ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك

ابحث في الموقع الرئيسة English المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 29/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

 

 رؤيـــــة

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


لا تشغلنا بالحقائق!!!

زهير سالم*

يحب الجمهور أن يكذب عليه الزعيم، بل ويسقطه، إن استطاع، إن لم يفعل. يحب المريض أن يكذب عليه الطبيب، أو أن تخطئ في حساب نتائج فحوصاته أجهزة المختبر. يدفع المدمن ثمن خبزه وخبز أطفاله لشراء لحظة كاذبة، يهرب فيها من الحقائق، ويكون كما قال الأول:

فإذا شربـت فإنني     رب الخورنق والسدير

وإذا صحوت فإنني     رب الشـويهة والبعير

(والخورنق والسدير قصران لملوك العرب. والشويهة تصغير شاة)..

 

يجاهد الدرويش أكثر ليغيب عن ذاته، ويتماهي في الوجود بحثاً عن سره. يعجبه أن يستشعر أنه كما الشمس والقمر، صاحب فلك خاص يسبح فيه ليجري إلى مستقر. حال شعاره: أنا أحلم فأنا موجود، مقابل مقولة ديكارت، الذي كان قاسياً جداً وهو يقرر أنا أفكر فأنا موجود..!! فأي وجود مفعم بالشقاوة والبؤس المرتبطين بعقل أبي الطيب المتنبي، وهو السابق إلى :

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله   وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

بل ألآ يقودنا كل ذلك إلى أمر مباشر، بخداع الذات والكذب عليها والاسترسال وراء أوهامها قبل أن يعرف الناس التبغ والحشيشة والماريجوانا والهيرويين..

وأكذب النفس إذا حدثتها    إن صدق النفس يرزي بالأمل

استرسال نفسي سادر، يمثل في واقعنا حالة شبه سائدة، لدى الأفراد والجماعات والحكام والمحكومين، في أمة وضع رائدها قبل ديكارت بقرون حقيقة: والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني..

 

يغضب بعضهم إذا نبهته للحقيقة، ويثور في وجهك، وينبذك بما شاء، كما يغضب الحالم الخامل على زوجه لأنها أيقظته من النوم، وقطعت عليه حلمه الجميل، لتهرف فوق رأسه إن البيت الذي ينام تحت سقفه يحترق أو ينهار..

 

نفتقد اليوم في حياتنا العامة أبياتاً بسيطة كانت في كتاب قراءتنا، يوم كنا في الصف الثاني الابتدائي. كان عنوان الأبيات في حصة ا الاستظهار: (الديك يقول..)

يقول الديك، أو تقول الأبيات..

إذا ما الفجر قد حانا      ملأت الكون ألحانا

وصحت نهاركم بانا      فقوموا  نعمل الآنا

أنادي أيها الرجل...      دنا للعامـل العمل

فينهض من به أمل       ويحلم من به كسل

لعلنا نستعين بالبيت الأخير لمغادرة دفء الفراش في أيام باردة كالتي نعيش، ومواجهة برودة الحقائق التي تلسع أو تلفح الوجوه..

 

البون بين الأمل والعمل، بين الحلم والوهم، بين المبادرة والمباشرة والتعليق والتسويف، بين حساب ما في الصندوق لدى الدخول إلى السوق؛ وبين عوالم الحالمين، والموهومين، والدراويش والمساطيل كبير.. بون يتمثل اليوم في قوم يحكمون ويملكون ويتقدمون وقوم يموهون  يزخرفون أو يزينون أو ينتقدون أو يشتمون. شاشة فضاء وفريق إعلامي ناجح يصنع بطولات، استضافة مؤتمر لبعض المصابين بأنفلونزا البلادة، تجود عليك بالكثير من التصفيق..

 

حقائق كثيرة يرفض الحالمون والمدمنون والخاملون والدراويش تصديقها، وأول هذه الحقائق: أن الفلك يدور!! حقيقة ثقيلة فاجعة تقطع علينا طريق الأمل، قبل أن نستوثق أننا بنينا الدار التي نريد. دائماً لدينا أشياء نريد أن نفعلها...

 تموت مع المرء حاجاته    وحاجة من عاش لا تنقضي

 قال هذا الإنسان وخط خطاً صغيراً، وهذا أمله ومد أمام هذا الخط الصغير خطاً طويلاً بعيداً، قال وهذا أجله: وخط خطاً مستعرضاً قطع على الأمل الممتد بعيداً، طريقَه.

 

الأمل في أفقه (حصاد هشيم) و(قبض ريح). والعمل المنجز المحسوب على معطيات الحقائق، ومعطيات الزمان والمكان، هو الفول في المكيول. والفعل: معرفة وإرادة وقدرة وحاجة. مع الإقرار بالفضل لأبي حامد الغزالي.و في إطار هذه المتوالية نفكر كما ينبغي أن يكون التفكير. ففي عالم الشعر وحده يصح الصراخ بلا صوت، والطيران بلا جناح، والمشي بلا خطو. الكثيرون يخطبون دائماً بمثل هذا، ويبنون عليه، ينجزون، ينتصرون، يملكون... وحين تفرك أمامهم عينيك لتسمعهم جيدا؛ يقولون لك: أغمض عينيك فهذا كلام لا يجوز أن يسمعه بصير..

 

تتلألأ أمامك قطرة الندى وقد حسبت جيدا مركز ثقلها على خد تفاحة ملساء حمراء متوهجة متعلقة على شجرة تضربها الرياح الأربعة فاستقرت...

وأسفاه ... لا تنتبه قطرة الندى المغرورة أن الخيط السري للتفاحة التي تتعلق بها واهن متعفن، (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)

 

---------------

*مدير مركز الشرق العربي  

  للاتصال بمدير المركز

00447792232826

zuhair@asharqalarabi.org.uk

الثلاثاء 29/12/2008


 

تعليقات القراء

 

جزاك الله خيرا أبا الطيب على هذا الكلام الطيب

أحمد سيد يوسف

===========

فكر عميق ، وبيان ساحر ، وحكمة بليغة ، صقلتها تجارب السنين ...

سررت جداً وأنا أقرأ هذا المقال الرائع ، ولكني تأثرت لمصير قطرة الندى المتلألئة التي دفعت حياتها ثمنا لغرورها ، أو خطأ حساباتها !!!

تأملت عميقا في قطرة الندى تلك .. ثم قلت لنفسي : ترى ما الذي أثار شجوني ، وقلب علي المواجع في هذا الصباح المشرق الجميل : أهي قطرة الندى المتلألئة الوهاجة التي ذهبت ولم تعد ؟ أم كلمات أخي الحبيب أبي الطيب الذي أحب أن نشاركه بعض شجونه؟

إلى الله المشتكى .. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ..

(وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).

شكرا لك أخي الأستاذ زهير   ..

سلمت وسلم فكرك وقلمك

عبد اللطيف الهاشمي

===================

بوركتم على الدوام  أستاذنا ابا الطيب فهيهات لهذه الآمة أن تعي ماتعانيه وهل لنا ان نلمس منكم عندما تشخصون الداء المزمن ان تعلموننا من مدرستكم الطيبة الصادقة كيف يكون العلاج وكيف نعلم ابناءنا من بعدنا على اقل القليل الوقاية

 بارك ربي بكم وحفظكم على الدوام ورعاكم

محمد دامس كيلاني

 


 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ