ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك

ابحث في الموقع الرئيسة English المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 12/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

 

 رؤيـــــة

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


شعوذة حداثية

زهير سالم*

 

لا ينقضي عجب الإنسان وهو يتابع ألوانا من الشعوذة تمررها أو تدلسها مؤسسات وجدت لتدافع عن عقل الإنسان، وترتقي بوعيه، وتحميه من ضعفه ومخاوفه، وتلجم نزواته ورغائبه.

 

ولقد ظل التطلع إلى الغيب، ومحاولة استشراف ملامح المستقبل، ديدن الضعف البشري، الذي كثيرا ما ترهقه معطيات اللحظة، فيحاول الهروب منها ، بالتعلق بأفق مستقبلي يحسم مبكرا أمر المقلقات التي تساور عقل الإنسان ونفسه.

 

على الصعيد الفردي كما على الصعيد الجماعي تتنامى في كل زمان ومكان محاولات إنسانية دائبة لاختراق سجف الغيب، ووقائع المقبل من الأحداث.

 

ولو عدنا إلى تاريخ الحضارة الإنسانية لوجدنا مسارا حافلا ومتنوعا لدى الأمم والشعوب في مختلف مراحل تطورها يضع القواعد، ويقترح المناهج وما يسميه علوما وأسسا لعملية اكتناه الغيب، وقراءة أسطر القدر قبل أوانها.

 

 لفترة طويلة اقترن هذا  الفعل أو هذه الثقافة بالكهانة وبالدين، حتى في تاريخ الحضارة الإسلامية، ورغم أن الإسلام شن حملة عنيفة على السحر والكهانة والعرافة والتنجيم، فقد نما على هامش المجتمعات المسلمة فريق من الناس ظلوا يمارسون هذه الأشكال من الشعوذة باسم الإسلام نفسه. وظلوا يجدون زبائنهم من أبناء وبنات المسلمين. وقد أعطي هؤلاء اسم (المشعوذين)، واتفق على حربهم والتنديد بهم حملة النقل والعقل كما يقولون.

 

ولكن الازدواجية في المعايير اليوم تتبدى واضحة في مواقف مؤسسات تدعي الحداثة وتحمل مشاعل التنوير. فبقدر ماتندد هذه المؤسسات، ونحن معهم، بالشعوذة المبسطة ولو في حبات الودع تسترزق بها البصارة البراجة على طريق التسول، وبقدر ما تندد هذه المؤسسات، ونحن معهم، بالتردد على المشعوذين من مدعي علم الغيب، والقدرة على التأثير في الإنسان، أو كشف ما يخبئ له القادم من الأيام؛ تنفرد هذه المؤسسات الحداثية ( صحف ومجلات وفضائيات ورجال أعمال ومؤسسات مختصة) بالترويج لأشكال سخيفة من قراءة الأبراج وتوقع الأقدار. وهكذا تعيد هذه المؤسسات الاعتبار إلى ما عرف في تاريخ الحضارة الإنسانية بالتنجيم ( النظر في النجوم ) وقراءة الكف، وضرب الودع، والنظر في الكأس ( كأس جمشيد )، ولعبة الحروف، ( اسمك واسم أمك ) وقراءة الأبراج والطالع وقراءة الفنجان ؛ وإلى أساليب أخرى كثيرة رافقت نمو الإنسان النفسي والعقلي، وعاد الكثير منها مع الأسف موضع اعتراف وترويج من كثير مما يسمى إعلاماً حداثياً معاصراً ورسالياً!!

 

في شريعة الإسلام ومن أول يوم سحب القرآن الكريم الاعتراف من الكهان والعرافين والمنجمين ومن يقصدهم أو يتعامل معهم حتى لو لم يصدقهم، ولم يدخلهم في المدينة الإسلامية.

 

بل إن القرآن الكريم نفى معرفة الغيب عن الرسول الكريم نفسه (وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ). ومع النفي والنهي والتحذير ظل للمنجمين وقراء الطوالع وفتاحي الفأل وجودهم على حواف المجتمع المسلم، كما لهم وجودهم على حواف جميع المجتمعات الأخرى على السواء. كما أسلفنا

 

 وزبائن هؤلاء العرافين ليسوا البسطاء والسذج والجهال كما يتصور البعض. بل لهذه الطبقة زبائنها من علية القوم في كل مجتمع ، وما يحكى عن حالات رؤساء وزعماء وساسة واقتصاديين يعتمدون في قراراتهم على مطالعات هؤلاء شيء تضيق عنه المتابعة. وكثير ما نكتشف أن مثقفين ومثقفات من حملة شهادات العليا هم من زبائن أو ضحايا هؤلاء.

 

وفي حين تعمل وسائل التوجيه العام على محاربة هذا النمط من السلوك في صورة ( نورية ) تسترزق من فقر بضرب الودع، ( بصارة -  براجة ) أو في صورة مشعوذ يزعم أنه يدرك الغيب ويحل ويربط.، ويحبب ويكّره، . ويزوج ويطلق.

 

وفي حين تبذل وسائل التوجيه على اختلافها لتوظيف الشرعي والعقلي لوضع حد للاستخفاف بعقول الناس والاستثمار في خوفهم وقلقهم؛ تندفع بعض وسائل الإعلام الرسمي والحر إلى تخصيص برامج وفتح صفحات خاصة لقراءة الأبراج ومعرفة الطالع ويكون لهذه الثقافة الرديئة بالطبع مواسمها بين يدي الدورات الزمنية أو الأحداث الجسام.

 

أليس استخفافا بعقل الإنسان وتزييفا لوعيه أن يخوض من يحتل مكانة التوجيه مع الخائضين ؟! أليس استخفافا بالعقل والعلم أن تنام وسائل الإعلام المعاصر وتصحو على تنبؤ أخطبوط، أو اختيار ببغاء يوصف بالرشيد..!!

---------------

*مدير مركز الشرق العربي  

  للاتصال بمدير المركز

00447792232826

zuhair@asharqalarabi.org.uk

الاثنين 12/7/2010م


 

 

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ