ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الدكتور عثمان قدري مكانسي كم قرأت الكتاب الكريم – فيا سبحان الله
– يتجلى فيه لقارئه كل مرة
معانٍ عظيمة ، فهو دائماً بين
تفكر وتدبّر واستنباط آنِيٍّ (
مُتولّد) يُداخله فيتعجب : كيف
قرأه مئات المرات بل آلافها ولم
يفهم أو يخطر بباله المعنى الذي
حظي به اليوم فتلذذ بمعانيه
الجديدة القديمة وازداد تعلقاً
به ورغبة فيه. قرأت قبل أيام هذه
الآيات في قصة يوسف فبسطَتْ بين
يديّ أساليب تربوية وأخلاقية ،
فارتقيت في مدارجها ونعمت
بثمراتها ، وأحببت أن أضعها بين
يدي القارئ ، ولست مدّعياً أنني
جئت بشيء جديد ، إنما أدعي أنني
نزيلها المحب الذي ذاق عسيلتها
والتصق بها ساعات طويلة ، بلْهَ
أياماً رائعة ضاء بنورها وقبسَ
من شعلتها. لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ
آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ
قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ
أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا
وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ
أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ
مُبِينٍ (8) اقْتُلُوا يُوسُفَ
أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا
يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ
أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ
بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ
(9). وهل يحتاج رب العزة للقسم كي نصدق آياته
فتصلَ قلوبَنا وأفئدتنا وهو
الحق وقوله الحق ووعده الحق؟! إن
القسم الإنكاري - فيه أكثر من
تأكيدين - دليلٌ على أن القائل
لا يريد أن يبقى في قلب الحر
وعقله شك ولا ريب فيما يسمع أو
يقرأ . وهذا أسلوب تربوي قديم
جديد في تقديم الخبر وزرعه في
الشغاف (فاللام وقد وتقديم
الخبر على اسم كان مع الجمع :آيات
، ومضافه) تأكيدات متعددة تفتح
مغاليق القلوب لسماع القصة
والانتباه إليها . وهذا القسم توطئة لشد السمع وإرهافه فلا
تمر كلمة والحاضرون عنها غافلون
، كما يفعل المدرس حين يدخل الصف
ولمّا ينتبه الطلاب فيبدأ قوله
مُسَلّماً ، فيرد الجميع –
تقريباً السلامَ عليه ثم يبدأ
متسائلاً تساؤل العارف الذي لا
يريد على سؤاله جواباً : أتدرون
ما درسُنا اليوم؟. وكأن على الراغب في معرفة القصة أن يسأل
عنها ، فالسؤال باب العلم ومنه
يبدأ . ومن سأل تفتحت أمامه
مغاليق المعرفة [فعلم وفهم وفكر
واتعظ ( آياتٌ) ثم عمل ]. كما حصر
السؤالَ في المقصود حين قال "
لقد كان في يوسف وإخوته"
وكثرة السؤال والسائلين إثراءٌ
للفكرة وتناولٌ لكل جوانبها ،
فيجَلّيها ويبرزها واضحة
يُستفاد منها . لقد أخطأ إخوة يوسف في أمور كثيرة نجملها
فيما يلي : 1-
استنكروا أن يكون حب أبيهم
لأخوَيهما الصغيرين واضحاً
أكثر من حبه لهم ، ونسوا أن الأب
لا يفرق بين أبنائه في حبه إياهم
إلا إذا وجد بينهم بارد الإحساس
أو ضعيف المروءة او الأناني غير
المبالي بأبويه ولا بإخوته 2-
إن إظهار الحب للصغار لا
يعني إفرادهم بالحب أو تقديمهم
على إخوتهم . وقديماً سُئل حكيم:
أيُّ أولادك أحبُّ إليك؟ قال:
الصغير حتى يكبر ، والمريضُ حتى
يشفى ، والغائبُ حتى يعود. ويوسف
وأخوه بنيامين أصغر أولاده
الاثني عشر ، فهذان طفلان أو
قريبان من الطفولة وأولئك شباب
ورجال. ومن العادات الإيجابية
أن يحب الكبار إخوتهم الصغار
ويعطفوا عليهم ويكونوا لهم آباء
، لا أن يتخذوهم أعداء أو يغاروا
منهم . وما يفعل ذلك إلا ضعيف
العقل ضيّقُ الصدر . 3-
كما أن الآباء الذين بذلوا
حياتهم وأموالهم وجهدهم في سبيل
أبنائهم لا يفعلون ذلك ليقوم
الأبناء – حصراً – برد الجميل
لهم ، فهذه فطرة الله التي فطر
الناس عليها لتعمر الأرض إلى
يوم القيامة. وإن فعل الأبناء
ذلك فردوا بعض الجميل فهذا
يُحسب لهم في صحائف أعمالهم
وينالون الخير في الدنيا
والآخرة . أما أن يفضل الآباء
أبناءهم الكبار على صغارهم لأن
الكبار ينصرونهم فهذا ضعف في
تفكير إخوة يوسف حين قالوا "
ونحن عصبة" وكأن على الأب أن
يحب الكبار ويقدمهم لأنهم
يدافعون عنه وينصرونه ويعملون
بين يديه وهم عشرة ( عصبة) ويوسف
وأخوه اثنان فقط! وهما صغيران لا
يستفيد منهما استفادته منهم. 4-
وحين يستعملون أسلوب
التفضيل ( أحبّ) فهذا يعني أنه
يحبهم ابتداءً ، وليس هذا
إنكارَهم إنما هم يريدون الحب
لهم وحدهم أو يريدون أن يكون
الحب الكبير لهم ، وهذا ضعف
أيضاً في النفس ونوعٌ من
الأنانية ما كان ينبغي ان يكون
فيهم. 5-
وتزداد وتيرة الأنانية حين
يصفون أباهم بالضلال . والمقصود
بالضلال هنا : البعد عن التصرف
السويّ ومجانبةُ الصواب ، فإنهم
يسيئون إلى أبيهم النبي الكريم
ذي الخصال الحميدة والشمائل
الرفيعة ، وتراهم يصفونه مرة
أخرى بما لا يليق حين يأسف على
يوسف ويكثر من ذكره بعد سنوات
طوال من غيابه فيقولون له "
تالله إنك لفي ضلالك القديم"
وما الضلال القديم إلا ضعف
العقل وسوء التصرف ، وهذا
ياخذنا بعيداً قليلاً ، فما
نزال في السورة نفسها حين وصفت
النسوة زوجة العزيز بضعف النفس
وسوء الاختيار حين أحبت خادمها
، وكان لها أن تحب نبيلاً من
النبلاء لا خادماً يباع ويُشترى
" امرأة العزيز تراود فتاها
عن نفسه قد شغفها حباً ، إنا
لنراها في ضلال مبين "
فضلالُها عندهنَّ مراودةُ
الخادم . ولو انها راودت أحد
كبار القوم عن نفسه لما كانت –
في زعمهنّ- ضالة !. 6-
قد يتنافس رجلا أعمال في
مصنعين لهما ينتجان مادة واحدة
فتكون الغلبة لأحدهما بسبب جودة
مادّته وانخفاض سعرها مع جودتها
، أو قد تكون معاملة هذا الرجل
لزبائنه أوثق وأصدق ، فيغار
الثاني منه وبدل أن ينافسه في
الجَودة والمعاملة الطيبة يكيد
له جهرة وفي الخفاء ليقتلعه أو
يطيح به. وقد تجد مُدَرّسَين في
معهد أحدهما أكثر علماً من
الآخر وأحسن خلقاً يحبه طلابه
لأنه يبذل لهم وقته وحبَّه
ويرغبون به ، أما الآخر فإنك
تجده بدل أن ينافس زميله بهاتين
الصفتين يكيد له عند مرؤوسيه
ليبعده عن المدرسة . وهذا الكيد
ما فعله إخوة يوسف حين تجدهم
يتآمرون عليه فيقترحون قتله أو
بيعه لقوم غرباء يذهبون به
بعيداً. وقد تتساءل : أعَدِموا
الحب الأخوي وركبهم شيطانُهم
فأنساهم أنفسهم حين اقترحوا
طريقة التخلص القاسية من أخيهم
، وهل يخطر ببال من في قلبه ذرة
من خلُق وحب وإيمان أن يفكر هذا
التفكير وينفذ هذا القرار؟!. هذا
ما لا يفعله الغريب بالغريب ،
فكيف نجده في قلوب الإخوة
لأخيهم؟ 7-
وهو في تدبيرهم هذا نسوا
أنهم يغرسون خنجر الألم والحزن
الدائم في قلب أبيهم ،ومن يؤذ
أباه فما أحبَّه ، ومن آذى أباه
فلن يجد منه صافيَ المودة ، ولن
يأمن له. ولسوف يخسرون ثقته
ويطوّحون بمصالحهم التي حرصوا
عليها وأساءوا في حفاظها. وماذا
يستفيدون من خلوّ وجهه لهم وهو
يتهمهم بأخيهم ليل نهار؟ 8-
كثير من ضعاف العقل
والإيمان يسرقون وينهبون ثم
يتوبون ! ويقصدون بتوبتهم
الانتهاء عن السلب والنهب
والسرقة والغصب حين يجدون بين
أيديهم أموالاً لا تأكلها
النيران . فهل هذه توبة ؟ ام إن
سبيل التوبة يتجلى في أن يعيد ما
سرقه واغتصبه إلى أصحابه ويعتذر
إليهم ويستغفر الله مما جنت
يداه؟ فكيف يقولون " وتكونوا
من بعده قوماً صالحين"؟! قس
على هذا الامورَ المشابهةَ كلها
. هؤلاء يذكروننا ب (
الميكيافيلية) القديمة
والحديثة .. إن من تسول له نفسه
الإساءة إلى أخيه قتلاً أو
إيذاء ليصل إلى هدف رخيص ما هو
إلا شيطان مريد يغش نفسه قبل أن
يغش غيره ، ولسوف يعود إلى فعلته
الدنيئة كلما احتاج إليها ، وما
أكثر هؤلاء في عالمنا الرديء
اليوم ... لا تُبنى دعائم الخير
إلا نقية من الرجس طاهرة من
المفاسد كلها . إنه موقف استرعى انتباهي وأحببت أن أقدمه
للقارئ لعل فيه فائدة في حياتنا
تعلمنا أن الخير لا ينبغي أن
يُداخله السوء . ======================== ما مصير من لا يمضي مع
ثورة شعب سورية؟.. مسار ثورة
الشعب البطولية.. قبل مؤتمر تونس
وبعده نبيل شبيب سأل سائل: إلى أين تمضي ثورة شعب سورية؟..
وأتاه الجواب دون تردد: إلى
النصر قريبا بإذن الله. كيف ذاك ونحن نشهد وصول الإجرام الهمجي
إلى حضيض غير مسبوق، ونرصد
الاستغاثات حينا، وبطء خطى
التجاوب معها على الدوام؟.. وأتى
الجواب دون تردّد: لم يعد يوجد
أمام شعب سورية الثائر خيار سوى
النصر. هذا ما يعلمه المتسلّطون
الهمجيون ويعلمه العالم أجمع،
فهم ينتقمون، والعالم ينتظر..
لأسباب عديدة متباينة، ولكنه
مضطر في نهاية المطاف للتصرف،
وشعب سورية ماض في ثورته على
جميع الأحوال، كما مضى خلال أحد
عشر شهرا مضت، فلم يتوقف عن
التضحية والعطاء، والجهاد
والاستشهاد، لحظة واحدة، بسبب
تباطؤ المتباطئين في التجاوب مع
ثورته، أو تواطؤ المتواطئين مع
القتلة، أو همجية انتقام
المجرمين اليائسين من البقاء،
أو طول الجدل عن تدخل دولي من
جانب من "ينتظرون" ظهور
حتمية النصر.. ليتدخلوا من بعد!.. معادلة الموت والحياة بابا عمرو في حمص.. محطة من محطات انتصار
الثورة الشعبية على الهمجية
الإجرامية، كالمسجد العمري في
درعا، والزبداني في ريف دمشق،
وعندان في ريف حلب، وإدلب..
وحماة .. ودير الزور.. والبوكمال..
ولو مضينا في التعداد لا تبقى
رقعة من أرض سورية إلا وتشهد على
حتمية نهاية الطاغوت رغم جبروت
أسلحته التي كشفت صغاره، ولئن
كان المجرمون على استعداد
للبقاء -لو استطاعوا- فوق رفات
الشهداء، فإن أهل سورية ليسوا
على استعداد للقبول باستمرار
تدنيس تراب أرضهم المروي بدماء
الشهداء.. وإن ازداد عدد الضحايا
أضعافا مضاعفة. تحركت ثورة الشعب الأبي طلبا للكرامة
والحرية، أي طلبا للحياة.. كما
ينبغي أن تكون الحياة، وأعطى
ذلك الطاغوت المعروف بإجرامه
عبر أكثر من أربعة عقود فرصة
تاريخية يستحيل أن تتكرر، أن
يتوب عمّا مضى، فأبى، وأرادها
من اللحظة الأولى معركة حياة أو
موت، معركة بقاء الهمجية
الدموية العفنة أو انتحارها بين
يدي الثورة، فانطلق يطبق ما لم
يتقن سواه من قبل: القتل والفتك
بالأبرياء، فحكم على نفسه بما
يستحقه: بالنهاية الحتمية ككل
طاغوت. النصر حتمي.. فلم يبق سوى أن يقضي الشعب
عليه في ساحات المواجهة غير
المتكافئة، فالشعب هو الاقوى
بثورته وإرادته وتضحياته
وبطولاته، والطاغوت هو الأضعف
رغم أسلحته الروسية والصينية
والإيرانية ورغم دمويّة شبيحته..
من رؤوس العصابات المتسلّطة
وذيولها على السواء. ثورة شعب سورية ثورة أصبح الانتصار فيها
محتما أكثر من أي ثورة أخرى على
امتداد التاريخ، وسيكون بإذن
الله انتصارا غير مسبوق على
امتداد التاريخ.. فمن معالمه
التي لن ينقطع المؤرخون عن
دراستها زمنا طويلا: - انتصار شعب أعزل يهزم آلة حربية، كما
يهزم أي جمع من البشر يتحدّون
الموت بأجسادهم عصابةً من قطاع
الطرق القتلة المسلّحين. - انتصار الإنسان الذي تعرّض لأنياب
طاحونة الطاغوت عشرات السنين..
يرفع هامته فوق الطاغوت
وطاحونته وأنيابه ويثبت أن في
الإمكان أن يشهد الواقع كيف
يتحوّل ما يتغنّى به الشعراء
فيبدو من وحي الخيال، إلى حقائق
مشهودة ملموسة. - انتصار الثائر.. والشهيد.. والمعتقل..
والمعذب.. ممّن حملوا مختلف
الأسماء ومختلف فئات الأعمار،
من أبناء شعب سورية وبنات شعب
سورية، يسطرون في التاريخ
الحديث ملحمة بطولية تتساقط عبر
فصولها، يوما بعد يوم وشهرا بعد
شهرا، جميع المقولات المزيفة،
والعناوين المضللة، وكثير من
الأسماء والاتجاهات والأساليب،
فلا تبقي ممّا تراكم عبر عشرات
السنين سوى مقولة واحدة: شعب
واحد، قرر الثورة فثار على
الطاغوت وجميع موبقاته، وقرر
الانتصار.. فصار انتصاره حتميا،
وأعطى لشعار الربيع العربي (إذا
الشعب يوما أراد الحياة..)
مضمونا على أرض الواقع، أنه لا
بد أن يستجيب القدر، مصداقا
لوعد مقدّر الأقدار. بين يدي شعب سورية يذهب المحللون والمتابعون للشأن السوري -كما
يسمّونه- كل مذهب في محاولة
استقراء ما يجري واستشراف ما
سيأتي، وكم تغيب الحقائق
البسيطة الجلية وراء البحث عن
المسببات والأسباب وفق ما
اعتدنا عليه في "عصر ما قبل
الثورة.." غافلين عما بدأ
يتكوّن الآن ويكوّن عصر ما بعد
الثورة. ليست ثورة شعب سورية هي الساحة التي يصنع
الأحداثَ فيها ساسةٌ محترفون
وغير محترفين، بدءا بالمجلس
الوطني السوري ومن اجتمع تحت
عنوانه، مرورا بجامعة الدول
العربية وحكومات دولها الصغيرة
والكبيرة، انتهاء بمجلس الأمن
الدولي وعواصم صانعي القرار
فيه، بل أحداث ثورة شعب سورية هي
التي تصنع لجميع هؤلاء
السياسيين المسار، وتحدّد لهم
الطريق، فإن التزموا بمقتضيات
ما صنعت الثورة حققوا شيئا
لأنفسهم، وإن تباطؤوا تجرّهم
الثورة جرّا، وإن امتنعوا
يلفظهم عصر ما بعد الثورة. كم من "اسم لامع" سقط صريع أخطائه بحق
الثورة وشعبها وغاب بريقه..
واستمرت الثورة. كم من "مؤتمر" انعقد وفكّر وقدّر،
وقررت الثورة غير ما قرّر
فانتهى المؤتمر ومن عقده..
واستمرت الثورة. كم من "شبيح" أعلن نهاية الثورة،
واستعلاء الباطل عليها، فصار
أضحوكة سخيفة.. واستمرت الثورة. كم من مدينة.. وبلدة.. كم من حيّ وساحة..
أعلنت الدبابات وراجمات
الصواريخ والمروحيات وفاتها..
وانتفضت مجددا بدماء شهدائها
وبطولات أحيائها لتعلن استحالة
القضاء على شعب ثائر ووطن معطاء..
واستمرت الثورة. الثورة ماضية.. قبل مؤتمر تونس وبعده يجب على من "يتابع" الثورة ومسارها،
وما تصنعه وما يُصنع بها ولها،
أن ينتزع نفسه من المعايير
التقليدية ليستوعب ما تعنيه
ثورة شعب سورية البطولية هذه
الأيام.. ويبصر النصر المقبل بين
يدي الشعب الثائر. لم يعرف التاريخ من قبل ثورة مماثلة.. ورغم
ذلك يمكن أن نحاول رؤية معالم
"اللحظة التاريخية"
الراهنة، إذا وضعنا أنفسنا في
اللحظة التاريخية التي كان أهل
فرنسا أو أهل روسيا أو أهل إيران
يعايشونها وسط الآلام وهم
يعدّون ضحايا ثوراتهم.. لعدة
سنوات، فيتساءلون ويتساءل
معاصروهم: هل ستنتصر الثورة؟..
وأصبحت الثورة جزءا من أحداث
التاريخ التي صنعت "المستقبل"
وفق مساراتها، بينما مرّت عجلة
التاريخ فوق جميع ما تسلّح به
الملك الفرنسي والقيصر الروسي
والشاه الإيراني.. فباتوا مع
جرائمهم أثرا بعد عين. ما نعايشه في "اللحظة التاريخية"
الآنيّة أقوى دلالة وأعمق أثرا
من جميع تلك اللحظات التاريخية
في مسار الثورات، ولا نحتاج عند
استيعابه وفق معايير الثورة
التاريخية المعاصرة إلى السؤال:
هل ستنتصر الثورة؟.. بل -إذا كان
لا بدّ من السؤال- فربما: كيف..
ومتى؟.. فحسب. مضى أحد عشر شهرا على الثورة.. وتوالت
أسئلة "المراقبين.. والمحللين.."
خلالها: - علام لا يصدر ردّ فعل من جانب الدول
العربية "الشقيقة" لعدة
شهور؟.. - علام تحركت تركيا بما أعلنته من تحذيرات
نارية "فوق العادة".. ثم
همدت؟.. - علام تقتصر مواقف الدول المعروفة
بشعارات حقوق الإنسان على
الكلام؟.. - تحركت جامعة الدول العربية.. فهل يفيد ما
صنعته من "مهل زمنية" إلا
في إطالة فترة التضحيات؟.. - تحرّك مجلس الأمن الدولي.. فهل يصح الزعم
القائل إن العقبة هي عقبة روسية
وصينية فحسب؟.. في جميع هذه الأسئلة وأمثالها بقيت أعين
أصحاب القلم شاخصة على من
اعتادوا على أنه "يصنع القرار
ويفرضه كما يشاء".. في جميع هذه الأسئلة وأمثالها بقيت أعين
أصحاب القلم غافلة عن مغزى فتح
صفحة تاريخية جديدة.. بات الشعب
الثائر فيها هو من يصنع الحدث
فيفرض القرار.. شاء من شاء..
وتلكأ من تلكأ.. وتواطأ من تواطأ..
وحلّل من حلّل.. وأبى من أبى. من هنا أيضا لا ينبغي اليوم الاكتفاء بطرح
السؤال: - ما هو المنتظر من مؤتمر ينعقد في تونس
يوم 24/2/2012م؟.. إنّ ما يمكن أن يقرره مؤتمر تونس وما يمكن
أن يصنعه للثورة كامن في أسئلة
أخرى، يدور محورها حول من يصنع
الثورة.. ومن اعتبر نفسه متحدثا
باسمها أو حولها: - هل يرتفع المجلس الوطني السوري إلى
مستوى الثورة التي حمّل نفسه
أعباء مسؤولية الحديث عنها؟.. - هل يصل قادة جيش سورية الوطني الحر إلى
مرحلة متقدمة من حماية شعبها
عبر رفع مستوى قدراتهم
وكفاءاتهم الذاتية؟.. - هل يتلاقى الثوار في الداخل.. من مدنيين
في كل مدينة وقرية ومن مسلّحين
في كل واد وجبل.. على صعيد "ثورة
واحدة" يصنعها "شعب واحد"
ولا شيء يعلو قبل انتصارها على
هدفها الأول: "إسقاط الطاغوت
الهمجي الفاسد"؟.. - ثم هل يتلاقى هؤلاء جميعا بين يدي الثورة
على رؤية مشتركة لثورتهم
المشتركة لتكون رؤيتهم تلك هي
المحرّك الفاعل في صناعة القرار
في مؤتمر تونس وسواه.. وفي
العواصم التي تصنع قراراتها قبل
المؤتمر وبعده، وفق مصالحها
الذاتية، أولا وأخيرا، وليس
لديها خيار، فلا بدّ أن تناصر
الثورة.. عندما تضعها الثورة
أمام السؤال الحاسم: فناء تلك
المصالح مع فناء الطاغوت، أو
بقاء المشروع منها بقدر ما
تتحرّك الآن وفق ما تفرضه
الثورة الشعبية ومشروعية
الإرادة الشعبية المتحررة عبر
الثورة. ليس السؤال الجوهري هو السؤال ما مصير
الثورة.. بل هو ما مصير الذين لا
يمضون مع الثورة إلى حيث هي
ماضية، وهي ماضية إلى النصر
الذي بدأت معالمه مع اللحظة
الأولى لاندلاعها. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |