ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
اتجاهات
الشباب العربي ومشكلاته سورية
أنموذجاً (5) شباب
يومي مكدود والشريحة
الرابعة شباب يومي مكدود في مجتمعات
التهلكة البيولوجية: وشباب
منغمس في همه اليومي. قانع بما
هو فيه. يتلمس الجدار. يمشي
الهوينى. ويتقي ما لا يُخاف.
ويحسب كل صيحة عليه. ولو رأى غير
شيء ظنه رجلا. شباب ليس مع أحد،
وليس ضد أحد. شعاره: لا أرى ولا
أسمع ولا أتكلم ولا أومي. (
يصطفلو) شعاره ودثاره. وهي كلمة
مرفوعة لدى النسبة الأكبر من
شباب الأمة من المحيط إلى
الخليج. تقرؤه، في أنموذجنا
السوري ، على خلفيات السيارات ،
وواجهات المحلات، وعلى أغلفة
كتب الطلاب!!
شباب ليس له غير همه الشخصي؛
سطر كتابه المدرسي، أو منهاجه
الجامعي، ولا يزيد عليهما،
يتساءل دائما كيف ينجح ليصل إلى
الوظيفة والراتب. ثم إذا تخرج
كان همه درهمه و خميصته أو ثوبه
وزوجه، وما يتدلى من سقف بيته
وما يعلّق على جداره. يصح على
الصبايا ما يصح على الفتيان. سلبية
قاتلة هي الموات يضرب روح الفرد
وضميره وإحساسه بالانتماء.
ويتعداه إلى الجماعة؛ فإذا
الوطن مزرعة، وإذا الشعب قطيع،
وإذا المرعى هو الهم الأكبر،
ولو كان غثاء أحوى. ظاهرة
غامرة ممتدة في حياة مجتمعاتنا
العربية عموما، وفي حياة
مجتمعنا السوري بشكل خاص. تثير
هي الأخرى القلق، وتستدعي
الحلول، وتتطلب من المصلحين
المبادرة الراشدة، لإعادة دمج
شباب الأمة والوطن في الشأن
العام؛ ليأخذوا دورهم في تحمل
عبء مشروع النهوض. ولهذه
لظاهرة السلبية القاتلة
أسبابها البشرية والثقافية
والسياسية، تتضامُّ جميعا
لتصنع واقعا أليما تئن منه
الإحصاءات والدراسات. لا ينقطع
الحديث عن نكوص الشباب العربي
عن دوره كحامل أساسي لمشروع
نهوض الأمة؛ في عصر غدت فيه
أمتنا في قرارة التصنيف العالمي
في كل مضمار، وأصبحت شعوبنا
مَثَلَ السوء في كل ميدان ، مع
وفرة الإمكانات، وكثرة الثروات
المادية والمعنوية على السواء. والسبب
الأول لهذه الظاهرة هو سبب
جبليّ بشري،
رمز إليه القرآن الكريم (بالتثاقل
والإخلاد إلى الأرض) (مَا لَكُمْ
إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ
اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ
أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ
الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ) ( ...
وَلَوْ
شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا
وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى
الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ...).
والتثاقل إلى الأرض هو بعض
الجبلة البشرية الأولية، التي
تزين للفرد
أن يدور حول ذاته، وأن يقتصر
على منافعه الشخصية، وألا يبالي
بمعاناة من حوله من الناس. بينما
يعمل المصلحون الصادقون على
إخراج الإنسان من دائرة وجوده
الفردي الذاتي لدمجه في الهم
الجماعي، وللانطلاق به من حضيض
الوجود البيولوجي إلى يفاع
الإنسانية المتسامية المضحيّة
المُؤثِرة لا المستأثرة. وقد
سبق للقرآن الكريم أن اعتبر
الانشغال عن الهم العام نوعا من
إلقاء لليد في التهلكة.(وَأَنفِقُواْ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ
تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى
التَّهْلُكَةِ).
وجعل من الهموم العامة على
تفرقها واجبات كفائية، وهذه
الواجبات، في الفقه الإسلامي
العام، ليست أقل مكانة من
الواجبات العينية. وربما يكون
إثم تعطيلها أعظم ومفسدته أكبر.
واستنفر القرآن الكريم أبناء
مجتمعه لتكون منهم جماعات تقوم
على استحقاقات التعاون على البر
والتقوى: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ
أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ
هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (فَلَوْلاَ
نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ
مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي
الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ
قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ
إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ
يَحْذَرُونَ) (وَتَعَاوَنُواْ
عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى
الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا
تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ
الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا
بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى
وَاتَّقُوا
اللَّهَ). وهكذا حمّل القرآن
الكريم المجتمع حزمة من
الواجبات المساندة لجهود
الدولة، اصطلح الفقهاء على
تسميتها بالواجبات الكفائية،
وقرروا أنه لا تستقيم حياة
الأمة المسلمة إلا بأدائها،
وحذروا أن أي تعطيل لها يعني أن
تقع الأمة أجمع في الإثم. هذا
تشريع رباني أصيل يحمّل أبناء
المجتمع بعضَهم مسئوليةَ بعض،
ويلقي على كل صاحب فضل في مجال
فضله بعض المسئولية فيما يحتاج
المجتمع إليه ( من كان عنده فضل
زاد فليعد به على من لا زاد له،
من كان عنده فضل ظهر فليعد به
على من لا ظهر له..) يقول الصحابي
راوي الحديث فعدد أنواعا من
الفضل حتى ظننا أن لا حق لأحد
منا في فضل. والسبب
الثاني لظاهرة السلبية القاتلة
في بنية المجتمعات سبب ثقافي،
يكمن في ثقافة اجتماعية تجعل
قيمة الرجل ما يملك!! هذه
القاعدة التي ما زال المصلحون
يحاربونها، ثم جاءت الثقافة
الاستهلاكية، في إطارها الفردي
الرأسمالي لتعززها وتكرسها،
وتعطيها أبعادها في قوانين
الحياة الاجتماعية المعاصرة. يغيب
الجوهر الإنساني، والدور
الحيوي، تحت بريق طبقة الذهب ،
ودون التوقف عند: أمن حلال جُمعت
هذه الثروة
أو من حرام؟! وهل يؤدي
صاحبها أو حقها أو لا؟! ثقافة
تقديس النجاح الفردي في إطاره
الذاتي، تعطي هي الأخرى نماذج
سيئة للحياة العامة. حيث
يبقى الإنسان الفرد أسير ذاته
ورغباته يدور حولها، ويقتصر
عليها، ويفرض احترامه على
المجتمع من خلالها. بل
إنه أحيانا لا يبالي أن يمكن من
رقبته بثمن مقابل أن يغتصب حقا
أو أن يستأثر بحق. ثم
تأتي، ثالثا، الأسباب
السياسية، المعطى المباشر الذي
يجعل من إقصاء المجتمع وأبنائه
وشبابه عن الحياة العامة هدفا
توضع له الخطط وتنهّج له
المناهج. ويصطدم
هذا المعطى مباشرة بالمنهج
القرآني المفتوح على دعوة الخير
بآفاقها وصورها حسب احتياجات
أبناء الأمة على تجدد العصور. ويمضي
مشروع الإقصاء هذا إلى غايته
بإرادة وإدارة أولئك الذين
راهنو وما زالوا يراهنون على
إقصاء المجتمعات عن أي نشاط عام
تعبر من خلاله عن ذاتها، وتتحمل
عبء مشروع وجودها ونهوضها، أو
ترميم واقعها: تسد ثغرة أو تجبر
كسيرا، أو (حتى) تميط الأذى عن
طريق. فكل نشاط يجب أن
يتم باسم الزعيم، وبإرشاده،
وتحت رعايته، وإلا... وكان
المجتمع (البيولوجي) هذا، هو
المجتمع الأمثل لسيد المزرعة،
وهكذا لن يدخر هذا السيد جهدا في
العمل على منهجة عملية إقصاء
الشباب عن أي مساحة من مساحات
العمل العام. إقصاء لم يسد ثغرته
بديل، فنشأ عن ذلك مفسدتان:
الأولى تعطيل المصالح وتكثير
المفاسد، التي
تحتاج إلى جهود الخيرين من
أبناء كل مجتمع للقيام
باستحقاقات جلبها ونبذها. والثانية
هدر طاقات الشباب، أو حرفها عن
مسارات العطاء الإيجابي
البناء، لتكون بعض الداء بدل
كونها رأس الدواء. إن
مثقال حبة خردل من خير أو بر أو
معروف هو ثروة وطنية ينبغي
للقائمين على شئون المجتمعات
والدول تلقفها وتنميتها
وتوظيفها فيما ينفع الناس. وحين
يغلق الطريق على هذه الطاقات
فتُحرف، أو تُقمع ، أو تُشرد
فيهيم صاحبها على وجهه ليجد
الفرصة فيشارك في بناء أوطان
الآخرين؛ يتسربل الأكثرون من
أبناء المجتمع
بسربال السلبية
واللامبالاة والأنانية، التي
نشكو منها في هذا المقام، فتجد
نفسك بين قوسي إدانة شباب مثل
هؤلاء أو الاعتذار لهم وعنهم
سواء بسواء. وتحت
وطأة التنكيل والقمع كرست حالة
السلبية القاتلة في مجتمعنا
مشفوعة بمؤسِّساتها من حب الذات
الجبلي، والثقافة المجتمعية
الخاطئة، وعُززت بسياسات
الإرهاب والتخويف والانتقام. إنه
لا بد، لعلاج الظاهرة،أولا، من
إعادة بناء التصور الإيجابي عن
الإنسان، حقيقته ودوره ورسالته. الإنسان
المخلوق في أحسن تقويم. الإنسان
الرسالي المنتمي إلى (إِلاَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ) (إِلاَّ
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا
بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ). لابد من وضع
الإنسان الفرد على أول الطريق: قد
رشحوك لأمر لو فطنت له
فاربأ بنفسك أن ترعى مع
الهمل إن
التركيز على بناء الشخصية (
الراحلة )، والناس كإبل مائة
لا تكاد تجد فيها راحلة كما أخبر
الحديث الشريف، هو التأسيس
العملي لإعادة إدماج شباب
المجتمع في الشأن العام، الذي
أصبحوا أكثر بعدا عنه. والراحلة
هنا هي الشخصية التي تحمل على
كاهلها هموم الآخرين، ولا تتعلق
برقابهم ليحملوها. ثم
لا بد، ثانيا، من إعادة
النظر في ثقافتنا الاجتماعية.
لقد أكد الإمام علي منذ صدر
الإسلام أن قيمة المرء ما
يحسن وليس ما يملك. إن وضع
مفهوم البر في إطاره الشرعي
السليم خطوة على أخرى أكثر
ضرورة على هذا الطريق: (كل
سُلامى من الناس عليه صدقة كل
يوم تطلع فيه الشمس: تعدل بين
اثنين صدقة، وتعين الرجل على
دابته فتحمله عليها، أو ترفع له
عليها متاعه صدقة، والكلمة
الطيبة صدقة، وبكل خطوة تمشيها
إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى
عن الطريق صدقة، وتبسمك في وجه
أخيك لك صدقة...)
تمثيلات تحتاج إلباسها ثوب
العصر لتكون البوابة الهادفة
لصنع شبكة العلاقات الاجتماعية
التي تبشر بميلاد مجتمع جديد
على ما رسم طريقه مالك بن نبي
رحمه الله تعالى في كتابه ميلاد
مجتمع. مع كل يوم تطلع فيه الشمس
يُناط بالمسلم ثلاث مائة وستون
بابا من أبواب البر، يقال إنها
عدد سلاميات الإنسان. ثم
لنؤكد على أبناء المجتمع أن
الواجبات الكفائية هي أوسع مدى
وأكثر خطرا من تجسيدها في صلاة
الجنازة، الصورة الحاضرة منها
في أذهان المسلمين. مفهوم آخر
بحاجة إلى جهد أكبر من الشرح
والتوضيح للتأسيس لمجتمعات
التعاون على البر والتقوى. وأخيرا
لا نعتقد أن المعارضة السياسية
المباشرة والرافضة والناقدة هي
المدخل الوحيد للاندماج في الهم
العام. الإيمان بضع وسبعون شعبة.
وأبواب البر والمعروف ومناشط
الخير أكثر من أن تُحصى، وطرائق
مقاربتها أو ولوجها مناط بفصول
من الحكمة لا يفقدها الحكماء،
ثم كل معارج السمو تقودنا إلى
قمة الصفاء والنقاء التي نريد.
وإذا قامت الساعة وبيد أحدكم
فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى
يغرسها فليغرسها. هذا هو فقهنا
فهل تكون هذه هي ثقافتنا. ويتبع
--------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
السبت
30/1/2010م
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |