ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
في
جدلية الهدم والبناء في
إطار الفكر كما في ميدان الحياة
العملية تسود جدليات وثنائيات
تقلب علينا ترتيب أولويات العمل
والإنجاز. كتب ابن سينا كتابه (الكون
والفساد). يقال إنه مترجم عن
أرسطو. وربما تكون الترجمة
الأدق كما عبر عنها سارتر (الوجود
والعدم). وتعبير القرآن الكريم (الَّذِي
خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ..).
الموت يهدد الحياة وينال منها،
ولكن تبقى الحياة هي الأبقى
لأنها الأقوى. العدم يبتلع
الوجود و يلاشيه، ولكن الوجود
في أصل كينونته هو تمرد على
العدم. حزمة نور تنبسط على محيط
الظلمة العدمي الواسع فتضيء فيه
أمواجاً وأشجاراً وأحياء
وأناسي كثيراً، ولا يكاد العدم
يكر على الوجود، حتى يسبق هذا
إلى التجسد في مظاهر أقوى وأبقى.. الكون
يدب إليه الفساد هذه حقيقة،
ولكن ما يبقى منه للصلاح الطيب
والكثير. (الكون) و(الوجود) و(الحياة)
هي تجليات مباشرة لإرادة الحي
القيوم. الخلق تجليات الخالق.
والحياة تجلي الحي. والربوبية
بكل معانيها هي تجليات القيومية
(أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى
كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)،
هذه سنن الحياة نلمسها في
الوادي والسهل والجبل. كما
نلحظها في دائرة السجل المدني
يستقبل موظفه كل يوم قوائم
الولادات والوفيات. ونلمسها في
الغابة، في الأرنب يقتات به
سبع، وفي أوراق الشجر المتساقط،
وفي قوارض الغابة المرئية
واللامرئية. يمكن أن يصنف فعلها
في ساحتي الهدم والبناء في
الوقت نفسه.. منطق
الوادي والسهل والجبل والغابة
والحقل، يختلف عن منطق الحديقة
والبستان. ويبدو أن عقل الإنسان
المنظم هو الذي يقوده في بعض
الأحيان إلى أزمات حياته
العملية. عقل الإنسان المنظم هو
الذي يقول على لسان المعري وهو
ينظر إلى صيرورة الوجود.. لدوا للموت وابنوا
للخرابِ فكلكمُ يصير إلى
ترابِ... دعوة
صريحة واضحة: توقفوا عن تقديم
أنفسكم قرابين للموت. أو تشييد
أوابدكم طعمة للخراب. تقوم على
نظرة تشاؤمية أو عدمية. ولكنها
تنتقل كما أريد أن أنتقل الآن
إلى منطق سياسي عملي، يقول
عقلنا المنظم: متى يبلغ البنيان يوماً
تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم.. وهكذا
اخترعنا قاعدة الهدم ثم البناء.
الهدم السابق على البناء. هدم كل
قواعد الشر والباطل والفساد
لنبني بعد ذلك كل ما نحلم به من
حق وخير وجمال. وتستغرقنا عملية
الهدم، تذهب بالوقت والجهد،
ونحن نحاول أن نحصد أزاهير الشر
أو شجيراته من صاب وعلقم وحنظل.. أعتقد
أن سنة الخلق الرباني وسنة
الوجود العملية أبلغ من ترتيب
عقولنا المنظمة. دعونا لا نضيع
الجهد في استئصال أزاهير الشر
أو شجيراته. ولنبادر دائماً إلى
غرس أشجار الخير. لنغرس النخل
والتين والزيتون. ولنملأ بطاح
الأرض بمزيد من الورد والفل
والياسمين، ولنحاصر
الموت والموتى بالحياة
والأحياء.. لا
نريد أن نصادر مهمة الطبيب
والرقيب، ولكن لا يمكن أن يكون
مشروعنا الحياتي الكوني هو
مشروع طبيب ورقيب، أعتقد أنه
لابد أن نحاصر الشر بالخير.
والباطل بالحق. والقبح بالجمال.
والفساد بالإصلاح. والخلايا
السرطانية المدمرة بالخلايا
السليمة الحية. منهج
جديد، منهج الحياة الذي يغالب
الموت فيغلب، منهج العشب يزحف
دائماً ليغطي بوجهه الأخضر
الأرض الموات. فتعود جزيرة
العرب كما بشر رسول الله صلى
الله عليه وسلم مروجا وأنهارا.
أما العودة إلى التصحر والبداوة
فهي ردة أخرى تصيب الأرواح
والقلوب والعقول فتحيط بها كما
الخطيئة فإذا هي تضطرب فيما
نضطرب جميعا فيه. --------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
الاثنين
22/3/2010
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |