ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هل
تجاوزت أمريكا اختلافاتها
العرقية؟! محمد
الجوهري هذا ما
يحدث للرجال السود في أمريكا"
بهذه الكلمات عبر أستاذ جامعة
هارفارد البروفيسور هنري لويس
جيتس Henry
Louis Gates
المنحدر من أصول أفريقية، عن
غضبه الشديد إزاء رجال شرطة
كامبردج بولاية ماستشوسيتس
الأمريكية، الذين اعتقلوه على
خلفية بلاغ بحدوث اقتحام لمنزل
الأستاذ الجامعي. هذا المشهد
أعاد إلى الأذهان الممارسات
العنصرية التي شهدها المجتمع
حتى وقت قريب من القرن الماضي،
الأمر الذي دفع كثيرين من
الأمريكيين ذي الأصول
الأفريقية، وعلى رأسهم الرئيس
الأمريكي باراك أوباما، إلى وضع
هذه الواقعة في السياق التاريخي
المتعلق بممارسة التمييز ضد
السود في الولايات، وتأكيدهم
على أن انتخاب رئيس أمريكي أسود
لا يعبر بأي حال من الأحوال عن
اختفاء الممارسات العنصرية في
المجتمع. وقد
أثارت هذه النظرة العنصرية
كثيرًا من ردود الأفعال سواء
المؤيدة أو المعارضة، لاستحضار
هذه الفترة الصعبة من التاريخ
السياسي والاجتماعي للمجتمع
الأمريكي، وقد عكفت وسائل
الإعلام خلال الفترة الماضية
على كشف ملابسات هذه الواقعة
وما حدث، وما إذا كانت بالفعل
تنطوي على أي أبعاد عنصرية كانت
دافعًا لاعتقال لويس جيتس Louis
Gates؟ أخطاء
بالجملة ارتكبها أوباما على
شبكة راديو NPR أعد سكوت سيمون Scott
Simon في برنامجه Weekend
Edition تقريرًا تناول فيه التداعيات
التي تبعت وصف الرئيس أوباما
لما قام به الضابط جيمس كراولي James
Crowley بأنه غباء، ثم بعد ذلك تراجعه
عن هذه التصريحات. وقد استضاف
البرنامج المحلل السياسي في
الشبكة جوان ويليامز Juan
Williams، وتساءل سيمون Simon في البداية عن الكيفية التي تم
بها تسييس القضية وإعطائها هذه
الخلفية العنصرية، على الرغم من
أن الضابط كان قد تلقى كثيرًا من
التدريبات، حتى يتجنب أي مظاهر
عنصرية في أثناء قيامه بمهام
وظيفته. على هذا
الصعيد أكد ويليامز Williams، أن التصريحات التي أطلقها
الرئيس أوباما ووصفه لعناصر
الشرطة بالغباء، قد أساءت إلى
صورته كثيرًا، على اعتبار أن
وصوله للبيت الأبيض كرئيس
للولايات المتحدة دليلاً على
تجاوز الخطوط العنصرية في
المجتمع الأمريكي، حيث حقق
نصرًا انتخابيًّا ساحقًا على
منافسه الجمهوري الأبيض جون
ماكين، ولكنه سرعان ما أدرك هذا
الخطأ الذي ارتكبه، ممَّا دفعه
إلى التراجع عن هذه التصريحات،
إلا أنه على الرغم من ذلك لم
يقدم اعتذارًا رسميًّا للضابط
الذي اتهمه بالغباء أو لقسم
الشرطة التابع له هذا الشرطي،
الأمر الذي أثر كثيرًا على
صورته بالسلب في العقل الأمريكي. وعن
العوامل التي أسهمت في تصاعد
حدة الموضوع وتناوله من هذا
الجانب العنصري، أشار ويليامز Williams إلى أن من أهم العوامل في هذا
الإطار هو المؤتمر الصحفي الذي
عقده الرئيس باراك أوباما والذي
كان مخصصًّا للحديث عن خطة
الإدارة الأمريكية لإصلاح نظام
الرعاية الصحية إلا أن أوباما
أطلق تصريحاته حول هذه الواقعة
في نهاية مؤتمره هذا من ناحية
أولى. فضلاً عن تاريخ حوادث
العنف المتكررة بين رجال الشرطة
والمواطنين السود داخل
الولايات المتحدة وفي هذه
الولاية خصيصًّا من ناحية ثانية.
ففي
المؤتمر الصحفي الذي عقده
أوباما – كما يقول ويليامز Williams
– أكد أنه لا يفهم كيف يقوم رجال
الشرطة بالقبض على رجل في منتصف
العمر داخل منزله، رغم أنه أظهر
لهم بطاقة تحقيق الشخصية الخاصة
به، ومن هنا بدأت المشكلة، حيث
لم يعتمد كلام الرئيس على
الحقائق المتعلقة بهذه
الحادثة، أكثر من كونه مجرد
انطباعات، وهذا يعتبر خطأ كبير،
لأنه عندما يأتي الحديث عن
مسألة العرق في المجتمع لابد أن
يعتمد مثل هذا الحديث عن هذه
الموضوعات الشائكة على حقائق
الواقع فقط، وليس أي شيء آخر،
والحقائق في هذه الحادثة تشير
إلى أنه لم يكن هناك أي دوافع
عنصرية تقف وراءها، فكل ما حدث
أن الجيران اتصلوا بالشرطة
ليبلغوا عن حادثة اقتحام محتملة
لمنزل جارهم الأستاذ الجامعي،
بعد ذلك استخدم البروفيسور هنري
لويس جيتس Henry
Louis Gates
ألفاظًا قاسية وجهها إلى ضابط
الشرطة، ولم ينكر جيتس كل ما جاء
في محضر البوليس من أنه أدخل
موضوع العرق في هذا الأمر. وأنه
تحدث عن والدة هذا الضابط، وأنه
استخدم لغة شديدة اللهجة في
التعامل معه، كما أن صوته بدا
مرتفعًا ومنفعلاً للغاية، حتى
بعد أن حاول الضابط المكلف
بالعملية شرح ما حدث بالفعل،
وملابسات ما حدث. تغطية
إعلامية مشوهة للحدث وعلى
شبكة CNN استضاف برنامج CNN
Reliable Source كل من المعلق الإعلامي في
جامعة هارفارد كالي كروسلى Callie Crossley،
والمدير التنفيذي لمحطة Gannett Broadcasting الإذاعية لاروين أشبروم Lauren
Ashburn، وكبير المحررين الصحفيين في
موقع بوليتيكو Politico روجر سيمونRoger
Simon، وذلك للحديث عن الكيفية التي
غطت بها وسائل الإعلام المختلفة
مثل هذا الحادث. من
جانبه أكد كروسلى Crossley أن الطريقة التي اتبعها مراسلو
المحطات التلفزيونية والإذاعية
في تغطية هذه الواقعة قد أسهمت
بشكل كبير في تفجير الموقف، فلم
يكن هناك قدر من الحيادية في
التعامل معها. ولكنه في الوقت
ذاته أكد أن السياق الذي وقعت
فيه هذه الحادثة هو الذي دفع
برجال الإعلام إلى تغطيتها بهذه
الصورة، وهذا السياق - كما يقول
كروسلى Crossley هو سياق ذو وجهين، أولهما: أن هناك
تاريخًا عنصريًّا مرت به هذه
المنطقة، ودائمًا ما كان عامل
العنصر حاضرًا في كثيرٍ من
المواقف، لذلك كان لابد من
التعامل مع هذا الأمر من هذه
الزاوية، واعتمادًا على هذه
الحقيقة جاءت المكالمة
التليفونية التي تلقتها إدارة
النجدة في المنطقة لتشير إلى
قيام اثنين من السود يحملون
حقائب على ظهورهم باقتحام منزل
الأستاذ الجامعي هنري لويس
جيتس، وهذه الكلمات تعبر عن
الإطار الذي من خلاله يتم
التعامل مع مثل هذه المواقف. أما
الوجه الآخر فإنه يتعلق بحقيقة
أنه بالفعل هناك اضطرابات
وتوترات تشهدها العلاقة بين
شرطة جامعة هارفارد والأشخاص
الملونين من آن لآخر في هذه
المنطقة، ومن ثم فإن هذا السياق
بوجهيه قد أسهم بصورة كبيرة في
تغطية وسائل الإعلام على اختلاف
أنواعها للموضوع من الناحية
العرقية، بل والتأكيد عليها في
كثيرٍ من التقارير الإخبارية. أما
أشبروم Ashburn فقد أكد أنه في الساعات الأولى
التي أعقبت الحادث مباشرة تعامل
معها الجميع بداية من وسائل
الإعلام، مرورًا بالرئيس
الأمريكي نفسه، ومن ثَمَّ
المواطنين على أنه حادث عنصري،
ولكن مع مرور الوقت وتكشّف
مزيدٍ من الحقائق حول الأمر،
بدا أن الجميع كانوا مخطئين في
تناول الموضوع من هذه الزاوية
العنصرية. أما
سيمون Simon فقد انتقد بشدة الطريقة التي
تعامل به الرئيس الأمريكي مع
الموقف من خلال المؤتمر الصحفي
الذي كان منعقدًا بمناسبة
الحديث عن خطة الرعاية الصحية
التي قدمتها إدارته، وتم فيه
إقحام حادثة اعتقال هنري جيتس،
حيث أشار سيمون Simon
أنه لا يمكن لأي رئيس أن يبدأ
حديثه بعبارة "إنه لا يمتلك
كل الحقائق المتعلقة بالموضوع"
ثم ينهي العبارة بأن " الشرطة
قد تعاملت بغباء مع الموقف."
وخلص سيمون Simon
إلى أنهم لا يمكن أن يحموا
الرئيس من نفسه، فقد زاد الطين
بلة حينما أدلى بهذه التصريحات
والأوصاف، ثم تراجعه عنها في
اليوم التالي حينما تجلت الأمور
أمامه بصورة أكثر وضوحًا. خيارات
جيتس السيئة أما
مارك ستن Mark
Steyn فقد أكد في مقالة نشرتها صحيفة
الواشنطن تايمز Washington times
أن تصريحات الرئيس الأمريكي
بخصوص ما حدث لا يمكن أن ينساها
الرئيس نفسه، لأنها ستخلد في
ذاكرته لما أحدثته من ضجة
كبيرة، لأنه – كما يشير الكاتب
– في الوقت الذي تردد فيه
الرئيس الأمريكي كثيرًا قبل
توجيه أي إدانة صريحة لما يتم في
إيران، والطريقة الوحشية التي
تعامل بها نظام الإيراني مع
الاضطرابات التي يشهدها الشارع
الإيراني منذ إعلان نتائج
الانتخابات الرئاسية، كما أنه
لم يتخذ موقفًا حاسمًا من
التصريحات المتتالية التي
يطلقها الرئيس الفنزويلي هوجو
شافيز مهاجمًا الولايات
المتحدة وسياساتها، معللاً هذا
الموقف المتردد بأنه لا يمتلك
كل الحقائق الممكنة حول هذه
الأمور، إلا أنه لم يتخذ الموقف
ذاته تجاه ما بدر من ضابط شرطة
كامبريدج جيمس كرولي James Crowley، وأعلن على الفور أنها حادثة عنصرية ووصف
تصرف الشرطة بالغباء. وعلى
الصعيد ذاته انتقد ستن Steyn موقف جيتس Gates لأنه اختار الطريقة الأسوأ في التعامل مع
هذه الحادثة، لأنه كان أمام أحد
خيارين في هذا الموقف، الذي
تعرض له من جانب عناصر الشرطة في
المدينة، الأول أن يقوم بالصياح
ويهاجم رجال الشرطة ويتهمهم
بالعنصرية في التعامل معه، وهذا
ما قام به بالفعل. أما الخيار
الآخر هو أن يحافظ على هدوئه
ويتعامل مع الموقف بحكمة أكثر،
فيحاول توضيح الأمر بالنسبة
للشرطة، واستجلاء كافة ملابسات
الموضوع، ثم بعد ذلك يرسل بخطاب
أو مذكرة إلى رؤساء هذا الضابط،
ينتقد فيها الطريقة السيئة التي
تعامل بها الضابط معه، دون أن
يثير كل هذه الضجة الإعلامية
الكبيرة التي صاحبت وصفه لما
قام به الضابط بأنه نوع من أنواع
العنصرية، يمارسها البيض ضد
السود، ثم الضجة التي صاحبت وصف
الرئيس أوباما لعناصر الشرطة
بالغباء. ثم يبدي
الكاتب استغرابه الشديدة من
تناول الموضوع – سواء من جانب
جيتس Gates أو من جانب صديقه الرئيس باراك أوباما -
من هذه الزاوية العنصرية، خاصة
أنه جاء في وقت كما يقول الكاتب
تخلصت فيه الولايات المتحدة من
كثيرٍ من الاتجاهات العنصرية
فيها، بل إنها انتخبت لأول مرة
في تاريخها رئيسًا أسود منحدرًا
من أصول أفريقية، ومن ثم لا يمكن
فهم موقف الرئيس الأمريكي الذي
تبلور في تصريحات له أكد فيها
"أن كل أشكال العنصرية في
المجتمع قد تم وقفها بقوة
القانون." وتساءل ستن Steyn هنا هل كان الموقف سيتصاعد إلى هذه
الدرجة لو أن الشرطي الذي قام
بهذا الأمر لم يكن أبيضَ وإنما
كان أسودَ أو ينتمي إلى أصول
لاتينية؟ وهل كان سيتم تصنيف ما
حدث على أنه ممارسات عنصرية
منظمة ضد السود؟ المجتمع
الأمريكي ما يزال عنصريًّا أما في
صحيفة لوس أنجلوس تايمز أكد
جريجوري رودريجز Gregory Rodriguez أن رد الفعل الزائد عن الحد الذي صاحب
حادثة اعتقال أستاذ جامعة
هارفارد، يؤكد أن أشياء كثيرة
لم تتغير بالنسبة لمعضلة العرق
داخل الولايات المتحدة
الأمريكية، ويؤكد هذا الأمر
ردود الفعل التي صدرت عن كثير من
المواطنين السود على هذه
الواقعة، ونقل التقرير أحد هذه
التعليقات التي تؤكد كاتبتها أن
ما حدث يشير إلى أن العنصرية ما
تزال حية في المجتمع الأمريكي،
وأنه ليس مهمًّا أن هناك شخصًا
ينحدر من أصول أفريقية موجود في
البيت الأبيض كرئيس للولايات
المتحدة. ثم
ينتقل الكاتب إلى القول: إنه
يعتقد إلى حد ما أن ضابط الشرطة
قد تجاوز في تعامله مع هذا
الأستاذ الجامعي، بل إنه من
الممكن أنه كان يريد أن يوصل
رسالة له بأنه هو الشرطي الذي
يمتلك السلطة، ومن ثم يخلص
رودريجز Rodriguez
إلى أن انتحاب بارك أوباما
المنحدر من أصول أفريقية لا
يعبر بأي حال من الأحوال عن
تجاوز المجتمع الأمريكي للخطوط
والفوارق العنصرية فيه.
فالحقيقة المؤكدة هي أن المجتمع
الأمريكي لن يكون – أو هو لا
يريد - على حد وصف رودريجز Rodriguez أن يكون مجتمع مابعد العنصرية post-racial
society، لا يكون للعرق فيه أي دور يذكر
في الحياة العامة للأفراد. ــــــــ تقرير
واشنطن - العدد 221، 1/8/2009 ----------------------- التقارير
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |