ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
الحرب
الثقافية على الإسلام (1من
4) ما
يزال الغرب الرأسمالي المنتصر
في الحرب العالمية الثانية
يتمسك بوحدته. ويتمسك بحقه في
صبغ العالم بصبغته. ومفهوم صبغ
العالم بصبغته يتجاوز مفهوم
السيطرة على العالم. والاستحواذ
على ثرواته. وتحويل دوله إلى
ولايات تابعة للدول المنتصرة.
واعتبار قادة تلك الدول ولاة
تابعين مجندين تحت الأمر.
وتصنيف الشعوب الأخرى إلى بشر
من الدرجة الثانية أو الثالثة
أو السابعة، حسب قواعد للتصنيف،
ربما لا تكون أقل قسوة من تلك
التي صرح عنها الآري النازي
رودلف هتلر. على
الصعيد الثقافي يقلق الإسلام
العقيدة والشريعة ومنهج الحياة
الغرب السياسي والغرب الثقافي
على السواء. يرى الغربي أن
ديانات العالم الكبرى، حسب عدد
الأتباع، أربع، الكنفوشيوسية
والهندوسية والإسلام والمسيحية.
أما الكنفوشيوسية والهندوسية
فقد استسلمتا منذ زمن مبكر. لم
تكن لهما روح مقاومة للمشروع
الغربي في أبعاده الثقافية
والاجتماعية، لا على الصعيد
الفردي ولا على الصعيد الجماعي.
الصين والهند اليوم منافسان في
السوق حسب شريعة السوق. وأما
المسيحية فقد شكلها الغربيون
كما يريدون. قلبوا الهرم
الديني، ففي عالم النصرانية
رجال السياسية ورجال الاقتصاد
يشرعون ورجال الدين ينفذون،
وليس العكس. أما الإسلام فما
يزال مستعصيا!!. تجد المسلم
الأمي في أسماله البالية وجوعه،
ينظر إلى الغربي شزراً في جبال
أفغانستان، لا يعجبه من أمره
شيئا. ويرى
نفسه أكبر، ليس فقط من سلاح
الغرب: طائراته وصواريخه، بل من
وجباته السريعة، ومن موسيقاه
الصاخبة، ومن أفلامه الملونة،
ومن ألبسته الناعمة. لدى الغرب
مشكلة في العالم الإسلامي.
مشكلة لا تحلها الطائرات ولا
البوارج ولا الجنود المسلحون.. يتذكر
الغربيون تجاربهم، يوم قرر
بعضهم أن يصفي بعضاً بعد
انتصاراتهم في الحرب العالمية
الثانية. يوم اعتُبرت /الشيوعية/
أو الستالينية، مشقتاً من
مشتقات النازية. وقرر الغرب
تصفية هذا المشتق. صحيح أن معارك
عسكرية دارت في الكثير من أصقاع
العالم بين (الديمقراطية
الغربية) وبين (الشيوعية
السوفييتية)؛ في فيتنام والشرق
الأوسط وبعض دول أمريكا
اللاتينية على شكل ثورات /
متبادلة؛ إلا أن المحور الأبرز
للصراع كان هو الحرب الباردة
التي عشنا أيامها وكانت بلادنا
رغم إعلانها شعار (الحياد
الإيجابي) جزءاً من مسرحها. انتصار
الديمقراطية الغربية على
الشيوعية في ميدان الحرب
الباردة، في مضاميرها
المختلفة؛ يعتبر اليوم درساً
وأمثولة يستعيدها استراتيجيو
الغرب، في تسعير حربهم ضد
الإسلام، مع
فوارق استراتيجية كبيرة تميز
واقع السوفييت عن واقع المسلمين
. وأبرز هذه الفوارق أن المسلمين
اليوم قوى شعبية عائمة لا تمتلك
مرجعية رسمية تتبنى أمرها.
والإسلام قلعة مخلاة غاب عنها
حماتها. ليس هناك دولة مسلمة
تتبنى بوعي وعلى بصيرة التصدي
للمشروع الغربي ومقاومته، أو
احتضان المشروع الإسلامي
والدفاع عنه. والمسلمون
أشتات من الجماعات والأفكار
والدعوات، مع قلة العدة والعتاد
وفقدان الاستراتيجية والآلية.
فبينما يستخدم الغرب وولاته على
بلاد المسلمين كل التقنيات
المعاصرة، من وسائل الترغيب
والترهيب، والتحسين والتقبيح،
والمواجهة والتسلل، وتجنيد
الأجناد والاختراق؛ يظل معظم
أبناء المجتمعات المسلمة في شبه
غيبوبة مما يراد بهم. بعض الناس
يعتقدون أن هذه الغيبوبة هي نوع
من الحصن والدرع. فحين تصحل
حناجر الممثلين على خشبة المسرح
في الدعاية لمشروع غربي أو حين
تلتهب أكف المشاهدين في
التصفيق؛ يكون عامة الناس في
عالمنا يفكرون بجدية: كيف
سيدبرون قوت العيال غدا، أو
أنبوبة الغاز، أو ثمن المقرر
المدرسي. في
الحقيقة إن الاعتقاد بأن
الغيبوبة الكلية أو الجزئية حصن
ودرع ومنجاة، وأن اللامبالاة
التي يعيشها مجمل أبناء الأمة
الأمية !! تجعل كيد الآخرين يذهب
سدى هو اعتقاد خاطئ ومدمر، ولا
سيما بعد أن أصبحت عملية
التدمير والتلقين تتم بأدوات
أكثر حداثة، وأصبحت هذه الأدوات
تقدم اللقمة المسمومة ممضوغة،
ليس عبر فكرة أو كتاب بل على جسر
المتعة المشوقة في عقدة لمسلسل
درامي أو عاطفي أو فيلم
تلفزيوني، أو (صورة) ناطقة
لدعاية تجارية أو سياسية. كما
أن الاعتقاد أن بإمكاننا أن
ننتصر في هذه الحرب التي تشن
علينا بوسائلنا التقليدية
الأولية التي تعودنا عليها؛
خطابنا التلقيني ، لغتنا
التحذيرية مواقفنا التي تنحاز
إلى الاسم أو الشكل أكثر مما
تنحاز إلى المضمون والجوهر،
وعجزنا عن إدراك حجم التطور
الذي أصاب الحياة الإنسانية؛ هو
محض أوهام. بل إن هذا الاعتقاد
سيعين الآخرين علينا،
وسيحاصروننا في زاويا العجز
والخذلان.. ثم
إن الإصرار على المواقف السلبية
التي تدين اللجوء إلى أدوات
العصر بكل أشكالها: العلمية
والثقافية والفنية والتقنية
تعني بشكل موجز الذهاب إلى حرب
حديثة بسيف ولو كان مثل ـ ذي
الفقار ـ أو على حصان مطهم
ارتكازاً على قوله صلى الله
عليه وسلم: الخيل معقود
بنواصيها الخير إلى يوم القيامة.
من المدمر لمشروع الإسلام
العظيم أن نظل متعلقين بظاهر
النص مضربين عن دلالته. مثل
السيف والحصان في رمزيتهما مثل
ناطق كم بإمكاننا تعميمه؟! لقد
منّ الله على هذه الأمة بما منّ
عليها من ثروات وخيرات ليس
لتلتهي بعملية التكاثر،
والتنافس على صغير المتاع، أو
الخوض في صراعاتها الصغيرة على
المستويات الإثنية أو
المذهبية، وإنما ليسألها غداً
عما قدمت لنصرة هذا الدين. وحين
سنأتي من خلال هذه الدراسة على
بعض وسائل القوم في حربهم على
الإسلام، لا نجد حائلاً يحول
بيننا وبين أن نقابل سلاحهم
بسلاح، وطريقتهم بطريقة،
ونهجهم بنهج. الحرب الثقافية
ليست حرب صواريخ عابرة للقارات
لا نملكها، ولاهي حرب نووية لا
سبيل لنا إليها، وإن كانت أخطر
منها وأبعد أثراً أو أشد ضرراً؛
بل هي حرب الإرادة والفكرة
والتلطف في البلاغ، وهي حرب
تراكمية لا تظهر نتائجها في يوم
وليلة ولكنها حرب قرون وأجيال. والإسلام
الذي نؤمن به يأبى أن يحاصر في
قفص اتهام . بل هو دائماً في موقع
الدين الظاهر، الذي ينبغي على
حملته أن يتقدموا ليس فقط
للدفاع بل
أيضا بالبلاغ عنه. وذاك هو بعض
مفهوم جهاد الطلب في هذا الزمان.
في هذا الزمان لا يذكر
الرجل كم رجلا من أعدائه قتل بل
يتحدث بنعمة الله عليه كم رجلا
منهم كسب وهدى: ولئن يهدي الله
بك رجلا واحدا خير لك مما طلعت
عليه الشمس، وفي أخرى خير لك من
الدنيا وما فيها، وفي ثالثة خير
لك من حمر النعم. في
حرب مثل الحرب التي نتحدث عنها
يفتقد الإسلام جنوده. يفتقد
أبناءه المكلفين بالدفاع والبلاغ،
بالنذارة والبشارة.
ويتشكى الإسلام أيضاً من بعض
الأبناء الذين اختاروا أن
يعتسفوا الطريق و يحرقوا
المراحل. أو أن يسيروا خبط عشواء.
بعض أبناء المسلمين اليوم يعطي
الدنية في دينه فيتخلى وهو في
مقام النُّصرة، وبعضهم يعطي
الذريعة لأعداء الإسلام ليجر
على أمة الإسلام الضرر والضرار،
من غير تقدير للعواقب ولا نظر في
المآلات. في
حرب مثل الحرب التي نتحدث عنها
يُستنفر الرجل والمرأة والشيخ
والشاب، كل على قدر علمه وجهده
ليقوم بواجبه في البحث عن (ثغرته)
والنضال عنها: دفاعاً أو بلاغاً
مستعينين بكل ما يقدمه العصر من
وسائل شرعية ممكنة ومجدية. ويمكن
لحرب مثل الحرب التي نتحدث عنها
أن تخاض في إطار جماعي تعاوني
وذاك الأكثر بركة وجدوى، ويمكن
أن تخاض في إطار فردي يبذل
المسلم جهده من نافذته التي يطل
من خلالها على قومه أو على
العالم بالكلمة الطيبة، أو
بالإنجاز المبدع. وبالاقتراب
خطوات على جسور إنسانية الإسلام
وعالميته وقوته ومتانة قيمه. بين
الطمأنينة إلى أن قلعة الإسلام
أقوى، وصخرته أبقى، وأمره أمضى
(لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ
كُلِّهِ..) وبين واجب (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
خُذُواْ حِذْرَكُمْ
فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ
انفِرُواْ جَمِيعًا) يتهيأ
للمسلم في هذا العصر أن يقوم
بدوره، وأن يقف على رأس ثغرته في
معركة: الموقف والكلمة،
والحقيقة، والإنجاز، والإبداع،
وإقامة الحجة، وتوضيح الصورة،
وكشف الزيف، والتأكيد على قيم
الحق (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ
اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ
الْمُبِينُ) وقيم العدل(وَأَنزَلْنَا
مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ
النَّاسُ بِالْقِسْطِ) وقاعدة
الإخاء الإنساني (إِنَّا
خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ
وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا) والتكافل
والرحمة والتواصل والطهر.. موقف
الإسلام في الدفاع عن ذاته ليس
رفضا عدميا لأي نوع من
المشتركات. فالمسلم دائماً في
موقف الباحث عن الحكمة، المتطلع
إليها. يمتلك المسلمون
مقاييسهم الربانية للتمييز
بين الحق والباطل، الخير والشر،
الجميل والقبيح، وعلى هذا
الأساس يمكنهم في كل مقام أن
يقبلوا ويردوا، يستطيعون أن
يفككوا ويخصصوا ويعمموا
ليوظفوا كل خيّر وجميل في بناء
مجتمعاتهم وفي دفع مشروعهم
النهضوي إلى الأمام. يتبع --------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
الأربعاء
26/5/2010م
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |