ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 27/06/2012


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

التأثيرات الخارجية على الأزمة السورية بين التجاوز أو التكريس

محمد زاهد جول*

امتازت كل ثورة من ثورات الربيع العربي بخصائص لا توجد في غيرها، هذه الخصائص كانت وليدة الواقع الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي في أبعادها الداخلية أولاً، ووليدة نفس الظروف والشروط الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في أبعادها الخارجية ثانياً، فلا تقوم ثورة إلا في غمرة عدة شروط وأسباب وعوامل داخلية وخارجية، تتفاوت فيما بينها في تحديد متطلبات الثورة وتصورها لمراحلها المتوقعة وتطوراتها المحتملة على النحو التالي:

أولاً: في تبيين مشروعية الثورة والقدرة على الإعداد لها جيدا.

ثانياً: في تحديد مكان وزمان انطلاقها شعبيا وجماهيرياً.

ثالثاً: في القدرة على ضبط تحركات الثورة وتنظيمها والتحكم بمساراتها الصحيحة، والحد من التحركات الخاطئة قدر الإمكان.

رابعاً: في العمل الناجح على إيجاد الهيئات السياسية الجامعة التي تحسن تمثيل الثورة في داخل البلاد فقط، وفي خارجها عند الضرورة.

خامساً: في إحسان صياغة الخطاب السياسي للثورة بحسب التطورات الداخلية والخارجية، وزيادة المؤيدين لها شعبياً وإقليمياً ودولياً.

سادساً: العمل على تحجيم قدرة النظام على مواصلة عمله وبالأخص إذا كان قمعياً وعنيفاً وإجرامياً، والحيلولة دون مده بالعون من الداخل والخارج.

سابعاً: تقديم الضمانات الضرورية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً لكل متخوف من الثورة ونتائجها، وضمانات لقيام دولة مدنية دستورية تعددية ديمقراطية، وفي إقناع الدول في الخارج بضرورة التغيير وبضمانة الحقوق المدنية الداخلية والحقوق الدولية الخارجية.

هذه النقاط الأساسية هي من متطلبات نجاح أي ثورة، ولكن الثورات العربية المتنوعة كانت مختلفة في الحاجة إلى بعضها أو في التركيز على بعضها دون الآخر، بسبب سرعة وتيرة الحركة الثورية، والتأثير على الأحداث المصاحبة، وبحسب قدرة النظام القائم بالتفاعل مع الثورة والتلاعب بها، وحرفها عن مسارها، أو تشويهها، أو بذل كافة قدراته لخلط الأوراق، والتأثير على الداخل والخارج معاً، ولذا يقع في الخطأ كل من يحاول أن يشبه شروط الثورات العربية ببعضها، والخطأ الأكبر أن يطالب بحل أزمة كل ثورة على طريقة ثورة سابقة في هذا القطر أو ذاك، كأن يقال بالحل اليمني نسبة إلى طريقة إسقاط الرئيس اليمني علي عبدالله صالح عن طريق حكومة انتقالية تتولى السلطة وتضمن للرئيس السابق الحصانة القانونية، أو الحديث عن الحل الليبي الذي تولى فيه حلف شمال الأطلسي تدمير القدرات العسكرية لكتائب القذافي ومد الثوار بالقدرات العسكرية والدعم اللوجستي لكسب المعركة ميدانياً، فهذه حلول خاصة بكل قطر ليس بالضرورة أن تكون حلاً للأزمة السورية، فضلاً عن أن تكون حلاً حصرياً للأزمة حتى يتم اللجوء إلى استنساخه.

وحيث إن القاسم المشترك لكل الثورات كان هو إسقاط النظام، وتم تحديد مفهوم إسقاط النظام في شكله المادي وهو إسقاط رئيس الدولة الذي تقوم عليه الثورة ، كرمز لتغيير النظام، وهذا التصور ما كان ليوجد في ثورات الربيع العربي إلا لأن الأنظمة التي قامت فيها الثورات العربية كانت أنظمة جمهورية، والأصل أن تجري فيها الانتخابات الرئاسية وفق قوانين النظام الجمهوري، وهي في الغالب كل أربع أو خمس سنوات، وقابلة للتجديد مرة واحدة فقط، أي بمدة زمنية لا تزيد عن عشر سنوات، ولكن كل الأنظمة السابقة والتي ثارت عليها شعوبها كانت قد عملت على تغيير الدستور وتزوير الإرادة الشعبية في الانتخابات بحيث تبقي الجمهورية وليس منصب الرئاسة فقط للرئيس وذريته وأسرته من بعده، في نظام توريث يشبه النظام الملكي الوراثي مع وجود فارق أساسي هو أن النظام الملكي الوراثي مستمد من دستور تلك الدول الملكية، أي هو متناغم مع الإرادة الشعبية التي تبايع الملك على هذا الدستور، بينما التوريث في الأنظمة الجمهورية يتصادم مع مبدأ النظام الجمهوري تصادما قاطعاً ومطلقاً.

فالإشكالية الدستورية التي وقعت فيها الأنظمة العربية الجمهورية هي أنها تريد تطبيق دستور الأنظمة الملكية في دول ذات دساتير جمهورية، فلا هي عمدت إلى تغيير الدستور ليصبح نظاماً ملكياً وراثياً مثلاً، ولا هي طبقت النظام الجمهوري في طريقة انتقال السلطة دستورياً، ولذا تم النظر إلى رؤساء الأنظمة الجمهورية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا على أنها فاقدة للمشروعية السياسية ومخالفة للدستور مهما عملت على تعديله لمصلحة الرئيس، لأنهم استخفوا بالدستور وحكموا البلاد أكثر مما يحق لهم قانونياً، وكان مبدأ تغيير الدستور من أجل بقاء الرئيس طعناً قانونيا بمشروعية الحكم، واهانة للشعب ومجالسه التشريعية التي توافق على تغيير الدستور لصالح شخص الرئيس، الذي أصبح فوق القانون والدستور، فبدل أن يخضع الرئيس للدستور أصبح الدستور هو من يخضع للرئيس ومواصفاته.

ولكن الأمر الأخطر الذي نتج عن ذلك هو أن المستبدين بالسلطة من رؤساء الجمهوريات الوراثية لم يحفظوا للشعب حقه في العيش الكريم، ولا في الكرامة الإنسانية، بل وساموه سوء العذاب، وضيقوا عليه في عيشه وعمله وكسبه ، وبذلك خالفت الأنظمة الجمهورية المستبدة أبسط قواعد العيش الإنساني وحقوق الإنسان، وقصرت وفشلت في القيام بواجباتها الرسمية في تأمين أفضل ظروف العيش الممكنة لمواطنيها ، وفي تقديم أفضل الخدمات الصحية والمعيشية والتعليمية، وفي تكافئ الفرص والمناصب الاجتماعية والسياسية المرموقة التي يستحقونها بكفاءاتهم العلمية والعملية، أي أن الأنظمة الجمهورية في البلاد العربية وضعت نفسها عدوة للشعب من الناحية الدستورية ومن الناحية الحياتية معاً، فلم يبق أمام المواطنين إلا كظم الغيظ والصبر على الظلم واستشراف الفرصة التي توفر لهم الحرية الإنسانية والحرية السياسية معاً، فكان الربيع العربي هو لحظة التعبير عن الذات المقهورة، والهدف الأسمى هو الحرية والديمقراطية واحترام الدستور.

هذه الصورة كان ينبغي على الثورة السورية أن تركز عليها لبيان أن قضية الثورة السورية هي قضية الشعب السوري وحده ، وأنها شأن داخلي محض ، وأنها مطلب شعبي صادق ، وأنها تعبر عن إرادة جماهيرية كبيرة من قطاعات الشعب السوري في الداخل أولاً وثانياً وأخيراً، لأنه هو من كان يعاني الفقر والبطالة والظلم والكبت والاضطهاد والمحسوبيات والرشاوى والفساد الإداري والظلم الاجتماعي وعدم تكافئ الفرص في الوظائف المدنية والعسكرية ، مما اضطر الكثير منهم إلى الهجرة إلى الدول المجاورة للعمل فيها لكسب القوت وأسباب العيش البسيطة، وهرباً من الملاحقة والسجن لعدم موافقة النظام على عدم الانتماء لحزب البعث، أو عدم المشاركة بالتغني والتمجيد بمواقفه القومية وبطولاته السياسية.

وبعد ان وجد الشعب السوري أن إخوانه من الشعوب العربية قد تحركت وتظاهرت مطالبة بالحقوق وإسقاط الظلم والاستبداد ونجحت في ذلك في تونس ومصر ظن ان الفرصة سانحة له كذلك للمطالبة بالحقوق ورفع الظلم والتظاهر ضد الاستبداد ، والمطالبة بالإصلاح بالطرق السلمية والمدنية والديمقراطية، فأسرع في إعلان ثورته قبل أن يوصل رسالة التغيير إلى كل بيت سوري، وإلى كل طالب وعامل ومجند وفلاح وبقال وتاجر وأستاذ مدرسي وجامعي، وإلى كل قرية ومدينة ومحافظة، فكان التجاوب مع الثورة متفاوتا ومتقلباً ومترددا في أحيان كثيرة، لأن قوى المعارضة السورية أعلنت الثورة على نظام امني بوليسي بكل المقاييس الدولية ، وصاحب أسبقيات إجرامية في قتل الشعب وإرتكاب مجازر بشرية طوال مدة استيلائه على الدولة السورية منذ عام 1963م، وكان من أبرز هذه المجازر ما وقع بين عامي 1979 و1982م، فقد مارس النظام البعثي آنذاك كل أنواع الكذب والتزوير والتعمية الإعلامية عن تلك الأحداث، فضلاً عما ارتكبه من مجازر ضد اللبنانيين والفلسطينيين في لبنان أيضاً، أي أن التغيير في سوريا لم يكن يحسن تقدير الظروف والإمكانيات جيدا، وكان من الخطأ قياسها على ما جرى في تونس ومصر وليبيا واليمن، لأن النظام السوري يختلف عن كل تلك الأنظامة في قدرته على تزييف الحقائق واختلاق الأكاذيب وادعاء الحق وصياغة خطاب سياسي مرن وفي نفس الوقت استعمال كل وسائل البطش بالمعارضين السلميين بلا رحمة ولا هوادة.

إن ما يرتكبه النظام السوري اليوم من مجاز كان ينبغي أن يكون متوقعاً من قبل الشعب السوري كله، ومن المعارضة السورية على وجه التحديد، وقبل اندلاع الثورة وقبل الإعلان عن الدعوة إلى الإصلاح والتغيير، وقبل المطالبة بالإصلاح أو بنظام ديمقراطي ومدني وتعددي ودستوري، ولذا جاءت حسابات المعارضة غير ما كانت تتوقعه فعلياً وزمانياً، فلم يكن احد يتوقع ان تمتد الثورة إلى هذه المدة الزمنية، ولا أن يقع فيها من القتل والتشريد والتدمير ما وقع فعلاً، ولا يزال المستقبل يحمل في طياته مجاهيل، فوجود المشروعية لقيام الثورة لم يكن كافياً لإعلانها حتى تكتمل شروط نجاحها الداخلي، وقبل كسب الشارع السوري بكافة أطيافه وطوائفه إلى جانبها، وبالأخص أطياف الطبقات الوسطى من المجتمع السوري، التي ينبغي أن تكون مستعدة للانخراط في العمل الثوري السلمي، قبل أن يفرض النظام أجندته الداخلية على الشعب، وقبل أن يفرض أيضاً أجندته على الدول الحليفة والصديقة له.

لقد استطاع النظام السوري أن يفرض أجندة الإصلاح والتغيير التي خطط لها بإحكام، وهو في تعامله مع الداخل السوري لا يزال يمتلك القدرة على التعامل مع القوى التي تمسك بزمام وجود الدولة في مؤسساتها الرسمية المدنية والعسكرية، بينما كان من المفروض التخطيط لإضعاف قدرة الدولة على السيطرة على النظام المدني وأجهزة الدولة من وقت مبكر ، وربما كان خطأ المعارضة في عدم التركيز على الداخل كثيراً ، ظناً منها أن الحسم سيأتي من الخارج فقط، فلم يتم العمل على دعم الجبهة الداخلية بصورة كافية ، لأنه المعارضة الخارجية كانت أكثر بروزاً في تمثيل الثورة ، وفي التعويل على توقعات واحتمالات خارجية كان من المفترض ان تكون آخر الوسائل وليس أولها، وذلك بتوقع أن تدعم القوى الخارجية وبالأخص الدول الكبرى التحرك الجماهيري الواسع وهو ما لم يحصل حتى الآن.

وهذا ما يفتح التساؤل عن مدى قدرة قادة الثورة في الداخل السوري في إيجاد جبهة داخلية متعاونة لإيجاد مرتكزات داخلية لنجاح الثورة ، سواء اتفقت دول مجلس الأمن أم لم تتفق، أي سواء توصلوا إلى الاتفاق على البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة أو عن طريق أخرى، لأن الخيار الوحيد أمام المعارضة هو انتظار الاعتماد على قوى الشعب الداخلية ، وليس انتظار التدخلات الخارجية فقط، وليس شرطاً أن يعتمد الخيار الداخلي على القوة العسكرية غير متكافئة بين الثوار وكتائب النظام، وإنما أن تعتمد على عزل كتائب النظام على التحرك داخل المدن والقرى والمحافظات السورية، وإفشال النظام في أن يكون له سلطة إدارية على الدولة السورية، فلا يكون أمامه إلا البحث عن مخرج له من السلطة التي لم يعد يسيطر عليها نهائيا.

إن ما أوصل الثورة السورية إلى ما وصلت إليه اليوم، هو أن النظام السوري كان يعلم بأن الثورة قادمة حتما، وتأكد من ذلك من اللحظة الأولى لانطلاق ثورات الربيع العربي ، وكان يخطط ويعمل بحكمة ودهاء لاحتوائها وإحباطها في مهدها ، وكان يظن بان الثورة في الداخل عاجزة عن التغيير بمفردها مهما امتلكت من القوة الشعبية أو الأدوات العسكرية اليدوية البسيطة، وان قوى المعارضة في الخارج لن تتفق أو توفق في إقناع العالم على دعمها ، وبالأخص العالم الغربي ، لأنه أي النظام السوري يرتبط مع الغرب في تفاهمات أمنية ليس بالضرورة أن تكون موقعة على الورق، من أهمها وأكبرها حمايته لحدوده الجغرافية مع الكيان الإسرائيلي، أي حمايته للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين والجولان، بالرغم مما يدعيه من قيادته الدول الممانعة أو احتوائه لقوى المقاومة، بل إن الأخيرة من أوراق لعبته السياسية التي لا يستغني عنها، كما لا تستغني إسرائيل عن إدعائها للسلام وهي تعمل ضده، إضافة إلى مساهمته، أي النظام السوري مراراً في ترتيب أوضاع لبنان لصالح الدول العظمى، وأخيرا وليس آخراً تحالفه المشبوه مع المشروع الإيراني في المنطقة ضد التوازن الإقليمي العربي لصالح ذلك التحالف المشبوه، مما أكسبه قبولاً دولياً من الغرب وإسرائيل، وقوة إقليمية بتحالفه الرباعي مع إيران والعراق ولبنان حزب الله، وتحالفه أي التحالف الرباعي الاستراتيجي مع روسيا ومصالحها في المنطقة.

لقد عاش النظام السوري طويلاً في تحالف صامت مع المصالح الغربية، وفي تحالف عميق علني مع المصالح الروسية والإيرانية في المنطقة، وهذا سر توازنه واستقراره وإمساكه ببعض خيوط اللعبة السياسية في منطقة الشرق الأوسط، ولذا فإن الغرب ليس في معرض الحاجة إلى تغييره ولا إسقاطه، كما كان الحال بالنسبة إلى الرئيس التونسي ابن علي، والرئيس المصري حسني مبارك، فلم يكن الغرب يسعى لإسقاطهما ولا التخلي عنهما، ولكن تمكن القوى الثورية الداخلية في كلتا الدولتين من إسقاطهما هي التي فرضت على الغرب وعلى أمريكا أن تمتنع عن حمايتهما في النزاع الأخير، وتركهما للسقوط وما كان دور الغرب إلا متابعاً للأحداث الدراماتيكية، لتكسب أمريكا والدول الغربية ود شعوب تلك البلدان، وإن كانت لا تزال تخشى مما يمكن أن تؤول إليه ثوراتها في المستقبل، بينما الأمر بالنسبة إلى الثورة الليبية كان مختلفا أيضاًً، فقد كان الغرب معنياً بإسقاط القذافي كتصفية حسابات سابقة، وبسبب سلوكه الأرعن في العقود الماضية، وبسبب مصالحهم الاقتصادية الواضحة في النفط الليبي، وغيرها.

لقد كان تعويل المعارضة السورية على الموقف الغربي مبالغاً فيه منذ بداية الثورة، وكان يقوم على قياس خاطئ بتشبيه الوضع السوري بالوضع الليبي أو غيره، بينما كان موقف النظام السوري أكثر دقة ومعرفة بالموقف الغربي من أي تغيير قد يقع في سوريا، لما يقوم به النظام السوري نفسه من ادوار في استتباب الأمن في المنطقة، وحماية حدوده مع الكيان الإسرائيلي، وهذا هو العامل الأول في التفكير الغربي بما يتعلق بالحاجة إلى التغيير في سوريا، فالغرب غير مضطر لأن يأتي بنظام جديد على الحدود السورية الإسرائيلية وهو لا يعرف مواقفه الحقيقية من وجود الكيان الإسرائيلي، وفي نفس الوقت لا تستطيع المعارضة السورية ان تعبر عن موقفها الصريح من ذلك لا سراً ولا علناً، بينما أثبت النظام السوري البعثي جدارته وحمايته لهذه الحدود طوال عقود متوالية، فدعم التغيير في سوريا من قبل الغرب يعتبر مغامرة كبيرة ، لا ولن يقدم عليها الغرب، ولا ولن تسمح بها إسرائيل طالما استطاع النظام الحالي حماية الحدود الإسرائيلية ، وطالما أمكنه أن يتغلب على الثوار في الداخل وضربهم وقتلهم بكل قوة يمتلكها، فأمن إسرائيل أهم بكثير من أمن الشعب السوري في نظر الغرب وأمريكا وفرنسا وبريطانيا قبل روسيا والصين، بل إن قتل النظام السوري للقوى الثورة السورية يعتبر مصلحة إسرائيلية وغربية طالما صدق الغرب بأنها قوى إسلامية وجهادية وأصولية وتعمل لأسلمة سوريا، كما يدعي بشار الأسد لوسائل الإعلام الأمريكية.

وفيما يخص الجبهة المصرية مع إسرائيل فما كانت أمريكا لترفع حمايتها عن الرئيس مبارك إلا بعد أن ضمنت الحدود المصرية مع الكيان الإسرائيلي من خلال المجلس العسكري الأعلى، الذي استولى على الحكم في مصر بعد تنازل حسني مبارك عنه، ولا زالت القوى الغربية تحاول الحفاظ على هذه الحدود آمنة من خلال أخذ صلاحيات الرئيس المنتخب من الشعب إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، مثل قرار إعلان الحرب أو السيطرة على القوات المسلحة المصرية، وجعلها بيد المجلس العسكري والقوات المسلحة حتى تضمن الاستقرار لإسرائيل أولاً، أي أن أمن إسرائيل هو قطب الرحى في الموقف من إسقاط النظام في سوريا، وكذلك من محاولة استبدال شخص الرئيس بشار أيضاً، بل حتى لو كان الاستبدال له وحده وزمرته الأمنية التي تسمك بمقاليد الحكم في البلاد، وبالأخص من الطائفة العلوية الشيعية، التي عملت منذ ستينات القرن العشرين الماضي بالسيطرة على مقاليد الحكم الفعلي في الجيش والمؤسسات الأمنية والسياسية والسفارات في الخارج وفي كل مراكز القوى الحيوية في الدولة، فإن مجرد استبدال شخص الرئيس يخضع لشروط المحافظة على أمن إسرائيل واستقرار المنطقة.

فما الذي تستطيع المعارضة السورية تقديمه لإسرائيل وأمريكا والغرب لتساعدها على تغيير النظام في هذا المجال، أي في مجال حماية امن إسرائيل، وما الذي تستطيع المعارضة السورية ان تقايض به الدول الكبرى في حالة قيامها بتوجيه ضربات حساسة لكتائب بشار وإخوانه وعصاباته، إن مطالبة الغرب أو أمريكا القيام بأعمال عسكرية تضعف النظام في سوريا سواء على أساس البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة أو غيره، ينبغي أن تخضع لمقايضة أمنية أو مالية لا تمتلكها المعارضة نفسها اليوم، وبذلك فلا مصلحة لأمريكا ولا لإسرائيل لإضعاف نظام بشار وهو يقوم بوظيفة تخدم حماية إسرائيل وبقائها في المنطقة بسلام وأمان، وكان طبيعياً أن تنتهي قمة الثمانية في المكسيك ، والقمة الثنائية بين الرئيس الأمريكي اوباما والرئيس الروسي بوتين دون أن تسفر عن اتفاق حول تغيير النظام في سوريا أو حماية المدنيين السوريين أو تغيير شخص الرئيس بشار فقط، ولا تكبيل يديه عن قتل الشعب السوري، بل ترك أمر تغييره إلى قرار الشعب السوري على ذمة الرئيس الروسي بوتين، وهو يعلم أن ذلك سيكون بعد سنوات أو عقود من القتل والتشريد والدماء والدمار لسوريا، طالما وقفت روسيا معه في هذه الحرب القذرة على شعب أعزل، أو لتقف روسيا على أطلال سوريا وتقوم بعملية إعمارها على الطريقة الأمريكية في تغيير الحكم في العراق.

من هنا ننطلق إلى فهم معادلة التأثيرات الخارجية من قبل الدول الكبرى على الأزمة السورية لنتبين أن هناك من القوى الخارجية أي الدول الإقليمية والدولية من تسعى فعلا إلى إيجاد حل لها والعمل بكل قوة لتجاوزها، وأن هناك دولاً وتحالفات إقليمية ودولية تسعى بكل قوة إلى تكريسها وإبقاءها أزمة العصر ومساوقة للقضية الفلسطينية من بعض الأوجه، لتستفيد منها في تثبت وجودها أو تحقيق مصالحها الاقتصادية والعسكرية ، أو مد نفوذها الموهوم على الأرض العربية، والغريب في هذا الأمر أن الدول التي سعت إلى مساعدة الشعب والنظام السوري معاً قبل اندلاع الأزمة اتهمت من قبل النظام السوري بأنها تدعم المعارضة وان لها أهداف توسعية وغيرها من التهم التي كالها النظام السوري وأبواقه الإعلامية يتهم بها الحكومة التركية بعد رفضه للوساطة التركية.

إن تركيا تتفهم ضرورة الثورات العربية في الأنظمة الجمهورية العسكرية المستبدة،  فلقد ولدت تركيا الحديثة والدول العربية الحديثة إثر انهيار الدولة العلية العثمانية في الربع الأول من القرن الماضي، والتي كانت تجمعهما في دولة واحدة لعدة قرون في علاقة أخوة ومواطنة واحدة، ولكن ظروف دولية أوجبت على كلا الشعبين شق طريقهما الخاص والتباعد بينهما لغير سبب واضح ولا مقنع لكلا الشعبين، ولكن هذا التباعد الإجباري وإن دام لأكثر من ثمانية عقود إلا أنه ثبت فشله أمام أول محاولة جادة جاء بها الشعب التركي ممثلا بحزب العدالة والتنمية ورئيسة رجب طيب أردوغان ورفاقه، بعد فوزه الشعبي في الوصول إلى السلطة السياسية وتشكيل الحكومة التركية في عام 2002، وقد قابل الشعب العربي ذلك بالرضا والقبول والارتياح والفرحة، قبل زعماء الدول العربية وقادتها السياسيين، بل إن بعض رؤساء الدول العربية اضطروا لمجاملة شعوبهم والتعامل مع القيادة التركية الجديدة على مضض ، لعدم رضاهم عن تزعم حزب العدالة والتنمية للحياة السياسية التركية، وقد اعتبرته بعض القوى الغربية والإسرائيلية أنه ذو جذور إسلامية أو عثمانية أو شرقية أو غيرها، وقد كانت الحكومة المصرية في عهد الرئيس السابق مبارك من أكثر الدول العربية حساسية من حكومة حزب العدالة والتنمية ورئيسه رجب طيب أردوغان بسبب النجاحات الكبيرة التي حققها في الداخل والخارج، لقد سارت تركيا في طريق التحرر والديمقراطية وضحت من أجله كثيراً، وهي لا تملك أن تفرض هذه القيم على الشعب العربي في سعيها لتحسين علاقاتها مع الشعوب العربية قبل سعيها لتحسين علاقاتها مع الحكومات العربية، فهي ليست دولة عثمانية بقيمها التاريخية ، ولا دولة استعمارية بقيمها الغربية ، وهي تعلم أن مجرد تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين الأتراك والعرب سوف يفرض حضوره وتأثيره واستلهاماته، لأن تركيا ليست دولة أوروبية غربية استعمارية، بل هي تخاطب العرب بأحاسيسها وعقلها في بيروت ودمشق والقاهرة وطرابلس وقطر والخرطوم وبغداد وغيرها من المدن العربية، وتقول بأننا أخوة وأمة واحدة وتاريخ مشترك وجغرافية واحدة وواعدة، فلماذا لا نصنع بأيدينا الحاضر الذي نريده نحن ، ولماذا لا نصنع المستقبل الذي نخطط له نحن، ليس لأنفسنا فقط وإنما لأجيالنا القادمة، لأبناء الشعب التركي ولأبناء الشعب العربي معاً، بغض النظر عن هياكله السياسية أو أنظمته الحاكمة ، سواء كانت ديمقراطية أو غيرها، فأمر الأنظمة مما تختاره الشعوب بنفسها ولا يفرض عليها من الخارج ، فإذا ما اختار الشعب العربي الحرية والديمقراطية والكرامة وحق تقرير المصير بنفسه وعن طريق برلمانات منتخبة بحرية ومصداقية ونزاهة، فإن هذا ما يسر الشعب التركي الذي يسير على هذا الدرب، وهذا ما يتوافق مع مصالح الشعب التركي وحكوماته الحالية والقادمة أيضاً.

من هنا نذكر كل من يحلل الموقف التركي من الثورات العربية بأن لا يتجاهل التاريخ الواحد للشعبين في القرون السالفة أولاً ، ولا أن يتجاهل الرؤية المشتركة بين الشعبين في السنوات القليلة الماضية ثانياً، بغض النظر عن موقف الحكومات منها، فمواقف الحكومات ينبغي أن تكون معبرة عن إرادة شعوبها وليس العكس ، والشعب التركي لا يتمنى للشعب العربي إلا التقدم والنجاح والسعادة ، وأخذ مقاليد أموره بنفسه، وبالطرق السلمية التي تكفل الانتقال السلمي للسلطة وحفظ دماء الشعب الواحد، ومواقف الحكومة التركية الحالية برئاسة حزب العدالة والتنمية لا تملك إلا أن تكون معبرة عن مواقف الشعب التركي نحو الشعب العربي وثوراته المجيدة، وما الاختلاف في التعبير عن مواقف خاصة من هذه الثورة أو تلك سواء كانت في مصر أو في ليبيا أو في سوريا أو غيرها إلا بحكم ظروفها الموضوعية فقط، دون أن يتعارض ذلك مع مصلحة كلا الشعبين معاً، فرؤية الشعب التركي للثورات العربية تكاد تكون هي رؤية الشعوب العربية نفسها لهذه الثورات، واختلاف نظرتها لهذه الثورات لا يختلف عن تعدد رؤية الشعوب العربية نفسها لها ، وبهذا المفهوم يمكن أن نفهم رؤية الشعب التركي لهذه الثورة أو تلك، ضمن قراءة إستراتيجية تبحث عن مصالح الشعوب وليس مجرد التعبير عن مواقف جزئية لهذا الحدث أو ذاك، ولا مراهنة لتركيا على حظوظها السياسية في المنطقة، لأنها لم تكن تخطط لحظوظها الخاصة فقط، بل كانت تساوي بنفسها أصغر الدول العربية وتجري معها المفاوضات الندية ، وتوقع معها الاتفاقيات التي توافق عليها تلك الدول ، وسعيها لتحسين حضورها مع الدول العربية والإسلامية ليس لمصالح تركيا الخاصة فقط، وإنما لخلق واقع إقليمي ودولي جديد تستحقه شعوب هذه المنطقة وجدير بها.

وقد تبدى الموقف التركي أكثر شيء من الدولة الجارة وهي سوريا فقد تناست الحكومة التركية خلافاتها مع النظام السوري وفتحت صفحة جديد لنظام بشار الأسد وعقدت معه مئات الاتفاقيات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأزالت كافة الحواجز عن الحدود المشتركة بينهما، وقبل اندلاع الثورة السورية نصحت تركيا الحكومة السورية باتخاذ خطوات استباقية في الإصلاح الاقتصادي والسياسي، وكذلك واصلت سعيها مع الحكومة السورية منذ انطلاق الثورة فيها، فقد أملت الحكومة التركية أن يستجيب النظام السوري لمطالب الإصلاح الداخلي، وأن يلتقي بقوى المعارضة الداخلية والخارجية، وإجراء إصلاحات حقيقية وجوهرية في بنية التركيبة السياسية وأجهزة الدولة وحرية العمل الحزبي والإعلام والانتخابات الحرة، وأبدت الحكومة التركية رغبتها بالمساعدة المباشرة في تنفيذ هذه الإصلاحات، ولكن تجاهل النظام السوري لهذه المساعدات والنصائح التركية، والمراهنة على الحل الأمني والعسكري هو الذي أدخل سوريا في هذه الأزمة المستعصية، وأوقع الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين والمعتقلين من كلا الجانبين.

إن مسؤولية الدول المجاورة لسوريا تفرض عليها مسؤولية إنسانية وأخوية مع الشعب السوري حتى تقوم بواجباتها، وأن تفتح أبوابها لقوى المعارضة وأهالي المتظاهرين والقتلى والجرحى أن يوصلوا إليهم كل متطلبات العيش والصمود والماء والغذاء والأدوية والإمدادات ، فالوضع في سوريا لا يسمح لمزيد من التجاهل من دول الجوار ولا يسمح بإغلاق الحدود أمام أبناء الشعب السوري الذي يريد أن يمد يد العون لأهله في الوطن، وان الوضع في سوريا يتطلب اجتماع قمة طارئة للدول المجاورة لسوريا، وبحث السبل الكفيلة بإنهاء الوضع هناك، فإذا تعذر الأمر على لبنان والعراق لأسباب التحالف مع إيران، وتم مسبقاً استبعاد إسرائيل، فإن الأبواب المفتوحة هي الحدود التركية والأردنية، وهي حدود طويلة لا تقوى السلطات السورية تغطيتها في ظل الظروف الداخلية، إضافة إلى فتح ثغرات في الحدود الأخرى، لمد يد العون إلى الشعب السوري في الداخل، وإلا فإن حمامات الدم سوف تتواصل، وسوف ترى كل قرية ومدينة سورية مجازر مثل مجزرة حماة أو أشد، وإن التحذيرات الكلامية وحدها لا تكفي، وإنما الواجب اتخاذ الخطوات الضرورية التي تمد الشعب بالعون وتحميه من القتل والإجرام، دون أن يعني ذلك تورط دول الجوار في حروب مع الجيش السوري إطلاقاً، وإنما مد يد المساعدة ضمن المطالب التي يريدها الشعب السوري نفسه، لا شك أن الحكومة التركية والشعب التركي أمام امتحان تاريخي كبير وواجب إنساني عظيم اتجاه ما يجري في سوريا واتجاه العهد العربي الجديد، ولكن ومهما بلغت الأحداث قساوة فإن تركيا لا تستطيع وحدها أن تفرض حلاً على النظام السوري، لأن أي خلاف عسكري بينهما سوف يكون فرصة ذهبية للنظام السوري للإدعاء بأنه يواجه حرباً قومية من الأتراك، وأن لتركيا أطماع توسعية على الأراضي السورية، فضلا عن أن خطوة غير مدعومة دولياً ومن مجلس الأمن وحلف شمال الأطلسي ستكون خطوة خاطئة ومتهورة، لإنها سوف تكون فتيل اشتعال حرب مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي هدد فيه زعيمها الروحي خامنئي رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان، بأن سوريا ترتبط مع إيران باتفاقيات دفاع عسكري مشترك، وأن تدخل إيران في الحرب للدفاع عن سوريا فيما لو تعرضت إلى حرب مع أحد جيرانها ستكون مغطاة قانونياً، أي أن حربها في سوريا حينئذ ستكون قانونية مع أي دولة تقاتل ضد النظام السوري.

إن تركيا حريصة على أن تجد الأزمة السورية حلاً في المستقبل القريب، ولكنها أكثر حرصاً على عدم توفير تبريرات حروب طائفية تشتعل بين المسلمين، ولا تدخل المنطقة في حروب طاحنة، لا تخدم إلا أعداء العرب والأتراك معاً، إن السياسة العربية التركية المشتركة مطالبة اليوم بالعمل على إطفاء أسباب الحرائق في المنطقة، ومعالجة أسبابها وقطع دابرها، فزيارات المسئولين الأتراك إلى طهران وإلى عدد من الدول العربية تحمل ملفات ساخنة وخطيرة، في أن المنطقة لا تحتمل حروباً بين أبناء الأمة الواحدة، وأن على النظام الإيراني أن يدرك خطورة الموقف وأن لا يراهن على حصان خاسر، وأن من الأفضل له أن لا يتدخل في الشؤون العربية وبالأخص إذا كانت الخلافات فيها بين الشعوب وحكامها المستبدين، ولو كانوا من حلفائها السابقين، فشعوب المنطقة هي صاحبة القرار في ذلك، وان لا يكون لها دور في زيادة أسباب التوتر في البحرين أو السعودية أو الإمارات أو الكويت ولا في غيرها من الدول العربية مهما كانت الحجج، سواء بحجة دعمها لحقوق الشعوب في التحرر أو دعمها لأقليات المذهب في هذا البلد أو ذاك، ولا أن تتدخل في إعاقة الشعب السوري أو اللبناني أو الفلسطيني أو غيرها من اتخاذ قراره المستقل، فالدول العربية كافة لم تتدخل في مظاهرات الشعوب الإيرانية ضد النظام الإيراني بعد الانتخابات والمظاهرات السابقة، ولم تؤيد تركيا ولا دولة عربية واحدة أي معارضة إيرانية على الحكومة الإيرانية، وإيران أمام مشاكل خاصة بها مع المجتمع الدولي ووكالة الطاقة الذرية ومشروعها في بناء مفاعلاتها النووية، وهي بحاجة إلى مساعدة دول الجوار وبالأخص تركيا في حل هذه الأزمة، وهي بحاجة إلى الدول العربية في أن تكون إلى جانبها وعدم السماح بقيام أي عمل عسكري ضدها لا من إسرائيل ولا من أي دولة كانت، فإن لم تكن إلى جانبها ومساندة لها، فلا تكون ضدها ولا في الأحلاف المناهضة لسياستها المتهورة نحو جيرانها لأهداف سياسية يائسة ، أو لأهداف مذهبية واهية.

لقد كانت دبلوماسية تصفير المشاكل التركية ناجحة بكل المقاييس، لأنها دعت إلى التفاهم والتعاون بين الدول والشعوب معاً، فأيدتها الحكومات تحت ضغوط الشعوب التواقة إلى التقارب والتعاون وانتهاء أسباب الخلاف بين الأخوة والجيران، ولذلك سرعان ما حققت بعض ثمارها الاقتصادية والسياسية عند العرب والأتراك، ولم تأت ثورات الربيع العربي لتوقف التعاون والتقارب بين العرب وتركيا بل لزيادتها، وكذلك ينبغي أن تكون في الحالة مع سوريا وإيران ومع كل شعوب العالم، فالثورات تسعى للأفضل وليس للحروب الأهلية ولا للفتن المذهبية ولا للبغضاء العنصرية.

إن على تركيا والدول العربية والصديقة أن تطالب إيران بالتعقل والعمل الرشيد في العمل على إنهاء المأساة السورية، وعدم مساندة النظام السوري وهو يمعن في قتل الشعب السوري، وتركيا والدول العربية مطالبة أن لا تقف مكتوفة الأيدي في حالة تدخل إيران أو غيرها في الشأن السوري بما يهدد امن المنطقة ويشعلها بالنيران والحروب المذهبية والعنصرية، إن العقل والدين والضمير يدعو الأتراك والعرب والإيرانيين إلى التعاون فيما بينهم وعدم التحالف ضد بعضهم، وأن يعملوا جميعاً لمنع الحروب الأهلية بين المسلمين، فإطفاء الحرائق مقدم على تصفير المشاكل ، كما درأ المفاسد مقدم على جلب المنافع، ولو أدى ذلك إلى التخلي عن نظام دولة لا يريده شعب تلك الدولة، كما هو حاصل وثابت في سوريا، فاختيار سوريا ليس لأنها حليفة إيران وإنما لأن الشعب السوري لا يريد هذا النظام، وليس بالضرورة أن يكون أي نظام جديد في سوريا ضد إيران طالما أن إيران كانت شريكاً صادقاً في إخراج الشعب السوري من أزمته الحالية، وإلا فإن إيران تخطيء كثيراً في وقوفها إلى جانب نظام مستبد ظالم ضد شعبه، وهذا ليس في صالح رصيدها عند العرب خاصة والمسلمين عامة.

أما الموقف الأكثر تهوراً وخطئاً في الأزمة السورية فهو الموقف الروسي، فالمتابع للموقف الروسي من الأحداث في سوريا يدرك بأن السياسة الروسية في حالة اضطراب شديد وأنها ترتكب أخطاء إستراتيجية كبيرة، بعضها لأسباب داخلية وأخرى خارجية، ولكن أخطرها استغلال الغرب للمواقف الروسية في تحقيق أهدافه الإستراتيجية في المنطقة، مما يفتح المجال للتساؤل إن كانت روسيا الاتحادية هي في حالة تعارض أم في حالة توافق وتبادل ادوار مع السياسة الأمريكية في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط تحديداً، وفي سوريا على وجه الخصوص، فروسيا تضع نفسها طرفاً في الصراع على سوريا، وأن موقفها ليس مجرد اهتمام بدولة تربطها بها علاقات صداقة سابقة، وإنما تتمسك بالنظام القائم وكأنه حليف استراتيجي أو جزء من النفوذ، وهو ما كشفته شدة المواقف التي يعلنها وزير الخارجية الروسي لا فروف بين الفينة والأخرى، وهو يكشف عن أحد أوجه الصراع في سوريا بأنه صراع دولي.

وفي مجالات أخرى يشعر المتابع بأن روسيا إنما تستغل الحدث السوري لتأخذ مكانة دولية كبيرة على حساب التراجع والتلكؤ الغربي من الأحداث في سوريا، فالغرب لم يسارع في التدخل في الشأن السوري كما فعل في الأزمة الليبية، بل ويعلن مراراً أنه لن يتدخل عسكريا في سوريا وكأنه يعطي الضوء الأخضر لنظام الأسد ان يواصل مجازره وقتله للمتظاهرين السلميين في الشوارع السورية دون رادع ولا مانع من العالم الحر ، فلو كانت أمريكا جادة في مواجهة العنف في سوريا لما انتظرت قرارا من مجلس الأمن كما فعلت من قبل في العراق، ولو كانت تريد قراراً فعلياً من مجلس الأمن لضغطت بقوة على فلاديمير بوتين الممسك فعلا بالسياسة الروسية، وقد كان لها ذلك لو أرادت أن تساوم روسيا على العديد من القضايا المختلف عليها بينهما.

ان دخول روسيا على الأزمة السورية كطرف غير محايد يعتبر خطئا فاحشاً في حق الشعب السوري أولاً وفي حق الشعب العربي ثانياً وفي حق الشعب الروسي ثالثاً، فالأزمة السورية هي قضية الشعب السوري ، واتت في سياقها الطبيعي في ثورات الربيع العربي، فلو لم تقع ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن لما قامت الثورة السورية في هذا الوقت على الأقل، فالثورة السورية شأن سوري بالدرجة الأولى، وكان على روسيا أن تكون قريبة من كل أطراف الأزمة السورية منذ البداية، ولكنها بدلا من ذلك خضعت لتحليلات السياسة الإيرانية والسورية من الأزمة، التي تقنع نفسها أنها في مرحلة نهوض عالمي في مواجهة الهيمنة الغربية على منطقة الشرق الأوسط، وإن ما تريده إيران وسوريا من روسيا هو الدخول في هذا الحلف الذي يحفظ لروسيا النفوذ في المنطقة، والذي يبدي استعداداً لمواجهة النفوذ الغربي في الجنوب الغربي لروسيا الاتحادية، ومن ميزة هذا الحلف في منطقته أنه متجانس في انتمائه المذهبي الشيعي أولاً وقادر على إشراك العراق وحزب الله في لبنان في مشاريعه، وهذا التجانس المذهبي أخذ قناعة في التحليل والموقف الروسي، بما يعلنه وزير الخارجية الروسي في أكثر من مؤتمر أن ما يجري في سوريا هو محاولة انقلاب على النظام السوري بسبب انتمائه الطائفي، وهذا يكشف عن خطأ آخر في السياسة الروسية في أن تدخل طرفاً في الصراع المذهبي الذي تتبناه الدول التي أسست وجودها السياسي الحديث في شكل جمهوريات إسلامية مذهبية شيعية سواء في مظلة ولاية الفقيه كما في إيران، أو الطاعة للمرجعية العليا للحوزات الدينية كما في العراق ولبنان، وهو ما يجب على روسيا أن لا تتورط فيه، بل وتسعى بكل جهودها الفكرية والسياسية بعدم المشاركة في حروب مذهبية طائفية يخطط لها من ينتمون إلى أحقاد التاريخ أكثر من انتمائهم للقيم العصرية والديمقراطية والحرية.

إن تورط وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بالدفاع عن الوجود المذهبي لنظام بشار الأسد ، وتفسيره للأزمة على هذا النحو يفضح العقلية التي يتبناها لافروف ، وها هو في عملية حشده لمشروع المؤتمر الذي يدعو له ، ينطلق من الحكومات المذهبية الشيعية كما ظهر في المؤتمر الصحفي في موسكو بين لابروف وزير الخارجية الروسي مع وزير الخارجية العراقي زيباري بتاريخ 16/6/2012، ثم زيارته إلى طهران للتأكيد على ضرورة مشاركة إيران في هذا المؤتمر الذي لا يستبعد أن تكون فكرة المؤتمر قد انطلقت من رأسها، وكان حسن نصر الله زعيم حزب الله قد دعا إلى مثل هذا المؤتمر من قبل لافروب بعدة أشهر دون ان يلتفت إليه أحد، ظنا من إيران بأن لنصر الله شيء من المكانة المحترمة بين الأوساط العربية والمعارضة السورية والرأي العام العربي، ولكنه قد فقدها بعد أيام من اندلاع عمليات القتل والبطش التي باشرها النظام وباركها نصر الله في خطبه المذهبية والسياسية بعد ذلك. 

إن على الحكومات التركية والعربية وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي مسئولية مخاطبة الحكومة الروسية أن تدعم حقوق الشعب السوري في العيش بحرية وديمقراطية وكرامة ، عن طريق انتخابات حرة ونزيهة تشترك فيها كل الطوائف السورية على أساس المواطنة وليس الطائفة، وليس ما يمنع أن يرشح العلوي نفسه للانتخابات الرئاسية مثل السني والمسيحي وغيرهم، ومن يفوز بالانتخابات يصبح هو رئيس سوريا الشرعي، فالثورة السورية القائمة في سوريا اليوم ليس ضد طائفة ولا مذهب ، وإنما ضد الاستبداد والظلم السياسي، وليس ما يمنع ان يكون النظام السوري القادم حليفاً لروسيا وصديقاً لها اكثر من النظام الحالي، طالما أن روسيا الاتحادية تعاونت مع الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي في وقف الدعم عن هذا النظام الفاقد لأبسط أخلاق المسؤولية عن حماية شعبه بدل قتلهم بالراجمات والدبابات والطائرات.

ليس لروسيا مصلحة ان ترجح تحالفها مع إيران الغارقة في الأحقاد التاريخية ، ولا ان تتبنى وجهة نظرها في الأزمة السورية ، بل هي مطالبة اليوم من الشعب السوري والعربي والإسلامي إلى أن تستقل في سياستها مع العرب عن التحالف الشيعي الرباعي، وأن تكون حرة في اتخاذ قراراتها الدولية، وأن تدعم حلاً سلمياً يؤدي إلى نقل سلمي للسلطة، على أساس حق كافة شعوب العالم بالحرية والديمقراطية وحق الحياة الدينية والسياسية دون إقصاء ولا اضطهاد، وإذا كانت السياسة هي الارتباط بعالم المصالح، فإن مصالح روسيا وشعوبها الحرة هي مع الأغلبية الساحقة من الشعب السوري والعربي والمسلم الذي يتطلع إلى مستقبل زاهر ، تنعم فيه الشعوب بالحرية والصداقة والتحرر من أحقاد الماضي وضغوطه التاريخية المقيتة.

إن مستقبل الثورة السورية رهن القدرة على بناء القوة الداخلية عن طريق مواصلة بناء الثقة بقضيتهم العادلة كشعب يواجه الظلم والاستبداد والإجرام والمجازر ، وان من حقه التمسك بقيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتعددية السياسية، وأن يعمل على إفقاد بقايا النظام الأسدي قدرته في التعامل مع الشعب، عن طريق رفض الاعتراف به في الداخل قبل الخارج، ومن ثم مخاطبة الخارج والعالم أجمع من ان هكذا نظام لا يستحق الدعم ولا التأييد من أحد ، بل من العار أن تقف دولة أو حزب أو فرد إلى جانب الظلمة والمجرمين والقتلة والسفاحين، فالمستقبل يحتاج إلى العمل الإعلامي الواسع الذي يكشف الحقائق ويفضح التزوير والكذب الذي يمارسه القتلة، والنصر للحق دائما وأبدا.

=========================

الرهان على الوطنية السورية الجامعة

الدكتور عبدالله تركماني

يتفق الكثيرون على أنّ سورية تمر اليوم بمرحلة حساسة ومصيرية من تاريخها، وأنّ خريطة طريق كوفي أنان تسير نحو الفشل والإخفاق بعد تعليق المراقبين عملهم، مما يفتح الأبواب على احتمالات متنوعة وعلى اجتهادات شتى في قراءة آفاق الحالة السورية، ربطاً بما قد يستجد من تطورات داخلية ومن مواقف عربية ودولية مؤثرة.

وإذا كان من الصعوبة أن نجري حساباً لوقائع وتطورات الثورة السورية التي انطلقت في آذار 2011، لأنّ فيها الكثير من التعرجات والتعقيدات، فإنّ ما يميّز اللحظة الراهنة هو الحراك الشعبي السوري غير المسبوق الذي يمكن أن يبلور البديل الوطني الديمقراطي، الممكن والضروري، نحو الاستقلال الثاني لسورية. فالثابت أنّ حراكاً إنسانياً رائعاً جرى بحجم كبير وتضحيات كبيرة، يتجه نحو مواطن سوري جديد، ووعي سوري جديد، بما ينطوي عليه ذلك من تألق للوطنية السورية الجامعة ذات العمق العربي والإنساني.

وفي سياق ذلك يبدو، على ضوء اللقاءات المتكررة لأطيافها، أنّ ثمة قاسماً مشتركاً يجمع المعارضة السورية: الطابع السلمي العام للثورة، تغيير النظام، إقامة دولة مدنية - تعددية - ديمقراطية تصون حقوق الإنسان وحرياته وتساوي بين جميع السوريين. ويبقى أن وصول الدكتور عبد الباسط سيدا السوري/الكردي إلى رئاسة المجلس الوطني السوري خطوة ذات دلالة، قد تمهّد لتطوير المنحى الوطني الجامع، من خلال تهيئة الرأي العام السوري للعودة بنا إلى الحقبة الوطنية السورية إبان خمسينيات القرن الماضي، حين لم يكن رئيس الدولة أو الحكومة يُسألان عن قوميتهما أو دينهما أو مذهبهما.

وتبقى الثورة هي الفاعل الأساسي في سورية اليوم وهي أيضاً الصانعة لقيم جديدة على طريق الاستقلال الثاني: الحرية والكرامة والمساواة والعدالة، ولشرعية جديدة قائمة على المواطنة. ففي سورية الجديدة لن تكون مصادرة حرية الرأي مقبولة، ولن يكون سجن صاحب الرأي ممكناً بلا مقاومة، ولن يكون انتهاك حقوق الإنسان مقبولاً، ولن يكون السكوت عن الفساد والتسلط أمراً طبيعياً. وفي سورية الجديدة لن يقبل الناس بعدم المشاركة، بل سيتصرفون انطلاقاً من حقهم الطبيعي في الكرامة والعدالة والمساواة التامة في وطنهم.

لن تكون سورية بعد اليوم مزرعة لأحد، كما كانت لعقود طويلة، وإنما وطن الحرية والكرامة لجميع أبنائها. لن تكون بلد التمييز والظلم والإقصاء، بل وطناً واحداً لشعب سوري موحد، لا حديث فيه عن أكثرية وأقلية بل مواطنية ومساواة، لا يراعي في معاملته مع أبنائه أي اعتبار قومي أو مذهبي أو طائفي أو مناطقي، ولا اعتبار فيه إلا للكفاءة والإخلاص، والمقدرة على البذل والتضحية في سبيل المجموع. سيحمي دستور سورية الجديدة حقوق كل مكوّنات المجتمع السوري، حيث سينال فيها الأكراد والآشوريون والتركمان ما حُرموا منه من حقوق وما عانوه من تمييز. ستُفصل في سورية الجديدة السلطات القضائية والتشريعية والتنفيذية، وستحاسَب فيها الحكومة المقصّرة وستكون السلطة بيد الشعب يقرر من يحكمه عبر صناديق الاقتراع. ستكون سورية المستقبل دولة الحق والقانون، يتساوى فيها الجميع أمام القضاء المستقل، ويكون للجميع الحق ذاته في تشكيل المنظمات والأحزاب والجمعيات، والمشاركة في صنع القرار، مما يفتح في المجال لتألق الوطنية السورية الجامعة.

الدكتور عبدالله تركماني

كاتب وباحث سوري مقيم في تونس

========================

متاع الحياة الدنيا

الدكتور عثمان قدري مكانسي

أقرأ القرآن الكريم – أحياناً – كما يقرؤه الكثرة الكاثرة من الناس، وأمر على الآيات أفهمها فهماً يخالطه الانشغال بالدنيا ، وبكلمة أخرى  أقرأ دون وعي وتدبر في بعض الأحيان ، فأنا إنسان ضعيف تأخذني الدنيا في متاهاتها دون أن أشعر بذلك – ولعلك مثلي في كثير من هذه الحالات ، فعلى رأي الكوفيين نحن ( الإنسان) من النسيان وإن كنت أرى ما تراه المدرسة البصرية من أن الإنسان من ( الأنس) وهذا ما قرأناه في مسائل الخلاف للأنباري - رحمه الله تعالى - حين كنا في السنة الثانية الجامعية .

قرأت قبل يومين قوله تعالى في سورة الشورى:" فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) " مع الآيات السبع التي تليها قراءة كما ذكرت آنفاً لكنني عدت إليها أمعن التفكير فيها – وما ألذّ تدبر الآيات والتفكر فيها – فوقفت على ما يلي :

1-        لا ينال أحدنا ما يريد، إنما هو فضل من الله تعالى نُؤتاه على ضعفنا ، وليس لنا إلا شكر الله على نعمائه والإقرار بهذا الفضل ولسنا نقول ما قاله قارون " إنما أوتيته على علم عندي" وغاب عنه رغم تشدقه الباطل بالفهم والدراية أنه أقرّ بأنه ( أوتيَه) ولكن الاستكبار يفضح صاحبه من حيث لا يدري .

2-        والعطاء ( أشياء) جمع شيء والآية تقول ( من شيء ) فما يأخذه الإنسان جزءٌ من شيء . إنه قليل إذن إذا ما قورن بالحقيقة . ألم يقل الله تعالى ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً).وأين ما يحوزه المخلوق من عطاء الخالق سبحانه ؟ يعرف هذا من يعلم الفرق بين الخالق والمخلوق.

3-        الدنيا زائلة فانية ،وما فيها متنقل بين الناس فهو متاع ، والمتاع في العربية ما ينتهي إلى أجل وهل يكون عطاء الدنيا إلا فانيا مثلها ، وهذا العطاء الدنيوي يأخذه البر والفاجر والمؤمن والكافر.

4-        وما عند الله – في جنات النعيم – دائم خالد لا ينقطع ولا يزول . فعلام يتشبث الإنسان بالزائل ويتعلق به ويفضله على الدائم المتجدد؟ إنه سوء تفكير وضعف في الفهم والإيمان لا ينتبه إليه إلا :

أ‌- المؤمن بالله تعالى المتصل به سبحانه وهؤلاء قليلون ، ألم يقل الله تعالى " وما أكثر الناس – ولو حرصتَ بمؤمنين" إن الهوى والشيطان يجرفان أمامهما من يعيش حياتَه غثاء ولا يعمل إلا لدنياه غافلاً عن الحقيقة التي سوف تجبهه في يوم يندم فيه ولا ينفعه الندم.

ب‌-       الذي يتوكل على الله ، وما يتوكل على مولاه سوى العاقل النبيه الذي يدري سبب خلقه  " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون" ويطيع ربه ويعمل ليوم قادم لا محالة ، إن التوكل على الله لجوء إلى حصن حصين وملاذ آمن منيع. ومن توكل على الله كفاه الله ، وما أعظم الحديث الشريف الذي علمنا إياه سيد البشر صلى الله عليه وسلم " فعن أنس

رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " من قال ( يعني إذا خرج من بيته ) بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله ، يُقال له : هُديتَ وكُفيتَ ووُقيت وتنحى عنه الشيطان " رواه الترمذي، وزاد أبو داود في روايته : فيقول- يعني الشيطان لشيطان آخر - : كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي؟!

ت‌-       (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ) والاجتناب عدم المرور به والتوقف عنده إنه الابتعاد والحذر عن كبائر الاثم أولاً وهنا نرى أن الإثم نوعان صغير وكبير ويقع المسلم في اللمم لكنه يستغفر او يتوضأ ويصلي فيُمحى اللمم ، وما أضيفت كلمة الكبائر إلى الاثم إلا للتنبيه من الوقوع في الإثم الصارخ لأنه مثل الفاحشة تماماً .

ث‌-         ، وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) فالإنسان يغضب وقد يثور ، وهو في ثورانه يُضيّع رشده ويتصرف بنزق وقد يفعل ما لا تُحمد عقباه ففي هذه الحالة ينبغي أن يملك نفسه ويعود لهدوئه ويغفر لمن أساء إليه وهذه محمدة لا يصل إليها إلا أولو العزم الذين يذكرون قوله تعلى " ولْيعفوا ولْيصفحوا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ والله غفور رحيم" وهذا ما فعله سيدنا أبو بكر رضي الله عنه حين سمع هذه الآية – وكان أقسم ان لا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة لأنه خاض في الإفك ، فقال بلى يا رب بلى ، وغفر لمسطح . إنها درجة لا ينالها إلا المتقدّمون.

ج‌-        وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ " ولا يستجيب لأمر ربه فيلتزمه ويبتعد عن المنهيّ عنه إلا السعداء ، وأقف عند كلمة الاستجابة فأراها سمة المؤمنين الأطهار المتصلين بربهم في كل أحوالهم ، ولا يستجيب إلا الواعي النبيه ذو القلب الزكي والعقل الذكي .

ح‌-        وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ : إن إقامة الصلاة دليل الاهتمام بها ، وما ذكرت الصلاة إلا وسبقتها كلمة الإقامة ، وعد إلى القرآن الكريم لتتأكد من ذلك . إنّ من يؤدي صلاته بخشوع وتدبر فيطمئن بقيامه وركوعه وسجوده ويستقبل الله تعالى في صلاته فقد أقامها اما السرعة في الحركة دون الاطمئنان والتعقل في حركات الصلاة فليست صلاة على ما أعتقد .

خ‌-        "وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ" وهل يقوم المجتمع الصالح المتماسك وهل تبنى الدولة القوية إلا على أساس قويم من الشورى والعمل المشترك؟ إن البلاء الذي أصاب أمتنا ودفع بها إلى مؤخرة الأمم تجبُّر الحاكم وتفرده باتخاذ القرار ، فكأن الناس عبيد في مزرعته وملك يمينه يفعل بهم وببلادهم ما يشاء دون وازع من إيمان ولا ضابط من شورى ، وثورات الشعوب على حكامهم ما جاءت من فراغ ، وتاريخنا المعاصر ظلم وفساد وتأخر بسبب غياب الشورى ووأد الحريات  وقتل الإبداع .

د‌- "وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ " (38).وإذا سألت عن سبب تقديم : "مما رزقناهم" على "ينفقون"علمت أن الله تعالى يرزقنا ويكرمنا ويعطينا ويتفضل علينا ثم يأمرنا أن ننفق مما رزَقَنا فالعطاء أولاً يتبعه الاعتراف بالفضل والإقرار به فينتج عنه شكر النعمة بالإنفاق على عباد الله ،  وبالشكر تدوم النعم . ولعلك ترى ان الله سبحانه لا يكلفنا شططاً حين يأمرنا أن ننفق القليل من هِباته وكرمه سبحانه.

ذ‌- " وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) ، فالله تعالى يعلمنا أن نكون أحراراً لا نرضى الدنية في ديننا ولا حياتنا ، إن البغي مرتعه وخيم ، ومن عاش في الذل لا يستقيم ولا يستحق الحياة من رضي الهوان . وأفهم هنا أن من سمات المسلم أنه لا يظلم احداً ولا يرضى الظلم من احد .فما كان الجهاد إلا عنوان الحياة الحرة الكريمة .

ر‌-        "وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا " أرأيتم ميزان العدل؟ فما ينبغي إذا ما ظُلمتُ أن أتجاوز استرداد حقي وإلا انقلبتُ ظالماً ، وما ينبغي للمسلم ان يكون ظالماً . وما يثور الحر إلا لظلم مسّه أفيكون كمن ظلمه ؟! إن تجاوز الحق ظلم ، هكذا علمنا ديننا.

ز‌-        "فمن عفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ" : وما العفو ‘إلاعند المقدرة ، وإلا كان هواناً ، إنّ العفو عمن ظلمك يأتي حين يرى الظالم أنه بين يديك وتحت رحمتك ، وهذا درس له رائع ، بل إنك حين تريه من القوة ما يُرهبه ثم تعفو عنه تملك قلبه ، فإذا ما أحسنتَ إليه انقلب صاحباً وصديقا ، ونلت أجراً من الله عظيماً ، لقد علمنا الله تعالى أن نكسب قلوب العباد فقال : " ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً، وقال إنني من المسلمين ، ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ، ادفع بالتي هي احسن ، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليّ حميم ، وما يُلقّها إلا الذين صبروا ، وما يُلقّاها إلا ذو حظ عظيم" ولا ننسَ ان الله تعالى يكره الظلم والظالمين" إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40)"

س‌-       " وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ "(41) روى الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "من دعا على من ظلمه فقد انتصر ، إن إحقاق الحق والوصول إليه يشفي قلب المظلوم أولاً ويكسر شوكة الظالم ثانياً ويربّي المجتمع ثالثاُ فيخاف الظالم أن يَظلِم . لكنْ حين يعلم المظلوم أن القاضي أخذ بحقه وأن عقوبة الظالم مستحقة فتنازل عن حقه وعفا عن جريرة المسيء كان من الصابرين ، وهذا لا يحوزه سوى النبيل من الناس الذي يكظم غيظه ويعفو عمّن ظلمه قادراً عليه كما ذكرنا آنفاً  .

ش‌-       ولن يكون المدافع عن حقه الساعي إليه ظالماً  ، والظالم الحقيقي من بدأ الظلم واعتدى على حقوق الآخرين وأهانهم ، ولم يراع حرمة الأخوة في الله ولا حقوق المجتمع في الأمن والأمان والحياة الحرة الكريمة"إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ"  ، أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) "

ص‌-      إن القرآن الكريم – مع دعوته إلى الحفاظ على الحقوق الإنسانية – يريد من المؤمن أن يرتفع إلى مستوى من الصبر الجميل في تحمل أذى إخوانه لأنه داعية وقدوة ، وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا إذ يقول : " المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم لا يصبر على أذاهم" وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) إنه السمو في الأخلاق والسمو في الإنسانية والسمو في دعوة إلى الله.

=======================

آخر الدواء الكذب

د. ضرغام الدباغ

" أذاعت وكالة بارس الإيرانية للأنباء قيام كل من إيران وروسيا والصين وسوريا بمناورة عسكرية مشتركة قوامها 90 ألف جندي، على أن تتم على الأراضي السورية بعد شهر من الآن. ووصفت الوكالة لمناورة بالأكبر في الشرق الأوسط، مؤكدة أن المناورة ستتم بعد تصفية الأراضي السورية من المحتجين.

وأضافت وكالة فارس  أن وحدات صاروخية سورية أرض بحر وأرض جو في ستشارك هذه المناورة، التي من المقرر أن يشارك فيها 90 ألف جندي و400 طائرة و1000 دبابة ومئات الصواريخ من الوحدات العسكرية المختلفة للبلدان الأربعة. وشددت "فارس" الإيرانية نقلاً عن مصدرها على أن المناورة ستنفذ بعد القضاء على الاحتجاجات المستمرة ضد الرئيس السوري بشار الأسد منذ 15 شهرا.

وتقول الوكالة الإيرانية إن الصين قد على موافقة مصر لعبور قطعها البحرية وعددها 12، لقناة السويس للمشاركة في المناورة وستصل هذه القطع التي تشمل وحدات بحرية وجوية بعد أسبوعين ميناءي اللاذقية وطرطوس ".

 

من جانبي لم أقم سوى بتحوير بسيط للمثل المشهور " آخر الدواء الكي " وأني أجد هذا المثل ينطبق على الشأن السوري المحزن، وحليفه المحبط نظام ملالي طهران. ولكن العالم بأسره أختبر سعار الكذب الإيراني (وهنا أبدلت حرف اللام بحرف الذال)، وقدرة المعدة الإيرانية على ابتلاع الأكاذيب.

 

أني أعتقد أن الخبر بأرجحية عالية قد صيغ في إحدى الدوائر العسكرية الإيرانية (الاستخبارات العسكرية) باعتبار أن الخبر بتعلق بالمؤسسة العسكرية، وهنا يدرك حتى القارئ البسيط أي حجم للمبالغة ينطوي عليه الخبر من تهويل ومبالغة ولا سيما فيما يتعلق بأعداد الجنود والأسلحة المشاركة.

 

وقد أدركت منذ الوهلة الأولى أن النبأ الذي أذاعته الوكالة هو من خيال شخص يستحق أن يرسل لمصحات عقلية، وقد أساء لنفسه وبلده كثيراً بصناعة هذا النبأ، رغم أن الكذب والمبالغات التي تقترب من الخيال والفنتازيا المطلقة هي واحدة من سمات العقلية السياسية الإيرانية والحياة السياسية، وهو أمر معروف لكل من يتابع الشؤون السياسية الإيرانية، إلا أن هذا النبأ فاق في خياله كل تاريخ الإعلام الإيراني الذي لا يصدقه حتى عباقرة مفبركوا الأنباء.

 

ولكن لنتفحص العلة سياسياً بعيداً عن علم النفس، لماذا تحتاج إدارة سياسية ما للكذب. ؟

 

وفي السياسة كما في علم النفس، فالكذب هو محاولة يائسة أخيرة لتجسير الهوة بين الواقع والخيال، ومن يلجأ للكذب هو فاقد للإرادة المادية يلجأ لتعويضها بالكذب. ولكن في الحياة الاجتماعية يكون جزاء من يكذب هو بسيط حيال ما قد يلحق بدولة ما تمارس الكذب مهما كانت التبريرات، آنذاك ستسقط مصداقية الدولة أولاً، ثم يبدأ المحللون السياسيون (وهنا المهم) في البحث عن أسباب لجوء تلك الدولة للكذب. ومن المؤكد أن المحللون يضعون في البدء احتمالات ثم تضيق دائرة الاحتمالات بالتحليل حتى يصل التحليل إلى اليقين أو شبه اليقين. 

 

النظام الإيراني أفتتح تعامله مع الثورة السورية، بأن أعترف بحقوق الشعب، ولكنه لا يقبل بالثورة على النظام ..! بل زاد على ذلك باستعداده للتوسط بين النظام والثورة(هو يطلق عليها معارضة) ولكن دائماً بنتيجة واحدة: أن سلموا أنفسكم للنظام الرحيم الشفيق العادل، وكأنهم يحدثون أنفسهم أمام المرآة. النظام الإيراني يرى في الحفاظ على تابعه السوري صيانة لمصالحه الهشة في المنطقة، ولا يعتقد مطلقاً أن من صلب مصالحه، مصالحة شعوب المنطقة بدل من أن يقيم معها علاقات إما غالب أو مغلوب.

 

النظام الإيراني يعتقد أن الشعب السوري وبمجرد أن يسمع النبأ سيرتعد فرقاً، وينسحب إلى جزر الواق واق ..! الإعلام الإيراني أعتقد واهماً(وأي وهم !) أنه يخيف الغرب بهذه الاكاذيب، التي لم يهتموا بها ولم يكتبوا عنها حرفاً واحداً في كافة صحفهم ودولهم، والسبب بسيط، أن الغرب يعلم أن الروس والصينيين دول عظمى يشتغلون بعقولهم ولا يلعبون ألعاب الأطفال، كما أن هناك اتصالات هاتفية بينهم على مدار الدقيقة بما يسمونه الهاتف الأحمر، ويحمل رؤساء هذه الدول  هذا الهاتف معهم أينما حلوا وحيثما ارتحلوا من أجل البقاء على اتصال ليحيطوا بعضهم بقراراتهم وتحركاتهم كي لا تأتي كمفاجأة على طرف منهم.

 

من صنع هذه الكذبة وأطلقها، قد يعلم بدقائق هذه المعلومات كما نعرفها، ولكن الإيرانيون يعلمون أيضاً من كتب علم السياسة والتاريخ، ولكنهم مصابون بآفة : وتلك هي أنهم لا يصدقون ما أمام أعينهم وما يوصله لهم التحليل العلمي عندما لا تحلو لهم الحقائق المرة، ويتناسون أن على السياسي الذكي أن لا يضع نفسه في دروب الحقائق المرة كي لا يتعين عليه تجرعها.

 

القدرات الإيرانية أقل بكثير من امكانية التأثير على القرارات الروسية أو الصينية أو الأمريكية، فهذه دول تتعامل مع بعضها البعض على أسس واضحة متينة، لأن الخلاف إذا نجم عنه صدام، فالأمر سيكون كارثياً بكافة المقاييس سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، حتى إذا لم يصل الخلاف درجة الصدام المسلح، فالاتفاقات بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة حول كوبا ما زالت سارية المفعول منذ أكثر من نصف قرن (أزمة الصواريخ 1962)، فرغم أن صداماً مسلحاً لم يقع، فقد أزيلت قواعد الصواريخ السوفيتية من كوبا مقابل  إزالة صواريخ جوبتير الأمريكية من قواعد امريكية في تركيا وإيطاليا، فالإضافة إلى تعهد أمريكي بالحفاظ على الوضع في كوبا.

 

ربما يدرك صناع القرار في إيران مفبركوا الأنباء أن هناك مقولة شهيرة لقائد سوفيتي قالها بصراحة في سنوات الحرب الباردة : الاتحاد السوفيتي ليس على استعداد لإطلاق رصاصة واحدة لأجل الشرق الأوسط، ولكن الغرب مستعد لإشعال حرب عالمية ثالثة في سبيل الحفاظ على مصالحه  في المنطقة .

 

لنلاحظ بعضاً من خارطة المصالح، ولنركز على الاقتصادية منها.

 

اقتصادياً بلغ حجم التجارة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا نحو 9ر42 مليار دولار عام  2011 حسب تقارير اعلنتها وزارة التجارة الأمريكية، ومع الصين أظهرت الاحصاءات الصينية أنه منذ تبني سياسة الإصلاح والانفتاح منذ أكثر من 30 عاما، زاد حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة تصاعد منذ 30 عاماً  بمعدل أكثر من 120 ضعفا ما كان عليه ليحققووفقا للارقام الصادرة عن وزارة التجارة الصينية، فقد حقق حجم التجارة بين الصين والولايات المتحدة قفزات كبيرة للامام فى السنوات الماضية. فارتفع حجم التبادل التجارى بين الصين والولايات المتحدة، ثانى اكبر شريك تجارى للبلاد، إلى 446.7 مليار دولار أمريكى فى عام 2011، بزيادة نسبتها 16 % مقارنة بعام 2010 وبزيادة حادة عن حجمه منذ عشر سنوات عندما بلغ 80.5 مليار دولار، فيما  الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة بنسبة 78% سنويا في المتوسط خلال الثلاثة أعوام الماضية. وهذه الارقام تمثل لوحدها أضعاف القدرات الإيرانية، وحكام هذه الدول لا يضحون بمصالحهم الاقتصادية تأسيساً على تقديرات إيرانية أو غيرها.

 

لذلك سارع المسؤولون الروس والصينيون إلى تكذيب هذا الخبر، ومن المؤكد أنهم دهشوا أيما دهشة له، وحتى النظام السوري خشي من عواقب المزاح الثقيل فسارع لتكذيب الخبر. 

 

ماذا بقي من الفقاعة الإيرانية ..؟

 

لا شيئ البتة، الفقاعة انتهت ولم تنفع مطلقوها مثقال ذرة واحدة، بل أساءت لهم وأظهرت على الملاْ أمراً مهماً، هو المأزق الذي يعيشه مطلقوا الكذبة وحليفهم النظام السوري، حتى باتوا يعللون أنفسهم بفوائد الكذب، على أمل أن يكسبوا من المثل الشائع: العيار الذي لا يصيب يخيف.

 

ولكن هذا العيار لم يخيف أحداً ولم يهتم به أحد ولا هم يحزنون، لعل مطلقوها يعتبرون ..!

============================

لا عصمة لأحد... والحق أحق أن يتبع!!

فراس حج محمد

قال الحكماء وأهل الرأي: اعرف الحق تعرف رجاله، فليس بأحد من البشر معصوم من الزلل والضلال سوى الأنبياء، والعلماء الكرام هم أعلم وأقدر على الفهم والتحليل من غيرهم، ولكن المسألة ليست علما فقط، بل لا بد أن يكون مع العلم تقوى وصلح نفس وإخلاص خالص لله سبحانه وتعالى، والاستعداد لتحمل شرف المسؤولية وحمل أمانة العلم على وجهها، فقد جاء في الأثر أن إبليس كان يلقب بطاووس الملائكة، ولكنكم هل تظنون أن إبليس عندما امتنع من السجود لآدم ورفض الامتثال لأمر الله، ألم يكن يعلم بأنه يعصي الله سبحانه وتعالى؟ فلا يوجد أحد يتمتع بما تمتع به إبليس من اليقين بقدرة الله، ولم يحز أحد ما حاز عليه من تكريم، ولكنه "أبى واستكبر وكان من الكافرين"، وقد صدق الشاعر عندما قال:

لو كان للعلم من دون التقى شرفٌٌ

   لكان أشرف خلق الله إبليسُ

 

لذلك ترى أن العلماء يخطئون ويصيبون، ولكن أخطاء العلماء تدحرج العالم إلى مهاوي الضلال. أتدرون لماذا؟ لأنهم هم القدوة والأسوة، فعيون الخلق معلقة بهم، الحسن عند الناس ما استحسنوه، والقبيح ما استقبحوه، وعليه فلا قداسة لبشر إن أخطأ، ولا كرامة لأحد إن أصر على خطأ وهو يعلم بأنه خطأ، لو حاز من الشهادات العلمية أعلاها، وتبوأ من المناصب أرفعها، ومنحته الفضائيات لينعق في أبواقها، مصدعا الرأس ومساعدا في توطيد الجهالة والتخلف والتشرذم، جريا وراء مصلحته الشخصية التي تقتضي أن يظل في قلب الصورة وفي بؤرة الضوء الإعلامي متمددا هنا وهناك.

لقد عاب القرآن على أحبار اليهود ووصف قلوبهم بقوله: "بل قلوبهم غلف"، فلم يعودوا يرون الحق حقا أو الباطل باطلا بل كل همهم مصالحهم لا غير، ألم يكن معهم علم الكتاب ويعرفون ويدركون؟ ولكنهم كتموا الحق، وهذا ليس خاصا بعلماء اليهود، بل إن كل عالم يسلك هذا السلوك فإن على بصره غشاوة، وقلبه مغلف في باطل أسود، لا يزيل أثره ادعاء صلاة وصوم وأذكار لا تتجاوز اللسان!!

ولا يقول أحد أن فلانا أعلم من فلان، وأين أنت من علم هذا أو ذاك؟ فالمسألة ليست بهذه الطريقة، فلو جاء أحد العلماء كما هو حاصل الآن عند بعضهم، وقال لك إن رئيسا من رؤسائنا الأفذاذ محرري فلسطين والقدس هم من أولي الأمر؟ هل ستصدقه؟ أليس العالم من قال هذا؟ فكل الناس يؤخذ من كلامهم ويرد إلى الرسول الكريم، بصفته معصوما نبيا موحى إليه.

فلا تقاس المسألة بهذه البساطة وتلكم السذاجة، فالمعول في هذا الشأن على معرفة الحق أولاً لنعرف رجاله، مهما كان هؤلاء الرجال مشهورين أو مغمورين، عالمين أو طلاب علم  أو مجرد أشخاص يعلمون بعض مسائل العلم، فكل من علم مسألة فهو عالم فيها، وهذا هو الأميل للمنطق والصواب، فلا أحد يعلم كل شيء، كما أنه لا أحد يجهل كل شيء. فليتق العلماء الله في أنفسهم وأمتهم، وليتذكروا قول الرسول الكريم "صنفان من الناس إذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء"، ألا يكفي فساد الأمراء أيها العلماء الأفاضل؟؟ 

=====================

خيول الصقيع

لبنى ياسين*

***

على ساعديّ

تمرُّ خيول الصقيعِ

... وتتركُ غيمةَ حزنٍ

فتأبى الهطول

وتحفرُ قلبي

بصوتِ الذبول

ولستُ إلى الليلِ أحكي

حكايا المطرْ

وخيبةَ عمرِ الصورْ

وحزني الكبيرِ

الكبيرْ

 

***

على مقلتيَّ

ينادي

جموحُ القمر

وأتركُ قلبي ورائي

وأرحلُ

عبرَ شقوقِ السهر

وأمشي وأجري

ولستُ من الخوفِ

ألقى مفرْ

ويمسكُ صوتي

بكاءٌ مريرْ

وتنحتني غربةُ الليلِ وجعاً

لصمتِ القبورْ

 

***

على قلبِ حزني

تمرُّ

الليالي طوالا

وأعشقُ صمتي

وأنخزهُ

أن تعالى

فلستُ إلى الضوء أعدو

ولستُ إلى الموتِ أشدو

وكلُّ الشجونِ

تثيرُ جموحي

ليغدو سؤالا

 

***

وتمضي السنونُ سريعاً

وأخشى

امتشاقَ الضياء

وعند المساءْ

سينبتُ صوتي تميمةَ حزنٍ

وأهدي تفاصيلَ خوفي

وكل الخواءْ

لصمتِ الدجى في عيوني

لوجعِ الهوى والضجيج

لكل انحناءاتِ

عمرٍ يطولُ بدون رجاءْ

لعمرٍ يقيِّـد في معصميه

غيوم البكاءْ

________

*كاتبة وشاعرة وفنانة تشكيلية سورية

===========================

الله أكبر هذي مصر ..

جعفر الوردي

الله أكبرُ هذي مصرُ ما وَهَنتْ

الله أكبرُ صوتُ الحقِّ ما حُجِبَا

الله أكبرُ والتحريرُ شاهدهُم

الله أكبرُ غَابَ الظُّلم وانْعطَبا

الله أكبرُ ذي مصرٌ تكبِّرهُ

خابَ الفلولُ وصارَ الذُّل مُنتَحِبا

سطَّرتِ يا مصرُ للتاريخِ ملحمةً

عزَّت علينا، وعزَّ النَّصرُ إذ وَجَبَا

قومي بمجدكِ، واستسقي لنا وطنًا

ملئ السماءِ بما تحويهِ قد حُجِبَا

قومي فنصرُكِ -يا مصرٌ- نؤمِّلهُ

نحو الشآمِ وحيثُ الصَّدعُ مَا رُئِبا

هُبي بنصركِ -يا مصرٌ- ولا تَدعي

بطَ الشَّآمِ على الآثامِ منتَخبَا

اللهَ الله في العهدِ الذي قطعتْ

مصرٌ على ربِّها : أن تنصرَ العَرَبَا

هذي الجموعُ، وكلُّ العربِ قد فَرِحتْ

أَنتِ الكِنانةُ، عَزَّ الرأسُ وانتَصَبَا

هذا الفُرات يُحيي نيلَ اخوتِه

رُدوا التَّحيةَ، إنَّ الشآمَ قد غَضِبَا

سيَّانَ دَمعُكما في جنةٍ جَرَيا

فكيفَ بالنيلِ يَنسى الدَّمعَ مُنسَكبا ..!؟

____________

جعفر الوردي / أديب وكاتب سوري

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ