ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 29/04/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

بسم الله الرحمن الرحيم

حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصرُ الله؟!

بقلم: محمد عادل فارس

كثيراً ما تتردد على ألسنة الكُتّاب والخطباء عبارة تقول: علينا أن نبذل الجهد، ولسنا مسؤولين عن النتائج، لأن ترتيب النتائج على الأسباب يكون بأمر الله!.

هذا الكلام بجملته صحيح، لكن التعامل معه، بين مُفْرط ومفَرِّط، يؤدي إلى تباين كبير في فهمه أولاً، وفي قبوله أو رفضه انتهاء.

وحقيقة الأمر ترتبط بفهم المسلم لكلمة "التوكل". فمع أن عامة المسلمين يدركون أن التوكل على الله لا ينفي الأخذ بالأسباب، تراهم، في واقع الأمر، يجْنحون ذات اليمين وذات الشمال...

فالعاجز الذي "أتْبَعَ نفسه هواها، وتمنّى على الله الأماني"(1) يستمرئ الكسل والقعود، ويبخل بالجهد والمال، فضلاً عن بخله بالروح والنفس، ويقدّم للأهداف الكبرى جُهْد المُقِلّ، وفضلات المال، وينتحل الأعذار، ويفلسف الشح والجبن، ويتبرَّم بأي بلاء يناله أو ينال ذويه... ثم لا يجد حرجاً أن يستبطئ الفَرَج والنَّصر، أو يعلّق الإخفاق على (شمّاعة) الآخرين، ويربط رضاه بما يناله من مكاسب ذاتية فإن أصابه خيرٌ اطمأنَّ به، وإن أصابته فتنةٌ انقلب على وجهه. سورة الحج: 11.

وببساطة، فإن هذا الصنف من الناس يسعى باتجاه التنصُّل من المسؤولية عن النتائج، فهو، في زعمه، قد قدَّم ما عليه، وليس عليه الوصول إلى الأهداف، فهذا الوصول مرتبط بقضاء الله وقدره. وإذا كان هناك تقصير ما، في الأخذ بالأسباب، فليس ذلك تقصيره هو، إنما هو تقصير الآخرين!.

وبالمقابل نجد آخرين يرقُبون الساحة من بعيد، أو من قريب، ويترصَّدون أخطاء العاملين وقصورهم، ويصفونهم بقِصَر النظر، والتعجُّل، والتخبط... ويحمّلونهم مسؤولية العجز، وتفويت الأهداف والغايات، ويتهمونهم بالتفريط في أسباب التخطيط والإعداد والبناء، وبضيق الأفق، وقلة النضج السياسي، والجهل بأسباب قيام الجماعات والمجتمعات... ويقولون في النهاية: لا تعلّقوا إخفاقكم على القضاء والقدر، ولا تتهربوا من تحمل المسؤولية بحجة أنكم غير مسؤولين عن النتائج.

وقبل أن نعلق على قول هؤلاء وأولئك، نؤكد أن العاملين في الحقل الإسلامي ليسوا بالضرورة من أحد الفريقين، بل إن أكثرهم قد وعى المسألة وعياً صحيحاً، ولئن كان في العمل الإسلامي ضعف فلأسباب أخرى، من داخل النفوس وداخل الصفوف... ومن خارجها.

* * *

إن مسؤولية المسلم عن نتائج عمله لا يمكن إعفاؤه منها مطلقاً، ولا تحميله إياها مطلقاً.

في غزوة أحد، عندما تغير وجه المعركة في ساعتها الأخيرة، ونزلت بالمسلمين الجروح والقروح، وقال بعضهم: أنّى هذا؟! كان ردّ القرآن الكريم: قل: هو من عند أنفسكم. آل عمران: 165. وبيَّن لهم أن منكم من يريد الدنيا، ومنكم من يريد الآخرة. آل عمران: 165. فأنتم المسؤولون عما حدث..

وفي جانب آخر فإن نصوصاً في الكتاب والسنة تطالب المؤمن أن يدعو إلى الله، ويجاهد ويصبر... ولا ينتظر النتائج، فإن الفرج والنصر، ونزول بأس الله بأعدائه... أمور بيد الله وحده، يحققها وفق حكمته متى يشاء:

فاصبر إن وعد الله حق، فإما نرينّك بعض الذي نعدهم أو نتوفينَّك فإلينا يرجعون. غافر: 77.

فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً. إنْ عليك إلا البلاغ. الشورى: 48.

"والله ليُتمَّنَّ اللهُ هذا الأمرَ حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا اللهَ والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون". رواه البخاري

وليس بين الجانبين تعارض، فالمسلم مأمورٌ ابتداءً بتوجيه قلبه وجوارحه إلى الله، وبذّل ما يملك في سبيل الله، وتوطينِ نفسه على طاعة الله وتقواه، والصبر على ألوان البلاء... فإنْ هو التزم ذلك فقد نصَرَ الله، واستحقّ وعْد الله بالنصر، فإذا تأخر النصر بعدئذ، لأمور ليس له فيها يد، فذلك من أمر الله، لا من مسؤولية الإنسان.

وغالباً ما يكون تأخر النصر، أو نزول البلاء، نتيجة مرض في النفوس، أو خلل في الصفوف وليبتلي الله ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، فقد وعد الله بنصر من ينصره، وبتمكين الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

نعم، إن للنصر صوراً شتى ربما لا يفقهها المتعجِّل المتضجِّر، وإن استجابة الدعاء تكون على أنحاء شتى لا يبصرها إلا الذين يفهمون عن الله، ويعيشون في طمأنينة ذِكْرِهِ ... لكن تأخر النصر، أو تأخر إجابة الدعاء، على الصورة التي ينتظرها المؤمن...ومن مقتضى هذا التأخر وذاك أن يعيد المؤمن النظر في عمله، وموقفه، وشعوره، وأن يتأمل قوله تعالى: إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم . الرعد: 8.

إنها حقيقة واحدة ذات جانبين: الأول: أن على المؤمن أن يستقيم على الطريقة، وأن يقدِّم في سبيل الله كل شيء، والثاني: أن لله قَدَراً ومشيئة وسُنَناً، تتم الأمور وَفْقها، لا كما يشتهي الإنسان.

وفي ضوء هذه الحقيقة الكبيرة نستطيع أن نفهم النصوص الشرعية:

1- على الرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى الدعاة من بعده، أن يقوموا بالتبليغ، وليس عليهم أن يستجيب الآخرون: فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظاً، إنْ عليك إلا البلاغ. الشورى: 48. إنك لا تهدي من أحببتَ ولكنَّ الله يهدي من يشاء. القصص: 56. وقد بلّغ النبي صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدّى الأمانة، وعلينا أن نتبع سنته ونسير على طريقه.

2- على الرسل والدعاة من بعدهم أن يتحملوا صنوف البلاء ويصبروا ويَثْبُتوا حتى يأتي الله بنصره: لتُبْلَوُنَّ في أموالكم وأنفسكم، ولتسمعُنَّ من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذىً كثيراً. وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور. آل عمران: 186. فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل. الأحقاف: 35. حتى إذا استيئس الرسل وظنوا أنهم قدْ كُذبوا جاءهم نصرنا فنجِّيَ من نشاء. يوسف: 110.

3- والنصر لابُدَّ آت لمن نصر الله وصدَق معه: ولينصُرَنّ اللهُ من ينصُرُه. الحج: 40. وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم... النور: 55. ولقد كُذّبت رسل من قبلك فصبروا على ما كُذّبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا، ولا مبدّل لكلمات الله. ولقد جاءك من نبأ المرسلين. الأنعام: 34.

4- تأخر النصر يقتضي مراجعة الذات: أوَلمّا أصابتكم مصيبة قد أَصبتم مِثْليها قلتم: أنى هذا؟ قل: هو من عند أنفسكم. آل عمران: 165.

5- قد يتأخر النصر حتى تقتضي حكمة الله تحقيقه في الوقت المناسب الذي ربما لا يكون خلال أعمار الدعاة والعاملين فإمّا نرينَّك بعض الذي نَعِدهم أو نتوفينَّك... غافر: 77.

المؤمن الحق لا ينفك عن السير في الطريق الصحيح، وهو يوطن نفسه على تحمل البلاء وتأخر النصر، ويراجع نفسه كل حين، لعله أخطأ أو قصَّر فكان ذلك هو السبب وراء تخلُّف النتائج.

وما أحرانا أخيراً أن نعرض أنفسنا على ميزان البيعة التي جعل لها الإمام البنا –رحمه الله- عشرة أركان، يمثِّل التحقُّقُ بها القيم الإيمانية العليا:

"أركان بيعتنا عشرة فاحفظوها: الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوة والثقة".

والحمد لله رب العالمين.

(1)جزء من حديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن.

============================

مبيدات حرية الرأي!!!

بقلم / توفيق أبو شومر

إن آخر الهجومات التي يتعرض لها النابغون والشعراء، لم تأتِ من دولة ديكتاتورية، كما اعتاد العالم أن يسمع، ولكنه جاء من الدولة التي يُدللها العالم ويسميها "واحة الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"..!!

لم يُدافع كثيرون كما جرتْ العادة عن الشاعر الألماني المبدع (غونتر غراس)، الذي يتعرض لحملة شعواء من رئيس وزراء (إسرائيل) (نتنياهو)، ويبدو أن نهايته ستكون كمثل نهاية العجوز التسعينية الإعلامية المخضرمة (هيلين توماس)، والتي شغلت منصب المستشارة الإعلامية لعشرة رؤساء أمريكيين، والتي انتقدت سياسة الاحتلال الإسرائيلي، فأدى الأمر إلى طردها من منصبها وإقصائها بالكامل عن المنابر الإعلامية..!!

وقد كرّمتْ فلسطين هذه العجوز، وسلّمتها الدكتورة حنان عشراوي ميدالية من الرئيس محمود عباس في واشنطن يوم 5/4/2012 وتستعد وسائل الإعلام في (إسرائيل) لإطلاق تسمية اللاسامية على مَن كرموها أيضاً..!!

وها هو الشاعر الألماني (غونتر غراس) الحائز على جائزة نوبل في الآداب، والمولود عام 1927 يلحق بركب المطرودين من "رحمة" حكومة (إسرائيل)، والمغضوب عليهم من دولة إسبرطة العسكرية، والموصوم بتهمة اللاسامية..!!

والسبب يعود إلى آخر كلماته التي نشرتها المجلات والصحف العالمية يوم 04/04/2012 وفيها يقول:

((ما يجب أن يُقال!

ولماذا أقول الآن

في مثل هذه الأيام والأزمان

الخطر المهدد للسلام والأمان

ليس إيران، بل هو مفاعل نووي (إسرائيل)

الذي يُدمر سلامنا الهزيل..

أنا مكتئبٌ ومريضٌ من الغش،

ومن النفاق الغربي الجبان))

وانتفض العرق السامي، في وجه (نتنياهو) وقال:

ها هو (غونتر غراس) يعود إلى نازيته ولاساميته من جديد، أليس (غونتر غراس) كان باعترافه نازياً في كتائب (هتلر)!!؟؟

وسارع اليوم وزير الداخلية الإسرائيلي (إيلي يشاي) 08/04/2012 بإعلان (غونتر غراس) شخصية غير مرغوب فيها في (إسرائيل)..!!

إذن فلتُشن الحرب عليه، لأنه مطرود من "رحمة" (إسرائيل) إلى يوم القيامة!!

فهل يكون سلاح (نتنياهو) المُجرَّب، (تهمة اللاسامية)، فتاكاً وقاتلاً كالعادة، مثلما حدث مع كثيرين ك (خوسيه ساراماغو) الحاصل على جائزة نوبل حين زار مدينة رام الله وكتب عن التمييز العنصري والقهر الاستيطاني..!؟ وكما عوقب من قبله (روجيه غارودي)!؟ وأيضاً "اللاسامي" (بلانتو أروع) رسام الكاريكاتير الفرنسي في صحيفة (لوموند) الفرنسية؛ لأنه رسم صورة رجل عليه علم (إسرائيل) يتحزم بحزام ناسف اسمه المستوطنات!؟ وطالتْ التهمة كذلك سفير أمريكا (اليهودي) في تل أبيب (دان كرتسر)، لأنه فقط انتقد الاستيطان عام 2002 وقال:

"على (إسرائيل) أن تُنفق على الشؤون الاجتماعية، وليس على الاستيطان!! فقالت عنه الصحف إنه يهودي لا سامي! كما قيل عن (غولدستون)؟!!

إنه مُبيد اللاسامية الفتاك الذي اخترعه (ولهلم مار) مستغِلّلا قول العنصري (أرنست رينان) في آخر القرن التاسع عشر حين قال: "إن الساميين يُشكلون خطراً على حضارة الجنس الآري"، والغريب أن كثيرين ممن يُتهمون باللاسامية هم من أصولٍ سامية، وحتى اليهود أنفسهم لم ينجوا من التهمة؛ فقد اتُهم المؤرخ والكاتب الإسرائيلي (إسرائيل شاحاك) وكذلك (يوسي ساريد) و(شولاميت ألوني) ومعظم من المؤرخين الجُدد!!

واتُهمت بها حتى الصحف والمجلات ووسائط الإعلام، واتُهمتْ حتى صحيفة (هآرتس) الإسرائيلية، وغيرها من الصحف العالمية، ونجحت (إسرائيل) في تثبيت تهمة اللاسامية في أمريكا وجعلتها تهمة لها عقوبات قانونية في التشريع الأمريكي.

 وإليكم أخيراً المعنى الشامل والجامع المانع في تهمة اللاسامية:

 فهي تعني كل تعبير فيه كراهية اليهود، أو الحقد عليهم، أو التمييز الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ضدهم، وضد مؤسساتهم الاجتماعية والسياسية...!

 وتشمل أيضاً التمييز العرقي والطبقي مثل اتهام اليهود بالبخل والمؤامرة.

 وتشمل كل ادعاء بمسؤولية اليهود عن أعمال وجرائم آثمة.

 وتضم كذلك كل منكري (الهولوكوست) وإبادتهم بأفران الغاز على أيدي النازيين.

 وكل من يتهم اليهود كشعب أو كدولة (إسرائيل) بأنهم يُبالغون في حجم الكارثة.

 وكل من يتهم اليهود بأنهم أكثر ولاء (لإسرائيل) من الدول التي يعيشون فيها.

 وكل من يُنكر حق اليهود في تقرير مصيرهم، أو يُسمونها كياناً عنصرياً.

 وكل من يرفعون الشعارات والصور المعادية، مثل صورة قتلهم المسيح أو فرية الدم.

 وكل من يُقارن بين سياسة (إسرائيل) اليوم وسياسة النازيين.

 وكل من يُحمِّل المسؤولية لليهود عن أعمال دولة (إسرائيل).

(مقتبس من صفحة وزارة الخارجية الإسرائيلية)...!!!

======================

كهرباء غزة مقابل غاز تل أبيب

د. مصطفى يوسف اللداوي

هل هي معادلة جديدة ومحاولة مصرية جادة لمساعدة قطاع غزة والوقوف إلى جانب سكانه، وبداية تحول حقيقي في سياسة مصر الثورة، ومباشرة عملية لتحمل مسؤولياتها الأخلاقية والسياسية تجاه قطاع غزة، وهي المسؤولية التي تخلى عنها نظام مبارك وقام بنقيضها وبعكس ما كان يتوقعه الفلسطينيون منها، فناصر إسرائيل على الفلسطينيين، وساندها وساعدها في حصارها لقطاع غزة ومضاعفة معاناة سكانه، وزيادة ألمهم ورفع منسوب الموت في صفوفهم، وضغط عليهم وعلى فصائل المقاومة الفلسطينية للقبول بالشروط الإسرائيلية، والنزول عند رغبة النظام المصري الذي كان متواطئاً مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وهو الذي سكت عن الحرب على قطاع غزة، وقبل أن تكون رسالة التهديد الإسرائيلية من القاهرة، وصافرة البدء في العدوان على لسان تسيفني ليفني في قصر الرئاسة المصري إثر لقائها مع مبارك، فهل ما يحدث الآن هو بداية تغيير حقيقي في موقف مصر الرسمي مع الكيان الإسرائيلي، وأنه علامة فارقة نحو مستقبل دور مصر وحقيقة مواقفها الجديدة تجاه الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العدوانية تجاه الشعب الفلسطيني.

أهو مسعى حقيقي لإجبار الحكومة الإسرائيلية على رفع حصارها المطبق المفروض على قطاع غزة منذ سنوات، خاصة منعها إدخال الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية في غزة، فضلاً عن وقود السيارات وغاز الطهي ومختلف المشتقات النفطية الأخرى، وأنها رسالة مصرية جادة للحكومة الإسرائيلية والعالم بأن نفط العرب هو للعرب، وغزة وسكانها أولى بغاز مصر من إسرائيل، وأن الشعب المصري يتطلع لأن يضيئ شوارع قطاع غزة ويحرك آلات ومحركات مصانعها ومعاملها بزيته ونفطه، فالشعب المصري لم يعد يقبل أن يتبرع بثرواته القومية لإسرائيل المعتدية الظالمة المحتلة للأرض الفلسطينية والمضطهدة للشعب الفلسطيني، ولن يرضى بأن تفضل حكومته العدو الإسرائيلي وسكانه على مصالح مصر وأهلها، وعلى أولوياته القومية والدينية تجاه سكان قطاع غزة، وهم الذين يدركون أن المخابرات الإسرائيلية لم تنفك تحاول اختراق أمن مصر، وإفساد الحياة فيها، وتخريب اقتصادها، وتدمير مقومات وجودها، فهي لم تتوقف عن زرع عملائها ونشر جواسيسها في مختلف مرافق الحياة المصرية، وهي تخطط لحرمان المصريين من مياههم، والضغط عليهم في مصادر نيلهم العظيم، الذي كان وما زال هبة الحياة لمصر وشعبها.

أم أن القرار السيادي الوطني المصري هو بداية تغيير في اتفاقية كامب ديفيد للسلام، وإشارة مفادها استعداد مصر وجاهزيتها لنقضها أو إعادة تقيمها من جديد، بما ينسجم ودورها ولا يتناقض مع قيمها، وبما يعيدها إلى صدارة العرب وقيادة الركب، حيث مكانتها الطبيعية وموقعها الأصيل، ودورها التاريخي الموروث، وأن المجلس العسكري المصري أراد بموافقته على القرار التسهيل على الحكومات المصرية القادمة إمكانية إعادة قراءة مختلف الاتفاقيات الموقعة من الكيان الإسرائيلي، فإذا كان الكيان الإسرائيلي والإدارة الأمريكية يعولون على المجلس العسكري المصري بأنه حامي اتفاقيات السلام مع إسرائيل، وأنه لن يسمح بالمساس بها أو التأثير عليها أو محاولة تغيير بنودها وأصولها، فها هي موافقته على تجميد توريد الغاز المصري إلى الكيان الإسرائيلي تعني أنه منحاز إلى شعبه وخيارات أمته، وأنه لا يستطيع أن يراهن على مصالح مصر القومية بعلاقاتٍ إسرائيلية هي أساس ضعف مصر وتراجع دورها وانهيار اقتصادها وخراب مجتمعاتها.

أم أن قرار مصر هو اقتصادي فقط ولا دخل للسياسة فيه، فلا مكان فيه لدور مصر التاريخي والطليعي وطموحاتها المستقبلية في استعادة دورها ومكانتها، وأن الذين اتخذوا هذا القرار رأوا أن مصر لم تعد قادرة على حماية خطوط الغاز التي تزود إسرائيل به عبر صحراء سيناء، فالهجمات المتكررة عليه وتفجيره لعدة مرات قد ألحق بالشركة الناقلة خسائر كبيرة، فلم تعد قدرات شركات التأمين فيها قادرة على تعويض الخسائر وضمان المستقبل، وتحقيق الربح المتوقع، فقررت أن تتوقف عن بيع الغاز إلى الكيان الإسرائيلي، مخافة أن تتكرر التفجيرات، وينجح المعارضون لهذه الصفقات في إلحاق خسائر أكبر بالشركة المسؤولة عن توريد الغاز.

النتيجة واحدة هي أن مصر ستتوقف عن ضخ الغاز إلى الكيان الإسرائيلي، ولن تواصل سياسة الخنوع التي رضخ لها وقبل بها نظام مبارك، وستشعر الحكومة الإسرائيلية بأن مصر دولة ذات سيادة، ولها كرامتها وموقفها الحر والمستقل، وأنها لا تخشى رد الفعل الإسرائيلي ولا التهديدات الأمريكية لها، وأنها تركن إلى شعبٍ وأمة لا يرضون لها الهوان، ولا يقبلون لها الدنية، ولا يسكتون لها على الضيم، ولا يقبلون أن تستباح خيراتها وأن تنهب مقدراتها، وأن يستخدمها الكيان الإسرائيلي في قهر الشعب الفلسطيني، وإلحاق الضرر به قتلاً وتخريباً وتدميراً، فهذه خيرات الشعب المصري ومقدراته، وهم أحرارٌ في قرارهم ومع من يتعاونون في بيع نفطهم، وصدق من قال "من تحكم في ماله فما ظلم"، وهذا مالٌ مصري عربي وإسلامي خالص، هو لمصر وشعبها وأمتها العربية والإسلامية دون سواهم.

تدرك الحكومة الإسرائيلية خطورة وأبعاد القرار المصري، فهو قرارٌ جاد، وموقفٌ صارم، تفهمه وتحسن قراءته، وقد حملت مبكراً نذره المخابرات الإسرائيلية والعاملون الإسرائيليون في السفارة الإسرائيلية في القاهرة، فهو قرارٌ سيادي سياسي مصري لا اقتصادي، يحمل معه أولى ثمار الثورة، فالسلام مع مصر لن يعود بارداً كما كان، ولن يجمد على حاله ويبقى، بل إن نذر سقوطه قائمة، وملامح انهياره حاضرة، وإمكانية التخلي عنه ورادة في أي لحظة، وسيبدأ الإسرائيليون في الإحساس يقيناً بأن مصر أصبحت إلى غزة أقرب، ومع الشعب الفلسطيني أصدق، وهي إلى تاريخها القديم ودورها الرائد تتطلع، وهي أبداً لن تقبل أن ترى شوارع تل أبيب مضاءة بينما بيوت غزة معتمة، ومصانعها معطلة، ومعاملها متوقفة، وهي بالتأكيد لن تقبل أن يكون وقودها هو الذي يحرك آلة الدمار الإسرائيلية، وهو الذي يملأ خزانات وقود المقاتلات الحربية الإسرائيلية، فهل تنجح مصر في فرض معادلة جديدة، تتجاوز في أبعادها كهرباء غزة مقابل غاز تل أبيب، إلى وقف العدوان والقبول بالحق والإذعان إلى العدل.

moustafa.leddawi@gmail.com

=====================

الارهاب الفكري بين حرية الإبداع والفكر

الدكتور عادل عامر

الارهاب الفكري هو إرهاب من نوع أخر ، يستخدمه محترفو الكلام ، وخبراء التدليس ، و سحرة البيان، للتلاعب بعقول وعواطف البعض، فالبسوا الباطل ثياب الحق ، ليراه الناس حق كي يحبوه ويشتهوه بالرغم أن الهلاك فيه ، وبالعكس ارهبوا الناس من الحق ومن إتباعه لأنه هلاكهم هم فيه .

والمتابع للإحداث هذه الأيام يرى عجبا !! فبعد سقوط النظام البائد الذى كان يحمى الفساد والفاسدين والظلام والظالمين انكشفت عوراتها مما جعل إتباعهم يبحثون على ما يغطى عوراتهم وعوارهم فاختفوا تحت شعارات لامعة متلالاءة وألفاظ ظاهرها الرحمة والعدل والله اعلم بباطنها عندهم ، فاغلبهم تربى فى أحضان الغرب ، فوجدناهم فجاءه تنشق عنهم الأرض و يتسلقون الإعلام ويتنقلون من منبر إلى منبر ، ونحن لا نسئ الظن بهم بل أفعالهم وأقوالهم هي التى تفضحهم ومن الارهاب الفكري أنهم يدفعون البسطاء من الناس للانزلاق فى متاهات الألفاظ و ومنحنيات المعاني ، ليسوقوا عقولهم إلى حيث يريدون ، فتراهم أيضا يخلطون عمدا بين الفكرة و التطبيق ، فالفكرة مثل( الشريعة ) والتطبيق مثل ( كيفية تطبيقها الآن ) ، فهم يرهبون الناس من فكرة الشريعة وكأنها ستفرض بالكامل عليهم فورا وجبرا ، وهذا القول لم نسمعه من احد قط من المطالبين بتحكيم شرع الله ، والشريعة هي النموذج المثالي الذى رضيه الخالق لخلقه كي يعبدوه ويستمتعوا بحياتهم أيضا . - وهؤلاء مشتتون فى أفكارهم ، ضعفاء فى حجتهم ، متناقضون فى مواقفهم ، تراهم يجاهدون بقوة لتأجيل الانتخابات بدعوة تنظيم أنفسهم والحصول على شعبية أكثر وكتابة دستور جديد أولا وهم بذلك يطيلون بقاء الجيش بالسلطة وفى نفس الوقت ينقدونه ويعترضون عليه بشدة ويطالبونه بالعودة إلى ثكناته …. فعجبا لسحرة العقول ومرضى القلوب لم يكد النظام المصري ينتهي والتيار الإسلامي يحصل على الأغلبية إلا وسارعنا بقمع الفكر وحرية الإبداع ودحض الرأي والرأي الآخر..سيقولون أنهم كانوا محقين في زعمهم الأول أن الإخوان خطر على حرية الفكر..وهم حلقة من حلقات العُزلة والتخلف. ما فعله عادل إمام أقل من الكُفر..والتعرض للرموز من باب الفن وحرية الرأي لا من باب الشخصنة والسبُاب وإلا حقّ لك أن ترفع عليه دعوى سب وقذف علني قضية حبس كهذه ستجعل كل من يُفكر في طرح كتاب أو رواية مخالفة لفكر من رفع الدعوى فسيراجع نفسه عشرات المرات..هذا إرهاب فكري تحقق بلا نزاع..هنا الخطورة..ألجمت الألسنة عن النقد وهذه بداية التسلط .. هناك نماذج حية سخر منها هذا الممثل وهي موجودة فكان ينبغي الرد بمثل الوسيلة أو ما يقابلها هكذا يفهمون.. الإخوان كده كده مُدانين..ولست أنا من يطرح هذه الإدانة..استمع لأي برنامج الآن ستجد المثقفين والفنانين والإعلاميين يصبون جام غضبهم على التيار الإسلامي..فقد أصبح مثالا للقمع..هم بُراء أكيد..ولكن لماذا الآن بالذات؟!على التيار الإسلامي إخوان وسلفيين إبداء رأيهم في تلك القضية ولا يكتفون بتحميل القضاء المسئولية. قد يكون رفض الآخر هو المرض، فمن غير المعقول أن ينشط بعض المبدعين في خدمة البشرية ولكن لتنفير الناس عنهم يأتي نشر معائبهم أو حبسهم..وهكذا.. أنا لست ضد حبس المخطئ، ولكن هذا السلوك في حالة عادل إمام.. غالبا ما يأتي من منطلق رفض الآخر وإعلانه علي الملأ دليل سوء نية علي الحط من الآخر ومنزلته وعمله حتى لو كان مصلحا.. ومع ذلك فلا يعلم أحد منا مصيره، والقلوب بيد الرحمن يقلبها حيث شاء..فقد يموت عادل إمام مُصلحا مؤمنا والعكس...حينها قد ساهمت في الحط من حضارتي باسم الدين.. هذه التُهمة التي أدين بها عادل إمام شكلية وتنم عن سطحية في التفكير وجهل رسالة الفن في تقويم المجتمعات...والدليل أن الشيوعي أصبح لديه كامل الحق في حبسك لو تطاولت عليه وعلي مقدساته الفكرية والدينية..وبهذا نكون قد صنعنا مأزقا مجتمعيا فكريا من لا شئ أن تجريم أي إنسان بسبب آرائه و إبداعه هو نوع من الإرهاب الفكري، الذي يحدث في إطار النظم الاستبدادية، ويوظف أصحاب هذه الدعاوى الدين من أجل تبرير هجومهم على حرية الإبداع والحريات العامة. أن تلك لم تكن القضية الأولى من نوعها، فسبق ورفعت عدد من القضايا، وطالت اتهامات "ازدراء الأديان" العديد من أهل الفكر والإبداع، منهم حيدر حيدر صاحب رواية "وليمة لأعشاب البحر"، والمفكر نصر حامد أبو زيد، والكاتب الكبير "نجيب محفوظ"، أن اعتياد أصحاب هذه الدعاوى بين الحين والأخر اللجوء لمثل هذه القضايا، يأتي في إطار محاولاتهم الدءوبة للرجوع بالمجتمع إلى الوراء، وإرهاب القوى المستنيرة، وتحجيم حركة الإبداع والفكر. "الوقت الذي كان ينتظر فيه بعد ثورة 25 يناير إلغاء جميع أشكال الرقابة والقيود، وتحقيق مزيد من الحرية في مجال الفكر والإبداع العلمي والثقافي، صدمنا بصدور حكم من محكمة جنايات الهرم يقضي بحبس الفنان عادل إمام ثلاثة أشهر بتهمة "الإساءة للدين الإسلامي"، كما تنظر اليوم الخميس محكمة جنح العجوزة دعوى قضائية ضد عدد من الفنانين والكتاب عن أعمالهم مع الفنان عادل إمام وهم كل من الكاتبين لنين الرملي ووحيد حامد، والمخرجون شريف عرفة ومحمد فاضل ونادر جلال".".إن الحكم الّذي صدر في حقّ عادل إمام هو جرس رعب مؤذن بحقبة جديدة من أحقاب الإرهاب الفكري والفنّي في المجتمعات العربيّة, فقد ذكرت صحيفة الأهرام المصرية، أن الحكم صدر على الفنان الكوميدي غيابيًّا خلال جلسة محكمة جنح الهرم, وجاء في الدعوى رقم 24215 لسنة 2011 التي أقامها سلفي يسمى عسران منصور أن عادل إمام قدم أعمالاً فنية سخر خلالها من الدين الإسلامي والجلباب واللحية مستشهدا بمسرحية الزعيم وفيلم مرجان أحمد مرجان وبأعمال فنية أخرى استخفّ فيها بالإسلام وسفَّه تعاليمه، حسب ما ادّعاه مقيم الدعوى. ما حصل مع عادل إمام يجيب عن أسئلة عديدة فرضت نفسها على الوسط الثّقافي فور الإعلان عن صعود الإخوان إلى الحكم,كما أنه برّر القلق الّذي اجتاح نفوس المثقّفين والفنّانين,ومعلوم أن الرؤية الاخوانية للفن تقيّده بمعايير محدّدة,فهم يردّدون دائما قناعات الشيخين محمد متولي الشعراوي ومحمد الغزالي التي يلخصونها في تلك المقولة الشهيرة «حلاله حلال وحرامه حرام»، وهو تعبير فضفاض حيث يشبهون الفن بإطار أو وعاء , ومنطق الحلال والحرام وحده الّذي سيحدّد ما يمكن أن يوضع في هذا الوعاء, وبما أنّ الإخوان يرفضون الفصل بين الفنّ والدّين بل هم يخضعونه لقواعد مطلقة فانّ سياسة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ستكون هي الفيصل في الأعمال الفنّية والأدبيّة والفكريّة القادمة

وجديرا بالذكر

قضت محكمة جنح مستأنف العجوزة بعدم قبول الدعوي المقدمة ضد كل من الفنان عادل إمام ووحيد حامد ولينين الرملي وشريف عرفة ونادر جلال، بازدراء الأديان لعدم وجود جريمة وألزمت المدعي بإتعاب المحاماة والمصاريف الجنائية.

======================

هل السنة ضحايا "لعبة كبرى" جديدة؟

خلف الحبتور

ماذا سيكون شعورك عندما تكون على يقين بأن هناك ثمة قنبلة موقوتة بطيئة معدة للانفجار بالقرب من ديرتك، بينما جميع إخوانك و جيرانك لا يأبهون لتحذيراتك؟ للأسف هذا تماماً هو ما أشعر به هذه الأيام. القنبلة الموقوتة هي العداء الإيراني وتدخل إيران في البلدان العربية وجبروتها العسكري المتنامي. إنه تهديد خطير وإذا لم نأخذه على محمل الجد فسوف نستيقظ ذات يوم لنجد أن الحرس الثوري وصل إلى شواطئنا.

 

قبل بضعة أيام، قرأت مقالاً عربياً بقلم مشاري الذايدي نشر في صحيفة "الشرق الأوسط" بعنوان "طَرْقات على الباب الفارسي"، وما ورد فيه يعزز مخاوفي. يستشهد الكاتب بآراء المحلل السابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي أيه)، روبرت بير، الذي وضع كتاباً بعنوان "الشيطان الذي نعرفه"، والذي يزعم أن أميركا مخطئة بوضعها ثقتها في الأنظمة السنية الضعيفة والتحالف معها. فهو يعتبر أن إيران الأكثر قوة واستقراراً هي رهان أفضل وبنظره فهي ذات حضارة عريقة والعرب قوم متخلفين، وأن الشيعة أكثر عقلانية من السنة. وينصح بير الولايات المتحدة بدعوة إيران إلى طاولة السلام من دون شروط مسبقة.

 

ويتطرق الذايدي أيضاً إلى آراء ولي نصر، وهو محلل أميركي لشؤون الشرق الأوسط من أصل إيراني ومؤلف كتاب "صحوة الشيعة". كتب نصر "لقد رحب الشيعة بانهيار الهيمنة السنية وزيادة احتمالات التغيير السياسي في المنطقة. وهذا ما جعلهم من حيث المبدأ أكثر استعداداً للتعاون مع الولايات المتحدة. إن مزيداً من الديمقراطية تخدم ولا شك مصالح الشيعة في المنطقة، ومن هنا نجد الصحوة الشيعية ميالة حُكماً إلى نصرة التحولات الديمقراطية" أكثر من السنة. لكن هذا الكلام ليس صحيحاً في الوقت الذي أظهر فيه السنة تعطشهم للديمقراطية خلال الربيع العربي، وهم يضحون بحياتهم في سبيل الحكم التعددي في سورية.

 

تتفق العديد من مراكز الأبحاث والدراسات الأميركية مع تلك الاستنتاجات التي خلص إليها بير ونصر. لعل الرئيس محمود أحمدي نجاد يشتم رائحة الأجواء الأكثر دفئاً التي تهب فوق الأطلسي باتجاهه، ولذلك لا عجب أنه كان واثق الخطى خلال زيارته الأخيرة لجزيرة أبو موسى التي تملكها الإمارات العربية المتحدة وتحتلها إيران. فما هي يا ترى المناطق العربية الجديدة التي يطمع الرئيس الإيراني بالسطو عليها؟ إذا لم يستيقظ قادة دول "مجلس التعاون" الخليجي ويتنبّهوا للخطر، وهذا ما قلته مراراً و تكراراً، فقد نعرف قريباً، ويا للأسف، الجواب.

تاريخياً، صدق قادتنا العرب وعود القوى الغربية الواهية، ولم يقرأوا جيداً بين السطور. فقد تمكن كل من سايكس وبيكو من رسم خريطة الشرق الأوسط بجرة قلم عام 1916، وبعد عام، وهب بلفور فلسطين بكل سرور، مع أنها لم تكن ملكه أصلاً كي يقدمها هبة. أما في ما يتعلق بدول الخليج الغنية بالنفط، فقد اعتمدت تلك القوى الغربية استراتيجية أكثر تطوراً في التعامل معها. لم تُحتَل بلداننا بالمعنى التقليدي للاحتلال، بل سيطرت عليها بريطانيا العظمى، ولاحقاً الولايات المتحدة.

 

قد تقولون، إنه تاريخ قديم. لكن من عادات التاريخ السيئة أنه يعيد نفسه. يجب أن نرفض رفضاً قاطعاً التعامل معنا وكأننا بيادق شطرنج تحركنا واشنطن وموسكو في لعبة جيو-ستراتيجية لا تنتهي فصولها. يجب أن نُفهِمهم بوضوح شديد وبعبارات لا لبس فيها أننا لن نقبل تلقي التعليمات، وعلينا أن نحشد إمكاناتنا الدفاعية المشتركة. نستطيع، من خلال الأهداف الموحدة والجيوش الفاعلة، درء الخطر كي لا نُعامَل مثل لعبة يتقاذفها الآخرون من دون أن يكون لنا أي قدرة على تحديد مصيرنا.

 

قبل بضعة أسابيع، قالت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إن الولايات المتحدة ملتزمة أمن دول الخليج، لكن الحقيقة هي أن أميركا ملتزمة فقط تأمين مصالحها الخاصة. تركز سياسة واشنطن في الشرق الأوسط دائماً على الإبقاء على الهيمنة الإقليمية الأميركية عبر استخدام أسلوب "فرق تسد" الذي أثبت من قبل قدرته على تحقيق مآربه.

تتصور أميركا نفسها محرِّكة دمى تتحكم بالدول الخاضعة والمنصاعة لها. خلال رئاسة جورج دبليو بوش، عندما كانت روسيا التي اعتنقت الديمقراطية حديثاً تتردد في عرض عضلاتها، كانت الولايات المتحدة مطلَقة اليد لاجتياح العراق وأفغانستان - وإنشاء قواعد عسكرية في مختلف أنحاء الخليج وبحر قزوين، بيد أن روسيا مختلفة في الزمن المعاصر. يندم الرئيس فلاديمير بوتين على موقفه المهادن السابق، ويبدي تصميماً على التصدي للطموحات الأميركية في المنطقة عبر أخذ إيران وسورية تحت الجناح الروسي. لقد أدت روسيا دوراً مهماً في التطوير النووي الإيراني، وتستخدم الآن نفوذها لإبقاء نظام الأسد الهمجي في السلطة.

 

لعبة السيطرة على الشرق الأوسط والخليج، للأسف، ليست كما تبدو للعيان. ظاهرياً، الحكومتان الأميركية والإيرانية عدوتان لدودتان، لكن قد تكون هذه مجرد حيلة كما يورد الكاتب تريتا بارسي في كتابه "تحالف غادر". ليس سراً أن بريطانيا وأميركا كانتا وراء إطاحة الشاه وتنصيب آية الله الخميني. ومنذ ذلك الوقت، ينشط آيات الله الإيرانيون في التعاون مع واشنطن للتخلص من عدوهما المشترك في أفغانستان، حركة "طالبان"، كما قدموا الدعم لاجتياح العراق بقيادة الولايات المتحدة، وأصبح هذا البلد الآن تحت المظلة الإيرانية.

تعتبر إحدى النظريات الموثوقة أن الأجندة الأميركية تتمحور في المدى الطويل حول إغواء إيران بالانضمام إلى المعسكر الأميركي انطلاقاً من الافتراض بأن الشيعة العرب الآخرين سيتبعونها. وهذه إحدى المسائل التي تختلف فيها الآراء بين الولايات المتحدة وإسرائيل التي ترى في إيران تهديداً لوجودها. إذا نجحت الولايات المتحدة في استقطاب طهران إلى صفها، فسوف تُقصى روسيا من المشهد ويُضمَن أمن إسرائيل. وهناك سابقة يُعوَّل عليها في هذا المجال. في عهد جمال عبد الناصر، أدارت مصر ظهرها للغرب لصالح التقارب مع الاتحاد السوفياتي، بيد أن الولايات المتحدة سارعت إلى استمالة خلفه أنور السادات الذي أبرم معاهدة السلام مع إسرائيل في كامب ديفيد.

نظرياً، ترغب واشنطن في تعيين كيان قوي مثل إيران وكيلاً لها في المنطقة يهتم بإدارة شؤونها تماماً كما كان الشاه قبل أن تصيبه أوهام العظمة. لكن بادئ ذي بدء، سوف تُضطر إلى التضحية بالدول ذات الغالبية السنية. لطالما كان هدف أميركا تقسيم العرب عبر احتواء السنة في جيوب صغيرة يمكن التحكم بها في مقابل تمكين الشيعة، وقد نجحت هذه السياسة في العراق.

 

فكِّروا في الأمر! في خضم كل هذا العنف الطائفي الذي يشهده العراق، الاحتمال قوي بأن تتجه البلاد نحو الانقسام إلى دولتَين أو ثلاث دول. كانت الأيادي الغربية خلف تقسيم السودان إلى كيانَين متحاربين. والدور الذي لعبته في سقوط معمر القذافي دفع بأهالي بنغازي، المدينة الثانية في ليبيا والواقعة في شرقها، إلى المطالبة بالحكم الذاتي. واليمن يتفكك أيضاً تحت وطأة الانقسامات في الجيش والمطالب الانفصالية في الجنوب والعنف الذي يمارسه الحوثيون في الشمال ناهيك عن وجود تنظيم القاعدة الذي يزيد الأوضاع سوءاً. وفي كل هذه الحالات، السنة هم الخاسرون.

 

يبدو، ويا للغرابة، أن نظام الأسد العلوي الموالي لإيران حصل على إذن لمواصلة القتل ما دام مراقبو الأمم المتحدة يحصون الضحايا. فضلاً عن ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة وأوروبا توصلتا إلى نوع من التسوية بشأن تخصيب إيران لليورانيوم خلال المباحثات التي أجرتها مجموعة الخمسة زائد واحد أخيراً في اسطنبول، مما أثار تجهم نتانياهو ورسم ابتسامة تفاؤل على وجه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي-مون، ومفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون. انسوا الخطاب المناهض لإيران والحاد اللهجة الذي تسمعونه من الرئيس أوباما، فالهدف منه هو استرضاء تل أبيب واللوبي الأميركي الموالي لإسرائيل! لا شك في أن أوباما يعمل خلف الكواليس على تدعيم الانفراج الوليد في العلاقات مع إيران.

 

يجب ألا نقف مكتوفي الأيدي بانتظار مفاجأة بشعة. ستستمر القوى الغربية في المساومة مع البلدان القوية القادرة على حماية مصالحها والتعاون معها، في حين أن البلدان الضعيفة والتي لا تتحلى بالنباهة الكافية للحفاظ على شرفها ستُسحَق تحت الأقدام.

 

فضلاً عن ذلك، يتوقع الكاتب الإسرائيلي يارون فريدمان أن تتسبب الوقائع السياسية الجديدة بعد الربيع العربي بصدامات مذهبية بين السنة والشيعة. ويعتقد أن الخليج العربي سيكون ساحة النزاع الأساسية. بالطبع نأمل من الله سبحانه وتعالى أن يكون فريدمان هذا مخطئاً، لكن يجب أن نبقى متيقظين لمنع انفجار الأوضاع.

ليت دول "مجلس التعاون" الخليجي، حكومات وشعوباً، تتنبه لهذه النزعات الجيوسياسية الجديدة قبل أن يُقتاد مواطنو دول الخليج إلى سجون مفتوحة شبيهة بغزة، فنتمنى عندئذٍ لو أننا نستطيع إعادة عقارب الساعة إلى الوراء. يجب أن نحمي كرامتنا التي نستمدها من سيادة بلداننا على أراضيها وحدودها. وينبغي على قادة "مجلس التعاون" الخليجي أن يضعوا المصالح الذاتية والخلافات الصغيرة جانباً، وتشكيل جبهة موحدة لا تتزعزع. هذا هو أملنا الوحيد.

فهل من يصغي؟

(* ) كاتب إماراتي

====================

إستقلال شر من شتات!!

نبيل عودة

ثلاثة احدات في الذاكرة من استقلال اسرائيل

بينما تحتفل اسرائيل بمرور 64 سنة على قيامها، وكما في كل مناسبة، استعيد في ذاكرتي الكثير من الصور والذكريات المرتبطة بهذه المناسبة.ومنها ثلاثة احداث لا تغيب عن ذاكرتي ابدا .

اولهما: لقاء مع طلاب يهود ثانويين يساريين وشيوعيين في حدود العام (1960) تفاجأ الطلاب اليهود اننا لا نحتفل باستقلال الدولة. وعبثا حاولنا بمفاهيمنا السياسية الأولية ولغتنا العبرية الضعيفة ان نشرح ما يؤلمنا في هذا اليوم. بعد حوار طويل أشبه بالحوار السفسطائي،او حوار بين طرشان،نجحنا بمساعدة مرشدتنا التي هي أيضا لا تعرف العبرية بشكل مقبول،في ايصال ما يؤلمنا. راودتني فكرة. سألتهم: ما هو شعوركم بمثل هذا اليوم الذي يسمى استقلال اسرائيل؟ كان ردهم متشابها ، الشعور بالأمان والسعادة ان لهم دولة تحميهم وتجعلهم اسوة بجميع الشعوب. قلت لهم فورا اول جملة تيسرت لي بالعبرية : هذا بالضبط ما ينقصنا نحن. واضفت بلغة مكسرة بمساعدة سائر الزملاء العرب والمرشدة: استقلالكم يعني تشريد اكثر من مليون فلسطيني من شعبنا. استقلالكم يعني مصادرة اراضينا. استقلالكم يعني اننا صرنا مواطنين اقل شأنا منكم. استقلالكم يعني ارهاب الحكم العسكري وتقييد حريتنا بالتصاريح.استقلالكم جر علينا كوارث تدمير 500 بلدة عربية وطرد سكانها. استقلالكم يعني مجزرة كفر قاسم رغم انهم مواطنين في دولة اسرائيل مساوين لليهود حسب القانون على الأقل.وربما اضفت نماذج اخرى ليست اقل شانا.

كان ذلك منذ أكثر من نصف قرن والتطورات عمقت حدة النزاع مع الفلسطينيين ومع سائر الشعوب العربية حتى التي وصلت بغفلة من زمن عربي ضائع ( وحتى اليوم كله زمن ضائع)، الى "اتفاقات سلام" مهينة لكل منطق سياسي سليم ، على الأقل بتحولها الى "ثنائية مغلقة" بدون أي علاقة بقضية العرب المركزية.

ثانيهما: في مناسبة استقلال أخرى للدولة، وكان الحكم العسكري يتحكم باستبداد وقمع وارهاب بالأقلية العربية الباقية في وطنها،بدون رقيب تحت مظلة قوانين الانتداب الاستعماري البريطاني لفلسطين . كان الحكم العسكري من نصيب المواطنين العرب فقط، تخضع له جميع مناحي الحياة وخاصة فرص العمل والوظائف في المؤسسات وحق التنقل داخل الوطن (حتى الى العمل خارج بلداتنا كنا نحتاج الى تصاريح عسكرية محدودة بالزمن والساعة ) وبرز تعسف الحكم العسكري بالتحكم بالتعليم العربي والمناهج التعليمية والتوظيف لسلك التعليم. وارهاب المعلمين، وقد ساد الخوف بين المعلمين من امكانية طردهم من التعليم اذا لم يلتزموا بالتعليم حسب الكتب المنهجية الضعيفة والتافهة والتي تشوه اللسان والعقل.وقد انتشرت في تلك الفترة ظاهرة طرد المعلمين العرب من سلك التعليم، لأن الحكم العسكري لم يعد يثق بتبعية المعلم والتزامه بالبرنامج التعليمي المقرر في دوائره.وهناك معلومات ان ظاهرة السيطرة الأمنية على جهاز التعليم ظلت سائدة بقوة حتى سنوات قليلة ماضية وهناك شكوك اليوم بان جهاز التعليم العربي ما زال يخضع لرقابة أمنية شديدة رغم الإتساع الكبير في مساحة الحرية.وهذه الحرية النسبية لم تحدث في فراغ بل بثمن نضالي كبير.

 لذلك كان الخطر على لقمة العيش مسلطا فوق الرؤوس. وساد وقتها جو كئيب في مدارسنا. وامتنع الكثير من المعلمين عن التعبير عن ارائهم او اضافة معلومات والتوسع في مواضيع الدراسة خوفا من سيف الفصل من العمل، والمؤسف ان هذه الظاهرة لم تؤرخ بشكل يظهر ممارسات الحكم العسكري الذي اطلقته دولة اسرائيل على رقاب الأقلية العربية ، واطلقت يده الحرة حتى بالتضييق على لقمة الخبز للمواطنين بطريقة تعسفية استبدادية وارهاب متواصل لدرجة خوف المواطن من التعبير عن رأي لا يقع جيدا على آذان زلم دوائر الحكم العسكري. وقد تحول بعض المعلمين الى مخبرين رغما عنهم،او استسلاما للأمر الواقع ، وربما بعض الطلاب ايضا اصبحوا عيونا تراقب وتدون وتنقل؟!

ونعود لموضوعنا:

في عشية أحدى مناسبات "الاستقلال" وكنت طالبا بالمدرسة الابتدائية. طلب معلم العربية من صفنا ان نكتب موضوع انشاء بهذه المناسبة "السعيدة للعرب"، وشرح لنا استاذ اللغة العربية (مرغم اخاك لا بطل)كيف "تطورنا وتقدمنا" (وصرنا "اشبه بالانسان"؟) وانتشرت المدارس والتعليم وصار العرب بفضل دولة اسرائيل عمالا في المصانع وفي البناء ، دون ان يذكر ان مصادرة الأرض العربية اجبرت الفلاحين للتحول الى العمل المهني ونقلتهم عنوة من مجتمع فلاحي الى مجتمع شبه مدني مع مشاكل هذا الانتقال القسري وتناقضاته الصعبة على جميع المستويات.

كنت ابنا لوالد شيوعي، وام مثقفة اهتمت بتدريسي اللغة العربية على صفحات جريدة الحزب الشيوعي (الاتحاد)..وصرت قارئا ممتازا منذ الصف الثالث ولم اترك كتابا في مكتبات ابناء العائلة الكبار الا وقرأته حتى ولو لم افهم الكثير من نصوصه،وكنا نعاني وقتها من حصار ثقافي، ومنع الكتب من العالم العربي وكل طباعة كتاب يجب ان تمر على الرقابة العسكرية. سحرتني الروايات والقصص ، وبدأت منذ الصف الرابع في صياغة القصص مقلدا ما أقرأ . ومن هنا عشقت الانشاء العربي ، ولكن شرح المعلم لم يعجبني ويتناقض مع المعرفة التي نشأت عليها والمعلومات التي بدأت تشكل بداية وعيي السياسي المبكر.فكتبت موضوعا عن النكبة والتشريد واللاجئين ومصادرة الأرض والحكم العسكري، لا اتذكر بالتفصيل ما كتبته، ولكن مربي الصف ، ولم يكن هو نفسه مدرس اللغة العربية دخل بوجه غير طبيعي. ظنناه لوهلة مريضا. وضع حقيبته على المنضدة، والتقط دفترا تبين انه دفتري، وناداني بصوت مخنوق شعرته يكبت مخارج الكلام : نبيل ، خذ دفترك واذهب الى غرفة المدير. عرفت انه دفتر الانشاء. لم افهم السبب، ولكن وجه المعلم وصوته المخنوق ادخلني بحالة خوف. ماذا كتبت حتى يستحق هذا التجهم والارسال للمدير الذي كان يعرف بقسوته وهناك حديث عن تعاونه مع أجهزة الأمن ؟

 هل سُر بما كتبته عن استقلال الدولة؟

استقبلني المدير بصراخ وتهديد لم اعهده ، وللحقيقة شعرت بخوف شديد وارتباك وجف حلقي ولم انبس ببنت شفة. شعرت اني بعد قليل سأُعلق على حبل المشنقة. بعد وجبة الصراخ والتهديد والوعيد والتنويه بالخطر على مستقبلي، فهمت اني كتبت موضوعا يعتبر تجاوزا خطيرا يعرضني للعقاب من الشرطة . ويعرض معلمنا لخطر الطرد من التعليم. وأمرني المدير ان انصرف الى البيت ولا اعود الا مع والدي ليتعلم كيف يربيني.

وصلت الى منجرة والدي ، وكان نجارا مستقلا، وبصعوبة افهمه ابنه المرعوب ما جرى. وما اخرجني من رعبي ان والدي بدأ يتذمر بغضب من المدير وسياسة السلطة الغاشمة واعتقادها ان تشويه الحقائق سيغير من الواقع. وكنت عادة أقرأ قصصي ومواضيعي التي أكتبها على مسامع "جمهوري" العائلي، لذلك كان والدي على علم بما كتبت. قال لي لا ترتعب ليذهبوا الى الجحيم ، يريدون ان يعلموا الطلاب على الخنوع والخوف، ان ما كتبته في موضوعك هو الحقيقة التي لا يمكن تزويرها.

شعرت بالاطمئنان والراحة.

رافقني في الطريق عائدا الى المدرسة.دخل غرفة المدير وانا مختبئ وراءه.ولم يعط للمدير ان يقول اكثر من جملة : هل انت على علم بالحماقة التي كتبها ابنك؟ فرد عليه: ان حماقة ابني أفضل من تضليل جهاز التعليم وتشويه عقول الطلاب. فقال المدير ان مستقبل الولد سيكون في خطر. فقال والدي بغضب : طز في مستقبله اذا بني على الكذب والتزوير.بالطبع ذاكرتي لا تحتفظ بنصوص دقيقة لما جرى.ولكني اكتب عن مجمل الحدث الذي لم يغادر ذهني كلما كتبت مقالا او قصة وربما ذلك الحادث المترسب في ذهني جعلني حادا في مواقفي ، بل وعنيفا احيانا في نقدي لمواقف ارى انها تفتقد للمصداقية.

وهكذا عدت الى الصف منتصرا ومستوعبا ان الحقيقة يجب ان تقال.

ثالثهما: قبل عقد ونصف العقد من السنين. وصلت الى مدينة الرملة، في زيارة لعائلة زوجتي والوقت كان عشية ما يسمى "عيد الاستقلال".

لفتت انتباهي اعلانات ضخمة تملأ شوارع الرملة ومداخلها تدعو السكان الى الاحتفال ب "تحرير" مدينة الرملة. وعرب الرملة "المحررة" مدينتهم،والذين يسكنون في احياء مهملة تسمى ب "الغيتو العربي" يقرأون عن احتفالات تحرير مدينتهم.

لست هنا في باب الرد على "رواية التحرير" الصهيونية. ولا تفاصيل النكبة الفلسطينية وحصة الرملة فيها وهي حصة كبيرة جدا. انما ساذهب الى تاريخ الرملة التي "حررت" والتي يشملها تشويه تاريخ الوطن الفلسطيني. وفي حالتنا قد تتحول الرملة الى هدية أخرى من ابراهيم الخليل لأبناء اسرائيل.

كانت الرملة خلال فترة طويلة خاصة في عهد الدولة الأموية عاصمة للولاية الفلسطينية. ولعل في استعراض التاريخ ادراك ان الغطرسة والاستعلاء هي نتيجة طبيعية للصوصية والتزوير.

بنى سليمان بن عبد الملك بن مروان مدينة الرملة عام (710ميلادية) يوم كان واليا على فلسطين في عهد أخيه الخليفة الأموي الوليد (705 – 715م) وواصل سليمان بناء المدينة بعد ان تولى الخلافة بعد الوليد، ولكنه لم يعمر طويلا.اذ توفي بعد عامين ونصف (717م) ولكنه حول الرملة الى عاصمة الولاية بدل مدينة اللد المحاذية لها.

جاء بعده عمر بن عبد العزيز الذي تابع ما بدأه سليمان من بناء مدينة الرملة.فبنى الجامع الأبيض، واذكر هذا الجامع من ذلك الوقت بناء متهالكا، ولكنه رمم فيما بعد. وقام ببناء "العنزية" وهو مجمع لسقي المعزة.وما زال ذلك الموقع من اجمل آثار الرملة التاريخية، ومن معالمها السياحية الجميلة. والعنزية عبارة عن نبع وبركة ضخمة تحت الأرض، ينزلون اليها بدرج شديد الانحدار، وبالإمكان ركب قارب صغير والتجديف به في ارجاء البركة.

كانت تنشل المياه من البركة لسقي القطيع، ولكن المكان مهمل نسبيا، وتاريخه مشوه.

هناك رواية اخرى تقول ان العنزية بالأصل هي كنيسة اسمها "سانتاهيلانه"،وهو من الأسماء اللتي يعرف بها الموقع حتى اليوم، بنتها ، حسب الرواية الملكة هيلانه ام الإمبراطور قسطنطين،التي يعتبر دخولها للمسيحية ، ثم تحول الدين المسيحي الى دين امبراطورية قسطنطين، بداية لانتشار عالمي واسع للمسيحية، وقد رُسمت هيلانه قديسة بسبب اعمالها في بناء عشرات الكنائس في الأماكن التاريخية للمسيحية ونشر المسيحية.

وهناك رواية تقول ان العذراء مريم في طريقها الى القدس هربا من هيرودوس،استراحت في ذلك المكان، وان كنيسة سانتاهيلانه المذكورة غمرت ارضها مياه الينابيع بسبب انخفاضها، وتحولت الى بركة ماء تحت ارضية، بني فوقها مسقى العنزية. وبسبب اهمال دائرة الآثار ، للآثار العربية والاسلامية، لم يتم الكشف عن الكثير من سراديب وطرق وابنية الرملة التاريخية، وظلت مغلقة بالأتربة ولا يجري الكشف عنها، هذا عدا عشرات المقامات والأضرحة الدينية الاسلامية ذات القيمة التاريخية، وأبرزها مقام النبي صالح، ببرجه الشامخ ، والبعض يقول ان اسمه النبي الصالح مع "ال" التعريف. كان وقتها مهملا واشبه بمجمع للنفايات. اليوم نظف واستغلت الأرض لمشاريع بلدية .. وقد علمت ان مهندسة رملاوية تقوم بالعمل على كشف "اسرار" الرملة العربية ومعالمها التاريخية.ولكن يبدو ان المهمة أكثر صعوبة من رغبة شخصية ودافع وطني.

ومن الجدير ذكره ان آخر رئيس لبلدية الرملة قبل النكبة هو الشيخ مصطفى الخيري. ولكن البعض يقول انه يعقوب القصيني.ومهما كان الخلاف فالإثنان هما آخر رئيسان لبلدية الرملة العربية قبل ان "تحرر" الأول مسلم والثاني مسيحي وتلك دلالة هامة لحياة التآخي والتفاهم التي سادت المجتمع الفلسطيني ومدينة الرملة العربية ، قبل الظواهر الطائفية المقلقة التي بدأت تنتشر اليوم وتزيد مجتمعنا تفسخا.

مدينة الرملة التي "حررت" على آخر زمان، كانت خلال تاريخها الطويل، مركزا للثورات العربية التحررية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وذلك منذ اواخر العصر الأموي وحتى الفتح الصليبي ، أي لفترة تزيد عن اربعة قرون وهذه أهم معالم تلك الثورات.

اول ثورة يحدثنا عنها التاريخ كانت ثورةعام(743م)نصب خلالها الثوار احد ابناء سليمان بن عبد الملك قائدا لهم، وذلك حفظا منهم لعهده، وقد بايعوا ابنه يزيد أميرا للمؤمنين.ولكن الوليد الثالث خليفة دمشق استطاع القضاء على الثورة بمعارك دامية.

بعدها كانت ثورة المبرقع اليماني، الذي انتفض على المعتصم خليفة بغداد عام (841م)وقد هزمت جيوش الخلافة المبرقع وأسرته ونقلته الى سامراء العراق.

حين تولى الشيخ عيسى بن عبدالله الشيباني ولاية الرملة ( فلسطين) قام بجهود مضنية لإقناع المعتمد الخليفة العباسي باستقلال فلسطين. ولكن جهوده فشلت، فتمرد على المعتمد، الذي ارسل الجيوش وقضى على تمرد الشيباني ومحاولته اقامة دولة فلسطينية وطرده من بلاد الشام كلها.

في النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي، والنصف الأول من القرن الحادي عشر، جرت محاولات كثيرة قام بها آل جراح في سبيل استقلال فلسطين عن دولة الخلافة، وذلك من عاصمة ولاية فلسطين مدينة الرملة.ولكن ثوراتهم وتمرداتهم المتواصلة فشلت في مواجهة جيوش الخلافة العباسية، رغم الفترة الطويلة التي صمدوا بها.

هذا التاريخ يبين ان الشعب الفلسطيني ليس وليد الصدفة،كما تحاول ان تصوره الرواية التاريخية الصهيونية، وانما هو شعب جذوره عميقة بالتاريخ والنضال من أجل الاستقلال. له ثقافته وحضارته الخاصة والتي هي جزء من الثقافة والحضارة العربية. ومن الضروري ان نؤكد ان العرب في بلاد الشام ، كانوا قبل الاسلام بعشرة الاف سنة.

هذه الصور الثلاث تعاودني كلما اقترب ما تسميه اسرائيل عيد الاستقلال. هل حقا هو استقلال حين ندرك انه قائم على الحراب وتطوير اسلحة الابادة الجماعية؟ هل هو استقلال ذلك القائم على العداء للمحيط العربي الذي زرعت اسرائيل داخله بالاعتماد على خطط امبريالية لا ارى مصلحة للشعب اليهودي بأن يكون أداة لتنفيذها. هل هو استقلال بأن يجري اخضاع الشعب اليهودي ، وليس الشعب الفلسطيني فقط، لأبشع احتلال استيطاني، لا أمان فيه للمستوطنين الا بتواجد عسكري ضخم وقمع متواصل لأصحاب الأرض الشرعيين، وصرف ميزانيات هائلة على مشاريع استيطانية تقود الدولة الى تسانومي عزل سياسي، والأخطر الى سد كل الطرق امام حل سلمي مع الشعب الفلسطيني ومع الشعوب العربية والاسلامية بالتالي؟

انا لا اعرف استقلالا جعل شعبه رهينة للحروبات والعنف والقمع والتمييز العنصري وارتكاب جرائم حرب لم تكشف بعد تفاصيلها رغم مرور 50 سنة على الوثائق السرية حسب القانون ، وجرى تمديد اغلاق الأرشيفات الحكومية لعشرين سنة أخرى مما اثار تساؤلات من اليهود انفسهم عن المعلومات التي تخاف حكومة اسرائيل من كشفها.

لسنا ولن نكون أعداء للشعب اليهودي. بل مقاومين لسياسة الاحتلال الصهيونية . الصهيونية كما قال احد مؤسسيها،كانت هدية اوروبا للشعب اليهودي، ولكني اعارضه بان هذه "الهدية" كانت استراتيجية اوروبية لما بعد الحرب العالمية الثانية، جعلت من الشعب اليهودي رهينة لسياسة قديمة- جديدة، لإبقاء الشرق الأوسط بثرواته الطبيعية ملحقا فقيرا ومتخلفا للنظام الرأسمالي الدولي الذي بدأ للتو حركة نهضة جديدة.

64 عاما بدون ان يحدث أي تقدم نحو الانفراج السياسي تقول امرا واحدا. المشكلة أكثر اتساعا من الموضوع الفلسطيني ، وللأسف الأنظمة العربية الفاسدة، الساقطة واللاحقة، تثرثر حول المؤامرة وهي نفسها أهم نتاج للمؤامرة.من هنا رؤيتي ان مأساة الشعب اليهودي من استمرار الاحتلال لا تقل عن مأساة الشعب الفلسطيني.والتحرر من الاحتلال هو تحرر للشعبين!!

وقد بلغ السيل الزبى!!

nabiloudeh@gmail.com

=========================

الاسرى وثورة الاحرار

بقلم ثامر سباعنه – فلسطين

مما لا شك فيه أن الحرية تعني الكثير بالنسبة للمحرومين منها في حياتهم ماديا و معنويا وقد عانت البشرية كثيرا من سلبها عبر تاريخها الطويل و قدمت في سبيل ذلك أنهارا من الدماء سالت بل ان كل معاناة البشرية بالأمس و اليوم و الغد في سبيل تحقيق أسمى شيىء تحلم به و هو الحرية

إن أكثر من اربعة آلاف أسير فلسطيني يُحاصرون ببنادق الموت الصهيوني ويُسلبون حقهم بالحياة والتمتع بالحرية فلا يلتفت لهم أحد إلا القليل من عالم يدّعي فيه أنه يدافع عن الإنسان ويسعى لبث قيم العدالة وحقوق الإنسان وسيادة الحريات، فالعالم في معظمه وخاصة المجتمعات العربية صامته بصوتها عن قضية أسرانا الذين يصرخون كل يوم بصوت ألامهم ومعاناتهم التي لا تنتهي ولا تجيب أصواتهم إلا صدى ألمهم فلا أذن واعية لحجم معاناتهم لتتحرك نحو تحريرهم وفتح أبواب السجون لإطلاقهم نحو فضاء حريتهم ووجودهم ، و لقد أشهر أكثر من 3000 معتقل من هؤلاء الأسرى والأسيرات سلاح الإضراب في وجه حكومة الجلادين الدموية، وواجهوا بعزيمة أقوى، قوانين وإجراءات السجان، من خلال تصعيد شكل الاحتجاج "الإضراب المفتوح" الذي أخذ شكل الإضراب الفردي _ ومازال _ سمته الأساسية على مدى عدة شهور، لينتقل مجدداً، نحو شكل متقدم "إضراب جماعي" يعيد للحركة الوطنية الأسيرة وحدتها في وجه قوانين الاعتقال التعسفية. هذا الأسلوب الكفاحي، الجماعي، الوحدوي، سيوفر لجماهير الشعب والأمة، ولكل أنصار الحرية ومقاومة الاحتلال والعنصرية، العوامل المساعدة لطرح قضية المعتقلين والمعتقلات ك"أسرى حرب"، أسرانا اليوم يُسنون وثيقة العهد والميثاق ليتوحد الأسرى بأطيافهم وتوجهاتهم السياسة نحو الإعلان عن الإضراب عن الطعام والتحدث بالأمعاء الخاوية ليمتلئ القلب بالإيمان بحق الوجود والكرامة الإنسانية، ليكون ذلك العهد والوفاء لقضيتهم العادلة المتفرعة من قضايا الوطن كله، وسعي نحو لفت أنظار العالم الإنساني لقضيتهم المشروعة بجميع المواثيق الدولية.

اسرانا أنتم الأحرار الحقيقيون .. إن هذا الأسر مهما طال فلا بد له أن ينتهي .. ومهما بدا الليل المظلم طويلا وثقيلا ... سوف يبزغ الفجر حتما .. لن يدوم السجن إلى الأبد .. ولن يُخلد السجانون .. ونقول لهم معتقلاتكم عرين أسودنا .. يا كل أسرانا الأبطال الصابرين في سجون الاحتلال ... ها أنتم تمهدون بثباتكم وصبركم ومقاومتكم الطريق إلى الحرية .. طريق الحرية المفروش بالدماء والعرق والدموع والبرد والحر و كل أوجاع الغربة والأسر ،ومن خلف القيد والقضبان تكتبون رسالة الوطن كل الوطن ، ليحمل كلٌ منّا أمانة المسئولية لقضية أسرانا وجميع قضايا فلسطين فهم من قدّموا أعمارهم لأجل كرامتنا وحقنا بالوجود وعلمونا الصبر وبقاء الأمل مهما اشتد الظلام ، و على المؤسسات الحقوقية الدولية، العمل على تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، كخطوة على طريق تحسين ظروف اعتقالهم، والعمل الجاد والمثابر لإلغاء سياسة الاعتقال الإداري،

اما عن حكم الإضراب الذي يخوضه الفلسطينيون في سجون الاحتلال الإسرائيلي للمطالبة بحقوقهم فقد اجاب الدكتور يوسف القرضاوي ب )) من حق الناس أن يضربوا عن الطعام باعتباره وسيلة للضغط على الأعداء، عرف العالم هذه الطريقة من الطرق المهمة أن يجوع الإنسان وأن يصبر عن الطعام والشراب أياماً عديدة وأحياناً بتطول أكثر من شهر يعني رأينا من الإخوة الفلسطينيين والأخوات الفلسطينيات من صبروا أياماً طويلة حتى قهروا العدو وصحتهم أصبحت معرضة للخطر من طول الجوع فيضطرون إلى محاولة الاستجابة لهم بطريقة من الطرق، فالإنسان يمكن أن يستعمل هذه الطريقة مع أعدائه وأن يستمر إلى أن يهيئ الله له الأسباب إن شاء الله وهذه الطريقة من الطرق للضغط على الأعداء الذين لا يستجيبون للضمير ولا ينصتون إلى صوت الدين ولا يستجيبون للأخلاق ولا يستجيبون لصيحات الأهالي ولا للأولاد ولا للآباء ولا للأمهات ولا إلى أحد فهؤلاء يستعملون هذه الطريقة ليؤثروا على هؤلاء)).

جاعت امعاء الاسرى لكن كرامتهم وعزتهم لم تجع ..ونحن شبعت امعاؤنا لكن كرامتنا وعزتنا تموت من الجوع

=========================

مبادرة عنان وثورة الشعب .. الثورة الشعبية والمخرج من المحرقة السياسية

نبيل شبيب

أين المراقبون الأمميون من الثورة الشعبية في سورية؟..

أين موقع دور المراقبين ومهمتهم فيما يسمّى مبادرة عنان؟..

أين مواقف الدول التي وعدت بدعم الثورة الشعبية دون تأخير؟..

أين مفعول التصريحات الرسمية لدول كبيرة وصغيرة حول الجريمة المتواصلة بحق شعب سورية؟..

أين أصبحت المعارضة السياسية، التقليدية وغير التقليدية، من مسار الثورة المستمرة بطاقة الأحرار فقط؟..

 

مشكلة عنان

ليس صحيحا ما يتردّد باستمرار أنّ بقايا هذا النظام البائس قادرة على العبث بالقوى العربية والإقليمية والدولية، صغيرها وكبيرها، وبمبادرات المنظمات الإقليمية والعالمية، وأن تكبح مفعول أي محاولة جادّة لدعم شعب سورية في معركته غير المتكافئة -عسكريا- مع العصابات الإجرامية المتسلّطة عليه وعلى بلده.

لو كان لدى صانع القرار الإجرامي المتسلّط على سورية أدنى درجة من الذكاء أو الدهاء، لاستطاع احتواء مطالب الثوار الأحرار في الأسابيع الأولى عندما كانت تقتصر على الحرية والكرامة، فلم تشمل آنذاك ما تشمله الآن بإصرار لا يلين: التحرّر المطلق من الاستبداد بجذوره وفروعه وجميع مكوّناته وتجلّياته، وملاحقة رؤوس الإجرام، ومحاسبتهم، بل وبأحكام إعدامهم أمام قضاء عادل.. وإن كانوا لا يفقهون ما تعنيه كلمة عدالة.

ليست مشكلة عنان ومبادرته ومراقبيه وجولاته وتقاريره والمتحدثين باسمه مع طرف لا يستطيع أصلا أن يفكّر إلا عبر فوهات المدافع والرشاشات وقذائف الدبابات والطائرات وعبر همجية من ربّاهم على الهمجية بطبيعته الإجرامية المتوارثة، إنّما المشكلة -إذا اعتبرنا نوايا عنان صادقة صافية- مع عدد كبير من الحكومات القريبة والبعيدة، المتوارية وراء مبادرة عنان مع ما يمكن أن تصنع أو أن تقدّم من دعم، مكتفيةً بصخب التصريحات، أسبوعا بعد أسبوع بعد أسبوع، ومؤتمرا بعد مؤتمر، وكذلك المشكلة مع عدد كبير من تشكيلاتٍ معارضة سياسية سوريّة تقليدية، كبيرة وصغيرة، متوافقة ومتنافرة، لم ترتفع بكلامها أو أفعالها إلى مستوى قريب من مستوى ثورة بطولية تاريخية، صنعها الأحرار الأطهار، ولا يزال وقود استمرارها وانتشارها وتصاعدها هو وقود الشهادة والجراح والمعاناة والإبداع، مع الإيمان والوعي والإصرار والعزيمة والصمود والاستمرار.

 

 مبادرة ممسوخة

أصبح همّ تلك الحكومات وهمّ المعارضة التقليدية أيضا، مركّزا على تسليط الأضواء على مراقبين لا وجود لهم على الأرض، وانخفاض عددهم أو ارتفاعه، وحرية تجوالهم أو تقييده، وإصابتهم بالرصاص الإجرامي وقتل من يتحدّث إليهم من الشعب الثائر، والفترة الزمنية الفاصلة بين إرسال بضعة أفراد منهم وبين إرسال بضع مئات لا يمكن أن يمارسوا -مجرّد المراقبة- لِما يجري في مدينة واحدة بين دير الزور وحمص، وبين حلب ودرعا، وفي قلب دمشق وريفها، وفي حماة والحسكة، وفي بصرى الحرير ودوما.. وجلّ ما يراقبه السياسيون الأفذاذ ممّا يجري هو المقارنة بين عدد الشهداء في بداية الثورة والآن، قبل المبادرة العربية وبعدها، وقبل المبادرة الأممية وأثناءها.. هذا وليس مجهولا أنّ مبادرة عنان ليست مبادرة "مراقبين" بل سحب قوات همجية لم تنسحب، وتحرير معتقلين ومعذبين لم يحرروا، ودخول وسائل إعلام لم تدخل، وإيصال إغاثة إلى المنكوبين لم تصل.

ليست العصابات الإجرامية المتسلّطة في سورية هي التي مسخت -بدهاء أكابر المجرمين فيها- هذه المبادرة إلى مجرّد جدل على مراقبين لا يراقبون، بل مسخها التعامل معها، من جانب القوى العربية والدولية ومن جانب المعارضة السياسية التقليدية السورية. وهذا ما أدركه شعب ثائر أصبح بعد أيام معدودات لا يأبه بالمراقبين وما يصنعون ويقولون أصلا.

هي غريزة التسلّط التي تجعل من يرتكبون الجرائم اليومية يدركون أن تنفيذ المبادرة بحذافيرها يعني سقوطهم، عبر خروج الملايين من الثوار إليهم ليقتلعوهم من عقر حصونهم الخربة، ويدركون أيضا أن عدم تنفيذها يعني سقوطهم بكشف الستار عن القوى التي تتوارى وراء المبادرة لتقف وجها لوجه أمام مسؤوليتها الأولى: دعم الشعب الثائر والجيش الحرّ دعما كافيا لتحقيق الانتصار السريع على مجرمين مدجّجين بآليات القتل، بدلا من إطالة فترة الثورة ليكون انتصارها بطيئا، ويكون ثمن الانتصار -المحتّم- باهظا.

ولكنّ هذه المعادلة الإجرامية مكشوفة، يعرفها صانعو القرار في الدول القريبة والبعيدة أيضا، اعتمادا على خبرائهم ومراكز بحوثهم وساستهم المحترفين وقادتهم العسكريين، فما الذي يجعلهم يمضون مع مسار الجريمة يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع، وهم يعدّون من يسقط من الشهداء ويصاب من الجرحى ويعتقل من الأبرياء، يوما بعد يوم وأسبوعا بعد أسبوع؟..

وما حجم ما تدركه أو لا تدركه المعارضة التقليدية من حقيقة ما يجري بين الثورة والتسلّط واللعبة الأممية، وهي لا تتجاوز حدود المطالبة بما تسمح لها القوى العربية والدولية أن تطالب به، ولا تتجاوز حدود عقد لقاءات لا حصر لها أو تعلن عن خطواتٍ لتوحيد صفوفها وتمارس إجراءات التفرقة لصفوفها، في مسار "روتيني" لا يكاد يمكن تمييز شيء يذكر من حجم تطوّره، منذ انعقد "مؤتمر أنطالية" الأوّل لبعض أطياف المعارضة، إلى اليوم، وقد أصبحوا على أعتاب مؤتمر دولي آخر: "المؤتمر الثالث" لأصدقاء الشعب السوري!..

 

لسان الثورة

لقد انطلقت هذه الثورة البطولية التاريخية من قلب الشعب في سورية، ولن تحقق أهدافها إلا من خلال هذا الشعب الثائر، بجناحه المدنيّ في كل حيّ من أحياء مدنه وقراه، وبجناحه الذي صنعه الأحرار من أبناء الشعب في قواته المسلّحة المغتصبة، المتحرّرون من قبضة التسلّط الإجرامي على الوطن وجميع ما فيه ومن فيه.

ثورة بدأت بهتافات لخّصت مسار الثورة من اللحظة الأولى، هتافات "الشعب السوري ما بينذلّ" في سوق "الحريقة" بدمشق و"الموت ولا المذلّة" في المسجد العمري في قلب درعا الأبية، ووصلت اليوم إلى التحدّي اليومي للدبابات والطائرات والمدفعية والمعتقلات والشبيحة الهمجية السياسية والعسكرية والإعلامية، فلا تكاد تغيب عن حي من الأحياء إلا وتنطلق الهتافات المدوية من الحناجر الأبية: "تحيا سورية ويسقط بشار الأسد".

وستبقى وتحيا سورية بثورتها الشعبية وسيتهاوى ويسقط الإجرام مهما بلغ من العتوّ والهمجية.

لا بدّ أن يزداد التلاحم اليومي بين الثوار في جميع ميادين الثورة من إدلب إلى درعا ومن القامشلي إلى الرستن ومن تدمر إلى دوما ومن اللاذقية إلى حلب وحمص وحماة ودمشق..

لا بدّ أن يزداد التلاحم اليومي بين المتظاهرين بصدورهم العارية والجيش الحرّ بأسلحة كتائبه مهما كانت محدودة، بين صانعي الثورة في الأحياء الصغيرة والكبيرة وحماة المدنيين من أحرار جيشهم الأبيّ.. في كلّ طريق تعبره الدبابات وكل وكر تربض فيه، وحول كلّ مركز يعجّ بالإرهابيين الهمجيين من العصابات المتسلّطة ويضجّ بأصوات ضحاياهم من المعتقلين المعذّبين.

ولا بدّ أن يرتفع الصوت السياسي المعبّر عن الثوار وثورتهم والشعب وإرادته والوطن ومستقبله، والجيش الحرّ وواجبه، من قلب الثورة الشعبية، ليصل إلى كل محفل سياسي معارض.. لتكون الثورة قائدة لا مقودة، ولا سلعة سياسية، ولا حقلا لجني ثمار مستقبلية تسقيها الدماء، وليصل صوت الثورة السياسي الأبيّ إلى كل محفل عربي ودولي، ويؤكّد أن إرادة الشعب وحدها التي صنعت الثورة، وهي وحدها التي ستنتصر بالثورة، وهي وحدها التي ستتحرّر تحررا ناجزا ليتمكّن شعب سورية من صناعة مستقبله بنفسه، وبناء مجتمعه ودولته بطاقات جميع مكوّناته، كما يريد، فالشعب يريد.. وعلى الجميع أن يستجيبوا لإرادته، وكل عبث بإرادته مصيره يتعامل مع عصابات متسلّطة، لبقائها أو بقاء بعض أذيالها، مصيره الإخفاق، مهما بلغت القوة العاتية الكامنة من وراء العبث السياسي ومبادراته، فالشعب أقوى وإرادته أقوى، وثورته منتصرة بإذن الله.. في يوم يرونه بعيدا ونراه قريبا، وسيعلم الظالمون أيّ منقلب ينقلبون.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ