ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 10/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 رؤيـــــة

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الشريعة الإسلامية

مقاربة معرفية

زهير سالم*

يفرض عنوان (الشريعة الإسلامية) نفسه كأحد الفصول المعرفية على مستوى الثقافة العالمية: سياسيون، دارسون، صحفيون، موافقون، مخالفون متحمسون، رافضون، متشككون، مشككون؛ مسلمون، ملتزمون منخلعون... كل أولئك يتحدثون ببواعث وأسباب متباينة عن (الشريعة الإسلامية). ويعتمدون على تصورات معرفية، مضطربة مغلوطة أو مجزوءة، أو موظفة عند الكثير. والكثير من هؤلاء يعتمد على المضطرب أو الغائم أو المجزوء أو المغلوط الذي لديه،  في التأسيس لدراسات أو سياسات أو حوارات على مستويات حضارية أو إنسانية أو عالمية دولية وأحيانا على مستويات وطنية سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. هناك من يمدح، وهناك من يقدح، وهناك من يغمز ويلمز، وهناك من يتهرب من الحديث المباشر عن الشريعة إلى الحديث عن المؤمنين بها: أصوليون متخلفون، ماضويون، ومع صرعة العصر الأمريكي إرهابيون...

بعد أن تطرح السؤال عن الشريعة على ساسة ودارسين ومتابعين ومهتمين، تشعر دائما أن الجواب لا يقارب الحقيقة، وأنه أحياناً يقتصر على بعض ما علق في الذهن من جزئيات، أو ما تسرب من ثقافات!! أو ما أريد توظيفه من عناوين..

صناع سياسة ومحترفو ثقافة على مستوى عال من المسئولية في عالم الغرب، يختطفون تصوراتهم عن الشريعة الإسلامية من بعض العناوين، أو مما يدسه بعض المغرضين، وهذه بعض الأجوبة المثبتة على ألسن أصحابها من ساسة ومثقفين غربيين الشريعة الإسلامية هي:

ـ شريعة العين بالعين..

ـ الشريعة التي تأمر بقطع يد السارق، ورجم الزاني..

ـ الشريعة التي تأمر المرأة بلبس السواد من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها..!!

ـ الشريعة التي تَعد الذين يقتلون (الكفار) بالحور العين..!!

ـ الشريعة التي تسمح للرجل أن يتزوج الكثيرات..

وفي المقابل على الضفة العربية أو المسلمة لن تجد الوضع أفضل حالاً ولكن ستتسع دائرة التصور للشريعة الإسلامية على نحو يؤكد اللامبالاة المعرفية لمن يعيش في بلاد الإسلام أو ينتمي لأبوين من المسلمين.

يؤكد بعض هؤلاء في حديثهم عن الشريعة على قانون العقوبات (الحدود) والحجاب، وتعدد الزوجات، وفرض الصوم والصلاة بالإكراه على الناس..

وعلى مستوى ثالث تستمع لشباب متحمس للشريعة الإسلامي مدافع عنها، لتتلقى أجوبة من مثل: الشريعة الإسلامية هي منهج حياة للبشر ينظم شؤون دنياهم وآخرتهم. أو الشريعة الإسلامية هي حكم الله، وهي القانون العادل الذي يرسم الطريق الأمثل إلى الحياة الأرقى..

نعتقد أن تصحيح التصورات عن الشريعة الإسلامية، ووضعها في إطارها المعرفي الصحيح؛ يمكن أن يعين على تصويب الأوضاع على أكثر من مستوى؛ منها تدقيق التصور لحملة المشروع الإسلامي، وهم اليوم أكثر من أن يحيط بهم حزب، أو تحتويهم جماعة، فهم بحمد الله وفضله عادوا كعشب الأرض الأخضر، على كل أرض الإسلام، يزاحمون عليها أشجار القتاد والحنظل والغرقد..

ووضع الشريعة الإسلامية في إطارها المعرفي الصحيح يمكن أن يعين على ردم الفجوات حيناً، وتجسيرها حيناً آخر، وتوثيق جوامع على مستويات داخلية، ومد جسور على مستويات حضارية..

ووضع هذه الشريعة في إطارها المعرفي الصحيح يمكن أن يعين على التفسير ويشارك فيه، ويمكن أن يجيب الجواب الصحيح على الكثير من التساؤلات التي ما يزال يطرحها الدارسون:

الشريعة والديمقراطية ـ الشريعة والاقتصاد والمال ـ الشريعة والمرأة ـ الشريعة والجهاد والمقاومة ـ الشريعة والموت والحياة_ الشريعة والماضي والحاضر..

إدراك الأصول سيعين بلا شك على فهم أو تفهم الفروع .لا نزعم أننا في أسطر محدودة في مثل هذا المقام، يمكن أن نجيب على كل تلك التساؤلات، ولا يمكن لإنسان أن يحيط بشريعة تمتلك القواعد لحل مشكلات العالم الكبرى أن تلخص في مقال بله في كتاب..

ونعود إلى الحديث عن الشريعة الإسلامية في مفرداتها القانونية والتي تُبنى، وهذا مهم وأساسي، على قواعدها من أركان الإسلام والإيمان والإحسان. تلك القواعد التي تصوغ نفسية الفرد والجماعة صياغة إيجابية فاعلة وخيرة وتربطها بميثاق غليظ من التصورات الإيمانية الأمثل عن الله والكون والحياة والإنسان..

قواعد التصور الإسلامي ومقوماته هي البنية الأساس التي يقوم بنيان الشريعة عليها، والتي لا تثمر شجرتها في غير تربتها..

ثم الشريعة الإسلامية بعد أن تبني عالمَ الفرد النفسي والعقلي والشعوري بناء إيجابياً فعالاً، تلتفت إلى دوائر الوجود الإنساني لتنظمها دائرة دائرة بطرائق نستطيع أن نتلمس عناوينها في أرقى التنظيمات القانونية البشرية اليوم..

وتبدأ الشريعة في دائرتها الأولى الأسرة الصغيرة والكبيرة وعلاقة أفرادها بعضهم ببعض..

ـ التأكيد على صلة الرحم والبر والطاعة للوالدين بالمعروف (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا..)

ـ والحق الأوفى للأولاد الذكور والإناث (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ) (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ)

ـ والضابط لأساسي للعلاقة بين الزوجين (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ).

قانون ينظم أدق الدقائق في بناء الأسرة، تحت عنوان قانون الأحكام الشخصية.

قانون يقوم على نصوص شرعية ثابتة  تبقى هي الأصل وعليها المدار.

وتتقدم الشريعة الإسلامية ببنيانها الضخم دائرة ثانية لتنظم علاقات الأفراد في المجتمع الواحد بعضهم ببعض، تشرح لهم كيف يتعاقدون، ويتبايعون، ويزارعون، ويتداينون ويتملكون بطرائق تسد مداخل الفساد على العلاقة بين الناس. وتهديهم للتي هي أقوم وأسلم في أحكام ينظمها القانون الإنساني الحديث تحت عنوان القانون المدني..

وفي دائرة ثالثة تتقدم الشريعة لتنظم شؤون القضاء، وطرائق الحكم في الواقعات، وكيف يرتب قبول البينات. وهو ما يسمى اليوم بقانون أصول المحاكمات أو المرافعات.

وفي دائرة رابعة تنظم الشريعة الإسلامية علاقة الأجانب بديار المسلمين أفرادهم ودولهم ، وهو ما يعرف بالقانون الدولي الخاص..

وفي دائرة خامسة تنظم الشريعة الإسلامية علاقة الدولة المسلمة بغيرها من دول العالم في حالتي السلم والحرب وهو الذي يسمى القانون الدولي العام..

وفي دائرة سادسة..

تحدد الشريعة الإسلامية العلاقة بين الحاكم والمحكوم في البلدان الإسلامية، وتشرح طرائق انتخاب الحاكم، وطرائق عزله ودواعيه، وتحدد حقوق الحاكم وواجباته، وحقوق المحكوم وواجباته، وهذا ما يدعى اليوم بالقانون الدستوري.

وفي دائرة سابعة..

تنظم الشريعة الإسلامية قانون المال والأعمال والإيرادات والجباية والنفقات، وتوزع الأنصبة والحقوق بين أفراد الأمة، وتوزع ثروات الدولة ومداخيلها بالمعروف وهذا ما يعرف بالقانون المالي.. أو القانون الاقتصادي.

وأخيراً في دائرة ثامنة تفرض الشريعة القانون الذي يحدد المحظورات الاجتماعية العامة. الجنايات التي تقع على حياة الآخرين أو عقولهم أو أبدانهم أو أموالهم وهي الكليات التي قامت شريعة الإسلام لحمايتها في مقابل جميع تلك المصالح التي قامت لتحصيلها وهذا ما يعرف اليوم بالقانون الجنائي. أو قانون العقوبات

وأهم ما يجب أن يُعلم من أمر الشريعة الإسلامية أنها في جملتها قواعد عامة تقوم على تحقيق العدل ودرء الفساد عن حياة الناس، وتحقيق المقاصد الأساسية من حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، قواعد عامة يُترك لأهل كل زمان ومكان تقدير أبعادها وصياغة ضوابطها وقوانينها. تسعون بالمائة من أحكام الشريعة مقدرة أي متروك لأمة المسلمين أن تقدر مصالحها على قواعد الشريعة الإسلامية الركينة الثابتة.

ثم هناك عشرة في المائة من أحكام الشريعة هي أحكام مقررة، لاسيما ما يتعلق منها بقانون الأحكام الشخصية وقانون الجنايات الكبرى أي الحدود.. 

كما يجب أن يكون واضحا أن مدار الشريعة الإسلامية على النصوص الشرعية الثابتة، التي تمثل بمجملها أسساً للعدل، ومناطاً لمصالح الإنسان الفرد والجماعة في أطرها الشرعية المعتبرة. هذه النصوص الشرعية التي تسمح للمجتهدين والفقهاء أن يستنبطوا منها ما يحقق مصالح أمة المسلمين في كل زمان ومكان..

من المهم جداً أن نفصل في هذا السياق بين الشريعة الإسلامية كنص شرعي ثابت وبين الشريعة كفهم يشتقه أهل كل عصر من تلك النصوص الثابتة المقدسة. وهذا الفصل لا يعني إسقاط كل ما جاء به أولئك الأثبات ولا يعني بالضرورة الالتصاق بكل ما قرروه وفهموه ولا نجد أقدر تعبيراً عن هذه الحقيقة من ابن القيم صاحب أعلام الموقعين..

فقد ذكر ابن القيم ـ أعلام الموقعين (ج3 / 98ـ100) ـ أن المالكية قالوا: إذا كان الشيء عيباً في العادة ـ أي عادة أهل الزمان والمكان ـ رد به المبيع، فإن تغيرت العادة بحيث لم يعد عيباً لم يرد به المبيع. وقالوا بهذا تغيرت الأحكام المترتبة على العوائد. وهذا مجمع عليه بين العلماء لا خلاف فيه.

وقالوا على هذا تأتي الفتاوى طول الأيام فمهما تجدد العرف فاعتبره، ومهما سقط فألغهي ا، ولا تجمدن على المنقول في الكتب طول عمرك. بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتك فلا تُجْرِه على عرف بلدك. وسله عن عرف بلده، فأمضه عليه، وأفته به دون عرف بلدك، والمذكور في كتبك. وقالوا هذا هو الحق الواضح والجمود على المنقولات أبداً ضلال في الدين. وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين..

وقالوا على هذه القاعدة تخرج أيمان الطلاق والعتاق، وصيغ الصرائح والكنايات، فقد يصير الصريح كناية يفتقر إلى النية، وقد تصير الكناية صريحاً تستغني عن النية.

ويعقب ابن القيم على هذه الأقوال بقوله:

وهذا محض الفقه، ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأمكنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل.

هذا بعض القول في هذا البنيان العظيم الذي سجد في محراب عظمته العالمون.

(ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) صدق الله العظيم 

---------------

*مدير مركز الشرق العربي  

  للاتصال بمدير المركز

00447792232826

zuhair@asharqalarabi.org.uk

الاثنين 10/8/2009  


تعليقات القراء

 

السلام عليك،

ما لم يذكر في هذا المقال هو سبب وجود الدين أصلاً، وهو المرتبط بتحقيق العبودية لله تعالى، وهي الجانب المغفل في معظم دراساتنا الحضارية. فمثلاً بين أن تقضي المطلقة عدتها في بيت زوجها كما أمر القرآن الكريم وبين أن تخرج إلى بيت أهلها فور نطق زوجها بالطلاق هناك مسافة إلتزام بحد الله وعدمه، والمشكلة هنا وبعد أن ننظر حضارياً إلى جانبها المتعلق بالضرر الذي يلحق بالمرأة حياتيا،ً فإننا يجب أن ننظر إلى المشكلة كمؤمنين من جانب الوقوع في دائرة العقاب الإلهي، وهذا هو الغائب المهم عن مقالك هذا مع أنه الفاعل الأهم إن كنا فعلاً نعرف ماذا يعني الله.

وكذلك لو عدنا إلى القرآن الكريم لوجدنا أن الله تعالى أرسل أنبياء فقط ليقولوا للناس أن عليهم أن لا يخسروا في الميزان، وعدم استجابتهم للرسول التزاما بمصالحهم لم يحدث ضررا أجتماعياً ناتجاً عن الفساد فقط، بل جعلهم في دائرة العقاب الإلهي وكان العقاب شديداً، إن أي دراسة حضارية تدور بين مسلمين لا يمكن أن تكون موفقة ما لم تقم على قاعدة من التقوى تجعل الإنسان يفكر ويتذكر دائماً أن مقابل أي اجتهاد لا يكون استجابة لأوامر الله تعالى بالدرجة الأولى، هناك عقاب إلهي، هذه هي المعادلة البينة.

فعندما ينتشر في بلد ما قضية مثل قذف المحصنات أو تناول أعراض الناس، فمن الخطأ الفادح أن تعتقد أن هذا لا علاقة له بالهزيمة أمام إسرائيل، وعليك أن لا تخشى الإتهام بالجنون إذا تحدثت عن ذلك لأنه قانون الله تعالى.

 شكراً لك

عبد الرحمن


 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ