ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
قتيل
الجوع في سيدي بوزيد استشهادي
أو انتحاري زهير
سالم* العزاء لأسرة الفقيد في سيدي
بوزيد، والعزاء لأهالي سيدي
بوزيد أجمعين، والعزاء لأهالي
تونس الخضراء، والعزاء لأمة
العرب والمسلمين في رجل يحترق
على أعين الناس من أجل رغيف من
حلال.. رغيف الحلال قال عنه الإمام
أحمد: لو وجدته لأحرقته ودققته
وداويت به المرضى. عندما أغلقوا
على حامل الشهادة الجامعية كل
الأبواب لم يقنط وإنما ترك لهم
كل ثمرات تونس الخضراء واصطف مع
الباعة على الرصيف يطلب الرغيف
الحلال: وينادي بأعلى صوته:
مجنونة يا أوطة.. هل من طبيب نفسي يستطيع أن يرصد
للعلم والتاريخ حجم المعاناة في
نفس الشاب التونسي الذي استأثرت
عليه الدولة التي تعترف بها
الهيئة العامة للأمم المتحدة،
ويباركها مجلس الأمن، ويدعمها
البنك الدولي وصندوق نقده،
وتساندها واشنطن وباريس،
وتتخوف من بديل نظامها تل أبيب،
تستأثر دولة بهذا الجبروت وهذا
الدعم بحقه في رغيف خبز محروق أو
مدقوق.. هل من دارس اجتماعي يرصد لنا
عدد هؤلاء الشباب على الخارطة
العربية والإسلامية الذين
يعيشون فيما يسمى الحالة تحت
الحرجة، حيث كل واحد منهم معرض
للانفجار في أقصر لحظة أو لأدنى
سبب.. أي جهاز حساس يمكن أن يسجل ذروة
التوتر التي بلغها الشاب
البوزيدي وهو يصب على نفسه
الزيت ليحرق نفسه احتجاجا
وانتقاما وهربا بل طلبا للخلاص.. كم تساوي قيمة بسطة الخضار التي
أحرق الفتى البوزيدي نفسه من
أجلها. كيف أنسب قيمتها إلى قيمة
شجرة الميلاد التي يقال إن أحد
الفنادق العربية نصبها من أجل
الاحتفال بعيد الميلاد... نبكي الفتى البوزيدي نعم. نبكيه
ونبكي كل فتى من أبناء أمتنا
حاصره اليأس والقنوط والظلم أو
الذل أو الجوع حتى غدا الموت
بالنسبة إليه مهربا أو مخرجا.
ألم ينادي أبو الطيب من قبل. كفى بك داء أن ترى الموت شافيا
وحسب المنايا أن يكن أمانيا من شرق العالم الإسلامي إلى
غربه تتسع دائرة القانطين هؤلاء
وتمتد يوما بعد يوم،
فإذا الحياة في ظل الذل
والقهر والجوع هي الكريهة
والكئيبة والرعيبة، وإذا الموت
هو الحبيب الرغيب المشتهى.
بخلوا علينا حتى بالرغيف
ويسألوننا لماذا؟! وهل تستطيع أن تغادر المقام دون
أن ترجع إلى الجرح الذي خلفه
الفقيد في أسرة وأهل وأم وأب،
وتلك الأفواه التي كانت تنتظر
رغيف الكد والعرق لتقتسمه فيما
بينها في مجتمع يسد الخلة فيه
المعيل الكاسب..؟! وحين تتتبع مسارب الألم في
الواقعة المعاشة المكرورة لا بد
أن تتلمسها في نفسية رجل الأمن
الضحية الآخر الذي قادته خشونة
العيش ليكون سوطا للظلم ويدا
للبطش. الشرطي الذي صادر عربة
الخضار أو قلبها، هل خطر بباله
أنه يسدد مسدسه إلى رأس بائع
متجول بسيط فيشعله بالخارق
الحارق لمجرد أنه ارتكب مخالفة
في عرقلة الحركة في الطريق... ألا يحتاج رجل الأمن هذا إلى
فريق من الأطباء النفسيين
ليخرجوه من ظلمة الشعور بالإثم
الذي يعيش؟! أليس إنسانا؟! ألا
يشعر بينه وبين نفسه أنه شريك في
جريمة قتل لم يردها؟! وأن الفتى
البوزيدي سيظل ينام فوق رأسه
كلما وضع هذا الرأس على وسادة.. ألا تقسو المجتمعات العربية
على العاملين في ميدان الأمن
فيها، أليس هؤلاء أنفسهم جزء من
معادلة: (أكل العيش مر). هم فقط
السوط الذي يجلد، أو الذراع
التي ترتفع وتنخفض، وهم كثيرا
ما يعجبون لماذا يسيء الناس
الظن فيهم وهم يعلمون أنهم
منفذون فقط منفذون، لماذا يكيل
الناس بمكيالين بل بمكاييل
فيؤثرون الجلاد بالشتيمة
والاحتقار ويتخيرون للجلاد
الحقيقي أرقى الألقاب والأوصاف.. الدرس من سيدي بوزيد: أن بسطة
خضار يمكن أن تكون صاعقا لتفجير
كبير، مازال جثمان الشاب
البوزيدي يشتعل، ولا أحد يعلم
إلى أي مدى يمكن أن تتطاير النار.
نعلم أن فرق إطفاء حول العالم
ستتحرك، ستحاول أن تخنق الحريق
لا أن تطفئه، شهادة التاريخ
تقول إنهم عجزوا من قبل مرات
ومرات. دارسو التاريخ يؤكدون
أنهم لا يستطيعون التنبؤ متى
يكون الزلزال. .. السؤال الذي لم يبحث له العالم
المتمدن عن جواب: هل قتلى الجوع
هؤلاء انتحاريون أو شهداء.. من يبالي؟! ---------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826
الثلاثاء
28/12/2010م --------------------- الرؤية
المنشورة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |