ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
"موطن
الشجعان" Home
of the Brave: معاناة
الجنود الأمريكيين في العراق
تدعو لتأييد الحرب لا
لمعارضتها! د.
إبراهيم علوش عرضت
إحدى القنوات الفضائية العربية
في نهاية شهر تموز 2009 فيلم
"موطن الشجعان" Home
of the Brave الذي
يصور معاناة الجنود
الأمريكيين، بعد عودتهم
للولايات المتحدة، من جراء ما
لاقوه في حرب العراق.
وعنوان الفيلم مأخوذ من
مقطع في النشيد الوطني
الأمريكي، يتكرر في نهاية كل
مقطع فيه، عن "راية متلألئة
بالنجوم تموج فوق أرض الأحرار
وموطن الشجعان"، والراية
المتلألئة بالنجوم هي العلم
الأمريكي طبعاً.
والشجعان في الفيلم هم
الجنود الأمريكيين الذين عادوا
إلى موطنهم ليلاقوا مصاعب جمة
أهمها الندوب النفسية العميقة
التي أحدثتها فيهم حرب العراق. بالرغم
من ذلك، فإن الفيلم ليس معارضاً
للحرب على العراق على الإطلاق.
على العكس تماماً، يتعامل
الفيلم مع معارضة الحرب في
الولايات المتحدة، ضمن عائلات
الجنود العائدين نفسها
أحياناً، كجزء من المعاناة التي
يلاقونها ويضطرون للتعايش معها
فوق معاناتهم القتال وآثاره.
لذلك فإن أهم مأخذ على
الفيلم، وعلى من يعرضه على قناة
عربية، أنه يصور الجنود
الأمريكيين في العراق بطريقة
إيجابية تمتدح "شجاعتهم"
و"تضحياتهم" من منطلق
تأييد الحرب، لا من منطلق
معارضتها. فهو
يتناول أساساً صعوبة تأقلم
الجنود العائدين، لا مظالم
الحرب، ولا يجعل معاناة الجنود
منطلقاً لإدانة الحرب على
العراق، بل يتبنى قضية الجنود
الأمريكيين العائدين من العراق
كقضية وطنية، والنتيجة
المنطقية لذلك هي ضرورة دعم
هؤلاء الجنود معنوياً،
ومساعدتهم على التأقلم،
والنتيجة الأخرى هي إدانة
معارضة الحرب على العراق
باعتبارها جحوداً وطنياً
وتبلداً بالإحساس الإنساني
إزاء تضحيات ومعاناة هؤلاء
الجنود. باختصار،
الفيلم يستهدف استنهاض الشعب
الأمريكي المتعب من الحرب
لتأييدها، ويستهدف رفع معنويات
الجنود العائدين من القتال
الصعب في العراق الذي حطم هيبة
أمريكا في العالم. الجنود
الأربعة الذين يتناول الفيلم
قصتهم كلهم من مدينة واحدة هي
مدينة سبوكين في ولاية واشنطن
الأمريكية الماطرة في أقصى شمال
غرب الولايات المتحدة
الأمريكية.
والفيلم يبدأ عندما يتم
إبلاغ الجنود الذين انتهت فترة
خدمتهم في العراق، وهم يتحرقون
شوقاً للعودة لعائلاتهم
وبيوتهم، أن أمامهم مهمة
إنسانية أخيرة هي إيصال مواد
طبية إلى قرية عراقية قصية
اسمها "الحي".
فيقعون في كمين للمقاومة
خلال أدائهم لمهمة إنسانية
هناك، فتقع فيهم إصابات بالغة،
بالرغم من تفوقهم الميداني في
القتال القريب، كما يصور الفيلم
الأمر... الجنود
الأمريكيون في مهمة إنسانية
نبيلة إذن، و"المتمردون"
الجاحدون للجميل يكمنون لهم
ويحاولون قتلهم بالرغم من ذلك!
لا تعليق! "جمال"
جندي أمريكي أسود يقتل خطأ
امرأة عراقية مدنية، وهو أحد
الجنود الأربعة الذين يصور
الفيلم عودتهم إلى سبوكين من
تجربة الكمين في "الحي"،
فيظل وضعه النفسي يتدهور، وينشأ
عنده اضطراب نفسي بسبب الحادثة،
يخرج عن السيطرة في النهاية.
والفيلم يحاول تصوير قتل
المدنيين في العراق كأمر غير
مقصود مطلقاً، لأن المرأة خرجت
من الباب الخطأ في الوقت الخطأ،
وأن الجنود الذين يرتكبون قتل
المدنيين يتعذبون بشدة بسبب
ذلك. لكن
الفيلم لا يقول لنا شيئاً عن
معاناة عائلة المرأة التي قتلها
جمال، ولا يلتفت لحظة إلى حقيقة
أن الجنود الأمريكيين هم الذين
دخلوا بيتها خلال مطاردتهم
للمقاومين، ولم تكن هي التي
دخلت منطقة القتال! الرقيب
"فانيسا" جندية أمريكية
أخرى يطرح الفيلم قصة معاناتها
بعد فقدانها يدها في التفجير
الذي أصاب الشاحنة العسكرية
الأمريكية التي كانت فيها،
فيوضع لها طرف صناعي.
المشكلة أن فانيسا معلمة
رياضة في مدرسة بالأصل، فتخيلوا
مع مخرج الفيلم حجم معاناتها
بأدق تفاصيلها وهي تحاول القيام
بالغسيل، وهي تحاول احتضان
ولدها، وهي... !
ولا يذكر شيء هنا عن كل
العراقيين الذين فقدوا أطرافهم
وأبصارهم وتعرضوا للتشوهات أو
الشلل بسبب العدوان الأمريكي
على العراق... كذلك
يعاني الجندي "تومي"
الأمرين لأنه فقد أعز صديق له في
ذلك الكمين في "الحي"... أما
الجراح العسكري المقدم ويليم
فيعاني اضطرابات رهيبة بسبب ما
رآه من حالات إصابة بين الجنود
الأمريكيين في العراق، أخرها
الإصابات من كمين "الحي"،
وعليه فضلاً عن ذلك أن يتعامل مع
"رعونة" ابنه المراهق
المعارض بشدة للحرب.
وفي الحالة الوحيدة التي
ينشأ فيها نقاش حقيقي في الفيلم
حول مشروعية الحرب بين المقدم
الجراح ويليم وبين ابنه يحدث
ذلك لإخراس معارضي الحرب.
الابن: "إنه احتلال"!
الأب: "هل تريدنا أن نخرج
لكي يذبح العراقيون بعضهم
بعضاً؟ هناك أشرار حقيقيون
هناك". يتلعثم
الولد. "إنهم
يحاولون أن يبنوا بلداً كما
فعلنا نحن قبل مئتي عام"،
يحاضر الأب على الابن.
ولا يقول لنا الفيلم شيئاً
عن أن العراق لم يكن بحاجة
للبناء قبل أن يدمره الأمريكيون
وحلفاؤهم، مرتين، وأن العراق
كبلد موجود قبل الولايات
المتحدة بآلاف السنين، وأن
القتال الداخلي لم يكن موجوداً
قبل أن يحتل الأمريكيون العراق!!
الفيلم
يتناول بالأساس الآثار النفسية
للحرب في العراق على الجنود
العائدين من القتال، الدمار
الذي يصيب علاقاتهم
الاجتماعية، الحالة النفسية
المتدهورة، الاكتئاب، الأرق،
التوتر، فقدان وظائفهم
السابقة، فقدان توازنهم العقلي
أحياناً، صعوبة التأقلم في
الحياة المدنية مجدداً، الخ..
ولا يتناول الفيلم العراق
إلا كبلاد مليئة بالغبار
والرمال والسكان البدائيين،
ولا يظهر الفيلم العراق كبلد ذي
حضارة عريقة دمره الأمريكيون،
وبالتالي يتم تهميش وتجاهل
الآثار المدمرة – المادية
والنفسية - للحرب على العراق
والعراقيين بشكل تام. وفي
النهاية يتجاوز كل من أبطاله
الأربعة أزمته، الناشئة عن حرب
العراق، أو لا يتجاوزها،
بطريقته. وتتجلى
رسالة الفيلم بأوضح صورها عندما
يعود الجندي "تومي" بعد كل
ما ألم به للتطوع في الجيش،
"ليدعم زملائه الذين يخوضون
حرب الدفاع عن الوطن" في
العراق، فهو لا يستطيع أن
يتركهم وحدهم كما يسر لنا... مخرج
ومنتج وكاتب قصة الفيلم يهودي
قذر اسمه إيروين وينكلر Irwin Winkler، وهو من مخضرمي هوليود
القدامى، وقد لقي
فيلمه "موطن الشجعان"
الذي أطلق في 15/12/2006، ومجدداً في
11/5/2007، فشلاً تجارياً ذريعاً،
مع العلم أنه أول فيلم هوليودي
يتناول حرب العراق.
فقد بلغت موازنة هذا الفيلم
الذي تم تصويره في المغرب
وسبوكين واشنطن 12 مليون دولار،
وبلغت عائداته نصف مليون دولار
فقط، ثم حصد حوالي خمسة ملايين
من مبيعات الدي في دي DVD. وبشكل
عام، كما سبقت الإشارة في
معالجة أخرى، لم يكن الأداء
التجاري للأفلام الهوليودية
التي تتناول العراق جيداً، مع
أن معظمها أصاب نجاحاً أكبر من
"موطن الشجعان"، وهو الأمر
الذي فسره النقاد بأن الشعب
الأمريكي لم يكن يريد مشاهده
فيلم عن أمر لا يفارق شاشات
التلفزيون أصلاً.
وهو فشلٌ يمثل أيضاً فشلاً
لهوليود، كما أنه جزء من التحول
في موقف الشعب الأمريكي من
الحرب الذي فرضته المقاومة
العراقية بقوة السلاح والذي
انعكس أيضاً في نتائج
الانتخابات الرئاسية
الأمريكية.
إذن لم ينجح أيروين وينكلر
بإيصال رسالته للشعب الأمريكي،
ولكن ذلك لم يعق محاولة إيصالها
للشعب العربي على ما يبدو... ـــــــــ المصدر
: العرب اليوم، 4/8/2009 ----------------------- التقارير
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |