ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الشيخ
محمد أبو الهدى اليعقوبي من أشد
التأويلات فسادًا ما يُروى في
التاريخ بعد مقتل سيدنا عمارِ
بن ياسرٍ رضي الله عنهما: ومن
المشهور في سيرته أنه كان من
أنصار سيدنا علي رضي الله عنه ،
وأنه خرج يقاتل معه في معركة
صِفّينَ ، ولكنه قد وجد بعد
انتهاء المعركة قتيلا . وقد أخرج
البخاري ومسلم حديثا في شأن
عمار يقول فيه النبي عليه
الصلاة والسلام : "ويحَ عمارٍ
تقتله الفئةُ الباغية ، يدعوهم
إلى الجنة ويدعونه إلى النار".
روي أن معاوية رضي الله عنه قال
وقد ذُكر هذا الحديث له: "إنما
قتله من أخرجه" . وفي رواية:
إنما قتله عليٌ وأصحابه ، جاؤوا
به حتى ألقوه تحت رماحنا" . وقد
نقل الإمام المُناوي في فيض
القدير شرح الجامع الصغير عند
شرح حديث عمار أن سيدنا عليًا
رضي الله عنه ردّ قول معاوية -
الذي لم يرو عنه أصلا بإسناد
صحيح - بضرب المثل بسيدنا حمزةَ
بن عبد المطلب: إذ يلزم عليه أن
الذي قتل حمزة إنما هو رسول الله
صلى الله عليه وسلم الذي أخرجه ،
وحاشاه صلى الله عليه وعلى آله
وصحبه وسلم . ونقل عن ابن دحية أن
هذا من باب الإلزام للإفحام،
يعني أن يقول المجيب شيئا وهو لا
يعتقده لإلزام الخصم وإسكاته .
أقول: وهو ما يسمى في آداب البحث
والمناظرة بالتنزّل الجدلي ،
وهو التسليم بصحة قول الخصم
ظاهرا والسيرُ وراءه
وإظهارموافقته فيه لبيان ما
يستلزمه من الفساد وكشف ما
يترتب عليه من المستحيل . وقد
قلب سيدنا علي رضي الله عنه بذلك
الحجة على معاوية ببيان ما يلزم
على هذا الاستدلال الشنيع ، ولا
يستغرب ذلك من سيدنا علي كرم
الله تعالى وجهه . ومع أن
هذا الحديث في قول معاوية لا يصح
وفي أسانيده مقال ، فقد أردت أن
أضرب به المثال على منطق سقيم هو
منطق البحث عن أضعف المبررات
عندما تقوم الأدلة وتنطق
البراهين بإدانة المجرم ، فلا
يبقى لأنصار المجرم إلا قلب
الحقائق واللجوء إلى المغالطات
. وهو ما يقع فيه إعلام النظام
وذلك متوقع من نظام أفاك سياسته
الكذب وديدنه الخداع ، ولكن أن
يقع فيه طلبة العلم فهذا ما لا
يقبل بحال . والقصة
اليوم أن سيدةً شكت البوطي إلى
الله تعالى ، وكتبت تقول في كلام
طويل : "ستحكي لك الأراملُ في
البرزخ كيف كان النصيري الهالك
حافظ الأسد وجنده يقطعون
سواعدهن وهن أحياء لأخذ ماعليهن
من ذهب وحلي ! أمانة
ياشيخ ... ستقابل
هناك طفلةً أرق من الندى وأنصعَ
من الصباح وأعطر من الياسمين
وأنقى من ماء الغمام .. ذبحها جيش
الصحابة ... في منطقة القبير،
كانت تصرخ بجزارها وهو يسوقها
كدجاجة للذبح بعد أن ذبح إخوتها
أمام ناظريها، كانت تنادي -
ياشيخ - بصوت ارتجّ له قلب الليل
: -
ياعمو الله يخليك ، الله يخليلك
ولادك ، ياعمو مشان الله ! كل
الكون بإنسه وجنّه وسماواته
السبع والأرضين كان يرتجف
لفظاعة المشهد لكن جيش الصحابة
لم يسمعوا ياشيخ ... كانوا
يقهقهون !! أمانة
ياشيخ ... أخبرها أنك الشيخ الذي
كان يصدر الفرمانات الإلهية
والأوامر الجهادية لذبحها علها
ترتاح في عليائها ، فقد رحلت
وعلى شفتيها المضمومتين كحبتي
كرز سؤال تجمّد : يارب
ماذا فعلنا ، يارب لماذا
يقتلوننا ؟!! من
يدافع عن البوطي عليه إعداد
الجواب أمام الواحد القهار عن
هذه الأسئلة وعن ملايين الأسئلة
من ملايين السوريين". انتهى
الاقتباس من تعليق لأحد القراء
في صفحتي على الفيس بوك . وهذا
كلام يجب أن يُسمع ، ويجب علينا
أن نصغيَ له . إنه صوت شعب جريح
مكلوم أصيبَ في كل شيئ ، فقدَ كل
شيئ ، أصيب في النفس والعِرْض
والدين والمال حتى العقل لم
يسلم بعض الناس من فقده ، فقد جن
كثير من الناس لهول ما رأوه من
الجرائم أو ما نزل بهم من العذاب
، بل إن بعض الناس جمعت له هذه
المصائب جميعا في جِراب واحد
ونزلت عليه ، إن من حق كل واحد من
هؤلاء أن يقول ويجب علينا أن
نسمع ، ولصاحب الحق مقال ، ولا
يجوز للعالم أن يُصمّ الآذان
كما لا يجوز للعاقل أن يحرّف
الكلام . لكن
الذي لا يمكن أن يسمع ولا محل له
من الإعراب ولا مكان له بين كلام
العقلاء هو أن يخرج هيّ بنُ بيّ
من تلاميذ البوطي مدافعا عنه
فيستخف بعقول الناس ويجرح شعور
الثكالى والأيتام والمصابين
ليلقي باللائمة في موت هذه
الصبية وغيرها على الثوار ويعد
المسؤول عن قتل من قُتل إنما هم
الذين اختاروا الخروج على
الإمام . فقد كتب أحد الأغمار
معلقا على قصة تلك المرأة: "من
يُسأل عن تلك الصبية هو من عصى
الشيخ البوطي رحمه الله تعالى
وواصل فيما يوصل الى قتلها و قتل
غيرها و تدمير البلد كله" .
وهو أنموذج من كلام يتكرر على
صفحات شبكة المعلومات (الإنترنت)
فرأينا أن قد وجب علينا بيان ما
يقود إليه ولذلك ابتدأنا بقصة
سيدنا عمار رضي الله عنه . وقراءة
هذا الكلام جعلتني أنظر متعجبا
متسائلا : ما الذي أنتج هذا
الاستدلال ؟ أهو
حُمقٌ وصل بصاحبه إلى هذه
الدرجة من السخف في التأويل ! أم هو
ذهن كليل وعقل مريض انقدح له هذا
الدليل ! أم هو
الجهل المركب أوصل كاتب تلك
الكلمات إلى هذا المستوى من
الاستخفاف ! أم
عمىً فقد صاحبه معه القدرة على
التمييز ! أم
تكبر عن الوقوف على الحق حجب
صاحبه عن رؤيته ! أم هو
الشيطان قد لبّس عليه حتى أراه
النهار ليلا والليل نهارا
والسواد بياضا والبياض سوادا
والباطل حقا والحق باطلا ! ربما
اجتمع ذلك كله وزاد عليه التعصب
والتقليد بدعوى الحب، وقد روي
في الحديث الضعيف: "حبك الشيء
يعمي ويُصم" . نعم فالحب للشيخ
البوطي غفر الله لنا وله قد أعمى
بعض تلاميذه وأصمهم حتى تجاوزوا
أستاذهم وسبقوه في العداوة
للثورة بمراحل . إن من
أعجب العجب أن يقتلَ جيشُ
النظام المجرم وجلاوزتُه
وزبانيتُه الأطفالَ والشباب
والشيوخ ويغتصبون النساء - وهذا
موثق بيد العدو والصديق والقريب
والبعيد - ثم يقالَ إن الذي قتل
هؤلاء إنما هم الثوار ، وأن
المسؤول عن ذلك إنما هو الشعب
الذي هب للدفاع عن دمه وعرضه
وماله وأرضه ، مع أن النظام
اعترف بلسان الرئيس المجرم نفسه
بأن الشعب لم يحمل السلاح
ابتداء ، وأن الثورة قامت سلما ،
ولكن الشعب اضطر إلى حمل السلاح
بعد جرائم النظام من قتل
للمتظاهرين في الطرقات وإعدام
للجرحى في المستشفيات وتعذيب
وانتهاك للحرمات . لقد
تعجبت واستغربت وأنا أقرأ جواب
هذا الجاهل عن قتل هذه الصبية:
"من يُسأل عن تلك الصبية هو من
عصى الشيخ البوطي" لم
أصدق أن يصدر هذا من عاقل يسمع
الأخبار ويرى الصور ويجتمع
بالناس ويعيش في الشام . نرجو من
تلاميذ البوطي أن لا يهزؤوا بنا
وأن لا يستخفوا بعقولنا بمثل
هذه الردود والتأويلات .
أتريدون أن تقولوا لنا بأن
المسؤول عن كل هذه الجرائم إنما
هو الشعب. وأن النظام بريء من
ذلك براءة الذئب من دم يوسف . النظام
هو المجرم ، وهو المسؤول عن كل
قتل للناس وتعذيب للسجناء
واغتصاب للنساء وهدم للمساجد
والبيوت وانتهاك للحرمات
وتزوير للحقائق وعبث بالتاريخ .
وهو نظام عدو للإسلام اغتصب
الحكم زورا ، وحاول القضاء على
الإسلام من خلال نشر مبادئ حزب
البعث خمسين سنة ، ومن خلال
تحويل البلد من بلد إسلامي إلى
بلد علماني . نظام قام على القتل
والإرهاب وسفك الدماء لم يَرْعَ
في إنسان ولا مؤمن ولا عدو ولا
موال إلاً ولا ذمة . وصدق الله
تعالى إذ يقول في أمثال هؤلاء: {كَيْفَ
وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ
لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ
إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً
يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ
وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ
وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} ولعل
هذا المتنطع يقول إن الشيخ
البوطي لم يحث الدولة على قتل
الشعب وإنما كان يؤيد الدولة في
قتل الخوارج المارقين . وهذا رد
فاسد لأن على المفتي أن ينظر عند
الفتوى إلى السائل وأحواله ،
وكيف يأخذ الجواب ، وماذا يفهم
منه ، ولا يجوز له أن يلقي
الكلام على عواهنه . جاء رجل إلى
سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله
عنهما يسأله هل للقاتل من توبة؟
فقال : لا ، ثم جاءه آخر فسأله هل
للقاتل من توبة فقال : نعم .
وبيّن سبب اختلاف الجواب بقوله :
"رأيت في عيني الأول إرادة
القتل فزجرته ، ورأيت الثاني قد
قتل وجاء يطلب المخرج فلم
أقنّطه" . هذا هو الفقه ، فأين
منه الدكتور سعيد غفر الله له
وهو الذي كان يصر على وصف الجيش
بالباسل والمقدام ويثني عليه ،
والجيش يقوم بالقتل بلا تمييز ،
لا يفرق بين الثوار والسكان ،
والكبار والصغار ، والرجال
والنساء ، والمكانُ الذي تنطلق
منه رصاصة يجب أن يدمر ، والشعبُ
كله عدو في المناطق التي تثور
على النظام . وقد رأينا هذا في
قصف حمص وحلب ومدن غوطة دمشق
وقصف المخابز والمشافي
والمدارس . أيعقل أن يكون الشعب
كله خارجا مارقا ؟ أم يصدق أحد
أن النظام يغار على الإسلام ؟ وأحسن
الأقوال في د. البوطي بين أهل
العلم أنه اجتهد في تأييد
النظام فأخطأ ، ولكنه كان خطأ
فاحشا جَرّ على أهل السنة
الويلات . ونحن نرى أنه اجتهد في
موضع لا اجتهاد فيه أصلا ، إذ
كانت نصرة الشعب واستنكار الظلم
والقتل من أوجب الواجبات ،
ولذلك حكمنا في مقالاتنا من قبل
بأنه كان آثما في ذلك الاجتهاد ،
وأن الاجتهاد الذي يقبل من
صاحبه وإن كان خطأ إنما هو في
العزلة والصمت لا في تأييد
النظام . واجتهاده
في تأييد النظام في قتله للشعب
وقمعه للثورة يشبه في الفساد
اجتهاد رجل جهل القبلة وبين
يديه بعض أهل المكان من العدول ،
فذهب يجتهد في تحري القبلة ولم
يسأل الناس ولم يطلب العلامات
فأخطأ ، فاجتهاده مردود عليه ،
ويجب قضاء الصلاة هنا إذ ما فات
في الوقت يقضى بعده . ولكن كيف
تعود أرواح من مات من الأبرياء
باجتهاد في موضع لا يصح
الاجتهاد أصلا فيه ، إذ لا
اجتهاد في مورد النص ، وقد
تضافرت النصوص على وجوب نصرة
المظلوم وإغاثة الملهوف وتحريم
إعانة الظالم في ظلمه . ونُذَكّر
بأننا قد أشرنا إلى فضله ،
ونعَيناه بما هو أهله ، صلة لرحم
العلم ، وقياما بحق الدين في
الذَّبّ عن عرض المسلم فكيف
بالعالم، ولسنا من تلامذته (فأنا
تلميذ والدي العلامة الشيخ
إبراهيم اليعقوبي عليه درست وبه
تخرجت ومنه تعلمت الجهر بالحق)
وإن كنت أستفيد من الصغير
والكبير . وحكمنا له بالشهادة لا
لأنه كان على صواب وإنما
باعتبار أنه مات فيما يشبه
الحرق والهدم بيد عدو للإسلام
فهو فقها شهيد آخرة لا شهيد دنيا
كمن مات تحت الهدم ، له ثواب
الشهيد في الآخرة لا حكمه في
الدنيا. وترحمنا عليه لما نراه
أنه مات على الإسلام في بيت الله
. لقد
تصدينا للرد على الشيخ البوطي
رحمه الله بعد انطلاق الثورة
عندما رأينا ذلك واجبا ، بل
رددنا عليه وخالفناه قبل الثورة
في مسائل وفتاوى متعددة ، ولم
تمنعنا شهرته ولا تقدمه علينا
في السن والعلم من بيان الحق
والإشارة إلى الخطأ وكشف الوهم
، فإن العلم مُشاع بين أهله . كما
لم يمنعنا هذا كله من الثناء
عليه بعد وفاته ونعيه والترحم
عليه في وقت يتوجه إليه العشرات
من العلماء والدعاة بالنقد
بألسنة لاذعة . وقد هَلَكَ فِيهِ
مُحِبٌّ غَالٍ ومُبْغِضٌ قَالٍ
، الموقف الوسط الحق الذي يجب أن
يقف عنده كل منصف عالم هو ما
هدانا الله بفضله إليه وحملنا
عليه ، ف{الحَمْدُ لِلّهِ
الّذِي هَدَانَا لِهذَا وَمَا
كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا
أَنْ هَدَانَا الّله . وأيا
كان حاله فإن منطق التبرير
للحكام والدفاع عن الظلمة قد
مات بموته وذهب بذهابه . وقد
أغلق الباب بين العلماء والحكام
في بلادنا بلاد الشام ، ولن نقبل
من أحد أن يأتي إلينا بالجهل
فيصيّره علما ولا بالباطل
فيخرجَه حقا. ينبغي أن يعيد موت
البوطي إلى العلم رُواءه ، وإلى
الفقه بهاءه ، وينبغي أن يكون
موته درسا يعيد للخطيب جرأته ،
وللمفتي استقامته ، وللواعظ
رتبته . ومن
أجمل مواقف العلماء مع الظلمة
من الحكام قصة الإمام أبي
القاسم خلفِ بن فِيرُّه
الشاطبي، وهو أحد أعمدة قراءات
القرآن الكريم تؤخذ القراءات
السبع من طريقه ، وهو صاحب
الشاطبية المسماة (حرز الأماني
ووجه التهاني) . يُنسب هذا
الإمام إلى شاطبة وهي بلد بشرق
الأندلس ، وقد خرج منها مهاجرًا
في سبيل الله حتى جاء إلى مصرَ
ومات فيها - وقد زرت قبره في سفح
المقطم بالقاهرة . وسبب خروجه من
شاطبة أن أميرها أراد أن يقربه
فأبى وخرج . وقد روى الإمام أبو
شامة رحمه الله - وهو دفين دمشق -
عن علم الدين السخاوي أن سبب
انتقال الشاطبي من بلده أنه
أريد على الخطابة ، فاحتجّ
بالحج وترك بلده ولم يعد إليه ،
تورعا مما كانوا يُلزمون به
الخطباء من ذكرهم الأمراء
بأوصاف لم يرها سائغة . خرج
الإمام الشاطبي وأطلق صيحة
مدوية بقيت تنادي على كل عالم
يقف على باب ظالم فاجر : قُلللأمير
مَقالةً مِن عالم فطنٍ نبيهْْ إن
الفقيهَ إذا أتَى أبوابَكم لا
خيرَ فيه ==================== ياسمين
آذار المخضب بالدم - (الحلقة
الثامنة) محمد
فاروق الإمام الشعارات
المضللة التي انطلق منها حزب
البعث العربي الاشتراكي الوحدة
العربية حتى
قيام الوحدة السورية-المصرية
عام 1958م، كان المفهوم القومي
لحركة البعث ينبع من إيمان عميق
يشبه إلى حد بعيد (العشق الصوفي)،
في أن الوحدة العربية هي المهمة
الأولى والوحيدة. وكان الحزب
دائماً يعطي مسألة الوحدة أهمية
ورجحاناً معنوياً على الحرية
والاشتراكية. إلا أن
تركيز الحزب على أهمية الوحدة
لم يدفعه بنظر التقرير العقائدي..
إلى صياغة دليل نظري يستبين
الطريق إلى الوحدة ويرسم أسلوب
تحقيقها وضمانات حمايتها
وتطورها. من هنا -كما يقول
التقرير - يأتي ضعف الأسس
النظرية والعملية لوحدة عام 1958م،
وبالتالي ضعف حمايتها من
الانهيار والسقوط عام 1961م. وفي
مجابهة التحدي الشيوعي المحلي،
أعطى الحزب نوعاً من القداسة
للاتجاه القومي، ومفهوماً
مثالياً للقومية العربية فتح
المجال -كما جاء في التقرير-
لتفسير مناف أحياناً للعلم
ولتطور التاريخ، فتحولت
القومية العربية إلى مفهوم
متحجر جامد.. واعتبرت القضية
الاشتراكية فرعاً من القضية
القومية.. مما طمس في أذهان
البعض حقيقة الصراع الطبقي
لمحتوى حقيقي ومنطلق نضالي
أساسي للقومية العربية. غير أن
المؤتمر القومي السادس يعتبر
دائماً أن الوحدة العربية نظرية
أساسية في العالم العربي وواقع
يحرك أعماق الجماهير العربية من
الخليج إلى لمحيط. ولكن المهم
الآن هو تحديد أسسها السياسية
ومضمونها الاجتماعي. إن
التجربة السياسية بين البلاد
العربية خلال فترة زمنية طويلة..
أوجدت -تدريجياً- فوارق
واختلافات في الفكر الاقتصادي..
انعكست في البنيات السياسية
والاجتماعية والثقافية لكل قطر.
وبسبب السيطرة والتدخلات
الاستعمارية.. فإن الرأسمالية
أو بالأحرى الرأسمالية العربية..
لم تستطع أن تنمو وفق متطلبات
السوق الرأسمالي.. بمعنى أن تزيل
وتهدم الحدود والحواجز
السياسية بين هذه البلاد. فالوحدة
العربية ليست تحريراً قومياً
فحسب وإنما هي أيضاً تحرر
اقتصادي واجتماعي وقضاء على
التخلف.. بمعنى آخر.. إن علاقة
الاشتراكية بالوحدة هي علاقة
جدلية -على ذمة التقرير
العقائدي- فالوحدة العربية.. حيث
إن مضمونها هو بناء الاشتراكية،
تكوّن إطاراً بشرياً
واقتصادياً أكثر ملائمة
لمتطلبات التحويل الجذري
والشامل للوطن العربي. باختصار:
الوحدة العربية والاشتراكية -
بنظر المؤتمر القومي السادس-
هما قضيتان متلازمتان من
الناحية التاريخية والاقتصادية. لهذا
فإن الحركة القومية الوحدوية..
في مجرى تطورها الموضوعي.. سارت
في اتجاه جديد.. وعملت على
التخلص من السيطرة الاستعمارية
باعتبارها الموجدة والمكرّسة
للتجزئة والمحافظة على بقائها..
ومن سيطرة الإقطاع كأسلوب إنتاج
متخلف وكطبقة سياسية عميلة.. ومن
البرجوازيات كعامل تناقض سياسي
وإقليمي بين البلاد العربية. وهكذا
ففي الوقت الذي تحقق فيه
الجماهير الوحدة العربية.. تتجه
وتسير في طريق الاشتراكية..
فإزالة البرجوازيات العربية
يصبح عندئذ الشرط الأول لإقامة
الوحدة.. وهذه الوحدة تأتي إذاً
في الظروف الحالية ضمن أفق
تاريخي اشتراكي صحيح وتعبّر
بالتالي عن أمل الجماهير في
التحرر الوطني والاجتماعي
والاقتصادي. كما
يؤكد البيان العقائدي على أن
بناء الوحدة بين بلاد تركت
التجزئة السياسية رواسب
إقليمية ومصالح ضيقة.. يجب أن
تأخذ بعين الاعتبار هذه الفوارق
الاقتصادية والاجتماعية
والسياسية.. على الأقل في
الابتداء. وذلك حتى تستطيع فيما
بعد أن تتغلب عليها تدريجياً.
وهذا يعني أن الوحدة يجب أن تقام
على مراحل. وإن إحلال الامتداد
محل التفاعل الاقتصادي
والاجتماعي والسياسي بين مختلف
التجارب الثورية العربية.. يؤدي
عملياً إلى تعميق التناقضات
الإقليمية وإبرازها بشكل عدائي
ويهيئ الظروف لردة انفصالية كما
حدث في 28 أيلول 1961م في سورية. وهي
أكثر خطورة من التجزئة ذاتها. الديمقراطية
الشعبية (الحرية) لابد
في هذا السياق من أن نعود قليلاً
إلى الوراء وان نشير تلميحاً
إلى ما كانت تفهمه حركة البعث
العربي.. منذ تأسيسها.. من اصطلاح
(الحرية). في الحقيقة وواقع
الأمر، كانت كلمة الحرية تأخذ
دائماً في أدبيات البعث
السياسية صفة (القداسة). ففي
مقال للأستاذ ميشيل عفلق تحت
عنوان: (لماذا نحرص على الحرية؟)..
يعتبر مؤسس حركة البعث ومفكرها..
أن قضية الحرية هي قضية جوهرية
في حياة الفرد الشخصية وفي حياة
الأمة على حد سواء. ويؤكد بهذا
الصدد على أن (الحرية لا تتجزأ
فلا يمكن أن نثور على الاستعمار
الأجنبي ثم نسكت عن الاستبداد
الوطني. لأن الدافع الذي يحركنا
ضد الاستعمار هو نفسه الذي
يمنعنا الآن من الرضا
بالاستبداد.. أما الذين لا
يستطيعون أن يحكموا الشعب إلاّ
إذا استعبدوه.. فهذا الشعب الذي
غلب الاستعمار.. سوف يريهم كيف
يستطيع التخلص من حكمهم والتحرر
من عبوديتهم). فحرص
مؤسس الحزب على الحرية ودفاعه
عنها -كما يقول- ليس شيئاً
نظرياً (لا علاقة له بالواقع.
فالحرية هي التي تسمح للشعب أن
يعرف أين يذهب خبزه اليومي وكيف
تبذر ثروته وثمار عمله وإنتاجه..
وتتيح له أن يعرف المدى الذي
بلغه في تحقيق استقلاله
والنواقص التي تشوب هذا
الاستقلال..). وهكذا
فإن التعلق بالحرية والدفاع
عنها إنما هو تعلق بحياة الفرد
الشخصية وبحياة الأمة ككل.. وأن
المعركة التي تخاض من أجلها
ستكون والحالة هذه (معركة حياة
أو موت). إذ أن (الحرية ليست مواد
في الدستور ونصوصاً في القوانين
وليست هي مجرد موضوع للخطابة
والكتابة.. ولكنها عمل قبل كل
شيء. إنما لن تدخل حياتنا ما لم
نرخص الحياة في سبيلها ولن نفرض
على الحاكمين احترامها وَنُشعر
الشعب بقيمتها وقدسيتها إذا لم
يكن إيمانا بها جهاداً ودفاعنا
عنها استشهادا). لذلك
ومن هذا المنطلق.. فإن نهضة
الأمة العربية لا يمكن لها أن
تتحقق إلا إذا تمتع كل فرد
بحريته الشخصية وبحقه في
التعبير عن رأيه سواء في
الصحافة أو عن طريق الاجتماعات
العامة أو في تكوين الجمعيات
والأحزاب السياسية. وليس هناك
من سلطة تستطيع أن تعطي لنفسها
حق كبت الحرية الشخصية والحريات
العامة لأي سبب كان. يؤكد حزب
البعث.. في (الدستور) الذي أقره
المؤتمر التأسيسي الأول في 7
نيسان 1947م.. (أن قيمة الدولة
ناجمة عن انبثاقها عن إرادة
الجماهير.. كما أن قدسيتها
متوقفة دوماً مع نمو حرية الفرد..
لذا فإن حرية الكلام والاجتماع
والاعتقاد والفن مقدسة لا يمكن
لأية سلطة أن تنتقصها). لهذا
فإن المؤتمر القومي السادس.. عند
تحليله وتقييمه لمفهوم الحرية
في إيديولوجية حركة البعث
العربي.. يرى بأنه كان ينبع من
مفهوم (رومانسي مجرد). وإذا كانت
الحرية قد فهمت بشكل عام على
أنها تحرير للإنسان العربي..
تحرير سياسي واقتصادي بكل صوره
وأشكاله.. إلا أن الحزب (لم يتصد
لمحاولة تصحيح مفهومها
الاجتماعي والطبقي بشكل كامل
وملموس). إذ أن (الحرية بشكلها
السياسي لم تكن مفهوماً مجرداً
مطلقاً.. بل هي دائماً حرية
ملموسة ذات مضمون اجتماعي محدد..
منحت لطبقة ومنعت بشكل أو بآخر..
عن طبقة أخرى). لقد
اعتقدت حركة البعث ومنذ تأسيسها
أن النظام السياسي الذي يجسد
مفهومها لهذه الحرية.. يكمن في
تطبيق الديمقراطية البرلمانية
على النمط الغربي. وقد اعتبرت
الديمقراطية البرلمانية هذه (ضرورة)
لكي يستطيع الشعب (أن يحصل على
حقوقه في جو من الحرية). فكل
حكومة إذاً لا تكون منبثقة عن
انتخابات عامة أو لا تمثل الشعب
تمثيلاً صحيحاً (يجب أن تزول
ويحل محلها حكومة من الشعب
وللشعب) وتخضع لرقابته العامة. وجاء
ذلك صريحاً بصورة رسمية في
مبادئ الحزب الأساسية التي
يضمها (الدستور) حين يعلن أن (السيادة
هي ملك الشعب وانه وحده مصدر كل
سلطة وقيادة) وأن نظام الحكم (هو
نظام نيابي دستوري.. والسلطة
التنفيذية مسؤولة أمام السلطة
التشريعية التي ينتخبها الشعب
مباشرة).. (والسلطة القضائية
مصونة ومستقلة عن أية سلطة أخرى
وتتمتع بحصانة مطلقة). وهذا يعني
أن فصل السلطات: السلطة
التنفيذية والسلطة التشريعية
والسلطة القضائية.. مبدأ أساسي
وقاعدة تبنى عليها ديمقراطية
البعث. كما أن الحزب سيعمل على
وضع دستور للدولة العربية يكفل..
للمواطنين العرب المساواة
المطلقة أمام القانون والتعبير
بملء الحرية عن إرادتهم واختيار
ممثليهم اختياراً صادقاً..). وفي
عام 1950م.. عندما كانت المعركة
على أشدها في سورية حول قضية
الديمقراطية البرلمانية والحكم
الفردي.. اتخذ الحزب موقفاً
صلباً وقوياً ضد أية فكرة تنسب
مسؤولية التأخير وسوء الأوضاع
السياسية في العالم العربي إلى
النظام الديمقراطي البرلماني.
وكان يرى البعثيون في ذلك الحين
أن البلاد العربية.. بما في ذلك
سورية.. لن تعرف في الواقع من
الديمقراطية ومن النظام
الدستوري سوى النواحي السيئة.
لهذا فإن هذا (التشويه).. مع
خطورته.. يجب أن لا يسيء إلى مبدأ
الديمقراطية نفسها. وكمثل
على ذلك فإن البعثيين كانوا
ينظرون إلى كيفية تطبيق النظام
البرلماني في البلاد الغربية..
الذي هو نتيجة -برأيهم- للمشاركة
الفعلية للشعب في الحياة
السياسية.. في حين أن النظام
النيابي الدستوري في سورية قد
أفرغ من محتواه الديمقراطي
الحقيقي. وهكذا.. فإن الحزب طوال
تلك الفترة كان يقود الحركة
التي تدافع عن الديمقراطية
النيابية.. ويرفض رفضاً قاطعاً
أي شكل من أشكال النظام
الدكتاتوري والحكم الفردي. في
الحقيقة، هذا الاتجاه العام
والرسمي لحركة البعث، فيما
يتعلق بتبني مفهوم الديمقراطية
البرلمانية، قد خضع لبعض
التحولات إثر وصول بعض الأحزاب
أو العسكريين إلى قمة السلطة في
بعض البلدان العربية والنامية
فقد ابتدأ الحزب في توجيه
الانتقادات للنظام الديمقراطي
البرلماني وأخذ يميل إلى تأييد
ما كان يسمى ب(الديمقراطية
الموجهة). غير أن
هذا المفهوم الجديد، لم يوضح
أبداً، ولم يضع البعثيون
مفهوماً محدداً وملموساً
للديمقراطية السياسية، كما
أنهم لم يوضحوا المحتوى
الاجتماعي لمسألة الحرية. لهذا
فعندما قامت الوحدة في عام 1958م
بين سورية ومصر، لم يكن لحزب
البعث فكرة واضحة عن الأسس ولا
الشكل السياسي للنظام
الديمقراطي الذي يجب أن تبنى
عليه هذه الوحدة. وقد
حاول (التقرير العقائدي) الذي
أقر في المؤتمر القومي السادس،
أن يضع الخطوط العامة العريضة
لمفهوم الديمقراطية المسمى
بالشعبية، إذ يرى أن
الديمقراطية البرلمانية على
النمط البرجوازي والتي نقلتها
الدول العربية عن الدول
الغربية، بقيت ديمقراطية شكلية
مقطوعة من جذورها الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية. لهذا
فإن البرلمانية في مظاهرها
الأساسية كانت مرآة للواقع
المتخلف، شبه (القبلي) وشبه (الإقطاعي).
فإخفاق البرلمانية إذن لا يتأتى
من تطبيقها السيئ، بقدر ما هو
يعبر عن الحقيقة الموضوعية خاصة.
وهكذا فإن ظاهرة الانقلابات
العسكرية أصبحت الوجه الآخر
للديمقراطية البرلمانية
الغربية في كثير من البلاد
العربية. ولا
يمكن لهذا المفهوم
للديمقراطية، (برأي التقرير
العقائدي)، من أن يأخذ أبعاده
الواسعة وفعاليته في التطبيق،
إلا إذا اعتمد على تنظيم
جماهيري وهذا التنظيم السياسي
الطليعي يجب أن يقوم على مبدأين
رئيسيين: المركزية الديمقراطية
والقيادة الجماعية. وحزب البعث
هو المهيأ أن يلعب دور المحرك
لهذه الجماهير الشعبية. وإذا
كانت القوى السياسية التقدمية
يجب أن لا تزول من حيث المبدأ،
إلا أنها ملزمة على أن تكون تحت
قيادة حزب واحد، وهو (دون أن
يسمي حزب البعث) ضمن جبهة عريضة
من خلالها يمكنها أن تمارس
نشاطاتها السياسية. من أجل ذلك
فإن المؤتمر القومي السادس
يعتمد لأول مرة مبدأ (الحزب
القائد) الذي يملك السلطة
المركزية الدائمة في حكم البعث. منيف
الرزاز عضو القيادة القومية
المنتخبة في هذا المؤتمر
والأمين العام الثاني للبعث بعد
ميشيل عفلق يتخذ موقفاً
متناقضاً كلياً لهذه الخطوة
العامة التي أقرها المؤتمر
القومي السادس، ويتوسع في توضيح
المفهوم القديم للديمقراطية
البرلمانية للبعث في كتابه (الحرية..)
حيث يعتبر الصفة الأولى
والأساسية للديمقراطية تكمن في
حرية التعبير السياسية
والتمثيل الانتخابي للشعب حسب
الأعراف البرلمانية المعروفة. (فلا
مجال لحرية تعبير في حكم غير
ديمقراطي، كما أن لا مجال لحكم
ديمقراطي مع فقدان حرية التعبير)..
(بل لقد أصبح مقياس الحرية
المادي إنما يعتمد على وجود
النظام النيابي).. (وأن بلداً
محروماً من التمثيل النيابي بلد
لا يمكن أن يقال إنه يتمتع
بالحرية). والرزاز في سياق دفاعه
عن حرية تأليف الأحزاب
السياسية، يؤكد أن تعدد
الأحزاب، إذا كان يعكس تناقضات
موجودة في المجتمع، فهو يعبر
أيضاً عن (حيوية الأمة). وهو يضيف:
(أن حرية التكتل في أحزاب سياسية
أساس من أسس الحرية السياسية
الحديثة، لا وجود لها من دونها.
وكبت هذه الحرية بإلغاء الأحزاب
أو إلغاء تعدد الأحزاب لا يمكن
أن يعني إلا وقف الحريات
السياسية للشعب وللمواطنين
وحصر الحياة السياسية في الحكم
أو مجموعة الحكام).. (ولا يمكن
لحياة سياسية أن تقوم في أي قطر
من غير أن تتمثل هذه الحياة
السياسية في أحزاب قائمة. وإذا
انعدمت الحياة الحزبية فقد
انعدمت مشاركة الشعب في رسم
مصيره السياسي). من أجل ذلك يقف
موقفاً عنيفاً ضد مبدأ (الحزب
الواحد)، لأن (حكم الحزب الواحد
لا يمكن أن يكون حكماً
ديمقراطياً بطبيعته.. إنه تعبير
عن حكم كتسلط بجهاز شعبي).
وبكلمة واحدة، إن عدم وجود
أحزاب سياسية متعددة في حكم ما،
إنما (هو إلغاء تام للحياة
السياسية للمواطنين وإحلال
الدولة محل الشعب). الاشتراكية لقد
وجه التقرير العقائدي ولأول مرة
رسمياً، ضربة قاسية لمفهوم (الاشتراكية
العربية) للحزب. فبعد أن أشار
إلى الجوانب الإيجابية لعمل
حركة البعث السياسي، التي ربطت
النضال القومي بالنضال
الاشتراكي، يؤكد المؤتمر
القومي السادس أن الحزب أطلق
على الاشتراكية التي ينادي بها
اسم (الاشتراكية العربية) في
مواجهة سلبية للتحدي الشيوعي
المحلي وفي محاولة لتأكيد
القضية القومية. إلا أن
التأكيد على الصفة القومية
للاشتراكية دون توضيح الأسس
النظرية، أدى إلى نوع من
العصبية القومية السلبية تجاه
الفكر الاشتراكي العالمي. وبقيت
اشتراكية الحزب التي سميت ب(العربية)
مجرد كلمة خالية من أي مضمون
علمي، فصلت عن لحمتها
الاجتماعية والطبقية. ويضيف
المؤتمر القومي السادس بأن
تعبير الاشتراكية العربية، كان
من الممكن أن يكون نقطة انطلاق
لتلمس الواقع العربي بكل
تفاصيله وتناقضاته، وتحليل
تكوينه الاقتصادي والطبقي. إلا
أنه بقي هذا التعبير في كتابات
البعث مجرد شعارات عامة وتسميات
عاطفية حول (الخصائص العربية)
للاشتراكية ومزاياها الأصيلة.
كذلك فإن أعضاء المؤتمر
بغالبيتهم يرفضون هذه (الخصائص
الأصيلة)، ويتبنون تعبير (الطريق
العربي إلى الاشتراكية) محل (الاشتراكية
العربية). ذلك أن مضمون
الاشتراكية واحد، لكن الطريق
الذي يوصل إليها يختلف بين بلد
وآخر، حسب ظروفه وأوضاعه
الاجتماعية والتاريخية. ومن
ناحية ثانية، فإن المؤتمر
القومي السادس يقوم بنقد مبدأ
أساسي تقوم عليه اشتراكية
البعث، وهو (الملكية الفردية)
التي كانت تعتبر دائماً حقاً
طبيعياً للإنسان. (إن الاعتراف
بالملكية الفردية بشكلها
المطلق ورغم تضييق نطاقها، هو
ضرب من المفهوم البرجوازي
الصغير. لأن المفهوم الاشتراكي
العملي يعتبر العمل الإنساني
المصدر الوحيد للقيمة. لذا فإن
الملكية الفردية إذا تعدت نطاق
الاستعمال الشخصي)، لا مفر من أن
تصبح وسيلة لاستغلال الإنسان
للإنسان. ويشير
التقرير العقائدي بعد ذلك إلى
أن اعتراف الحزب بالملكية كحق
طبيعي ترك آثاره السيئة
والظاهرة في تركيبه وتكوينه
الطبقي. وبما أن تكوين الحزب
الطبقي والإيديلوجي بقي غير
واضح، فقد اعتقدت البرجوازية
والجماهير الشعبية على السواء
أن اشتراكية البعث تلبي مصالح
كل منهما، ونتج عن ذلك أن
تنظيمات الحزب أحبطت من قبل
البرجوازية والملاكين
العقاريين من جهة، ومن قبل
الجماهير الشعبية من جهة أخرى..
وهكذا استطاعت العناصر
البرجوازية الصغيرة أن تصبح ذات
أهمية رئيسية في قيادات الحزب
على جميع المستويات، في حين أن
العناصر من العمال والفلاحين
كادت تكون غير موجودة. ويعرّف
التقرير العقائدي الاشتراكية
بأنها (الملكية العامة لوسائل
الإنتاج). وإنها نظام اجتماعي
يخلق ظروفاً موضوعية، اقتصادية
واجتماعية وسياسية وثقافية،
تحرر الإنسان من جميع أنواع
الاستغلال والتسلط. وأن تحقيق
المجتمع الاشتراكي - كما يقول
التقرير - لا يمكن أن يأتي إلا
عبر تعبئة الجماهير الشعبية من
عمال وفلاحين ومثقفين ثوريين
بقيادة طليعة منظمة تنظيماً
قوياً. ويعتبر
التقرير أن من أهم الخطوات
الأولى في تحقيق الاشتراكية هي
في تأميم وسائل الإنتاج الكبرى
والنقل والتجارة الخارجية
والداخلية والملكية الزراعية
الكبيرة، بتطبيق مبدأ: (الأرض
لمن يحرثها). يتبع ========================== الدكتور
عثمان قدري مكانسي كتبتها
عام / 1984/ أربعة وثمانين وتسع مئة
وألف ، ولم أنشرها ، أقدمها الآن
لأنني رأيتها تترجم ما في نفسي
هذه الأيام المباركة . 29-03-2013
------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |