ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
في
العقل الوطني (2) زهير
سالم* أعود
إلى مزيد من البيان حول العقل
الوطني، الذي يُنتظر منه أن
يكون أكثر وقارا وتماسكا وقدرة
على تقدير المواقف، وريادة
الآفاق، وإجراء الموازنات. ليس
عجيبا أن يستخف أبناء الأمة
الطرب وهم يتابعون المشهد
التونسي أو المشهد المصري؛ ولكن
ذلك لا يجوز أن ينسيهم في كل قطر
خصوصياتهم ومواقع أقدامهم.
ومستقبل شعوبهم وبلدانهم. إن
قرض خيوط الشرانق، وهي من حرير،
شرط ضروري لبسط الأجنحة في
فضاءات الربيع. إن لغة العقل
الوطني الجامع هي اللغة التي
تمد الجسور، وتعظم الجوامع،
وتختصر الفروقات. ولا يمكن للغة
هذا العقل أن تكون صادة أو نابذة
أو متعالية. وأول الخطأ على
المائدة الوطنية أن يظن البعض
أن من حقه أن يأمر فيطاع. أو أن
رأيه هو كل الصواب وأن رأي غيره
هو كل الخطأ. العقل
الوطني هو العقل المؤسَّس على
الاعتراف بالشراكة الوطنية. وأن
السهم الوطني لكل أبناء الوطن،
رجالهم ونساؤهم، واحد. ولا
يستقيم في العقل الوطني استعلاء
أو استئثار أو إقصاء .. وفي
لغة العقل الوطني يتوقف الناس
عن المغامرات، ويمتنعون عن
التقاذف بالاتهامات، ويتوقفون
عن تجاهل المشكلات، وعن نسبة
الكبائر الوطنية إلى الشيطان،
أو إلى الاستعمار. أو إلى قوى
الظلام. العقل
الوطني يسأل الله دائما العافية
ولكنه لا ينام على دمل، ولا على
داء دوي ظاهر أو خفي. وساحة
الوطن في العقل الوطني ليست
ساحة نزال، وإنما هي ساحة تعاون
وتنافس على البناء. ويغتفر
للمظلوم والمكبوت والمقهور ما
يغتفر للشاعر إذا جهر ببعض
السوء من القول. والعقل
الوطني لا يعرف غرور القوة
وإنما يخضع دائما لفقه اللحظة
ولمقتضياتها، وهو يخرج عن ذاته
إلى الفضاء الجمعي، بسعادته
وشقائه بألمه وفرحه. والعقل
الوطني يجيد الإرسال
والاستقبال. يطمئن عندما يتابع
من يحاول أن يتدارك، ويقلق
عندما يسمع حديث التجاهل
واللامبالاة.. كم
سمعنا من قبل من يقول: العراق
ليست أفغانستان، ولكن سقوط
العراق كان بطريقة مدوية أكثر
من سقوط أفغانستان!! وكم قال
حسني مبارك إن مصر ليست تونس،
ولكن هاهي مصر في وضع أصعب من
وضع تونس، بعد أكثر من مائة شهيد!!
وللشهيد الواحد في العقل الوطني
قيمته ومكانته وحساباته على عكس
ما هو عليه الأمر في العقل
السلطوي الذي يرى أن دم الإنسان
أو ألمه أهون عنده من ذباب مر
أمام وجهه فقال له بيده هكذا.. يبسط
العقل الوطني على الورشة
الوطنية المشكلات بموضوعية
وصدق. ويطلب من أبناء الوطن
جميعا المشاركة في البحث عن
حلول وفي حمل العبء. ولا ينسى أن
وضع اليد على الحل الصحيح ليس
إلا الخطوة الأقرب والأيسر على
الطريق الطويل... في
وطن يأكل التصحر أرضه الزراعية،
وتسوّر العشوائيات مدنه
الكبرى، ولديه مليونان من
العمالة اليدوية تهاجر في رحلة
الشتاء والصيف إلى دول الجوار،
وفي وطن تضرب البطالة 20% من
شبابه، وتفصل هوة ضخمة بين
مخرجاته الجامعية التعليمية
وبين سوق العمل فيه ، وتتآكل فيه
الطبقة الوسطى، وينخر سوس
الفساد منظومته الأخلاقية
وبنيته الاقتصادية، وفي وطن فيه
ثلاث مائة ألف مواطن محرمون من
حقهم في الجنسية، وما يقرب من
عشرين ألف مواطن فُقدوا في يوم
ما في سجون النظام، ويعيش في
المهاجر أكثر من مائة ألف من
أبنائه مهجرين قسريين وليسوا
مهاجرين، وفي وطن لا يزال ينتظر
منذ عشر سنوات وعدا من رئيسه
بقانون للأحزاب، وبمشروع
للإصلاح، في وطن ما تزال أرضه
محتلة منذ أربعين عاما، وما
يزال جواسيس الموساد يرتعون
فيه، وطيران العدو يخترق أجواءه
؛ في وطن مثل هذا لا يمكن للعقل
الوطني أن يتحدث بالصدق الوطني
ثم يقول لا مشكلة لدينا ولا خوف
علينا، ولا قلق يساورنا... كلام
مثل هذا يقودنا إلى المصير الذي
يحاول العقل الوطني أن يتحاشاه
وأن يتلافاه.. فهل حقا غاب عن
ساحتنا العقل، وتعطلت لغة
الكلام، هل كُتب علينا حقا أن
ندخل جميعا وعلى التوالي من جحر
الضب الذي دخله ابن علي ويسير
إليه حسني مبارك. العقل
الوطني السليم قادر على
الاستشراف وقادر على الاستشعار.
وأول طريق الصدق رغبة في الخير،.
والانطلاق من الواقع، والبناء
عليه، وإدراك مقتضيات طريق
الإصلاح كل ذلك من بدهيات العقل
الوطني ومسلماته.. ---------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826 الثلاثاء
1/2/2011م --------------------- الرؤية
المنشورة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |