ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
إسرائيل
وراء تعطيل دور المجتمع الدولي
حيال الأزمة السورية محمد
فاروق الإمام لا
أبالغ إذا ما قلت أن إسرائيل
وراء تعطيل أي دور للمجتمع
الدولي للقيام بواجبه تجاه ما
يجري في سورية من مجازر ومذابح
وجرائم قتل وتعذيب وحشي حتى
الموت، ترقى – كما قالت مفوضة
منظمة حقوق الإنسان التابعة
للأمم المتحدة – إلى جرائم ضد
الإنسانية، وتستحق رفع ملفها
إلى محكمة العدل الدولية
وملاحقة المجرمين الذين عرفت
أسماؤهم للقبض عليهم وتقديمهم
إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي. كلنا
يعرف أن هناك اليوم قوتين
عظميين في العالم هما الولايات
المتحدة ومعها الغرب والعرب
ومعظم مكونات المجتمع الدولي،
وروسيا ومعها الصين ومجموعة من
الدول لا تعد أكثر من أصابع اليد
الواحدة تتجاذبان مصير الملف
السوري بما تملكان من حق النقض (الفيتو)
في مجلس الأمن وتعطلان أي قرار
يتخذ لوقف شلال الدم في سورية،
وتدخلان في حرب باردة حول طريقة
حله، وهما متفقتان أن الحل لا
يمكن أن يكون عسكرياً بل
بالوسائل السلمية والطرق
الدبلوماسية، وتختلفان حول
بقاء النظام السوري أو رحيله،
فروسيا ومجموعتها التي معها تصر
على عدم رحيل النظام متذرعة
بأنها تدافع عن القانون الدولي
الذي لا يجيز لأحد التدخل في
شؤون الدول الداخلية، وأن أي
إصلاح يطالب به الشعب السوري
يمكن أن يتحقق في ظل هذا النظام،
الذي قام بالفعل بإصدار العديد
من القوانين والمراسيم
الإصلاحية، في حين تصر الولايات
المتحدة ومن معها على رحيل
النظام الذي تلوثت يداه بدماء
أكثر من عشرة آلاف سوري خلال سنة
من القمع الذي مارسه ضد
المتظاهرين السلميين المطالبين
بالحرية والكرامة والديمقراطية. وقد
يتفق معي البعض أو يختلف بأن
هناك لوبي صهيوني ذو نفوذ قوي
يتحكم بقرار كلتا القوتين سواء
الولايات المتحدة، وهذا أمر
معروف، وبالقرار الروسي بشكل
خفي وبعيد عن الأضواء، ويمارس
أقوى أنواع الضغوط على مراكز
القرار فيهما لمنع اتخاذ أي
قرار يستعجل الإطاحة بنظام
الأسد في سورية. قد
يكون موقف تل أبيب في شكله العام
ملتبس وغامض، ولكنه بحسب
تصريحات النافذين في إسرائيل
وأصحاب القرار فيها التي
تتداوله وسائل الإعلام
وتتناقله وكالات الأنباء
العالمية، والتي تحذر من
المخاطر الكبيرة والمحتملة
التي يمكن أن تتعرض لها الدولة
العبرية فيما إذا أطيح بنظام
الأسد، فهذا "عاموس جلعاد"
يقول: إن "سقوط نظام الأسد
سيعجّل بنهاية إسرائيل"،
فيما قالت تقديرات رسميّة في تل
أبيب: إن "نظام الأسد سيسقط في
الأمد البعيد وهذا سيء لتل أبيب"،
ونشرت صحيفة صهيونية تصريحاً
لرئيس سابق ل"الموساد"
قوله: إن "التغيير في سورية قد
لا يكون لمصلحة إسرائيل"،
وقالت صحيفة لافيغارو الفرنسية:
"إسرائيل تخشى سقوط الأسد"،
فيما أعرب الناطق باسم الجيش
الاسرائيلي ل "الراي": أن
"إسرائيل قلقة من سقوط الأسد". ويقول
أحد المحللين المتابع للأزمة
السورية معللاً الأسباب التي
تحدو إسرائيل للخشية من سقوط
نظام الأسد: إن "الإسرائيليين
يركّزون على أنّ نظام الأسد كان
الوحيد الذي ضمن بشكل حقيقي
حدود إسرائيل وهو الأمر الذي لم
تستطع حتى الدول العربية
الموقعة لمعاهدة سلام مع
إسرائيل أن تضمنه! لدرجة أنّ
الهدوء في الجولان يستمر منذ
عام 1973، وبالتالي بالنسبة إلى
تل أبيب، فإنّ أي نظام بديل
للأسد إما أنه لن يكون مستعدا
لتقديم مثل هذه الضمانات أو أنه
سيكون عاجزاً عن ذلك حتى وإن
كانت لديه النية في عدم
الاصطدام مع إسرائيل". ويضيف
هذا المحلل قائلاً: "على
الرغم من أنّ هناك من يرى في
إسرائيل أنه من الأفضل التخلي
عن سياسة إبقاء الأسد طالما
أنّه فقد شرعيته وانّ في ذلك
فرصة لضرب المحور الذي تتزعمه
إيران، إلا أنّ التعبير عن هذا
الموقف لم يكن بشكل مباشر كما هو
الموقف الأول ولا بقوته أيضاً
داخل الأوساط الإسرائيلية". ومن
الملاحظ أنّه ونتيجة للحرج الذي
نجم عن الموقف الأول، حيث اضطر
عدد من المسؤولين الإسرائيليين
إلى التغطية عليه عدة مرات
بالقول إنّ إسرائيل "تفضّل"
رحيل نظام الأسد، ومن بينهم
السفير الإسرائيلي في واشنطن
مايكل أورين الذي وزّع بياناً
خاصاً لأكثر من مرة في الصحف
الأميركية حول هذه النقطة
تحديداً، يجري الآن اعتماد موقف
إسرائيلي ثالث غير معلن يقوم
على فكرة أنّ الأسد فقد شرعيته
داخل سورية، لكن ليس هناك من داع
لاستعجال الإطاحة به خاصة أنّ
الدول العربية وتركيا لن يكون
بإمكانها فعل شيء منفردة، وهو
الموقف الذي تضغط إسرائيل عبره
على الإدارة الأميركية لعرقلة
أي تحرك عملي ضد نظام الأسد. ويقول
مصدر مطّلع أنّ هدف هذا الموقف
إبقاء النزاع لأكبر فترة ممكنة
بما يضعف الدولة السورية وجميع
الأطراف سواء النظام أو
المعارضة، ففي حال نجاح
المعارضة ستكون في حالة وهن
وتنشغل في الوضع السوري الداخلي
حصرا، وحتى في حال نجاح الأسد في
القضاء على المعارضة فإنه سيكون
ضعيفاً ولن يقوم بتغيير عدواني
وسيحافظ على الترتيبات غير
المعلنة في العلاقة مع إسرائيل. ويضيف
المصدر أنّ إبقاء النزاع أطول
فترة ممكنة سيغذي من السياسة
الطائفية التي يتبعها الأسد
داخل سورية خاصة في ظل تجاوب بعض
الفئات الشيعية والمسيحية خارج
سورية مع "بروباغندا"
النظام حول الأقليات، وهو ما من
شأنه في النهاية أن يضعف
المجتمع السوري، وأن يغذّي من
العامل الطائفي إقليمياً بما
يصب في النهاية في مصلحة
إسرائيل. تجدر
الإشارة إلى أنّ الموقف
الإسرائيلي المعرقل لأي تدخل
حاسم لمساعدة الشعب السوري
يتقاطع بهذه الطريقة مع الموقف
الإيراني، إذا ما أحسنا الظن
بطهران وصدقناها في ما تعلنه
بأن عدوها الأول هو إسرائيل،
كما يتقاطع مع الموقف الروسي
الذي يخشى على قواعده في سورية
ومصالحه في الشرق الوسط إذا ما
سقط نظام الأسد، وبالتالي فإننا
نجد أن البلدين يرميان بكل
ثقلهما لدعم نظام الأسد ومعارضة
أي عمل حاسم بحجّة رفض التدخل
الخارجي والبحث عن حل سياسي
يبقي نظام الأسد. من هنا
فإننا نؤكد على الدور الصهيوني
الخبيث في حماية النظام السوري
والدفع في إطالة عمره سواء في
ممارسة الضغوط على واشنطن والتي
كان آخرها الطلب من الحكومة
الأمريكية التوقف عن الضغط على
النظام السوري، أو في تشجيع
روسيا في مواقفها الداعمة
للنظام السوري، سواء في مجلس
الأمن بما تملكه من حق النقض "الفيتو"
أو في إمدادها للنظام بالأسلحة
المتطورة والفتاكة لمواجهة
الشعب السوري الذي تخشى إسرائيل
من نجاح ثورته، ليقينها بأن هذه
الأسلحة ستكون موجهة إلى صدور
السوريين وليس إلى جنودها
المحتلين للجولان، وقد أعلنت
السفيرة الإسرائيلية لدى روسيا:
أن "إسرائيل تتفهم سبب توريد
الأسلحة الروسية إلى سورية". وإذا
ما خلصنا إلى هذه النتيجة من أن
إسرائيل وأمريكا والغرب وروسيا
والصين يقفون في خندق واحد بشكل
أو بآخر للحيلولة دون سقوط
النظام السوري أو الإطالة
بعمره، فقد فات هؤلاء إرادة
الثوار السوريين على الأرض وهم
يندفعون بقوة خارقة في مواجهة
قمع النظام الوحشي بأجسادهم
العارية وصدورهم المشرعة، غير
آبهين بكل ما يمتلكه النظام من
ترسانة عسكرية جهنمية، وهذا
بابا عمر يؤكد على صلابة الثوار
وصمودهم الأسطوري وقد وقف
شامخاً لنحو شهر أمام آلة
النظام المدمرة وقصف حمم
دباباته ومدفعيته وطائراته على
رؤوس ساكنيه، ليمتد هذا الصمود
الأسطوري إلى مختلف المدن
والبلدات والقرى السورية،
والتي خرج معظمها من قبضة
النظام وسيطرته، لتصبح مناطق
آمنة لالتحاق المزيد من
العسكريين المنشقين "كماً
وكيفاً" عن كتائب الأسد
المجرمة بالجيش الحر، الذي نجح
بالقليل مما يملكه من الأسلحة
الفردية المتواضعة، في تشتيت
قوات النظام وكتائبه وإنهاك
قواه في حرب عصابات لا يجيدها،
تكلفه يومياً قتل العديد من
عناصره وتدمير الكثير من آلياته. هذه
المواقف المشينة لهذه الدول
شحنت الثوار بمزيد من الإصرار
والصمود والتحدي واللجوء إلى
الله قاهر المتجبرين
والمستبدين والقتلة والظالمين،
هاتفين بيقين (يا الله مالنا
غيرك) وهو القائل: "الكبرياء
ردائي، والعظمة إزاري، فمن
نازعني واحداً منهما قصمت ظهره
ولا أبالي" معتقدين أن الله
لن يخذلهم وسيكون إلى جانبهم
مهما طال الزمن وكثرت التضحيات..! ========================= الثورة
المتحركة والمجلس الساكن د.فارس
الكياخي مركز
الشام المعاصر للدراسات أي عمل
حركي يحتاج إلى قيادة فكرية
واضحة المعالم معروفة النهج
تتمتع بدرجة عالية من الثقة بين
أطياف من تمثله ,لذا وجب أن يكون
للثورة السورية وخصوصاً بعد أن
قطعت شوطاً كبيراً في مقارعة
نظام من أكثر الأنظمة مراوغة
ودموية, وجب أن يكون لها قيادة
سياسية حرة الحركة ،وحرة الحركة
تعني أن تكون هذه الواجهة
السياسية في الخارج. إن
فكرة تشكيل المجلس الوطني كانت
حاجة ملحة ومطلب متكرر نادى به
ثوار الداخل كي يكتمل العمل
الميداني الداخلي بالسياسي
الحرة الحركة في الخارج ،ليقوم
هذا الأخير بنقل حقيقة ما يجري
على الأرض السورية الملتهبة إلى
المجتمع الدولي ويصبح الصوت
المعبر عن أوجاع المذبوحين بآلة
القتل المنفلتة من جميع القيم
البشرية, كما أنه سوف يقوم مقام
البديل عن النظام الحالي لتجنب
الفراغ الذي قد يخلفه سقوط
النظام الحالي وإسقاط الذريعة
التي يتذرع بها أصحاب مقولة عجز
المعارضة عن تقديم البديل
الحقيقي عن النظام القائم, بهذا
كان عليه أن يقدم كياناَ مرحب به
من قبل الخارج ومقبول من قبل
الداخل ،أي ينال شرعيته من
الشارع الثائر ويلاقي التراحب
من قبل المجتمع الدولي على أنه
قائد لمرحلة الثورة ويحمل رؤية
مستقبلية تؤسس للمرحلة
الانتقالية. إن
الثورة السورية التي فاجئت
النظام فأحالته كالخفاش الذي
اشرقت عليه الشمس دون سابق
إنذار فهو يتحرك على غير هدى ،هي
أيضاً أحدثت ارتباكاً في تحركات
المعارضة الخارجية التي لم تكن
أعدت عدتها وهيأت الأدوات
اللأزمة كي تتعامل مع حالة بهذا
الحجم ،أعني أن المعارضة- سوى
بعض التكوينات التي قد تكون
وضعت بعض الرؤى لسوريا جديدة –
لم تمتلك بنيات متماسكة
ومتناغمة في الحركة بالقدر الذي
يسمح لها أن تنتج مشروعاً
وطنياً كاملاً, هذه الحالة من
فوضى المعارضة والتي ظهرت جلياً
مع بدأ الثورة أدت إلى تأخر
الحراك السياسي الخارجي عن
الميداني الداخلي رغم الجهود
المخلصة من قبل بعض تشكيلات
المعارضة ذات التوجهات
الاسلامية التي تعتبر الأكثر
نضجاً في التعاطي مع النظام
نتيجة الخبرة الطويلة في
مقارعته, إلى جانب بعض الشخصيات
الوطنية ذات المشارب المختلفة. هذا
الحالة لم تكن نتيجة عقم في
الوضع السوري بل نتيجة طبيعية
لممارسات النظام التي أدت الى
تصحر في الارض السورية على
متختلف الأصعدة الفكرية
والسياسية والثقافية وحتى شبكة
العلاقات الإجتماعية ليجعل من
المجتمع السوري حالة متأخرة عن
الركب العالمي وقوقعة مغلقة
تجاه تيارات التغيير وشتات
متناقض غير متصالح مع بقية
مكوناته. في حين
أن الثورة أستطاعت أن تضخ
الدماء في عروق شبكة العلاقات
الإجتماعية الفتية من خلال
الحراك الشبابي سواء في الداخل
والمتمثل بالمظاهرات السلمية
التي أظهرت درجة عالية جداً من
التنظيم ورقي في الشعارات التي
طالبت بالوحدة الوطنية بين جميع
مكونات المجتمع ونبذ الطائفية
والعرقية, وكذلك الأمر بالنسبة
للمجموعات التي أخذت على عاتقها
حماية العزل من هجمات قطعان
الشبيحة ومن شابحهم, وكذلك كان
حال الحراك الشبابي الخارجي
الذي لعب دوراً حيوياً في
المجال الإغاثي والدعم
الإعلامي. لكن
التصلب وقلة المرونة التي أصابت
جسم المعارضة التقليدية جعل من
وضعها حالة متأخرة عن مجارات
الحراك الشبابي لهذا السبب لم
تكن مواقف المعارضة منسجمة فيما
بينها بالقدر الكافي الذي
يمكنها من قيادة الحراك الثوري
النشط بل قد تكون في بعض مواقفها
من المثبطات المعطلة لتسارع
الحركة وإن كان جانب من ذلك
نتيجة طبيعية في ظل الحالة
السورية وتحت هيمنة نظام متعدد
الأذرع والأرجل قد يستطيع من
خلال هذه الأذرع أن يتسلل إلى
جسم المعارضة ويحدث حالة من
الفوضى قد تظهر على السطح على
شكل اختلافات جوهرية في طرق
التوصيف والحل, لكن هذا لاينفي
وجود بعض الشخصيات والهيئات ذات
الارتباطات الخارجية أو
المشاريع التي لاتخدم بناء
سوريا حرة موحدة. إن
تشكيل المجلس الوطني في ظل
تراكب تعقيدات الحالة السورية
التي فرضها نظام الأب والأبن لم
يكن بالمهمة السهلة ،لذا فإن
الجهات التي تصدت لهذه المهمة
بذلت الكثير حتى تستطيع أن تصل
بالمعارضة إلى وحدة حال على شكل
مجلس وطني. طبيعة
الحالة الثورية المتحركة
والمتغيرة تفرض على أي مكون
يقودها أن يكون دائم التجديد
والتطوير، إذ أنك لن تستطيع أن
تكون ثابتاً على سطح متحرك ،بل
ينبغي عليك كي تستمر في ثباتك
وقيادتك أن تكون في تغيير دائم,
لذا من مخاطر ثورات الربيع
العربي وكونها ثورية شعبية
ولسيت ثورات أديالولوجية أو
ثورات تتبع رموز فائقة التأثير
، أنها تحرق كل ما تقدمه إليها
إن طالت فترة مكوثه على هذا
الصفيح الساخن, ومن هنا يجب أن
يكون للمجلس ورافديه رصيد
احتياطي من النخب والكفاءات
التي يجب استبدالها كلما تطلبت
الحاجة لذلك حفاظا على الكفاءات
الوطنية من التلف والتشويه, أما
أن تلقي بجميع أوراقك في حالة
بهذا الشكل من التعقيد ،أرى أنه
ليس من الحكمة في شيء. المطلوب
الآن من المجلس الوطني حسب زعمي
أن يعيد تجديد نفسه وبشكل
متواصل وإن تطلب الأمر بعض
الغربلة للتخلص من الحمولة
الزائدة وتحرير الجسم من بعض
الأعباء التي قد تعيق تسارعه
وتحديث الرؤية السياسية وتغيير
على مستوى الهيكلية القيادية
وتنشيط فعالية المكاتب والهيئة
المختلفة التي تعمل تحت لواءه
كي يستطيع هذا الكيان المهم
الاستمرار بقيادة الثورة
السورية. ========================== الرقيب
في وعي المثقف العربي قديما
وحديثا فراس
حج محمد/فلسطين يحب
الإنسان العيش حرا، لا رقيب
عليه سوى ذاته وأفكاره التي
يقتنع بها، ويحرص أن تكون
سلوكياته وتصرفاته بناء عليها،
ولهذا فقد خلق الله الإنسان حرا
في اختيار أفعاله، ليكون جديرا
بعقابه أو ثوابه، فلا يحق لأحد
أن يراقبك مهما كان نوع هذا
الرقيب سياسيا أو اجتماعيا. وقد
ازدهرت أفعال الرقيب في الظروف
غير العادية سياسيا واجتماعية،
فوجدت الدوائر الأمنية لتكون
مهمتها وضع الناس تحت المجهر في
أقوالها وكتابتها، فترى أحدهم
قد تضخم ملفه لكثرة ما نُقل عنه
من أقوال وما رصد له من أفعال،
ولم يكتف الرقيب أحيانا بالنقل
الحرفي وأمانته، بل يلجأ إلى
سيئ التفسير، فيدخل إلى عقل
الكاتب والمتحدث، ويؤول
الكلام، فيلوي أعناق الحديث،
ليظهر الناس وكأنهم ضد السياسة
العامة المتبعة، وضد الأعراف
الاجتماعية المستقرة، وبهذا
يكتسب الرقيب خطورة أخرى، غير
النقل، تتمثل في تحميل الكلام
ما لا يحتمل. وقد
عانى الكتاب والمثقفون قديما
وحديثا وفي دول شتى، ديكتاتورية
وديمقراطية من ألم الرقيب وسوء
تفسيراته، فأباح لمقصه أن يبتر
من النصوص ما لا يعجبه أو يخالف
رؤيته العوجاء، وكأنه الناقد
الفذ، والمانح الكلمات
معانيها، فكانت الرقابة حاضرة
وسيفا مسلطا على ما ينشر من كتب
أو مقالات في الصحف والمجلات. وامتدت
أيدي الرقيب الأمني في الدول
المحتلة والمستعمرة إلى كتب
المناهج، فحرّم المحتلون على
طلاب المدارس أن يتحدثوا عن
ثقافتهم الوطنية ورموزهم
السياسية والثقافية، وأخذوا
يراقبون مكتبات المدارس في
جولات تفتيشية مفاجئة، كما كان
يحدث في فلسطين عندما كانت دولة
الاحتلال الإسرائيلي تقص من
المناهج وتحذف ما يذكي الروح
الجهادية والانتماء الوطني،
وكان مراقب التعليم يصدر
تعليماته عبر الكتب الرسمية
بضرورة عدم اقتناء مجموعة من
الكتب أو طبعات خاصة منها،
ويعطي الأوامر بضرورة إتلاف تلك
الكتب. وحديثا
يحاول أصحاب النفوذ السياسي
عالميا ومحليا جعل المواقع
الإلكترونية تحت المراقبة،
لحذف ما لا يعجب أو يطرب هؤلاء
المتنفذين، وكأنهم يريدون
البشر مداحين للخواء والغباء
والجهل، وقد تعرض كثير من
المدونين العرب إلى هجمات الحذف
وحجب مواقعهم ومدوناتهم، بدعوى
أنها تزعج السلطات المختصة،
والأمثلة أكثر مما تحصى، ووصل
الأمر إلى حد اعتقال البعض
اعتقالا يعاقب على حرية الكلمة
والفكر. وتبعا
لذلك وخوفا من السلطتين
السياسية والاجتماعية، فقد قام
نفر من الكتاب السياسيين من
اختراع أسماء مستعارة، يوقعون
بها مقالاتهم وقصائدهم، وقد
أبدعت الحركات التحررية في ذلك
أسماء ذات مدلولات عميقة في
فلسطين وغيرها، فكان للقادة
أسماء مستعارة عرفوا بها، أطلق
عليها أسماء حركية، وأذكر في
هذا المجال الشاعر الفلسطيني
خالد أبو خالد، وهو الاسم الذي
عرف به، وأما اسمه الحقيقي فهو
خالد محمد صالح أحمد، وقد تحدث
في بعض حواراته عن سبب هذا الاسم
خالد أبو خالد، ولا يغيب عن ذهن
القارئ الكريم عائشة عبد الرحمن
التي كانت توقع مقالاتها باسم
بنت الشاطئ كذلك، خوفا من
الرقابة الاجتماعية. ولم
يقف الحد عند بتر تلك النصوص
وتشويهها، بل امتدت يد الأجهزة
الأمنية إلى شخص الكاتب
والناقد، فزجت به في السجن
وعذبته، وقد حفلت السجلات
العربية الأمنية كثيرا من
الحالات، فتعرض كثير من الكتاب
إلى السجن والنفي والتضييق
والفصل من الوظائف الحكومية،
وإلى التعذيب المفضي إلى الموت،
وهذا ما سمعنا به وقرأناه عن
كثير منهم، من أمثال رسام
الكاريكاتير السوري علي فرزات؛
فقد قامت الأجهزة الأمنية
السورية، أو ما عرف بالشبيحة
بخطفه وتعذيبه، ودق أصابع يديه
التي يرسم بها ما ظنت السلطة
الحاكمة أنه يزعجها أو يحرجها،
وقد حدث قبل ذلك أن قامت الأجهزة
الأمنية الإسرائيلية بالتصفية
الجسدية للعديد من الكتاب
الفلسطينيين، فكان ناجي العلي
وراشد حسين ضحايا تلك السياسة
النابعة من تصرف الغول الصهيوني
الذي أبدع وشنع في سبل المراقبة. وأما
اجتماعيا، فحدث ولا حرج؛ فقد
تحولت مجتمعاتنا إلى مجموعة من
الرقباء الذين تبرعوا لشغل هذه
المهمة بدرجة من الإتقان فاقت
وبزت عمل الرقيب السياسي
والأمني، فتحول الكل رقيبا على
الكل، وحُمّل السلوك الاجتماعي
الفردي أكثر مما يحتمل، وقد
اشترك الرقيب السياسي مع
الاجتماعي في مهمة التفسير
والتأويل لتلك التصرفات
والأقوال، فأخذ الجميع يحصون
على الناس أنفاسهم وأقوالهم
وتحركاتهم ولقاءاتهم، وظن
الناس ببعضهم الظنون، فاشتعلت
الفتنة، وعمت البغضاء، وقلت
الثقة بين الناس وانعدم الأمان. ورصد
الشاعر العربي صورا لذلك
متعددة، وأبدع في ذلك حديثا
الشاعر العراقي المنفي أحمد مطر
في لافتاته في تصوير عمل
الرقيب، وفي فلسطين أبدع الشاعر
معين بسيسو في الحديث عن الرقيب
الأمني العربي والإسرائيلي. وقديما
لم يكن للرقيب السياسي حضور طاغ
كمثل أيامنا هذه، وإن كان
موجودا، ولكنه ليس بهذه الكثافة
المقيتة، وبرزت مهمة الرقيب
الاجتماعي بروزا لافتا للنظر،
وخاصة عند شعراء الغزل العذري،
فقد امتلأت قصائدهم بالحديث عن
الواشي والرقيب، ما حدا بالشاعر
ابن المعتز أن يلخص تلك
المعاناة بهذين البيتين عن عمق
المأساة التي يعاني منها في
علاقته بمن يحب، وكأنه يتحدث عن
كل تجربة في الوقت ذاته: أَرُدُّ
الطَرفَ مِن حَذَري عَلَيهِ=وَأَمنَحُهُ
التَجَنُّبَ وَالصُدودا وَأَرصُدُ
غَفلَةَ الرَقَباءِ عَنهُ=لِتَسرِقَ
مُقلَتي نَظَراً جَديدا ومع كل
ذلك يبقى الرقيب شخصا مذموما
يتمتع بكل صفات البلادة
والجمود، فلا مجال لحصار
الأفكار والمشاعر، مهما حاولت
السلطات السياسية والاجتماعية،
ويبقى التفوق للإبداع والحرية
والمشاعر الإنسانية التي تضرب
بعين الرقيب عرض الحائط، ولا
يهمها من قريب أو بعيد تسجيلاته
وتأويلاته التي سينقعها
بدموعه، ليتجرعها غصصا من الندم
عندما تتحقق آمال الناس بالحرية
والعدالة والعيش طبيعيا بكل ما
تحمل الكلمة من معنى الإنسانية
الخالصة من عيب التحكم والسيطرة.
=========================== د/
طارق باكير
------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |