ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
في
وداع الراحلين الأخ
الكبير الداعية حسن هويدي في
ذمة الله ويظل
طريق الدعوة موصولاً.. نحن بنو الموتى فما بالنا
نعاف ما لا بد من شربه قالها
أبو الطيب من قبل، ننسل من
الموت، فيخرج الحي من الميت
ويستمر نهر الحياة دفاقاً
بالرجال الذين يتمثلون المنهج
ويرفعون الراية. ويحققون وجودهم
الحق من خلال العطاء الذي لا
ينقطع، والتضحية التي تتجاوز
حدود الذات، وحدود الأمس واليوم
والغد، وحدود الأهل والولد،
وحدود الحاجات التي لا تنقضي... ليتحقق
الوجود الحق من خلال منهج يتمثل
في رجل حفظ ووعى حقيقة (كان خلقه
القرآن)، عرف فلزم، وجد
في السير وما انقطع، حتى إذا
تعبت الراحلة، وبلغ الكتاب أجله
(قرّ عيناً بالإياب المسافر)،
على سجادة الفجر وضع الداعية
جبهة طالما تمرغت بين يدي الله،
ليختم سفراً من أربعة وثمانين
عاماً بطغراء من صلاة وذكر
وشهادة بأن لا إله إلا الله وأن
محمداً رسول الله.. إيه
أخي وأستاذي ومرشدي أبا محمد،
خاتمة ما كان أحبها إليك وأقرب؟!!
وأنت الذي لم يكن يُعجلك شيء عن
صلاة كنت فيها منهجاً وعن ذكر
كنت عليه حريصاً وبه آمراً.. ترى
أن دعوة الإسلام بعضها من بعض،
وأن العبادة والذكر والتسبيح
والتحميد والتكبير ليست عناوين
فقط وإنما هي محطات مراجعة لما
كان واستعداداً لما هو آت.. الوجود
الحق كان
ذلك هو العنوان الأول وسيكون
العنوان الأخير للدكتور الطبيب
الفقيه المحدث الصوفي الأصولي
حسن هويدي رحمه الله تعالى.. كان
الوجود الحق المجلى الأول الذي
تطالع عيناي على صفحته اسم
الدكتور حسن هويدي، كتاب بل
كتيِّب صغير يختصر (الوجود الحق)
وماذا
يمكن لفتى في المرحلة الإعدادية
أن يستوعب من كتاب أو كتيب يتحدث
عن (الوجود الحق) أو (العالم
الأكبر) بين صفحاته. ومع ذلك فقد
كان الكتاب أو الكتيب نبعاً
صافياً رقراقاً يقصده العفاة من
ظماء المعرفة ويصدر عنه كلّ
منهم بما شاء من شبع وري ليكون
الوجود الحق أول الطريق إلى
معرفة وإخوة ما يزيدها كر
الليالي إلا اتساقا.. ومن
الوجود الحق.. يعود الاسم المهيب
الوقور الذي جمع الطب إلى الفقه ليظهر
على صفحات مجلة حضارة الإسلام
يحمل إلى القراء وطلاب المعرفة
مزيج الفقه بالعلم بآراء وفتاوى
تنم على الإحاطة والتحقيق
والتدقيق والحصافة.. ويرتسم في
أفق الإسلام في سورية وبلاد
الشام اسم الطبيب الفقيه كمرجع
تتوجه إليه أسئلة الباحثين عن
الفتوى والمستبينين لحدود ما
أنزل الله.. * *
* جد..
ورفق وتضرب
سفينة العمل الإسلامي في سورية
عاصفة للشر هوجاء، وتتأرجح
السفينة بركابها يمنة ويسرة،
ويسود بين الموج والظلمة والريح
هرج ومرج، وترتفع الأعين تنشد
رجلاً أو رباناً يمسك بالدُّفة،
ويعيد التوازن إلى المركب،
ويرود لها طريق الشطآن الآمنة..
فيتقدم الدكتور حسن رحمه الله
تعالى بل يُقدّم، فيأخذ الأمر
بجد ورفق، جد أثار حفيظة أقوام
ورفق أثار حفيظة آخرين. ولكن هذا
كان منهج الرجل وتلك كانت
طريقته وأسلوبه. يتقدم
إليك برأيه إن سألته، فإن حاولت
مراء أو جدلا أغضى،
فهو يرى للعلم مهابة ينبغي
لأهله أن يصونوها، وربما التفت
معك أو بك إلى باب آخر من أبواب
الحديث. تلك طريقة ورثها من شيوخ
ثقات تربى على أيديهم ونهل من
معينهم فأبى أن يغادرهم أو
يغادر مناهجهم حتى وهو يمزج
الفقه بالطرافة اللطيفة حين
يطلق على المسئول الأول في نظام
يعطي القرار للأكثرية العددية
معلم (عد الأصوات) !! طريقة في
التعبير عن اعتراضه على
القائلين إن الشورى للأمير
ملزمة وأن دوره ينحصر في إدارة
الحوار وإحصاء الأصوات.. و ينهج
مع إخوانه على ذلك، دون أن
يتنازل عن رأيه الفقهي في أن دور
الأمير في الإسلام أكبر وأعظم
من أن يعد أصوات من حوله، وفي أن
المسئول الأول هذا هو صاحب
المسؤولية الأولية في اتخاذ
القرار وفي تحمل تبعاته من بعد.. الجد
والرفق جعل العديدين يختلفون
على الأخ الداعية ولكل أسبابه
وبواعثه ودواعيه، ولكن مكانة الداعية
والفقيه الطبيب لم تتغير في
نفوس إخوانه أجمعين ليبقى هو هو
صدرا للثقة والحب والتقدير
والاحترام. إيه
أخي أبا محمد، رحمك الله، وأجزل
مثوبتك وتقبلك عنده في الصالحين.. ومازال
صوتك ندياً ظاهراً يتردد في
آذان إخوانك، تعلمهم التعلق
بمعالي الأمور، والالتفات إلى
مقاصد الشريعة، والدوران حول
كلياتها، والتجاوز عما دون ذلك
من الجزئيات والصغائر، إن لم
يكن من التجاوز عليها بد.. تهتف
بنا أنه من خاف أدلج، ومن أدلج
بلغ الغاية. وكنت في أمرك كله
جندياً وأنت القائد.. ليكون
الدرس الأمثل في حياتك أن دعوة
قادتها جنودها يحملون رايتها من
المهد إلى اللحد من غير توان ولا
استرخاء ولا تواكل لا بد أن تبلغ
غايتها بإذن الله. وكم
كان يعنّيك ويملأ شغاف قلبك
الكبير حزناً وألماً أمر إخوانك
المغيبين وأهليهم المفجوعين. كم
كنت تردد والحسرة بادية على
وجهك: نفس بأنفس (ومن أحياها
فكأنما أحيا الناس جميعاً) وكم
تحملت في سبيل إحياء الأنفس تلك
من أذى، وكم بذلت وكم سعيت، وكم
أغضيت وكم صمت وأنت الخطيب
المفوه الذي تهتز أعواد المنابر
لكلماته يصدع بالحق ويأمر
بالمعروف وينهى عن المنكر. وما
أكثر ما كنت تكرر، حين نبدئ
ونعيد في أمر الأحبة، الغيّب
الحضور: نحن في هذا الأمر بين
مطرقة وسندان. مطرقة الظلم
والبغي وسندان العصبية والجهل،
فلا يجرؤ الحليم منا على أن يبحث
في هذه البلية عن المخرج. وها
أنت تغادر اليوم.. والجرح راعف،
والثغر مخوف (وربنا الرحمن
المستعان على ما تصفون). أخي
أبا محمد.. رحمك الله وأجزل
مثوبتك.. وبعد فإنه الفراق..
وإنها لسويعات للوداع، ثم
يمتصنا وجيب الحياة وكم من راحل
حبيب ودعنا وكم من كوكب دري من
سماء هجرتنا أفل.. فإن تكن الأيام فينا تبدلـت
ببؤسى ونعمى والحوادث تفعل فما ليّنت منا قناة
صليبـة
ولا ذللتنـا للتي ليـس
تجمل ولكن حملناها نفوسا كريمة
تحمل ما لا يسـتطاع فتصبـر وكم
رددت على المسامع في لحظات وداع
الراحلين من إخواننا تقف بيننا
بصوتك الخاشع ترتل علينا قوله
تعالى: (كل نفس ذائقة الموت
وإنما توفون أجوركم يوم القيامة
فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة
فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا
متاع الغرور) ثم تتبعها نقش
خاتم عمر ـ رضي الله عن عمر ـ كفى
بالموت واعظاً يا عمر.. وتردفها
بقول أمير المؤمنين علي رضي
الله عنه: (ما رأيت حقاً أشبه
بباطل، وقريباً أشبه ببعيد من
الموت). نراه ينزل قريباً من
دارنا فنظن دائماً أنه يتخطاها،
ونحمل أحبابنا إلى حفرة اليقين
ونعود فكأننا لا نُحمل أبدا
إليها. رحمك
الله أبا محمد، وأجزل مثوبتك،
وأحسن نزلك، ووقاك ما كنت تخاف،
وأبلغك ما كنت ترجو، وجمعك بمن
أحببت واقتديت بالأحبة محمد
وصحبه. وعهداً
نقطعه في يوم وداعك المشهود، أن
نكون دائماً حيث أردت، ثابتين
على العهد، ممسّكين بالكتاب
ماضين على الطريق.. رحمك
الله في الأولين ورحمك الله في
الآخرين ورحمك الله يوم يقوم
الناس لرب العالمين . نستودعك
الله الذي لا تضيع عنده الودائع اللهم
لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده
واغفر لنا وله. --------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
16/03/2009
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |