ممثلي الدول السبع والعشرين. وتم في هذه اللقاءات تداول أهم الملفات حول الوضع السوري ابتداء من استيضاح الموقف الروسي – بعد زيارة المجلس لروسيا - ومدى إمكانية تطوير هذا الموقف والأسباب التي توضحه. وتم أيضاً مناقشة الموقف العربي، حيث توقع الأوربيون أن يؤثر الموقف العربي الموحد في الموقفين الروسي والصيني. وطلب وفد المجلس من أوروبا إيجاد حل للوضع السوري حيث للأوربيين خبرة طويلة في حماية المدنيين، ولديهم التقنيات والأدوات التي تؤهلهم لِلَعِبِ دور عملي ومباشر في هذا الإطار من مساعدات إنسانية ومعونات وأدوية.

وقد أبدى ممثلو دول الاتحاد احترامهم لهذا الشعب العظيم الذي يضحي ليل نهار، وتأييدهم لتشديد العقوبات على النظام وسيقدم المجلس الوطني للاتحاد الأوربي المزيد من المقترحات في هذا الخصوص. وتم تباحث بعض الاستفسارات عن خطة المجلس لإسقاط النظام ووضع ضمانات لحماية حقوق الأقليات الدينية والعرقية، والموقف من الجيش السوري الحر مع ضرورة الالتزام بالطابع السلمي للثورة وتأييد العمليات الدفاعية فقط التي تحمي المدنيين (حمص والرستن مثلاً). ويؤكد المجلس على ضرورة أن يكون العسكر تحت سيطرة المدنيين في سورية المستقبل وأن المجلس هو الممثل السياسي للجيش الحر.

كما استضافت مدينة الضباب لندن لقاءات للحكومة البريطانية مع وفد من المجلس الوطني رغم الضباب الذي يلف غالباً الأجواء اللندنية، إلا أن جميع الاجتماعات التي حصلت في المدينة منذ مطلع هذا الأسبوع قدمت صورة واضحة المعالم إلى حد بعيد عن الوضع السوري الذي دخل مرحلة جديدة هي مرحلة ما بعد الأسد. فأطراف المعارضة السورية في المجلس الوطني تبنت مطالب الثوار التي أجمعت على إسقاط النظام، وقدمت رؤيا مستقبلية للبلاد متشابهة جدا سواء لحماية حقوق الأقليات وصون العيش المشترك ونبذ الطائفية وتأكيد مدنية الدستور، مما خلف انطباعاً ممتازاً لدى الحكومة البريطانية.

كما استقبل وزير الخارجية الفرنسي (آلان جوبيه)، يوم الأربعاء ٢٣ تشرين الثاني، وفد المجلس الوطني السوري برئاسة الدكتور برهان غليون وقد تناولت المباحثات التطورات في سورية، والموقف الفرنسي منها، وقد تعهد الوزير الفرنسي في استمرار الضغط على النظام السوري لوقف المجازر التي يرتكبها بحق الشعب الأعزل، ووضع الوفد بصورة الجهود التي تقوم بها بلاده من أجل الحصول على قرار دولي يدين الممارسات القمعية للنظام، ويفتح المجال لآليات من أجل حماية المدنيين، وهو المطلب الأساسي للمجلس الوطني السوري.

وفي معرض النقاش حول إمكانية إرسال مراقبين دوليين من أجل حماية المدنيين، تطرق الوزير الفرنسي إلى استياء الدول الأوربية والعربية من عدم تجاوب النظام السوري مع أي مبادرة في هذا الشأن، الأمر الذي يدفع المجتمع الدولي إلى التفكير بآليات أخرى، نظراً لوصول الوضع الإنساني المتردي في أماكن مثل حمص. وتم البحث في إمكانية إيجاد منافذ آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية للمناطق المنكوبة التي تتعرض إلى حملات قمعية وتنكيل من قبل الأجهزة الأمنية وشبيحة النظام، بما ينسجم مع المبدأ القانوني الدولي الذي يحمل المجتمع الدولي المسؤولية في حماية المدنيين. كما أطلع وفد المجلس الوزير الفرنسي على الجهود الحثيثة التي يبذلها المجلس، من خلال الجامعة العربية، على صعيد استكمال بنيته التنظيمية وتقديم رؤيته للمرحلة الانتقالية التي تشمل تنحي بشار الأسد والانتقال السلمي للسلطة إلى حكومة انتقالية تقود البلاد إلى النظام الديمقراطي التعددي. وأثناء المؤتمر الصحفي للوزير جوبيه والدكتور غليون، أوضح الوزير الفرنسي أن استقباله لوفد المجلس هو اعتراف بأن المجلس هو الكيان الشرعي الذي ستتعامل معه الحكومة الفرنسية، في هذه المرحلة من نضال الشعب السوري من أجل نيل حريته وكرامته.

واللافت في الاجتماعات الأخيرة أيضاً البحث في آخر الدواء (الكي) أي التدخل العسكري، فالمجلس الوطني السوري يهمه بالدرجة الأولى حماية المدنيين بأي وسيلة كانت تلبية لمطالب الثوار الذين سموا إحدى جمع ثورتهم بجمعة (نريد حماية دولية) لذا فلا فارق عند المجلس الوطني من يقوم بفرض الحظر الجوي لحماية المواطنين وتأمين ملاذ آمن للمنشقين من الجيش ومؤسسات الأمن، وإن كان يفضل أن يتصدى العرب لهذا الأمر.

كما أكدت وزيرة الخارجية الإسبانية (ترينداد خمينز) أن حكومة بلادها ستتعامل مع المجلس الوطني السوري فيما يخص شؤون سورية، مؤكدة أن قنوات الحوار مع النظام السوري كلها قد أغلقت. وقد قام وفد من المجلس الوطني السوري برئاسة أحمد رمضان عضو المكتب التنفيذي بزيارة رسمية لإسبانيا يوم الأربعاء ٢٣ تشرين الثاني ٢٠١١ والتقى عدداً من المسؤولين على رأسهم وزيرة الخارجية الإسبانية التي قالت "إن على بشار الأسد أن يرحل"، وعبرت عن "دعم بلادها للمجلس الوطني السوري كعنوان للشعب السوري الساعي للحرية والديمقراطية". واستعرض في اللقاء الخطوات التي قطعها المجلس في استكمال بنيته، والتطورات الأخيرة على صعيد جامعة الدول العربية ونية الأوربيين تصعيد العقوبات الاقتصادية والضغط السياسي ضد النظام السوري.

لم تكن أبواب المجلس الوطني يوماً موصدة بوجه أي طيف معارض يتبنى مطالب الثوار ويعمل على تحقيقها ويؤمن بعدالتها، وهو يعمل بجدية لاحتواء هذه الأطياف المعارضة وقد نسمع قريباً عن قيام مؤتمر وطني مشترك ينسق المجلس الوطني السوري لعقده برعاية جامعة الدول العربية، وفي نفس السياق فقد أكد مصدر دبلوماسي عربي لجريدة "المستقبل" اللبنانية أن "تونس ستستضيف أول اجتماع للهيئة العامة للمجلس الوطني السوري في أول أيام كانون الأول المقبل".

لهذه الأسباب وغيرها اتخذ الثوار قرارهم بالاعتراف بالمجلس الوطني ممثلاً شرعياً ووحيداً لهم عندما قرروا تسمية إحدى جمعهم بجمعة (المجلس الوطني يمثلني).

========================

المجلس الوطني السوري وتمثيله للشعب السوري

محمد زاهد جول

قامت الثورة السورية منذ ثمانية أشهر وهي تحمل خلفية طويلة من المعارضة السلمية للنظام السوري دامت أربعة عقود، فمنذ أربعين عاماً وقعت سوريا تحت حكم أسرة الأسد وتحالف زمر من الأجهزة الأمنية والأجهزة المالية، التي تتبادل المنافع والمصالح والحماية والحصانة الأمنية والاقتصادية، كل بحسب اختصاصه ومصالحه وصلاحيته، وأغلبها تتستر بأيديولوجية قومية يتزعمها حزب البعث العربي الاشتراكي، وخلال العقود الأربعة الماضية لم تتمكن المعارضة السورية من توحيد صفوفها ولا تجميع قواها في مشروع ثورة تصلح النظام أو تغيره، وقد كانت الفرصة سانحة لعمل شيء مؤثر على بنية النظام يوم تم تعديل الدستور السوري خلال ساعات لنقل رئاسة الجمهورية من الأب الميت حافظ الأسد إلى الابن بشار الذي لم يبلغ السن القانوني لتولي منصب رئاسة الجمهورية وراثياً عند وفاة والده، ولكن شيء من هذا القبيل لم يحدث، فقد كانت ضغوط المصالح الأمنية والمالية التي يمسك بها النظام السوري أقوى من ضغوط المعارضة وإمكانياتها على تحريك الشارع السوري، إلا أن ثورات الربيع العربي في تونس ومصر منحت الشعب السوري فرصة أخرى لتصويب الأوضاع وتصحيح المسار ، فقد ألهبت ثورات الربيع العربي الشعب السوري ليقوم بواجبه التاريخي للقضاء على الاستبداد والفساد ، وقد وجد الشعب السوري في ثورات إخوانه في تونس ومصر وليبيا واليمن شجاعة وتضحية وصبرا وإصرارا على مواجهة الأجهزة الأمنية دون خوف ولا تراجع حتى تحقيق النصر والقضاء على استبداد الحزب الحاكم والأسر الحاكمة.

وكان من شدة ضغوط المرحلة السابقة أن لم تتمكن المعارضة في البداية أن توحد صفوفها تحت قيادة واحدة، ولكن شدة بطش النظام وعصاباته الأمنية وتواصل القتل المبرمج منذ انطلاقة الثورة السورية المعاصرة فرض على الشعب السوري أن يفرز قيادة تكون أكثر حضوراً وتمثيلاً واستيعاباً لقوى المعارضة في الداخل والخارج، فإذا لم تكن قيادة المعارضة موجودة قبل انطلاق الثورة شأنها شأن كل ثورات الربيع العربي، فإن ما وصلت إليه الثورة من نتائج مأساوية يفرض عليها أن توجد من بينها من ينطق باسمها ويوصل صوتها ويسمع شكواها إلى كل دول العالم وشعوبه، ونظرا لمكانة تركيا في نظر الشعب السوري وما بذلته الحكومة التركية من جهود لإخراج سوريا من أزمتها دون تجاوب من النظام السوري، فقد توجهت أنظار المعارضة السورية إلى تركيا لتكون الحاضنة الآمنة لقوى المعارضة السورية، ومستفيدة مما يكفله الدستور التركي الديمقراطي من حرية سياسية تسمح بحرية الحركة والتنقل والتجمع القانوني ، وحرية التعبير والإعلان وغيرها، فأعلن في اسطنبول في الثاني من شهر أكتوبر 2011 عن ميلاد المجلس الوطني السوري برئاسة البرفسور الدكتور برهان غليون، ليكون المجلس الصوت الأبرز لقوى المعارضة السورية في المحافل العربية والدولية ولسانا ناطقاً باسم الشعب السوري ومعاناته وطموحاته وآماله وأهدافه.

وقد استطاع المجلس منذ إعلانه من تحقيق مكاسب سياسية على مستوى الاعتراف به شعبياً وعربياً ودولياً، فقد استقبل في بعض العواصم العربية والعالمية، وهو اليوم على أعتاب الاعتراف الرسمي به، إثر تهور النظام الأسدي بتجاهل كل المطالبات الدولية العربية والإقليمية والعالمية بوقف العنف والقتل والشروع في عمليات مصالحة وطنية وإصلاح سياسي، والتي كان في مقدمتها الجهود التركية التي بذلت كل ما تستطيع لمساعدة الشعب السوري، وعلى كافة المستويات الشعبية والرسمية ، من رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء والبرلمان التركي أيضا، والتي دعت إلى المباشرة السريعة بعمليات إصلاح داخلي حقيقي يرضي المعارضة ويشاركها في العملية الإصلاحية والمستقبل السياسي لسوريا، ولكن النظام ماطل كثيراً في الاستجابة وهو يراهن على الحل الأمني في أن يتمكن من القضاء على القوى الفاعلة في الثورة الشعبية، أو يسكت الجماهير الثائرة، فهو لم يألفها إلا خائفة وراجفة ومالئة للساحات التي تهتف باسم الرئيس الأسد وتمجد بطولاته وانجازاته الوهمية.

هذا الاندماج العام للمعارضة السورية في الداخل والخارج وتواصل القتل والعنف الشديد الذي يمارسه النظام فرض على الدول العربية أيضاً أن تقوم بواجبها ومسؤولياتها، فقد كان من المفروض ان تكون الدول العربية من أوائل المتصدرين لإيجاد العلاج لهذه الأزمة كما فعلوا في الأزمة الليبية بتجميد عضوية ليبيا ومطالبة مجلس الأمن بفرض حماية للمدنيين الليبيين، وشاركوا الناتو في عملياته العسكرية، ولكن الدول العربية تأخرت كثيراً في التجاوب مع الأزمة السورية، وأن تأتي متأخرة خير من أن لا تأتي إطلاقاً، وهكذا دخلت الجامعة العربية في غمار الأزمة السورية ، بداية في زيارات بطيئة لأمين عام جامعة الدول العربية نبيل العربي، الذي صدرت عنه تصريحات متناقضة في البداية، ثم أقدمت الجامعة أخيراً على مواجهة الواقع ورفض السكوت على المذابح التي يتعرض لها الشعب السوري، وكذلك كانت مواقف بعض الدول العربية متأنية وخجلة، فقد تحركت في البداية في خطوات فردية أو ثنائية بالاحتجاج عما يجري ورفضها لعمليات القتل المفرط التي يقوم بها النظام، أو سحب سفراء أو التنديد بالعنف والقتل غير المبرر.

في أثناء ذلك وقبله كانت المبادرات التركية متوالية من رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان ووزير خارجية داود اغلو وبعض المسئولين الأمنيين، اللذين زاروا دمشق واجتمعوا مع القيادة السورية وهي تحمل رسائل الرئيس التركي عبدالله غول وتحمل رسائل ونصائح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى الرئيس السوري والحكومة السورية، وقد كانت في حينها تمثل فرصة ذهبية للخروج من الأزمة السورية، ولكن النظام السوري رفضها، بل واتهمت أوساط مقربة من السلطات السورية الأتراك بأنهم يعملون ضد سوريا، لأنهم يستقبلون الفارين السوريين على الحدود التركية في مخيمات لاجئين، ولأنهم لا يمنعون المعارضة السورية من الالتقاء والاجتماع على الأراضي التركية، وهو أمر لا تملكه الحكومة التركية نفسها، بحكم أن اجتماعها يكفله الدستور التركي الديمقراطي، سواء كانت المعارضة سورية أو تركية أو غيرها، فأدى ذلك إلى تدهور العلاقات التركية السورية إلى حد قيام عصابات تابعة للنظام السوري بالاعتداء على المقرات الدبلوماسية والمصالح التركية في سوريا وحرق العلم التركي، فتأكد للحكومة والشعب التركي أن النظام في سوريا فاقد للسيطرة على الشارع السوري، وفاقد للسيطرة على دبلوماسيته السياسية، وأن لا أمل في إصلاحه إلا بزواله، فلم تعد تراهن على مشاريع إصلاحية مع بقاء نظام بشار الأسد وأسرته زمرته.

وأخيرا جاءت المبادرة العربية عن طريق اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة وتشكيل لجنة وزارية برئاسة رئيس الوزراء القطري لتفاوض النظام السوري والمعارضة السورية وإصدار قرارها خلال مدة أسبوعين تنتهي بنهاية شهر أكتوبر، وبالرغم من ان القرار لم يكن على مستوى طموحات المعارضة السورية، فإن المجلس الوطني السوري لم يعلن رفضه له، وتوقع أن يأتي الرفض من النظام السوري، ولكن النظام وافق على المبادرة العربية، إدراكا من النظام السوري بان عدم موافقته على المبادرة العربية سيعجل فتح الباب لدخول المجتمع الدولي في الأزمة السورية عن طريق مطالبة الجامعة العربية والمعارضة السورية له بالتدخل، فقبلت المبادرة لتطيل عمر التفاوض وتواصل قتلها للقوى المعارضة في الداخل، وهذا ما جعل السياسة التركية غير واثقة من المبادرة العربية في البداية لأنها كانت تعلم ألاعيب النظام السوري وعدم جديته في التعامل معها.

لقد عقد اجتماع المراجعة للجنة الوزارية العربية في مقر جامعة الدول العربية في القاهرة ليعلن عن عدم تقدم النظام السوري بأي خطوة عملية بتنفيذ المبادرة العربية، والتي كانت تشترط ان يتوقف النظام عن العنف والقتل، وأن يسحب قواته العسكرية ودباباته من المدن والشوارع إلى ثكناتها والإفراج عن كافة المعتقلين والسجناء السياسيين، فأعلن في ذلك المؤتمر عن إعلان تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، وأمهلت السلطات السورية أربعة أيام أخرى، وهنا رأت الحكومة التركية أن المبادرة العربية بدأت تسير على الطريق الصحيح ، فشاركت في الاجتماع التالي الذي عقد في العاصمة المغربية الرباط وحضره عدد من وزراء الخارجية العرب ووزير الخارجية التركي داود اغلو على هامش منتدى التعاون العربي التركي، فاجتمع المجلس بعد أربعة أيام من التهديد بتجميد العضوية في الرباط وأصدر قراره بان النظام السوري لم ينفذ شيئاً مما التزم به من حماية المدنيين ووقف عمليات العنف والقتل وإخراج الدبابات من المدن وإطلاق السجناء والمعتقلين السياسيين وقبول استقبال وفود مراقبة بحدود خمسمائة مراقب أمني وعسكري وإعلامي وتأمين حماية لهم، فمددت له مدة المبادرة إلى ثلاثة أيام أخرى، وإلا فإن الدول العربية سوف تدخل في مقاطعة اقتصادية مع النظام السوري.

لقد كان اجتماع الرباط ونتائجه مخيبة للآمال المتوقعة منه، فقد راهن البعض أن يكون ذلك الاجتماع نقطة التحول في تاريخ الثورة السورية بل وتاريخ سوريا الحديث كله، وذلك فيما توقعه البعض من مطالبة لمجلس الأمن أن يقوم بمسؤولياته لحماية المدنيين السوريين، ولكن ما صدر عن الاجتماع كان في اتجاه معاكس، رافض للتدخل الأجنبي، وأملاً أن يكون الحل عربياً فقط، ودون تدخل أجنبي أو عسكري، مما يرجح أن تهديدات خطيرة قد وقعت قبل الاجتماع ، قد يصل فيها الخطر إلى قيام حروب إقليمية، قد لا يسلم منها أحد إذا تم تدويل الأزمة السورية، ولذا لجأ النظام السوري إلى التلكؤ مرة أخرى، وواصل قتله للمحتجين، وأفرج عن عدد قليل من المعتقلين، لإدعاء أنه نفذ كافة شروط المبادرة العربية.

وإزاء المماطلة الواضحة من النظام السوري وتواصل جامعة الدول العربية بتجديد المهل للنظام السوري وعدم تدخل المجتمع الدولي في حماية المدنيين من الشعب السوري، فقد عبر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان عن عدم جدية بعض الدول الأوروبية ونفاقها، وهي التي ركضت إلى التدخل في ليبيا مسرعة ، واستصدرت على عجل كافة قرارات الأمم المتحدة لتدخل في ليبيا، وأن ذلك كان بسبب النفط الليبي، بينما هو وبعد مرور تسعة أشهر لا يدفع المجتمع الدولي نحو حماية المدنيين السوريين، لعدم وجود أطماع اقتصادية له في سوريا.

إن سياسية السلطات السورية واضحة بأنها تماطل وتراوغ جامعة الدول العربية وهي تطلق تهديداتها إلى الدول العربية التي تشارك في حماية الشعب السوري من بطش النظام، وهذا قد يشير إلى أن النظام السوري كما راوغ المعارضة السورية من قبل، فإنه على استعداد أن يراوغ وفود الجامعة العربية التي قد يسمح لبعضها الدخول إلى بعض الأماكن في سوريا لكسب الوقت وتحقيق تغييرات جذرية على الأرض بضرب قوى المعارضة الحقيقية في الداخل، لأنها هي المعارضة التي يخشاها النظام فعلاً، ولو تمكن من ذلك وواصل حشده المفتعل للمظاهرات الشعبية المؤيدة للنظام على الطريقة الكرنفالية فإنه سيوهم العالم بأن الأزمة السورية قد انتهت ، وأن القوى الإرهابية التي يتهمها بالقتل والتخريب في البلاد قد تم القضاء عليها، وأن على المعارضة الداخلية أن تمثل نفسها منفردة في مؤتمرات الإصلاح التي يرعاها النظام، ما لم تكن متورطة في أعمال إجرامية في نظر النظام، وأما المعارضة الخارجية فإن الباب أمامها مفتوح للعودة إلى الداخل، إذ لا معارضة وطنية في الخارج، وعودتها إلى الداخل مشروطة بأن تمنحها محاكم النظام براءة للعمل السياسي الداخلي، وإلا التجريم والعقوبات التي تستحقها بالقانون، في حالة إدانتها بالتخريب أو الإساءة للوطن الذي يملكه النظام، وبذلك فإن المصالحة الداخلية وعلى طريقة النظام مسدودة الأفق ومعطلة المسار.

إن الغالبة العظمى من المراقبين يرون أن النظام السوري ساقط لا محالة ، بالرغم من كل النصائح التي وجهت لنظام بشار وأسرته أن يختصروا على أنفسهم الطريق، وأن يحفظوا دمائهم وأملاكهم وأرواح ذراريهم، وحفظاً لدماء الشعب السوري بما فيها دماء أبناء الجيش السوري نفسه، فكلما زادت المعاناة وزاد القتل من قبل النظام كانت خسارته أكبر وأفدح، وما هلاك معمر القذافي وكتائبه عن النظام السوري وكتائبه ببعيد، وإذا كان النظام السوري لا يزال يجد أنصاراً في العالم، ممن لا يريدون للغرب أن ينفرد بالمنطقة العربية مثل روسيا أو الصين، فإن هذا التأييد لا يراهن عليه، لأنه قابل للمساومة عليه في سوق التبادل التجاري لكل من روسيا والصين مع أوروبا وأمريكا، والخاسر الوحيد هو النظام السوري نفسه والقتلى الأبرياء من الأطفال والنساء والمدنيين السوريين فقط، إضافة إلى الدمار الهائل الذي سيلحقه تدخل قوى دولية في لجم النظام الأسدي عن شروره، فالتقديرات الأولية لإعادة إعمار ليبيا بعد الثورة تقدر بما يزيد عن 250 مليار دولار، والنهاية الحتمية للقذافي كانت معروفة ، وكان الأولى به أن يحفظ دماء شعبه ودمار بلاده وأموالها لو استجاب لصوت الحكمة، واكتفى بحكم دام اثنان وأربعون عاماً، ورحل سالماً أو منفيا في روسيا أو فنزويلا أو في مزرعة خاصة في مدينة سرت حيث قتل.

إن الرأي الراجح لدى المحللين السياسيين أن الغرب لا ولن يتدخل في سوريا إلا إذا توفرت شروط يضمن بها مصالح له فيها، وأن على من يتصدر المعارضة السورية سواء كان المجلس الوطني السوري أو غيره أن يفكر في إجادة دور التفاهم والتعاون مع العقلية الغربية عموماً، والعقلية الأمريكية على وجه التحديد، فالغرب اليوم يبحث عن أصدقاء له في مرحلة ما بعد الربيع العربي حتى لو كانوا من الإصلاحيين المتدينين، وهو على استعداد أن يتقبل الحركات الإصلاحية ذات المرجعيات الإسلامية، وهو يرحب باستلامها للفوز بالمجالس التأسيسية والبرلمانية والرئاسية، طالما أن وجودها هو خيار الشعب وصناديق الاقتراع النزيه، فهو يرى أن هذه القوى السياسية هي صاحبة الولاية الشرعية على قضايا المنطقة أولاً، وهي البديل الجاهز عملياً لوراثة أنظمة الفساد والفشل التي رفعت ألوية القومية والعلمانية والديمقراطية كذباً وزوراً في المرحلة السابقة، فالغرب أمام التمثيل الانتخابي الحقيقي في المنطقة ولأول مرة، وهو ليس أمام مفسدين بمستوى الزعامات السابقة، والغرب لا يملك مع هؤلاء أوراق ضغط مخفية ولا مخيفة، وإنما معادلة مصالح وتعاون وصداقة مع الشعوب وليس مع الأشخاص والأسر المستبدة فقط.

لذا فإن على قوى المعارضة الإصلاحية الجديدة، سواء التي نجحت في ثورتها أو هي على طريق النجاح مثل المعارضة السورية أن تعرف الغرب على نفسها بذاتها، وبكل صراحة ووضوح، وأن تفتح باب الحوار مع الغرب والتعاون معه دون سرية ولا خجل، وأن لا خطر على حقوق الناس في ظل دول مدنية ديمقراطية وعادلة، وأن لا خطر على المصالح الدولية في ظل ثورات الشعوب العربية، فالدول العربية القادمة هي دول مدنية، بما فيها الدولة السورية القادمة، وأنها لن تكون دولا إسلامية دينية، وإنما دولاً مدنية ذات مرجعية إسلامية، وستكون مرجعيتها إسلامية بحكم أن الغالبية العظمى مسلمون، ولكافة أصحاب الأديان الأخرى حقوقهم في المواطنة ، ولهم حق الاحتكام إلى شرائعهم الدينية فيما يخص الحياة الدينية والاجتماعية الخاصة.

إن على المجلس الوطني السوري أن يحسن لعب السياسة الدولية، وأن يكون التفكير بالتعاون مع الغرب على جدول أعماله المعلنة، فهو أمر ليس مرفوضاً ولا يمكن الاستغناء عنه، بعد أن أثبت عدد من الحكام العرب أنهم لا يتوانون عن تدمير بلادهم وقتل شعوبهم وسحقها إذا رفضت حكمهم واستبدادهم، وعلى الثورة السورية عموماً أن تفكر بما تستطيع التفاهم به مع الغرب حتى يتدخل لصالحها، ولو إنسانياً وسياسياً، ولا ينتظر أن يأتي الاعتراف والتأييد من المنظمات الدولية دون ضمانات مستقبلية، ولكن شرطه ينبغي أن يكون أن لا تكون هذه المساعدات على حساب الحرية الوطنية ولا الاستقلال الحقيقي.

وإن على المجلس الانتقالي أن يعمل على تفتيت شبكة المصالح الممسكة بزمام الأمور في سوريا، فالنظام السياسي السوري وكما فعل من قبل النظام المصري، يمسك بالأجهزة الأمنية وبالمؤسسات المالية ورجال الأعمال الذين يديرون مجمل الاقتصاد السوري، إضافة إلى الجيش السوري بكافة أطيافه الوطنية والطائفية والدينية والمذهبية والعرقية والقومية والحزبية، وإزاء ذلك فإن على المجلس الوطني أن يناشد الجيش السوري كما فعل بيان المجلس الوزاري العربي بأن ينحي نفسه أن يكون طرفاً ضد الشعب السوري، وله أسوة حسنة بالجيش المصري الوطني، والجيش التونسي أيضاً، فالجيش ملك للشعب والوطن والدولة، وليس ملك الحزب الحاكم ولا أسرة الرئيس، وأن على ضباطه وأفراده أن يلتزموا الحياد ما لم تتضح له الصورة على حقيقتها، فمن لم يكن مع الثورة خشية على حياته أو أسرته أو أي شيء آخر فأن لا يكون عوناً لظالم ولا مستبد، وقد شاهد بأم عينية جرائم الأجهزة الأمنية الأخرى، وعلى بيانات المجلس الوطني السوري أن تخاطب الجنود وتعتبرهم هم نواة الجيش الوطني السوري القادم.

وأما طائفة التجار ورجال الأعمال فعلى المجلس الوطني السوري مخاطبتهم بطرقه الخاصة والعامة، وأن تطمئنهم على مستقبلهم التجاري والمالي وأنه لم يعد لهم مصلحة مع أسرة الأسد ودوائره الاقتصادية الخاصة، فهي ذاهبة إلى زوال، إما عن طريق العقوبات الدولية أو العقوبات العربية والإقليمية، وأن يكون موقفهم داعماً للثورة السورية التي تحرر المال السوري من الاستئثار والاستغلال والاحتكار والسرقة، وأن يعلموا أن الثورة ليست ضد طائفة مالية أو عرقية أو مذهبية، سواء كان لها مصالح وعلاقات مع النظام قبل اندلاع الثورة أو لم يكن، بل والتي كان لها علاقات مع النظام قبل تشكيل المجلس الوطني السوري، فتكوين المجلس الوطني السوري نقطة فاصلة في قيادة الشعب السوري في المرحلة الانتقالية، لأن الشعب السوري هو من سينتخب قادته بعد سقوط النظام الحاكم.

وإن على المجلس الوطني أن يحذر من كل محاولات تسليح الثورة ، فإن ذلك سوف يفتح شلالات من الدماء، وسوف يفقد المجلس الوطني السوري قدرته على إدارة الأزمة إذا نجح النظام السوري في تحويلها إلى حرب طائفية، كأن تكون سنية شيعية أو علوية أو غيرها، أو إذا سعى النظام الحاكم إلى تقسيم سوريا على أساس طائفي في اللحظة الأخيرة، فبعض المعلومات تشير إلى تورط إيراني في حماية النظام السوري وأن آلاف المتطوعين الإيرانيين قد عبروا إلى سوريا عن طريق التسهيلات العراقية، وهذا مؤشر على أن الأزمة السورية مرشحة إلى التدخل الإقليمي والدخول في حرب إقليمية وليس حرباً أهلية فقط، إن الأزمة السورية ليست أزمة ثورة شعب فقط، بقدر ما هي تحرير دولة من هيمنة داخلية وخارجية مريبة، وتحتاج إلى معادلات إقليمية ودولية لضمان نجاحها وصلاحها، وتركيا لن تكون يوماً إلا إلى جانب الشعب السوري ومصالحه، ولكنها حريصة في نفس الوقت أن لا تكون طرفاً في حرب حدودية أو إقليمية مع أحد الدول العربية، وهي إذ تبذل كل ما بوسعها لحماية الشعب السوري ومساعدته في ظروفه الحالية، فإنها قادرة أيضاً على حماية مصالحها وحدودها وشعبها واللاجئين إليها، وهي لن تتوانى عن دعم أي جهد عربي مشترك ينقذ الشعب السوري من مصائبه مهما كان نوعه ومداه وعواقبه.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ