ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 25/06/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

قاض في الجنة

أ.د/ عبد الرحمن البر

روى ابنُ الجوزي في (المنتظم) وفي (صفة الصفوة) عن عامر بن شَرَاحيلَ الشعبي: أن ابناً للقاضي العادل شُريحِ بن الحارث النخَعي قال لأبيه: إن بيني وبين قوم خصومة، فانظر فإن كان الحق لي خاصمتُهم، وإن لم يكن لي الحقُّ لم أخاصمْهم. فقصَّ قصتَه عليه، فقال: انطلقْ فخاصِمْهم. فانطلق إليهم، فتخاصموا إليه (أي أنهم أصروا أن يكون شريح هو القاضي في الخصومة)، فقضى على ابنه، فقال له ابنُه لما رجع إلى أهله: والله لو لم أتقدمْ إليك لم ألُمْكَ، فضحتَني! فقال: يا بنيَّ، والله لأنت أحبُّ إليَّ من مِلْءِ الأرض مثلهم، ولكنَّ الله هو أعزُّ عليَّ منك، خشيتُ أن أخبرَك أن القضاءَ عليك، فتصالحَهم، فتذهبَ ببعض حقهم.

لقد طلب الولدُ مشورة أبيه القاضي حتى لا يقدم على خصومة خاسرة، وخشي الرجل العادل أن يخبر ابنَه أن الحق مع خصومه، فيذهب ابنُه فيتصالح معهم على أن يعطيهم جزءاً من حقوقهم مقابل التوقف عن الخصومة، فأراد أن تُرفَع القضية، حتى يستوفي لهم الحق كاملا.

هذا هو العدل الذي به قامت السماوات والأرض، وبه أمر رب العزة جل وعلا: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِياًّ أَوْ فَقِيراً فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)).

هذا الإنصاف يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم: «إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا».

وهذا هو العدل الذي يحلق بصاحبه في آفاق الجنان بغذن الله، فقد أخرج البيهقي عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ طَلَبَ قَضَاءَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَنَالَهُ ثُمَّ غَلَبَ عَدْلُهُ جَوْرَهُ فَلَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ غَلَبَ جَوْرُهُ عَدْلَهُ فَلَهُ النَّارُ».

وأخرج أيضا أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا جَلَسَ الْقَاضِي فِي مَكَانِهِ هَبَطَ عَلَيْهِ مَلَكَانِ يُسَدِّدَانِهِ وَيُوفِّقَانِهِ وَيُرْشِدَانِهِ مَا لَمْ يَجُرْ، فَإِذَا جَارَ عَرَجَا وَتَرَكَاهُ».

حين يعدل القاضي، وحين تكون هيئة القضاء هيئة عادلة؛ لا ييأس الضعيف من الوصول إلى حقه، ولا يطمع المتسلط أو الماكر المخادع في سلب حقوق الناس، ولهذا كانت نزاهة هيئة العدالة والقضاء أهم عند كل العقلاء في أنحاء الدنيا من نزاهة هيئة التشريع أو التنفيذ، وكان حرص أمم الدنيا على توفير كل الضمانات للقضاة ليقولوا الحق دون أن يخشوا في الله لومة لائم.

والذي يمعن النظر في المنهج الإسلامي يدرك أن ليس العدل على منصة القضاء فحسب، ولا عدلا في تطبيق نصوص القانون بين الناس فقط، وإن كان هذا أهمَّ وأوضحَ مظاهر العدل، لكن العدل يبدأ أولاً في نفس القاضي قبل أن يكون في نص القانون، ويدفع القاضي للإنصاف من نفسه قبل الإنصاف من الآخرين، فهذا القاضي العادل شريح لولا أن في قلبه الإنصاف -حتى لو كان هو أو أحد أعز الناس عليه طرفا في الخصومة- ما وقع بهذا الموقع من الإسلام ومن الأمانة ومن العدالة التي عُرف بها.

إن الإنصاف وتحقيق العدل حالةٌ نفسيةٌ وخلق إسلاميٌّ يُعَوِّد الإنسانَ أن يتبع الحق من نفسه، وإن كان الحق عليه يرجع إليه صاغرا ذليلا، يقبل الحق ولا يكابر في الباطل، ويعدل ولا يتبع هواه، ولهذا دعا الله إلى الإنصاف حتى مع من نبغضهم فقال سبحانه ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

لا بد من الإنصاف من النفس، ومن عدم المجاملة عندما تتعرض للحكم أو الفصل في قضية أنت أو حبيب لك طرف فيها؛ لأن الله أعزُّ من الناس جميعا، والحق أحقُّ أن يُتّبَع، وهذا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، لا يجامل في الحق قريبا ولا بعيدا، ولا يقبل فيه ضغوطا من أحد كائنا نمن كان، أخرج الشيخان عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّتْهُمُ الْمَرْأَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ الَّتِي سَرَقَتْ، فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ حِبُّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَكَلَّمَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ؟!». ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ قَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا ضَلَّ مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ الضَّعِيفُ فِيهِمْ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَايْمُ اللهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعَ مُحَمَّدٌ يَدَهَا».

نعم فحياة الأمم وبقاؤها ونماؤها مرهون باستقرار العدالة فيها، والقضية ليست ادعاء، إنما القضية أن يتعوَّد القلبُ ألا يخاف إلا اللهَ وألَّا يرجوَ إلا الله، وأن يتذكر القاضي في كل موقف يتخذه أنه سيقف بين يدي الله، وسيُسأل، وسيقال له إن هو جادل عن الباطل أو جامل بغير حق ((هَا أَنتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَن يُجَادِلُ اللهَ عَنْهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا)).

إن على القاضي أن يجتهد عن علم وبينة ويتحرى تحقيق العدل فيما يعرض عليه، دون نظر إلى أطراف الخصومة، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر، ولا يُلام إذا لم يحكم بجهل ولم يقصر في طلب الحق، أو لم يتعمد مجانبة الحق، وإذا لم يقصد الميل مع الهوى أو المجاملة لذي قرابة أو لذي سلطان ونحو ذلك، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الطبراني: «القضاةُ ثلاثةٌ: فرجلٌ قضى فاجتهد فأصاب فله الجنة، ورجلٌ قضى فاجتهد (يعني عن علم وبينة) فأخطأ فله الجنة، ورجل قضى بِجَوْرٍ ففي النار».

فإذا مالت نفسُ القاضي في الحكم مع الهوى أو رضخ لضغط أو قبل ترغيبا من أيٍّ كان فالويل له، وقد أخرج أصحاب السنن وصححه الحاكم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: وَاحِدٌ في الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ في النَّارِ، فَأَمَّا الذي في الْجَنَّةِ: فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ في الْحُكْمِ فَهُوَ في النَّارِ، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ في النَّارِ».

وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر رضي الله عنه قال: «ويلٌ لديَّانِ أهل الأرضِ من ديَّانِ أهلِ السماءِ يومَ يلقَوْنه، إلا مَنْ أَمَّ (أي قصد) العدلَ وقضى بالحق، ولم يقضِ لِهَوىً ولا قرابةٍ، ولا لرغبةٍ ولا لرهبةٍ، وجعل كتابَ الله مرآةً بين عينيْه».

إنني لا أجد حرجا في أن أشيد بدور القضاة الذين أداروا عملية انتخابية ناجحة، وبدور قضاة الاستقلال المهمومين بحال أمتهم والذين أداروا عملية مراقبة ناجحة للانتخابات الرئاسية، وكانوا على قدر الشجاعة المعهودة من القضاة فأعلنوا النتيجة التي ترضي ضمائرهم على الملأ، كما لا أجد حرجا في أن أذكر السادة القضاة في اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بتوجيه الله سبحانه لنبيه سيدنا داود عليه السلام ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ﴾، وألف تحية لقضاء مصر وقضاة مصر.

==========================

بوتين شريك رئيسي في سفك دماء السوريين!!

محمد فاروق الإمام

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ردد أكثر من مرة وفي أكثر من محفل أو مناسبة أن "ليس من علاقة شخصية تجمعه بالرئيس السوري بشار الأسد، وأنه التقاه بالكاد مرة أو اثنتين، وأن روسيا لا تريد التدخل في من يحكم سورية، وهو أمر يقرره السوريون بأنفسهم".

كلام جميل لو توقف بوتين عنده واتخذ الإجراءات الفعلية على تأكيد ذلك، بوقف الدعم السياسي للنظام السوري والامتناع عن استعمال حق النقض (الفيتو) في عرقلة قرارات مجلس الأمن التي تدعو لوقف شلالات الدم التي تنزف من أجساد السوريين منذ ما يقرب من سنة ونصف، وأوقف شحنات الأسلحة التي يزود بها آلة الحرب الجهنمية التي يملكها النظام السوري، والتوقف عن مده بأحدث ما أنتجته الترسانة العسكرية الروسية من أسلحة فتاكة، والتي يستخدمها النظام، ليس في مواجهة الصهاينة لتحرير الجولان، بل في جبال الزاوية وحمص ودرعا والريف الشمالي لحلب ودير الزور والرستن والقصير واللاذقية والحفة وجبل الأكراد وريف دمشق والقامشلي، دون أن تستثني آلة القتل والتدمير أي بقعة من التراب السوري مهما صغرت ومهما بعدت، مرتكباً أفظع الجرائم والمجازر بحق أطفال ونساء وشيوخ وشباب سورية، حتى بات عدد الشهداء أرقام تزيد يوماً بعد يوم لتتضارب مستوايتها بين 15 إلى 20 ألف شهيد، إضافة إلى ما يزيد على عشرين ألف مفقود، واعتقال أكثر من مئة ألف، ونزوح نحو مليون ونصف داخل المدن السورية، وتهجير نحو 150 ألف خارج الحدود إلى البلدان المجاورة تركيا والأردن ولبنان وكردستان العراق.

أقول ليت بوتين توقف عند ما قاله واتخذ الإجراءات الكفيلة بوقف هذا المسلسل الدموي الرعيب، لكنت أنا وكل السوريين بكل أطيافهم ونسيجهم الاجتماعي نقف باحترام أمامه تقديراً للقيم الإنسانية والأخلاقية التي عمل بها!!

ولكن هذا البوتين خيب آمال السوريين في روسيا وريثة الاتحاد السوفيتي الذي كان لسنوات طويلة يناصر قضايا الأمة العربية، ويدعم حركات التحرر العربية، ويقف إلى جانبهم عند كل اعتداء كانت تتعرض له. فقد علق هذا البوتين على ما قاله، بأن السوريين هم من يقررون مستقبل بلادهم واختيار حكامه، فقال: إنه "يرى أن البديل عن السلطة الحالية في سورية سيكون الإسلام المتشدد، وهو ما لا تريده روسيا".

عجيب أمر هذا البوتين كيف يناقض نفسه في لحظة واحدة.. يقول أن من حق السوريين وحدهم اختيار حكامهم وفي نفس الوقت يقول ان البديل هو الإسلام المتشدد!!

أليس ما يقوله هذا البوتين كمن يلعب في....!!

لا أعرف من نصب هذا البوتين ليكون وصياً على سورية وعلى الشعب السوري سليل حضارة تضرب جذورها في عمق التاريخ لأكثر من سبة آلاف عام، ليقرر ثم يحلل ثم يتخذ الإجراءات التي يراها مناسبة لسورية وشعب سورية وحكام سورية، وبوتين هو واحد من بقايا فلول المخابرات السوفييتية (كي جي بي) السيئة السمعة والسلوك، التي تلوثت أياديها بدماء الملايين من شعوب الاتحاد السوفييتي السابق، والذي تمكن بخبثه ومكره من الإمساك بحكم روسيا كرئيس للدولة مرتين في عامي 2000 (نفس السنة التي نصب فيها بشار الأسد نفسه حاكماً على سورية وريثاً لأبيه) و2004. وترك منصب رئيس الدولة في عام 2008 عندما انتهت فترة رئاسته الثانية المتتالية. وسلم بوتين زمام الحكم إلى دميتري ميدفيديف في عام 2008 وشغل منصب رئاسة الحكومة، وكان الرئيس الفعلي لروسيا من وراء الكواليس، ثم عاد إلى الكرملين في أيار 2012 لينصب قيصراً على روسيا مجدداً لست سنوات قد تمدد ست سنوات أخرى.

بوتين الذي لاقى اختياره كرئيس جديد لروسيا تذمراً واسعاً من الشعب الروسي واحتجاجات متصاعدة تعد الأكبر من نوعها منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، تعبيراً عن استياء شعبي واضح من سياسة "حزب روسيا الموحدة" الذي يتزعمه هذا البوتين، حيث استمرت محاولات الكتاب والخبراء في تسليط الضوء على ما يجري في روسيا، وفهم التفاعلات الحاصلة هناك، لاسيما في ظل اتساع رقعة الحركات الاحتجاجية في العالم ونجاحها في الإطاحة بأنظمة كانت تعد راسخة في الوطن العربي.

تقوّم الخبيرة الفرنسية في الشؤون الروسية "ماري مانديرا" الرئيس بوتين بقولها:

"إن النخب الحاكمة على مر العصور في روسيا تمكنت من التأقلم حسب الظروف وتغيير جلدها مع المستجدات للبقاء على قيد الحياة. وهذا بالضبط ما أدركه بوتين منذ منصبه الأول كمساعد لعمدة مدينة "سانت بيترسبورج" وحتى تقلده الرئاسة". وتضيف الكاتبة أن روسيا التي تبدو للعالم الخارجي دولة قوية وراسخة تمتد عبر التاريخ وتحمل إرثاً مهماً من القوة والجبروت ترجع إلى أيام ستالين الرهيبة، تظل في الحقيقة ضعيفة".

وتبرز الكاتبة ملامح وتجليات هذا الضعف بقولها: "فجميع المؤسسات التقليدية التي تفخر بها روسيا مثل الكرملين ومجلس الدوما والمجالس المنتخبة الأخرى ليست سوى هياكل جوفاء ترتهن لشبكة المصالح الأكثر تجذراً. وقد أدرك بوتين هذه الحقيقة مبكراً فسعى لاستغلالها لتسهيل حكمه من خلال ربط علاقات متشابكة مع تلك المصالح للالتفاف على المؤسسات الطبيعية التي حاول تهميشها، فأغدق المناصب والصفقات الحكومية على المقربين والموالين من رجال الأعمال، وتمكن من نسج شبكة قائمة على الريع السياسي والاقتصادي مكنته لاحقاً من بسط السيطرة على الإعلام والتحكم في صناعة النفط الرئيسية بالبلاد".

والأكثر من ذلك، تقول الكاتبة الفرنسية: "يتجلى ضعف الدولة الروسية ليس فقط في سهولة الالتفاف على مؤسساتها كما فعل بوتين الطامح لولايتين أخريين قد توصلانه إلى 2024، بل أيضاً من خلال تجريف المجتمع المدني والمراهنة على سنوات الفوضى والاضطراب التي اجتاحت روسيا بعد سقوط الاتحاد السوفييتي لتخويف الشعب".

وتضيف قائلة: "إذا كان بوتين قد سعى إلى تكريس ضعف الدولة الروسية والاستفادة منه، فهو يعاني اليوم من تداعيات سياسته وفشله في تقوية مؤسسات الدولة بعد تقلده السلطة، ولعلَّ الاحتجاج الشعبي المتنامي ضد استمراره في الحكم دليل على ارتباك النظام في موسكو وعجزه عن السيطرة، فبعد سنوات من تجريف الأحزاب المنافسة، وانبطاح الجهاز البيروقراطي أمام ساكن الكرملين، وغياب طبقة مستقلة من رجال الأعمال تدافع عن الفكرة الليبرالية والتعددية السياسية، وتحتكم لمؤسسات الدولة، بات الشعب دون متنفس للتعبير عن الاستياء عدا الخروج للتظاهر، كما أن وسائل الاتصال الحديثة أعطت للشباب الروسي القدرة على رص الصفوف وتعبئة الأنصار بعيداً عن محاولات الرقابة والتضييق الذي سعى بوتين لفرضها. وفي غياب سلطة أفقية تعتمد على مؤسسات الدولة المنتشرة جغرافياً والحاضرة في وعي السكان، تبقى سلطة بوتين ونظام السيطرة العمودي عاجزاً عن إقناع الشعب بوجاهة سياسات الدولة".

وتختم الكاتبة تحليلها قائلة: "تأتي الأزمة الاقتصادية الراهنة لتفاقم الوضع بالنسبة للنظام في موسكو، ففي حين كان بوتين يتمتع بهامش كبير من المناورة قبل 2008 بسبب صعود أسعار النفط وقدرته على الإنفاق وشراء الذمم، والتوجه خارج روسيا لتوسيع نفوذ بلاده، يجد نفسه اليوم مغلول اليد بالنظر إلى الأزمة وانخفاض أسعار المحروقات وتراجع قدرته على التحكم والهيمنة، ولأن مرحلة بوتين ليست سوى قوس يُفتح ثم يغلق في تاريخ روسيا، فالخاسر الأكبر- حسب الكاتبة - هو الدولة الروسية نفسها".

تشابه بين نظامين استبداديين فاسدين، وقديماً قيل: "إن الطيور على أشكالها تقع". من هنا يمكننا أن نتلمس القواسم المشتركة بين نظام دمشق ونظام موسكو، وهذه القواسم المشتركة تدفع الحكومة الروسية إلى التمسك بنظام الأسد مهما أدعت بأن موقفها مبني على عدم التدخل في شؤون الدول وأن على الشعوب وحدها تقع مسؤولية تغيير الحكام، وأن من حق الشعوب وحدها اختيار حكامها.

دعاوي موسكو ما هي إلا فقاعات تريد بها تبرئة نفسها مما يقترفه النظام السوري من جرائم بحق شعبه، وفي حقيقة الأمر هي تقف إلى جانب النظام السوري حتى النخاع، وبالتالي فهي شريكة له في كل ما يقترفه نظام دمشق السادي المتوحش من جرائم، وعلى العالم أن يفهم هذه الحقيقة وعليه أن يتحرك سريعاً اليوم قبل الغد، في موقف أخلاقي وإنساني شجاع تجاه شعب يذبح من الوريد إلى الوريد في واضحة النهار من قبل نظام سادي قاتل، بأساليب وحشية وبهيمية لم يسبقه إليها أحد، يعف القلم عن كتابتها واللسان عن ذكرها وقد شاهد العالم فظاعتها على الشاشات الفضائية وتناقلتها كل وسائل الإعلام ووثقتها منظمات حقوق الإنسان الدولية، وصنفتها في مرتبة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية!!

=======================

بعين اطفال الشتات السوري

د. سماح هدايا

" هم أطفالنا ولدوا بشرا إنسانيين ومن حقّهم ان يعيشوا بشرا إنسانيين....ويكبروا بشرا إنسانيين"

 ليس إنقاذ الأطفال ورعايتهم في ظل الحرب الإجرامية الموجّهة ضد الشعب السوري موضوعا متأخرا في أولويات دعم الثورة السورية، وهو ليس موضوعا سياسيا فقط، بل هو موضوع إنساني شديد الأهمية والخطورة، يلقي بظلاله على المجتمع السوري بجميع فئاته، فهو مرتبط بالمجتمع السوري وحماية الطفل السوري المتشرّد المهجّر من تشويهات كبيرة في بناء الشخصية، ومن ثم في بناء المستقبل الوطني. الأطفال هم الأكثر تأثرا بشكل سلبي بالحروب والكوارث والأحداث المأساوية، على الصعيد النفسي والاجتماعي والاقتصادي، بسبب ضعف قدراتهم وإمكاناتهم واعتمادهم على أسرهم وعلى مجتمعهم. ولذلك يجب أن يكونوا الهدف السامي في موضوع الإغاثة وبناء مستقبل سوريا الجديدة.

 أطفالنا في المخيمات والمنفى والشتات نراهم غارقين في حزنهم الشديد، ينظرون إلى العالم بعيون غاضبة، ونكاد نسمعهم يقولون في صمتهم المستعر الذي لا يكتفي بالمشاهدة والمراقبة، بل يفكر بحسرة وألم" إن مرور الحرب و توالي أيام القهر والتهجير وضغوط الخوف والهروب والنزوح، قد تحولنا إلى كلاب مسعورين أو دواب هائمة لاتعرف لماذا تحيا ولماذا تموت. وقد تحولنا بسهولة إلى الانحراف والخطيئة والانتقام. لن نقول أنقذونا، ولا نريد شفقتكم وفتات تعاطفكم. نريد حقنا الشرعي في أن نعيش إنسانيتنا وكرامتنا وأماننا وأمننا. وأنتم ياكلّ العالم الذي يشاهدنا من هنا، ومن الخارج، مسؤولون امام أخلاقكم ومبادئكم وإيمانكم عن مواقفكم وعما سيكتبه التاريخ عنكم، وعن أحكامنا بكم. مسؤولون جدا في أن تتخذوا الموقف السليم وتدعموا حقوققنا الأساسية.

 يتقاتل السياسيون في بلادنا ويتجادلون ويختلفون...ونحن يسيل دمنا، ويسيل عرقنا الحار، ويسيل خوفنا الغزير ويزداد بؤسنا الشديد..ويموت بعضنا جوعا ومرضا وقتلا...والعالم مازال يفامر على مصير شعبنا ويحلل ويدين ويراهن ويؤجل ..نحن بالطبع نحتاج إلى طعام وماء ومأوى كريم. ونحتاج إلى الصحة والعافية والاستشفاء وهدأة البال. ونحتاج إلى الكساء واللباس. ونحتاج إلى حنان الأم وعطف الأب. لكنّنا نسينا كل هذا، لأنّ أشد ما نحتاجه الآن هو أن نتعلم. وليس التعليم رفاهية بل أهم الاحتياجات الأساسية لبقائنا الإنساني؛ لكي لانتحوّل إلى وحوش غاضبة غبية... فماذا ستقدمون لنا في هذا؟

أمزيدا من الكلام؟ أمزيدا من الأمثلة السيئة؟ أمزيدا من الفراغ والضياع والوحدة؟ أمزيدا من التجاهل والإهمال؟ ".

 إنّ هؤلاء الأطفال الذين تمثّل قضايا وجودهم إشكالية حقيقة، لابدّ من حلّها؛ فهم يعيشون بلا شروط السلامة البدنيّة أو العقلية أو الجسديّة. وبلا رعاية صحيّة وطبيّة وغذائية، ويموت منهم أحياناً، من يموت، من سوء التغذية وفساد الطعام. لا ألعاب يزاولونها في هامش البؤس سوى الشجار والتقاتل والغضب والتعصّب . ولاحماية لهم من كل أنواع الاستغلال في ظروف البؤس والقهر، وفي ظروف شديدة السوء، يتحول فيها كل كائن إلى مقاتل بشع على لقمة عيش وشربة ماء ونسمة هواء ومتسع من حرية ضيقة. وهم، أيضا، لم بسلموا من الإساءة الجنسية والاستغلال والقمع الشديد. ولذلك تصبح المدرسة بواقعها وبعدها المعنوي فعلا ضرويا لحماية الأطفال.

 هؤلاء الأطفال يريدون المدرسة بشكل قوي ويقولون" نريد ألمدرسة لتكون بيتا آمنا لنا. لتكون لنا فيها صداقات مع رفاقنا في المخيم. وليكون لنا فيها سقف يحمينا من الضياع، ويحمينا من الصراخ والاحتقان وحرارة الطقس وبرد العراء وتيه المنفى والملجأ. لتكون لنا مكانا نظيفا يعلمنا ما يعجز أهلنا عن تقديمه لنا تحت ركام المأساة. نريد المدرسة لكي يعود إلينا الشعور بالحياة الطبيعية حتى في ظل مانشاهده ونسمعه من مجازر. نريد أن تشتغل عقولنا في الأمور المفيدة وأن يسمع معلمون طيبون مخلصون مشاكلنا ويتعاطفون مع مشاعرنا.

 نحن في المخيم والمنفى والتشرد ..نحناج إلى بيئة آمنة ومحمية تعيد إلينا ثقتا بالحياة، وترمّم كسورنا الداخلية بعد أن سقطنا ضحايا المجازر والحرب والانتهاك والتشريد. نحن ضحايا الحرب والكارثة الذين نحتاج إلى الأمان والأمن, ونحتاج جدا إلى مدرسة تحتوينا بكل مخاوفنا وتعيد رسم الآمال والأحلام والآمال ومبادىء الحرية والعدالة فينا".

إنّ حق أبناء الشعب السوري المهجّر في الحياة و الحرية، والأمان، لاينفصل عن حقه في التعليم. بل يصبح التعليم أولوية مقدمة على غيرها من الأولويات، بما يشيعه في أطفال المنفى وأهلهم من الإحساس باسترداد الأمان والاستقرار والحماية والكرامة وضمان المستقبل في زمن الحروب والكوارث والمصائب والويلات.. والتعليم يؤسس في الأطفال القدرة على تجاوز ماحصل ويحصل في الانعكاسات السلبية للواقع البائس، وتخطي المشاكل الخطيرة التي قد تتفجر في المستقبل. إن معاناة التهجير واللجوء وكوابيس التشرد والهروب أمور صعبة جدا. ولا مجال لتأخير مشروع دعم أبناء المهجرين اللاجئين، خصوصا في المخيمات التركية. ولابد من بناء منظومة المدرسة لاحتواء الأطفال واليافعين وحمايتهم، ومن ثم حماية مجتمعنا ومستقبل وطننا.

=========================

الإسلاميون في تونس والمركب الأوحد

عمار عبيدي

لو نظرنا إلى نصف الكأس الفارغة في علاقة التيّارات الإسلامية التونسية ببعضها البعض لقلنا « إن الفسحة انتهت» على رأي وزير العدل التونسي نورالدين البحيري، وانّ صدام الأفكار قد يتحوّل بين اللحظة والأخرى إلى صدام مادّي قد يغرق بعده المركب؛ لكن نصف الكأس المملوءة قد تروي نبتة الحوار وقد تؤتى أكلها إن لم تصبها بعض الأطراف بنكسة، نرى محاولات الوصول إليها تتفاقم يوما بعد يوم، وتستغّل كلّ شيء، للوصول إلى ضرب ذات بين التيّارات الإسلامية حتّى يغرق المركب بالجميع.

 

 قبل كلّ شيء لابدّ من التأكيد على أنّ كلّ الإسلاميين، وهنا نتحدّث أساسا عن السلفية وحركة النهضة وحزب التحرير، في مركب واحد، وهي حالة فريدة من نوعها في العالم الإسلامي ، إذ جميعهم مستهدفون من الآلة العلمانية، وهذا تترجمه تصريحات كثيرة مثل تعبير « إحدى مفكّرات العلمانيين» على ما يجول بخاطر هؤلاء ضدّ الإسلاميين، لتقول في معرض حديثها عن المحاولات الفاشلة للإطاحة بحكومة النهضة: « الثورة الحقيقية هي إنهاء وجود الأفكار الثيوقراطية حتّى ولو كلّف ذلك دماء كثيرة».

 

 إذن؛ هكذا ترى إحدى« نجمات» العلمانيين في تونس مصير الإسلاميين دون تمييز، والأدّلة كثيرة على ما تقدّم، ولعلّ أشهرها دعوة النقابي اليساري « عدنان الحاجّي» إلى قتل الإسلاميين معتبرا ذلك « ضروريا في تونس الآن»، هذا هو المصير الذّي يتمنّاه بل يعمل من أجله هؤلاء للمسلمين.

 

 أما نصف الكأس الفارغة هي عدم قدرة حركة النهضة كحزب حاكم على فهم الحراك السلفي والتحريري على المنحى السليم؛ إذ يعتبر « مهندسو» الأفكار في النهضة وجود باقي التيّارات نتيجة طبيعية لغيابها عن الساحة السياسية في السنوات الماضية.

 

 وهذا أمر يجانب الصواب، لأسباب يطول شرحها، وأولها على الإطلاق هو أنّ هذه الجماعات وجدت في تونس وخارجها منذ زمن بعيد، كانت النهضة موجودة فيه، وغياب النهضة هو سبب تصادم هذه التيّارات مع النظام المخلوع وليس سببا في وجود هذه التيّارات، فحركة النهضة كانت الأكبر والأكثر امتداد، فحجبت هذه المجموعات الإسلامية، فمجموعة الجهاد مثلا كانت حاضرة على الساحة، وقد حوكمت هي الأخرى، وهي محسوبة على السلفيين، وكذلك حزب التحرير، وهو ما أكده الناطق الرسمي رضا بالحاج في حصة إذاعية منذ مدّة.

 مصيبة النظر إلى السلفيين وحزب التحرير وغيرهم على أنّهم نتاج لغياب النهضة ليس في لبّ القرّاءة في حدّ ذاتها بل في تبعات هذه النظرة النمطية والمستوردة أيضا. واستتباعات هذا الفهم تتمثّل أساسا في الحلول التّي قد تنتج عنها، ونحسب أنّ حركة النهضة بدأت فعلا في تطبيق هذه النظرية، بتعميم الأئمة الموالين لها على مختلف المساجد، في محاولة لخلق نمط تفكير نهضاوي أو إسلامي ليبرالي إن صحّ التعبير، وهو برنامج استعمله الرئيس المخلوع وفشل في إنجاحه لاعتبارات كثيرة.

 

 من تبعات النظرة الدونية للتيّارات الإسلامية الأخرى هي إمكانية الدخول في صدام والابتعاد عن المنهج الحقيقي للتعامل، وهذا تترجمه إعادة الحكومة لقانون الإرهاب سيء السمعة.

 

خطّة محكمة!!

بعد الانتخابات 23 أكتوبر 2011 تبادر إلى أّذهان التيّارات الإسلامية كلّها أنّ العلمانيين وخصوصا المتطرّفين منهم قد انتهوا بلا رجعة ، لكن سرعان ما تدارك هؤلاء أمرهم من خلال ما اكتسبوه طيلة أكثر من 130 سنة، أي منذ أنّ حلّ المستعمر الفرنسي بالديار التونسيّة، وبدأ بتركيز النواة الأولى لفصل الدين عن الدولة. عندها شارك كثيرون من علماء الزيتونة في التصّدي لهذه الحملة بالإضافة إلى حملتهم ضدّ الاستعمار في حدّ ذاته، وقد تصدّت فتاوى هؤلاء الشيوخ للعلمانية والتغريب من خلال رفض الحكم بغير ما أنزل الله وحتّى الجنسية الفرنسية حرّمها شيوخ الزيتونة « باعتبار هذه الجنسية تفرض على صاحبها القتال ضمن الجيوش الفرنسية»، والفتوى معروفة جدّا، وقد تناقلها حتّى شيوخ الجامع الأزهر واستندوا إليها في فتاوى مصرية أخرى.

 

 ورغم محاولات هؤلاء الشيوخ فإنّ غيرهم من بعض المنتسبين للزيتونة، وآخرين تلقوا تعليمهم في باريس، ارتموا في أحضان المستعمر، ومن هؤلاء الشيوخ من استقبل المقيم العامّ الفرنسي في بيته وأهدى له ذهبا لا يحصى.

 

 هكذا بدأ العلمانيون في زراعة نبتتهم التّي سقوها طيلة هذه السنوات فساعدتهما في رعايتها فرنسا ومن بعدها بورقيبة وبن علي حتى تغلغلوا في كلّ دواليب الدولة ليمتلكوا الإعلام والثقافة والصحّة والسياسة وكلّ مجالات الحياة الرسمية وغيرها في تونس، وهو السبب الذّي أجلّ نهايتهم سياسيا بعد انتخابات لم تتجاوز حصصهم فيها الأصفار.

 

 ولكي يعودوا من جديد بعدما طردوا في أكتوبر الماضي اعدوا خطّة للإطاحة بالإسلاميين تنبني على معطيين أساسيين؛ وهما تضخيم التجاذبات مع التيّار السلفي وضرب حركة النهضة مع حلفائها في الخارج، على أساس إنّها حركة عاجزة على حماية العلمانيين وغيرهم، إلى جانب ضرب الاقتصاد بالإضرابات التّي اتخذّت أشكالا متعدّدة بات بعضها يثير الضحك والتندّر عند روّاد الشبكات الاجتماعية.

 

 ولعل ما حصل مؤخرا من تجرؤ على ذات الله وشخص رسول الله صلى الله عليه وسلّم وما تبعهما من أحداث دليل واضح على هذه الخطة. ومن الغريب أن تتوجه أسهم الحكومة والإعلام تجاه التيار السلفي – كالعادة - في الوقت الذي شاهد فيه الآلاف كيف تحرق الشرطة أملاك الشعب وكيف يبرر العلمانيين انتهاك كل الحرمات تحت مسميات الإبداع والحرية.

 

 وبغض النظر على مدى قوّة وفعالية التيار العلماني في تونس؛ فان الحديث عن استعادته لقيادة تونس والسيطرة عليها مطلقا أصبح من قبيل العبث بالتاريخ على حد تعبير المتابعين للشأن التونسي، لكن ما هو غير مبرر لدى كثيرين هو الانحياز الغريب لأطراف من حركة النهضة إلى الطروحات العلمانية وتصريحات وزير حقوق الإنسان سمير ديلو خاصة أكبر مثال على هذا الانزياح الغريب نحو ما يحيكه الحداثيون المتطرفون.

 

 والانسياق الفاضح لعدة وجوه من حركة النهضة وراء تجريم كلمة الشيخ أيمن الظواهري مثلا التي وجّهها إلى التونسيين، والتي قال فيها: « من الضروري الدعوة إلى الله وتعريف الناس بضرورة تحكيم الشريعة والابتعاد عن مغالطات حركة النهضة» هي من أوجه طرب هؤلاء القادة لمثل هذه المغالطات المشتركة مع العلمانيين.

 

 والغريب أن الحركة استسلمت إلى قراءة متطرّفة جدا ومتعسّفة لكلام الظواهري الذي كان خطابه مفاجئا وحمّال لرسائل الطمأنة أكثر من حمله للمعاني التي قرأها غلاة العلمانيين وحتى أقلهم تطرّفا بل وحتى مدّعي الوسطية فيهم، لكنّ المفاجئ هو وصول الاستسلام لهذا الخطاب إلى مستويات قيادية كبيرة في النهضة ونعني بذلك رئاسة الحركة بالذات وما صرّح به الغنوشي في إحدى الندوات الصحفية.

 

تردّد النهضة

ليست مشكلة تونس في أنّ خطّة العلمانيين محكمة أو غامضة بل هي واضحة ومتوقعة حتّى قبل فوز حركة النهضة في انتخابات أكتوبر 2011. فقد صرّح عبد الفتّاح مورو أحد القريبين من النهضة قبيل الانتخابات حيث قال: « هل تتصورون أن يتركوا حزب حركة النهضة يعمل دون مشاكل بل سيجعلون أمامها مطبّات كثيرة».

 هي إذا خطّة معروفة ومتوقعّة، لكن الغريب هو تردّد حركة النهضة في الردّ عليها، خاصّة التصدّي لكمائن اليسار المتطرّف الذّي يكيد هنا وهناك وفي كلّ الأماكن الساخنة، ولعلّ ما هو أغرب من ذلك هو انسياق بعض العناصر من داخل الحركة وراء العلمانين في معاداتهم للتيّارات الإسلامية الأخرى.

 

 وتشير عديد المصادر في هذا الإطار إلى أنّ الحركة منقسمة إلى ثلاثة آراء حول طريقة التعامل مع الحراك السلفي. فقسمان يريان بضرورة المواجهة ويختلفان في توقيتها، وقسم غلّّب منطق الحوار؛ ورغم أنّ القسم الأخير (صوت العقل الإسلامي ) هو الغالب إلاّ أن الانقسام في حدّ ذاته يعبّر عن حالة التردّد والانسياق وراء أطروحات المخالفين للحركة، وقد ذلك يعود إلى الضغط المتواصل من القوى الحداثية المتطرّفة للدخول في صراع مع حزب التحرير والسلفيين خاصة.

 

 لكنّه من الضروري القول إنّ العلاقة بين مختلف التيّارات الإسلامية داخل البلد الواحد ليست « تخارجية» أي بمعنى إذا حضر الأوّل بالضرورة يغيب الثاني، فللنهضة تاريخها وعوامل ظهورها كما للسلفية إطارها التاريخي وعوامل ظهورها و ينسحب ذلك أيضا على حزب التحرير وغيره، وقد يطول الحديث في ظرفية ظهور كلّ تيّار...

 

الحل الوحيد

رغم كل التهم المتبادلة – وهي كثيرة- لا يوجد أمام الإسلاميين في تونس إلا طريق واحد هو الحوار، فرغم المشاكل بين كل الأطراف فان المطلوب من الجميع الاستماع إلى أصوات حكيمة داخل هذه التيارات وهي تطالب بالحوار على المستويين السياسي والشرعي معا. رغم كلّ الألغام المشتركة – وهي كثيرة - لا يوجد أمام الإسلاميين في تونس إلاّ طريق واحد؛ فرغم التهم التّي تلاحق كلّ الأطراف فإنّ التواصل مطلوب من الجميع. هذا ما يبوح به القياديون، وهذا ما ترفعه القواعد، والحديث هنا عن ضرورة وجود لقاءات حوارية عديدة على المستوى الشرعي والسياسي معا.

 

 قد يكون من الصعب الحديث عن التوصّل لنتيجة تنهي أصول المشكلة، لكن الحوار في مسائل شرعية وسياسية سيساهم بالأساس في درء شبهات تحاول زرعها الأيادي الخفية بين مختلف الأطراف الإسلامية ولعلّنا هنا نسجّل ما قاله أحد الصحفيين في إحدى الندوات حيث كذب وقال: « إنّ قائدين من قادة السلفية والمتحدّث باسم حزب التحرير حرّضوا مناصريهم على مواصلة حرق مقرّات حكومية »!! وهذا الخبر تبيّن فيما بعد أنّه كاذب، حيث لم يطرح قادة السلفية ولا المتحدّث باسم حزب التحرير هذا الموضوع، بل كان متوازنا جدّا على حدّ وصف الكثيرين ممّن تابعوا هذه التصريحات؛ زيادة على أنّ أحد هؤلاء القادة الذّين ذكرهم هذا الصحفي لم يتحدّث أبدا ولم يعط أيّ تصريح خلال الأحداث التّي تلت معرض العبدلية للرسوم المسيئة للمقدّسات.

 

 هي إذن رحلة صعبة لا بدّ أن يخوضها راكبو سفينة الإسلام، حتّى يتجنّبوا أمواجا يصفها كثيرون على أنّها خطيرة، ويعتبرها آخرون رهينة سلسلة من الحوارات الشرعية السياسية التّي لا يمكن أن يعوّضها حلّ الآخر.

========================

ربيع العرب خريفٌ في غزة

د. مصطفى يوسف اللداوي

moustafa.leddawi@gmail.com

إلى متى سيبقى قطاع غزة هو مكسر العصا الإسرائيلية، والمكان الذي تنفس فيه حكومتها عن أحقادها وهمومها الدفينة والمستجدة، وترسل من خلاله رسائلها المغموسة بالدم الطاهر البرئ، لتطمئن مواطنيها وأخرى تهدد بها السلطة والفصائل الفلسطينية، وغيرها إلى الحكومات والقوى التي أفرزها الربيع العربي، وربما تتعدد اتجاهات رسائلها لتصل إلى المجالس العسكرية والحكومات العربية والرعاة الدوليين وغيرهم ممن لهم علاقة بالقضية الفلسطينية، وممن يعدون الشعب الفلسطيني بالتمتع بفيء ربيعهم، والاستمتاع بنشوة انتصارهم وتسلمهم لمقاليد السلطة في بلادهم، فهي تضرب في غزة وتقتل المواطنين الأبرياء وعيونها على كثيرٍ من الأهداف العسكرية والأمنية والسياسية والاجتماعية والنفسية، ويدها تضغط على الزناد لكن قلبها يتوجه إلى مواطنيها لتطمئنهم أن الجيش قوي، وهو قادر على الصد والهجوم واللجم والإفشال، فلا داعي للقلق والخوف.

إن لم يكن الربيع العربي قادراً على حماية الفلسطينيين من الكيان الإسرائيلي، ومنعه من التغول على قطاع غزة من حينٍ إلى آخر، مستهدفاً شبابه، وملاحقاً قادته، ومدمراً معامله وورشه ومصانعه البسيطة، ومخوفاً أطفاله ونساءه ومروعاً أهله وساكنيه، ممزقاً صمت الليالي، ومضيئاً ظلام غزة البهيم بحمم صواريخه وقذائفه الملتهبة، فمن ذا الذي يستطيع أن يضع حداً لهذه الصولات الإسرائيلية، والغارات الهمجية التي يشنها من وقتٍ لآخر، غير آبهٍ بحجم الضحايا، ولا بصعوبة الظروف التي يواجهها القطاع، ولا بالحصار الذي ما زال يفرضه على سكانه، وكأنه يستشعر العظمة وحده، ولا يرى أحداً ينازعه القوة، أو يفرض عليه قواعد للقتال جديدة، تقيده وتلجم قوته، وتخرس فوهات قذائفه وبنادقه.

لا شئ يوقف الإسرائيليين عن غيهم، ويجبرهم على التراجع والصمت والقبول بالتهدئة والتسليم بواقع قوة إرادة الفلسطينيين سوى المقاومة، وليكون هذا فلا ينبغي الاكتفاء بتعداد الشهداء، وتوثيق أسمائهم، وحصر أعداد الجرحى وتقدير الخسائر، أو عد الصواريخ وتحديد أماكن سقوطها، ورصد حجم الأضرار التي ألحقتها، فكما ترد سلطات الاحتلال على مصادر النيران الفلسطينية، وكما تتعقب مطلقي صواريخ المقاومة، ومنفذي العمليات الجهادية، فإن على المقاومة الفلسطينية أن تتعامل مع العدو الإسرائيلي بالمثل، ترد عليه الصاع صاعين، صاروخٌ بصاروخ، ورعبٌ بمثله، وهلعٌ بين السكان بما يوازيه هلعاً بين المستوطنين وسكان البلدات الإسرائيلية، فلا شئ يوجع الإسرائيليين غير المقاومة، ولا شئ يحركهم من أماكنهم ويجبرهم على التعامل مع الخصم سوى مدى قدرته على توجيعهم وإلحاق الأذى بهم، فعلى صواريخ المقاومة الفلسطينية أن تنطلق من قواعدها البسيطة، وهي إن لم تقتل إسرائيلياً فإنها سترعبهم وستخيفهم، فهم جميعاً يضعون أيديهم على رؤوسهم خوفاً من أن تسقط عليهم بعض هذه الصواريخ البدائية، وإن كان بعضها قد طور حشوةً وقدرة تدميرية وتوجيهاً ودقة ومدى إصابة، بما يجعلها تخيف وتؤثر، وتحقق بعضاً من الأهداف التي ترجوها، الأمر الذي يجعل المستوطنين وبلداتهم تحت مرمى نيران المقاومة الفلسطينية.

لعل الخريف في غزة الذي كان من المفروض أن يسبق الربيع مناخياً، وأن يتلوه سياسياً، إلا أنه جاء تالياً لربيع العرب، الذي جعل من القضية الفلسطينية عنواناً حاضراً وبارزاً في كل تحركاته وتظاهراته واعتصاماته ومطالبه العامة، ولم يتخل عنها في أحلك ظروفه وأشد أزماته، حيث لا يشك أي فلسطيني أن العرب في ثوراتهم قد حملوا معهم هم القضية الفلسطينية، وجعلوها ملازمة لهمومهم الوطنية والمحلية، ورفعوا نصرتها إلى جانب مطالبهم في الحرية والديمقراطية وتبادل السلطة، والنهوض بأحوال البلاد والعباد، ولكن الكيان الصهيوني لم يمهل الثائرين العرب، ولم يمنح من نثق بنصرتهم لنا الوقت لينتصروا للفلسطينيين ويدافعوا عنهم ويقوموا بواجبهم تجاههم، فاختار العدو بلؤمٍ وخبثٍ كعادته وقتاً يصعب فيه على الفاعلين من الشعوب العربية القيام بواجبهم، والتصدي للهجمات الإسرائيلية، فأراد أن يملي شروطه الجديدة على العرب والفلسطينيين، وأن يبين لهم أن المستقبل مهما اختلفت ملامحه وتغيرت وجوهه لدى العرب، فهو لن يختلف أثراً وفعلاً فيما يتعلق بالكيان الصهيوني، ولن ينعكس ربيعاً على كيانهم، أو محلاً ولعنة على سكانهم ومواطنيهم.

ولتعلم قوى المقاومة أن الشعب الفلسطيني لا يحملها مسؤولية ما يصيبها من قتلٍ وتدميرٍ وتخريب، فهذا ديدن الاحتلال منذ أن بدأ، وهذه سياسته التي نعرفها عنه، فهو لا يغير طبيعته، ولا يبدل عدوانيته، ولا يمكن له أن يستحيل إلى حمامة سلام أو إلى جارٍ وادع، فهو لم يتوقف عن قتل الفلسطينيين واستهدافهم في كل المراحل والظروف، وفي ظل الحكومات التي فاوضت وغيرها التي عارضت، بما يؤكد أنه يستهدف الشعب الفلسطيني بكل أوانه وفئاته السياسية، فيقتل بلا سبب، ويعتدي بلا مبرر، ويعمم قتله ولا يخصص، ويشمل عدوانه ولا يحدد، ويغلظ في قصفه وتدميره ولا يرحم، ويطال كل الأماكن ولا يحيد مستشفى أو مدرسة، ولا جامع ولا مؤسسة، فهذا قدرنا مع الاحتلال عرفناه وخبرناه سنين طويلة، ولكننا لا نستسلم له ولا نخضع لإرادته، بل نقاوم إرادته، ونسعى لكسر شوكته.

لذا ينبغي على المقاومة الفلسطينية أن تتقدم لتأخذ دورها، وأن ترفع راية المقاومة وأن تعلي لواءها، إذ لا شئ يمكن أن يردع الكيان الإسرائيلي غيرها، ولا شئ يخيفها غير منظر مستوطنيها وهم يلوذون بالفرار في الملاجئ تحت الأرض، أو صراخ أطفالهم ونسائهم وهم يستغيثون برئيس حكومتهم يطلبون منه الحماية والأمن، وهو ما لم ينعموا به يوماً، وما لم تستطع أي حكومة من حكوماتهم السابقة أن تحققه، ولو استطاعت ما كانت لتتأخر أو تمتنع، ولكن المقاومة الفلسطينية كانت عصية عليهم، وأقوى من أن تنكسر شوكتها تحت ضربات جيشهم، وأصلب من أن ينثني عودها نتيجة تهديداتهم المستمرة، ولعل المقاومة اليوم باتت أقوى مما كانت عليه بالأمس، وأكثر عدداً وعدة، وأفضل تنظيماً وتسليحاً، وهي قادرة على رسم حدودٍ جديدة، ووضع معايير مخالفة، وفرض معادلات رعبٍ وتوازن مختلفة عما مضى، ولكن هذه الأهداف تتطلب منها عملاً ومبادرة، وسرعة رد وإحكام ضرب، وتأكيد إصابة، وإمعان ألمٍ ووجع، ومن قبل وحدة صف وسلامة نفس، واتفاقاً على الأهداف والغايات، وتحديداً للمسارات والأولويات.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ