ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الجامعة العربية بوابة
تركيا إلى سوريا د.مصطفى الحاج حامد* منذ إنطلاقة الثورة السورية قبل تسعة
أشهر تقريباً، والدور التركي هو
مدار حديث وتوقعات وترقبات
الكثيرين، الشعب السوري كانت
عنده تطلعات وسقف مطالب وتوقعات
غير واقعية من تركيا ودورها في
حسم القضية السورية،والمراقبين
كانوا ينتظرون في حيرة من أمرهم
وضوح الدور التركي الذي غلبت
عليه صفة المد والجزر. البعض توقع دورا من تركيا أكثر جرأة
وأقداماً بعد التجربة الليبية،
وأن تكون تركية هي المبادرة، في
محاولة حسم الامر ومحاولة
الضربة الاستباقية، قبل أن
تنتقل شرارة الحرب لدول الجوار
والمنطقة برمتها. والبعض الآخر لم يتوقع أكثر مماهو حاصل
الآن من دعم لوجستي وتقديم
الخدمات الانسانية لللاجئين،
وفتح الأبواب على أوسعها أمام
تحركات المعارضة، ثم البقاء في
هذا المربع حتى تتضح الصورة
بشكل جيد. الذين يريدون من تركيا التدخل عسكريا
بشكل مباشر وسريع ،هم يجهلون أو
لايريدون أن يصارحوا أنفسهم
بطبيعة التفكير للساسة الأتراك
تجاه هذه المنطقة وخاصة الدول
الدول العربية. كثير من رجال المعارضة السورية الذين
يريدون التأكيد على الروابط
التاريخية بين العرب
والأتراك،يشيدون وبحسن نية
بالدولة العثمانية التي حكمت
الدول العربية لأربعة قرون من
الزمن.وهنا مربط الفرس وخشية
الأتراك من هذه النظرة وهذا
التفكير،الأتراك يعارضون هذه
الفكرة ويتحسسون من ترديد
العثمانيون الجدد، لأنهم يخشون
من إستغلال هذه المقولة التي
يرون فيها قنبلة ملغومة وسلاح
ذو حدين ويحذرون من السم الذي قد
يدس بهذا العسل . أنا أعرف أن العزف على هذه المقولة
والرابطة التاريخية من الحياة
المشتركة ، تدغدغ عواطف
الاسلاميين من كلا الطرفين
الاتراك والعرب ،ولا يكاد يخلو
خطاب أحدنا منها ،وهي حقيقة
وتاريخ مشترك لا يمكن إنكاره
وتجاوزه ، لكن أظن أنها تزعج أو
لا تنال إعجاب رجال السياسة
والدبلوماسيين الأتراك .حتى
الذين يعجبون بها ضمنيا لا
يرحبون بعلنيتها، ولا يريدون
بناء العلاقات والقرارات على
العواطف والاحاسيس، بل على أسس
جديدة تناسب العصر الذي نعيشه. منذ سنين والأتراك يبدون حساسية شديدة ضد
هذه الاطروحة، و يحالون تفنيد
هذه المقولة، ويريدون أن لا
تروج هذه الفكرة، ويريدون أن
لاتدمغ بها تصرفاتهم، خشية أن
يستغلها القوميون العرب في
زعزعة الثقة، التي يحاولون بناء
جسورها على قواعد جديدة، من
العلاقات والاحترام المتبادل،
والمصالح المشتركة وحسن الجوار
وصفر المشاكل. كل من طالب أو توقع من تركيا تحركاً سريعا
،حتى بعد تصريحات طيب أردوغان
القوية تجاه النظام السوري ،كان
يغيب عليه نقطة جوهرية في
السياسة الخارجية التركية،كل
هذه المطالب والتصريحات ، لم
تكن لتقنع من يعرف السياسة
التركية ، بأمكانية أن تتخذ
قرارات سريعة، وتدخلاً مباشرا
في حماية المدنيين ،أو إقامة
المنطقة العازلة ، وقف آلة
القتل التي تفتك بالشعب السوري. فتركيا لم تكن لتفكر يوما من الأيام بأي
تدخل دون غطاء عربي ثم دولي
ورسمي.وهنا الخطأ الذي وقعت به
شريحة من المعارضة التي ظنت أن
تركيا هي الجهة الاولى وهي
صاحبة القول الفصل .مما دفعها
لإهمال درو الجامعة العربية حيث
ظن الأغلبية أن بابها عصي على
المعارضة ناسين أنه بدون فتح
هذه البوابة لا يمكن أن يكون
لتركيا درواً مؤثراً وإيجابيا
وحاسماً في القضية السورية. أحد العاملين في صنع القرار التركي وحسب
أحد الصحفيين الأتراك يقول بأن
الدول الغربية تدفع بنا للتدخل
بشكل مباشر في سورية وهذا ما
يثير الشكوك لدينا،نخشى أن
تتراجع هذه الدول بعد دخولنا
لسوريا لنظل وحدنا هناك، لتثار
القومية العربية ضدنا، ونشر
مقولة بأن الصراع هو بين
الأتراك والعرب،ووصف تركية
بتهمة الدولة المحتلة، ودمغ
تركيا بها في المحافل الدولية.
مما يثير النزعات القومية وتكون
هذه الضربة القاضية لدور تركيا
المحوري والاقليمي الذي تريد أن
تلعبه في المستقبل القريب. لذلك هناك تخوف تركي من الوقوع في مستنقع
سوريا الذي ربما يكون فخاً للجم
النجاحات التي حققتها تركيا
تركيا بزعامة العدالة والتنمية
ذو الجذور الاسلامية. سورية دولة مهمة جدا لتركيا لنواحي عديدة
وكثيرة أهمها الحدود الطويلة
والخشية من إنفجار القضية
الكردية والصراع المذهبي في
المنطقة .وهذا ما كان النظام
يهدد به وهناك مؤشرات بدأت تلوح
بالأفق تنذر بمثل هذه المخاوف
التي بدأت تقض مضاجع الساسة
الأتراك ويحسبون لها ألف حساب. من هنا يمكن الاستنتاج لماذا الدور
التركي بين المد والجزر
،والاقدام والاحجام ،ومن هنا
يتضح لنا أيضاً بناءاً على هذه
التخوفات وقراءة الطريقة التي
تشغل فكر الساسة الأتراك يتضح
لنا أهمية الدور العربي وأهمية
الجامعة العربية التي هي
البوابة الوحيدة للقرار الدولي
والتدخل التركي، إن كان هناك من
طلب لهذا الدور وإتفاق على
المطالبة به بكل أشكاله من قبل
المعارضة بكل أطيافها. الحسم السوري يمكن أن يكون تركياً ولكنه
بحاجة لبوابة وغطاء لابد من أن
يكون حتماً عربياً قبل أن يكون
دولياً. فهل تكون الجامعة العربية هذه البوابة
التركية؟؟ *طبيب وكاتب ======================= على بشار الأسد أن يقول
للشعب أنا لست بخالقكم..!! بدرالدين حسن قربي قد يكون مستهجناً أن نقول بأن العلاقة
التي عمل النظام على ترسيخها
بينه وبين السوريين هي علاقة
الآلهة بالعبيد، وهو ما تعمل
عليه أيضاً كل أجهزة النظام
وشبيحته لاستذلال الناس
وإهانتهم وتعبيدهم بسلب حريتهم.
وكي لانُتهَم بأننا نقول عن
النظام المحتضِر ماليس فيه
والعياذ بالله، فإن عنوان
المقال هو استعارة من كلامٍ
لرفعت الأسد العمّ أحد أركان
النظام في عهد الأب، قاله
لفضائية العربية قبيل أسبوعين
على هامش مؤتمر في باريس عن
مستقبل سوريا: على الرئيس بشار
أن يبدأ بأن يقول للشعب السوري:
أنا لست بخالقكم. لانريد هنا مقاربة التأليه من منظورها
الديني، وإنما من منظورها
المدني والإنساني في عموم
مجتمعنا يوم يصل الأمر حدّ
تأليه المستذِلّ والقامع، ووضع
ألوهيته في إطار المقدس وخطوطه
الحمراء بل وفي النقاط الأشد
قداسة. وعليه، فقد رأينا
التطاول على نصٍ ديني باستبدال
بعض أخص كلماته باسم بشار
الأسد، من مثل لوحات مكتوب
عليها: قل هو الله احد، الله
الصمد، أعز الله شعبي، فاصطفى
منه الأسد. أو الكتابة على جدران
الشوارع: قل هو الله الأحد، الله
الصمد، في الأعلى الله الأحد،
وفي الأرض بشار الأسد. أو عندما
يتصل مواطن ما ليعبّر عبر
فضائية الدنيا عن شبقه وفنائه
بحزب البعث ورئيسه: اسألوا
آبائي، اسألوا جدي اسألوا نسبي،
اسألوا الشموخ اسألوا لي الواحد
الأحد، اسألوا ما شئتمُ، فأنا
البعث ديني وربي بشار الأسد. أو
عندما يقول المذيع في مظاهرة
تأييد للنظام يوم 13 تشرين
الثاني في ساحة السبع بحرات: قل
هو الله احد، بشار الفرد الصمد. وللمقاربة أكثر، يتهدد أحد مشبّحي النظام
السوري وعلى فضائية حزب الله
وبعبارات خالية من كل أنواع
اللباقات، إلهَ كل من يفكر
بالتحرر من عبودية النظام
والخلاص من رئيسه، ويمضي أمره
وكأن شيئاً لم يكن، في وقتٍ
تتحول فيه حلقة حوارية
تلفزيونية عبر شاشة MTV
إلى حلبة للصراع، عندما استشاط
أمين حزب البعث اللبناني فايز
شكر غضباً من محاوره مصطفى
علّوش من تيار المستقبل لوصف
بشار الأسد بالكذّاب، وحوّل
الحوار إلى تبادل شتائم على
الهواء، بل وحاول شكر وهو في قمة
هدوئه (حسب زعمه) ضرب محاوره
بكرسيه الذي كان يجلس عليه. ومن
يتابع المشهد ويرى غضبة شكر
أمام محاوره وحركة عيونه
ونظراته، يدرك بأن محاوره قد
نال من قدس أقدس أقداسه
ومقدساته. وعليه، فإنه بمثل هذه المقاربات، يمكن
فهم مايراه المتألّهون في خروج
السوريين بعشرات الآلاف
ومئاتها في تظاهراتهم
واحتجاجاتهم قرابة تسعة أشهر
طلباً للحرية السليبة والكرامة
المستباحة، شكلاً من أشكال
التطاول على الذات الأسدية
ونوعاً من الخيانة والتآمر،
وبعضاً من التمرد والعصيان في
مزرعة الاستعباد والخضوع، مما
يتوجب قمعه بالقتل وسفك الدماء
جزاءً وفاقاً أو بالذهاب بهم
إلى ظلمات السجن ومعه أشد أنواع
العذاب. ومن ثم فقد رأينا صورة
العبيد الوالهين ينادون بإلهٍ
من مثلهم ويسجدون لصوره، ورأينا
صورة المتمردين الثائرين
الأحرار تمارَس عليهم كل أنواع
الهمجية ليقولوا: لاإله إلا
بشار أو أخيه ماهر، ويسامون
الضرب والركل والدعوسة على
رقابهم ورؤسهم باعتبارهم عند
جلّاديهم كلاباً تطاولت
وتتطاول على أسيادها. أما المشهد الأبلغ، مما كبر عليهم في
النيل من ألوهيتهم، يوم تداعى
العرب للأخذ على يدهم بعد آلاف
القتلى وعشرات الآلاف من
المعتقلين والمفقودين وأكثر من
ستة أشهر، كان فيها إخوانهم
السورييون يواجهون آلة القمع
الوحشية وفظائع الإجرام
اليومية، فثارت ثائرتهم لأنه
بعض العدوان على ألوهيتهم
وتدخلاً فيما لايعنيهم، لنظام
يعتبر قتلَ مواطنيه قرابينَ
تقديسٍ لعائلته واستقرار سلطته
وسلطانه، كما يرى التنكيل بهم
شأناً داخلياً في مزرعته، فهم
عبيد خدمتهم ولاقيمة لهم أمام
الأسياد وعندهم. نصيحة رفعت الأسد لابن أخيه هي شهادة
وشاهد على حقيقة تركيبة السلطة
الأسدية وعلاقتها بالشعب
السوري، وكان يمكن أن يكون فيها
بعض فائدة للنظام لو جاءت من
اليوم الأول لإعلانه الحرب على
أطفال درعا وأهلها ومن تضامن
معهم، وإنما بعد خروج المارد
السوري الصابر والمصابر من
قمقمه بعد أكثر من أربعين عاماً
من القهر والاضطهاد والنهب
والفساد محققاً أروع وأنبل
الأمثلة في العصر الحديث لثورة
قرر معها إسقاط النظام ورحيله،
فيمكن أن ينصح بما يشاء، ولكن
على أن تكون خاتمتها لابن أخيه:
يابشار..!! لقد فاتك القطار، وأن
يسمع الجميع عماً وولداً وابن
أخٍ ويعوووا مقولة السوريين لهم:
لقد فاتكم القطار. http://www.youtube.com/watch?feature= player_detailpage&v=vjJURhfyPnk http://www.youtube.com/watch?feature= player_detailpage&v=498yhl2y61Y http://www.youtube.com/watch?feature= player_detailpage&v=QLTRjujPa50 http://www.youtube.com/watch?feature= player_detailpage&v=WWFlhCumkjY http://www.youtube.com/watch?feature= player_detailpage&v=GYConufnFtM http://www.youtube.com/watch?feature= player_detailpage&v=IbK8rAPyokU http://www.youtube.com/watch?feature= player_detailpage&v=miw5UIzmxZ8 http://www.youtube.com/watch?feature= player_detailpage&v=YCeWuNB6C5U http://www.youtube.com/watch?feature= player_detailpage&v=8eZxvbxwzz4 ======================= من يدافع عن نظام الأسد..
الحقيقة في أوضح صورها!! احمد النعيمي يصرعنا نظام الأسد في كل حين بأن بلاده
تتعرض لمؤامرة غربية أمريكية
يهودية، حركت الشارع السوري
لإسقاط دول المقاومة والممانعة
التي لم تقدم شيئاً لهذه
الدعوى، إلا تقتيل أبناء الشعب
السوري والعراقي واللبناني
والأحوازي والبلوشي والكردي في
إيران، وذلك على مدى أيام ثورة
الشعب المباركة، ولكن الحقائق
على أرض الواقع كانت تكشف كذب
ادعاء النظام الأسدي، وأن
الجميع يسعى لبقائه ويفسح له
الاستمرار في الذبح والقتل، وهو
لسان الجميع من نجاد إلى حسن نصر
الله إلى المالكي إلى روسيا
والصين وأمريكا والغرب وحتى
اليهودي "عاموس جلعاد"
رئيس الهيئة الأمنية والسياسية
بوزارة الدفاع الصهيونية فجرها
دوية بأن سقوط الأسد سيمثل
كارثة على اليهود، ومؤكدا بأن
وجود هذا النظام مصلحة عليا
وزواله يعني نهاية دولتهم. وحتى حين ذهب الملف السوري إلى الجامعة
العربية كان النظام الأسدي
وأذنابه يوجهون التهم جزافا إلى
الدول العربية بالخيانة
والعمالة، حتى وإن خرجت الجامعة
بقرار تافه يفرض عقوبات
اقتصادية وحظر للسفر دون أي
تفكير بالدماء النازفة في
الداخل السوري، ولم يرتقوا فيه
كحكام كان يتوقع منهم أن يصبحوا
في سالف وقتهم أصحاب تحمل
مسئولية لا سفهاء كعادتهم،
وخيبوا نداء الشعب السوري لهم،
فكانوا سفهاء فقط ولن يكونوا
مهيئين لأن يكونوا أمثال
المعتصم، كما قال لهم الأمير
سعود الفيصل: " لماذا لا نرتقي
كعرب ولو مرة واحدة إلى مستوى
المسؤولية باتخاذ قرارات واضحة
وحاسمة تقنع شعوبنا، كما تقنع
العالم، بأننا قادرون على حسم
أزماتنا بأنفسنا، ونحن لا نريد
لسوريا إلا ما فيه خيرها
ومصلحتها، لا نريد سوى حقن
الدماء، ووأد الفتنة في مهدها
قبل أن يستفحل خطرها، ويمتد
شررها، وليس لدينا وقت لنضيعه،
بل علينا أن نسرق الوقت
ونسابقه، فأشقاؤنا يستصرخون
ويستنجدون بنا، ودماؤهم تنزف كل
يوم، وعائلاتهم تتشرد وهم في
ذمتنا جميعا، فأين نحن من
المعتصم؟". وهذا كله كان متوقعاً من حكام سفهاء
ملكناهم زمام أمورنا، ووضعنا
الأموال بأيديهم التي جعلها
الله لنا قياماً، فخانوا
الأمانة وما رعوها حق رعايتها،
ولكن الأمر الذي كان ظاهراً أن
هذا النظام الأسدي ليس صهيونياً
فقط، وإنما وضح انه أمريكي
بامتياز، وأن خون ووزع التهم
جزافاً، والدولة الوحيدة التي
رفضت التصويت على هذه العقوبات،
هي الحكومة العراقية التي ولدت
من رحم الاحتلالين الأمريكي
والإيراني للعراق عام 2003م، دون
اعتبار لبنان دولة لأنها في
حقيقتها ولاية أسدية، وبهذه
الحقائق الجلية والواضحة والتي
لا لبس فيها، يتضح جلياً بان أمن
الأسد – الصهيوني الأمريكي –
من أمن الغرب والصهاينة وإيران،
ومسالة بقائه خط أحمر لهم
جميعاً. ======================== الجيش الحر: “نافذة
الأمل” وخط الثورة الأحمر مجاهد مأمون ديرانية أعترف ابتداءً بأني أقحمت هذه المقالة في
سياق “مقالات الحرب” بلا سابق
تخطيط، فقد كنت منهمكاً بكتابة
مقالة عن “المناطق الآمنة”
حينما قرأت خبراً موجزاً يقول
إن بعض رموز المعارضة -من المجلس
الوطني ومن هيئة التنسيق- طلبوا
من وزير الخارجية البريطاني أن
يضغط على الأتراك من أجل وقف
عمليات الجيش السوري الحر.
فتركت ما كنت فيه وقررت كتابة
هذه الكلمات. تلاحظون أني لم أذكر أي اسم لسببين،
أولهما أني لم أتوثق من صحة
الخبر ولم أسمعه ممّن نُقل عنهم
مباشرة، ومن ثم فإنني أفترض أنه
خبر يحتمل النفي كما يحتمل
الإثبات، وثانيهما أن تعليقي هو
على الموضوع بغض النظر عمّن
يرتبط به من أشخاص وأسماء. إذا صحّ هذا الخبر فإنه جريمة في حق
الثورة لأنه يحرمها من أهم أداة
امتلكتها حتى الآن بفضل الله،
وباختصار وبكلمات قليلة أقول:
إن الجيش الحر هو الخط الأحمر
الذي لن تقبل الثورة أن يقترب
منه أحد، وإنه الكيان الذي لن
يفرّط فيه الثوّار ولن يتخلّوا
عنه بإذن الله، لأنه أهم ما
يملكونه وأعظم ثمرات جهادهم
السلمي حتى اليوم. إن جيشنا الحر هو أقوى ضمان لعدم عسكرة
الثورة، وهو أقوى ضمان لعدم سحق
الثورة أو توقفها، وهو أهم ضمان
لعدم السقوط في هاوية الحرب
الأهلية، وأهم ضمان ضد التدخل
الأجنبي، وهو الأمل الأخير -بعد
الله وقَدَر الله وقدرة الله-
لانتصار الثورة لو أخفقت كل
الضغوط الشعبية السلمية في
إسقاط النظام. هذا هو الموجز،
فمن اكتفى به فلا يقرأَنّ ما بقي
من المقالة، ومن أحب التفصيل
فها هي التفاصيل: * * * أنا من أشد المدافعين عن سلمية ثورتنا
العظيمة كما تعلمون، وقد بذلت
كل ما أملك من جهد وطاقة خلال
الشهور الماضية للتحذير من
عسكرة الثورة، ولكني إنسان أملك
بين أضلعي قلباً يحس ويتألم، بل
أزيدكم أنني أكثر حساسية من
أمثالي من الرجال وأنني يمكن أن
أبكي من قراءة قصة خيالية
محزنة، فما بالكم بالقصص
الحقيقية التي أقرأ تفصيلاتها
وأشاهد صورها كل يوم؟ هل تدركون
أيَّ جهد كنت أبذله لأقنع نفسي
وأحاول إقناع غيري بأنْ لا نخرج
إلى الشوارع بما تيسر من سلاح،
بل حتى بسكاكين المطابخ، لنحوّل
الثورة السلمية إلى ثورة مسلحة؟
لكني كنت أتصور أي ثمن فادح
سيدفعه شعبنا الأعزل فألجم نفسي
وأردّ قلمي إلى جرابه، وأعود
فأكرر المعزوفة التي مَلّها مني
الناس: لا تسلّحوا الثورة (أي لا
تجعلوا السلاح هو أداة التغيير
بدلاً من الضغط السلمي)، لا
تحملوا السلاح إلا دفاعاً عن
النفس، لا تستعملوا السلاح -دفاعاً
عن النفس- إلا إذا غلب على ظنكم
أن استعماله أقل ضرراً من عدم
استعماله. حتى لقد التقط أحد الإخوة المتحمسين -عفا
الله عنه- الجملة الأخيرة وأسّس
عليها مقالة سخر فيها مني ومن “المفاضلة
بين الأضرار واختيار أخف
الضررين عند الدفاع عن النفس
بالسلاح” ونشرها في الإنترنت
طولاً وعرضاً، ثم دارت الأيام
وأعلن الجيش الحر (وهو الجهة
التي تحمل السلاح وتحترف القتال)
أعلن هذا المبدأ مرتين، حينما
انسحب من الرستن أولاً ثم من
بابا عمرو ثانياً، ولم ينسحب
جبناً ولا خوفاً من الموت، فإن
أبطال الجيش باعوا لله أنفسَهم
وتحولوا إلى مشاريع شهداء من
يوم انشقوا على جيش الاحتلال
الأسدي، أرجو الله أن يصوّب
نيّاتهم ويثبت قلوبهم ويسدّد
رميهم. لا، إنهم لم ينسحبوا في
المرتين جبناً أو ضناً بأنفسهم،
بل انسحبوا لتجنيب المدنيين
القتل والدمار ولإنقاذهم من
خسائر كبيرة كانوا سيصابون بها
لو بقيت كتائب الجيش الحر في
المدينة تدافع عنهم، فآثروا
الانسحاب على قاعدة اختيار أخف
الضررين، وأعلنوا ذلك في
بياناتهم المصورة التي برروا
فيها سبب الانسحابَين، بارك
فيهم الله. حسناً، لقد ثابرت على الدعوة إلى السلمية
وقلبي ينزف ألماً مما أشاهده من
قتل واستباحة وتنكيل وتعذيب،
وكنت أدعو وآمُل أن ينجح الضغط
السلمي أخيراً في إنهاك النظام
وتفتيته، ولكن الشهور مضت
والناس يعانون والنظام يقاوم،
وأصدقكم القول إني كدت أستسلم
وأسلّم بأن السلمية لن تحقق
شيئاً في مئة سنة! ثم شاء الله أن
يأتي بالحل من حيث لم نحتسب، من
الجيش الذي هو أقوى أجهزة
الدولة، لا من مؤسسات الدولة
المدنية الأضعف التي توقعنا
تفتّتَها وانهيارها أولاً. حينما كتبت عن الجيش منذ ستة أشهر ونيّف -بعد
الحملة على درعا- بلغ أقصى
تفاؤلي أني توقعت تمرد بعض
وحدات الجيش بسبب ما يشاهده
جنودنا الأحرار من بطش الأجهزة
الأمنية وظلمها وعدوانها على
المدنيين، وقلت: لعل حوادث
التمرد الفردية أولاً ثم حوادث
الانشقاق الجماعية تدفع النظام
إلى الخوف من بقاء الجيش في خط
المواجهة الأول فيسحبه ويعيده
إلى ثكناته، وبذلك يخف الضغط
على المدن التي لن تكفي أعدادُ
مجرمي عصابات الأمن لاحتلالها،
فتعود إلى التظاهر والضغط على
النظام. في الحقيقة لم يخطر
ببالي أن يُخرج الله من الجيش
الأسدي جيشاً حراً يحمل سلاحه
وينظم صفوفه للدفاع عن الثورة
وعن الشعب الأعزل. وما ضرّ أن
يخطر ببالي أو لا يخطر؟ المهم أن
هذا الجيش جاء هبةً من الله،
ومنذ تشكلت كتائبه الأولى طرت
به فرحاً ورأيته نافذة الأمل في
جدار الجمود المحبط، واعتبرتُ
أن دعمه من أوجب الواجبات وأن
مهامّه من أهم المهمات؛ فأما
دعمه فمطلوبٌ من كل من يستطيع
الدعم، جماهيرياً ونفسياً برفع
اسمه والترحيب به في المظاهرات،
وعملياً بتأمين المأوى والفرار
الآمن للجنود المنشقين،
وبالمال إن لزم المال، واجباً
على من يملك المال في الداخل أو
في الخارج. هذه واجباتنا تجاه الجيش الحر وجنوده
الأبطال، وغيرها مما يمكن أن
يطلبوه منا مما يحتاجون إليه
ونستطيع تقديمه. أما واجبه تجاه
الثورة فهو حمايتها والدفاع عن
جمهورها الأعزل، فما دام
الجمهور رفض أن يحمل السلاح،
وما دامت حماية الشعب من أخصّ
خصوصيات الجيش، وما دام هذا
الجيش الحر هو جيشنا الوطني لا
جيش لنا سواه (بعدما استولت
عصابة الأسد على جيش البلاد
الأصلي) فلم يبقَ بدٌّ من أن
يقوم الجيش الحر بحماية البلاد
والعباد، بحماية المظاهرات
والدفاع عن الأحياء السكنية،
وباستهداف مواقع العدو ومراكزه
الأمنية، وبملاحقة وقتل مجرمي
الشبيحة والمخابرات الذين
يقتلون الأبرياء. * * * عندما يقوم الجيش الحر بهذه الواجبات
فإنه يحول دون عسكرة الثورة،
ويحميها من التصفية والفناء،
ويحمي البلاد من الحرب الأهلية،
ويغلق الباب أمام التدخل
العسكري الأجنبي المباشر،
ويقود الثورة إلى النصر بإذن
الله. قد تقولون: وكيف يصنع ذلك
كله؟ وهذا هو الجواب (وسامحوني
على الإطالة): (1) الجيش الحر ضمان ضد عسكرة الثورة الضغط الفظيع على المدنيين العزّل من
شأنه أن يوصلهم إلى الانفجار،
فإلى كم يمكن أن يصبر الناس على
الاعتقال والتعذيب والقتل
والخطف والاغتصاب والنهب
والتخريب ولا يحملون السلاح
ويبدؤون باستهداف مراكز ورموز
النظام بدلاً من الاقتصار على
المظاهرات السلمية؟ أنا لو كنت
محلهم إلى كم أصبر؟ إني لأعلم أن
التسليح سيزيد المعاناة والقتل
والتضحيات، لكن من المؤكد أن
للصبر حدوداً وأن دفع العاطفة
قد يكون أقوى من لجم العقل، ومن
ثَمّ فلا بد أن أتخلى عن هداية
العقل ذات يوم وأحمل سلاحي
وأندفع به قاتلاً أو مقتولاً
وليكن ما يكون. لكن هذه المشاعر
الفوّارة ستسكن وستهدأ الخواطر
عندما يبدأ جيشٌ حقيقي بالدفاع
عن المدنيين العزّل من ضحايا
إجرام عصابات الأسد. إنه جيش
وطني مخلص محترف، قد يكون
صغيراً قليلاً ولكنه في كل يوم
إلى زيادة وقوة بحمد الله،
ولعله يفتح باب التطوع إذا سمحت
الظروف عما قريب فيلتحق به كل من
بلغت به الحماسة أن يحمل
السلاح، وفي الحالتين فإنه
صِمام أمان من عسكرة الثورة
ذاتها: (أ) إما باستيعاب
الراغبين بالانتقال من الجهاد
السلمي إلى الجهاد العسكري،
وكلاهما بابا جهاد مبارك مشروع
بإذن الله، (ب) وإما بتنفيس غيظ
المكلومين وتهدئة خواطرهم بحيث
يحكّمون المصلحة ويتخلّون عن
الاندفاع إلى تسليح الثورة. الخبر الجيد هو أن الجيش الحر يؤكد هذا
الاتجاه عملياً، فقد أعلن قادته
وضباطه الكبار مراراً رفضهم
عسكرةَ الثورة وتعهدهم بالدفاع
عنها وعن المدنيين العزّل، وآخر
ما سمعته منهم بهذا الخصوص كان
بعبارات واضحة لا تحتمل اللبس
على لسان قائد الجيش الحر
العقيد رياض الأسعد في لقائه مع
قناة الجزيرة قبل يومين.
وبدَوري فإنني أشكر ضباط وجنود
جيشنا الحر الأبيّ الكريم على
الأمرين؛ على إصرارهم على عدم
عسكرة الثورة ومقاومتهم لهذا
الاتجاه أولاً، وثانياً على ما
يبذلونه من جهد كبير ما يزال
يتزايد يوماً بعد يوم في حماية
المدن والمدنيين وفي استهداف
وضرب أهداف نظام الاحتلال
الأسدي من أشخاص ومنشآت، بارك
الله فيهم ووفقهم إلى المزيد. (2) الجيش الحر ضمان لبقاء الثورة
واستمرارها ربما وصل اليأس بالثوار أن يتراجعوا
ويتوقفوا مع شدة الحملة
وقسوتها، ذلك يومَ لم يقف معهم
أحد، أمَا وقد علموا أن ثمة من
يدافع عنهم وصاروا يسمعون عن
عمليات تصيب عصابات النظام
ويشاهدون ذلك بأعينهم فإن اليأس
صار أبعدَ عن قلوبهم التي أينع
فيها الأمل، وازدادوا ثباتاً
وإصراراً على الاستمرار في
ثورتهم. من تتبع صفحات الجيش
الحر (الصفحة الرئيسية والصفحات
الفرعية للكتائب) سوف تدهشه
كثرة العمليات وانتشارها
الواسع في جميع أنحاء سوريا،
حتى في دمشق وحلب. هذه العمليات
لا توفر حالياً الحمايةَ
الكاملة للثورة، بل ولا نصفَ
الحماية المطلوبة ولا ربعَها،
ولكنها لم تَنقص قط من يوم بدأت
بفضل الله، وكلما مر يوم جديد
ازدادت قوةً وتأثيراً. من أهم نتائج هذه العمليات أنها نقلت
الخوف إلى الطرف الآخر، فقد عاش
الثوار في خوف وقلق وعاش
المجرمون في أمان مطلق حتى بدأ
الجيش الحر بضربهم، فاطمأن
الثوار بعض الاطمئنان وانتقل
قلقهم وخوفهم إلى مجرمي الشبيحة
والمخابرات الذين يزيد خوفهم
وقلقهم في كل يوم بحمد الله،
وهذه من أعظم ثمرات عمليات
الجيش الحر، وقد ساعدت على
ترويع المجرمين ولجمهم وتخفيف
شرّهم، فحتى لو لم يتوقف
المجرمون النظاميون (عناصر
المخابرات) عن المشاركة في
الحرب ضد الشعب فإن المجرمين
المتطوعين (من الشبيحة ) بدؤوا
ينسحبون من الحرب حينما وجدوا
أن الكلفة أعلى من العائدات،
وقد بدأت تتكدس ثلاجات
المستشفيات الحكومية والعسكرية
بمئات من جثث أولئك القَتَلة
دون أن يجرؤ النظام على إعلان
قتلهم وتسليمهم إلى أهاليهم،
وفي بعض الحالات قيل إن ضباط
التجنيد الذين يجوبون القرى
العلوية لتجنيد متطوعين جدد قد
قوبلوا بعنف وطُردوا طرداً
مُهيناً من بعض القرى بسبب
استفحال القتل في شبان القرية
الذين سبق تجنيدهم. (3) الجيش الحر ضمان ضد الحرب الأهلية اسمحوا لي أولاً أن أعلق على ما رددته
جهات عدة مؤخراً عن خطر الحرب
الأهلية في سوريا، بما فيها
أصوات من داخل المجلس الوطني.
اطمئنوا يا أيها السادة، بإذن
الله لن تنزلق سوريا اليوم في
هاوية الحرب الأهلية بعدما صمدت
دونها مئتَي يوم. نعم، النظام
تمنّى وحاول وبذل غاية الجهد
لدفع البلاد إلى الحرب الأهلية،
ولكنه فشل حتى اليوم فشلاً
ذريعاً وسوف يستمر فشله بإذن
الله. لكن دعونا نعرّف المصطلح:
هل الحرب التي توشك أن تبدأ بين
جيش سوريا الحر وجيش الاحتلال
الأسدي هي حرب أهلية؟ بتعريفي
الخاص ليست كذلك، بل هي حرب
تحرير. ربما عدت إلى هذا الموضوع
في مقالة لاحقة إن شاء الله، أما
الآن فيكفي أن أقول إن الحرب
الأهلية المقصودة هي الحرب بين
فئات أهلية بينها نوع من
التناقض، مناطق أو قبائل أو
طوائف، وليس بين جيش احتلال
وجيش حماية وتحرير. في حالة وجود قوة واحدة، وهي قوة النظام،
فإن تجييش مجموعات طائشة وحاقدة
من الطائفة ودفعها إلى مهاجمة
السنّة في مدنهم وقراهم لن يكون
أمراً صعباً، أو أنه ليس
مستبعَداً على الأقل، لكن هذه
المهمة ستصبح صعبة جداً مع وجود
قوة حماية نظامية من شأنها أن
تتصدى للعصابات الطائفية وتقضي
عليها، وسوف تُحبط -بذلك- مخططات
النظام الخبيثة للدفع إلى الحرب
الأهلية الطائفية. (4) الجيش الحر ضمان ضد التدخل الأجنبي لم نعرف بعد تفصيلات الحملة المتوقعة على
سوريا لإسقاط نظام الأسد
المجرم، لكن يبدو أن الحظر
الجوي والمنطقة الآمنة
والضربات الجوية ستكون من
مرتكزات الحملة الرئيسية، بغضّ
النظر عن تفصيلاتها وطرق
تنفيذها التي سأناقشها في
مقالات لاحقة بإذن الله. مهما
يكن الأمر فإن الحرب لا يمكن
حسمها إلا على الأرض، هذه
قاعدةٌ يعرفها كل العسكريين
والأكاديميين، ولم يعرف
التاريخ العسكري قط نصراً تحقق
من الجو فقط. الحرب تحتاج إذن
إلى قوات برية تقاتل على الأرض،
فتخيلوا ماذا كان البديل لولا
وجود الجيش الحر؟ إما التدخل
البري بقوات أجنبية غربية (وهذا
خيار مرفوض قطعاً)، أو بقوات
برية عربية أو تركية (وهذا
الخيار لا اعتراضَ عليه من حيث
المبدأ، لكنه ليس خياراً
مفضَّلاً وليس وارداً أصلاً في
الظروف الراهنة)، أو سيكون
البديل هو أسوأ الخيارات: تسليح
الثورة ونشوء عشرات الجماعات
المسلحة في مناطق سوريا
المختلفة. وقد ناقشت سلبيات
ومخاطر هذا الاتجاه في مقالات
سابقة فلا حاجة لتكرار القول
فيه. (5) أخيراً فإن الجيش الحر سوف يقود
الثورةَ إلى النصر -بإذن الله-
لأنه هو حجر الأساس في الحملة
الدولية التي يجري ترتيبها
لإسقاط النظام، وهذا موضوع
مقالة قادمة مفصلة إن شاء الله. ======================= شيء من الذاكرة...شيء من
واقع الحال عريب الرنتاوي لم يكن قد تولى السلطة بعد، لقد كان قاب
قوسين أو أدنى منها، عندما زار
الملك عبد الله الثاني دمشق،
لأول مرة منذ توليه مقاليد
العرش في الأردن، وكان الرئيس
السوري الراحل حافظ الأسد، يهيء
نجله الثاني، الدكتور بشار
الأسد، لوراثته على عرش سوريا. أذكر تماماً وقائع تلك الزيارة
وتفاصيلها، إذ كنت وعددٍ من
الكتاب، بمعية جلالته...أذكر
اللقاء المطوّل الذي أجراه
جلالته مع الرئيس السوري الراحل
وانتظاراتنا بفارغ الصبر في
ردهات قصر الشعب، وأذكر الجولة
الميدانية الراجلة التي قام بها
الملك وصحبه في شوارع الحميدية
والمسجد الحسيني وضريح صلاح
الدين، وأذكر "البوظة
الشامية" التي تناولناها
بمعية جلالته في "بكداش"
وحفاوة الاستقبال العفوي من قبل
ألوف السوريين، الذين لم تصدق
أعينهم أن زعيماً عربياً يجول
راجلاً أمام محلاتهم ومتاجرهم،
وفي الأزقة الضيقة لدمشق
القديمة. يومها علمنا أن نجل الرئيس السوري،
الدكتور بشار، اختلى بالملك
لساعات طوال...اصطحبه منفرداً
إلى أحد المطاعم، وتناولا طعام
العشاء، وقضيا أوقاتاً مهمة على
ما أعتقد، رجل لرجل...يومها وصف
ذاك اللقاء ب"التأسيسي"
لعلاقة شخصية وعملية بين
الرجلين والبلدين، يومها كان
التفاؤل في مستقبل أفضل للعلاقة
الأردنية – السورية هو سيد
الموقف. في طريق العودة إلى عمان، حرص الملك على
إطلاعنا على "انطباعاته"
عن زيارة دمشق الهامة
والتاريخية، كان الملك في ذروة
التفاؤل بمستقبل العلاقات،
ولقد استفاض في حديث إيجابي عن
بشار الأسد، الشاب الواعد، الذي
يحمل أجندة إصلاحية، يومها قال
الملك أن الزيارة أسست لعلاقات
شخصية نامية مع من سصيبح قريباً
رئيساً لسوريا، وأنهما، الملك
وبشار،اتفقنا على استمرار
التشاور والتنسيق بعيداً عن
هياكل البيروقراطية بين
الجانبين. تولى الأسد السلطة في ظروف خاصة، وحمل في
بياناته الأولى "وعد الإصلاح"...ونقل
وعده هذا إلى لبنان، حيث استبشر
اللبنانيون خيراً في "مرافعاته"
ضد الأخطاء والخطايا التي
قارفها "الوجود السوري" في
لبنان...وبدأت البلاد تنفتح على
الانترنت بعد أن كان "الفاكس"
تهديداً لأمن الدولة...وتمتعت
الليرة السورية بسعر صرف مستقر،
بعد أن كان لها ثلاثة أسعار (سياحي
وموازي وسوق سوداء)...ورأينا
الصراف الآلي في عشرات البنوك
السورية والعربية التي انتشرت
في دمشق، بعد أن كان "المصرف
التجاري السوري" يعمل على
طريقة "أرشيف المحاكم"
الذي يمكن أن يسمى أي شيء سوى
أنه "أرشيف". وتحت شعار "المقاومة والممانعة"
اكتسب النظام شعبية واسعة، غطت
على أزمة انسحابه "المُذل"
من لبنان إثر اغتيال رفيق
الحريري، وجاءت حرب تموز وصعود
حماس وهزيمة واشنطن في العراق،
لتصب القمح صافياً في طاحونة
الأسد الأبن، وخرجت سوريا من
"شرنقة" العزلة والعقوبات
الدولية، وبدا أن النظام أخذ
يشق طريقاً واثقاً في رمال
المنطقة المتحركة...حتى أنه بات
النظام العربي الرسمي الوحيد،
الذي يحظى ببعض التأييد الشعبي،
داخل حدوده وخارجها، بدلالة
الانقسام الذي يعانيه الرأي
العام العربي حيال الأزمة
السورية الراهنة. لكن كل هذه "الأوراق"، احترقت دفعة
واحدة مع انتقال شرارة الربيع
العربي إلى سوريا...خسر النظام
كل ما كان يمكن أن يعد "مكتسبات"...خسر
حلفائه الأقربين على الساحتين
العربية والإقليمية...خسر بعض
حلفائه الدوليين الذين أخذوا
على عاتقهم مهمة "تسويقه"
دولياً...خسر كثيراً من التعاطف
الداخلي...والأهم أنه خسر دوائر
واسعة من مؤيدي "خط الممانعة
والمقاومة" الذي بدا أنه يحقق
انجازات ملموسة على حساب "معسكر
الاعتدال العربي"، حتى قبل أن
يفقد هذا المعسكر أحد أبرز
أركانه: نظام حسني مبارك بسنوات
ثلاث أو أربع. لقد أضاع الأسد الفرصة تلو الأخرى...لقد
راهن على الحل الأمني، فإن فشل،
فالحل العسكري...لقد اعتمد نظرية
غريبة عن عالم اليوم: ما لا يُحل
بالقوة، يُحل بالمزيد منها...وها
هو يستخدم القوة المفرطة، ويبشر
بقرب انتهاء الأزمة، أو حتى
انتهائها، وعندما تنتصب "الوقائع
العنيدة" في وجه هذه القراءة
الغريبة للأحداث في سوريا، نراه
يبدأ صفحة جديدة من "التبشير
الممل". لقد أضاع الرجل فرصة تاريخية لأن يكون
زعيماً وديمقراطياً...لقد بدد
فرصة الظفر بالشرعية الشعبية
بعد أن جاء إلى كرسي الرئاسة على
ظهر "التوريث"...لقد قرر
الالتحاق بركب القذافي، بعد أن
فوّت على نفسه قطار مبارك وبن
علي، بل وحتى قطار علي عبد الله
صالح...فهل من عدو للنظام السوري
أكثر من النظام نفسه؟!. ==================== د.هشام الشامي مروة الغميان أو الحرة الدمشقية ( كما سمت
نفسها على الفيس بوك ) من من أحرار سوريا لا يعرف هذا الاسم
العلم ؟؟ إنها أول متظاهرة ظهرت متوشحة بعلم الوطن
في سوق الحميدية وسط دمشق في 15
آذار 2011 يوم انطلاق ثورة
الكرامة في سوريا و هي تهتف حرية
00حرية ، فتهافت عليها عصابات
الأسد الأمنية من كل حدب و صوب
لاعتقالها ، فلم تلين و لم تخف
بل استمرت في هتافها و هي تشتمهم
و تحتقرهم بكل عزة و كبرياء 00 15 آذار ذلك اليوم التاريخي المجيد الذي
أصبح علامة فارقة في تاريخ
سوريا الحديث هو و من صنعه من
نساء و رجالات سوريا الأحرار كلما شاهدتُ فيديو تلك المظاهرة الشرارة
أشعر بالفخر و الاعتزاز أنه في
سوريا بعد أكثر من أربعة عقود من
حكم الأسود المشين و الذين ظنوا
أنهم حولوها لمملكة الخوف و
الرعب و الصمت وإذا بهؤلاء
الشباب و الصبايا قد فرضوا
رأياً آخراً لم تحسب حسابه كل
فروع الأمن المتغولة على
المجتمع السوري بحكم القانون
الأسدي الذي جعل عناصر
المخابرات فوق المساءلة و أهم
من القانون و صرفت لهم كل الهبات
و العطايا و أعطوا كل الصلاحيات
، لكن كل هذا القهر و الكبت و
الإرهاب الأسدي البغيض لم يقتل
عند السوريين الأحرار روح الأمل
و لا عنفوان العزيمة و لا بريق
الحرية و لا عبير الياسمين
الشامي الأصيل و أقرأ في عنفوان و جرأة مروة العزيمة و
الإصرار و التحدي و الشموخ و
الإباء و كل المعاني العظيمة
التي اتصفت بها المرأة السورية
على مدى الأيام و العصور و عندما قرأت ما كتبته هي نفسها عن حماسها
و انتظارها ليوم الثورة و عما
حدث معها قبل و بعد الاعتقال
اغرورقت عيناي بالدموع و شعرت
أنني قرأت قصتها بتفاصيلها
الدقيقة حتى قبل أن تكتبها ،
قرأتها في وقفتها ، و في عزتها و
في جرأتها و تحديها لا أريد أن أتكلم أكثر عن تلك المهرة
الشامية الأصيلة الآن , لكنني
أدعو كل شبابنا و فتياتنا و كل
أحرار سوريا بل كل الذين ما
زالوا خائفين و مترددين أن
يقرؤوا بأنفسهم ما كتبه هي عن
تجربتها ، ليعرفوا أن هذه
الثورة المباركة قد تفجرت من
عزيمة هؤلاء الشباب الأبطال و
ليست مؤامرة كونية !!! كما يريد
أن يوهمنا بها أبواق النظام و
أزلامه و أريد هنا ان أقف عند خبر إعلان انسحابها
من هيئة التنسيق الوطنية
للتغيير الديمقراطي، حيث أوضحت
مروة في بيانها أنها أمرت من قبل
الأمن أن تنتسب لهيئة التنسيق
هذه بل و أن تقرأ بيان اجتماعها
الختامي وذلك مقابل الإفراج
عنها فما دلالات هذا الخبر 1- لا يخفى على أي سوري طبيعة هذا النظام
الأمني الأسدي و أساليبه
الخبيثة و الماكرة و المخادعة
التي تحاول أن تغطي عورة هذا
النظام القبيحة عن العالم ،
فهذا النظام هو الذي اخترع فيما
مضى أكذوبة الجبهة التقدمية
ليقدمها أنها معارضة تشاركه
الحكم و الكل يعرف أن هذه الجبهة
لا تحل و لا تربط من أمر الحكم
شيئا ، و اليوم وبعد انطلاق ثورة
الكرامة يريد النظام القفز إلى
الأمام و مسابقة الأحداث
السريعة في اختراع معارضة على
مقاسه الجديد و تلائم اامناخ
الجديد الذي خلقته الثورة على
أرض الواقع ، و ذلك قبل أن تفرض
عليه معارضة وطنية شريفة لا قبل
له بها 2- نحن نعلم أن
الكثير من الأخوة في هيئة
التنسيق الوطنية هم من أبعد
الناس عن الشبهة و لا يستطيع أحد
أن يشكك في وطنيتهم و تاريخهم و
نضالاتهم ، فالأستاذ ميشيل كيلو
و الأكاديمي عارف دليلة و
الأساتذة حسن عبد العظيم و محمد
منجونة و عبد العزيز الخير و
حسين عودات و حازم نهار و غيرهم
و غيرهم ، أمضوا أعمارهم (
الطويلة ) في المعارضة ، و هم
أدرى الناس بأساليب النظام
الأمني الأسدي ، و قدرته على
اختراق التنظيمات ، و إغراءته و
تهدبداته ، و خصوصاً أن أكثرهم
دخل سجون الأسد – و ما أدراكما
سجون الأسد – و عانى من هذا
النظام ما عانى 3- نحن لا نبرأ المعارضة الخارجية و المجلس
الوطني السوري بالذات من قدرة
النظام الأمني على اختراقهم و
إن كان ذلك أصعب بسبب وجودهم في
الخارج ، و هذا الاختراق يثقل
كاهل المعارضة سواء الخارجية أو
الداخلية و يحتّم عليهم أخذ
الحذر الشديد و الحيطة من حدوث
مثل هذا الاختراق و خطره 4- الشعب السوري و الثوار على الأرض قادرون
بعفويتهم و حدثهم و خبرتهم أن
يميزوا الغث من السمين ، و الصح
من الخطأ ، و المتظاهرون ليسوا
غوغاء و لا جهلة ، فهم من يدفعون
الثمن من دمائهم و عذاباتهم ، و
شعبنا الواعي سيفضح الخونة
المندسين ، و سيدعم من يدافع عن
مطالبهم المشروعة في نيل حريتهم
من هذا النظام المجرم القاتل 5- المتظاهرون و الثوار على الأرض سيسقطون
كل من يفتت المعارضة و يسعى إلى
بث الفتنة و الانقسام و التخاذل
، و سيدعمون كل خطوة تدعم وحدة
المعارضة التي تمثلهم بمواقفها
و تحركاتها ، و هذا ما ظهر
واضحاً في لافتاتهم و شعاراتهم
و تسمية أيامهم و جمعهم 6- أما عن اختيار البطلة الماجدة مروة
الغميان لقراءة النيان الختامي
لهيئة التنسيق ، فلا يخفى على
أحد أنه محاولة من النظام
الأمني لإعطاء شرعية لهذه
الهيئة ، لأن النظام قبل غيره
يعرف أن الشرعية هي من الثوار
على الأرض ، و أي شرعية لا ثورية
لا معنى لها 0 و إلا فما معنى
الطلب من شابة في مقتبل العمر أن
تقرأ البيان الختامي و الهيئة
مليئة بالشيوخ الستينيين و
السبعينيين بل و الثمانيين
المخضرمين 0 و لكن مروة ببراءتها
و خبرتها القليلة فشًلت و أحبطت
هذه المؤامرة ، فهل يستطيع
المخضرمون تفشيل النظام الأمني
في دق أسفين التفرقة و التشرذم
بين أطياف المعارضة و حرفهم عن
هدفهم العظيم في إسقاط هذا
النظام اللا شرعي هذا ما نأمله مركز الدراسات الإستراتيجية
لدعم الثورة السورية ======================== المسيحيون وقضية الحرية
بين الكهنوت والناسوت جورج صبرة * السؤال الذي يطرحه الشارع السياسي
والثقافي العربي ، ويحمل قدراً
كبيراً من الدهشة والمرارة عن
موقف المسيحيين العرب من
الثورات التي تجري في بلدانهم
بإطار الربيع العربي كلام حق
يراد به حق أعظم .فانتفاضة
الشعوب العربية من أجل الكرامة
والحرية في وقائعها ومآلاتها
اللاحقة ، تعلن افتتاح زمن جديد
من تاريخ المنطقة وربما العالم
طال انتظاره ، وزادت حاجة
الشعوب إليه لدخول العصر ، عصر
الديمقراطية والحداثة والتنمية
. ومن الطبيعي أن يثير ارتباك
المسيحيين في مواجهة هذا الحدث
الكبير – الذي يهز المنطقة ،
ويضع نفسه بجدارة واستحقاق على
طاولة مراكز البحث العلمية
وأصحاب القرارات الدولية –
تساؤلات مشروعة وحوارات مطلوبة
لاستجلاء أسباب تردد المسيحيين
بالانخراط في ثورات بلدانهم أو
التعاطي الخجول مع مجرياتها ،
وهم مكوِّن أصيل في البنية
التاريخية والاجتماعية
والروحية في المشرق العربي ،
طالما كانت ثقافة الحرية
والديمقراطية والحداثة من أولى
أهدافهم وعلى رأس ثوابتهم
الوجودية . موقف الكنيسة كما عبَّر عنه أساقفتها
الكبار وأصحاب الغبطة من
البطاركة أعلن انحيازاً غير
مبرر للنظم الديكتاتورية ، أو
في أفضل الأحوال تعويماً لسلطات
القمع والاستبداد والفساد ،
التي أنتجت خراباً في مختلف
المجالات ، كان المسيحيون من
أول ضحاياه . أما مافعله بعض
المطارنة ورجال الكهنوت
الآخرين في دعم النظم المنهارة
، عبر الاشتراك في مسيرات
تأييدها أو التصريحات التي
أطلقت لمباركة أقوالها
وأفعالها ، فقد كان أعمق أثراً
وأشد إيلاماً على نفس الشباب
الثائر عموماً وعلى رعية
الكنيسة على وجه الخصوص ، مثلما
جاء غريباً عن روح الرسالة
المسيحية الإنسانية والكونية ،
وخارجاً عن السياق الواقعي
المشهود الذي جرت عليه الكنيسة
المشرقية في تاريخها الطويل من
الاندماج مع شعبها وقضاياه . أما
موقف العلمانيين ( العلماني
بالمفهوم الكنسي هو ابن الشعب
من غير أعضاء الإكليروس ) فقد
اتسم بالحيرة والتردد بين نزوع
طبيعي ومصلحة واضحة في مشاركة
أبناء الوطن بأهدافهم
وتحركاتهم ، وبين موقف انتظاري
اعتمدته الكنيسة وعبر عنه سلوك
رجالاتها ، يكبح توجهات كهذه ،
ويثير المخاوف من نتائجها . وهو
موقف غير مفهوم مسيحياً ولا
وطنياً ولا إنسانياً . فسادت
الاستنسابية في المواقف
والتصرفات . ففي حين اضطلعت
النخب الثقافية والسياسية
المعارضة وقطاع من الشباب بدور
فعّال في جميع نشاطات الثورة
وفعالياتها ، مشاركة أبناء
شعبها شرف الانتفاض والثورة ،
وقامت قطاعات شعبية أخرى بنثر
الورود والأرز على المتظاهرين
ودق أجراس الكنائس أثناء مرور
مواكب تشييع الشهداء ، اكتفى
آخرون بالقيام بواجب التعزية
فقط .بينما جاء السلوك الأسوأ من
أولئك الذين اتخذوا مواقف
معادية من الثورة ومن أبناء
الكنيسة الآخرين الذين انحازوا
إليها ووقفوا إلى جانب أبناء
شعبهم في صفوفها . كانت مواقف
هؤلاء وسلوكهم أكثر إيلاماً
وأشد انحطاطاً وتردياً من سلوك
رجال السلطة وجلاوزتها . وقام
البعض منهمبسلوك عدائي ورخيص
عندما تصرفوا كرديف لأجهزة
القمع ، يزيفون الحقائق ،
وينشرون الدعايات الكاذبة ،
ويقدمون التقارير ويقومون
بالافتراء والإدلاء بشهادات
كاذبة والدلالة على المتظاهرين
والمطلوبين والمساعدة في
ملاحقتهم والقبض عليهم ، واضعين
أنفسهم في مواجهة الشعب مثل
كثيرين غيرهم من أبناء الطوائف
الأخرى . * * * لأن موقف الكنيسة ملتبس وفي المقلب الآخر
من رؤية المسيحية لقضية الحرية
والموقف إزاءها ، ولأنه لا يتسق
مع تاريخ المسيحية الشرقية
والسيرة الوطنية لكنيستها منذ
يوحنا الذهبي الفم ، ولا يتطابق
مع جوهر وجود المسيحية في
البلاد التي ولدت فيها وانطلقت
منها ، ولا يراعي مصلحة
المسيحيين كمواطنين يشتركون مع
أبناء وطنهم في مسؤولية إدارة
الحاضر وبناء المستقبل ، فقد
استحضر هذا القدر من الاهتمام ،
واستوجب هذا القدر من الصراحة
والنقد . ليس من أجل الثورة
ومصيرها ، بقدر ما هو من أجل
المسيحيين أنفسهم واستمرار
دورهم في البناء الوطني
لبلدانهم ، وبالتالي ترسيم
حقيقة وجودهم في المنطقة كأحد
مرتكزاتها الأساسية ورافد هام
من روافد منظومتها الفكرية
والأخلاقية والقيم الروحية
التي ميزتها عبر التاريخ . لن نُذكِّر بالأسقف ديزموند توتو في جنوب
أفريقيا ، ولا بكهنة لاهوت
التحرير في أمريكا الجنوبية ،
ولا حتى بمواقف البطريرك
غوريغوريوس حداد والمطران
كبوجي والمطران جورج خضر وغيرهم
من آباء الكنيسة العربية ،
الذين أعطوا للمسيحية المشرقية
نكهتها الحقيقية ، ونثروا
عبيرها الجميل في قلوب أبناء
وطنهم من مختلف الانتماءات
الدينية والقومية والطائفية
والجهوية . لكننا نكتفي بسرد
نبذة موجزة من التاريخ الوطني
للكنيسة / الشعب ونضالها من أجل
الحرية . فمنذ نهاية القرن التاسع عشر وبداية
القرن العشرين ، حيث بدأت
النهضة العربية الحديثة ، من
يمكنه أن ينسى أسماء مثل نجيب
عازوري وبطرس البستاني
واليازجيين الأب والابن وغيرهم
من رواد النهضة والتحرر من
الاستبداد العثماني ؟ وعبد
الرحمن الكواكبي لم يكن وحيداً
في مقارعة " طبائع الاستبداد
ومصارع الاستعباد " واللجوء
إلى مصر هرباً من نظام القهر
العثماني ، فقد رافقته ثلة
معتبرة من المسيحيين العرب فيما
سمي " هجرة الشوام " إلى مصر
، كان من أبرزهم سليم وبشارة
تقلا ( مؤسسا جريدة الأهرام )
ويعقوب صروف وفؤاد الشمالي
وشبلي شميِّل وشاعر القطرين
خليل مطران وآخرون كثر من
رجالات الفكر والثقافة
والسياسة يعدون بالمئات ، قصدوا
مصر للعمل من هناك من أجل
أهدافهم وسعياً وراء الحرية
المفقودة . وبعد أن تبلور المطلب العربي في الانفصال
عن الدولة العثمانية وتشكيل
الدولة العربية المستقلة ، وصار
هدفاً شعبياً ، كان ميشيل لطف
الله وعبد الحميد الزهراوي يداً
بيد في مؤتمر باريس 1913 لوضع أسس
الدولة الوطنية الموعودة .
وعندما نكَّل جمال باشا السفاح
بأحرار سورية ، صعد إلى أعواد
المشانق في كل من بيروت ودمشق
جرجي حداد وبيترو باولي إلى
جانب رفيق رزق سلوم وعبد الوهاب
الإنكليزي ورشدي الشمعة ومحمود
المحمصاني وغيرهم من شهداء
السادس من أيار 1916 . وعندما قامت
الثورة العربية الكبرى في
الحجاز ، وامتدت شمالاً نحو
بلاد الشام ، لم يكن المسيحيون
في المدن الشامية مثل القدس
ودمشق وحلب وبيروت خارج سياق
هذه الثورة ، إنما في عداد من
مهدوا الطريق لها للوصول إلى
الديار الشامية والانتصار .
فالخلاص من الاستبداد كان
هاجسهم وابتغاء الحرية هدفهم ،
تماماً كما كان الأمر عند أبناء
شعبهم وشركائهم في الوطن .
وعندما تعرضت البلاد لغزو
الاستعمار والاحتلال الأجنبي ،
لم تكن مواقفهم من قضية الحرية
والاستقلال غير المواقف
الوطنية للشعب . فانخرطوا في
أتونها عبر جميع الوسائل
والأساليب التي اختارها الشعب .
فانتصروا حيث انتصرت مجتمعاتهم
، وانهزموا حينما تعرضت للهزائم
. وكانوا في جميع الأحوال جزءاً
من بنية المجتمع وخياراته
الكبرى . واحتلوا جميع المواقع
بين الاستشهاد والزعامة . مما
فتح أبواب المواقع الأولى على
مصراعيها أمامهم ، ورفعهم شعبهم
إلى مواقع القيادة والتأثير . من
لا يعرف هذه الأسماء ومواقعها
في حياة شعوبها ، مكرم عبيد ،
جورج حبش ، فارس الخوري ، حميد
فرنجية وغيرهم كثر من الزعامات
المسيحية التي عبرت طوائفها
وجماعاتها الضيقة نحو الفضاء
الوطني العام . وتوجت بإرادة
شعبية حرة والتفاف حولها وتمسك
بدورها ، وبادل الشعب إخلاصها
بوفاء عز نظيره بعيداً عن منطق
الأكثرية والأقلية ، بل بتجاوز
وطني وأخلاقي لجميع متوجبات ذلك
المنطق ومحدداته . وفي دولة الاستقلال الوطني وبالمرحلة
الديمقراطية تحديداً ، لعب
المسيحيون دوراً مميزاً ، جاء
استحقاقه من خلال الشراكة
الوطنية المتكافئة ، التي
وفرتها مناخات نظام الحريات
الوليد والأفكار الرحبة في
الانتظام الوطني للدولة
الجديدة ، إلى جانب نضالاتهم
وإمكاناتهم المبذولة في الحقل
العام . ولم يكن لهم – خاصة في
سورية – أي قضايا خاصة ( مطالب
أو ظلامات ) ، بل كان الشأن
الوطني العام وقضايا البلاد
والشعب هي قضاياهم . ولم تنفصل
حياتهم في السراء والضراء عن
حياة شعبهم ومصيره . كان خيارهم
واضحاً وبديهياً : مع الشعب في
مواجهة كل شيء . ومن حسن
التقادير أن هذا الموقف كان
موقف الكنيسة بجناحيها
الإكليروس والعلمانيين أي
الكهنوت والناسوت . وشهدت تلك
المرحلة أعلى درجات الاندماج
الاجتماعي والوحدة الوطنية في
البلاد ، وبروزاً غير مسبوق ،
ولم يظهر لاحقاً ، لدور النخب
المسيحية في المجالات المختلفة
. فأثرت نفسها ووطنها بعطاءات
كانت محل تقدير الجميع . وبقيت
إنجازات تلك المرحلة مثار فخر
واعتزاز وموضعاً للأمثولة في
التحرر والتقدم والبناء الوطني
التي يقدمها فضاء الحرية
والنظام الديمقراطي . ولم يكن
شيئاً بغير معنى ، أن أول زيارة
كان يقوم بها رئيس الجمهورية
السورية بعد انتخابه مباشرة هي
زيارة دار الإفتاء والمقر
البطريركي للكرسي الإنطاكي
بدمشق . وكان لرؤساء الطوائف
المسيحية المختلفة صلات مباشرة
بمؤسسة الرئاسة والأركان
الأخرى للدولة . فبموازاة
الحضور الفاعل للمسيحيين
كمواطنين الذي وفرته مناخات
المشاركة الشعبية والاندماج
الوطني على أرضية النظام
الديمقراطي ، تحقق حضور فاعل
أيضاً للرهبان والأساقفة ورجال
الكنيسة الآخرين . وعندما نجحت الدولة التسلطية الشمولية في
تعميم الاستبداد وتطويع
المجتمع محولة الشعب إلى رعايا
، وقع على المسيحيين ما وقع على
أبناء وطنهم الآخرين . وهكذا خضع
الناسوت المسيحي للتهميش
والاضطهاد والاستغلال ، وتعرض
للانتهاك والاختراق وتزييف
الوعي والإلحاق من قبل الدولة
الأمنية المهيمنة ، ومن الطبيعي
أن يستتبع ذلك خضوع الكهنوت
المسيحي لإجراءات مماثلة .
فصارت الكنائس ورؤساؤها يتبعون
قسماً خاصاً في فروع الأمن اسمه
" قسم الأديان " ، وعلاقة
الكبير والصغير محصورة بيد
مساعد في فرع المخابرات ، يتلقى
التقارير والمعلومات ، ويرسل
التعليمات والتوجيهات وأحياناً
رسائل الفصح والمواعظ . بالطبع
يسري هذا الوضع على أحوال
المسلمين ودور الإفتاء أيضاً . فهل هذه هي الحماية المطلوبة ، التي
يوفرها نظام الاستبداد
للمسيحيين كنيسة ورعية ؟ ! وهل هذا الواقع المزري من " مكتسبات "
دولة القمع " العلمانية "
يستدعي الخوف من التغيير
الديمقراطي القادم ، حتى ولو
كان مجهول المآلات كلياً ، وهو
ليس كذلك ؟ ! مؤسف ومؤلم في أن معاً ، أن يكون
الاستبداد عاجزاً عن الدفاع عن
نفسه وعديم القدرة على تزيين
وجهه وتبرير استمراره ، بينما
يجهد بعض المسيحيين أنفسهم في
الدفاع عنه ( كمن يتبرع للدفاع
عن الشيطان ) وتبرير الرغبة في
استمراره و المجادلة في أفضليته
على التغيير . هناك زوغان واضح
في الرؤية وخوف لا يسنده
التاريخ ولا تبرره الوقائع . ومن
غير المعقول قبول ذلك الاصطفاف
الخاطىء والسكوت عنه تحت أي
ذريعة . ومن غير المسموح أخذ
المسيحيين إلى المواقع الخطأ ،
فهي ليست مواقعهم . وفي بلد
كلبنان ، يتوافر على هامش واسع
من الحرية ، وحيوية ملحوظة
للمجتمع وخاصة منظمات المجتمع
المدني ، جاء الرد على هذه
المواقف والاعتراض عليها من
خلال اجتماع سيدة الجبل
والوثائق الصادرة عنه . وكانت
ملبية لحاجة المسيحيين
وتطلعاتهم في كل بلدان المشرق
العربي . بينما اقتصر الأمر في
البلدان الأخرى على المساهمات
الفردية ونشاطاتها المحدودة
وتعبيراتها السياسية
والإعلامية فحسب . * * * جمعتني المساعي الحثيثة لمناقشة هذا
الموضوع ، الذي يؤرق الوعي بين
المسيحيين ، ويثير أسئلة مرة في
الفضاء الوطني السوري ، مع واحد
من كبار رجال الكهنوت المتميزين
بالثقافة وعمق الاطلاع والنشاط
الاجتماعي ، والمتسمين بسعة
الصدر وخبرة الحوار والاهتمام
بالشأن العام . عبَّر الرجل عن
هواجس الكنيسة وقلقها مما يجري
، وركَّز على مخاوفها من
الاحتمالات السلبية على
المسيحيين ، التي أثارتها
وتثيرها أحداث المنطقة خلال
العقد الجاري ، وتغذيها دعاية
النظام حول الإرهاب والأصولية
والسلفية والجماعات المسلحة .
قلت : أنا مسيحي وعلماني يا
سيدنا ، ولدي مخاوفي أيضاً . لكن
كيف يمكن أن تزال المخاوف
بالالتحاق بالنظام أم
بالاندماج بالمجتمع ، ومن أين
يأتي الأمان من الشعب أم من
السلطة ؟ قال المطران دون تردد : لا شك بأن المجتمع
وحده من يعطي الأمان ويبدد
المخاوف . قلت : إذن ما الذي تفعلونه بالمسيحيين ،
وإلى أين سيأخذهم صمت الكنيسة ؟
وهل موالاة نظام بائد وسلطة قهر
دموية يزيل المخاوف أم يزيدها ؟
وإذا كان التراجع الحاد لوجود
المسيحيين في الشرق بسبب نزيف
الهجرة يقلقكم ، فهل الموضع
الذي تضع فيه الكنيسة نفسها
وجمهور المسيحيين يساعد على
تبديد هذا القلق ، أو يعمل على
تأجيجه ؟ وأي مستقبل سيكون لهم
في نظام جديد يولد في البلاد دون
أن يكون لهم مساهمة إيجابية فيه
أو على الأقل غير سلبية نحوه ؟
القضية التي يدور الصراع حولها
قضية الحرية ، حيث كان
المسيحيون دائماً من طلابها
وإلى جانبها . فلماذا تقبلون لهم
أن يكونوا في الجهة الأخرى ؟ وإن
فعلوا ، فأي دور أو نكهة خاصة أو
قيمة مضافة يمكن أن تكون لهم ؟
فالحرية شرط الحداثة والتنمية
ودخول العصر . وما الذي يتبقى من
رسالة المحبة والسلام التي
تحملونها وتبشرون بها ، عندما
يهدر دم الأبرياء ويسود الظلم
والعنف الأعمى ، ويتهدد البلاد
خراب شامل دون أن يكون للكنيسة
موقف مندد أو صرخة احتجاج ؟ نحن
لا نريد للكنيسة أن تتخذ موقف
المعارضة ، بل أن تكون نفسها ،
وتتخذ مواقفها اللائقة
والتاريخية المعهودة وتلك التي
تستوجبها مصلحتها ومصلحة الوطن
. للحق ، كان الرجل حليماً ، واستمع لي بصبر
العالم المتفهم لما أقول ،
لدرجة أحسست أن المسافة بيننا
ضاقت إلى حد كبير . فتعمدت إيصال
رسالة جدية في غلاف من المزاح .
فقلت له : هل تعلم يا سيدنا أن
النظام الأمني اخترق المؤسسة
الكنسية ، ووظَّف العديد من
رجال الدين مخبرين ؟ ولدهشتي
أجابني على الفور : نعرف ذلك .
وهم يقبضون من عندنا كما يقبضون
من عندهم . هنا قلت بجدية واضحة :
سيدي ، نحن العلمانيين لن
نترككم تأخذون المسيحيين خارج
التاريخ إلى حيث لا يجدون
أنفسهم ولا تتحقق مصالحهم .
سنعمل ما بوسعنا . في الختام ، نصحني المطران بود ظاهر
وحميمية وإخلاص للقضية لا يرقى
إليها الشك قائلاً : إذا أردت
أكل العنب فعليك أن تحمل رسالتك
إلى أحد موقعين أو كليهما معاً :
بطريرك الموارنة في بيروت
وبطريرك الروم الأرثوذكس في
دمشق . لسوء الحظ ، تم اعتقالي وذهبت إلى السجن
للمرة الثانية خلال الأشهر
السبعة الأولى من عمر الثورة ،
ولم أتمكن من مقاربة الأمر .
وعندما خرجت ، كانت التصريحات
التي نسبت للمرجعيتين
الكبيرتين عائقاً ولوبشكل مؤقت
لإتمام المهمة الموعودة . *كاتب وسياسي سوري معارض ============================ العلاقة الجدلية بين
الأحداث " الثورات العربية
نموذجا " أ. محمد بن سعيد الفطيسي* كنت أسال نفسي ولا زلت حتى اللحظة حول
إمكانية وجود تفسير علمي
للأحداث التاريخية التي هزت
العالم العربي خلال الفترة من
شهر ديسمبر 2010م وحتى اللحظة !
وهل يمكن متابعة وتفسير وبحث
تلك الأحداث من منطق السببية ؟
وبالتالي إمكانية وضع نظام معين
لفهم حركة طبيعة الصراع
الاجتماعي والتنبؤ بالسلوك من
منظور تاريخي ؟ ورغم يقيني
بالفرق ما بين القوانين التي
تحكم التاريخ والقوانين
الفيزيائية , إلا إنني وفي نفس
الوقت على يقين بان تلك الأحداث
التاريخية يمكن وصفها بواسطة
القوانين العلمية , ولكن بالطبع
لا يمكننا ان نحدد قانون بعينه
يمكن من خلاله وصف التعاقب
الفعلي او المعين في ترابط تلك
الأحداث , بل يجب النظر الى
الأحداث التاريخية من زوايا
معينة وضمن قوانين متعددة ( انظر
مقالنا : القوانين الفيزيائية
وعلاقتها بالظواهر السياسية ) ( إذن لا يمكن
معرفة الشؤون البشرية بمعزل عن
العناصر التي تتألف منها , فلا
يمكن تفسير أية حقيقة او حادثة
في مرحلة تاريخية إلا بالرجوع
الى معناها , ومعناها هذا بدوره
يرجع في أصوله الى معنى آخر ,
لهذا يكمن مفهوم الوحدة وتبادل
العلاقات بين عناصر المعني في
مرحلة تاريخية دائما وراء تفسير
تلك المرحلة التاريخية ) . وكما هو معلوم
فان عناصر أي حدث , تتكون من
الزمان والمكان والبشر , وهذه
العناصر الثلاثة هي المكون
الأساسي لأي حدث تاريخي , فإذا
كان الزمان الفعلي للحدث قد بدأ
مع نهاية العقد الأول وبداية
العقد الثاني من القرن 21 ,
والمكان هو رقعة الشطرنج
العربية , فان العنصر البشري
الصانع للحدث بكل تأكيد هم
الشعب العربي , مع الأخذ
بالاعتبار بانه وبسبب تغير
عنصري الزمان والمكان , تتغير
أيديولوجيا وثقافة الصراع لدى
العنصر الثالث . وعليه فان
القاعدة الأولى في العلاقة
الجدلية بين الأحداث تشير الى
التأكيد على ان الفكر الفردي
للعنصر البشري في دولة ما يختلف
في بناءه الأيديولوجي عن الفكر
الفردي في دولة أخرى , ويمكن ان
يتشارك في بعض النقاط الثقافية
والاجتماعية ويختلف في نقاط
أخرى في صناعة الحدث التاريخي ,
لتبقى حقيقة معرفة الدوافع
الفردية رهينة بالفعل الجماعي
والتي يمكن ان تصنف فقط بموجب
النهاية او الهدف النهائي , لان
الفرد يحاول دائما ان يتجاوز
تاريخيته وزمانيته في موقف
أيديولوجي عام يتشارك فيه مع
المجتمع . ويعد ذلك الحدث
بالحدث الاجتماعي كونه يقع داخل
المجتمع وان وقع من قبل فرد من
الأفراد , ولكن تبقى حركة ذلك
الحدث تاريخيا في دائرة السكون
الاجتماعي اذا لم يتعدى الحدث
العنصر الفردي لتتشاركه
الجماعة , وهي القاعدة الثانية
في نظام الصراع الاجتماعي , فلا
يمكن بحال من الأحوال ان يتحول
الحدث التاريخي الاجتماعي الى
صراع اجتماعي ان أبقيناه في
دارة السكون الفردي , فالحق
الفردي وان كان صحيحا لا يمكن
تسويقه ومن ثم قبوله اجتماعيا
من دون مسوغات عامة , بل ربما في
كثير من الأحيان لا يتقبل
المجتمع الأعمال الفردية وان
برزت من خلال مبدأ حقوقي
وقانوني , وبالتالي فان ذلك
العمل الفردي يحتاج الى مسوغات
عامة لقبوله اجتماعيا ودوليا . فأي عمل فردي من
أعمال الإنسان ( يفترض تسويغا
داخليا في مجموعة – أي – علاقة
بالتاريخ ككل , فالإنسان يجد
نفسه مضطر ان يقف عندما يتابع
سلسلة أعماله وأفعاله , ويعترف
بان المسوغات الفردية , التي
يضعها لأعماله المختلفة لا تجد
ما يسوغها , ان لم يجد لها تسويغا
عاما لواقع التاريخ ذاته , مما
يوجب بدوره ضرورة تمييز احد
الأعمال التي يقوم بها بصفة
مطلقة فيعده مطلقا يرجع إليه كل
شي ) . وبما ان الإنسان
بطبعه كائن مدني – أي – كائن
عقلاني لا يعيش في الزمن
الواقعي فقط , بل يحاول ان
يتعامل مع الزمن الذي أصبح
ماضيا بالنسبة لتطوراته
البيولوجية وان يدرك الزمن
المستقبلي أيضا , فهو بذلك يتأثر
بالماضي في صناعة الحدث من جهة ,
ويؤثر ويتأثر بدوره في المستقبل
من جهة أخرى , وهذا يعني من ان
العنصر البشري وكما يؤثر في
الواقع والأحداث , فهو يتأثر بها
أيضا , وهنا تكمن خطورة تأثير
العنصر الثالث المتأثر بعنصر
الزمن في صناعة الحدث , او شكل
الصراع الاجتماعي . فهو – أي –
الإنسان وعندما يتقبل المجتمع
مسوغاته , حينها لا يمكن ان
يتوقف – أي الفرد والمجتمع ككل -
بسهوله قبل تحقيق مطالبه من قبل
النظام , فرؤيته الى التاريخ
وتأثره بالماضي وطموحاته
المستقبلية تسيطر سيطرة كليه
على أيديولوجيا تفكيره وثقافة
تعامله مع الحدث , وبالتالي فهو
يواصل انجرافه وراء رغباته
وطموحاته وآماله بإسناد جماعي
وبمسوغات تاريخية مقبولة , ( وفي
كل لحظة – يتخيل الأفراد
والجماعات – خطة تالية أخرى غير
تلك التي تلت فعلا , ففي كل حاضر
خيالي يضع نفسه فيه , يتصور
مستقبلا آخر غير الذي تحقق ) . وهو ما قد يحول
الأمر العقلي الى فوضى اجتماعية
تحركها قاعدة ثقافية تاريخية
وأيديولوجية تقول : بان الأشياء
يمكن ان تكون غير ما كانت عليه
بالفعل وان تتخذ مجرى آخر , وهو
أمر لا يمكن ان يتوقف بسهولة ,
حيث ان الوعي الجماعي قد تخطى
دائرة العقل الى دائرة العاطفة ,
والحقيقة ان هذه النظرة الفردية
او الجماعية للتغيير ( خطرة بنفس
درجة خطأها , لأنها تبحث عن
نموذج من السلوك للمستقبل في
تبرير الماضي او كيفية اتصاله ,
لان التقدم ليست له قوانين
محددة , فالقانون الحقيقي يكمن
في الإمكانية المتساوية للتقدم
او للتراجع في المجتمعات
والأفراد ) . وبالتالي فانه
وان لم تعد الضوابط العقلية
تتحكم بمصير الجماعة , فسيستمر
الأمر الى ما لا نهاية , - وبمعنى
آخر – ان الصراع الاجتماعي
يستمر في دائرة العقل والمعقول
اذا قاده الوعي الجماعي الى هدف
يتوقف عنده , ويتحول الى فوضى
مطلقة تؤثر في استقرار المجتمع
وتهدد النظام ككل في حال انجرفت
الجماعة وراء تيارات العاطفة
بعيدا عن العقل والمنطق . ( وكما يقول كانت
من ان هناك حركتان مختلفتان
بطبيعتهما تهزان المجتمع ,
الأولى : تفسد تنظيمه والثانية
تعيد تنظيمه , فالمجتمع يتجه
بفضل الأولى نحو فوضى أخلاقية
وسياسية عميقة , يبدو أنها تهدده
بانحلال – وتفكك وانهيار –
قريب وحتمي , أما الثانية :
فتسيره الى الأفضل ونحو الحالة
النهائية للجنس البشري , الحالة
الأكثر ملائمة لطبيعته ) . وبالرجوع الى
الثورات التي اجتاحت العالم
العربي , فإننا نجد ان المسوغ
الفردي – أي – الظلم الذي وقع
على شخص الشاب التونسي محمد
البوعزيزي لم يأخذ الطابع
الثوري قبل ان تتبناه الجماهير
التونسية كمسوغ تاريخي عام ,
وخصوصا بعد ان قام بإحراق نفسه ,
ليتحول الظلم الشخصي والمسوغ
الفردي الى مسوغات تاريخية عامة
, كالديمقراطية والحرية
والعدالة والمساواة , وهكذا
الحال بالنسبة للوحدات البشرية
الأكبر – أي – الدول , فالدول
تتبادل تصورها لهوياتها
ومصالحها ولجوهر هواجسها , وهو
ما دفع الجماهير والجموع
الشعبية في بقية الدول العربية
الى الانضمام الى الحدث
التاريخي , وهو ما يدعونا الى
إمكانية ان تعمم هذه المظاهر
الى بقية دول العالم . وقد قاد ذلك
التدفق التاريخي المشترك عامل
التاريخ الاجتماعي – أي –
تاريخ المجموعات والتجمعات
البشرية في الرقعة
الجيواجتماعية الواحدة ولكن
بعيدا عن التاريخ الجغرافي
للدولة او التاريخ التقليدي أو
الفردي , تلك الجموع التي تحلقت
حول مسوغات الحرية ومطالب
الديموقراطية والعدالة
والمساواة , متأثرة بعاملي
الزمان والمكان الى تبني فكرة
الإطاحة بأنظمتها السياسية , او
حتى الى تغيير بعض القوانين
الوضعية التي كانت ترزح تحتها
لسنوات خلت . *باحث في الشؤون السياسية رئيس
تحرير مجلة السياسي التابعة
للمعهد العربي للبحوث
والدراسات الاستراتيجية ============================== عثمان الخويطر عند ما يتولى إنسان أمر شؤون قومه، سواء
بالقوة وبطرق وحشية أو عن طريق
الصدفة، وقد حدث هذا في أكثر من
موقع في منطقتنا العربية، يتحول
ذلك الإنسان، إلا مَنْ هدى
الله، إلى سفاح مُتسلط يعض
بنواجذه الحادة على مقدرات
ومصير الشعب ويتحكم في مقدراتهم
وأرزاقهم، وكأنه مُرسل من رب
العباد ليُهين ويهلك العباد.
وتتخيل من مقدرته على التحكم في
أمور دولته وشدة غطرسته أنه
إنسان سوي لديه عقل يُفرِّق به
بين المعقول وغير المعقول
ويُفكر بوعي ودراية بعواقب
الأمور. ولكننا نجد الواقع غير
ذلك. فأغلب منْ تنطبق عليهم تلك
الصفات من الزعماء العرب لا
يعرف ولا حتى مصلحته الخاصة
التي تتطلب منه المحافظة على
حياته وعلى حياة أفراد أسرته
والمقربين منه. عند ما قرَّرت وأعلنت الولايات المتحدة
الأمريكية عن نيتها غزو العراق،
أو بالأحرى تدمير بلاد
الرافدين، كان من الممكن أن
يقطع عليها صدام حسين الطريق
ويتنحى عن الحكم لصالح بقاء
العراق وأهل العراق. ولكن يظهر
أن لا الشعب العراقي ولا مستقبل
العراق يهم ذلك الإنسان. وكان
الشيخ زايد بن سلطان - رحمه -
الله قد عرض عليه تجنيب العراق
ويلات العدوان الأمريكي
المرتقب آنذاك ويقبل التنازل
"عن الدكتاتورية" ويعيش
ضيفاً مُكرماً في دولة الإمارات.
ولكنه أبى وركب رأسه وانتظر حتى
تدمر العراق وقُتِل أولاده شر
قتلة، وانتهى هو بعظمته
مُختبئاً في حفرة داخل مزرعة،
فسيق كالكبش إلى حيث حوكم
بمهانة وتم شنقه في يوم عيد. هل
هذه هي الخاتمة التي كان
يتمناها، مع وجود اختيارات
أفضل؟ وظننا أن مصير صدام حسين سوف لا محالة
يُعطي الآخرين من أمثاله درساً
وعِبرة فيتصرفون بحكمة عند ما
يجدون أنفسهم في موقف مشابه
وأفضل الاختيارات لديهم التنحي
عن السلطة، بدلاً من الانتظار
حتى يسحقهم الشعب. وها هو الزعيم
الليبي، ملك الملوك وإمام
المسلمين وفاكهة القمم العربية
معمر القذافي يسير على منهاج
صدام حسين، حذو القذة بالقذة.
وأخيراً ينتهي بأسوأ مما انتهى
إليه صدام، عفا الله عنا وعنهم
ورحم جَلَّ شأنه أموات المسلمين
كافة. وماذا عليه لو أنه جنب
نفسه المذلة التي لحقت به
وبعائلته والدمار الهائل الذي
أصاب ليبيا وعشرات الآلاف من
الأرواح التي أزهقت بسبب عناده
وغطرسته. هذه العينة من
الدكتاتوريين لم يدركوا أنهم
غير مُخولين لتدمير بلدانهم
وقتل وتشريد مواطنيهم، بل كانوا
يتصرفون وكأنهم يملكون الأرض
والبشر والمقدرات، فأعمى ذلك
بصيرتهم والعياذ بالله. فهل
يصدِّق عاقل أن معمر القذافي،
وهو الذي ملأ الدنيا بالتصريحات
العفوية وبالنصائح الأخوية
لزملائه في القمم العربية أن
يحذروا من تقلبات الأيام، لم
يتخيل ولو للحظة ما سوف تؤول
إليه حاله وهو يُشاهد الثوار في
بلاده ينتقلون من نصر إلى آخر
مُقتفين أثره من أجل القبض
عليه؟ وإن كان لم يفهمها في أول
الأمر، فقد بدا ذلك واضحا في
المراحل الأخيرة عند ما حاصروه
في مسقط رأسه، وكان بإمكانه
الهروب كما فعل نجله سيف
الإسلام، فعلى أقل تقدير ينجو
من ذلك المشهد الأخير المهين.
وإن كان صدام حسين ومعمر
القذافي يفخرون بما أوصلوا إليه
أنفسهم من الذل والإهانة
والخراب والدمار لبلدانهم
ويعدونه من الرجولة وصلابة
البأس، وما هو إلا جنون العظمة. ما سبق في هذا المقال هو مقدمة للحديث عن
زعيم آخر يبدوا أنه يسير على
الطريق نفسه ولم يتّعظ من تجارب
الزعيمين، ذلك هو الرئيس بشار
الأسد. وإذا افترضنا أن صدام
ومعمر لم يحصلا على قدر كاف من
التعليم كي يستطيعا التصرف
بحكمة، فإن بشار قد أكمل دراسة
طب العيون، وهو مستوى رفيع من
التعليم الأكاديمي والمهني.
ويُفترض أن ذلك ربما يُساعده
على اتخاذ القرارات الذكية.
ولكن يظهر لنا أنه لم يفعل،
فماذا ينتظر هذا الرجل؟ وهل هو
إلى الآن لم يستوعب ما يجري في
بلاده؟ نكاد لا نُصدق! فرغم دوام
المظاهرات السلمية والاحتجاجات
يوميًّا ليل نهار، وتعرُّض
المواطنين العُزل للقتل العمد
والاعتقال التعسفي الذي غالباً
ما ينتهي بالموت، خلال أكثر من
ثمانية شهور، لا نرى بارقة أمل
في أن بشار قد اتعظ وتعلم الدرس،
بل ظلت الحكومة في عمى ضلالها.
وأي مصير ينتظرهم، فالشعب مُصمم
على الإطاحة بالنظام حتى ولو
كلفهم ذلك آلاف الأرواح. وإطاحة
النظام القائم المسرف بالتنكيل
يعني إعدام رموزه من أولهم إلى
آخرهم، بالقساوة نفسها التي
يُمارس بها النظام اليوم قمعه
لحركة الانتفاضة الشعبية. وإذا
كان الرئيس بشار وقيادة حزب
البعث، الحاكم الحقيقي والماسك
بزمام شؤون البلاد، يعتقدون
أنهم سوف يفلتون من أيدي الشعب،
فهذا منتهى الغباوة وسوء تقدير
للوضع الراهن. وكل ما نخشاه، هو
أن تستمر الأمور على ما هي عليه
الآن حتى يسقط النظام، كما سقطت
أنظمة مشابهة، ويُلقى القبض على
كل منْ مارس الإجرام بحق الشعب
فيلقون مصير صدام حسين ومعمر
القذافي وأولادهما وأتباعهما
سحقاً في الشوارع. هل هذا ما
يتمنون أن يحدث لهم؟ ويباهون في سورية بأنها قلعة الممانعة ضد
إسرائيل، وهذا كلام فارغ، فهم
بكل المقاييس حُماة إسرائيل، من
حيث يعلمون أو لا يعلمون، وعند
ما أحس الأسد أنه مُحاصر، بدأ
يُطلق التهديدات الجوفاء
ويُنذر بشر مستطير إذا حاول أحد
إسقاط نظامه البائد، لقد هزُلت
يا أسد، وكما بدأنا، نقول: اللهم
لا شماتة. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |