ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
بقلم:
محمد عادل فارس ما
يحدث في سورية، من شمالها إلى
جنوبها، ومن شرقها إلى غربها،
في كل مدينة وقرية، هو ثورة
عميقة الجذور، شاملة لكل طيف،
وكل لون، وكل قيمة من قيم
الحياة، وكل نشاط من أنشطة
المواطنين. يفرّق
بعض المفكرين بين الإصلاح
والثورة، فالأول عندهم يهدف إلى
تحقيق تعديلات وتصحيحات في حياة
الناس، بينما الثورة تهدف إلى
انقلاب شامل جذري في حياتهم.
فإذا اعتمدنا هذا التصنيف فهل
ما يحدث في سورية إصلاح أم ثورة؟ لقد
ابتدأت الأحداث بمطالبات
بالإصلاح. لكن سنة الله في
المجتمعات تأبى أن يكون هناك
إصلاح شكلي لا يمس جذور الشر
والفساد، ولا يجتثّ الباطل من
قواعده. ولم
يكن بإمكان النظام المتسلط أن
يقوم بـ "إصلاحات"! إن أي
إصلاح يريده، لو أراد، سيستدعي
وضع الحق في نصابه، ويستدعي
محاسبة المفسدين. وأنّى يكون
للحق موضع في نظام أقام بنيانه
على الباطل؟ وأي مفسدين
يحاسبهم، والمفسدون هم لُحمة
النظام وسُداه؟! فلا تكاد تجد من
القائمين على النظام من لم يغرق
في الفساد إلى أذنيه. فنظام قام
على القمع وتكميم الأفواه وكبت
الحريات وسرقة المال العام،
والاعتداء على ممتلكات
المواطنين وكرامتهم، وعلى
التمييز الطائفي والحزبي، وعلى
استباحة الحريات والدماء
والأموال... واستدعى ذلك منه قتل
عشرات الألوف سرّاً وجهراً،
ونشر ثقافة التزلف والتملق
والخنوع والتهريج والنفاق
والهبوط الأخلاقي... هذا النظام
لا يمكن أن يكون قابلاً للإصلاح.
الإصلاح يعني أن تتهدم قواعده
حتى يخرّ عليه السقف من فوقه!.. النظرة
السطحية إلى هذا النظام، قبل
سنوات من اندلاع الثورة، بل قبل
أسابيع من اندلاعها، قد توحي
أنه نظام مستقر، استطاع
المفسدون أن يُحْكموا قبضتهم
عليه، ويضمنوا استمرارهم في
السيطرة عليه مدة جيلين أو
أكثر، لكن النظرة العميقة كانت
تقول شيئاً آخر. المواطن
الذي يرى الفساد قد سدّ عليه
الآفاق، وزكم أنفه من رائحته،
واكتوى بنار الظلم... ويُطلب
منه، فوق ذلك، أن يهتف بحياة
الظالم الزنيم، ويعتاد أن لا
يصل إلى أي حق من حقوقه إلا
برشوة يقدمها إلى الظالم
وأعوانه، وإلا بمزيد من التزلف
والانحناء.. هذا المواطن الذي
كيّف نفسه على التعايش مع الذل
والقهر... لا يمكن أن يستمر على
هذه الحال إلى الأبد. لقد اختزن
في أعماقه التوثّب نحو الثورة.
نحو ثورة لا تبقي من الظلم
والظالمين ولا تذر. وقد
أذِن الله لهذا الشعب، وهيّاه
لأن يثور فيغيّر القيم الهابطة
والمفاهيم الخاطئة التي درج
عليها، أو أُرغم عليها منذ
تسلّط عليه "الحزب القائد
للدولة والمجتمع"، وينطلق
ليحقق لنفسه الإيمان والعزة
والكرامة، ويثأر لدينه وقرآنه
وحرماته. لقد
مضى الزمن الذي كان الناس
يتداولون فيه العبارات التي
تسوّغ الذل والمهانة: "اليد
التي لا تستطيع أن تعضّها،
بوسْها وادع عليها بالكسر"
"مين ما أخد أمي اسميه عمي"
"عين ما بتقاوم مخرز" "امش
من الحيط للحيط وقل: يا ربِّ
السترة" "ارشي بتمشي" [ادفع
رشوة تسلُكْ أمورك]. ومضى
الزمن الذي تقصف فيه السلطة
بلداً، وتهدم بيوته فوق سكانه،
وتعيث فيه فساداً، وتنتهك
الحرمات، وتقتُل وتعتقل... فيقول
الناس: يا ليتنا لم نتورط في هذه
الثورة. ومضى
الزمن الذي يسمع الناس فيه نبأ
اعتقال شاب أو استشهاده فيقول
بعضهم: مسكين هذا الشاب. ماذا
استفاد من معارضته للسلطة؟ أليس
حراماً عليه أن رمّل زوجته
الشابة، ويتّم أطفاله الصغار،
وترك والديه المسنّين وقد
انتظراه حتى صار شاباً!... نعم
مضى ذلك الزمن، وجاء زمن صارت
الشهادة في سبيل الله أعظم
الشهادات، وصار الناس يفاخرون
بعدد شهدائهم، والأسرة التي
يكون عدد شهدائها قليلاً تخجل
من الأسر التي تملك عدداً أكبر
من الشهداء، والبلدة التي يكون
الحراك فيها أضعف من الحراك في
مناطق أخرى، تشعر بالمهانة أمام
أصدقائها من تلك المناطق... جاء
الزمن الذي يهتف فيه المنشد
القاشوش: "الشعب بدو حرية"
فتردد هتافه مئات الآلاف.
والزمن الذي يرفع فيه ابن
الشارع العادي شعار "الموت
ولا المذلّة". جاء
الزمن الذي راح الشعب يرفع فيه
شعارات: "هي لله. هي لله"
"ما نركع إلا لله" "الله.
سورية. حرية وبس".
جاء
الزمن الذي اتخذ الشعب فيه
قراراً بإسقاط السلطة الفاسدة
مهما كلفه ذلك من ثمن، وكلما
أمعنت السلطة في الإجرام، وسفكت
من دماء، وهدمت من بيوت، وذبحت
من أطفال... ازداد هذا الشعب
إصراراً على المضي في طريقه حتى
تحقيق النصر الكامل. لقد
قرأ شعبنا قول ربه سبحانه: ﴿إن
الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى
يغيروا ما بأنفسهم﴾. ولقد
غيّر الشعب كثيراً مما في نفسه،
من بقايا قيم الذل والمهانة،
وأزال كثيراً مما ران على قلبه
من ركام عهود الظلم، واسترخص
المال والأنفس طلباً للتحرر من
ظلم عهد جَمَعَ كل صنوف الفساد،
من تسلط حزبي، وتمييز طائفي،
وسرقة للأموال، وانتهاك
للحرمات... هذا
الشعب ماضٍ في الطريق ولن
يتراجع، وهو يجأر إلى الله
سبحانه أن يغيّر ما به من اضطهاد
وسوء وظلم، وما ذلك على الله
بعزيز: ﴿ولينصرنّ
الله من ينصره. إنّ الله لقوي
عزيز﴾ ========================== جان
كورد تجازوت
الثورة السورية مختلف العوائق
والعقبات، وكذلك كل الألاعيب
والمؤامرات، التي اعترضتها منذ
اندلاعها قبل عام ونصف، وها هي
تنتعش في صدور كل السوريين
الذين كانوا حتى الآن مترددين،
وجلين أو مضطرين للعمل مع
النظام، فقد غمرت انتصارات
الثوار أفئدتهم وزرعت في صدورهم
الأمل الكبير في أن هذا النظام
مهما أوتي من قوة إلى زوال وأن
هذه الثورة إلى انتصار أكيد.
وهذا الايمان الشعبي بضرورة
الاستمرار صوب الهدف الكبير،
الذي يتلخص في اسقاط النظام
الشمولي وبناء سوريا حديثة،
ديموقراطية ومدنية وقادرة إلى
تحقيق طموحات سائر مكوناتها
القومية والدينية، دون
استثناءات، هو الوقود الروحي
الذي تعمل به ماكينة الثورة،
وبدونها لن تتمكن اي معارضة من
تنظيم الشعب وتوجيهه صوب الهدف
المنشود. أدرك
العالم منذ اندلاع الثورة
السورية أن ما يجري في سوريا
حلقة من حلقات "ربيع الشعوب"
في المنطقة، وساهم في هذا
الادراك ما جرى قبل هذه الثورة
في شمال أفريقيا واليمن،
والطابع السلمي الذي بدأت به
الثورة وسارت عليه، وكذلك وضوح
المطلب العام الذي كان يتمثل في
التغيير والإصلاح السياسي، إلا
أن النظام الشمولي المستبد
وحلفاءه الايرانيون والروس
والصينيون، ومعهم حزب الله
اللبناني وشبكة واسعة من
العملاء والاعلاميين الذين
باعوا انفسهم للشيطان، فد
تعاونوا جميعاً على نشر
الأكذوبة الكبرى التي تقول بأن
كل تلك التحركات الجماهيرية
الضخمة في مصر وليبيا واليمن
وتونس ثورات لاغبار عليها، إلا
أن ما يحدث في سوريا هو "إرهاب
القاعدة والسلفيين" لاخراج
سوريا عن سكة "الكفاح العربي
والممانعة ضد الامبريالية
واسرائيل"، وهم يتجاهلون أن
أحد أسباب الإرهاب في المنطقة
هو التشدد الواضح لهذه الجماعات
في هذا المجال بالذات واتخاذها
تقصيرالأنظمة العربية حيال
مواجهة اسرائيل وتعاملها مع
الامبريالية ذريعة لهجماتها.
ولذلك فإن الأكذوبة الكبرى "النظام
يحارب الجماعات الإرهابية!"
لم تنجح رغم تمريرها وتكرارها
بشكل يومي إعلامياً وفي صالونات
السياسة الدولية، فالعالم يعلم
جيداً أن لهذه الثورة أسباب
اجتماعية – سياسية وأنها نتيجة
لتراكمات هائلة من القمع عبر
عقودٍ طويلة من حكم فئوي سخر
اقتصاد البلاد لمنافعه الفئوية
واقصى الشعب عن المساهمة
الحقيقية في القرار السياسي،
ومارس سياسات تتعارض ومصلحة
الشعب السوري في سائر المجالات،
بحيث تردت الأوضاع المعيشية
باستمرار وتحولت سوريا إلى بلد
منهكٍ اقتصادياً، وعرضة
للاصابة بمختلف الأمراض
الخبيثة من إجرام وتخريب وتطرف
وتمزق لنسيجه الاجتماعي.
مقابل
ذلك، نرى أن هيبة المستبدين
بالدولة قد زالت، وظهر للعيان
أن هذا النظام مستعد لابادة كل
الشعب السوري، وهو لايتوانى عن
ارتكاب المجازر يومياً أمام
أعين مراقبي الامم المتحدة،
ولايقل شراسة وغباءً عن نظام
ميلوزوفيش الصربي ومعمر
القذافي الليبي، كما أنه لايقل
وحشية ضد المدنيين من نظام صدام
حسين العراقي، حتى وصل الأمر
بأن يخرج رئيس الأمم المتحدة
الديبلوماسي عن هدوئه ويتهم
الأسد المفترس لأطفال بلاده
بأنه فقد إنسانيته، وذلك بعد أن
قال العديد من السياسيين الكبار
في العالم عن الأسد بأنه فقد
مصداقيته وعليه الرحيل، وبعد أن
طرد العديد من الدول الأعضاء في
الأمم المتحدة سفراءه احتجاجاً
على سياسة "القبضة الدموية"
ضد الشعب السوري. أما السوريون
فلم يتركوا وصفاً أو اسماً
سيئاً إلا وأطلقوه على رئيس
بلادهم، ومنها "جحش وحمار"،"ابن
حرام"، "قاتل الأطفال"،
"كذاب".... وتبارى مبدعو
الكاريكاتور في رسم صوره في
أبشع الحالات، بحيث يمكنه أخذ
مكانة الصدارة في سجل الجينيسيس
العالمي كأشد رؤساء العالم
تحقيراً، واجراماً وعدم
مصداقية وكذباً وتهرباً من
مواجهة الحقيقة، كرئيس فاق كل
رؤساء العرب الذين هبت شعوبهم
في وجوههم وخسروا عروشهم بسببها
وحشية ضد الأطفال والنساء.
ويستغرب كثيرون كيف يستيطع حاكم
أن يصر على البقاء في منصبه رغم
كل هذا الكره الشعبي له ورغم كل
التحقير الذي يعاني منه على
أيدي النساء والأطفال في
مظاهرات يومية تشمل كل البلاد،
ويزعم رغم ذلك أنه محبوب من قبل
شعبه. النظام
ليس معزولاً في الداخل وعلى
الصعيد الدولي فحسب، بل إنه
يفقد يومياً خيرة ضباط جيشه،
فالضباط من رتبتي "عميد" و
"عقيد" هم عماد الجيش
عملياً، ولايمر يوم إلا وينشق
أحدهم عن جيش النظام لينضم إلى
"الجيش السوري الحر" الذي
يزداد قوةً وخبرات وتنظيماً
وتسليحاً ويقارع النظام في سائر
أنحاء البلاد، حتى وصل الأمر
إلى انشقاق الطيارين أيضاً،
وأثناء كتابتي لمقالي هذا انشق 4
أشقاء برتب عالية من جيش النظام
دفعةً واحدة... وهذا دليل صارخ
لضعضعة المؤسسة العسكرية التي
لاتزال تابعة للنظام لأسباب
عديدة، منها القمع الوحشي الذي
يعامل به النظام عوائل الضباط
والجنود المنشقين... على
الصعيد الدولي تتناقض مواقف
حلفاء النظام وداعميه يوماً بعد
يوم، وتنطلق تصريحات من هذا
وذاك لتثير التساؤلات عن جدية
استمرار هؤلاء الحلفاء في دعم
نظام الأسد المهزوز عسكرياً
والمعزول سياسياً واالمتردي
اقتصادياً، وكل الخطط
والمبادرات لانقاذ عنقه من
مقصلة الثورة قد باءت بالفشل
ومنها المبادى العربية أولاً
وخطة كوفي عنان التي رفض النظام
تنفيذها واستهزأ بقرارها
الدولي وأمعن في سياسة التقتيل
والتنكيل بشعبه عوضاً عن
الالتزام بها وتنفيذ بنودها،
فأدخلها في طريق مسدود... ولذلك
فإن العالم ومن ضمنه حلفاء
النظام، لن يصمد طويلاً في موقف
"اللا فعل" مضطر تحت ضغط
الأحداث الدموية والمجازر وقصف
المدن يومياً من قبل كتائب
الأسد المجرمة إلى إيجاد حلٍ
يتفق عليه الجميع في المجتمع
الدولي، ويقنعون به "المعارضة
السورية" أو غالبيتها، ألا
وهو مبادرة "كش ملك"
المعروفة، والتي تعني سقوط رأس
النظام، رغم بقاء الأحجار
الأخرى على رقعة الشطرنج،
فتنتهي بذلك اللعبة. إلا أن
الفارق هنا هو عدم قدرة أحد على
اقناع الشعب السوري بأن الوضع
قد تغير في حال طرد الرئيس، فهو
سيستمر حتى يحقق الهدف الكبير
الذي ضحى في سبيله بألاف الشباب
ودمرت مدنه وقراه من أجل تحقيقه.
فكما أن الثورة المصرية لم تنته
بعد، فكذلك الثورة السورية لن
تنتهي، بمجرد تنحي الأسد أو
إجباره على التنحي من قبل
المجتمع الدولي، فالهدف منها
ليس تحقيق مصالح سياسية لدول
خارجية في المنطقة وفي سوريا،
وإنما الهدف إحداث التغيير
الحقيقي في الحياة السياسية
العامة للبلاد، وفي مقدمتها
التمتع بالحرية والديموقراطية
وصون حقوق الإنسان، وليس مجرد
"كش ملك" لتنصيب ملكٍ آخر
عوضاً عنه. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |