ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
نظام
الإنتاج، في قبضة الأسواق
المالية: الأزمة
المالية المقبلة، مجرد مسألة
وقت بقلم
روبيرتو سافيو* وكالة
انتر بريس سيرفس روما,
أكتوبر (آي بي إس) أثار
رفض وزير الخزانة الأمريكي
تيموثي غايثنير لطلب أوروبا
بتنظيم مكافئات كبار
المسئوليين المصرفيين، سلسلة
من التفسيرات المتباينة، كحاجة
الرئيس باراك أوباما لتفادي
مواجهات جديدة مع اليمين
المحافظ، أو تأثير التحالف
الأمريكي مع بريطانيا، الدولة
الأوروبية الأكثر دفاعا عن
المؤسسات المالية. لكن
الواقع أخطر من كل ذلك. فمنذ
سقوط جدار برلين، أخذت أسواق
رؤوس الأموال تهمين تماما علي
القطاعات الإنتاجية، إذ إفترض
المنتصرون أن الأمر لم يقتصر
علي إنهيار نظام سياسي فحسب، بل
علي أن الرأسمالية هي النظام
الوحيد الممكن. ومن ثم باشروا
بحذف كافة آليات الرقابة
والتنظيم. وبهذا
نشأت رأسمالية "حرة"
ومدمرة للذات في الوقت نفسه. ومن باب
المقارنة، يذكر أن القطاع
المالي كان يمثل ما يزيد قليلا
عن 3 في المائة من الناتج القومي
الإجمالي الأمريكي في
الستينات، ليقفز إلي 8 في المائة
في منتصف الألفين. كم أن
"أبطال" العالم الإقتصادي
الراهن، بإستثناء بيل غيتس،
يأتون جميعهم من قطاع المال، من
وارين بوفيت إلي جورج سوروس،
مرورا ببرنارد ميدوف. ففي
الماضي، كانوا رجال صناعة مثل
روكفلر وفورد وهيلتون علي سبيل
المثال، لم يحلم أي منهم
بالحصول علي 500 مليون دولار
كمكافأة، كتلك التي خصصت في
ذروة الأزمة إلي رئيس صندوق
بلاك ووتر للإستثمارات. كما
يأتي من قطاع الأموال، عدد
مرتفع من كبار المسئولين
السياسيين كوزير الخزانة
الأمريكي تيموثي غايثنير الذي
شغل منصب رئيس بنك نيويورك
الفيدرالي، ومستشار أوباما
للشئون الإقتصادية لورنس
سوميرز، أحد رجال روبرت روبين،
وزير الإقتصاد في عهد الرئيس
بيل كلينتون، أحد أساتذة
المدافعين عن حرية الأسواق. بكل
بساطة، الرئيس أوباما لا يجد
كوادر جديدة. كما ليس
بمحض الصدفة أن يـأتي العديد من
القادة الإقتصاديين الأوروبيين
من مصارف أمريكية، كما هو الحال
بالنسبة لمحافظ البنك المركزي
الإيطالي، ووزيرة الإقتصاد
الغرنسية، علي سبيل المثال. هذا
ولقد إعتبر الكثيرون في بداية
مرحلة الركود الإقتصادي، أنها
أزمة نافعة، علي الرغم من أنها
رفعت عدد فقراء العالم بأكثر من
200 فقيرا وفقا للأمم المتحدة،
والبطالة بنسبة 8 في المائة في
المتوسط. وقال
راهيم ايمانويل، كبير
المسشارين السياسيين للرئيس
أوباما، "لا يمكن أبدا تمرير
أي أزمة دون الإستفادة منها" (رب
ضارة نافعة). ثم جري
الحديث عن "بريتون وودز"
جديدة، وهو المؤتمر الذي خلق في
1944، تركيبة الهندسة الإقتصادية
العالمية الحالية (البنك
الدولي، وصندوق النقد الدولي). وإقترح
وزير الخزانة الأمريكي تيموثي
غايثنير، في مارس الماضي، أن
تتمكن الإدارة لأمريكية من
التحكم في المؤسسات المتأزمة
مثل ليهمان براذرز، لتفادي تفشي
عدوي إنهيارها علي النظام
المالي برمته. بيد أن
شيئا لم يفعل حتي هذه اللحظة. أما
قضية دور الدولة في التحكم في
الفوضي المالية، التي كانت
محورية في سياسة الرئيس
فرانكلين روزفيلت لمواجهة أزمة
الثلاثينات العظمي، فقد إختفت
من خطاب الرئيس أوباما. لكن هذا
ليس بغريبا في بلد يعتقد جانب
كبير من سكانه أن رئيسهم ولد في
كينيا وليس في هاواي، وأنه
شيوعي بل وما هو أعظم وأدهي، أنه
يريد "أوروبة" الولايات
المتحدة يإصلاحه لنظام الرعاية
الصحية الذي يتضمن تدخل الدولة
للتأمين علي 40 مليون مواطن
أمريكي محروم من العناية الطبية.
والسؤال
المطروح الآن هو ما إذا من
الممكن إجراء إصلاح جذري علي
النظام المالي؟. لقد غيرت
الولايات المتحدة في السنوات
الأخيرة معتقداتها وتوجهاتها،
وبصورة جذرية، بما يكفي لجعل
التفكير في خلق نظام "بريتون
وودز" ثاني، مجرد حلم أكثر
منه واقع ممكن. فقد
إستند نظام "بريتون وودز"
إلي القول بأن أزمة الثلاثينات
العظمي هي من ولدت النازية-
الفاشية، لأن أدولف هتلر
وبينيتو موسوليني قد تسلقا
للحكم بفضل الأزمة الإقتصادية
والإجتماعية التي سببتها أنشطة
المضاربات المالية الخارجة عن
نطاق التحكم، ما أدي إلي إندلاع
الحرب العالمية الثانية. وصرح
هاري ديكستر هوايت، أحد آباء
مؤتمر "بريتون وودز"
بالإشتراك مع جون مينارد كينيس،
صرح في جلسة برلمانية أمريكية
سابقة للمؤتمر، إنه كان من
المحتمل تفادي وقوع الحرب
العالمية الثانية إذا كانت
مؤسسات "بريتون وودز"
موجودة في العشرينيات. وبدوره،
قارن كينيس في عبارة مشهورة،
المضاربات المالية بلعبة
القمار، قائلا "لا يمكننا أن
نتوقع كسبا كبيرا من وضع...يتحول
فيه نمو دولة ما إلي منتج فرعي
منشق من أنشطة كازينو". ومن
ناحيته، كان الرئيس روزفيلت
واضحا كان حين قال "لابد من
وضع مراقبة صارمة علي المصارف
والقروض والإستثمارات. لابد من
وضع حد للمضاربة بأموال الناس".
كما إنتقد "ممارسات تجار
المال المجردين ضمير، التي
يدينها الرأي العام". فهل من
الممكن في يومنا هذا، ترديد مثل
هذه اللهجة الإنجيلية وإصلاح
المؤسسات المالية الخاصة حقا؟. تبين
آحدث الأحصائيات أن المؤسسات
المالية الخاصة قد حظت بنسبة 75
في المائة من الموارد التي
صبتها الحكومات علي ذمة السعي
للإنتعاش الإقتصادي. وإذا لم
يقع تغييرا جوهريا، فمتي ستندلع
الأزمة المقبلة إذن؟. الواقع هو
أن التدابير التي إتخذتها
الحكومات والبنوك المركزية حتي
الآن، وتلك التي يمكن أن تتخذها
لاحقا، لا تزال بعيدة كل البعد
عن أن تنطوي علي إجراء الإصلاح
العميق المحتم. ومن ثم،
وإذا كان اليقين الوحيد المستمد
من هذه المأساة هو، كما يبدو،
أنهم لن يتركوا البنوك تفلس حتي
ولو كانت إنشطتها هي ذاتها التي
تحملها علي الوشوك علي الإفلاس،
فيعني ذلك أن البنوك لا تجد
أمامها عائقا للعودة لممارسة
المضاربات وخلق الظروف التي
تقود إلي كارثة جديدة، لن تدفع
ثمنها وإنما المواطنين. *روبيرتو
سافيو، مؤسس وكالة انتر بريس
سيرفس ورئيسها الفخري. (آي بي
إس / 2009) ----------------------- التقارير
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |