ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
في
ذكرى الجلاء لا
ندعِ التاريخ ينكص بنا.. يذهب
الغرور البشري بأصحابه حتى يظن
الكثيرون أن التاريخ بدأ بهم أو
ينتهي عندهم. أفراد وأحزاب
وجماعات وأجيال بعضهم يمر في
الحياة هواناً للزمان الذي
انتمى إليه، وبعضهم يحمل معه في
صفحات التاريخ سفر مجده الذي
صنع. صحيح أن التاريخ يكتب في
حقبة كما يشتهي صانعوه؛ ولكنه
لا يلبث أن يستدير لينطق
بالحقائق الخالدة في ذكر من ترك
من خلفه ذكراً... حسنا كان هذا
الذكر أو سيئا. عندما
لقنونا في مناهج مدارسنا
التلقينية تاريخ أمتنا الحديث،
حاولوا أن يأخذوا أبصارنا إلى
برق خلّب زعموا أنه أضاء زمناً
هو زمنهم الذي أهانهم كما
أهانوه!! في ذكرى الجلاء نحتاج
إلى التأمل في مفارقات الأجيال
لندرك الفروق وليس الفرق بين
جيل أنجز من ضعف وقلة وجيل ادعى
على غرور وكثرة. كثير
من الإنجازات الحقيقية التي
تعيشها شعوبنا وأمتنا اليوم هي
من إنجاز جيل صنع الجلاء في
الشام أو في مصر أو في العراق
وكثير مما كان بعدُ هو حصاد غرور أدعو
القارئ، طالب المعرفة، أن يفتح،
على غير استحياء، سفر المؤتمر
السوري العام سنة 1920. ذاك
المنتدى أو المؤتمر، أو
البرلمان سمه ما شئت الذي أسس
للدولة السورية الحديثة. تلك
الدولة التي وأدها (غورو)
بإنذاره الشهير. ولكنها أرست
قواعدها رغم أنوف الكثيرين. يكفيك
أن تقارن ـ على سبيل المثال ـ
بين يوسف العظمة وزير الحربية
في العهد ذاك، الذي أيقن أن من
حق الوزارة عليه أن يقاتل حتى
يقتل، وهو عندما خرج إلى ميسلون
كان متيقناً القتل، ولم يكن
عنده كبير أمل في النصر، ولكنه
أقل الواجب الذي تقتضيه صناعة
التاريخ، يكفيك أن تقارن بين
يوسف الشهيد هذا وبين من جلس على
كرسي الوزارة بعده..بعضهم كان،
وهو وزير للدفاع على غير
استحياء، شغفاً بأخبار راقصات
العالم أو في التأليف في فن
الطبخ المجيد . وأرض مناط به
تحريرها يدنسها الاحتلال!! وإذ
أحببتُ أن أختصر في هذا المقام
المقال، فيكفيني أن أعيد
المقارنة بين يوسف العظمة
الوزير البطل الشهيد وبين ابن
عمه كما نقول (ياسر العظمة) دون
أن أنتقص من احترام الأخير.. ذلك
أنني أردت برمزيتها تمثيل
مفارقة أجيال وليس مفارقة أفراد.. تصور
لنا مناهج التلقين، في المدرسة
و في الإعلام وعالم من القصيدة
والقصة والمسرحية والمقال..
أننا – أبناء الجيل- (نحن نحن) من
حيث ما شئت من أحاديث ملق عن وعي
وعلم وثقافة وتحرر وإرادة
وإنجاز وإبداع!! أعتقد
جازماً مع إيماني بما يعتور
الجامعة العربية من وهن وضعف
وقصور، أنه لو لم يؤسسها جيل
النحاس باشا لكان من جاء بعده
أعجز عن التأسيس. وحين يدعو
الكثيرون اليوم لتجاوزها؛ أذكر
قول العرب لئن ترد الماء بماء
أكيس.. شعبنا
الخارج من المؤتمر السوري العام
دخل معركة الاستقلال (بوحدة
وطنية) نحتاج مثلها في القرن
الحادي والعشرين!!! أليس في هذا
نكوص عن معطيات التاريخ. كان
قائد الثورة العربية الكبرى من
أقصى الجنوب الشامي في جبال
حوران سلطان باشا الأطرش، وكان
رجال الغوطة في دمشق بعض مدده
ومادته. وكان صالح العلي في
مكمنه يلاعب الفرنسيين بالأسنة.
وكان إبراهيم هنانو ابن الشمال
يصنع الهارموني في معزوفة
الوحدة الوطنية الصلبة. كانت
المراهنة على الوحدة الوطنية
بعض المخطط الفرنسي، وقدمت
الدويلات السورية لأبناء الشام
على طبق مموه بالذهب. ولرفض هذا
المخطط وتقويضه تكاتفت أيد
وبذلت دماء.. ثم
أوليس نكوصاً في التاريخ أن
تواجهنا محكمة أمن الدولة
العليا بالأمس، بحكم على
مواطنين أكراد بتهمة العمل على
اقتطاع جزء من أرض الوطن؟!! ليست
الإشارة في هذا السياق إلى
الحدث، وإنما إلى الدلالة.. فقد
مثل الكرد بتاريخهم الوطني
وتاريخهم الإسلامي عرى وثيقة
تجمع وتوثق وتقدم. أمر ما أو
أمور عديدة كما يقولون ألقت
ببعضهم، إن صحت الاتهامات، في
غيابات التفكير الانعزالي
الخطير والمدان. ما
يقال عن الكرد اليوم يقال عن
الكثيرين غيرهم، حتى أصبح
الحديث عن الطائفية شغل
القائمين والقاعدين على السواء.
وكل فريق مهما كان متلبساً بها
يلقي عبئها على الآخرين. كانت الوحدة
الوطنية حقيقة
واقعة في النصف الأول من
القرن العشرين، وكانت صخرة صلبة
تتفتت عليها مؤامرات المتآمرين
لتتحول بفعل عوامل متكاثرة منذ
النصف الثاني للقرن العشرين
اليوم، كما السُّل
المستعاد، إلى مرض ينهش كبد
الوطن والمواطنين.. هذه حالة من
حالات النكوص عن قاعدة
الجلاء نستذكرها يوم الجلاء.. لن
يعفينا منها التهرب عن
الاستحقاق. ولن يعفينا منها
تقاذف الاتهام. وإنما المطلوب
في الذكرى الألقة وقفة وطنية
تعيد التأسيس على قاعدة الوحدة
من غير ادعاء لوطن يكون منطلقاً
لأفق عربي إسلامي. وأعود
مرة أخرى في ذكرء الجلاء إلى
الحديث عن محضنه، أعود مرة أخرى
إلى المؤتمر السوري العام
لأقارن ذلك الجيل من ممثلي المجتمع
الذين تقاطروا وفق
قانون انتخابي ( عثماني)
أدعو مقارنته بما لدينا من
قوانين ولنقارن أيضا قانون
المطبوعات العثماني بمثيله في
القرن الحادي والعشرين وهذه
المقارنة حقنا على الأساتذة
المحامين !! لندرك في واقعنا
حجم النكوص
عن أفق الجلاء المجيد.. تقاطر
رجال المؤتمر السوري العام من
فلسطين والأردن ولبنان والشمال
والجنوب لم يغب ولم يغيّب أحد.
كان المطلوب أن يحضر الأمر
الجامع الجميع. ذاك جيل كان
يدرك معنى نداء الشورى المعمم
على الجميع: الصلاة جامعة..
لم يكن هناك من يظن أن التاريخ
أو الحقيقة، أو الصواب، أو
الحكمة، تبدأ عنده وتنتهي عنده.بل
كان الجميع يعتقدون أن الحقيقة
ضالة يمكن أن يبحث عنها أو يدل
عليها كل فرد من أبناء هذا الجمع
الكبير. ما
جرى ويجري حتى اليوم على صعيد
عالمنا العربي وقطرنا، هو نكوص
عن قاعدة الجلاء المجيد. حيث
ينظم ويقنن الاستئصال والتغييب
والإقصاء والتهميش والتمييز
والوصاية تمتد
على مدار أجيال بلا حسيب....
في
مداولات المؤتمر السوري العام..
ودائماً ألح على قراءة مداولاته
بتمعن لندرك في واقعنا حجم
النكوص في
مداولات المؤتمر السوري العام
سنة 1920يمتنع أعضاء المجلس عن
التصويت على مشروع قرار تقدمت
به حكومة الملك فيصل الأول،
الذي انتخب من قبل المجلس نفسه
ملكاً على بلاد الشام
.. يقف
الملك فيصل متسائلاً ومستنكراً..
يقول مخاطباً رئيس المجلس ما
هذا ؟! نحن أتينا بكم لتكونوا
معنا على ما نريد..!! يجيبه
رئيس المجلس وكان يومها الشيخ (رشيد
رضا) اللبناني الطرابلسي جواباً
ما يزال يتلألأ في غرة التاريخ،
بإمكانك أن تتلمسه هناك أو أن
تتلمس نظيره على ألسنة نواب
وممثلين في القرن الحادي
والعشرين. جواب يعلم من سُموا
ممثلين لشعوبنا كيف يتكلمون.
ولندرك ويدركون أي نكوص عن أفق
الجلاء نعيش!! من جاء بمن ؟! ذاك
هو فحوى جواب الشيخ الجليل
ولكنك مازلت مدعوا لتلمس الجواب
الجليل... عندما
نحتفل اليوم بذكرى الجلاء الأغر
يحق لنا أن نتيه ونفخر بما أنجز
لنا الآباء والأجداد، ولكن
علينا أن نفكر أيضاً بأن نترك
لأبنائنا ما به يتيهون وبه
يفخرون. بعيدا
عن الادعاء والغرور وتقاذف
الكرة مطلوب في ذكرى الجلاء أن
نبادر إلى العودة إلى حضن
الجلاء لنصنع، جميعا، في كل يوم
فجراً مثل فجر السابع عشر من
نيسان جديد.. --------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
18/04/2009
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |