ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
من
الثقة بالذات تنبع الثقة بالآخر الاجتماع الإنساني لا يقوم ولا
يحقق غاياته إلا على أساس ثقة
الناس بعضهم ببعض. في كل حراك
مدني؛ اجتماعي أو اقتصادي أو
سياسي لا بد أن يتوفر حد أدنى من
الثقة الإنسانية يتأسس هذا
الحراك عليه. القوانين والضوابط والضمانات
والأعراف تبقى دائما محدودة
أمام عنصر الثقة، هذا الأساس
الذي لا يخلو الاعتماد عليه في
بعض الأحيان من مغامرة، ولكن
المغامرة في بعض الأحيان تكون
ضرورية لا بد منها لاستدامة
مشروع الحياة نفسها. حتى الرجل
والمرأة في الإقدام على عقد
زواج يغامران، ولولا افتراض
الثقة المسبق لما أمكن لعقد
زواج أن يتم، البائع والشاري،
الناخب والمرشح، المدير
والموظف... وحين تنتفي الثقة بين طرفين
ينشأ بينهما سباق المراهنات
العدمية، وأحيانا يغلب التوجس
والتخوف والريبة، مع إقرار كل
طرف أن معادلته لا تستقيم إلا
بنوع من العلاقة مع الآخر؛
فتنتفي المصالح وتتكرس
المفاسد، لأن الطرفين أو أحدهما
غلـّب جانب الحذر أو الخوف
مسوَّغا كان هذا الجانب أو غير
مسوغ..!! وفي مرحلة انتفاء الثقة هذه
يبقى دأب كل فريق من الفريقين أو
الفرقاء المتشاكسين أو
المشاكسين أن يتوقف عند المواقف
والأفكار والكلمات التي تعزز
قناعته، وتؤكد معاذير موقفه بين
الناس. فيكون الدأب على تعميق
الهوة بدل ردمها أو على الأقل
تجسيرها. كلاعق مبرد، أو كدودة
قز ما تبنيه يهدمها. وبانتفاء الثقة تنتفي
المشترَكات، أو هكذا يخيل
لأطراف المعادلة ، فكل واحد
يتصور صاحبه، أو
لنسمه غريمه، قد زحل من (زُحل
)، وأنه لا يجمعه به ماض ولا حاضر
ولا مستقبل، وأنه لا يشاركه
ألما ولا أملا. وكمثل لانعدام الثقة بين
الزوجين عند اشتداد الخصومة
يقدم لنا القرآن الكريم تصويرا
بديعا لحالة النفور وشديد
الإعراض التي يعيشها الطرفان،
حتى يحاسب أحدهما الآخر على
فنجان قهوة قدمه له، ويكتبه في
قائمة مطالباته!! يقول الله تعالى عن تلك الحالة:
وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ
الشُّحَّ ، قرأتها زماناً في
صباي الأنفسُ الشحُّ، على أن
الشح نعت للأنفس من قبيل النعت
بالمصدر، وهو من أعلى درجات
المبالغة في الوصف، حتى نبهني
عليها إمام المسجد في وردنا
القرآني اليومي، مازلت أتملى
حتى الساعة آفاق المعنى الذي
تستدعيه لفظة الشحَّ بالفتح،
صورة النفوس المحضرَة المنغمسة
في الشح والمتلبسة به. نفوس
تعيش في هذه القرارة لا تمسك
بمعروف ولا تسرّح بإحسان. إذ تظل
عناكب خوفها أو شحها أو ترددها
تأخذ أبصارها عن الموقف النبيل
والفعل الرشيد. ليس عجيبا أن تنتفي الثقة أو
تهتز بين الناس، وليس عجيبا أن
تعترض الريبة والشك والخوف
والحذر طريق المصالح في أطرها
الفردية الخاصة أو الجماعية
العامة؛ ولكن العجيب ألا
يوجد في أطراف معادلة تستحق
التضحية والوفاء رجال راشدون
يمتلكون الثقة بالذات ليمدوا
جسور عبور تعبّر ابتداء عن
ثقتهم بأنفسهم، وقدرتهم على
المبادرة التي تضعهم على طريق
الفعل الذي يزيدهم ولا ينقصهم
يرفعهم ولا يخفضهم. وأول الطريق إلى مبادرة كهذه
تكون بالصبر على مثبطات
المشككين والمتشككين. نسج الثقة
على أرضية وعرة مهتزة ليس
بالعمل السهل، ولا هو بالعمل
البسيط، لأنه سيبقى في أطراف كل
معادلة أناس يغلب عليهم التوجس
والتخوف. وأناس يرون في معادلة
الرشد بعض ما ينقض عليهم مصالح
خاصة يطغى فيها الخاص على
العام، والجزئي على الكلي،
والذي هو أدنى على الذي هو خير.
وأناس يمسك بهم الماضي، وتتيبس
خلاياهم النبيلة الواعية عند
أبعاده. القرآن ينصحنا بالإقدام،
يمنحنا الثقة ويحرضنا عليها: لا
بأس من فرصة أخرى (وَإِن
يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ
فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ
الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ
وَبِالْمُؤْمِنِينَ..) --------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
السبت
5/9/2009
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |