ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 08/01/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

المعارضة السورية وقواعد اللعبة!!

حسام مقلد *

hmaq_71@hotmail.com

لا نفهم سر انقسام المعارضة السورية على نفسها حتى الآن في وقت هي أحوج ما تكون فيه إلى الوحدة والتماسك، وأمر غريب ومحير فعلا أن تختلف فصائل هذه المعارضة وتتنافس على قضايا لم يحن أوانها بعد، فلا يزال نظام بشار الأسد الفاشي جاثم وبقوة على صدور الشعب السوري، ولا تزال آلته الأمنية والعسكرية الباطشة تنشب أظفارها بمنتهى الوحشية في أجساد السوريين وتسفك دماءهم ليل نهار، وتقتل منهم عشرات الشهداء يوميًا.

 

وبدلا من أن تتكاتف المعارضة السورية بفصائلها وأجنحتها المختلفة، وتجمع كلمتها، وتوحد صفوفها، وتحشد قواها لإسقاط هذا الطاغية، وإنهاء نظام حكمه الغاشم الذي نكَّل بالشعب كله وسامه سوء العذاب بدلا من ذلك نراهم يتنازعون ويتصارعون على كعكة لم تصنع بعد!! فمعارضة الداخل (التنسيقيات) تتحفظ على توجهات معارضة الخارج (المجلس الوطني) وبعض أعضاء المجلس الوطني يتسرعون في الإعلان عن عقد اتفاقيات مع بعض القوى دون الرجوع لبقية الأعضاء والتوجهات السياسية المنضوية تحته، والعلمانيون واليساريون يخشون صعود الإسلاميين، وبعض التيارات السلفية تخشى تصدر الإخوان المسلمين، وهناك تيارات أخرى تتحفظ على كل ما يجري، وربما حتى ترفضه جملة وتفصيلا!!

 

ولا شك أن هناك قلقا متزايدا لدى الكثيرين، بخصوص هوية الدولة السورية وطبيعة العلاقات المستقبلية بين فسيفسائها وتنوعاتها الكثيرة، وتتساءل بعض الطوائف والأقليات: أين سيكون موضعها في سوريا الجديدة بعد زوال حكم الأسد وطغيانه وتخلص السوريين من بطش وفساد حزب البعث، ناهيك عن التساؤلات الإقليمية والدولية بشأن شكل النظام الجديد الذي ينبغي أن يلبي مطالب الشعب السوري في الحرية والعدالة والديمقراطية ويوفر له الحياة الآمنة الكريمة، وفي نفس الوقت يساعد على استقرار المنطقة ونشر السلام في ربوعها، يضاف إلى ذلك ملفات شائكة كثيرة كملف أكراد سوريا، وملف تحرير الجولان، وطبيعة العلاقات السورية المستقبلية مع محيطها العربي والإقليمي وخاصة مع تركيا وإيران.

 

ومن الخطأ الشديد فتح كل هذه الملفات دفعة واحدة في هذا الوقت تحديدا، فهي ليست واجب الوقت الآن وإن كانت كلها ملفات مهمة وحيوية، لكن ينبغي أن تُبحث في مرحلة لاحقة، ويتعين على المعارضة السورية حاليا أن ترسل العديد من رسائل الطمأنة للداخل والخارج بلغة دبلوماسية رصينة بعيدا عن استخدام أية تصريحات ملغومة، أو الانجرار إلى أية خطط مشبوهة من شأنها إجهاض الثورة السورية في مهدها ولما تكتمل بعد!

 

إن الشعب السوري الأبيَّ البطل قام بثورة شعبية عظيمة، وأبدت الجماهير السورية وعيًا كبيرًا بما يجري حولها، وما يحاك ضدها وضد ثورتها الباسلة من مؤامرات، وكنا ولا زلنا ننتظر من المعارضة السورية أن تكون على مستوى هذه الجماهير الهادرة في المدن والساحات، ونتمنى على جميع فصائلها في الداخل والخارج أن تتحلى بقدر كبير من الحكمة والحنكة والمهنية والمهارة في فهم قواعد اللعبة السياسية، كما نتمنى عليها أن تركز حاليا على همٍّ واحدٍ وقضية واحدة فقط هي إسقاط بشار الأسد ونظامه دون تشتيت للأنظار وبعثرة للجهود في إثارة قضايا لا مسوغ مطلقًا لإثارتها الآن.

 

لقد انعقد أول مؤتمر للمعارضة السورية في لندن قبل سنوات في أغسطس (آب) عام2002م، وطرحت جماعة الإخوان المسلمين السورية مشروع الشرف الوطني، وبعد مداولات ومناقشات مطولة عُدِّلت فقرات المشروع وتمت الموافقة عليه من المؤتمرين وأصبح (ميثاقاً وطنياً) لكنه لم يفعَّل لأسباب كثيرة وعوامل مختلفة، وكنا نتوقع أنه بعد لحاق السوريين بقطار الربيع العربي واندلاع ثورتهم المباركة في الخامس عشر من مارس (آذار) عام2011م أن تسمو فصائل المعارضة السورية على خلافاتها، وتغتنم هذه الفرصة التاريخية وتوحد صفوفها، على الأقل حتى تقتلع جذور نظام الأسد الفاسد المتغوِّل في جميع مفاصل الدولة، ولا شك أن وحدة المعرضة وتماسكها ستكون ضربة قوية من شأنها أن تصدع بنية النظام وتسرع بسقوطه، إضافة إلى كونها ستدفع بالأطراف العربية والدولية الفاعلة للاعتراف بهذه المعارضة والتعامل معها رسميًّا كممثل للشعب السوري، لكن ما ظننا الآن والمعارضة السورية ما تزال منقسمة على نفسها، وهناك فصائل منها تتبادل فيما بينها الاتهامات الجارحة إلى حد تبادل السباب والشتائم؟!!

 

إن المجلس الوطني السوري يمثل قطاعات واسعة من فصائل المعارضة، لكنه قد لا يمثل قطاعات عريضة من الثوار، وربما لا يوجد فيه من يعبر عن كل أطياف الشعب السوري، ورغم ذلك فهو الأقرب إلى تمثيل مصالح هذا الشعب الثائر في هذه المرحلة الحساسة، ولا بأس أن يستمر ذلك لفترة محددة من الزمن، تنتهي بمجرد إسقاط النظام، ويفترض أن يُمنح هذا المجلس تفويضًا رسميا كاملا يتمكن من خلاله التصرف سياسيا بشكل منظم ومسئول أمام دول العالم.

 

ودفعًا للشكوك والمخاوف يمكن وضع ورقة ملزمة لكافة أطراف المعارضة السورية تمنح المجلس الوطني صلاحيات محددة للعمل السياسي خلال هذه المرحلة الثورية الحاسمة إلى أن يسقط النظام، وتقرر بوضوح تام أن هذا المجلس لا يمتلك كما لا يمتلك غيره حق التصرف منفردًا في أي شيء يختص بمستقبل الشعب السوري بعد الثورة، سواء فيما يتعلق بكتابة الدستور، أو وضع أيديولوجية أو مرجعية معينة للحكم، أو تشكيل الأجهزة الانتقالية، أو غير ذلك من المسائل التي من شأنها تحديد ملامح الدولة السورية وتشكيل أجهزتها مجددا، فكل ذلك يجب أن يتم بناء على توافق عام بين جميع قوى وفصائل ومكوِّنات المجتمع السوري بمختلف أطيافه السياسية، وطوائفه الدينية، وشرائحه الاجتماعية، ودون ذلك سيظل الشعب السوري يبحث عمَّن يمثله ويقدِّر ما يبذله من تضحيات ودماء!!

* كاتب مصري.

==========================

تفجيرات حي الميدان في دمشق

جرير خلف

بث التلفزيون السوري الرسمي اليوم مباشرة اللقطات الأولى التي تلت الانفجار الإرهابي الذي وقع في حي الميدان.. وبعيدا عن التحليل السياسي والبحث عن صاحب المصلحة الأولى في هذا التفجير وبعيدا عن تفسير أسبابه والمسبب فيه من الناحية اللوجستية وعن سبب اختيار المكان هذا وليس مسيرات الولاء أو مراكز النظام الخالصة مثلا.. بعيد عن كل تلك الأسباب التي تشير الى مصلحة النظام الأولى والأخيرة.. فإننا نجد أن النظام السوري ارتكب غلطاته المعهودة عند صناعة الأحداث المساندة لعملياته الأمنية والنفسية المخصصة لقمع الثورة السورية، حيث أن أي عاقل استطاع أن يضبط مشاعره عند مشاهدة اللقطات الأولى سيجد أن الحدث الإرهابي المصنع هو فيلم إعلامي رسمي ضعيف دفع ثمنه بعض المارة وبعض (المتمردين) ربما من قوات الشرطة الذين تم وضعهم ربما جثثا أو مشاريع أشلاء قبل العملية الإرهابية.

 

فاللقطات الأولى تظهر أخطاء قاتله من الناحية الفنية تفضح صاحب المكان والزمان الوحيد القادر على توزيع المهام والمتفجرات بهذه الطريقة وهو النظام الرسمي الذي اختار الظروف المناسبة له.. وكذلك اختار حتما الضحايا بعناية، وأولى هذه الأخطاء كانت عدم مركزية الانفجار المعلن بما لا يتطابق مع الرواية الرسمية، حيث من يشاهد اللقطات الأولى يجد أن الجثث متناثرة مع أشلاء على مساحة كبيرة ودون ملاحظة أي مركز للانفجار ( يكون بالعادة مركز دائرة قطرها متعلق بحجم المتفجرة) وهذا لم يظهر بل تبين أن مساحة انتشار الانفجار بشكل بقع حيزيه متفرقة على مساحة كبيرة.

 

 وما يعزز ذلك وجود الكثير من الجثث المتفجرة بجانب سيارات اصبب زجاجها من اتجاه آخر لاتجاه الجثة ولم تتأثر حتى عجلاتها المطاطية من ناحية الانفجار.. مع وجود دماء غزيرة حول رأس الضحايا ( ما يعني حصول تعرضه المفترض في نفس المكان الموجود فيه الضحية ولم تقذف مثلا من شدة الانفجار).

 

وكذلك نجد أن هناك عشوائية في قذف معدات مكافحة الشغب في الباص المصاب (دون حتى دماء على كراسي الموجودة عليها هذه الأدوات ( الدرع البلاستيكي المقوى مع الخوذة) ومعروف أن هذه الأدوات هي عهدة فردية تسلم لأفراد الأمن عند بدء المهمة الأمنية المفترضة ولا يمكن أن تصعد الباص لوحدها ووجودها لوحدها يفترض أن أصحابها قد أصابهم مكروه وهذا ما لم تظهره الصور.

 

وأظهرت اللقطات وصول التلفزيون السوري قبل سيارات الإسعاف حيث تبعد اقرب مستشفى 3 كم عن مركز الانفجار، وخلال الفيلم المصور والذي تم بثه على القناة السورية الرسمية نجد أن أفراد الأمن كمن تملكتهم الدهشة والمفاجأة وبدأ بعضهم بنقل الجثث من مكان الى آخر والصراخ على الكاميرا للتصوير ولم يتم الصراخ والسؤال عن سيارات الإسعاف رغم وجود الجثث والمصابين..!.

 

ويضاف الى ما سبق هو سهو الكاميرا الرسمية السورية في التصوير عن تحريك الزووم من زاوية الى زاوية أخرى حيث قامت بتصوير بعض (الضحايا) وهم ميتون بحجم بقع دماء كبيرة عند رؤوسهم ما لبثوا عن رفعوا رؤوسهم لاحقا والكاميرا غافلة عن الحركة عنهم ( للضحايا) المفترضين الآخرين في البقع الأخرى.

 

وكل ذلك بالإضافة الى مصلحة النظام في التصعيد وخربطة الأوراق وعدم وجود أية مصلحة للثورة السورية بالمطلق في أية أعمال تفجيرية أو إرهابية، بالإضافة الى شوزفيرنية النظام السوري.. كل ذلك يشير الى وجود تواطأ من النظام السوري على الأقل في هذه العملية الإرهابية ويؤكد شخصية النظام الدموي الذي لن يتوانى عن تفجير البلد برمته للمحافظة على العرش (الأسدي) في سوريا.

=========================

هل تكون بلادنا ثمناً لصفقة إقليمية ؟؟ ..

عقاب يحيى

 تكثر جولات الاتصالات بين عدد من العواصم والأطراف في المنطقة، فتنتشر الأخبار عن صفقات وسيناريوهات تعدّ بين أطراف مختلفة، وسورية هي السلعة الأكثر رواجاً لأن تكون محط التقايض والاتفاق، وتدخل إيران بقوة على الخط فارشة نفوذها في العراق للتبادل فيه على تمرير حل تسووي يحافظ على (بؤبؤ العين) نظام الطغمة، وينتقل أحمد داوود أوغلو إلى طهران لبحث الممكن، بينما تتواتر الأنباء عن لقاءات إيرانية بأطراف من المعارضة السورية، وعن تقديم مقترحات(شهية) لها ضمن ما يقال عن تشكيل " حكومة وفاق وطني" تحمي الوريث، وتبقي عليه حتى العام 2014.. مع بعض تعديلات في الصلاحيات ربما . بينما تتقاطع معلومات أخرى عن وجود مشاريع(أكثر جذرية) تدور حول تنازل الوريث لنائبه وضمان مكان آمن له ولعائلته، مع التعهد بعدم محاسبته، والبدء بمرحلة انتقالية عبر (حكومة من المستقلين والمعارضين) لمرحلة عام.. تجرى بعدها انتخابات رئاسية وبرلمانية ...

 إيران القلقة على حليفها وربيبها هي طرف مشارك وليست حيادية، وإيران التي تمدمدت نفوذاً وتأثيراً في العراق تحت بصر وتسهيل الاحتلال الأمريكي والكثير الذي يقال عن وجودها المباشر، وعن دورها مع أتباعها(الأحزاب الشيعية) تلعب لعبة أخرى في الوضع السوري بتقديم بعض الإغراءات للأتراك وغيرهم مقابل كفّ يدهم عن التدخل في الشأن السوري، وبالوقت نفسه تسويق حل التمديد لنظام الطغمة حتى نهاية ولاية الوريث القاتل، وبالوقت نفسه تحمّي الأوضاع في الخليج حول مضيق هرمز، وفي الملف النووي الذي تشبه قصته حكاية ألف ليلة وليلة.. والهدف الرئيس : ألا يمسّ (بؤبؤ العين)، أو ينهار، أو يسقط تحت ضربات الثورة السورية .

 الأتراك يلعبون بالوضع السوري وفق أوراق متشابكة تدخل على خطها مجموعة من الحسابات الداخلية والإقليمية والدولية، ولذلك يناقلون بتمهل، وتناقض، ومراوغة بين عدد من الاحتمالات التي وضعوها منفردين، أو بتشارك بعضها مع حلفائهم في الناتو، لذلك عرفت المواقف التركية ذبذبة وزكزكة تثير حيرة المتعاطفين معها والمراهنين على دور تركي جرى النفخ فيه كثيراً، والاستغاثة به بينما لم يرق إلى مستوى الحد الأدنى الذي تستدعيه تطورات الأوضاع السورية من جار أمل الشعب السوري منه أن يكون عونه، وداعمه في محنته المصيرية وهو يتعرض لحرب إفناء .

 في هذه اللوحة التي تدخل روسيا على خطها بقوة الرهانات والحسابات الروسية، ونهج المصالح الذي يمتدّ إلى قوس الأزمات المعروف، وإلى الاستراتيجيات الدولية التي تريد روسيا أن تثبت أنها عامل فاعل فيها.. يجب أن نرى بعمق وموضوعية الموقف الصهيوني الذي يمكن أن يكون باروميتر الموقف الدولي، وهو الموقف الذي لا يزال داعماً لوجود نظام الطغمة، ورافضاً للعمل على إسقاطه : بتضافر العوامل الذاتية والخارجية .

 *******

 المعارضات السورية التي استفاق بعضها متأخراً على وقع الثورة ومفاعلاتها ووهجها وقوة تأثيرها، أو تلك التي تتوالد في رحم وأحشاء النظام، وعديد السمكيين الذين يتدرعون بالأخطار الخارجية المحدقة بالوطن لتبرير وتمرير وجهات نظر متخلفة بمسافات عمّا طرحته الثورة وعمّا وصلت إليه من مستوى متقدّم على طريق إنهاء الطغمة، وتهديم مملكة الاستبداد والفساد.. يتساوق بعضها مع تلك الطروحات والمشاريع وقد تكاثفت، وارتدت في الفترة الأخيرة حلل الوطنية، ورفض التدخل العسكري الخارجي، وكأن ذلك التدخل على الأبواب ولا ينتظر سوى إشارة منهم، أو من الشعب السوري وحراكه الثوري، وهم يحاولون ركوب الثورة وتصدّرها، وقطف تضحياتها وكأنهم ممثلوها الحقيقيون، أو الأوصياء على مصير سورية ..

 الثورة السورية صناعة وطنية خالصة قام بها الشباب خلافاً لتقديرات، وحسابات، وأوضاع جميع أطياف المعارضة، الجذرية منها والنص نص، والحمائمية والصقورية فيها . تلك حقيقة الحقائق التي يجب ألا تغيب عن أذهان ومواقف الجميع، وأكثر من ذلك : فإن حراك ونشاط ووجود المعارضة اليوم بهذه الكيفية ما كان يمكن له أن يكون أصلاً لولا الثورة وتضحياتها الغالية. وبالتالي : فالثورة هي المرجعية الأولى والأخيرة للجميع، والثورة هي صاحب القرار، وهي المسؤول الأول عن المسار والمآل، وليس من حق أحد كائناً ما كان تاريخه وتضحياته أن يدعي تمثيل الثورة، أو أن يفوض نفسه العمل بصيغ بديلة عمّا تقره، وتطرحه .

 سيحتجّ كثير على مفهوم المرجعية، وسيدخل في متاهة الأسئلة : عمّن تكون، ومن يمثل الثورة؟؟، وسيستعرض هؤلاء أوضاع الحراك الثوري والتنسيقيات، والتعدد في الأشكال التي بلورتها الثورة (الهيئة العامة للثورة اتحاد التنسيقيات والمجلس الثوري لجان التنسيق.. وغيرها) ثم يعدد المصاعب، والخلافات، والداخل والخارج، والحقيقي والمزيف، ومن هو على الأرض ومن يجلس خلف الكمبيوتر.... للوصول إلى نتيجة : أن لا مرجعية واضحة للثورة، وأنه هو المرجعية، وأقله : أن من حقه أن يجتهد، وأن يقدّم ما يراه الأصوب، والأنضج، والأرشد(سنسمع أكوام الحديث عن العفوية، والاندفاع، والعاطفية، وعدم تقدير موازين القوى، والأوضاع الداخلية والعربية والدولية وغيرها كثير كي يعطي هؤلاء أنفسهم جواز مرور لما يقتنعون ويطرحون) ...

 ورغم المصاعب الحقيقية للثورة، وما يعانيه البديل من إشكالات، فإن الثورة قطعت أشواطاً مهمة على طريق البلورة، وهناك شبه إجماع بين جميع مكوناتها وتشكيلاتها على المشترك العام : إسقاط النظام بكافة رموزه وعلى رأسه الوريث، وتقديمه لمحاكمة عادلة، ومجموع القتلة في النظام جراء ما اقترفت أيديهم من مجازر، وطلب الحماية الدولية للمدنيين عبر الهيئة الأممية، ودعم الجيش الوطني الحر باعتباره ذراع من أذرعة الثورة، والعمل لتأمين منطقة آمنة له وللمدن التي تعرض للمجازر ..

 هذه البلورات لا تقبل الغمغمة ولا الالتباس، كما أنها بالضد من كل محاولات التليين والرخاوة والزحلقة والتمرير، وهي مخالفة تماماً لأية سيناريوهات تبقي على حياة رموز نظام الطغمة ولو ليوم واحد، ناهيك عن القبول بالاتفاق معه، وتشكيل حكومة انتقالية لها علاقة به.

 الثورة السورية التي اعتمدت على التضحية بالغالي في سبيل الحرية والكرامة لا يمكن أن تقبل بأقل من إحراز الهدف الرئيس الذي ضحت في سبيله آلاف الأرواح من الشباب، والذي يتم وثكل واعتقل وعذّب وهجّر لأجله مئات الآلاف، وهي لم تشكُ ضعفاً، أو تعباً، ولم تطلب من أحد أن يتوسط لها، أو يقايض باسمها، وهي قادرة على الاستمرار حتى لو ظلت يتيمة كما كان شأنها طوال الأشهر العشرة المنصرمة .

 ولهذا ستسقط جميع السيناريوهات التي لا تلبي الهدف الرئيس، وسيقدر شعبنا على تحطيمها بقوة إيمانه وثباته، كما أنه سيقطع الطريق على كل الأطراف التي تساوم على قضيته، والتي سيلعنها التاريخ، ويضعها في المكان الذي تستحق : كائناً من كانت رموزها وأسماؤها ومبرراتها .

 ستتجذر الثورة، وتنتصر، لأنها باختصار : تعبير عن إرادة الشعب، واستجابة لمسار التاريخ وضروراته ..

==========================

هل تخلى قادة العرب عن الشعب السوري؟!

محمد الياسين

Moh.alyassin@yahoo.ca

يرى الكثير من الساسة والمراقبين للاحداث الجارية في سوريا وقبلهم الشعب السوري بأن موقف الجامعة العربية الاخير جاء مخيب للآمال في الوقت الذي تستمر فيه اله القمع والقتل الاسدية بحصد المئات من الارواح البريئة في المدن والمحافظات السورية الثائرة ، واعتبر البعض ان هذا الموقف كان بمثابة طوق النجاة الذي قدمته الجامعة العربية للاسد وعصاباته الدموية اذ اعطى شيئاً من الشرعية التي افتقدها نظام الاسد الاجرامي على مدى الاشهر الماضية ، يبدوا ان هذا النظام الاجرامي فقد كل معايير الاتزان والسياسة وكشف عن وجهه الاجرامي الحقيقي .

في الوقت الذي وصل به فريق المراقبين الى سوريا حيث استمرت عمليات القتل والاعتقال العشوائية ضد المدنين العزل واستهدفت مباني حكومية في محاولة من قبل النظام المتهاوي الصاق التهمة بالثوار السوريين للفت الانظار عن جرائم عصاباته و "الشبيحه " بإتهام تنظيم القاعدة بالوقوف وراء عمليات التفجير ، ويبدوا ان النظام الفاشل لم يفقد اتزانه فحسب وانما فقد القدرة على تمرير الاكاذيب كما اعتاد على ذلك خلال عقود من الزمن ، اذ جاء التصريح الرسمي بإتهام القاعدة بالوقوف وراء التفجيرات بعد ربع ساعة من عمليات التفجير !، ويذكر ان التفجير حدث في منطقة محصنه امنياً ولا يمكن الدخول اليها بسهولة او التوقف فيها!، واثناء زيارة وفد المراقبين !، فما هذه الصدف بالله عليكم؟! .

من المهم ان نذكر بأن تنظيم القاعدة حليفاً للنظام السوري ، اذ ان الاراضي السورية تعد ملاذا امنا لقيادات وعناصر تنظيم القاعدة ومعبراً هاما واساسيا في تنقلات عناصر التنظيم الى العراق والمناطق المستهدفة، قدم النظام السوري على مدى سنوات طوال دعماً لوجستياً للقاعدة ولاتزال معسكرات التدريب والتجهيز المخصصة لهم في الاراضي السورية قائمة ، فهل ينسى اشراف العراق من اسهم في قتل العراقيين واشاعة الفوضى في بلدهم؟! وهل ينسى السوريون من اباح لنفسه قتل الابرياء واعتقال المدنيين وتعذيب الشباب في المدن والمحافظات السورية ؟! ان نظام الاسد الذي تحالف منذ البداية مع كل قوى الشر والظلام في العالم في سبيل البقاء على سدة الحكم قصراً على السوريين شارف على الزوال بإرادة احرار سوريا وابناءها الاوفياء ، فلم يبقي نظام الاسد لنفسه مبرراً واحداً لبقاءه في السلطة بعد ان حول سوريا في غضون اشهر لدولة اشباح تفوح منها روائح الموت والدمار والخراب واكتست شوارعها بجثث الابرياء وغطتها دماءهم الطاهرة .

 بعد ان استعرضنا جرائم النظام السوري التي بات الكل يعرفها ،هناك في الشارع العربي من يتساءل عن مآلات المواقف الرسمية العربية فهل ان تبدل مواقف الجامعة العربية تجاه الاحداث الجارية في سوريا مؤشر على انحياز القادة العرب لنظام الاسد ضد الشعب السوري ، ام ماذا ؟!.

==========================

القدس والفاتيكان والاحتلال

(تهويد القدس وتصفية الوجود المسيحي فيها سوف يكون هو الخطوة التالية المباشرة لتصفية هويتها العربية الاسلامية)

بقلم نقولا ناصر*

عندما يجد الفاتيكان أن الوضع الراهن في القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي يستدعي المطالبة بحماية دولية للأماكن المقدسة في المدينة، استنكف الكرسي البابوي عن المطالبة بحماية مماثلة لها عندما كانت الأماكن المقدسة تحت الحكم العربي، فإن مطالبته هذه هي مؤشر قوي إلى أن عملية التهويد الجارية على قدم وساق في المدينة المقدسة لا تمثل تهديدا لهويتها العربية الاسلامية فقط، بل تهدد كذلك هويتها المسيحية.

 

وكان "الاتفاق الأساسي" الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية وبين الفاتيكان في 15 شباط / فبراير عام ألفين هو أحدث ضمان عربي للأماكن المقدسة في القدس وغيرها، فهو يضمن "حرية الضمير والديانة للجميع، والمساواة القانونية للديانات الموحدة الثلاث الكبرى، ومؤسساتها ورعاياها، واحترام الطبيعة الخاصة لمدينة القدس وأكنافها، وبالمثل سيحمي الأماكن المقدسة والنظام القانوني المسمى "الوضع الراهن" المطبق على بعضها".

 

ولا يمكن إلا عقد المقارنة بين الروح العربية الاسلامية في التعامل مع الأماكن المقدسة والمؤمنين من شتى الديانات، منذ نص القرآن العربي على التعددية الدينية لأهل الكتاب جميعا كجزء لا يتجزأ من الايمان الاسلامي، ومنذ رسخ الخليفة الثاني عمر بن الخطاب مبدأ الشراكة بين أهل الكتاب في القدس عندما صلى بقرب كنيسة القيامة وليس داخلها، وبين روح الدعوة الصهيونية إلى إعلان القدس عاصمة أبدية موحدة خالصة للشعب اليهودي ولدولة الاحتلال الاسرائيلي على حد سواء، دون أدنى اعتبار لحقوق الآخرين، في توجه مضاد لحركة التاريخ العالمي نحو التعددية والشراكة الانسانية والتعايش بين مكونات التنوع الثقافي>

 

ولم يعد يخفى إلا على أعمى البصر والبصيرة بأن اشتراط الاعتراف العربي والاسلامي ب"يهودية" دولة الاحتلال الاسرائيلي كشرط مسبق لصنع السلام إنما هو الاطار الأوسع لمشروع القانون المعروض حاليا على كنيست دولة الاحتلال لإعلان القدس عاصمة أبدية موحدة خالصة للشعب اليهودي، وهو توجه يستهدف إقصاء الآخر واحتكار المكان والزمان والتاريخ والجغرافيا والديموغرافيا في القدس، وهذا توجه يستهدف في ظاهره الراهن العرب والمسلمين، لكنه استراتيجية لا يمكن إلا أن تنسحب على غيرهم، وأولهم المسيحيون، إن عاجلا أو آجلا.

 

ولا يسع المراقب إلا أن يقارن بين المعركة الخفية التي يخوضها بابا روما حاليا على استحياء لإنقاذ الوجود المسيحي بشرا وتراثا في المدينة التي شهدت أهم الأحداث التي يرتكز عليها الايمان المسيحي وبين "حروب الفرنجة"، كما سماها المؤرخون العرب والمسلمون، أو "الحروب الصليبية" كما سماها المستشرقون الأوروبيون، ل"تحرير" بيت المقدس من عرب ومسلمين لم يهددوا الوجود المسيحي فيها، بمباركة أسلاف البابا الحالي، ليستخلص من هذه المقارنة الاستنتاج الذي لا مناص منه بأن المسيحيين لا يقلون عن العرب والمسلمين استخفافا بالخطر المحدق بالمدينة وهويتها التاريخية العربية الاسلامية المسيحية ووجودهم جميعا فيها وحولها، ولا يقلون عنهم عجزا عن حماييتها وإنقاذها.

 

ويتلمس الفاتيكان نجاة في "التدويل" مستوحيا تدويل القدس في قرار التقسيم رقم 181 لسنة 1947 الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة كمرجعية وحيدة للشرعية الدولية لدولة الاحتلال، وهو قرار من الواضح أن دولة الاحتلال الاسرائيلي لا تأبه به وهي تعلن القدس عاصمة موحدة تحت الاحتلال بينما تتجاهله منظمة التحرير، "الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني"، التي تدعو إلى تقسيم المدينة غربيها تحت الاحتلال وشرقيها عاصمة لدولة فلسطينية مأمولة بالاتفاق مع دولة الاحتلال.

 

ويلفت النظر أن الفاتيكان يبدو انتقائيا في تناوله للتدويل بموجب القرار رقم 181، فهو يتوجه نحو تدويل "ذلك الجزء من القدس الواقع ضمن الأسوار". فمؤخرا، على سبيل المثال، أعلن رئيس مجلس الفاتيكان للحوار بين الأديان ووزير الخارجية السابق الكاردينال جان-لويس تاوران: "لن يكون هناك سلام إذا لم تحل مسالة الأماكن المقدسة حلا ملائما. إن ذلك الجزء من القدس الواقع ضمن الأسوار – حيث الأماكن المقدسة للأديان الثلاثة – هو تراث للانسانية. ويجب حماية الطبيعة المقدسة الفريدة من نوعها له ويمكن عمل ذلك بوضع خاص مضمون دوليا".

 

لقد أخر تأييد الفاتيكان لتدويل القدس طبقا للقرار 181 اعترافه "الرسمي" بدولة الاحتلال الاسرائيلي حتى عام 1993، وقد أصبح ذلك الاعتراف ممكنا فقط بعد أن وقعت منظمة التحرير اتفاق أوسلو سيء الصيت فلسطينيا مع دولة الاحتلال في العام ذاته. ووقع الفاتيكان ودولة الاحتلال "الاتفاق الأساسي" في 30 كانون الأول / ديسمبر 1993 وتبادلا السفراء بعد أشهر من التوقيع، وقد أصبح هذا الاتفاق نافذا في 10 آذار / مارس من عام 1994 التالي، وأعقبه توقيع اتفاق على الاعتراف بالنتائج المدنية للشخصية القانونية للكنيسة الكاثوليكية في 10 تشرين الثاني / نوفمبر 1997 الذي اصبح نافذا في 3 شباط / فبراير عام 1999.

 

لكن الاتفاقين ما زالا بانتظار مصادقة الكنيست عليهما، وما زالت "لجنة العمل الثنائية" تتفاوض على الوضع القانوني لأملاك الكنيسة الكاثوليكية ورعاياها في دولة الاحتلال الاسرائيلي.

 

وكان نائب وزير خارجية دولة الاحتلال، دانييل أيالون، عام 2010 قد وصف وضع هذه المفاوضات ب"الأزمة"، بينما حمل عضو وفد دولة الاحتلال الى هذه المفاوضات، الحاخام دافيد روزين، دولته المسؤولية عن "الأزمة" في هذه المفاوضات عندما قال في مقابلة مع صحيفة هآرتس بتاريخ 17 كانون الثاني / يناير 2010 إن دولة الاحتلال لم تكن "مخلصة" في تنفيذ الاتفاقين الموقعين بين الجانبين.

 

يتفق الفاتيكان مع كنائس مسيحية رئيسية اخرى على ان "الوجود" المسيحي مهدد في مهد المسيح، وقد شارك مع الطوائف الأخرى المعنية بالحفاظ على هذا الوجود في مؤتمرات وضعت خططا لتعزيزه، غير ان الفاتيكان ما زال حتى الآن يفضل التلميح بدل التصريح بان الاحتلال الأجنبي كان وما زال هو السبب الرئيسي للخطر المحدق بهذا الوجود، خصوصا الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين والأميركي في العراق.

 

وإذا كانت "أملاك" الكنيسة الكاثوليكية تسوغ الدبلوماسية الهادئة، فإن الخطر على "الوجود" المسيحي يقتضي دبلوماسية مختلفة نوعيا تماما، تعلن "الأزمة" ولا تبقيها صامتة مع دولة الاحتلال.

 

وعلى سبيل المثال، فإن "الحماية" الدولية التي يطالب بها وزير خارجية "سابق" للفاتيكان بصفة "غير رسمية" يجب أن ترتقي إلى مستوى طلب رسمي يقدمه وزير الخارجية "الحالي، دومينيك مامبيرتي، و"الجزء من القدس الواقع ضمن الأسوار" الذي طالب به سلفه الكاردينال تاوران يجب أن يتسع ليشمل مساحة الوجود المسيحي، والتنسيق بين العرب والمسلمين والمسيحيين يجب أن يرقى إلى أرفع مستوى ليشمل الكرسي البابوي ذاته ولا يظل مقتصرا على "هيئة اسلامية مسيحية" محلية لنصرة القدس.

 

ويدرك الفاتيكان قبل غيره الاستراتيجية الصهيونية – الاسرائيلية التي استهدفت منذ البداية تصوير الصراع العربي – الصهيوني على فلسطين باعتباره صراعا بين الديانتين اليهودية والاسلامية، ولذلك حرصت هذه الاستراتيجية ولا تزال تحرص على تهميش الوجود المسيحي في فلسطين بخاصة إن لم تستطع القضاء عليه حتى يستمر دعم الدول الغربية العلمانية ذات الأغلبية المسيحية لدولة المشروع الصهيوني في فلسطين.

 

ويبدو الفاتيكان في طريقة إدارته لأزمته الصامتة مع دولة الاحتلال كمن يتحرك في دائرة هذه الاستراتيجية دون أن يحاول كسر حلقتها مما يساهم إلى حد كبير في تضليل الرأي العام المسيحي والغربي حول حقيقة الصراع من أجل التحرر الوطني في فلسطين.

 

إن تسريع وتكثيف تهويد المدينة المقدسة خلال السنوات القليلة الماضية يدق أجراس إنذار تسمع حتى من به صمم، وقد حان الوقت كي يتحرك الفاتيكان على أساس أن تهويد القدس وتصفية الوجود المسيحي فيها سوف يكون هو الخطوة التالية المباشرة لتصفية هويتها العربية الاسلامية.

*كاتب عربي من فلسطين

nassernicola@ymail.com

=========================

الأبطال غار النصر

د. سماح هدايا

الأوطان تحت عواصف الثورات الكبيرة، لا تحتاج إلى وابل النظريات السياسية. تحتاج أكثر ما تحتاج، وهي في دورة اشتعالها الناري، إإلى البطولة وإلى الأبطال الشجعان؛ لأنّ ثورات الحريّة الكبيرة، في انقلابها على ظلمات القهر والاستبداد؛ تواجه شديد العنف والإرهاب من طرف الطغاة المجرمين، مما يضع الثورة وجها لوجه أمام متطلبات تضحية هائلة، لن يقدر عليها إلا الأبطال البواسل والشجعان الأوفياء، والاستشهاديون والفدائيون الأكارم المتسلحون بروح البطولة والفداء؛ إذ يستطيع هؤلاء الأبطال الذين تنجبهم الثورة من رحم المعاناة والنضال ، أن يحملوا في ذواتهم وأفعالهم طاقات الحلم والأمل؛ ويرتقوا في خضم الأزمات والمهالك والمخاطر إلى رموز خلاص وإلى مخلّصين.

 إنّ البطل الشجاع الحر الثّائر على الظلم والقهر، المولود على مشارف البسالة والثورة والفداء، الطامح بالكرامة والحريّة والعدالة. على الرّغم من كلّ الظّروف القاسية الغاشمة القاهرة، هو الذي يمنح الثورة كثيرا من طاقة الاستمرار ويحفّز الخائفين لكي يثوروا ويتحرّروا من الخوف ومن قيود الظلم والذل. وإنّ تضحيات الأبطال هي الشرارة التي تشعل الإرادة الحرّة في الأخرين، وتحرّك مصائرهم نحو النصر والحسم؛ فتضحية البطل فعل ضروري وعظيم للنصر، وهو أمر في غاية العاطفيّة والتعاطف. وتتجلّى في رمزيته عبقريّة الشّعوب الحرّة المناضلة المجاهدة وقوة إنجازاتها؛ فهي تصنع البطل في فلسفتها وأدبياتها، وتبحث عنه في واقعها، وتوجده أكثر إيجابية وعملقة مما هو في الخيال، إذ يقوم بفعل الثورة العظيم، وينساب في ضمير الشعب كالحلم، ليتحول إلى حالة شديدة القدسية والأهميّة، شبيهة بحالة الصالحين الخالدين، ويعمل بدمائه التي يغرق قي طهارتها على تأجيج الفعل الثوري وإشعال المزيد من نار الثورة. وتتجذر صورة البطل الفدائي المضحي الشهيد في الوثائف الواقعيّة لأيّ ثورة نبيلة، وفي الأدبيات الدينية، وفي الحكايات والأساطير، فهي تمثّل الصّورة الرائعة للكمال الإنساني التي نريدها، ونفتقر إليها بحكم ضعفنا البشري وتقاعسنا الإنساني.

 والبطل من ناحية أخرى، يختصر الخبرة الجماعيّة التي تشكّل جوهر الفرد والمجتمع. البطل يجسّد أحلامنا وأنفسنا المتطلّعة إلى الخلاص، والمستعدة للتّضحية في سبيل الهدف الأنبل، هدف الحرية، يحمل في عطائه السخي السّمات العظيمة للبشر المتميزين، وقوة النّفس والعبقريّة، ويخوض بقوة وإرادة وشجاعة غمار الصّراع، لذلك هو يرفض خوفنا عليه وندبنا على موته.

 البطل الشهيد يجب أن ألا يحرك فينا عاطفة الشّفقة والعطف، وفعل البكاء ولطم الخدود كما لدى الضّعفاء، بل يجب أن يجعلنا نقوى بتضحيته، ونتعملق في فعلنا، ونتشارك معا قوة التضحية المعنويّة والواقعيّة. يجب أن نجلّه ونحترمه ونقدّر إنجازاته وتضحياته ونتقبّل الفاجعة الحمراء على أنها هدية ثمينة نحافظ عليها؛ لأنّه أرادها من أجلنا، ومن أجل الأرض والسماء، وأراد لنا أن نعرفها، لكي نعرف كيف نعيش بحريّة وعدالة. البطل الشهيد هو الأقوى لأنّه جمع في بطولته بين الحقيقة الواقعيّة الفدائية، والخيال الجميل الحالم المبشر بمطلق الأمل والخير وبمطلق انتصار العدل، حيث ينتهي إلى آفاق لا نهائيّة، لحظة يكون احتمال الموت قويّا وضروريا للحياة، عندما تغيب علامات الضعف والعبودية المستترة في مخاوف الخطر المحدّق.

 الإنسان البطل الشهيد، هو نار الثورة وهو تغار النصر. إنّه حالة تمايز وتميّز. يموت كما سيموت كل إنسان على الأرض، لكنّه، يموت ببطولة وجرأة وكرامة وإيمان، ومن غير أن أن يدق على أبواب التذلل والرتابة والعجز، ويكتفي بالمتعة الدنيوية الضيقة، ويسوّغ الأنانية والسّعادة العابرة. إنه يجري دائما وراء ما هو أكبر من خلايا الجسد الفاني ومادية وجوده البشري الآني، يجري إلى الكمال القيمي والخلود الروحي، لكي تستمر الأمة بالبقاء الحي الشريف، ولكي تصبح الأمكنة على أرضنا حرة جميلة بهيجة، وتثمر حياة اليشر أمة حرة وأناسا أحرارا، ولكي تستمر حركة التّاريخ وتسمو حركة الحياة.. العزة والشموخ لأبطالنا الثوار الأحرار، والمجد لأرواح شهدائنا الأبرار.

==========================

الجمعة الدامية

محمد فاروق الإمام

يوم دام أراده النظام السوري ليخضب أرض حي الميدان بدمشق.. الحي الذي كان في يوم من الأيام عصياً على الفرنسيين، يواجه آلتهم العسكرية الجهنمية بصدور أبنائه العارية كما يفعل اليوم مع العصابة الحاكمة في دمشق، التي طغت وبغت وتجبرت واستهانت بدماء السوريين وتفننت في سفكها جهاراً نهاراً مستغبية عقول العرب، ساخرة من هذا العالم المتفرج على هذا المسلسل الدموي المجنون والعبثي الذي يسيل من دماء أجساد السورين منذ عشرة أشهر، دون أن يكون له أي تحرك جدي وفاعل في مواجهة هذه العصابة السفاحة التي فاقت في جريمتها يوم أمس الجمعة 6 كانون الثاني ما حدث في الثلاثاء الدامي في باريس قبل 440 سنة، وما عرف بمذبحة ( سانت بارتيليمي) التي نفذها القتلة فجر يوم الثلاثاء بعدد من الفرنسيين المسالمين الرافضين لطغيان وظلم وجبروت حكام فرنسا آنذاك، وما أشبه ما حدث في حي الميدان بدمشق بما حدث في سانت بارتيليمي بباريس بالأمس.. فالضحية مواطنون مسالمون والقاتل سفاح باغي متسلط.

خرج الناس بعشرات الألوف في جميع المدن والبلدات والقرى السورية يوم جمعة الأمس التي سموها (جمعة إن تنصروا الله ينصركم-التدويل مطلبنا)، يريدون النصر من الله في مواجهة هذا النظام السادي الذي لا يرتوي من شلالات الدماء التي يفجرها على مدار الساعة في كل سورية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، فنجيع هذه الدماء يسيل لها لعاب هذا الغول المتوحش القادم إلينا من كهوف برابرة العهود الغابرة، يقود عصابة من آكلي لحوم البشر التي استقدمها من مجاهل غابات قم والضاحية الجنوبية، التي فاقت الضباع الجائعة والذئاب الكاسرة والكلاب المسعورة السائبة وحشية وهمجية.

خرج هؤلاء الفتية يوم أمس الجمعة بصدورهم العارية كعادتهم في كل يوم منذ عشرة أشهر بلا كلل أو ملل أو خوف من مصير ارتضوه ثمناً للحرية التي يريدون انتزاعها من هذا النظام الباغي، وقد حملوا أرواحهم على أكفهم متسابقين إلى الجنة بالملايين، لبسوا الأكفان بكل الألوان بعد أن عزَّ بياضها وفُقد، ليقولوا للعالم أجمع: تفرج واصمت ما شئت فلن نتراجع ولن تُفل عزيمتنا أو تخور إرادتنا فإنا ماضون في طريق العزة والكبرياء والشموخ حتى الفوز بإحدى الحسنيين (الشهادة أو النصر).

خرجوا تحت شعار (التدويل مطلبنا) بعد هذا الإخفاق المريع لجامعة الدول العربية ومراقبيها الذين كانوا (أخيلة مآتى) لا يرون ولا يسمعون ولا يتكلمون إلا ما يريده فرعون الشام الصغير وهاماناته، وقد وضعهم في متاهات ونسج لهم الأحاجي وفبرك لهم الأحداث وقادهم حيث يريد ومنع عنهم ما لا يريد، بعيداً عن رصد عين الحقيقة في غياب إعلام مستقل ومهني محايد، ضارباً عرض الحائط بكل بنود وشروط المبادرة العربية التي قبلها والبروتوكول المرفق للمبادرة الذي وقعه، دون أن ينفذ ما عليه تنفيذه في تحد صارخ للعرب وجامعتهم واستهزاءاً بكل وزراء خارجيتهم الذين صاغوا المبادرة ووضعوا البروتوكول، دون أن يتمعر وجه أي وزير من هؤلاء الوزراء أونسمع منه كلمة حق في النظام السادي السوري، اللهم إلا من موقف شجاع تعودناه من دولة قطر بشخص رئيس وزرائها ووزير خارجيتها الشيخ حمد بن جاسم الذي أعلن صراحة أن دمشق "لم تنفذ أياً من بنود البروتوكول الذي وقعت عليه ولم تلتزم بشروط المبادرة العربية التي وافقت عليها"، في حين أكد الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي في تصريحات يوم الاثنين الماضي "إن عمليات القتل لا تزال مستمرة في سوريا، وإن القناصة لا يزالون يهددون أرواح المدنيين". ودعا إلى وضع حد لإطلاق النار. كما سلم العربي – على ضوء أحداث يوم الجمعة الدامية - رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خالد مشعل رسالة للسلطات السورية، تتضمن دعوة النظام في دمشق "لوقف العنف والعمل بشفافية ومصداقية".

يوم غد الأحد 8 كانون الثاني سيعقد وزراء الخارجية العرب اجتماعاً لاستعراض التقرير الذي سترفعه بعثة المراقبين العرب لمجريات الأحداث في سورية ومدى التزام دمشق بالمبادرة العربية التي وافقت عليها دون تحفظ والبروتوكول الذي وقعت عليه بعد قبول الجامعة للتحفظات والشروط التي أدخلتها دمشق على البروتوكول، في خطوة مريبة رفضتها المعارضة السورية بكل أطيافها.

المجلس الوطني السوري من جهته طالب الجامعة العربية بتحويل الملف السوري إلى مجلس الأمن وقد عجزت الجامعة عن إيجاد حل لوقف شلال الدم المتصاعد، وأخفق المراقبون العرب في تمكينهم من نقل الحقائق التي تجري على الأرض لعدم تعاون السلطات الحاكمة في دمشق معهم، والتي تقيد تحركاتهم وتماطل في تقديم الخدمات اللوجستية لهم وتحول بينهم وبين الوصول إلى الأماكن الملتهبة، أو مقابلة المتظاهرين أو المنكوبين أو الجرحى أو النازحين أو المعتقلين، ممارسة التلاعب بأسماء المدن والبلدات والأحياء سخرية من هؤلاء المراقبين، مستغلة عدم معرفتهم بالمدن والبلدات والقرى والأحياء السورية وجهلهم بمواقعها الحقيقية.

أخيراً ليس أمام الشعب السوري إلا الصبر والثبات والاعتماد على النفس في مواجهة هذا النظام السادي الباغي المجرم، وأن عليه وحده مسؤولية تفعيل هذه الثورة بإمكانياته الذاتية وابتكاراته الخلاقة التي عهدها العالم من الشعب السوري المبدع في السلم والحرب، وقد مر على الشام أحداث وأحداث وخرجت منها ظافرة منتصرة، ولن يكون هذا الفرعون الصغير عصياً عليها وقد حملت شعار (إن تنصروا الله ينصركم)، فنصر الله قادم.. وما النصر إلا صبر ساعة.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ