دمعة
عز على وطن عزيز
زهير
سالم*
خياراتنا
الوطنية جزء من ثوابتنا. قلوبنا
التي تخفق في صدورنا هي مجلى من
مجالي تربة وطننا التي منها
وعليها نشأنا. الفرز مع أو ضد لا
يصدر أبداً عن معادلة شخصية،
وقضايانا الشخصية آخر ما نفكر
فيه.
هويتنا
ثابت، فلسطيننا ثابت آخر،
جولاننا ثابت ثالث، سيادة
قطرنا، سلامة أرضه وإنسانه،
عزته وتقدمه كرامة إنسانه
وتحرره ثوابت لا يمكننا تخطيها.
وعندما تفرز المواقف السياسية
على هذه القضايا نبقى نحن
الممسكين بأرومة الكَرْم
والكَرَم إليها يفيء من شذ وند.
(أبو
رغال) الذي قاد جيش أبرهة إلى
مكة هو صاحب القبر الذي ترجمه
أجيال الأمة في ظاهر مكة حتى يوم
الدين. حقيقة حفظناها، ولا يمكن
أن ننساها ولا أن نتجاوز عليها.
بعض
بني وطني، ضجيجاً من ألم
اللحظة، يحتجون على مثل هذا
الكلام. يعلنون المراهنة على (أبرهة)
الذي يكفي اسمه عنواناً معبراً
عن كتابه وما يحتويه.
بعض
بني وطني تعبيراً عن الشكوى من
ظلمة الزنانين أو يأساً من
القدرة على اختراق جدرانها، بعض
بني وطني الذين دمرت قسوة
الجهول بناءهم النفسي، وصادرت
قدرتهم على استشراف الفجر من
وراء سجف الكلام.. يحتجون على
الكلمة والموقف ويضجون أحياناً
في رسائل صامتة وناطقة بالشكوى
مما نكتب ونقول.
ونعيد،
في سياق القول، القول: كل
المقابر الجماعية، والزنازين
السود الرطبة، وعذابات الإذلال
النفسي، والانتهاك الجسدي، وكل
الاستلاب للحقيقة الوطنية
لحساب المصلحة الفردية، وكل
الحصار في ليالي المهجر الباردة
الطويلة، كل الآهات والدموع
واضطرابات الحنين في القلوب
والنفوس المدمرة.. كل أولئك
المعطيات المظلمة على قسوة ما
فيها، ووحشة ما فيها، لا تعدل في
ذلتها انحناءة واحدة أمام جبروت
محتل، تدوس قدمه الهمجية التراب
الذي عجنت منه أجسادنا وقلوبنا
وعقولنا.
الذين
يحاولون التضييق علينا
بالمقايسات ـ الأرسطية ـ
الصورية، بلماذا ؟ وكيف ؟ وبما
الفرق ؟ هؤلاء جميعاً إنما
يتكلمون من ضيق اللحظة، ومن
انسداد الأفق وهم وأنتم ونحن،
وهو وهي وأنت وأنا.. كلنا
وأقولها جازماً، كلنا ساعة يجد
الجد، أو يحمى الوطيس، أو ينتصب
شبح أبرهة في الأفق، سنكون لحمة
واحدة، و موقفاً واحداً.
ستتلاشى، بكل تأكيد، هذه
الاعتراضات، وتطيش تلك
العبارات وتبقى المعرفة
الوطنية التي تنتمي في جوهرها
إلى المعرفة الصوفية، بلا كيف
ولا لماذا؟ هي سيدة الموقف.
المعرفة
الصوفية الصادقة، الإشراق
النفسي الأولي الذي يرفض لجاج
المقايسات العقلية، والمماحكات
الفكرية. فالقياس العقلي أو
الطرح الفكري ليس دائماً سبيل
لمعرفة الأمثل عندما تنفتح
أبواب العشق للأرض أو للسماء.
أمور
كثيرة ندركها بالمعرفة
الباطنية، بالذوق الخاص، ومنها
حالة التسامي فوق الجراح. لا
تلبث في لحظة من لحظات الحقيقة
أن ترى نفسك منساباً في معادلة
طالما عانيت من أطرافها الظلم
والقهر والعدوان. حالة من العشق
تفرض عليك دائماً أن تبقى
الأكبر والأقوى والأعلى. للوهن
والحزن أسباب كثيرة ولكن النداء
العلوي يدعونا (ولا تهنوا ولا
تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم
مؤمنين).
هذا
هو الدور الأصلي في المقام
الأصلي، ومصيبتنا الحقيقية حين
نتصور أنفسنا طرفاً في معادلة
صغيرة. هل يمكن للأصل أن يكون
فرعاً أو للمتبوع أن يكون
تابعاً ؟ تلك هي بعض جوانب
المعضلة التي أعيت أو استغلقت
على الكثيرين.
حين
ألحظ ماذا فعل الظلم بالأعزاء
من بني وطني، وإلى أين أوصلهم،
تنهمر من عيني دمعة عز على وطن
عزيز.
---------------
*مدير
مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
27/10/2007
|