ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 05/03/2013


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

حصاد الثورات:

رقعة الشطرنج العربية وفوضى الفراغ الجيوسياسي

أ.محمد بن سعيد الفطيسي*

تمر الدول العربية خلال الفترة الراهنة بحالة غير مسبوقة من الاحتقان والفوضى السياسية والتجاذبات الثقافية والاجتماعية والصراعات الداخلية التي تسببت بها التحولات التاريخية الاستثنائية التي عصفت بتلك المساحة الجغرافية من العالم مع نهاية العقد الأول وبداية العقد الثاني من القرن 21 , فيما أطلق عليه لاحقا بثورات " الربيع العربي " , والمتتبع لتطور تلك الأحداث والتحولات التاريخية بعد عامين تقريبا من اشتعالها , يلحظ الكثير من النتائج الجذرية التي تسببت بها آثار وانعكاسات تلك المتغيرات على الصعيدين الإقليمي والدولي , ونطلق عليها بالنتائج الجذرية كون آثارها الخطيرة لا زالت مستمرة , بل وتزداد اتساعا وعمق واستفحالا في جذور النسيج ورقعة الشطرنج العربية .

 كان أبرزها على الإطلاق اذا استثنينا سقوط عدد من الأنظمة العربية التي دامت لعقود طويلة من الزمن في تونس ومصر وليبيا واليمن , نجاح تيارات الإسلام السياسي , في الوصول الى دفة الحكم والسلطة في العديد من الدول العربية كمصر وتونس وليبيا , هذا بخلاف ازدياد قوتها في دول أخرى كالمغرب والأردن والسودان والجزائر والصومال وفلسطين وبعض دول الخليج العربي , ولا يخفى على احد محاولاتها المستمرة للبحث لها عن مكانة في مستقبل الدول التي تعيش حالة من اللاستقرار السياسي كسوريا واليمن على سبيل المثال لا الحصر.

 وقد شكل هذا الصعود القوي والمفاجئ لتيارات الإسلام السياسي كجماعة الإخوان المسلمين الى السلطة في العديد من الدول العربية صدمة وقلق للكثير من الأنظمة السياسية العربية الأخرى التي لم تجد نفسها في مواجهة مباشرة او مؤثرة مع الأحداث سالفة الذكر, ومهما كان سبب ذلك القلق , بداية من خشيتها وصول تلك التيارات الى سدة الحكم والسلطة في دولها , او مرورا برؤيتها لتلك الجماعات على أنها جماعات لا يمكن لها جلب الاستقرار والأمن والتنمية لبلدانها نتيجة أفكارها الدينية او ثقافتها السياسية الراديكالية او رجعية قراراتها وعدم صلاحيتها للعصر الراهن , فقد دفع بها القلق الى مواجهتها ومحاربتها والتضييق عليها بكل الأشكال المباشرة وغير المباشرة , حتى أنها اندفعت بطريقة او بأخرى لمقاومتها ودعم معارضيها في بلدانها , وهو ما دفع الطرف الآخر – أي – الدول التي تسيدت فيها هذه الجماعات السلطة والحكم كما هو الحال في مصر الى الدخول في خلافات سياسية مع بقية الدول التي تبنت بشكل رسمي معلن مواجهة هذه الجماعات كما هو الحال في دولة الإمارات العربية المتحدة.

 كذلك ومن النتائج التي تستحق الملاحظة , اتساع دائرة الفوضى السياسية والتدخلات في الشؤون الداخلية للدول من خلال وسائل " القوة الناعمة " كتأثير قوة المال والاستثمارات واستغلال سطوة الإعلام وتأثيره كقوة أثبتت سطوتها في مسار الأحداث سالفة الذكر فيما يطلق عليه بتناقل الثورات وصراع المصالح الإقليمية والطموحات الدولية , وليس ذلك على مستوى الدول الكبرى فقط , بل حتى على مستوى دول اقل مكانة وشان من الناحية الجيوسياسية على خارطة القوى الدولية , إذ تمكن بعضها من النجاح بشكل لافت للنظر, فأصبحت العديد من القرارات الشرق أوسطية لا يمكن ان تحسم دون المرور عليها بشكل مباشر او غير مباشر, بل وعد تأثير قوتها السياسية والثقافية والإعلامية اليوم على الصعيدين العالمي والإقليمي أمر لا يستهان به أبدا , وقد اتضح ذلك جليا خلال مرحلة ما أطلق عليه بثورات الربيع العربي ولا زال ذلك التأثير مستمرا حتى اللحظة التاريخ الراهنة وبتصوري سيستمر طويلا جدا , ومن الأمثلة على ذلك دولة قطر .

 كذلك ومما يستحق الإشارة إليه هو اتساع ظاهرة تفتيت الدول العربية وتقسيمها ," دينيا – طائفيا - مذهبيا " كما هو الحال في السودان بشكل نهائي , وفي دول أخرى بات أمرها مؤسفا من خلال الصراعات المسلحة والدخول في مرحلة الاقتتال الطائفي نتيجة تقسيمها بين أطياف أيديولوجية سلفية واخوانية وشيعية ومسيحية وقاعدية واشتراكية ووالخ , او غيرها من المسميات كما هو الحال في اليمن ولبنان وسوريا والعراق ومصر على سبيل المثال لا الحصر, كذلك من خلال صعود رائحة المذهبيات والطائفيات المقيتة على حساب وحدة الصف والوطن – انظر لنا في هذا الشأن مقال " ظاهرة تفتيت الدول ونهاية الجغرافية السياسية " والمنشور بتاريخ 19/10/2010م , - أي – قبل أحداث ما أطلق عليه بثورات الربيع العربي بفترة وجيزة .

 اذا فعالمنا العربي اليوم وكنتيجة مباشرة لانعكاسات وتأثيرات ما أطلق عليه بثورات الربيع العربي , واستغلالها بطريقة او بأخرى من قبل جهات داخلية وخارجية , في محاولة ربما تكون مشروعة من جهة ما في عالم لا يرحم الضعفاء من الدول والجماعات والأفراد , يرزح على صفيح ساخن من التحولات والمتغيرات السياسية والثقافية والاجتماعية التي باتت تهدد استقرار نسيجه الاجتماعي ووحدة صفه العربي وأمنه القومي على المدى القريب , بل وتهدده بالدخول في تجاذبات وصراعات مصالح إقليمية داخلية بين دوله الشقيقة .

 و- نحن هنا - نؤكد على ان تلك الصراعات ستكون سياسية وثقافية , وليس بالضرورة ان تدفع دوله للدخول مع بعضها البعض في حروب إقليمية عسكرية بقدر ما بات اقرب الى ان تدفعها للقطيعة والفرقة وقطع علاقاتها السياسية والدبلوماسية مع بعضها البعض نتيجة اختلاف مرئياتها لمصالحها الإقليمية والدولية التي اختلفت باختلاف توجهات القادمون الجدد الى السلطة السياسية في العالم العربي , وهو ما يمكن ان يستغل بطريقة او بأخرى من قبل دول تنتظر اندفاع الدول العربية نحو هذا المسار الفوضوي المقيت من الانقسامات القومية والخلافات الداخلية والصراعات الطائفية لصالحها كالمستعمرة الإسرائيلية الكبرى على سبيل المثال .

 ومما يدفع – للأسف الشديد - نحو مزيد من التصعيد والفوضى والتجاذبات واستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي على رقعة الشطرنج العربية ويؤهلها للاتساع في المستقبل القريب وجود ملفات إقليمية ساخنة لم تحسم بعد كالملف النووي الإيراني وملف الصراع في سوريا واليمن والقضية العربية الفلسطينية , واستمرار ظاهرة الصراع السياسي الداخلي والانقسام الاجتماعي والثقافي في بعض الدول العربية القيادية والمؤثرة في وحدة الصف العربي كجمهورية مصر العربية , واتساع دائرة الخلافات بين بعض الدول العربية وشقيقاتها حول طبيعة الحكم ونوعه , وهو ما يجعلنا غير متفائلين بتقارب عربي في المستقبل , ونقصد به التوحد تحت بناء عربي قومي مشترك , بل ان كل الخوف من تعمق الخلافات العربية / العربية كما سبق واشرنا نتيجة اختلاف المصالح والطموحات ووجهات النظر تجاه العديد من الملفات والقضايا الإقليمية القائمة منها والقادمة .

 خلاصة الطرح : وكنتيجة لكل ما سبق واشرنا إليه من معطيات وتحولات سياسية وثقافية واجتماعية إقليمية ودولية , فانه من المتوقع والمحتمل الأقرب لدينا , تحول العديد من الدول العربية في المستقبل – السنوات القليلة المتبقية من العقد الثاني للقرن 21 - الى بناء تعددية قطبية عربية فضفاضة على شكل تحالفات بدلا من تكتلات , يغلب عليها الطابع الأمني – اقصد به هنا – الأسر الأمنية المشتركة والتي تتمتع بدرجة عالية من الاندماج والتنسيق السياسي , يتعهد فيها الأعضاء بتحقيق التناغم بين سياساتها المهمة تجاه التهديدات المشتركة - , مع أنها – أي – تلك الدول ستتمتع بقدر لا باس به السيادة الحقوقية والهامش السياسي الذي سيمكنها من متابعة سياساتها الخارجية الخاصة .

ــــــــ

*باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية/رئيس تحرير مجلة السياسي – المعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية

azzammohd@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ