ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
مشروع
المستبد السلطة
والثروة والزعامة زهير
سالم* تجمع
الأعياد ومناسباتها في ديار
الهجرة الأشتات من رجال
المعارضات العربية المضطهدين،
يجلسون كما المطلقات أو الأرامل
يتشاكون، فيتبارى كل واحد في
تعداد مآثر الحاكم الذي
ابتليت به بلده ، فما أن
يكمل أحدهم راوية مأساة، حتى
يبادره معارض من قطر آخر إلى
رواية ما هو أشد منها و أنكى،
ليقاطعه معارض ثالث:
احمدوا ربكم ( دحنا عندنا )،
فيقول له رابع ( أنتم ديمقراطية
خمس نجوم..) ندفع كل أعمارنا حتى
نلحق بغباركم!! ثم
تبدأ معركة المقايسات
والمساجلات في مباراة حساب
الأسوأ من الحكام، بطريقة تذكر
ببعض المتأخرين من الفقهاء في
قياسات الأحق بإمامة الصلاة،
وقد فرعوها إلى بضعة عشر وجها
وفي بعض الكتب بضعة وعشرين.. المشهد
يستحق الرثاء من أكثر من وجه،
وللرثاء، حين تتفحص، أسبابُه
الإنسانية المحضة حيث تجلس
أحيانا إلى رجالٍ معارضة (
مُدنفين )، بصعوبة ما يلتقطون
أنفاسهم، ويعيشون مشردين غرباء
منفردين، دون أن يجدوا فرصة
لعودة رحيمة تضمهم إلى من يجب
عليه رعايتهم. نذكر العودة
الرحيمة قياسا على ما يخوض فيه
بعض المتحضرين اليوم عن الموت
الرحيم!! في
سؤال عن أحد هؤلاء المعذبين
المثيرين للإشفاق ، لماذا لا
يعود إلى وطنه، وهو كما يرى كل
عاقل، لا مرجو ولا مخوف؟!!
يأتيك الجواب: منذ عام سبق
إلى العودة زميل له بمثل حالته،
فاستوقفه أمن المطار، ومنه تمت
إحالته إلى الأجهزة المختصة
لاستكمال بعض التحقيقات، ووجد
المحقق المغلوب على أمره ( العبد
المأمور ) وهذا للاعتذار له،
نفسَه مضطرا لتقليب ملفات ثلثي
قرن!! ، قالوا كان هناك سؤال
مفتوح في ملف الرجل منذ أن كان
طالبا في الجامعة منذ 1946: (
السؤال ) من أعطاك التعليمات في
سنة 1946 لتنظم مظاهرة يوم كنت
زعيما طلابيا في الجامعة..؟! بالطبع
لم يستكمل المحقق المسكين
ملفاته، لأن الضحية الذي كان
بحاجة إلى أنبوبة الأكسجين، لم
يصمد بعيدا عن مساعدات البقاء
والعناية والدواء، أكثر من خمسة
أيام قضاها بين أيدي المحققين
في سن الأحفاد .. يؤكد ذووه أن
أحدا لم يوجه إليه أي إهانة!! وأن
كل المحققين كانوا متعاطفين
إنسانيا مع حالته، ولكن الشغل
شغل، والقانون فوق الجميع..!! كثيرا
ما أتابع هذه الحوارات أو أشارك
فيها دون أن أغفل عن الفروق في
الدرجة أو اللون التي تميز
مستبدا عربيا عن آخر، دون أن
يمنعني ذلك من التساؤل عن
الناظم المشترك الذي ينتظم
الحالة العربية في أكثر الأقطار.. وحين
تكون مخرجات الحالة العربية شبه
موحدة لا بد أن نقر أن الحاكم
العربي، وهو بالمجمل إنسان
متميز عن شعبه إدراكا ووعيا،
يمتلك مشروعا يعمل عليه، وهو
على هذا المستوى إنسان ناجح
بامتياز، وليس ،كما تصوره
أمانينا الطائشة، إنسانا عاجزا
أو فاشلا أو خائبا. ربما الذين
يرونه كذلك من المواطنين العرب
هم أولئك الذين ينتظرون منه أن
يفعل ما يريدونه هم وليس ما
يريده هو .. و
أظننا لن نختلف ابتداء أن البند
الأول على أجندة الحاكم العربي
هو: الحفاظ على السلطة. والحفاظ
على السلطة بالنسبة للحاكم
العربي، هو هدف وجودي، يقارن
الحفاظ على الحياة بالنسبة
للأحياء. وفي الوقت الذي
عجزت فيه النخب الدينية
والمدنية عن إيجاد صيغة معتمدة
وحيادية لتداول السلطة، فإن
الحاكم العربي قد نجح في هذا
المقام نجاحا منقطع النظير على
مستويين؛ نجح في ابتداع الآليات
التي تمكنه من الاحتفاظ بالسلطة
بحيث لا يكون لها سقف بغير
الموت، ونجح ثانيا في تحويل
السلطة من بعده إلى حيث يريد
وبالطريقة التي يريد. وحتى
ندرك حقيقة ما يعيشه الحاكم
العربي من نرجسية أو رضا عن
الذات نستحضر ما قاله أحد
الحكام العرب
وهو يفضفض لبعض الثقاة قال:
كل صبح يطلع علي وأنا في كرسي
الرئاسة إنجاز، وكل عودة إلى
البيت بعد زيارة للقصر الجمهوري
تستحق: (الحمد لله على السلامة)،
يرددها أهل البيت. تصور – يقول
الرئيس – لو كنت تعلم أن هناك
مئات الأشخاص خلف بابك يتربصون
لقتلك ، فتخرج كل يوم رغم
أنوفهم، ثم تعود سالما ألا يحق
لك أن تشعر بالنصر العظيم..؟! الحفاظ
على السلطة هو السطر الأول في
أجندة الحاكم، وعلى هذا الأساس
ينبغي للمواطنين العرب أن
يعيدوا تقويم نجاح حكامهم أو
إخفاقهم، ولا أعتقد أن مواطنا
عربيا يجحد نجاح حاكمه فيما
نقول. ونجاح
الحاكم العربي على هذا المستوى
رهن بمعادلات كثيرة المجاهيل،
بعضها داخلي وأكثرها خارجي.
صحيح أن الحسابات الأمنية
الداخلية مقلقة، ولكن تجربة
صدام حسين الذي لم يحسبها جيدا
ليس منذ احتل الكويت، بل منذ سلح
جيشا ودربه، هي في هذه الأيام
أشد إثارة للقلق. على
المستوى الداخلي على الحاكم
العربي أن يجيد القمع، وعلى
المستوى الخارجي عليه أن يحرص
على الرضا، وليس فقط عدم إثارة
الغضب. وهذا برنامج تشتق منه
برامج كثيرة.. السطر
الثاني في مشروع الحاكم العربي (
الثروة ) فالسلطة والثروة
توأمان سياميان مقترنان
بالنسبة لمشروع الحاكم العربي.
لسنا من المتابعين الحقيقيين
للأرقام التي تشكل الهالة
المقدسة لطبقة الحكام، ولكن ما
يرشح منها يبعث على الاطمئنان.
يقال إن العالم اليوم تحكمه
الشركات المتعددة الجنسيات،
ويتسوده قانون السوق، ولم يعد
للقيم الأخلاقية ولا للنظريات
السياسية كبير مكان، فكيف ينافس
الحاكم العربي في هذا الميدان
إن لم يكن بحق رجل أعمال؟! في
مقولات التاريخ لعمر رضي الله
عنه: (عففت فعفوا ولو رتعت
لرتعوا). ومشروع
ثروة الحاكم ليس مشروع ثروة
فرد، وإن كان لا يملأ جوف ابن
آدم إلا التراب.
فحين يرتع الحاكم، ولو
مضطرا، تحت تأثير الغريزة أو
الجبلة الطينية، أو خوف تقلبات
الزمان؛ فإنه بذلك يؤسس بل
يهندس مجتمع الراتعين
والراتعات. ويصبح حصاد مكافحة
الفساد هشيما تذروه الرياح،
وتصبح سياسات تعقب الفاسدين
مدخلا لتصفية الخلافات وتأديب
المارقين.. ومرة
أخرى لا يستطيع أي مواطن عربي أن
يجاحدنا التقويم في نجاح حاكمه
المستبد في قنطرة قناطير الذهب
والفضة، والثروات المرئية وغير
المرئية، واقترابه من مرتبة
الأوائل من أصحاب المليارات بين
العالمين.. والمقصد
الثالث في مشروع المستبد العربي..(الزعامة).
هناك حرص مبالغ فيه لهذا الحاكم
أن يبدو في عيون شعبه وبني قومه (الزعيم
) الذي يصنع المعجزات. والقائد
الفذ، وصاحب العقل والقلب
والإرادة. مصطلح ( الزعيم الأوحد)
براءة اختراع عربية بامتياز.
وملامح البطولة التي كانت تصنع
صورة الزعيم في أواسط الخمسينات
من القرن المنصرم هي نفسها التي
تصنع هذه الصورة في العقد الأول
من القرن الحادي والعشرين..
معايير البطولة هي نفسها،
ومشاجبها لم تتغير، والكلام على
الهواء لا يكلف جودا ولا
إقداما، ولكل مستبد فريقه من
المداحين، يقولون فيه ما لم
يقله في ليلى المجنون. كل
البرامج الثقافية والسياسية
والاقتصادية والاجتماعية على
الصعيدين الداخلي والخارجي
إنما تشتق من محاولة إعادة
تقديم المستبد العربي على أنه
الأنموذج الذي يدير الرؤوس
ويملأ العيون. وحين يكون
مديرٌ صغيرٌ في مدرسة نائية
يقدم تقريرا عن عمله فإن عليه
ألا ينسى، حتى لا يُنسَى، أن
يذكر أن قرع الجرس الكهربائي في
المدرسة إنما هو بناء على
توجيهات السيد الرئيس وفي ظل
عهده الميمون، حالة مكرورة
تتابعها على خارطة بلاد العرب
أوطاني.. وكل
كلمة.. كل فكرة.. كل موقف.. كل شخص
كل حزب يضر بمشروع سلطة الحاكم
أو بمشروع ثروته أو بمشروع
هيبته هم تحت قوس الاستئصال أو
الإقصاء أو الاضطهاد، هم
وأصحابهم ومن يلوذ بهم ويكثر
سوادهم.. بهذه
المعايير نستطيع أن نعيد تقويم
المستبد العربي وأن نطمئن إلى
أن بلادنا في أيدي رجال قادرين
وناجحين.. نعم هم حكام ناجحون
ونحن معارضون نستحق الرثاء أو
البكاء ---------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
الأحد
28/10/2010م --------------------- الرؤية
المنشورة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |