ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
من
النحاس باشا إلى عمرو موسى رابطة
الجوار العربي تحدي
الإنجاز ستكون
(رابطة الجوار العربي)، لو تم
إنجازها، إنجازا تاريخيا يُذكر
به عمرو موسى كما يذكر النحاس
باشا بالجامعة العربية. دائماً
تكون الانتقادات السلبية سهلة.
يقف أحدهم أمام بناء شامخ كلف
الكثير من الوقت والجهد والصبر،
يضع يده في جيبه ثم يشير بإصبعه
مُنتقِراً: لماذا هذا هنا،
ولماذا هذا هناك.. كل
الوهن الذي تسرب إلى الجامعة
العربية، وكل الثغرات التي كانت
أصلاً في بنيانها لا تنال من
قيمة الإنجاز المهم الذي أنجزه
المؤسسون الأوائل، نقول
للتاريخ: جزاهم الله خيراً. ويبدو
أن السيد عمرو موسى مع عراقته
الدبلوماسية قد فاته أن يمهد
لاقتراحه بما يقتضي المقام من
تواصل وشرح وتمهيد. ربما أراد أن
يجعل من اقتراحه العتيد مفاجأة
القمة التي تجتذب انتباه
الشعوب، وتحرك البحيرة العربية
الراكدة؛ ولكن إنجاح المقترح
كان يقتضي إعدادا وتحضيرا
ومشاورات أفضل. يستحق إنضاج
مشروع في الحجم المطروح
ومستقبله وتداعياته إلى الكثير
من الدراسة والمراجعة والتأمل
والشرح والإقناع. ولقد
كان موقف قادة القمة العربية
رصيناً حكيماً حين طالبت السيد
عمرو موسى بالمزيد من الشرح
والتفصيل، وحين أعطت المشروع
مدة ستة أشهر إضافية لمزيد
إيضاح، وربما يحتاج مشروع مثل
هذا ليقوم على أسسه السليمة
أكثر من ستة أشهر، لإجراء
المزيد من المشاورات
والترتيبات المستقبلية التي
تخرجنا من دائرة (الاتحادات
العريبة) التجريبية التي تكاثرت
في النصف الثاني من القرن
العشرين، والتي كانت
بإخفاقاتها المتتالية جرعات
لبث الإحباط واليأس من فكرة
الوحدة العربية من أساسها . أليس
من اللافت أن نعدد أكثر من عشر
تجارب من الاتحادات العربية
الفاشلة للنظم العربية (القومية
والثورية) لم يبق من هذه التجارب
للتاريخ إلا (مجلس التعاون
الخليجي). نعود
إلى مشروع السيد عمرو موسى
الأمين العام للجامعة العربية
لنقف فيه عند أكثر من حقيقة.. الأولى
هو أنه لا ينبغي أن يُطلق
المشروع ليضم الجوار (الجغرافي)
لكل من صاقب الوجود العربي. بل
علينا أن نميز في دول الجوار
العربي بين الوجود الأصيل
والوجود الطارئ. الوجود الطارئ
لا ينبغي أن يكون له مكان في
محافلنا على التأبيد وليس على
التعليق كما ورد على لسان السيد
عمرو موسى. إن (التعليق) الذي مر
على لسان عمرو موسى دون أن يتوقف
عنده أحد يجب أن يتحول إلى رفض
على التأبيد. بعض الناس يقولون
إن (التعليق) جاء على شرط مستحيل
أو مستبعد، فكأن التأبيد قد
حصل؛ إلا أننا نرى أن دعوة تتضمن
إنشاء رابطة في الأفق الذي
نتحدث عنه ينبغي أن تتوفر فيها
الشفافية والوضوح التامان، وأن
تقوم على أساس من إرادة الشعوب
ومشروعاتها الحضارية. كيف يجلس
في محافلنا من يدخر لنا المئات
من القذائف النووية ليبيد بها
خضراءنا كما يقولون. هذا (التعليق)
الذي أطلقه السيد عمرو موسى في
حديثه هو ثغرة مخوفة بحق، ولا
يمكن أن يكون حافز استقامة لأن
ذيل الكلب لا استقامة له كما
يقولون. ثم
إنه يبدو مناسباً الاقتراح الذي
رتبه السيد عمرو موسى أن تكون
بداية عاجلة مع تركية وتشاد وأن
تتم المشاورات مع أقطار أخرى
لتوسيع دائرة الرابطة وتمكينها. وفي
المقابل فإنه لا بد أن يُقرأ
التوقف بشأن جمهورية إيران
قراءة واقعية وإيجابية في الوقت
نفسه. فإيران هي جار مؤثر وفاعل
في الساحة العربية والإسلامية،
ويمتلك الذين يقرؤون الأثر أو
الدور الإيراني قراءة سلبية أو
إيجابية أدلة على إثبات وجهة
نظرهم. وإذا كانت إيران تمثل
جاراً تاريخياً وجغرافيا فهي في
الوقت نفسه شريك في العقيدة
والدين (الله والرسول والمصحف
والقبلة والقيم..) إن
على جميع الجيران في المنطقة
القادة والحكومات والفقهاء
والمثقفين والجماهير أيضا أن
يُجروا المراجعات الضرورية
ليغادروا جميعا الخنادق
الطائفية أو المذهبية الضيقة.
وحين يجد الكثيرون الأسس التي
يقيمون عليها مشروعا حضاريا
بأفق إنساني فمن باب أولى أن
يجدوا الأسس التي يقيمون عليها
المشروع الإسلامي المتجاوز
للطوائف والمذاهب. إن
على الجميع أن يطرحوا مشكلاتهم
عارية مجردة وأن يكفوا عن تغليف
هذه المشكلات السياسية أو
الاقتصادية أو السيادية في ثوب
طائفي أو مذهبي، فهذه الذريعة
أخطر من كل مشكلة نسعى إلى
الانتصار عليها. إنها الأشبه
بتربية الثعابين للتخلص من
الفئران. كل المشكلات العقلانية
يمكن احتواؤها ومعالجتها إلا
ريح التعصب الصفراء فإنها ريح
عقيم إذا عصفت لا تذر شيئا أتت
عليه إلا جعلته كالرميم. إن
على العقلاء لكي تغادر الأمة
خنادق المذهبية الضيقة أن
يمتلكوا القدرة على تقديم
المبادرات الشجاعة والمبدعة
وعلى كل صعيد؛ ولكن يبدو أن
عقلاء المسلمين في إيران بحاجة
إلى مبادرات أسرع وشجاعة أكبر.. إن
على إيران ولمصلحتها هي أن تبدأ
عملية مراجعة لما يخيف الجوار
العربي منها. لماذا هذا الخوف؟
وهذا الحذر؟ وهذا القلق؟ على
إيران أن تتلمس أسباب كل هذا وأن
تتلافاها جميعا، الحقيقي منها
والمتوهم على السواء؛ عليها أن
تفعل ذلك لتلقى الترحيب
والتأييد اللذين تلقاهما تركية
الجار الموازن لإيران؟!
يحتاج
العقلاء في إيران إلى مراجعة
شاملة لسياساتهم في المنطقة
لمصلحتهم أولا، ولمصلحة
المشروع الإسلامي الذي يجهرون
به، وأول استحقاقات هذا المشروع
هجر الخندق الطائفي، والتوقف عن
التمترس وراء جدره القصيرة.
ولمصلحة إيران ولمصلحة مشروعها
الإسلامي المعلن، ولمصلحة
دورها الاستراتيجي؛ ينبغي على
إيران أن تقطع الطريق على دعاة
المشروع الطائفي، بالأخذ على
أيدي دعاته من الإيرانيين، وسد
الذرائع على من سواهم. يحتاج
العقلاء في إيران وهم كثر أن
يراجعوا سياساتهم في العراق،
ومع دولة الإمارات، وما نظن أن
طنب الصغرى وطنب الكبرى توازن
استراتيجياً علاقات إيران بأمة
المحيط والخليج. يحتاج
العقلاء في إيران إلى
استراتيجية تصفير مشكلاتهم مع
جيرانهم العرب والمسلمين، ومن
أبسط هذه المشكلات تسمية الخليج
الذي يتموضعون مع جيرانهم العرب
عليه.. يحتاج
العقلاء في إيران أن يقضوا ساعة
وهم يستمعون إلى فضائيات (الردح)
المحسوبة عليهم، حيث ما يزال
الرادود يعلن النقمة ويطالب
بالثأر من (تيم وعدي!!!). على
العقلاء في إيران أن يحسنوا
تقدير وقع هذا السيل من السباب
والشتائم على عقول وقلوب
جيرانهم من العرب والمسلمين.. على
العقلاء في إيران أن يعلموا أن
كسب (جدي أسك) على شاطئ الفرات أو
في قلب المجتمع العربي لا يوازن
استراتيجياً علاقة عاقلة متزنة
راشدة تجمع أبناء الأمة الواحدة.
عليهم أن يحسنوا الموازنة بين
الكسب البخس والعلاقة الرشيدة.
وأن يعلموا أن مشروع التمدد
المذهبي مشروع يتأرجح بين قابي
قوس الكسب الفردي أو الخسران
الجماعي.. على
العقلاء في إيران أن يحجموا عن
اللعب بورقة الطائفية من خلال
المجموعات المذهبية في بلدان
جيرانهم، فهذا مما يقطع عليهم
الطريق. ويضيق على بعض
المواطنين أوطانهم. وعليهم من
موقع القوة والقدرة أن يكونوا
معوانين على تجاوز المحنة، محنة
التفتيت التي تضرب الأمة،
وسيجدون على الطرف الآخر قادة
وحكومات وشعوبا تمد لهم الأيدي
وتفتح لهم القلوب. الخائفون
والمتخوفون على الطرف الآخر
لديهم أسبابهم ومسوغاتهم. وكثير
من هذه الأسباب والمسوغات هين
لين مما تقدر عليه القيادة
الإيرانية لو أرادت. ومع كل هذه
المحاذير والمعاذير نعتقد أن
الحوار البناء والرصين كفيل
ببناء الجسر لتأخذ إيران مكانها
الحقيقي ضمن منظومة الجوار
العربي الإقليمي المنشودة أو
الموعودة. وقبل
أن نختلف على رصد الحضور
والغياب لندعو لعمرو موسى
ولمشروعه لبناء منظومة دول
الجوار العربي النجاح. --------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
الخميس
1/4/2010م
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |