ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
ثقافة
الاعتذار بضاعتنا
هل تعود إلينا (إنها
متعصبة.. ) كانت تلك هي الجناية
التي ارتكبها كولدن براون بحق
مواطنة بريطانية جادلته فألحت
عليه في الجدال. (إنها متعصبة)
تهمة يهتز لها اليوم الإعلام
البريطاني، ويضطر من أجلها رئيس
الوزراء أن يقول ألوم
نفسي، ويقدم اعتذاراً
صريحاً للسيدة المعنية، ويتصل
بها شخصياً، ثم يزورها في
بيتها، ليس ليبرر أو يسوغ وإنما
ليقول: أخطأت أعتذر.. نتذكر (يوم بدر)، ورسول الله،
صلى الله عليه وسلم، يقيم
الصفوف، ويسوّي المقاتلين،
فينغز بعود كان بيده في بطن (سواد
بن غزية)، يقول استو يا سواد،
وكان سواد خارجا على الصف. يرجع
سواد رضي الله عنه خطوة، ويقول:
أوجعتني يا رسول الله فأقدني،
فيكشف رسول الله، صلى الله عليه
وسلم، عن بطنه الشريف ويقول
اقتص يا سواد، أوجعني كما
أوجعتك.. نتذكر هذا ونحن نتابع ثقافتنا
المهجرة مثلنا (كل بني آدم خطاء)
، الثقافة الغائبة أو المغيبة
عن ديارها وأهليها. ومع أن أحداً
في عالمنا المنكوب بأهله لا
يدعي العصمة فإن قليلاً فينا من
يُقر بالخطأ، والأقل منهم (من
موقعَيْ البغي والطغيان، :
السلطة والثروة) يرى نفسه
مديناً باعتذار. لا الملوك ولا
الرؤساء ولا الزعماء ولا
الخطباء (المثقفون)؛ لأمر ما
يصعُب على الجميع في حياتنا
العامة أو الخاصة أن يقول: عفوا
لقد أخطأت.. الأب أو الأم في البيت، المعلم
أو الطالب في المدرسة، المدير
والمدار في الدائرة، والمرجٍع
والمراجع في المؤسسة. كلهم
يعتقد أنه فوق أن يعتذر، وإن
لزبه أمر فزع إلى التسويغ
والتأويل وافتعال التعلات،
وربما أوقع نفسه فيما هو أكبر من
الخطأ الأصلي (العذر الأقبح من
الذنب) لئلا يقول ببساطة ويسر
وتلقائية: عفواً سامحوني لقد
أخطأت... ثقافتنا الإسلامية والمسيحية
أيضا مليئة بالنصوص والشواهد
التي تهون من قيمة الخطأ إن تبعه
ندم ، إن كان بجنب الله
فالاستغفار، وإن كان بحق الناس
فالاعتذار. وكتب الأدب طافحة
بالنصوص والشواهد والمثل التي
تعتبر أن من
أعلى درجات المروءة العفو عن
الناس، وقبول اعتذارهم
والتغاضي عن زلاتهم. وفي التماس
العذر يقول الحكماء : التمس
لأخيك مائة عذر تقول لعله.. لعله...
فإن لم تجد له عذرا فقل لعل له
عذرا لا أعرفه. إذا ما بدت من صاحب لك زلة فكن
أنت محتالا لزلته عذرا من الفردي إلى الجماعي ومن
الشعبي إلى الرسمي تنتفي ثقافة
الاعتذار كما ثقافة السماحة من
حياتنا!! وكأننا لسنا أبناء
الأمة التي أهدت العالم فنجان
القهوة، هذه الميقاتية العربية
التي كانت تحل بزمن قياسي (قبل
أن يبرد الفنجان) أعتى المشكلات. يدخل العربي على العربي في قضاء
حاجة؛ دم وقد يكون، المغدور
عزيزا ولدا أو والدا، أو ( إرش )،
أو ربما (هرج) من سيء المقال، فما
أن يوضع فنجان القهوة أمام
شاربه ويبدأ بالكلام، حتى يقول
له صاحب الفنجان: اشرب قهوتك أبا
فلان قبل أن تبرد... في عالم الضعف وملحقاته من
الوهن والعجز والخوف، وعالم
اللؤم ومستنسخاته من حب للنقمة،
والحرص على التشفي، والتلذذ
بآلام الناس، في هذا العالم
وحده، الذي برأ الله النفوس
السوية منه، تتقيح الجراح
وتتعفن، وتصبح المكبوتات
الغرائزية سيدة الموقف والقرار. يتحدث الكثير عن ثقافة السماحة
التي أصبحت مطلبا تبشيرياً
معولماً، تمصّر من أجله
الأمصار، وتجند الأجناد. ولكن
كيف يمكن للإنسان أن يتفهم
هذا المطلب وهو يراقب سياسة
عالمية تغذي النعرات، وتحيي ما
مات من العصبيات دينية ومذهبية
وعرقية. إن حاجتنا إلى الاعتراف
ببشريتنا أولا عن طريق الاعتراف
بأخطائنا والاعتذار عنها هي
الثقافة التي يمكن أن تعبر بنا
إلى عالم السماحة الرحيب، تأمل
قوله: من كان بلا خطيئة فليرمها
بحجر، بعبارة أخرى كأنه يقول
ليست هي الخطاءة الوحيدة... في الثالث والعشرين من آذار سنة
1980 أعلن الرئيس حافظ الأسد في
خطاب له شهير ( إن الإخوان
المسلمين في سورية ليسوا مع
القتلة ولا خلاف لنا معهم
إطلاقا بل نحن نشجعهم ولهؤلاء
الحق بل وعليهم واجب أن يقترحوا
علينا وان يطالبونا بكل ما من
شأنه خدمة الدين ورفع شأن الدين
). بعد أربعة أشهر فقط صدر بحق
هؤلاء من الرئيس نفسه قانون
يحكم عليهم بالإعدام. وبعد
ثلاثين عاما أصبح الكلام الذي
يجمع منسيا، وبقي القانون الذي
يستديم العداوة والبغضاء. لماذا
تذكرنا بهذا ثقافة الاعتذار؟!! --------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
السبت
1/5/2010م
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |