بين
فساد الدولة ودولة الفساد
زهير
سالم*
تطرق الفساد إلى الدول حالة
عامة، صاحبت تاريخياً نشوء
الدول، ولازمت صاحب السلطة
بأشكالها القهرية والسياسية
والاقتصادية. فحيث وجدت السلطة
وجد الفساد مرتعاً خصباً ينمو
ويرتع فيه.
والفساد بهذا المعنى مرض يتطرق
إلى الجسم السليم أو وهن يصيب
البناء القائم. إذ الأصل في
الدول أنها مؤسسات قامت على
صيغة من صيغ التعاقد الأولي
لإقامة العدل، وتوفير الأمن،
وحماية الضعيف، والأخذ على يد
الباغي. ثم تطورت مهامها لتشمل
كل ما تهتم به الدولة الحديثة من
أمور التنمية والرعاية.
وأول الفساد الذي يتطرق إلى
الدول، فساد اختيار الرجال،
بحيث يوسد الأمر إلى غير أهله
فيوضع العاجز في مقام الرأي
والتدبير، والمتردد في مقام
العزيمة، و الضعيف الهياب في
مقام يتطلب
الشجاعة والنجدة، وفي مقام
الأمانة الدنيء النفس، وفي مقام
العفة صاحب الهوى والشهوة.
فنكون كمن استرعى ذئباً في غنم.
ومن فساد اختيار الرجال ينشأ
فساد مناهج المراقبة والمحاسبة
والمتابعة، فيكون حال الفاسد
كحال التي قيل لها:
خلا لك الجو فبيضي واصفري
كل هذا يمكن أن يكون في جسم دولة
قائمة على أصولها، فيقال عنها
إن الفساد قد تطرق إلى جسمها،
وأنه بدأ ينخر كيانها، ويحت
أصولها وجذورها. إنها دولة
فاسدة توشك أن تنقض فيمسكها ما
كان فيها في الأصل من بنيان
الدولة وكيانها.
أما دولة الفساد، فهي شأن آخر
غير هذا الذي نتحدث عنه، ونومي
إليه. إذ حديثنا الأول إنما
ينطبق بقدر ما على جميع دول
العالم القائمة اليوم، فماتزال
الفضائح تتكشف عن أيماننا
وشمائلنا، فضائح في السياسة
وأخرى في الإدارة، وثالثة في
الاقتصاد، ورابعة في الأخلاق،
ولوجود هذه الفضائح دلالة،
ولمتابعتها ومحاصرتها دلالة
أخرى أهم وأوضح.
في (دولة الفساد) ستجد مجموعة من
أصحاب العرامة ورواد السطو،
واللصوص والجبناء والخائنين
والمترددين قد اختطفوا في ساعة
غفلة، فعل القراصنة، سفينة
اسمها دولة ثم أقاموا دولتهم
مكانتها. دولة الفساد تقوم
أصلاً على قانون أهل الفساد:
إباحة كل شيء، والاستئثار بكل
شيء.
في دولة الفساد ينقلب مفهوم
العدل، ومفهوم الحق، ومفهوم
الأمن ويصبح الناس في ظل هذه
الدولة شياه تسمن للحلب والصر،
وتصبح الدولة غابة لا تسوسها
أسودها وإن فعلت قالت:
قال الحمار وزيري قضى بهذا
اختياري
دولة الفساد حالة يقتل فيها
الإنسان، فلا أحد يدري فيم قتل،
ويسجن فلا أحد يسأل لم سجن، لا
تكتشف فيها جريمة، كل اللصوص
فيها أمناء، وكل الفجار فيها
شرفاء، وكل العاجزين فيها أبطال
ميامين، حتى وهم يطأطئون للبعيد
ويتنمرون على القريب.
---------------
*مدير
مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
23/09/2007
تعليقات
القراء |
شهاب
الدين
اعتقد
أن الموضوع يبدأ بفساد
الدولة في أول الأمر ثم
يتحول الموضوع بعد فترة من
الزمن الى دولة الفساد اذا
لم يجد شعباً قويا واعيا يقف
في وجهه .. كما هو الحال في
معظم دولنا العربية و نخص
بالذكر سوريا
|
|