رسائل قصيرة

النقد الديني للعمل الفني- نجدت أنزور وسقف العالم- الشيخ سعيد:

الصيف ضيعتِ اللبن

زهير سالم*

أتابع بشيء من الاهتمام ما يكتبه النقاد حول المسلسلات التلفزيونية. وربما هذا لا يعطيني الحق في الانضمام إلى هؤلاء النقاد؛. إن الرسالة التي أسجلها في هذا المقام هي رسالة ذات طبيعة حقوقية عامة. فعندما يطرح أي فنان عملا فنيا على الجمهور يخرج هذا العمل من إطار الملكية الخاصة. ويصبح مثل الكرة في ملعب تتقاذفها عقول النقاد وأذواقهم ونفوسهم أيضا، وأرجو أن يعطى لفظ النفوس في السياق دلالته الصوفية. المعنيُّ بالحبكة الفنية ينقد العمل على خلفية فنية، والمعني بالبعد التاريخي ينقد العمل على خلفية تاريخية، والمعني بالبعد الثقافي أو المعرفي أو السياسي أو الوطني أو القومي ينقد العمل على هذه الخلفيات أيضا. ودائما يعتبر النقد وجهة نظر سائغة وإن لم تكن سديدة، ويعتبر الناقد صاحب حق في أن يقول ما يقول أصاب أو أخطأ، أنصف أو تحامل؛ حتى إذا دخل الساحة النقدية من يحاول أن ينقد العمل الفني على خلفية دينية شرعية قامت قيامة أهل الدنيا على أهل الدين!! ورمى هؤلاء عن قوس واحدة: تغول أهل الدين على أهل الفن وحجرهم حرية التعبير، وافتئاتهم على متاهات الإبداع وقيل كلام كثير ملته الأسماع ومجته العقول. لماذا يكون النقد حقا لكل من ذكرنا ويكون مسلكه ضيقا حرجا على خلفيته الدينية والشرعية؟ سؤال لا يجد جوابا مدنيا مقنعا عند أحد..

الكنيسة في لبنان أوقفت على بعض القنوات اللبنانية ، بقوة جماهيرها، عرض فيلم عن حياة السيد المسيح من وجهة إسلامية.

لأمر ما لم يبلغ عدد التعليقات على موقف الكنيسة وجماهيرها ما بلغه حول موقف الشيخ سعيد رمضان من مسلسل ( وما ملكت أيمانهم )، مع أن الشيخ سعيد لم تغضب له جماهير، ولم يستطع إيقاف المسلسل لا على القناة اللبنانية ولا على غيرها. ومن أغرب ما تطوع به صاحب غرض أن دس بأن هناك من كفر السيد أنزور وبأنه أصبح مهدور الدم!! وتحية للشيخ سعيد الذي قال بالأمس بأن الأمر ليس أكبر من معصية. وتحية للسيد أنزور الذي قال لا أحد أولى من أحد بالإسلام!! كلمة فخمة ضخمة، تعبر عن حقيقة يجب أن تظل ماثلة في ذهن كل مسلم؛ نعم كلنا يا سيد نجدت في مسئولية الدفاع عن الإسلام سواء...

إلى صاحب سقف العالم

هناك حرب باردة تدار هذه الأيام على هذه الأمة، يراد منها تشويه صورتها، بطمس معالم الخير فيها، وغمط مخايل العظمة في نفوس أبنائها، والتركيز على مفاصل الضعف والمرض في بنيانها. هناك مشروع لتشويه الذات، يقوم على تضخيم الضعف، وتجسيم العورة، والبهتان بأدواء الآخرين. ويملك القائمون على هذا المشروع من الأدوات والجنود ما لا نخال أو نظن أو نحتسب. والتصدي لهذه الحرب، يا سيد نجدت، مسئولية كل أبناء الأمة، وأنت واحد منهم. فلينظر كل امرئ موقعه وخندقه ومرمى سهمه..

ليس المطلوب السكوت عن الضعف والعورة، ولا التغطية على العفن أو المرض، ولكن الفنان الحق مثل الطبيب الحكيم يخبر مريضه بالمرض الخطير وهو يزرع في نفسه الأمل بالشفاء، ويعينه على الصمود دون أن يدفعه إلى الانهيار.

وما كنت أظن يوما مع كل التجلة والاحترام أن ينضم صاحب.(الجوارح) و(الكواسر) و(البواسل) والباحث عن صلاح الدين وعن فارس بني مروان ثم صاحب سقف العالم إلى ثقافة هؤلاء الغارقين في المسارب الضيقة لأمة النور..

الفنان المبدع هو الذي يبعث في نفوس أبناء أمته الاعتزاز بالهوية، والثقة بالذات، والانفتاح على المستقبل بخلفية حضارية مكينة؛ قديما علمونا: إذا زرت مريضا ، مهما كان مرضه خطيرا، فحدثه عمن أصيب بمرضه فشفي ولا تحدثه عمن أصيب بمرضه فمات.

مرة أخرى اسمح لي أن أسألك في أي خانة يقع مسلسلك الأخير موضع النزاع ؟! هل في سياق استضعاف المستضعف؟ وجلد الضحية والانتصار للجلاد أم في سياق طمس الحقيقة والتماس العذر للمسئولين عن الانهيار..

تعتقد معي وأظنك لا تقول لا، أن غياب الحرية السياسية والحرية الفكرية والحرية الدينية أيضا هي سبب لكل ما عرضت له من أعراض.

 يسلم عليك أبو الطيب المتنبي ويقول (من قصد البحر استقل السواقيا.) ومن اشتغل على سقف العالم يأبى أن يعمل على قصع القمل في حاشية ثوب مشرد..

نعمل على سقف العالم فننير ساحاته ودروبه وحواريه..

الرسالة الثالثة: سيدي الشيخ سعيد

 الصيف ضيعنا اللبن، وهذا حصاد ما زرع جيل من رواد فقه المحظور. منذ نصف قرن وأكثر وكل شيء حولنا كان يقول بأن هناك تطورا وتحولا كبيرين في أدوات البلاغ وأساليب التأثير في الناس. الناس اليوم يحبون أن يفطروا على مسلسل، قد لا يعجبني أو لا يعجبك ذاك ، ولكنه الواقع. الساحة مليئة بالفنانين والتجار والمجندين. أذكرك بوفد بني تميم" وهم من هم" عندما قدموا على رسول الله فقال قائلهم: والله لخطيبه أبلغ من خطيبنا، ولشاعره أشعر من شاعرنا..

سيدي الشيخ سعيد، واسمك هنا رمز لجيل من علماء الشام.

أين تلميذك كاتب السيناريو؟!، وتلامذتك كثر، وقد سمعتك تعتب على كاتبة السيناريو وتحملها المسئولية!!

أين تلميذك المخرج الفنان الملتزم ؟!، وعفوا لا أقصد شخصك، وقد عشنا دهرا لا نسمع إلا فقه الحظر يغلق أمام الشباب الطامح المبدع سبل العطاء؛ حتى وقفنا اليوم وسط العالم بلا شاعر ولا خطيب ولا واعظ بلغة العصر وأدواته.

ألا يدخل هذا في فقه وأعدوا في فهم متجدد للخيل ورباطها؟!

 هل فات الوقت أو ربما تكون هناك بقية لمتدارك..

بلاغ...

----------------

*مدير مركز الشرق العربي  

  للاتصال بمدير المركز

00447792232826

zuhair@asharqalarabi.org.uk

الخميس 19/8/2010