ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 19/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

تجربتي في الدعوة إلى الله في أوروبا

عبد الرحيم الطويل

إن الدعوة إلى الله هي أشرف الأعمال على الإطلاق؛ لأنها عمل الأنبياء والمرسلين، وهم أشرف الخلق وأحبهم إلى الله تعالى. وقد قيل: "أشرف الأعمال أعمال الشرفاء". وإذا كان العلم ميراث الأنبياء النظري؛ فإن الدعوة إلى الله هي ميراثهم العملي.

 

ولذا فإن على الداعية أن يتصف بأوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم؛ من خُلق كريم، وعلم غزير، وتطبيق صحيح، وسلوك حسن، ودعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وكشف اللثام عن درر الإسلام، وإلقاء الضوء عليها برفق وتؤدة.. وبعبارة أخرى: أن يتأسى برسول الله صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21].

 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن عليه أن يتشرب هذه الدعوة حتى تصبح دماً يجري في عروقه؛ فيتغذى عقله وروحه وجسده.. بل أكثر من ذلك؛ إذ يجب عليه أن يذوب في دعوته كما يذوب السكر في الماء فيُحَلِّيه؛ فإن الماء لا يحلو إن بقي السكر فيه صلباً ولم يذب.

ومن جهة ثالثة فإن عليه أن يقرن ذلك كله بالإخلاص إلى الله عز وجل؛ كي يأجره الله على فعله، ويبارك له فيه، ويؤلِّف حوله قلوب الناس.

 

هذا وقد أحببت أن أكتب بعض الذكريات عن تجربتي في الدعوة إلى الله في أوروبا، وبوجه خاص في إسبانيا بلاد الأندلس.. بلاد الحضارة الإسلامية العريقة، التي امتدت قروناً، ووصل إشعاعها إلى جميع أنحاء المعمورة.

 

وقد رغب إليَّ عدد من الإخوة الكرام أن أكتب مثل هذه الذكريات ليستفيد منها الدعاة، ولترتفع بها المعنويات، ويزول بها شيء من الإحباط الذي وقر في نفوس كثير من المسلمين، وعلى رأسهم الدعاة أنفسهم.. ولتكون نبراساً لهم، وسلواناً للمسلمين الغرباء، وتثبيتاً للجميع على منهج الحق الذي ارتضاه الله عز وجل لنا، وجعلنا من جملة خدمه والدعاة إليه.

 

وقبل أن نأخذ بيد القارئ الكريم لنتجول في رياض الدعوة ونتفيأ ظلالها؛ لا بد لي أن ألفت النظر إلى بعض الحقائق والملاحظات التي واكبت العملية الدعوية التي مارستُها خلال خمسة عشر عاماً. وأستطيع أن أجمل هذه الملاحظات أو أهمها في النقاط التالية:

 

أولاً: إن نسبة من يدخل في الإسلام تزيد على (85%) من مجموع من نحاورهم حول الإسلام ونناقشهم فيه من غير المسلمين؛ فمن خلال مناقشة ما يقرب من ألف شخص دخل منهم في الإسلام -بفضل الله عز وجل- حوالي خمسين وثمانمئة.. وهذه نسبة عالية جدّاً ولله الحمد. وذلك يرجع إلى الخواء الفكري والفراغ الروحي عندهم.

 

ثانياً: إن غالب من يدخل في الإسلام من النساء، ومَرَدُّ ذلك إلى عدة أسباب:

السبب الأول -والأهم-: أن المرأة الغربية رغم أنها متحررة من أي قيد، ورغم أنها نالت من حريتها ما لم تكن تحلم به أي امرأة في العالم، إلا أنه في الحقيقة تحرر زائف وحرية وهمية؛ فالمرأة في أوروبا معززة مكرمة طالما كانت فتية شابة ما تزال تحمل نضرتها وبهاءها وجمال وجهها وفتنة جسدها، فإذا تجاوزت ذلك لفظها المجتمع وأصبحت مجرد آلة لتحصيل الرزق، فإذا كبر سنها وزحفت باتجاه الستين فقدت كل احترام وتقدير حتى من أقرب المقربين إليها (أولادها) ناهيك عن بقية الأقارب وسائر أفراد المجتمع؛ فلا تعود تحظى بعطف أو احترام إلا من زوجها إن كان حيّاً، وأما إن كانت قد اختطفته يد المنون؛ فحينئذ تكون قد اختطفت معه سعادتها أو احترامها؛ فليس لها إلا أن تجلس في بيتها تنتظر الموت أن يمد إليها يده الرفيقة الحنون ليخلصها من عزلتها وكآبتها، أو يرسلها أولادها إلى دار العجزة لتتسلى مع أقرانها المسنين بانتظار ساعة الأجل المحتوم..

 

وحينئذ تعتاض عن برّ أولادها بأن تتخذ كلباً صغيراً تربيه وتعتني به لتسعد بوفائه وتأنس بحركاته، فتجدها تصنع له طعاماً، وتخيط له ثياباً، وتهيئ له سريراً، وتضمه إلى صدرها، وتحنو عليه وتقبله وتتمسح به..!!

 

ولا أنسى تلك المرة التي دخلتُ فيها إلى بناية يقطنها أحد الإخوة، فصادفت لدى الباب رجلاً عجوزاً يسحب معه كلباً ضخماً؛ فضممتُ إليَّ ثيابي تحرُّزاً من نجاسته، كما أنني -والحق يقال- هبت هيئته المرعبة! فلحظ الرجل ذلك مني وقال: لا تخف، لا تخف؛ فإنه لا يعض!! فقلت له: اصعد الدرج قبلي. فصعد وكلبه، وتبعته وصاحبي..

 

فلما وصل إلى بيته طرق الباب، ففتحت له زوجه، فانقض الكلب عليها وقفز إليها معانقاً!!! فاحتضنته ترحب به وكأنه ولدها.. أجل كأنه ولدها، بل أحب إليها وأعز على قلبها، فاغتبط بذلك زوجها وقال: آه.. حقّاً أيها الكلب إنك عظيم، وإني أحبك أكثر من أولادي؛ لأن أولادي ربيتهم وتخلوا عني، وأنت ما زلت وفيّاً لي ولزوجتي!!!!

 

ألا يدفع هذا الحال أولئك المسنين أن يفكروا بالإسلام -رغم تعصبهم لدينهم- إذا شُرِحَ لهم بطريقة حسنة؟!

وحادثة أخرى أسوقها لك -أخي القارئ- لتطَّلع على الحالة النفسية عند المسنين، وبوجه خاص النساء منهم.. فقد زرنا أحد الإخوة وكان يسكن بجوار امرأة عجوز قد مات زوجها، فجاءت تقصُّ عليَّ قصة أولادها الثلاثة؛ كيف هجروها ولا يزورونها إلا ليلة واحدة في السنة؛ ليلة عيد الميلاد ليأكلوا معاً طعام العشاء مما تمليه عاداتهم وتقاليدهم.. وأخرجت صور أولادها وأولاد أولادها وبدأت تتكلم بانفعال وهي تقول: هذا عنده ثلاثة أولاد، وهذا عنده ولدان، لم أرهما منذ السنة الماضية..

 

ثم تابعت قائلة: في أمس كانت عندهم مناسبة مهمة (عيد ميلاد البنت الكبرى لولدي الكبير)، وانتظرتُ منهم أن يتصلوا بي ليدعونني إلى الحفلة، وفعلاً اتصلت بي البنت نفسها بالهاتف، ولكن ليس لتدعوني، بل لتقول لي: يا جدتي، إن يوم غد عيد ميلادي؛ فماذا حضَّرت لي من هدية؟! فقلتُ لها: حسناً سأُحْضرها لك غداً عندما أحضر الحفلة معكم. فقالت لي: لا، لا حاجة لنا بك، وليس حضورك ضروريّاً؛ فعندنا ضيوف، وليس من اللائق أن تحضري معهم وأنت امرأة عجوز.. لا عليك، لا عليك، فأنا أمر بك اليوم أو غداً لآخذ الهدية بنفسي، حسناً.. لتكن الهدية قيمة وثمينة..

 

كانت العجوز تقص عليّ قصتها بمرارة، وتتجرع غصصها وآلامها، إلا أنني لم أكن أفهم جميع كلامها، وكانت عندي قاعدة اجتماعية أن أقول لمخاطبي عندما لا أفهم عباراته: حسناً، جيد، ممتاز.. وذلك من باب المجاملة، لا سيما إذا كان حديثه لا ينبني عليه طلب أو سؤال أو استفسار.

 

وكانت في قمة الانفعال عندما تحدثت لي عن ابنها الصغير ابن السادسة والعشرين من العمر؛ كيف هجرها نهائيّاً، وكيف طلق زوجته وتزوج أخرى عمرها ثمانية وعشرون عاماً، غير أنني لم أفهم كلمة: (طلَّق) وفهمت كلمة: (تزوج)، فقلت لها: جيد.. فقالت غاضبة: جيد إذا طلق زوجته وشرد أولاده وتزوج مَن هي أكبر منه؟! ها، كيف؟! أم أنك لم تفهم ما أقول؟!..

 

كنت ذاهلاً دهشاً لغضبها لا أدري له سبباً، ولا أعرف ماذا جرى لها حتى غضبت كل هذا الغضب؟! ولم يخلصني من هذا الموقف إلا مجيء صاحبي وقد أعد لنا ضيافة بسيطة، فقال: خيراً، ما الأمر؟! فقالت: إن صاحبك هذا غريب الطباع، أقول له: إن ولدي طلق زوجته وهو يقول: ممتاز، حسناً.. ما هذا؟! ولما ترجم لي صاحبي كلامها خنقتُ ضحكتي وبكائي في آن واحد، وواريت وجهي حياءً من هذه المسكينة المعذبة..

 

هذا نموذج آخر عن معاناة المرأة الغربية عندما يكبر سنها، ولا تجد بشاشة من وجه قريب، ولا حنوّاً أو إشفاقاً من قلب ولد أو حفيد.

 

وأما النموذج الثالث -وما أكثر ما يتكرر عندنا في أوروبا- فهو الهروب من الأبوين وخاصة النساء للسفر وقضاء الإجازة الصيفية خارج البلد.. فكثيراً ما تجد أحد المسنين يأتي إلى الشرطة ليقول: إن ابنه وضعه في المستشفى ينتظر دوره لمراجعة الطبيب، فلما جاء دوره ودخل عند الطبيب وكتب له الدواء وخرج بالوصفة ليعطيها لابنه ليحضر له الدواء، لم يجد ولداً ولا حفيداً، بل يكون هذا الولد قد صحب زوجه وأولاده وفر بسيارته هارباً من أبيه أو أمه لكيلا ينغص هذا العجوز -أباً كان أو أمّاً- متعة الرحلة وجمال النزهة!!

 

ومرة توقف أحدهم مع أسرته المكونة من أم وزوج وأطفال عند محطة للوقود، فلما زود سيارته بالوقود قال لهم: انزلوا كي أنفخ عجلات السيارة بالهواء جيداً. فلما نزلوا وملأ العجلات هواءً، قال لزوجته وأولاده: اركبوا. وقال لأمه: انتظري قليلاً لتركبي بجانب النافذة. وما إن ركب الأولاد مع أمهم حتى قال لهم: أغلقوا الأبواب بسرعة. فأغلقوها وساروا والأم العجوز تنظر بعينها وتفتح فمها ذهولاً لما يجري، ولا تجد حينئذ من مسعف أو معين إلا الدموع.. ليأتي بعد ذلك الشرطة ويأخذوها إلى دار العجزة.

 

هذا النموذج ونماذج أخرى كثيرة تدفع المرأة العاقلة أن تفكر في مستقبلها جيداً، وقبل أن تصل إلى حال لا يفيد معه الندم، فتبدأ مسيرتها باحثة عن الحقيقة من ناحية، وعن كرامتها التي ستهدر عاجلاً أم آجلاً من ناحية أخرى..

 

السبب الثاني: أن المرأة الغربية أكثر حبّاً للاستطلاع والمعرفة من الرجل؛ فإنك تجد كل يوم وفوداً من النساء يأتين لزيارة المركز الإسلامي والمسجد، وفي جعبتهن العديد من الأسئلة والاستفسارات عن الإسلام، وعن المرأة في الإسلام، وعن الحجاب في الإسلام، وغير ذلك من الأسئلة.. وعندما نحدثها عن العقيدة الإسلامية، وعن معاني العبادة في الإسلام، ونتكلم معها برفق، ونشعرها بالأنس؛ لا تلبث أن تعلن إسلامها من خلال زيارة أو زيارتين، وقلما زادت اللقاءات عن ذلك، رغم وجود بعض الحالات التي استمرت معنا أشهراً حتى أثمرت.

 

السبب الثالث: -وهذا كثير أيضاً- هو الرغبة بالزواج من الرجل المسلم؛ إذ تجد المرأة الأوروبية ضالتها في الرجل المسلم لحسن معاملته امرأته.. هذا رغم الدعاية المضادة التي يقوم بها الإعلام الغربي الذي يصور فيها المسلمين بأنهم همج لا يحسنون معاملة المرأة!!     

ـــــــ

الفرقان 9/2009

------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

   


السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ