ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أ.د/عبد
الرحمن البر أخرج
ابن المبارك في الرقائق عن عبد
الله بن مسعود وحُذَيْفَة بن
اليَمَانِ رضي الله عنهما قال: «الحَقُّ
ثَقِيلٌ وَهُوَ مَعَ ثِقَلِهِ
مَرِيءٌ، والبَاطِلُ خَفِيفٌ
وَهُوَ مَعَ خِفَّتِهِ
وَبِيءٌ، وَتَرْكُ الخَطِيئَةِ
أَيْسَرُ مِنْ طَلَبِ
التَّوْبَةِ، وَرُبَّ شَهْوَةِ
سَاعَةٍ أَوْرَثَتْ حُزْنًا
طَوِيلًا». وجاء
في (إحياء علوم الدين) للغزالي
فى وصية أبي بكر لعمر رضي الله
عنهما: «الحَقُّ ثَقِيلٌ،
وَهُوَ مَعَ ثِقَلِهِ مَرِيءٌ،
والبَاطِلُ خَفِيفٌ، وَهُوَ
مَعَ خِفَّتِهِ وَبِيءٌ» وروى
الماوردي في (أدب الدنيا والدين)
عن عُمَر بْن الْخَطَّابِ رضي
الله عنه قَالَ: «اقْدَعُوا
هَذِهِ النُّفُوسَ عَنْ
شَهَوَاتِهَا (أي كُفُّوها
عمَّا تَتَطلّع إليه من الشهوات)
فَإِنَّهَا طَلَّاعَةٌ
تَنْزِعُ إلَى شَرِّ غَايَةٍ.
إنَّ هَذَا الْحَقَّ ثَقِيلٌ
مَرِيٌّ، وَإِنَّ الْبَاطِلَ
خَفِيفٌ وَبِيٌّ، وَتَرْكُ
الْخَطِيئَةِ خَيْرٌ مِنْ
مُعَالَجَةِ التَّوْبَةِ،
وَرُبَّ نَظْرَةٍ زَرَعَتْ
شَهْوَةً، وَشَهْوَةِ سَاعَةٍ
أَوْرَثَتْ حُزْنًا طَوِيلًا». هذه
أقوال حكيمة خرجت من مشكاة
واحدة تدل على عمق الوعي والفهم
لدى تلك الفئة المتميزة التي
تربت على مائدة النبوة، لا يملك
أعظم علماء السلوك والاجتماع
الإنساني أمامها إلا الإعجاب
والتقدير، وفي ظلال هذا الشهر
الكريم أدعوك أخي القارئ الكريم
أن نتوقف قليلا لنتأمل هذه
الحكمة البالغة في نقاط محددة: (1)
الحق ثقيل لكنه مقبول مرغوب فيه:
طُبعت
النفوسُ على طلبِ الراحةِ
واستثقالِ التكليفِ، ولذلك
تراها تميل إلى الشهوات
بطبيعتها ﴿زُيِّنَ
لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ
مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ
وَالْقَنَاطِيرِ
الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ
الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ
وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ
وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ
ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ
حُسْنُ الْمَآَبِ﴾ [آل عمران/14]،
ومن ثَمَّ فهي في حاجةٍ مستمرةٍ
للتذكير بالعواقب، ومخالفة
الهوى، والكفكفة من غلواء
الشهوات. وما
أكثرَ ما يميلُ الإنسان مع
هواه؛ ظنا أنه يعطي نفسَه
حظَّها، والحقيقةُ أنه يسيرُ
بها إلى حتْفِها، وهو يتصور أنه
يُكْرِم نفسَه، والحقيقةُ أنه
يُعَرِّضُها للإهانةِ في
الدنيا وفي الآخرة. ثُمَّ
العاقل يَتَّهِمُ نَفْسَهُ فِي
صَوَابِ مَا أَحَبَّتْ
وَتَحْسِينِ مَا اشْتَهَتْ؛
لِيَصِحَّ لَهُ الصَّوَابُ
وَيَتَبَيَّنَ لَهُ الْحَقُّ،
فَإِنَّ الْحَقَّ أَثْقَلُ
مَحْمَلًا، وَأَصْعَبُ
مَرْكَبًا، فَإِنْ أَشْكَلَ
عَلَيْهِ أَمْرَانِ اجْتَنِبْ
أَحَبَّهُمَا إلَيْهِ،
وَتَرَكَ أَسْهَلَهُمَا
عَلَيْهِ، فَإِنَّ النَّفْسَ
عَنْ الْحَقِّ أَنْفَرُ،
وَلِلْهَوَى آثَرُ. وَقَدْ
قَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِب ِرضي الله ىعنه: «إذَا
اشْتَبَهَ عَلَيْك أَمْرَانِ
فَدَعْ أَحَبَّهُمَا إلَيْك،
وَخُذْ أَثْقَلَهُمَا عَلَيْك». وَعِلَّةُ
هَذَا الْقَوْلِ: هُوَ أَنَّ
الثَّقِيلَ تُبْطِئُ النَّفْسَ
عَنْ التَّسَرُّعِ إلَيْهِ،
فَيَتَّضِحُ مَعَ الْإِبْطَاءِ
وَتَطَاوُلِ الزَّمَانِ
صَوَابُ مَا اسْتَعْجَمَ،
وَظُهُورُ مَا اسْتَبْهَمَ.وَقَدْ
قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي
طَالِبٍ رضي الله عنه: «مَنْ
تَفَكَّرَ أَبْصَرَ». وَالْمَحْبُوبُ
أَسْهَلُ شَيْءٍ تُسْرِعُ
النَّفْسُ إلَيْهِ،
وَتُعَجِّلُ بِالْإِقْدَامِ
عَلَيْهِ، فَيَقْصُرُ
الزَّمَانُ عَنْ تَصَفُّحِهِ
وَيَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهُ
لِتَقْصِيرِ فِعْلِهِ، فَلَا
يَنْفَعُ التَّصَفُّحُ بَعْدَ
الْعَمَلِ، وَلَا
الِاسْتِبَانَةُ بَعْدَ
الْفَوْت. والعاشقُ
لشخصٍ قبيحٍ، أو المتناولُ
لطعامٍ بَشِعٍ شُغِفَ به
لعادتِه، لو رُوجع لزَخْرَفَ
فيه معاذيرَ مُموَّهةً، يشهدُ
عليه العقل بأنه مُتَصَنِّعٌ
مُتَكَلِّف. (2)
العاقل يحتمل ثقل ساعة لراحة
الأبد: إِنَّ
الْعَاقِلَ مَنْ احْتَمَلَ
مَرَارَةَ سَاعَةٍ لِحَلَاوَةِ
الْأَبَدِ، وَذُلَّ سَاعَةٍ
لِعِزِّ الْأَبَدِ، ولم يستجب
للشهوة العارضة التي تورثه
الحزن الطويل والأسف الدائم،
وكم من عبد خضع لشهواته وانقاد
لغرائزه، فما أفاق إلا وقد
انقضت دنياه بلذاتها وبقي يتقلب
في حسراته ويعض على يديه ﴿
قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ
كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ
حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ
السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا
يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا
فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ
يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ
عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ
مَا يَزِرُونَ﴾ [الأنعام/31] وعند
ابن سعد في الطبقات والبيهقى فى
الزهد، وابن عساكر عن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: «أَلَا
رُبَّ نَفْسٍ طَاعِمَةٍ
نَاعِمَةٍ فِي الدُّنْيَا
جَائِعَةٍ عَارِيَةٍ يَوْمَ
القِيَامَةِ، أَلَا يَا رُبَّ
مُكْرِمٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ
لَهَا مُهِينٌ، أَلَا يَا رُبَّ
مُهِينٍ لِنَفْسِهِ وَهُوَ
لَهَا مُكْرِمٌ، أَلَا يَا
رُبَّ مُتَخَوِّضٍ
وَمُتَنَعِّمٍ فِيمَا أَفَاءَ
اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مَا لَهُ
عِنْدَ اللهِ مِنْ خَلَاقٍ،
أَلَا وَإنَّ عَمَلَ
الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ،
أَلاَ إِنَّ عَمَلَ النَّارِ
سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ، أَلَا يَا
رُبَّ شَهْوَةِ سَاعَةٍ
أَوْرَثَتْ حُزْنًا طَوِيلًا». وربما
لاحقه الحزن الطويل في الدنيا
قبل الآخرة نتيجة إفراطه في
اتباع الشهوات وتفريطه في الحق،
وَفِي رَوْضَةِ الْمُحِبِّينَ
لِلْإِمَامِ ابْنِ الْقَيِّمِ:
«لِكُلِّ عَبْدٍ بِدَايَةٌ
وَنِهَايَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ
بِدَايَتُهُ اتِّبَاعَ
الْهَوَى كَانَتْ نِهَايَتُهُ
الذُّلَّ وَالصَّغَارَ
وَالْحِرْمَانَ وَالْبَلَاءَ
الْمَتْبُوعَ بِحَسَبِ مَا
اتَّبَعَ مِنْ هَوَاهُ، بَلْ
يَصِيرُ لَهُ ذَلِكَ فِي
نِهَايَتِهِ عَذَابًا
يُعَذَّبُ بِهِ فِي قَلْبِهِ،
كَمَا قِيلَ: مَآرِبُ
كَانَتْ فِي الشَّبَابِ
لِأَهْلِهَا
عِذَابًا فَصَارَتْ فِي
الْمَشِيبِ عَذَابَا فَلَوْ
تَأَمَّلْتَ حَالَ كُلِّ ذِي
حَالٍ شِينَةٍ زَرِيَّةٍ
لَرَأَيْت بِدَايَتَهُ
الذَّهَابَ مَعَ هَوَاهُ
وَإِيثَارَهُ عَلَى عَقْلِهِ.
وَمَنْ كَانَتْ بِدَايَتُهُ
مُخَالَفَةَ هَوَاهُ وَطَاعَةَ
دَاعِي رُشْدِهِ كَانَتْ
نِهَايَتُهُ الْعِزَّ
وَالشَّرَفَ وَالْغِنَى
وَالْجَاهَ عِنْدَ اللَّهِ
وَعِنْدَ النَّاسِ. إذَا
حَدَّثَتْك النَّفْسُ يَوْمًا
بِشَهْوَةٍ
وَكَانَ عَلَيْهَا
لِلْخِلَافِ طَرِيقُ فَخَالِفْ
هَوَاهَا مَا اسْتَطَعْت
فَإِنَّمَا
هَوَاهَا عَدُوٌّ
وَالْخِلَافُ صَدِيقُ وفي
الغرباء للآجُرِّي عن يحيى بن
معاذ الرازي قال: « يا ابنَ آدم
طلبتَ الدنيا طلبَ مَنْ لا
بُدَّ له منها، وطلبتَ الآخرةَ
طلبَ مَنْ لا حاجةَ له إليها،
والدنيا قد كُفِيتَها وإنْ لم
تطلبْها، والآخرةُ بالطلبِ منك
تنالُها، فاعقِلْ شأنَك». (3)
الثقل والخفة في الميزان ناتج
عن تحمل ثقل الحق في الدنيا: قال
تعالى ﴿ وَالْوَزْنُ
يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ
ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ
فَأُولَئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ
خَفَّتْ مَوَازِينُهُ
فَأُولَئِكَ الَّذِينَ
خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا
كَانُوا بِآَيَاتِنَا
يَظْلِمُونَ﴾ [الأعراف/8، 9] وفي
الحديث الذي أخرجه الطبراني: «وَإِنَّ
الحَقَّ ثَقِيلٌ كَثِقَلِهِ
يَوْمَ القِيَامَةِ، وَإِنَّ
البَاطِلَ خَفِيفٌ كَخِفَّتِه
يَوْمَ القِيَامَةِ، وَإِنَّ
الجَنَّةَ مَحْظُورٌ عَلَيْهَا
بِالمَكَارِهِ، وَإِنَّ
النَّارَ مَحْظُورٌ عَلَيْهَا
بِالشَّهَوَاتِ». قال
أبو بكر رضي الله عنه: «إنما
ثَقُلَتْ موازينُ مَنْ
ثَقُلَتْ موازينُه باتِّباعهم
الحقَّ في الدنيا وثِقَلِه
عليهم، وحُقَّ لميزانٍ لا
يُوضَع فيه إلا الحقُّ أن يكون
ثقيلاً، وإنما خَفَّتْ موازينُ
مَنْ خَفَّتْ موازينُه
باتِّباعهم الباطلَ في الدنيا
وخِفَّتِه عليهم، وحُقَّ
لميزانٍ يُوضَع فيه الباطلُ أن
يكون خفيفاً». وقال
مقاتل بن حيان: «إنما رجحت
الحسناتُ؛ لأن الحقَّ ثقيلٌ،
والباطلَ خفيفٌ». (4)
وأخيرا: فالدين يسر: مع كون
الحق ثقيلا فهو محبوب مرغوب سهل
على النفس السوية، ومع كون
الباطل خفيفا فهو سمج مرذول عند
ذوي الفطر السليمة، ولا يلزم من
كون الحق ثقيلا أن يكون كلُّ
ثقيل حقا، ولا من كون الباطل
خفيفا أن يكون كل خفيف باطلا ،
كيف وقد قال النبي صلى الله عليه
وسلم: «بُعِثْتُ
بِالْحَنِيفِيَّةِ
السَّمْحَةِ». ولكن
العبرة بمن يتصدى للأمر، فمن
كان من أهل العزائم القوية خف
عليه الثقيل، وهانت عليه
الصعاب، وتصاغرت أمام همته
الشدائد الصلاب، أما أصحاب
الهمم الفاترة والنفوس الضعيفة
فيميلون إلى الباطل لخفته،
وتصغر نفوسهم عن النهوض لتحمل
تبعات عظائم الأمور، ولله در
أبي الطيب المتنبي إذ يقول: على
قدْرِ أهلِ العزمِ تأتي
العزائمُ
وتأتي على قدْرِ الكرامِ
المكارمُ فتعظُمُ
في عين الصَّغيرِ صغارُها
وتصغر في عين العظيمِ
العظائمُ هل
علمت لماذا يستسهل بعض الناس
الهدم والتشويه؟ ولماذا لا يهتم
كرام النفوس بغير البناء
والتمكين؟ ======================== عريب
الرنتاوي تقف
الأزمة بمقدماتها وتداعياتها
وأطرافها ولاعبيها على عتبات
المدينة التاريخية، عاصمة
الشمال الأولى وعاصمة سوريا
الثانية "حلب"، حيث تدور
واحدةٌ من أهم وأخطر المعارك
التي شهدتها الأزمة السورية،
والتي سيتقرر في ضوئها (ربما)
مستقبل سوريا شعباً ودولة
وكياناً وثورة ونظاماً...بل وقد
تمتد آثارها إلى "ما وراء
سوريا"، إلى الإقليم بمجمله. لن تضع
الأزمة السورية أوزارها بسقوط
حلب في أيدي المعارضة المسلحة
أو "بتحريرها" من قبل الجيش
النظامي، ولا نرغب في مجاراة
بعض التقارير والتحليلات
الإعلامية التي تضع المعركة على
حلب في موضع "المحطة الأخيرة"
لقطار الأزمة السورية المُتنقل
من محطة إلى أخرى...بيد أن "المنتصر"
في معركة حلب، سيحظى من دون شك،
بموقعٍ "المُقرر" في تحديد
مسارات الأزمة ومآلاتها،
فالأزمة السورية التي بدأت "قبل
حلب" لن تنتهي بعدها، لكنها
ستأخذ في سياقاتها الدامية،
المشهد السوري بمجمله، في واحد
من اتجاهين متعاكسين. إن
قُدّر للمعارضات المسلحة،
مدعومة بالمثلث التركي –
السعودي – القطري وبعض المراكز
الدولية، أن تكسب "الجولة"
في حلب، صارت الأخيرة "بنغازي
سوريا"، وستصبح أول وأهم ملاذ
آمن للمعارضة والمنشقين،
وستأخذ معها وفي طريقها ثلث
الشعب السوري أو يزيد، إلى خارج
قبضة النظام وسيطرته، وستكون
المنطقة برمتها، ساحة خلفية
للإعداد والتجهيز والتدريب
والتحشيد، ومنها ستنطلق
المعارك و"الغزوات" صوب
حماة وحمص وفي كل اتجاه. لا
نعرف بالضبط، هوية "القوة
الضاربة" في المعارضة
السورية التي تقود المعارك في
حلب...البعض يتحدث عن "الجيش
السوري الحر"، لكن هذا
الأخير، بات عنواناً وإسماً لكل
من ليس له إسم أو عنوان...البعض
الآخر يتحدث عن "مجاهدين"
سوريين وعرب، احتشدوا بالآلاف
في المدينة وعلى تخومها، هؤلاء
لا موقع لمفهوم "الوطن" في
خطابهم، كل مكان يطأونه يغدو
صالحا لأن يكون مشروع "إمارة
إسلامية"، وحلب في تاريخها
القديم بمرت بتجربة الإمارة،
وفي تاريخ سوريا الحديث، كانت
العاصمة لواحدة من خمس دويلات،
عمل الانتداب الفرنسي على توزيع
سوريا إليها، إلى جانب إمارة
دمشق والإمارة الكردية
والعلوية والدرزية. وإن
قُدّر للنظام أن يستعيد حلب إلى
قبضته وسيطرته، فالأرجح أنه
سيكون في وضع أفضل لمواصلة
حروبه المتنقلة، التي ما أن تضع
أوزارها هنا، حتى تندلع من جديد
هناك...وهو سيوفر للقلة المتبقية
من حلفائه الإقليميين
والدوليين الفرصة لالتقاط
الأنفاس، والاستعداد لخوض
الهجوم المضاد على الساحة
الدولية، بحثاً عن "صفقة"
تنجي النظام من مصير محتوم،
بالأسد أو من دونه. هي
معركة قطر والسعودية اللتان لم
يعد يساور المراقبون شكّا في
إصرارهما على الإطاحة بالأسد،
مهما ارتفع الثمن وبلغت
التضحيات (من الدم السوري
بالطبع) وكيفما جاءت العواقب...وهي
معركة تركيا التي دخلت في "لعبة
كسر عظم" مع النظام...وهي
معركة إيران التي أعلنت بوضوح
أن دمشق هي خط الدفاع الأول عن
طهران...وهي معركة "النظام
الدولي" الذي تخوض موسكو
وبكين غمار "حرب باردة"
جديدة من أجل تبديل منظومته
وقواعده. قبل
أيام أعادت الوزيرة الأمريكية
هيلاري كلينتون الحديث عن "ملاذات
آمنة" تُنشؤها المعارضة داخل
سوريا، تشكل حواضن لها
ولعناصرها المسلحة، وتوفر
الفرصة "للمجتمع الدولي"
لتقديم كل أشكال الدعم المطلوبة
لها في مواجهة نظام الأسد...والأرجح
أن وزارة الخارجية الأمريكية
تنتظر بفارغ الصبر، أخبار
المواجهة في حلب، فإدارة أوباما
اتبعت في سوريا تكتيكاً مغايراً
لتكتيكاتها في العراق وليبيا،
وهي تؤثر "إنجاز المهمة"
هنا بهدوء و"على مهل"
وبوسائط غير مباشرة، مستندة إلى
أوراق القوة الخليجية الثلاث:
المال والسلاح و"المجاهدين"،
والتسهيلات اللوجستية التركية
المفتوحة للجميع بمن فيهم
رجالات القاعدة ومجاهديها ولكل
أجهزة الاستخبارات الدولية،
فضلاً عن الدعم التنقي
والتدريبي والاستخباري لحلف
"الناتو". والحقيقة
أن هذا "التحالف" لا يقف في
"معركة حلب" موقف المتفرج
أبداً، فقد حشد وأعد واستعد،
وهو يحشد ويستعد ويُعد العدة،
لا سيما بعد إحباط "مفاجأة
دمشق" وسقوط سيناريو "الإنهيار
السريع" للنظام، بعد تفجيرات
الأربعاء في مكتب الأمن القومي
في حي الروضة الدمشقي....في
المقابل، لا يبدو أن نظام الأسد
يقاتل وحيداً من أجل الانتصار
في معركة حلب، فالتقارير
الإعلامية والاستخبارية تتحدث
عن تكثيف الدعم العسكري
واللوجستي والميداني لحلفائه
له، بانتظار لحظة الحسم في "أم
المعارك"، وهي تفيض بكثير من
المعلومات لجهة كثافة التسليح
والتأهيل والاتصالات
الدبلوماسية وتتحدث عن خبراء
وغرف عمليات مشتركة، لكأن
مستقبل الإقليم والنظام العالم
سيتقرران في حلب ومحيطها. لكن
الحسم في معركة حلب، لا يعني
نهاية الأزمة السورية، كما أن
سقوط نظام الأسد، لن يكون في حال
حدوثه، سوى إيذاناً بدخول هذه
الأزمة مرحلة جديدة...فالحرب في
سوريا وعليها، ستطول وتمتد،
وإرهاصات حروب ما بعد الأسد،
بدأت تُطل برأسها في "كردستان
الغربية" التي تتحول إلى "شمال
سوريا" على غرار "شمال
العراق"، وفيما يقال ويشاع عن
نقل أسلحة وتوسيع معسكرات
وتسليح وتدريب وحراك سكاني في
مناطق الساحل والجبل السورية،
مع كل ما يحمله ذلك من انعكاسات
على تركيا والعراق ولبنان، قد
تطاول شظاياها الأردن وبالأخص
بعض دول الخليج...والأرجح أننا
بعد "حلب"، لن ندخل في جدل
حول "عرقنة" سوريا أم "لبننتها"،
فالمنطقة برمتها تتنقل ما بين
"العرقنة" و"اللبننة"
و"الصوملة" و"السورنة"...كان
الله في عوننا. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |