ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك

ابحث في الموقع الرئيسة English المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 17/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

 

 رؤيـــــة

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


اتجاهات الشباب العربي ومشكلاته

سورية أنموذجا

(7)

وشباب في مطارف التطرف

زهير سالم*

وهذه الحلقة السابعة هي بنت الواقع المباشر، وما أورده هنا أجوبة مقتبسة عن ألسنة شباب متعددين يعيشون على الساحة الواقعية ويدركون من تفصيلاتها ما لا يستطيع أي راصد خارجي أن يدركه. أحدهم ابن شهيد وشقيق أكبر لشهيد. وعلم الشهادة الحق عند الله. نحسبهم ولا نزكي على الله أحدا.

 

قال محدثي، وهو شاب يناهز السابعة والثلاثين، متخرج من كلية الشريعة في دمشق، يمارس عملا حرا، له أنشطته العامة المحدودة والحذرة، يذكر والده الذي غادر مبكرا، وفقد واحدا من أشقائه على أرض العراق، يتحدث عنه بحزن عميق، كان أصغر منه بسبع سنوات، يشعر نحوه بمشاعر الأخوة ومسئولية الأبوة معا..

 

 قال عن أخيه والألم يعتصره: لا أدري كيف تفلت علي؟! ولا أين؟ ولا أعرف كيف تلقفوه؟ ثم يذكر سلسلة من الأسماء يعرّفني بها عن طريق الآباء والأعمام والأخوال، ابن فلان، وأخو فلان الصغير، وابن شقيق فلان كلهم مضوا على نفس السبيل..

 

يصرُّ على أسنانه: على أحد أن يفعل شيئا ما لتدارك هذا الأمر.

 

يلتفت إليّ هل تقدرون معنى أن تغيبوا ثلاثين عاما؟ هل تعلمون معنى أن يموج الواقع بأفكار عائمة ومضطربة بلا ناظم. أنتم تقوّمون الموقف من خلال علاقتكم السياسية بالنظام هلا حاولتم تقويمه من خلال علاقتكم الفقهية والفكرية والاجتماعية بجيل من الشباب يتلمس البوصلة منذ ثلاثين عاما،  سطر الكتاب يمكن أن يدفع الشباب في كل اتجاه يريدون ، عندما يدور الحوار بينهم يستشهدون  بالفقرة الواحدة على الأمر ونقيضه..

 

قلت ولكن في الساحة خير كثير..

قال هكذا تظن؛ لأهل التصوف جمهورهم وعالمهم، والعلماء الرسميون يمثلون في نفوس الذين أتحدث عنهم مدرسة الشيطان الرجيم.

 

قلت وأين أنتم من فلان وفلان  وفلان.. قال كل الذين ذكرت في فمه ماء، وهؤلاء الشباب لا يعترفون بالضعف ولا يعذرون به، ولا يؤمنون بالتلطف الذي ينتهجه هؤلاء الوقورون.

 

 ثم تابع هذه مدرسة عجيبة  يسوسها الهمس، مدرسة ليس لها مدير ولا فيها أساتذة  ولا فصول، بل هي بحيرة والصيد في مائها يتم بالصنارة وليس بالشباك. هي هذه الشبكة العنكبوتية اللعينة. بعض الناس يخافون على أبنائهم من المواقع الإباحية، ونحن بتنا نخاف مواقع تعلم شبابنا كيف يموتون. أو تحدد لهم أين يموتون.

 

قلت: إنما تتحدث عن عدد قليل من الشباب ..

 

قال:

مهما قلتَ إنهم قليلون فهم كثير، وأكثر من كثير، فجأة يغيب شاب عن الساحة العامة. تسأل عنه فيقال لك مسافر، إن كنت في حلب فما أسهل أن تسمع من أبيه أو أخيه: إنه في دمشق أو في الجزيرة، هم أنفسهم لا يعرفون أين يكون، ولكنهم يتسترون من الخوف.  وهذا طالب يغيب عن جامعته من يبالي؟! وهذه فتاة تزوجت حديثا معها طفل عمره سنة عادت إلى بيت أبيها: ما المشكلة: صمت مشوب بالقلق، تغيير لمجرى الحديث، يقول والد الفتاة  إنه يسعى على رزقه..

 

بعد أسابيع أو أشهر يتصل شاب على هاتف خلوي، يكلم والد الشاب أو أخاه، أنا فلان هل عرفتني، أنا رفيق فلان، زرتكم يوم كذا، ويذكر علامة خاصة تؤيد صدقيته، رحمه الله لقد كان بطلا ويغلق الخط... ثم يتداعى الناس بصمت إلى مجلس عزاء ( المقرية ) الصامتة يحضرها الأقربون؛ يتساءلون أين؟ يجيب أحدهم همسا في العراق أو في أفغانستان، يتابع السائل كيف؟ يجيبه الآخر بإشارة إلى فمه أن اصمت: الله يرحمنا يرفع بها صوته..

 

حالة مكرورة، بل ظاهرة تمتد، تنتقص مجتمعنا من خيرة أبنائه، حري بها أن تسبب قلقا لكل مسئول في وطننا بأي شكل من أشكال المسئولية، وفي أي أفق من آفاقها..

 

وإفادة أخرى يقول صاحبها

شباب بين العشرين والثلاثين، أكثرهم مستقر اقتصاديا واجتماعيا، يملك مصدر رزق مناسب، ومتزوج، ولديه طفل أو طفلان. ثقافته متوسطة، التزامه الشرعي دقيق، يميل إلى التوحد والعزلة، والمطالعة الفردية، والتفكير الصامت، يحب الخلوة مع الشبكة العنكبوتية، لا تستهويه مجالس أهل التصوف، لا يثق بممثلي الدين الرسميين، ويضع إشارة استفهام بل استنكار على من يقاربهم، لا يجد غنى عند مدرسة الفقه العلمي، يشعر بالفراغ، تلمس عنده إحساس فاجع بالاختناق. لهم اعتراضاتهم على مؤسسة الفقه الإسلامي منذ القرن الثالث. يعتقدون أن هذه المدرسة قد طوعت الأمة للظالمين، يتحدثون عن ذلك بإشارة، لا يحبون الخوض في التفاصيل، وأغلبهم أشبه بالصناديق المغلقة، ونادرا ما تستطيع استفزازهم، أو كسب ثقتهم، وهم لا يثقون بأحد ممن حولهم، ليسوا بالضرورة على ارتباط تنظيمي معقد، تخاطبهم إنسانيا فيجيبونك بشواهد مقابلة وفظيعة من الفعل اليهودي  في فلسطين، أو (النصراني) في العراق أو أفغانستان (حسب تعبيرهم) يبدون كشباب ضاق بهذه الحياة، وينظرون إلى الموت كمخرج شرعي كريم

 

قلت...

قال إنهم يعلمون أن هناك من يستغلهم ويدفعهم ويوظفهم في مشروعه، لا يخفى عليهم ذلك، ولكنهم لا يهتمون، رؤوسهم مملوءة بأفكار صغيرة، بذرة صغيرة تتسلل إلى رؤوسهم، وبقليل من الري تصبح شجرة كبيرة، يصعب اقتلاعها، أو لعلها بالون صغير يُدس في تلك الرؤوس ثم ينفخ ببعض الكلمات، عندما ينفتح أحدهم عليك ويفضي لك بما في عقله أو نفسه وترقبه بلطف وحنان تدرك كيف يتحول البالون المطاطي الصغير بالنفخ إلى جسم كبير يسد عن الرؤية الأفق. مع الأسف لم أنجح في أي مرة من ثقب هذا البالون، كنت دائما أشعر أن الأمر يحتاج إلى قدر أكبر من العقل والعلم والحنان أيضا، ، لاينفع معهم التعليم المباشر، ولا الحوار العقلي المجرد يحتاجون إلى العالم الوالد يبث في نفوسهم الثقة والأمل بحنان وهذا مغيّب أو مكمم

 

قلت: و موقفهم من الضحايا....  

قال إنهم يرضون لهم ما يرضون لأنفسهم، يقرون أنهم يصيبون أبرياء، يزعمون أن على فريق ما أن يدفع الثمن،  ويفسرون بأن المخالف الديني أو المذهبي ( هذا تعبيري وهم يعبرون عنه بطريقة أخرى) يريد أن ينفرد بوضع قوانين اللعبة، أو قواعد العلاقة. وأن عليهم ببعض الفوضى أن يمنعوه من ذلك، وأن يقطعوا الطريق عليه، لا يثقون بالسياسة، ولا يقرون بالضعف: الموت أسهل، كذا يرددون. باستطاعة ( الآخر) من موقع القوة أن يختار طريقته في حربنا، ولكن ليس له أن يفرض علينا طريقة مقاومته. يرددون ساخرين: إن ( الآخر ) يقول قاومني بالطريقة التي لا تؤلمني ...!

 

ربما من المفيد أن تعلم أنهم لا يفتقدون الأحاسيس الإنسانية، في أخلاقهم الشخصية هم شديدو اللطف، بالغو الحساسية، لا تصدق أن تصدر عنهم كل هذه القسوة، لا تظن أنهم لا يحبون الزوجة والولد، ولا يشفقون على الوالد والوالدة، على العكس إنهم أكثر رقة مما يتصور الكثيرون، يروي محدثي، قال لي أحدهم مرة: كيف تتحملون كل هذا، أنا لم أعد قادرا على الاحتمال!! لم أعلم أنها كانت كلمة وداع،  بعد أسابيع وصل نبأ وفاته من العراق..

 

تركت الكلام عن هذه الشريحة لأهله، هؤلاء الذين ليقتلهم البعض يدفعهم إلى قتل المزيد من الأبرياء...

 

 حلقة الشر هذه من يكسرها؟! من المسئول عنها؟ المكر أم الصمت في غير موضعه؟ أم القصور؟ أم البغي والطغيان والعدوان؟ أم كل ذلك؟

 

ومن يجعل الضرغام للصيد بازه...  تصيده الضرغام فيمن تصيدا

(بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ)

---------------

*مدير مركز الشرق العربي  

  للاتصال بمدير المركز

00447792232826

zuhair@asharqalarabi.org.uk

الأربعاء 17/2/2010م


 

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ