ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
انتهاكات
حقوق الإنسان في سوريا في
ضوء العهد الدولي للحقوق
المدنية والسياسية د.
صابر جيدوري على
الرغم من مرور أكثر من نصف قرن
على الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان، وبالرغم من الاهتمام
المتزايد الذي أصبحت تلاقيه
حقوق الإنسان سواء على المستوى
الدولي أو المستوى الداخلي
للدول، فإن انتهاك حقوق الإنسان
ما يزال قائماً في شتى بقاع
العالم، ومن أخطر أنواع تلك
الانتهاكات: انتهاك حق الإنسان
في الحياة، وانتهاك حقه في
الحرية وإخضاعه لحالات
الاختفاء القسري، والانتهاكات
التي تدخل في إطار أشكال التعصب
والتمييز القائمين على أساس
الدين أو المعتقد، وانتهاك حقوق
الطفل في الحياة
وحقوق المرأة، بالإضافة إلى
انتهاكات الحق في حرية الرأي
والتعبير. وخير دليل على ذلك ما
نشاهده يومياً من انتهاكات
صارخة لكل هذه الحقوق، وخاصة في
سوريا التي تجتاحها ثورة شعبية
ترفض كل أشكال الاستبداد
والإكراه والقمع الذي تُمارسه
الديكتاتورية الحاكمة في سوريا.
وفي هذا المقال توضيح لانتهاكات
حقوق الإنسان في المجتمع السوري
على خلفية المظاهرات الشعبية
المطالبة بالحرية والديمقراطية
والكرامة الإنسانية ؟
1- حق
الحياة والسلامة والأمن
يستمد هذا الحق – في نظر
الإسلام – أساسه ومصدره من
حقيقة أن حياة الإنسان إنما هي
هبة من الله عز وجل، ولذلك فإن
الاعتداء على هذا الحق يجب أن
يواجه بعقوبة مشددة للغاية. ومن
مظاهر حماية الإسلام للحق في
الحياة تحريم القتل العمد
للنفس، ودون تفرقة في ذلك بين
الرجل والمرأة، أو بين المسلم
وغير المسلم، أو بين العاقل
والمجنون، أو بين الشريف
والوضيع، أو بين العالم والجاهل..
وقد ارتقى الإسلام بهذا الحق
إلى الحد الذي اعتبر أن
الاعتداء عليه يرقى إلى مرتبة
الاعتداء على الناس كافة. ومن
الآيات القرآنية الدالة على ذلك
قوله تعالى: مَنْ قَتَلَ
نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ
فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ
جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا
فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ
جَمِيعًا(المائدة :32) كما يُستدل
على حماية الإسلام حق كل فرد في
الحياة، ما ورد في خطبة الوداع
حيث شدد فيها الرسول صلى الله
عليه وسلم على حرمة النفس ونهى
عن قتلها بقوله: ".. أيها الناس
إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم
عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم
كحرمة يومكم هذا وكحرمة شهركم
هذا، وأنكم ستلقون ربكم فيسألكم
عن أعمالكم.." (عمارة،1989: 162-167)
من جهة أخرى تنص المادة
السادسة من العهد الدولي على أن
لكل إنسان الحق الطبيعي في
الحياة، ولا يجوز حرمان أي فرد
من حياته بشكل تعسفي، أي لا يجوز
حرمان الشخص من حياته بطريقة
غير قانونية أو غير عادلة، ومن
دون حماية هذا الحق فإن كافة
الحقوق الأخرى المنصوص عليها في
العهد الدولي تبدو خالية من
المعنى ومعدومة الوجود. مما
يتطلب من الدولة حماية هذا
الحق، وذلك من خلال تجنب الحروب
والنزاعات المسلحة وكافة أشكال
العنف الجماعي التي ما زالت
ويلاته تودي بحياة الآلاف من
الأبرياء، على نحو ما يحدث في
البلدان العربية التي اجتاحتها
الثورات الشبابية، ومن قبلها ما
حدث في كوسوفو والبوسنة وفلسطين
والعراق.. (دونللي، 1998 : 24)
كذلك يندرج تحت حماية هذا
الحق التزام الدولة بتقصي حالات
الاختفاء القسري، وهي ظاهرة
تتفشى في عدد من الأقطار
العربية، ومما يهدد الحق في
الحياة تسرع التجاء الشرطة
وقوات الأمن في استعمال الأسلحة
النارية ضد المسيرات السلمية،
وعدم احترام تلك القوات
للمعايير الدولية الخاصة
باستعمال تلك القوات للأسلحة
النارية. فالدولة وفق المادة
السادسة للعهد الدولي ليست
مطالبة باتخاذ الإجراءات
اللازمة لقمع الأعمال
الإجرامية المؤدية إلى الحرمان
من الحق في الحياة، وإنما عليها
أيضا فرض التزام قوات الأمن
التابعة لها بعدم قتل الأفراد
تعسفيا. ومما يستحق الإشارة هنا
أن المادة السابعة من العهد
الدولي تؤكد على أنه لا يجوز
إخضاع فرد للتعذيب أو عقوبة أو
معاملة قاسية أو غير إنسانية أو
مهينة، كما تنص المادة العاشرة
على وجوب معاملة الأشخاص
المحرومين من حرياتهم معاملة
إنسانية مع احترام الكرامة
المتأصلة في الإنسان، مع ملاحظة
أن مفهوم التعذيب وفق المادة
السابعة من العهد الدولي لا
يقتصر على التعذيب البدني، بل
يشمل كافة صوره النفسية
والمعنوية. (خليل، 2012، انترنت: 6)
ومن هنا فإن حماية الفرد من هذه
الأعمال هو حق لا يجوز المساس به
حتى في حالات الطوارئ، كما أن
واجب الدولة يستلزم حماية الفرد
من ارتكابها من جانب رجال
الدولة في عملهم الرسمي أو خارج
عملهم الرسمي أو حتى بصفتهم
الشخصية، كما لا يجوز إعفاء
هؤلاء من المسؤولية الشخصية
بدعوى ارتكابهم لمثل هذه
الأعمال تم بتكليف من سلطة عامة.
ومما
يستحق الالتفات إليه إن هذا
الحق قد تم انتهاكه بشكل فاضح في
الكثير من المحافظات السورية من
قبل قوات الجيش والأمن
والشبيحة، فحياة الكثير من
المواطنين تعرضت للموت
والاختفاء القسري والاعتقال
نتيجة الممارسات الاستبدادية
التي مارسها النظام على
المتظاهرين السلميين المطالبين
بالحرية والديمقراطية والكرامة
الإنسانية، وقد وثقت الكثير من
المنظمات المحلية والإقليمية
والدولية انتهاكات النظام
السوري لحق المواطنين في الحياة
والأمن والسلامة، كان آخرها
المجزرة التي حصلت في حي
الخالدية وكان ضحيتها أكثر من
(300) شهيد. هذا فضلاً عما تعرضه
وسائل التواصل الحديثة (فيس بوك
و تويتر) من مقاطع فيديو توضح
جرائم النظام بحق المتظاهرين
السوريين في عموم الجغرافيا
السورية، وتؤكد مخالفته
اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949
المتعلقة بحماية المدنيين. 2- حق
ممارسة الحياة الدينية
يُعد الإسلام من أكثر نماذج
الحضارة الإنسانية تسامحاً في
الدين والفكر والاجتماع،
فالإسلام هو أول دين في تاريخ
الإنسانية أعطى للإنسان الحق في
اعتناق عقائد سماوية أخرى، غير
متفقة مع العقيدة الإسلامية،
وقد أقر لأصحاب هذه العقائد
حرية ممارسة شعائرهم الدينية في
ظل الإسلام وحكمه. وقد تعايشت في
ظل الحضارة الإسلامية أقوام
وشعوب وقوميات وأجناس وثقافات
مختلفة على مبدأ الإخاء
والمساواة، يُضاف إلى ذلك كله
أن الفاتحين العرب كانوا أكثر
الفاتحين تسامحاً في التاريخ
الإنساني.(وطفة والراشد، 1998: 77)
وقد بات واضحا لكل مستقرئ
للتاريخ الإسلامي أن الإسلام لا
يُكره أحداً على الدخول فيه
واعتناقه، بدليل قوله تعالى:
لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ
قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ
الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ
بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ
بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا
انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيمٌ (البقرة : 256)
من جهة أخرى ينصرف مضمون
المادة الثانية عشرة من العهد
الدولي إلى أوسع التفسيرات لحق
ممارسة الحياة الدينية، من خلال
حماية كافة صور الفكر والعقائد
الدينية، وعدم التمييز ضد أي
صورة من صورها. كما يشمل ذلك
حماية حق الفرد والجماعة في
إقامة الشعائر التي تتفق
ومعتقداتهم، فلا يجوز تقييد ذلك
إلا بنص القانون وبشرط أن يكون
التقييد لحماية السلامة العامة
أو النظام العام أو الصحة،
وعموماً يجب أن تكون تلك القيود
في أضيق الحدود. ومما يستحق
التأكيد إنه إذا كانت الدولة
تتخذ من دين معين ديناً رسمياً
لها، فإن ذلك لا يعني المساس
بالحق المكفول لمن يعتنقون
ديناَ آخر، كما لا يجوز التمييز
ضدهم في النواحي الأخرى مثل
الحق في تولي المناصب العامة،
أو حرمانهم من المزايا التي
يتمتع بها المواطنون عامة. (خليل،
2012، انترنت: 11) وإلى ذلك ذهب
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
في مادته الثامنة عشر أنه "
لكل شخص الحق في حرية التفكير
والضمير والدين، ويشمل هذا الحق
حرية تغيير ديانته أو عقيدته،
وحرية الإعراب عنهما بالتعليم
والممارسة وإقامة الشعائر
ومراعاتها سواء أكان ذلك سراً
أم مع الجماعة ".
ولو دققنا النظر في التطبيق
الحادث لما جاء في العهد الدولي
والإعلان العالمي لحقوق
الإنسان فيما يتصل بحق الإنسان
في ممارسة الحياة الدينية في
الكثير من المحافظات السورية،
سوف نجد أن هناك انتهاكاً
واضحاً لهذا الحق من قبل النظام
السوري، فقد بات واضحاً أن
النظام يلاحق جميع النشطاء
الذين يذهبون للصلاة في المساجد
بحجة أنهم يحرضون المصلين على
التظاهر، كما أصبح معروفاً
انتهاكات نظام الاستبداد لحرمة
المساجد والاعتداء عليها، فما
حصل في المسجد العمري بدرعا من
انتهاكات موثقة في كل وسائل
الإعلام المرئي والمقروء
والمسموع، وما حصل من قصف لمآذن
الكثير من المساجد وشاهده كل
مواطني العالم مشاهدة حسية لهو
دليل واضح على انتهاك النظام
السياسي السوري لهذا الحق، هذا
فضلاً عن الاعتداء على رجال
الدين الإسلامي الذين انحازوا
إلى الثورة وهم كثيرون، اذكر
منهم على سبيل المثال لا الحصر
الشيخ احمد الصياصنة إمام
المسجد العمري بدرعا الذي دفع
ثمن وقوفه إلى جانب الثورة
واحداً من أبنائه الذي رفض أن
يُرشد قوات الأمن والشبيحة عن
مكان والده فكان مصيره القتل
على أيدي عصابات النظام.
3- الحق
القانوني يُعد
العدل من أهم أركان الشريعة
الإسلامية وفقاً لقوله تعالى:
وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ
النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا
بِالْعَدْلِ (النساء: 58) وهذا
يعني أنه لا جدال في أن ضمانات
إقامة العدالة تُشكل ركناً
أساسياً لازماً لحماية حقوق
الإنسان كافة. لذلك أوردت
المادة الرابعة عشر من العهد
الدولي المبادئ والحقوق التي
تكفل ذلك، بحيث يكون لكل فرد
الحق في محاكمة عادلة وعلنية
أمام قضاء مختص ومستقل ومحايد
يتصف بالنزاهة، وينسحب ذلك على
النواحي الإجرائية التي تحدد
الضمانات القانونية للمتهم.
كذلك لا بد من احترام مبدأ أن
المتهم بريء حتى تثبت إدانته
ثبوتاً قطعياً، وهو مبدأ أساسي
لحماية حقوق الإنسان، كما أنه
يعني أن عبء الإثبات يقع على
سلطة الاتهام، وأن الشك يفسر
دائماً لصالح المتهم، وعلى
السلطات العامة كفالة الامتناع
عن الأحكام المسبقة على نتيجة
المحاكمة.
هذا وتكفل المادة الرابعة
عشر من العهد الدولي عدداً من
الضمانات لكل فرد توجه إليه
تهمة جنائية حدها الأدنى يشمل
إبلاغه فوراً بطبيعة وسبب
التهمة الموجهة إليه، وإتاحة
الوقت الكافي للمتهم لإعداد
دفاعه واحترام حقه في تكليف
محام للدفاع عنه، وحرية اتصاله
بمحاميه وضمان سرية هذه
الاتصالات، هذا فضلاً عن ضرورة
إجراء المحاكمة خلال فترة زمنية
معقولة دون تأخير، الأمر الذي
لا يعني بداية المحاكمة فحسب،
بل يشمل الفترة التي تستغرقها
المحاكمة حتى الحكم النهائي
البات. كذلك من حق المتهم أو
محاميه مواجهة شهود الإثبات،
وحضور شهود النفي أمام المحكمة
بنفس شروط مشاركة شهود الإثبات،
ولا يجوز إجبار المتهم على أن
يشهد ضد نفسه، أو دفعه للاعتراف
بالجريمة. كما أن أي إكراه في
ذلك لا يجوز الاعتداد بنتائجه
أمام المحاكم، كما لا يجوز
محاكمة أحد أو معاقبته مرة
ثانية عن جريمة سبق أن صدر في
حقه حكماً نهائياً، أو أفرج عنه
طبقاً للقانون والإجراءات
القانونية المعمول بها. ولكل
فرد أدين بحكم قضائي الحق في
الطعن على الحكم بالإدانة
وبالعقوبة أمام محكمة أعلى درجة
طبقاً للقانون.(Francis,1985:220)
ومن هذا المنطلق فإن محاكمة
المدنيين أمام محاكم عسكرية أو
محاكم خاصة تصدر أحكاماً نهائية
يحرم الفرد من أحدى الضمانات
الأساسية للمحاكمة العادلة،
فالمحاكم العسكرية كما هو معروف
لها اختصاص أصيل تنفرد بموجبه
بالولاية في محاكمة العسكريين
عن جرائم عسكرية وفق إجراءاتها
الخاصة طبقاً لقوانين الأحكام
العسكرية. وهذا يعني أن محاكمة
المدنيين أمامها هو إجراء يسقط
حق الفرد العادي في أن يحاكم
أمام قاضيه الطبيعي في ظل كافة
الضمانات التي تتطلبها المادة
الرابعة عشر من العهد الدولي.
وتعتبر المادة المذكورة أن
الأصل هو وجوب علانية المحاكمة
باعتبار أن ذلك يعد أحد ضمانات
المحاكمة العادلة، كذلك ينصرف
مضمون المادة الرابعة عشر من
العهد الدولي إلى أن أحد
الأركان الأساسية لضمان إعمال
الحق في المحاكمة العادلة هو
استقلال السلطة القضائية
واستقلال القضاة كأفراد،
فاستقلال السلطة القضائية ككل
يعني اختصاصها بالولاية
القضائية كاملة أي الانفراد
بمهمة الفصل في المنازعات
والخصومات، فالقضاء لا يمكن أن
يؤدي رسالته في تأكيد سيادة
القانون وحماية حقوق الإنسان
وكفالة حرية المواطنين إلا
باستقلاله.(خليل، 2012: انترنت، 10)
انطلاقاً مما سبق يمكن
القول: إن الحق القانوني
للإنسان السوري قد تم انتهاكه
مراراً وتكراراً، فعلى الرغم
مما جاء في العهد الدولي من مواد
تمنع انتهاك هذا الحق، غير أن
الواقع الفعلي يؤكد عدم احترام
النظام السوري التزاماته
الدولية، فقد أهدر النظام كرامة
الأفراد ومارس عليهم كل أنواع
التعذيب والمعاملة القاسية،
وانتزع منهم ما يُريد من
اعترافات بطريقة عنفية غير
إنسانية من دون أن يوفر لهم أدنى
مقومات المحاكمة العادلة، أو
يسمح لهم الاتصال بذويهم أو
محاميهم، فضلاً عن عدم معرفة
مكان الاعتقال والتهمة الموجهة
للمعتقل، بل أكثر من ذلك إلصاق
التهم بالمعتقلين وهم من هذه
التهم براء، هذا جانب من الصورة
وهناك جوانب أخرى أكثر بشاعة،
فما تبثه الفضائيات العربية
والأجنبية عن انتهاكات الحق
القانوني في سوريا يندى له جبين
الإنسانية، علماً أن ما يُشاهد
على شاشات التلفزة العربية
والأجنبية لا يساوي 2% مما يحصل
داخل أقبية المخابرات والسجون
المعلنة منها والسرية. وفي كل
ذلك مخالفة لما نصت عليه المواد
(5-8-9-10-11-12) من الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان، والتي تؤكد
جميعها على ضرورة احترام الحق
القانوني للإنسان (إي إنسان) وفي
أي مكان من العالم.
4- حق
حرية الرأي والتعبير
يحتل هذا الحق مكانة مهمة في
التشريع الإسلامي، حيث شدد
الإسلام على وجوب أن يكون
الإنسان حراً في إبداء رأيه في
التعبير عن موقفه إزاء كل ما
يتصل بشؤونه وشؤون مجتمعه،
وإزاء كل ما هو حق وعدل. ومن
الأحاديث النبوية الشريفة التي
شددت على وجوب إبداء الرأي
بشجاعة ومن دون خوف نذكر منها
قوله صلى الله عليه وسلم: "
أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان
جائر" ويتصل بذلك أيضاً ما
أخبر عنه صلى الله عليه وسلم من
أن: " الساكت عن الحق شيطان
أخرس " (هدية، 1989: 36)
من جهة أخرى تُعد حرية الرأي
والتعبير من مقومات النظم
الديمقراطية، فالانتقاص منها
هو انتقاص من الحكم الديمقراطي
السليم. ومفهوم المادة التاسعة
عشر من العهد الدولي ينصرف إلى
أن حق الفرد في اعتناق الآراء
التي يختارها دون تدخل هو حق لا
يقبل أي قيد أو استثناء، كما أن
حرية التعبير تشمل الحق في تلقي
واستقصاء ونقل المعلومة
للآخرين، وفي التعبير عن الرأي
والفكر ونقله إلى غيره بأية
صورة، سواء أكان ذلك شفاهة أو
كتابة أو عن طريق الكلمة
المطبوعة أو المسموعة، أو في
صورة فنية أو بأي وسيلة أخرى
يختارها الفرد. (خليل، 2012:
انتلرنت، 11) مع التأكيد على أنه
إذا كانت حرية الفرد في اعتناق
الرأي الذي يختاره لا تقبل
بطبيعتها أي قيد، فإن إطلاق
الحق في التعبير عن الرأي لا
يعني أنه لا يحمل معه واجبات
ومسؤوليات معينة تسمح بفرض بعض
القيود التي تتطلبها حماية
مصالح الآخرين أو مصلحة الجماعة
ككل، على ألا تفرغ تلك القيود
الحق في التعبير من مضمونه.
ولو دققنا النظر في التطبيق
الحاصل لحرية الرأي والتعبير في
سوريا، فالجميع يعلم أنه بمجرد
مطالبة المتظاهرين بقليل من
الحرية والديمقراطية والكرامة
الإنسانية المختطفة منذ عقود،
ظهر موقف النظام السوري المستبد
من الحرية بجناحيها التفكيري
والتعبيري، حيث بدأ بقمع
المتظاهرين في محافظة درعا منذ
اللحظة الأولى التي أعلنوا فيها
رفضهم لكل أشكال الظلم والقهر
والطغيان، بل وصل الأمر إلى
اعتقال الأطفال الذين كتبوا على
جدران مدرستهم بعض العبارات
التي تنادي بالحرية وإسقاط
النظام، لا أُريد الاستطراد
كثيراً في الحديث عن سياسة
الاستبداد اتجاه الحرية، ولكن
يكفي أن أُشير إلى حالة الفنان
إبراهيم قاشوش الذي تم قتله بعد
انتزاع حنجرته لأنه غنى: (يلا
أرحل يا بشار) وكذلك حالة الفنان
علي فرزات رسام الكاريكاتير
العالمي الذي كُسرت أصابع يده
لأنها أبدعت رسماً
كاريكاتيرياً يسخر من نظام
الاستبداد.. هذا هو حال حرية
الرأي والتعبير في ظل سياسة
القمع والترهيب في سوريا،
والمخالفة لكل ما جاء في العهود
والمواثيق والإعلانات الدولية
والشرائع السماوية بهذا الشأن ـــــ د.
صابر جيدوري كلية
التربية – جامعة دمشق __________ المراجع -
خليل، احمد (انترنت) الدليل
العربي: الحقوق المدنية
والسياسية، مسترجع من موقع: http://www.arabhumanrights.org/dalil/ch_2.htm تاريخ الزيارة
7/1/2012 . -
دونللي، جاك (1998). حقوق الإنسان
العالمية بين النظرية
والتطبيق، ترجمة مبارك عثمان،
المكتبة الأكاديمية، القاهرة. -
عمارة، محمد(1989). الإسلام وحقوق
الإنسان: ضرورات لا حقوق، سلسلة
عالم المعرفة، العدد 89، الكويت،
المجلس الوطني للثقافة والفنون
والآداب. -
هدية، عبد الله (1989). مقاومة
الطغيان بين الشريعة الإسلامية
والشريعة الوضعية، القاهرة ،
اتحاد المحامين العرب. -
وطفة، علي، وصالح الراشد (1998).
التربية وحقوق الإنسان في الوطن
العربي، الكويت، مطابع دار
السياسة. - Francis Wolf(1985) Human Rights
and the International Labour Organisation, in
Human Rights In
International Law,edited by Theodor Meron, Clarendon
press,Oxford
------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |