ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ضابطُ
الإيقاع في المشهد السوري محمد
عبد الرازق أخذت
خطوات التحرك في المشهد السوري
تزداد ( كثافة، و سرعة )، فعلى
صعيد المعارضة هناك مؤتمرات
ثلاث من أجل توحيد رؤاها، و
تحركاتها المستقبلية، عقد منها
اثنان في ( اسطنبول، و بروكسل )،
و الثالث على الطريق في (
القاهرة ، برعاية الجامعة
العربية )، في يومي: الاثنين، و
الثلاثاء:2، 3 تموز. و على
الصعيد الخارجي هناك زيارة قام
بها ( بوتين ) إلى إسرائيل
للتباحث في أمور عدة، في
مقدمتها الشأن السوري ؛ في مسعى
منه لكسب اللوبي اليهودي في
أمريكا، و حتى روسيا، للضغط على
( أوباما ) لإنجاح مساعيه في هذا
الملف؛ متعهدًا لهم مقابل ذلك
بالسيطرة على الأسلحة
الستراتيجية ( الكيماوية )، و
الحؤول دون وصولها إلى حزب
الله، و هناك جلسة لمنظمة حقوق
الإنسان التابعة للأمم
المتحدة، حضرها المحققون
الأمميون في الجازر المرتكبة في
سورية، و هناك حزمة من العقوبات
الأوروبية التي طالت رموزًا
إعلامية، و دعائية للنظام، إلى
جانب جهات تمويلية ( بنكية )
تتحايل على العقوبات المالية
المفروضة على البنك التجاري
السوري، و هناك لقاء لحلف
الناتو أدان فيه إسقاط النظام
طائرة تركية، و هناك جلسة مغلقة
لمجلس الأمن قدم فيها (ناصر
القدوة ) نائب المبعوث الأممي، و
العربي المشترك ( كوفي عنان )
تقريرًا أوضح فيه خفايا المشهد
السوري في ظل تصاعد غير مسبوق
لأعمال العنف من قبل ( الأسد )،
متمثلاً في قصف مدفعي، و جوي
عشوائي للمدن السورية. يأتي
هذا التحرك قبيل انعقاد ( مجموعة
العمل حول سورية ) يوم غد السبت
(30 حزيران ) في جنيف بمبادرة من (
عنان ) من أجل إنقاذ خطته ذات
النقاط الست التي أوشكت على
الموت، و لم يبقَ للسيد (عنان )
إلاَّ أن يطلق عليها رصاصة (
الرحمة ) الوحيدة الموجودة في (
بندقيته روسية الصنع )، و يسبق
ذلك لقاء ( كلينتون لافروف ) في (
سان بطرس برغ ) مساءَ الجمعة؛
لوضع اللمسات النهائية على
أفكار عنان الجديدة. و
كانت التصريحات قد تتابعت، و
تلاحقت، و تناقضت قبيل حلول
ساعات فجر يوم غد؛ في محاولة
لكسب المزيد من الصفقات في (
بازار ) جنيفحول الملف ( السوري )؛
فقد لوحظ الارتباك في الموقف (الروسي
) فبعد قبولهم فكرة ( الحكومة
الانتقالية ) التي ستستبعد منها
معوقات الحل السلمي ( في إشارة
إلى الأسد ) سارع ( لافروف ) صاحب (
التناقضات الشهير ) إلى القول
بأن شكل الحل القادم أمر يقرره
السوريون بأنفسهم من خلال
الحوار، و لا يمكن أن يفرض عليهم
من الخارج ( في إشارة إلى تمسكهم
ببقاء الأسد في المرحلة
الانتقالية المزمعة )، و هو أمر
لقي رفضًا من المعارضة ( المجلس
الوطني ) الذي يرى المشاركة في
أية حكومة يحضر فيها ( الأسد، و
أركان حكمه من العسكريين، و
الأمنيين ) نوعًا من الانتحار
السياسي، و تخليًا عن مطالب
الحراك الشعبي. و لقي كذلك رفضًا
من الدول الأوروبية، و أمريكا،
و الدول العربية، و الإسلامية
المعارضة ل ( الأسد و حلفه )، و قد
شكل هذا حائط صدٍّ في وجه أية
مساع روسية للإبقاء على ( الأسد،
و أركان حكمه المتورطين في
أعمال القتل ) في المرحلة
القادمة. و
بالطبع فإن الحليف الروسي سيجد
في هذا الرفض تقويضًا لسياسته
الرامية إلى الإبقاء على نظام (الأسد)
لفترة انتقالية تدوم عامين، في
انتظار متغيرات على الساحة
السورية، و الدولية قد تعيد
إنتاج المشهد بطريقة لا تختلف
كثيرًا عن وصفة ( بوتين مديديف)
الشهيرة ؛ من أجل الإبقاء على
مؤسسات النظام ( العسكرية، و
الأمنية )، و هي العنصر الأهمّ
في المعادلة السورية التي لا
يريد حلفاء النظام الإقليميين
أيضَا التفريط بها ( حزب الله، و
إيران)؛ و كلٌّ من هؤلاء الحلفاء
ينظر إلى الأمر من الزاوية التي
تحقق له مصالحه. و يرى
المحللون أن الخاسر الأكبر في
هذه الوصفة هو ( الطائفة العلوية
) التي أصبحت ( حصان طروادة) في ظل
صراع بدأت كفته تميل إلى جانب
الحراك الشعبي بلونيه ( المدني،
و العسكري)، و تقهقر سريع لقوات (
الأسد ) ( ميدانيًّا، و تعبويًّا
)؛ نتج عنه مزيد من السيطرة
الميدانية لفصائل ( الجيش الحر،
و المجالس العسكرية ) التي أصبح
عددها يزيد على ( المائة )،و هو
أمر الذي جعل الجنرال روبرت مود
يقرّ أمام مجلس الأمن الأسبوع
الماضي بأن المقاومة تزداد
فعالية، بحسب ما ذكر دبلوماسي
ممن حضروا الجلسة. وعزا الجنرال
ذلك إلى زيادة الخبرة، وليس إلى
تحسن نوعية الأسلحة، أو ارتفاع
مستوى التنسيق. و هو
أمر اِلتفت إليه قادة الحراك
المسلح في الآونة الأخيرة؛ فلم
يعودوا يقبلون في صفوفهم إلاَّ
المهيئين للقتال بشكل مهني، و
جيد، يأتي ذلك بعد مطالب للجهات
الداعمة التي تريد أن تضبط
تسليم السلاح إلى أناس معروفين
بأسمائهم، و انتماءاتهم؛ حتى لا
يتسرب شيء منه إلى من يوصفون
بالإرهابيين (القاعدة)، الذين
قد يشكلون خطرًا على مصالحها في
المستقبل. رافق
ذلك انهيار في نفسيات كتائبه
التي فقدت حاضنتها الشعبية؛
ممَّا جعلها تسبح في حوض من
الطين، أعاق حركتها بشكل ملفت
للنظر، نتج عنه تخليها عن
مواقعها بمجرد بضع طلقات تحوم
فوق رؤوسهم، ممَّا أكسب فصائل
الحراك المسلح مزيدًا من
الغنائم العسكرية التي ساهمت في
تحقيق تلك الانجازات لهم، و جعل
( النظام ) يتخذ قراره بسحب ما
تبقى من آلياته و حواجزه من
مناطق المواجه. هذا
فضلاً على موجة الانشقاقات التي
تغيرت ( نوعًا، و عددًا، و عدّة )
؛ وصولاً إلى ( الطائرات )، و
كتائب ( الدفاع الجوي)، و كان
آخرها في ( كفر شمس درعا ) حيث
تواردت الأنباء عن انشقاق كتيبة
من اللواء (61) بكامل أفرادها، و
عتادها، و سيطروا على مخزن
لصواريخ ( الكاتيوشا)، و ( 300)
قاذفة آربيجي (7)، وتمَّ تدمير
عدد من المدرعات، و قصفمقر
الفرقة التاسعة قبل أن يتم
انسحابهم، و تأمينهم من قبل
عناصر الجيش الحر. و
لم تتوقف هذه الاندفاعة عند
حدود المناطق التي شهدت شبه
سيطرة للمعارضة، بل وصلت إلى
مناطق الساحل، التي شهدت معارك
عنيفة في منطقة ( الحفة، و جبل
الأكراد ) حيث قدرت خسائر النظام
من العسكريين، و الشبيحة ب ( 1350 )
قتيلاً( تصريح منذر ماخوس، عضو
المجلس الوطني للعربية، الجمعة:29
حزيران )، ثمَّ انطلقت تدق أبواب
العاصمة ( دمشق )، التي سعى (
النظام ) لإبقائه مع (حلب) خارج
الحلبة، و هو الأمر الذي جعل
صحيفة ( الوطن ) الحليفة للنظام
تنظر إلى المعارك التي كانت في
اليومين الأخيرين مع كتائب (
الحرس الجمهوري ) بأنها حرب
حقيقية أرادت أن تقتحم أبواب
دمشق، و تأتي كلمات ( الأسد )
لوزراء الحكومة ( الحرب )
الجديدة ضمن هذا السياق أيضًا. يضاف
إلى ذلك متغير جديد في المعادلة
يتمثّل في ظاهرة اعتقال أركان
النظام من ( العسكريين، و
الأمنيين )، و كان آخرهم ( اللواء
الطيار فرج شحادة قائد مقر
القيادة المركزية، و العميد
الركن منير أحمد الشليبي رئيس
وحدة الإرهاب في فرع فلسطين
العسكري، و أحد المسؤولين عن
مجزرة صيدنايا)، و يأتي
اعتقالهما رسالةأراد الثوار أن
يوجهوها إلى الضباط الآخرين،
بأنه لا أحد ممن شارك في قمع
الحراك الشعبي سيكون في مأمن، و
ليس ببعيد أن يكونوا ضيوفًا على
محكمة الجنايات الدولية في
القريب العاجل. و
بناء على تقدم يمكننا القول: إن
ضابط الإيقاع الأساسي في المشهد
السوري الآن هو الحراك الشعبي
بلونيه ( المدني، و المسلح )، و
هذا ما يجعل اللاعبين الآخرين
يتحركون على نغم ألحانه التي
بات يعزفها في الوقت، و المكان
المناسبين لتحركاته هو، و هو
فقط؛ ثقة منهم بنصر الله عزَّ و
جلَّ لهم. ====================== محمد
زاهد جول قد
يبدو هذا العنوان للبعض
متناقضاً، وهذا البعض ليس من
اتجاه واحد، وإنما من المتدينين
ومن العلمانيين وغيرهم على حد
سواء، ولكنه في نظر آخرين غير
متناقض ومفهوم ومطلوب في القرن
الحادي والعشرين، قرن التحديات
الكبرى التي تواجه المسلمين في
أصعب القرون التي عاشوها حتى
الآن ، وقد تزايدت أزمة
العلمانية في العالم الإسلامي
والوطن العربي بعد انهيار
منظومة الدول الديكتاتورية
العالمية وتوابعها، أولاً
بانهيار الاتحاد السوفيتي ودول
أوروبا الشرقية الاشتراكية،
وما أحدثه ذلك من ضعف لمشروعية
الأنظمة العسكرية والتسلطية في
الدول الدكتاتورية العربية،
ولو في تغيير لغتها الثورية
ودعوتها للديمقراطية
والانتخابات وتأسيس البرلمانات
للخالية منها منذ بداية العقد
الأخير من القرن الماضي وحتى
بداية عصر الربيع العربي،
وثانياً بانهيار أنظمة
الاستبداد العسكري العربي، في
تونس ومصر وليبيا واليمن، مما
فتح الباب على مصراعيه لإقامة
أنظمة عربية ديمقراطية وحرة
ودستورية حقيقية، ولكن
الانهيار الثاني للأنظمة
الدكتاتورية في الوطن العربي
يواجه بصعوبات كبيرة ، حيث أن
بعض هذه الأنظمة الاستبدادية
الأساسية استعصت على التغيير
أولا مثل سوريا، وقد استعصت
قبلها ليبيا ولكن القذافي سقط
في احداث دراماتيكية عنيفة
وقاسية، وكذلك ماطل النظام في
اليمن بتحقيق مطالب الثورة
الشعبية في عملية انتقال سلمي
للسلطة وكذا لا تزال بقاياه
فاعلة وقابلة للالتهاب. ولكن
الخطورة الأكبر تبقى في الثورة
المصرية التي أسقطت الرئيس
السابق حسني مبارك في زمن قياسي
بالنسبة إلى سقوط اللاحقين به،
إلا أن بقايا النظام السابق لم
تستسلم لنتائج الثورة الشعبية
المصرية، الذين كان من حسن حظهم
أنهم لم يسقطوا عن طريق انقلاب
عسكري، وإلا لم يكن لهم وجود حي
حتى اليوم، ولكن سقوط الأنظمة
عن طريق الإرادة الشعبية
والثورات السلمية حفظ خطورة
إعادة بناء النظام السابق بما
امتلكه من بقايا الدولة الأمنية
الحقيقية والخفية التي كانت
تحكم البلاد فعلاً، وليس
أجهزتها الخارجية فقط، فأخذت
قواها الباطنية وامتداداتها
وفروعها وارتباطاتها تتحرك مع
من أطلق عليه لاحقاً بالبلطجية
أو الفلول، فأصبح كلا المصطلحين
يعبران عن دولة الباطن التي لم
تستسلم للثورة الشعبية، وتأبى
الاستسلام الحر وتمتنع عن
مغادرة الحياة التسلطية بهدوء
وسلام، ولذا فهي تستجمع قواها
في كل لائحة تحركها، أو في كل
مبادرة تفتح لها الأبواب، ومنها
ركوب موجة الثورة ومطالبها
وشعاراتها والتنصل من الرئيس
المخلوع ولو بالظاهر،
والمشاركة في كل عملية انتخاب
تجري في البلاد، وأغرب ما في
الأمر أن هذه القوى التي توصف في
بلادها بالفلول تدافع عن
الديمقراطية والعلمانية وكأنها
تعرفت عليها من جديد ولم تكن في
الحكم من قبل ومارست التسلط
والقمع بكل أشكاله باسم
الديمقراطية والعلمانية
والقانون والدستور وغيرها من
أسلحة الاستبداد الماكر. وهذا
يعني ان معركة الربيع العربي لا
تتوقف عند إسقاط رؤساء ولا
إسقاط أنظمة استبدادية ، وإنما
المعركة الأكبر والأوسع هي
معركة الأفكار ومن يتاجرون بها،
وبالأخص أن هناك من يقف في وجه
الثورات الشعبية باسم
الديمقراطية والعلمانية، بحجة
ان الثقل الأكبر في الثورات
العشبية هي الحركات الإسلامية،
وهي الأقدر على حصد نتائج
الثورات إذا تحولت إلى مسار
ديمقراطي وانتخابي لأسباب
كثيرة، وقد تحقق ذلك على صعيد
الثورة الشعبية التي جرت فيها
الانتخابات البرلمانية مثل
تونس ومصر وهي مرشحة ان تتكرر في
ليبيا أيضاً، مما يرفع من وتيرة
الصراع بين العلمانيين
والمتدينين في البلاد العربية
في قادم الأيام، وهذا يعيد
البحث عن ماهية العلمانية التي
ينبغي على المتدينين أن
يحاربوها ، وعن نوعية العلمانية
التي ينبغي على المتدينين أن
يقاربوها أو يدعون إليها
ويطالبون بها في بلادهم
العربية، وكذلك نوعية التدين
الذي ينبغي على العلمانيين أن
يرفضوه ، ونوعية التدين الذي
ينبغي على العلمانيين أن
يقاربوه أو يدعموه أو أن يدعون
إليه ويؤيدوه أو أن يكونوا
جزءاً منه، ويتقدموا نحوه
بخطوات واثقة وكبيرة في قادم
الأيام. إن
العلمانية ليست ديناً ينافس
الإسلام على الوجود والأتباع،
ولا فلسفة تعادي الدين ولا
تعادي المسلمين، وإنما هي فلسفة
في فهم الإنسان نفسه بحرية وعقل
أولاً ، وفلسفة في فهم الناس
لمقومات الدنيا التي يعيشون
فيها علمياً ثانياً، وإذا فهمت
العلمانية على هذا الأساس
فالمسلمون أحرار في الموقف منها
، وكلا المبدأين حرية الإنسان
وعقلانيته وحقه في فهم الدنيا
بالعلم هما من مبادئ الإسلام
الأساسية، أي أن أسس الإسلام
وأسس العلمانية في النظرة إلى
الإنسان والحياة على اتفاق
ووفاق، من ناحية الدعوة إلى
الحرية الإنسانية واحترام
العقل والأخذ بالعلم ومنجزاته،
وعدم بناء الحياة على الجهل ولا
الخرافة ولا إلغاء مقومات
الحياة الدنيوية والانتفاع بها
على أكمل وجه وأتمه وأحسنه،
ولكن ما ينبغي تجنبه أو الحذر
منه ان لا يستبد مفكر إسلامي
بتفسيره للدين على انه ضد
العلمانية بناءا على قراءة خاصة
به، ولا أن يستبد مفكر آخر بفهمه
للعلمانية على أنها ضد الدين
أيضاً، فإذا وجد دين يمنع
الإنسان من حريته وعقله فإن
العلمانية ضده حتماً، وإذا وجد
علمانية تمنع الإنسان من حريته
وعقله وعلمه فإن الدين الحق
ضدها حتماً، فإذا وجد في العالم
الحاضر أو في التاريخ الغابر من
الأديان أو مؤسساته التمثيلية
من أن تجعل الدين ضد الحرية
والعقل والعلم فهذه حالات خاصة
بأهلها ولا يجوز تعميمها على كل
الأديان، حتى لو تم ممارستها من
قبل بعض مؤسساته التمثيلية،
سواء كانت أحزاب سياسية أو
مؤسسات كهنوتية كنسية أو حوزات
مذهبية دينية أو حركات أصولية
أو طرق عرفانية أو غيرها،
فالتعميم هنا هو الخطر الأكبر ،
وكما لا يجوز التعميم فلا يجوز
القياس القائم على مجرد التشابه
في الأسماء أو في الأشكال فقط،
كما أنه لا يجوز مصادرة حقوق
الآخرين في بيان عقائدهم
وفلسفاتهم بوزر غيرهم، فلا تزر
وازرة وزر أخرى. على
هذه الأسس استطاعت العلمانية
التركية أن تخوض تجربتها
العلمانية الحرة والعقلانية
والعلمية وهي تؤمن بالدين
والإسلام دون تناقض بينهما ولا
تعارض، وبالأخص في عهد حزب
العدالة والتنمية، في توظيفه
للفلسفة العلمانية بمفاهيمها
الأساسية كقوة فكرية تنهض
بمقومات المجتمع التركي المسلم
دون اصطناع معارك وهميه بينهما،
فلم يجعل من العلمانية
الأوروبية معياره ولا نموذجه
ولا محرابه، ولم يجعل من
العلمانيين الغربية قدوته ولا
أئمته ولا وعاظه، وإنما فهم أن
العلمانية على أنها فلسفة في
الحياة إن لم يدعو إليها الدين
الإسلامي في أسسه وأصولها، فإنه
لا يعارضها ، بل هو أسبق منها في
الدعوة إلى الحرية والعقلانية
والعلمية، وفي رفض الأفكار التي
تلغي حرية الإنسان وتحرمه من
عقله وتمنعه من اتباع العلم
واكتشاف الحياة وتسخيرها
لمصلحة الإنسان والناس
والبشرية جمعاء. إن من
حصر العلمانية على معنى الإلحاد
أو رفض الدين أو رفض المتدينين
في الحياة العامة أو الفصل بين
الدين والدولة ، أو الفصل بين
الدين والحياة، إنما أراد أن
يفرض تصوراً خاصاً للعلمانية قد
لا يكون موجوداً في الحاضر ولا
في التاريخ، ولكن على فرض أنه
وجد في التاريخ فهو تصور لا يقصد
المسلمون ولا يسعون إليه، وهو
ليس مما تسعى إليه العقلاء ولا
العلماء ولا الأحرار ، وإذا جاز
لنا أن نصف ما نقصده بالعلمانية
مقابل العلمانية الملحدة، فمن
الممكن أن نصفها بالعلمانية
المؤمنة، لأنها تدعو إلى ما
يدعوا إليه الإيمان الحق، فكل
دعوة إلى العلمانية على أنها
فلسفة ضد الدين الإسلامي ينبغي
أن يعلم أنها ليست علمانية
صادقة ولا حرة ولا عقلانية ولا
عالمة، وإنما هي تصورات مستوردة
عن علمانيات قاصرة أو جزئية أو
تاريخية بظروفها وزمانها
ومكانها الخاص، وهي ليست جديرة
بأن تكون فلسفة منقذة في مشروع
النهوض العربي الحديث، في مقابل
علمانية مؤمنة تملك مقومات
المشروعية العلمية والعقلية
للنهوض بالدول العربية الناشئة
في ربيع الحرية والعقلانية
والعلم. حوار
جريدة الجمهورية اللبنانية http://www.aljoumhouria.com/epaper/index/2012-06-30#/461/35/44951 ========================= د.
مصطفى يوسف اللداوي إنه
ذات العنوان الذي بدأتُ به
سلسلة مقالاتي عن الشهيد محمود
المبحوح في يوم استشهاده في دبي
في العشرين من يناير / كانون
ثاني من العام 2010، وفي سلسلة
المقالات التي تلت بينت أن
المبحوح قتل ولم يمت، وأنه على
الرغم من التقرير الطبي الأول
الذي أكد إثر معاينة جثة الشهيد
المبحوح أنه مات نتيجة لجلطة
دماغية، وأن جسده يخلو من أي
آثار عنف، أو دلائل تشير إلى أنه
قتل بفعل فاعل، بالإضافة إلى
تقدير الذين رأوه في غرفته
مستلقياً على سريره، بملابسه
الداخلية، وأدويته حوله، فضلاً
عن وجود هاتفه النقال وحقيبته
وبقية ملابسه وحاجاته الخاصة
الأخرى، بما أوحى لمن كان في
المكان أنه مات في فراشه، وأن
أحداً لم يقتله أو يغتاله، وأن
أحداً لم يدخل إلى غرفته إذ لا
يوجد آثار فتح للباب عنوةً، كما
أن بطاقة باب الغرفة الذكية
كانت موجودة الغرفة، وبدا أن
أحداً لم يعبث بثيابه أو
أغراضه، كما أنه لم يقع بينه
وبين آخرين مفترضين أي اشتباك
أو محاولة للمقاومة منه، لخلو
جسده من أي كدمات أو إصابات، مما
دفع البعض إلى الاستعجال ونفي
شبهة الاغتيال، معتبراً أن
الوفاة طبيعية، ولا يوجد ما
يوجب الإدعاء بأنه قتل أو
اغتيل، خاصة أن البعض شهد بأنه
كان يعاني من مرضٍ، وكان يتناول
عقاقير طبية خاصة به، مما يجعل
من كون الجلطة الدماغية سبباً
مقنعاً للوفاة. لكن
هذه الوقائع الشكلية، ومحاولات
التمويه المتعمدة، والقدرة
الفائقة التي تميز بها المجرمون
عندما دخلوا غرفته ببطاقةٍ ذكية
مزورة، وكمنوا له في غرفته،
وباغتوه عندما دخل، حيث تبين
بعد ذلك أن الفارق الزمني بين
لحظة دخوله غرفته وهي موثقة
بكاميرات الفندق، وبين مفارقته
للحياة لا تتجاوز العشرين
دقيقة، وتبين للوهلة الأولى
التي استغرقت أياماً أنهم لم
يتركوا أثراً يدل على جريمتهم،
أو يدل عليهم، أو ينفي عن الحادث
شبهة الموت الطبيعي، الأمر الذي
دفع بالبعض إلى استنكار فرضية
الاغتيال، متهماً من يحاول
إثبات الجريمة أنه يلوي أعناق
الحقيقة، ويحاول أن يختلق نتائج
مفترضة وخيالات غير واقعية، دون
الاستناد إلى وقائعٍ أو أدلةٍ
وشواهد مادية مقنعة. لكن
التحقيق تواصل وأخذ مجرىً آخر،
وبدأت الأدلة والقرائن
والشواهد والصور والوثائق
والاتصالات وغيرها تظهر
تباعاً، وظهر المنفذون على
أجهزة التسجيل وهم يدخلون غرفة
المبحوح أكثر من مرة، وشوهدوا
وهم يدخلون الفندق على دفعات،
فرادى وجماعات، وظهروا وهم
متنكرين وأحياناً بأشكالهم
الحقيقية، وبعد أيامٍ من
التحقيق الذي استند في البداية
على الشك، معتمداً على غياب
القميص الذي كان يلبسه الشهيد
لحظة دخوله غرفته، ثم تبين
لاحقاً أن كل أغراضه الشخصية
موجودة سوى القميص، الذي أكد
قطعاً أن هناك جهة أخرى دخلت
الغرفة، ونفذت عملية القتل
بطريقة ذكية ومبتكرة، ولكن
المبحوح الذي كان يمتاز بالقوة
والجسارة والعنفوان، قاومهم في
البدء، وربما صارعهم، الأمر
الذي أدى إلى تمزيق قميصه، مما
دفع الفاعلين إلى نزع ثيابه،
وأخذ القميص الممزق معهم بعد أن
تأكدوا من نجاحهم في تنفيذ
العملية، ولم يكن في حسبانهم أن
مئات الكاميرات قد دونت وسجلت
ووثقت الكثير من حركتهم، وكان
أن قاد القميص إلى أخطر وأكبر
مجموعة أمنية إسرائيلية، تحمل
جنسياتِ وجوازات دولةٍ غربية
عديدة، وقد وصوا إلى دبي من
بلادٍ عدة وفي أوقاتٍ مختلفة. النتيجة
التي لم تكن متوقعة أن التحقيق
قد أفضى إلى معرفة حقيقة ما جرى،
وأن المبحوح اغتيل ولم يمت، وأن
جهاز المخابرات الإسرائيلي هو
الذي كان يقف وراء هذه العملية
الأمنية الكبيرة، والتي استلزم
تنفيذها أكثر من ثلاثين شخصية
من الرجال والنساء، وفضح جهاز
المخابرات الإسرائيلية، وبدأت
الدول الأوروبية وكندا تتنصل من
المسؤولية، وطردت على الأثر
عدداً من الدبلوماسيين
الإسرائيليين. الحادثة
اليوم تتكرر نفسها مع الشهيد
كمال غناجة، وتأخذ ذات الاشتباه
بأن الوفاة طبيعية، وأن أحداً
لا يقف وراء جريمة القتل، إذ وجد
الشهيد يتهيأ للدخول إلى
الحمام، وفي المكان آثارٌ
لسجائر، وبقايا حريق بسيط لا
يلفت الأنظار أدى إلى استنشاقه
كمية كبيرة من غاز أول أكسيد
الكربون، ما أدى إلى اختناقه
ووفاته، وهذا أمرٌ طبيعي جداً
وكثير الحدوث، ولكن هل أن
اشتعال النار البسيطة كان
نتيجةً لماسٍ كهربائي عادي، أم
أنه كان عملاً مدبراً ومفتعلاً
ومقصوداً، بحيث تشير الدلائل
كلها إلى أن الوفاة كانت نتيجة
طبيعية لاستنشاقه الغاز، حيث
وجد في رئتيه كمية كبيرة من غاز
أول أكسيد الكربون الخانق، وما
يعزز هذه الفرضية أنه وجد في
البيت أموالٌ ومستندات وأغراض
شخصية لم يمسها أحد، وبقيت في
مكانها حتى فتح باب الشقة، ونقل
الشهيد إلى المستشفى، كما لا
يوجد ما يشير إلى أن الباب فتح
عنوةً، ولم يثبت أن الجيران
سمعوا أصواتاً غريبة، أو فوضى
تدل على عنفٍ في المكان، حيث بدا
كل شئٍ طبيعياً، لا يثير شبهة
ولا يلفت نظراً، علماً أن هذا
النوع من الرجال المقاومين
يمتازون بالحذر الشديد والحيطة
الكبيرة، فلا يفتحون الباب
لغريب، ولا يسمحون لمتسلل أن
يدخل إليه أو يحاول الاقتراب
منهم. لم
يصدر تقرير الطب الشرعي بعد من
عمان أو دمشق، ولم يتم الإعلان
رسمياً عن تحديد سبب الوفاة،
علماً أن نتيجة تشريح جثة
المبحوح استغرقت وقتاً، بل
تأخرت بعض الشئ، رغم انتشار
شائعة أن الوفاة كانت طبيعية
ونتيجة لجلطة دماغية، ولكن
النتيجة جاءت أخيراً مخالفة لكل
المعاينات التي سبقت، ونافية
قطعياً فرضية الموت الطبيعي،
وهذا ما قد تظهره نتائج التشريح
القادمة. المبحوح
قتل بعد وصوله إلى دبي بأيامٍ
قليلة، وغناجة قتل بعد وصوله
إلى دمشق قادماً من عمان بأيامٍ
قليلة، وكلا الرجلين يعمل في
ذات الملف، إذ نذرا نفسيهما
للمقاومة، ومضيا حتى الشهادة في
إسناد المقاومة في الداخل،
وتزويد المقاومين بكل مستلزمات
الصمود والقتال، وقد أدرك
الكيان الصهيوني أن المبحوح
الذي جاء خلفاً لسلف، لم يشغر
مكانهما باستشهاده، ولم يجبن
إخوانه من بعده، ولم تعقم
المقاومة أن توفر بديله، فأدرك
الكيان أن غيره قد تقدم ليملأ
الفراغ، ويؤدي المهمة ويواصل
نهج المقاومة، وليس غريباً أو
صعباً أن يعرف عن الشهيد كمال
جهاده ومقاومته، رغم أنه صموتٌ
هادئ، لا يبحث عن الأضواء، ولا
يحرص على الشهرة، ولا يعمل
ليعرف، ولا يجاهد ليتقدم، ولا
يحرص أن يعرف الناس قدره ودوره
وفعله، فكان أن عمل في الخفاء،
وثابر في السر، وحافظ على
فعالية دوره سنين طويلة. كان
الأول عز الدين الشيخ خليل هو
الأسبق على الطريق قد نالت منه
المخابرات الإسرائيلية وقتلته،
ثم نالت من المبحوح الذي لا يقل
عن عز الدين قوةً وجسارة،
وبينهما محاولاتٌ أخرى لغيرهما
لم تنجح، أي أن الاغتيال يطال
العاملين في هذا المجال،
والمهتمين بشؤون المقاومة
لوجستياً ومادياً، علماً أنهم
يتطلعون إلى الشهادة، ولا
يخافون من الموت، بل يتمنون
لقاء خالقهم وهم يحملون
البندقية على أكتافهم، فلماذا
نستبعد أن المخابرات
الإسرائيلية هي التي نفذت جريمة
قتل كمال غناجة، بيديها أو
بأدواتٍ أخرى، إذ أن عدم وجود
دليلٍ على الجريمة هو دليل بحد
ذاته على الجريمة، ووجود قرائن
وأدلة على الوفاة الطبيعية هو
أقوى دليل على وجود طرفٍ آخر صنع
هذه الوقائع، وأوجد هذه
الدلائل، وحاول إيهام المعنيين
بأن الوفاة كانت بسبب الماس،
خاصة في ظل انقطاع تيار
الكهرباء المتكرر، وفي ظل وجود
عملياتٍ أمنية أخرى مجاورة
ومتزامنة، علماً أن الحرق وإن
كان بسيطاً إلا أنه يخفي الكثير
من الدلائل، ويطمس العديد من
الشواهد، ويخلط الأمور ببعضها،
إذ أنه نفسه يخلق آثاراً
مخالفة، ويغير المعالم التي
كانت، بما يجعل من الحسم
واليقين أمراً صعباً إن لم يكن
مستحيلاً، ميسراً وجوه
الاشتباه الكثيرة وأشكال الظن
البعيدة عن الحقيقة. لا
استبعاد أبداً لفرضية القتل
المقصود والمتعمد، فالأشياء
المتشابهة تتعاضد، والشخصيات
المتشابهة تتكرر، والعدو الذي
يقصد ويتابع ويرصد ويعلن عزمه
على التنفيذ واحد، والمعركة معه
مستمرة ولم تتوقف، فلا ينبغي
تبرئته من الجريمة، ولا يجوز
استبعاده من دائرة الاتهام، إذ
لا متهم غيره، ولا مستفيد سواه،
ولا حريص على الغياب إلا هو، فمن
الخطأ تبرئته، والبحث عن
مستفيدٍ آخر من الجريمة، وإن
غابت الشواهد وانعدمت القرائن،
فبصمات الكيان الصهيوني تبقى
بادية بوضوح في كل الجرائم
الأمنية التي تطال شعبنا وأبناء
أمتنا، جديدها وقديمها، وهو لا
يتوقف عن التهديد والوعيد، وقد
أبدى فرحه بمقتل غناجة، وابتهج
لغيابه، وأظهر الكثير من
الشماتة لما أصابه. على
المهتمين بالشأن متابعة
التحقيق ومواصلة الاستقصاء،
وعدم إهمال الحوادث التي سبقت،
والجرائم التي وقعت، وألا
يجرفهم الإعلام وبريقه الأخاذ
وتقنيته الحديثة السهلة، نحو
مغالطاتٍ قاتلة، وتصريحاتٍ
باطلة لا تخدم سوى العدو، ولا
تنفع غير المنفذين، بما قد يكرر
الجريمة ضد آخرين، وبما يضعف
المقاومة ويوهن عزمها، ولكن
المجرم مهما بلغ في ذكائه
وحرصه، فإنه سيترك خلفه دليلاً
يدل عليه، ويقود إليه، وكما فضح
المبحوح قاتليه وهو شهيد، فإن
الأيام القادمة ستفضح قاتلي
غناجة وإن تأخر الزمن، فمن حمل
روحه على كفه وجاهد، فإن الله لن
يتره عمله، ولن يضيع جهده،
وسيختاره من بيننا شهيداً، فهذا
وعد الله له بأن ينتقيه من
بيننا، وأن يصطفيه من خيارنا،
"ويتخذ منكم شهداء". ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |