ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
الصلاة تقول:
يارب.. يجيبك: لبيك عبدي يفتقد
الأدب العربي والشعر منه بشكل
خاص تعبيرات لائقة عن الصلاة
بوصفها تجربة روحية إنسانية.
تقرأ في الأدب العالمي الكثير
من النصوص والقصائد تعبر عن
التجربة كلحظاتٍ للتسامي
الإنساني، ومحاولةٍ للنفوذ
خارج قوانين الوجود المادي
الكثيف. تتابع الشعراء
الرومانسيون من قبل على تسجيل
التجربة بلحظاتها الألقة، من
خلال دعوتهم إلى العودة إلى
الطبيعة، أو نشدان الكمال في
عالم الماوراء، حيث تسطع شموس
أُخَرُ أكثر إشراقا وأكثر عدلا
على ما صور لا مارتين. لامارتين،
الذي سطر في (تأملاته) قصائد عن
العزلة والخريف والمساء
والإنسان، تجاوزت قصيدته عن
الصلاة المائة بيت، وعَبَرت على
كتفي الأصيل والغروب ولحظات يلج
فيها النهارُ في الليل في تتبع
لتسبيح الكون الرخيم. في
تتبعات الشعر الرومانسي منذ
أواخر القرن الثامن عشر وسائر
القرن التاسع عشر نجد عددا أكبر
من الشعراء يقيّدون ( الصلاة )
التجربة الروحية، ليقدموا
بطريقتهم موقفا إنسانيا عن (
التراب في المحراب)، محراب
المعبد الكبير أو محراب الكون
الأكبر. وكما
للرومانسيين كان لبعض الشعراء
المُجّان تجاربهم أيضا، وربما
يكون هؤلاء أكثر قدرة على
التعبير المتوهج، تعبير الغارق
في الإثم كما كانت تجربة أبي
نواس في الأدب العربي من قبل.
ولعل القليل يعلم أن أبا نواس هو
صاحب: إلهنا ما أعــدلك
مليك كـل من ملك لبيك إن الحمد لك
والملك لا شريك لك أو
أنه صاحب: تأمل في رياض الأرض وانظر
إلى آثـار ما صنع المليكُ غصـون من لجين
شاخصات
بأحداق هي الذهب السبيكُ على قُضب الزبرجد شاهدات
بأن الله ليـس
له شـريك أو
أنه صاحب: يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمتُ بأن عفوك
أعظم إن كان لا يرجـوك إلا محسن
فبمن يلوذ
ويستجير المجرم ما لي إليك وسيلة
إلا الرجـا
وجميل عفوك ثم أني
مسلم وأن
أبا نواس في زهدياته أصدق لهجة
من أبي العتاهية مع الكثير
الطيب مما قال الأخير. تجد
الكثير من روحية أبي نواس هذه في
ديوان أزاهير الشر لبودلير الذي
يلقبه قومه بالشاعر الرجيم..
وفي
مقابل كل ذلك ومع أهمية الصلاة
في حياة المسلمين، ومركزيتها
بالنسبة للتشريع الإسلامي.
وحقيقة أن المسلم يطرق كل يوم
خمس مرات باب مولاه؛ وأن الأرض
في الإسلام كلها مسجد وطهور،
فلا ترتبط الصلاة بكاهن أو هيكل
أو محراب؛ فإن
هذه الشعيرة الربانية، والمعين
الشاعري الثر، بالغ الأثر، شديد
الرهافة؛ لم تنل حقها من الأديب
أو الشاعر العربي.. نميز
في الحديث عن الصلاة بين التوجه
إلى الله بصلوات على طريق
الابتهال والدعاء، إذ هذا العمل
يطلق عليه هو الآخر (صلاة). بمعنى
أن الدعاء هو مخ العبادة، وأن
الصلاة هي الأخرى نوع من
الدعاء، وبين الحديث الودود
الشفاف عن لحظات العروج
والارتقاء. الحديث عن قيد
اللحظات تلك من السمو الإنساني،
يسجلها
شاعر ويفتح للناس بعض خزائن
الملكوت التي تعرض مكنوناتها
أمام أشواق وتطلعات السالكين،
هذا ما لم يفعله شاعر عربي في
القديم أو الحديث في حدود ما
علمت، وفوق كل ذي علم عليم.. الصوفيون
المسلمون والعرب بشكل خاص،
هاموا بالمطلق، وأكثروا من
الحديث عن الرمز: ليلى وسعدى
ولبنى: أبرق
سرى من جانب الغور لامع
أم كشفت عن وجه ليلى
البراقع إذا
ما بـدت ليلى فكلـي أعيـنٌ
وإن هي نادتني فكلـي
مسامعُ ولكن
أحداً لم يحاول أن يعرّي النجم
في قبضة الطين مثلما فعل إقبال: وأنا النجم خلّفته
الثريا..... نسج الترب ثوب ورد
عليا لماذا
لم يفعل أحد ذلك ؟! لماذا
لم يحاول أحد أن يكتشف سر ارتقاء
هذا التراب حين ينتصب مشهودا في
المحراب (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ
إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ
مَشْهُودًا)..؟! سؤال مطروح على
كل من يملك جوابا مُدرِكا أو
متداركا.. تصلي
فتقول: الحمد لله رب العالمين.. يلفتك في الصلاة
النعمة والقُربة، وليس الطقس
فقط، أنك لا تُزاحِم فيها ولا
تُزاحَم. فربك الأعلى لا يشغله
شأن عن شأن، و شأنه دائما أنه جل
وعلا (قَائِمٌ عَلَى كُلِّ
نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ)، فهو
معك معية فضل ولطف، وهو في الوقت
نفسه مع العالَمين، مع جميع
المصلين الذين يحمدونه بما
يستطيعون من المحامد، تنطلق
بالصدق من كل القلوب وعلى كل
الألسن وبكل اللغات وعلى جميع
المذاهب (قَالَ اللَّهُ هَذَا
يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ
صِدْقُهُمْ). معية
تقول فيها: يا رب.. فيجيبك: لبيك
عبدي..، فتطلب فتُعطى أو تُرضى
فلا تخرج من مقامك ذاك إلا وقد
انتقل بك من مقام الصبر إلى مقام
الشكر، ومن حريص على الأخذ إلى
الراغب في العطاء، فتشغلك
الألطاف عن الإلحاف، وتعيش سر:
أرحنا بها يا بلال.. تشفق
على بعض الناس، يرى في المحراب
ضيقاً.أو يظنه مساحة قابلة
للحجر! يعتقد أن بإمكانه أن
يحتكر القبلة والمحراب
والمعراج. وهذه عوالم لمن
اكتشفها غير قابلة للاحتكار.
معارج تعرج عليها الموجودات
والمخلوقات جميعا في اللحظة
نفسها ومن سم الخياط الذي لا
يضيق على سالك، بطلاقة الدلالة
اللغوية: (تُسَبِّحُ لَهُ
السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ
وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ
وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ
يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن
لاَّ تَفْقَهُونَ
تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ
حَلِيمًا غَفُورًا..) أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ
لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضِ وَالطَّيْرُ
صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ
صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا
يَفْعَلُونَ..) (وَمَا مِنْ
دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا
طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ
إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ
مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ
مِنْ شَيْءٍ..) (أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ
لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ
وَمَنْ فِي الْأَرْضِ
وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ
وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ
وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ
وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ..). صلاة
كونية تنتصب فيها الموجودات
طوعا وكرها تسبح بلسان الحال
وآخر بلسان المقال. تصلي
فتنخرط في منظومة كونية وتنسجم
معها تستغيث وتستعين برب
العالمين، وتمجد وتسبح: الله
نور السموات والأرض.. تصلي
إذا حزبك أمر فتذكر وكان
إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة...: تصلي... فتضع جانبا أو
خارجا الحمل الذي تحمله على
عاتقك ترتاح قليلا من هموم
العيش والقوم والعشيرة والرزق
والصحة والمرض والزوج والولد؛
تُلقي كل الأعباء عن كاهليك،
تضع كل الحمولة التي تنقض ظهرك،
وتميط عنك
ما علق بك من أذى الحمل الثقيل
ووعثاء الاضطراب في الأرض.
تلتمس قبلا بعض
الوضاءة لتكون أرضى بين يدي
مولاك، وهل الوضوء إلا عملية
تجميل لتظهر أوضأ وأرضى؟! تفعل
ذلك، وانت تروي (إن الله لا ينظر
إلى صوركم وأجسادكم وإنما ينظر
إلى قلوبكم واعمالكم)، ثم ترفع
يديك: الله أكبر.. فتنتقل من حال
إلى حال ومن عالم إلى عالم ومن
موقف إلى موقف.. وعالم
ما بعد تكبيرة الإحرام عالم
مختلف، هذه سماء تدخل ملكوتها
وأنت على الأرض. عجيبة هذه
السماء. عجيبة في خصوبتها. عجيبة
في تجددها. عجيبة في دنوها
وحنوها... والصلاة
معراج إلى السدرة، وطريق إلى
الدنو والتدلي، والصلاة خصوصية
متفردة فيها مع كل حرف أو حركة مزيد؛
مزيد متجدد مع تغير اللحظ
واللحظة والحال، وخزائن النور
تَعرض ذخائرها أمام بصيرتك ليس
يحصيها عدد، فأنت مع كل صلاة في
سماء، بل في سموات، تستشعر
اللحظة التي تصطف فيها مع ذرات
الوجود وخلاياه تلهج معها بصوت
واحد: يا الله، بارقة تلتمع في
كدورة الطين تلوّح لك بالذوق ثم
تغيب، من يمسك اللحظة، والومضة،
والبارقة في خيوط النور تردك
إلى حقيقة(لاَّ تُدْرِكُهُ
الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ
الأَبْصَارَ) و تردك إلى عجزك
وقصورك، وحقيقة أن العجز عن
الإدراك إدراك؛ ولكنّ برقا بدا
من جانب الطور لامع
يدفعك إلى طلب المزيد. الصلاة
بهذه المعاني للحظات الذوب في
حضرة الله تقودك أو تسمو بك
إليها مفاتح الحضور ومعارج
الكلمات حتى إذا صرت في قعودك
الأخير قلت: (التحيات
لله.. والصلوات
الطيبات...) تتأمّل على من تلقي
التحية ولمن تقدم الصلوات.. (السلام
عليك أيها النبي...)، وتستحضر
صورة من دلّك على هذا الخير
العظيم (السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين..) وعباد
الله الصالحون هؤلاء عنوان
مفتوح لكل ما خطر أو لم يخطر
ببالك، من عوالم وأمم وكائنات،
فكأنك تسلم على الوجود
الصالح بكل ما فيه ومن فيه.. تصلي
فتذكر مثلث الحرير (
الطيب.. والنساء.. والصلاة ) تصلي...
تقرأ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ
الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ
الرَّحِيمِ ، مَالِكِ يَوْمِ
الدِّينِ ، إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ،
اهدِنَا الصِّرَاطَ
الْمُسْتَقِيمَ.. وتركع فتسبح
ربك العظيم، وتخر ساجدا لترقى
إلى حضرة القرب الأقرب من ربك
الأعلى.. يُلح
على عقلك بل على قلبك حديث: (حُبب
إليّ من دنياكم الطِّيْبُ
والنساءُ وجُعلت قرةُ عيني في
الصلاة.)، فتضطرب بين أضلاع
المثلث، وتتلمس الخيوط
الحريرية التي تربط بين رؤوسه؛
في شريعة يتحد فيها طريق الدنيا
بطريق الآخرة، وفي صلاة تُختتم
بمأثور الدعاء: ربنا آتنا في
الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة. يستلك
الطِّيْب من واقعك، مهما كانت
وعثاؤه، إلى آفاق ذاتية شفافة فتختلط
بسبحات السكن والمودة والرحمة،
ويحضرك قوله و(في بضع أحدكم
صدقة)، في تصور رباني كرّم
الإنسان (أَلا يَعْلَمُ مَنْ
خَلَقَ)، لا يستقذر فيه
دافعا، ولا يكبت غريزة، فتدعو
مع الداعين: (رَبَّنَا هَبْ
لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ
أَعْيُنٍ) وتعيدك قرة العين
هنا إلى قوله (وجعلت قرة عيني في
الصلاة) فترتقي عوالم من الطهر
يفضي بعضها إلى بعض وتدرك
أن
الصلاة في تطهيرها للنفس كالنهر
الجاري بباب الإنسان يغتسل منه
في اليوم خمس مرات، فلا يبقى من
درنه شيء. الطِّيْب
و( المرأة – الرجل ) و(رَبَّنَا
هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا
وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ
أَعْيُنٍ) و الصلاة ( قرة العين )
ثلاثية الذوق والنفس والروح في
سياق الوجود الإنساني هو بعض
موضوعات الشعراء كما هو ميدان
لبحث العلماء، ومعارج تحقق
الوجود الإنساني في أرقى معانيه. الصلاة والعذر
أحن
إلى صلاة عن قيام ...
شطر البيت هذا يمثل حالة
وتجربة ربما يمكن أن يثريها
شاعر مفلق أو مجيد. أن يقيد
العجز أو العذر الإنسان فيفتقد
في صلاته القيام أو الركوع أو
السجود، يفتقد لذاذات ربما لا
يحس بنعمتها القادرون. (لا
تنحنِِ)، يقولها الطبيب، تقول
له: والركوع أو السجود، فيقول لك
يكفيك الإيماء...!! أظننا يومها
سنجد أنفسنا أمام شعور بالحرمان
جديد، سندرك أن السجود (التكليف)
كان نعمة. وأن لحظاته القصيرة (سبحان
ربي الأعلى) والجبهة مطروحة على
الأرض تتمرغ، هي ذروة العروج
بكل ما اشُترط له من طهارة
ونظافة ثوب ومكان وتكبير. شروط
تعني الاستعداد للانخلاع من
الدنيا، انخلاع تتبعه القراءة
والابتهال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) وما
تعنيه من إقرار وافتقار، ثم
ترقى بعد الركوع إلى السجود،
لتصل إلى مقام ( أقرب ما يكون
العبد إلى ربه وهو ساجد) لتشعر
بنفسك تتقلب بحنان في رحاب
الرحمن، تقول: تنزهت يا رب أنت
الأعلى. (أحن إلى صلاة من قيام)
شطر بيت لشاعر عباسي قيده العذر
وطال به القعود، فقيل له إلى
ماذا تحن من لذاذات الشباب فقال:
أحن إلى صلاة من قيام عالم
الصلاة بدأً
بتكبيرة الإحرام إلى إعلان
السلام.. عالم غني ثري مختلف عن
عالم الألوان والأصوات
والأشكال، عالم يقال فيه: لا
أجمل ولا أرحب، يلجه الشكور
فيجد جزاء شكره المزيد، ويدخله
الصبور، فيجد فيه العون والنصرة
والتأييد (وَاسْتَعِينُوا
بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ..) عالم
إذا سموت إلى سدته شبراً دنت
إليك ذراعاً، فإن تقربت فيه
بذراع تقربت إليك باعاً، وإن
سعيت إليها تمشي سعت إليك هرولة.
ترقى في معارج
الصلاة لتنتظم في منظومة(وَلِلَّهِ
يَسْجُدُ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
طَوْعًا وَكَرْهًا). موقف
واحد تلهج فيه الموجودات ،كل
الخلايا والذرات، بصوت واحد:
يارب هذه
الصلاة كانت قرة عين رسول الله،
والمحراب واسع، والمعراج
مفتوح، والقبلة وجه الله، فأين
أين المصلون؟! تصلي
يعني أن تناجيه وستجده عالما بك
قريبا منك ودودا معك ما عليك إلا
أن تعرفه، ثم تقول: يا رب فيقول
لبيك عبدي.. يقول
لنا: فاذكروني أذكركم.. تذكر
أنه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما
دون ذلك لمن يشاء.. --------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
الاثنين
5/4/2010
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |