ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حين
تكون غزة محاصرة لنفعل
شيئاً مختلفاً العنوان
مقتبس عن وزير الخارجية
النرويجي. وهو عنوان كتاب أصدره
الرجل وذكر فيه أن ما يعانيه
الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال
الإسرائيلي يشبه ما كان يعانيه
اليهود في أوربة عام 1930 (أي أيام
النازية). مما أثار الصهاينة،
والسفارة الإسرائيلية ،
وطالبوه بالاعتذار، أو أن يصدر
توضيحاً لما أراد، ولكن الرجل
رفض وأصر على ما كتبه. ومايزال
يتعرض لحملة صهيونية شرسة بعد
كتابه هذا. والمهم أن الرجل أصدر
كتابه وهو مايزال في موقعه
الرسمي (وزيراً للخارجية). و هو
الشخص الأكثر شعبية في النرويج
وحسب استطلاع رأي أخير فقد حظي
بتأييد 82 في المائة من أصوات
المستطلعين. ويتوقع له أن يحتل
موقع رئيس الوزراء القادم. و(لنفعل
شيئاً مختلفاً) دعوة ذات آفاق
مفتوحة فردية أو جماعية أو
وطنية أو قومية أو إنسانية. وعلى
كل صعيد يمكن أن نطلق الدعوة
لفعل شيء مختلف. مختلف إيجابياً
بالتأكيد، وأن نخرج عن النمطية
في التفكير والتصنيف و في
التعليم والتثقيف، وفي النظرة
إلى الكون والإنسان في عالم
يموج بالمعطيات والمتغيرات. ولكن
كيف نصنع شيئاً مختلفاً ؟! بل من
هو المكلف بصنع الشيء المختلف؟!
لا شك أنه أولاً وآخراً الإنسان.
بل إنه (الإنسان) في هذا الإنسان
الذي يضم عوالم كبرى وحاجات هي
الإشارات لعوامل الإقعاد فيه.
وليصنع الإنسان شيئاً مختلفاً
عليه أن يفكر بأشياء غير
الاستجابة للحاجات الأولية
الغرائزية التي حاصرته في
إطارها الفلسفات المادية،
والدعوات التي تسربلت بالمدنية
والحداثية. فإنسانية الإنسان
ليست ابنة (الغاب) في الغابة
كانت الحاجة، ولم تكن ثمة حاجة
لأوراق التوت ولا مكانة للأشواق
والأحلام . الشيء
المختلف هو دعوة للخروج
من إطار الرغبة الحارقة في
الإشباع والميل إلى الاستحواذ
والاستحواز. الدعوة إلى إشباع
الحاجات عجلى بلا ريث، أو
اللهاث وراءها دأباً بلا هوادة
هي عملية الانمساخ الذي عناه (فرانز
كافكا). (كافكا) الإنسان الذي
استيقظ في صباح ما ملهوفاً
ليتابع قطار عمله (العجل بلا ريث)
فوجد نفسه في صورة جُعل أو
خنفساء أو حيوان عجز النقاد عن
أن يجدوا له اسماً. كافكا..
الإنسان قال لهم إن مدنيتكم هذه
قد مسخت الإنسانية في هذا
الإنسان. وهذا ما يكرره اليوم
الوزير النرويجي. إشباع
الحاجة عجلى بلا ريث كعب الماء
يطفئ الظمأ ولا يشعرك بالري، بل
يجعلك تشعر بثقل السائل في
معدتك . هذه
الحاجة وهذه الرغبة وهذا
الاشباع هي التي قال عنها
شكسبير يوما : نلاحقها
بجنون ، نحظى بها بجنون ، ثم
نمقتها بجنون.. الشيء
المختلف.. أن
يكتشف الإنسانُ الإنسانَ الذي
فيه، ثم أن يستجيب له. أن يقرأ
الحزن في عيون الآخرين، والألم
على ملامحهم، وألا يحسب نواح
النائحين والنائحات موسيقا
بيتهوفينية. هذا
الإنسان الذي يخاطبه
وليم بليك.. هل
أستطيع رؤية حزنه، ولا أكون
حزيناً مثله؟! هل
أستطيع أن ألامس أساه ولا
أواسيه؟! هل
يمكن لمن يسمع تنهدات طفل ألا
يجلس بجانب المهد.. ويخلط
دمعه بدمع الوليد.. حين
تكون غزة محاصرة كما هي، يكون
العالم كله محاصراً ويكون
الإنسان في كل إنسان محاصراً،
ممنوعاً من الكلام والأنين
والبكاء.. حين
تكون غزة محاصرة كما هي يكون
مطلوباً من الإنسان لكي لا يصير
إلى صورة المسخ الذي صوره (فرانز
كافكا) الإنسان (السامي وسط
الآريين ) أن يصنع شيئاً مختلفاً.
يكون هذا مطلوباً من الإنسان
بماهيته الأولية المجردة من كل
وصف إضافي ، أن يصنع شيئاً يحقق
من خلاله وجوده الإنساني وإن
أغضبنا القائل بن الوأنأن
الوجود سابق على الماهية. العالم
اليوم يضج بالمنتهَكين
والمنتهِكين، بالمحاصَرين
والمحاصِرين، بالقساة
والمشردين بالبحارة والقراصنة
بالضحايا والجلادين.. هؤلاء
وأولئك جميعاً مطالبون أن
يصنعوا شيئاً مختلفاً. لقد
أنجزت المدنية الحديثة الكثير
من أدوات راحة الإنسان وأدوات
شقائه أيضاً. ولكنها لم تهتد بعد
إلى المنهج الذي يفتح للإنسان
آفاق الطمأنينة والسعادة
وتعلمه أبسط شيء يطلب منه : ألا
يكون فرحه سبباً لحزن الآخرين.. --------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
20/11/2008
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |