ـ |
ـ |
|
|
|
|||||||||||||||||||
رسالة
إلى الشباب العربي لننشغل
بالأهم.. وسهلوا عليهم طرق
الانسحاب زهير
سالم* كانت ثورة الشباب العربي في
الأقطار التي انطلقت
فيها إبداعا متميزا على
مستوى الإنجاز التاريخي
والحضاري . من تونس إلى مصر إلى
ليبية إلى اليمن إلى سورية إلى
غيرها من الأقطار.. واقترنت هذه الثورة بردود فعل
رسمية قمعية متشابهة متجاوزة في
منطقها وقسوتها. فاقتضت من
الشباب العربي الكثير من
التضحيات. وكانت الشعوب العربية
قد عانت طويلا من عسف وظلم وقسوة
وتفريط هؤلاء الحكام؛ وأصبح من
المنطقي والطبيعي أن نسمع في
الشارع العربي دعوات إلى
المحاسبة والمحاكمة والمطالبة
بالعدالة لمن خُلع من الرؤساء
والتوعد بها حيث لا يزال يدور
الصراع. والعدل قيمة جميلة ومطلب حق،
ولكنه ليس دائما هو تاج مفرق قيم
الحق والخير والجمال الذي جاءت
به الرسل وحضت عليه الأديان. قال
تعالى ((وَأَن تَعْفُواْ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)). وعلّم
الله رسوله الكريم ليعلمنا، يوم
قال حزنا على عمه حمزة: لأمثلّنّ
في سبعين منهم..(( وَإِنْ
عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ
بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ
وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ
خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ))
العقوبة بالمثل حق، والعفو
والصبر فضل وأفق فضل يفتحه
الرحمن الرحيم أمام من يشاء من
عباده ليرقى، يسألهم ((أَلا
تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ
اللَّهُ لَكُمْ؟! )) وتنازعت قريش يوما في أمر
فاحتكمت إلى معاوية بن أبي
سفيان رضي الله عنهما، فقال
معاوية: يا معشر قريش هل تريدون
الحق أو ما هو أعلى من الحق؟
قالوا وما هو أعلى من الحق؟ قال:
العفو!!! أما المقنع الكندي فنادى على
شباب الأمة بلغة أخرى وإن
الذي بيني وبين بنـي أبـي
وبيـن بنـي عمـي لمختلـف
جدا فإن
أكلوا لحمـي وفرت لحومهم
وإن هدمـوا مجدي بنيت
لهم مجدا وإن
ضيعوا غيبي حفظت غيوبهم
وإن هم هووا غيي هويت لهم
رشدا أراهم
إلى نصري بطاء وإن همُ
دعونـي إلـى نصـر أتيتهـم
شدا ولا
أحمل الحقـد القديم عليهـم
وليـس كريم القوم من يحمل
الحقدا وهتف أحد الأصحاب رضي الله عنهم
أجمعين يوم فتح مكة يقول: اليوم
يوم الملحمة – والملحمة
الموقعة يكثر فيها القتل – فرد
عليه رسول الله صلى الله عليه
وسلم: بل (اليوم يوم المرحمة ).
أيُّ معنى كان سيترك لنا معلم
الناس الخير لو أنه اقتص من
الذين كذبوه وأخرجوه وعذبوا
أصحابه وحاربوه وقتلوا عمه حمزة
ومثلوا بجسده ولاكوا كبده كما
يقتص الملوك في كل زمان ؟! وأي درس حضاري سيقدمه شباب
ميدان التحرير في مصر – مثلا -
بمن فيهم شباب الإخوان
المسلمين؛ لو أنهم خرجوا في
جمعة قادمة يطالبون بالعفو عن
الرئيس الذي ظلمهم وبالغ في
الإساءة إليهم وأصر لعقود طوال
على تجاهل معاناتهم؟! ما أجمل
وما أبلغ أن
يقول شباب مصر لحسني مبارك
الذي طغى فتجاوز، ولم يسمع أنين
أم ولا نداء طفل: لا لسنا مثلك (
اذهب فأنت الطليق ). أي معنى
حضاري ستحمله هذه الرسالة
للعالم وقد سبق لمبارك وشركاه
أن قدموا شعوبهم لهذا العالم (
غيلان بشرية ) مفعمة بالكراهية
والتطرف متعطشة دائما للثأر
والانتقام.. والحديث عن معالي الأمور
ومكارم الأخلاق ( إن الله يحب
معالي الأمور ويكره سفاسفها )
يقودنا إلى الحديث عن الأهم في
برنامج الشباب العربي، والأهم
بالنسبة إليهم جميعا واحد، وهو
أن يتحولوا من مبدعين في الثورة
للإطاحة بالمستبدين إلى (
مبدعين ) في ميدان التأسيس
والبناء، ومبدعين في حمل هم
مشروع أمتهم ومشروع أوطانهم
ومشروع شعوبهم. وهذا في جوهره هو
التحدي الحقيقي الذي يواجههم.
إن التغيير الذي نتطلع إليه هو
بحجم الأمل الذي تخفق به
قلوبنا، وبحجم الطاقة المبصرة
التي نستطيع أن نوفرها لمشروعنا.
إننا في غمار السعي الجاد إلى
البناء الذي نطمح إليه سنجد أنه
من الخسار الكبير في العزم
والجهد والوقت، أن نلتفت لنشغل
أنفسنا في تقصي آثار المسيئين
وتتبع المدبرين. مع أنه لا يخفى
أن من أهم الأولويات سد كل قنوات
التأثير التي تمكن أولئك
المسيئين من العودة إلى الساحة
من الشباك بعد أن أُخرجوا منها
من الباب، ولكن هذا التصرف
الوقائي الضروري ، واسترداد
الحقوق من المال العام بطرقه
شيء والذهاب مع غرائز الانتقام
وتصفية الحسابات الشخصية
والجماعية أيضا شيء آخر.. ومن يمتلك الرؤية المبصرة،
والفرصة المتاحة لإنجاز إيجابي
حقيقي لن يجد الوقت لتتبع آثار
المدبرين والمخلوعين. دائما
يجب ألا ننسى أن الوقت هو عامل
مهم في معادلة الفعل الحضاري
المنجز.. أتساءل أحيانا: هل صعّب مصير
ابن علي وتحرك بعض التونسيين
لملاحقته وأعوانه، ومصير مبارك
الذي انتهى في زنزانة مع ولديه
وأعوانه وكادت تلحق به زوجته،
سبيلَ الانسحاب على القذافي
وعلي عبد الله صالح..؟ كم تابعنا
مراوغة صالح من أجل ضمانات
مستقبله ومستقبل من معه؟ حين
ننظر إلى القذافي في ثوب بشريته
وضعفه الإنساني – وكلنا بنو آدم
– ألا نقدر أن التفكير
بالمستقبل المظلم سيدفعه إلى
المزيد من التعنت، والمزيد من
القتل وسفك الدماء؟!. هل في قوله
تعالى ((إِلاَّ الَّذِينَ
تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن
تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ)) فقه
لأولي الألباب. وحين تفكر الشعوب العربية في
أفق أمة، هل يستشعر التونسيون
والمصريون مسئوليتهم عما يمكن
أن يجري في الأقطار العربية
الأخرى؟! وأنهم حين يبالغون في
الاستيفاء ولو بحق يضيقون
الطريق على إخوان لهم في بقية
الأقطار؟! إن ما ينجزه شباب هذه الأقطار
في ظلال ثوراتهم المباركة سيكون
شاهد صدق لهذه الأمة أو عليها
فلنتق الله في الأقوال والأفعال
والمواقف. ولقد دقت بحق ساعة
العمل والإنجاز... في حياتنا السياسية خلال
العقود الماضية مرت على الأمة
العديد من التجارب التي انعكست
سلبا على العمل الإسلامي
العام في كثير من الأقطار.
وكان للبعد عن الحكمة في ميدان
أثره في دعم أهل الطغيان وخذلان
أهل الإيمان. اعتبر أهل الغرب الثورة
الإيرانية ثورة إسلامية،
فاشتقوا موقفهم من الصحوة
الإسلامية التي كانت متعاظمة في
كثير من الأقطار من احتجاز
الرهائن في السفارة الأمريكية،
ومن السياسات المضطربة بين
الظهر والبطن في طهران؛ مما
شارك في إعطاء الفرصة للنيل من
مشروع الصحوة على أيدي الطغاة.. تتلخص الفكرة التي نريد
توضيحها في المفارقة بين انعكاس
التجربة الإيرانية والتجربة
التركية على أكثر من مستوى
حضاري وإنساني وإسلامي. فبينما
جاءت الأولى ضيقة متزمتة تميل
إلى الشغب الثوري الأرعن، جاءت
الثانية منفتحة وقورة فقدمت
الأنموذج المقنع والمشجع لأهل
الإسلام ولغيرهم
. الأولى بعثت رسائل التنفير
والتخويف والثانية بعثت رسائل
التبشير والتطمين.
فهل تتحول الحالة المصرية
والحالة التونسية إلى أنموذج
مشجع على المستوى الوطني وعلى
المستوى القومي وعلى المستوى
الدولي والحضاري أيضا؟ ( إن الله
رفيق يحب الرفق في الأمر كله ). و
( لم يكن الرفق في شيء إلا زانه
ولم ينزع من شيء إلا شانه).. هذه تحديات حقيقية يجب أن تشغل
عقول شباب ميادين الثورة
العربية وقلوبهم أيضا. لنخلع
عنا كل أسمال الماضي. ولنتقدم
بثقة نحو المستقبل. لا أعتقد
أبدا أن من شعائرنا أن ننشغل
بلعن الظلام ولا الظالمين.
واللعن في ديننا ليس عبادة ولا
قربة. وسئل الإمام الغزالي عن
جواز لعن بعض الأشخاص فقال:
اللعن ليس قربة إلى الله ولو أن
مسلما عاش عمره ولم يلعن إبليس
لم يسأله الله لمَ لم تلعنه.
ولا اعتقد أن مهمتنا هي أن
نطالب الحاكم أن يفعل، وأن
نلومه أو نقرعه إذا قصّر فقط؛ بل
مهمتنا الأساسية أن نتقدم
بالفعل المنجز الذي يملأ عالمنا
بالغراس الواعدة والأشجار
المثمرة. ( إن قامت الساعة وفي يد
أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا
تقوم حتى يغرسها فليغرسها ) نعم
نحن في الإسلام
امة الغراس وفي الجاهلية
كنا أمة البكاء على الأطلال. ---------------- *مدير
مركز الشرق العربي للاتصال بمدير المركز 00447792232826 الاثنين
6/6/2011م --------------------- الرؤية
المنشورة تعبر عن رأي كاتبها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |