أنين
النـاي
مولانا
جلال
الدين الرومي
زهير
سالم*
تعتبر قصيدة الناي
لجلال الدين الرومي واحدة من
أروع القصائد الإنسانية التي
نقلت إلى أكثر من لغة وأولع بها
النقاد دراسة والشعراء محاكاة.
رمزية الناي هي رمزية الإنسان
المقطوع عن أصله السماوي فيظل
يطلق حنينه أنيناً فتتلقفه آذان
الحزانى والسعداء.
ننقل فيما يلي ثلاث
ترجمات لهذه القصيدة الأولى
شعرية للمرحوم عبد الوهاب عزام (سبعة
أبيات). والثانية ترجمة نثرية
للأستاذ عبد السلام الكفافي ضمن
ترجمته لديوان المثنوي وهي
ترجمة أكثر دقة وحرفية.
والثالثة ترجمة بتصرف مع روح
شعرية لزهير سالم.
أنين
الناي
عبد
الوهاب عزام
اسـتمع للناي غنى
وحكى
شـفّه الوجـد وهـدراً فشـكا
مذ نأى الغاب وكان
الوطنا
ملأ النـاس أنينـي
شـجنـا
أين صدرٌ من فراق
مُزّقـا
كي أبث الوجـد فيـه حرقـا
من تشرده النوى من
أصله
يبتغـي الرجعى لمغنى
وصله
كل ناد قـد رآنـي
ناديـا
كل قـوم تخذونـي
صاحبـا
ظـن كل أنني خير
سمير
ليس يدري أي سر في الضمير
إن
سري في أنين قد ظهر
غيـر أن الأذن كلت
والبصر
ــــــــــــــــــــــ
أنين
الناي
محمد
عبد السلام كفافي
استمع للناس كيف
يقص حكايته. إنه يشكو آلام
الفراق. (يقول):
(إنني
منذ قطعت من منبت الغاب، والناس
رجالاً ونساء يبكون لبكائي.
إنني أنشد صدراً
مزقه الفراق، حتى أشرح له ألم
الاشتياق.
فكل إنسان أقام
بعيداً عن أصله، يظل يبحث عن
زمان وصله.
لقد أصبحت في كل
مجتمع نائحاً، وصرت قريناً
للبائسين والسعداء.
وقد ظن كل إنسان
أنه قد أصبح لي رفيقاً، ولكن
أحداً لم ينقب عما كمن في باطني
من الأسرار.
وليس سري ببعيد عن
نواحي، ولكن أنى لعين ذلك النور
أو لأذن ذلك السمع الذي به تدرك
الأسرار؟
وليس الجسم
بمستور عن الروح، ولا الروح
بمستور عن الجسم، ولكن رؤية
الروح لم يؤذن بها لإنسان.
إن صوت الناي هذا
نار لا هواء، فلا كان من لم
تضطرم في قلبه مثل هذه النار.
وهذه النار التي
حلت في الناي هي نار العشق، كما
أن الخمر تجيش بما استقر فيها من
فورة العشق.
إن الناي نديم لكل
من فرقه الدهر عن حبيب، وإن
أنغامه قد مزقت ما يغشى أبصارنا
من حجب.
من رأى مثل الناي
سماً وترياقاً؟ من رأي مثل
الناي رفيقاً مشتاقاً؟
إن الناي يروي لنا
حديث الطريق الذي ملأته الدماء،
ويقص علينا قصص عشق المجنون.
وهذه الحكمة (التي
يرويها) قد حُرِّمت على من لا
عقل له، فليس هناك من يشتري
بضاعة اللسان سوى الأذن.
لقد أصبحت أيامنا
متشابهات في الهموم، وصارت
الحرق والآلام ملازمة لهذه
الأيام.
فإذا ذهبت الأيام
فقل: (اذهبي، فلا خوف لدينا (من
ذهابك)، ولتبق أنت يا من ليس لك
نظير في الطهر والنقاء).
ـــــــــــــــــــــــــ
أنين
الناي
زهير
سالم
عن
الفارسية بتصرف
أنصت إلى الناي
يحكي حكايته
ومن ألم الفراق
يبث شكايته:
مذ قطعت من الغاب،
والرجال والنساء لأنيني يبكون
أريد صدراً
مِزَقاً مِزَقاً برَّحه الفراق
لأبوح له بألم
الاشتياق..
فكل من قطع عن
أصله
دائماً يحن إلى
زمان وصله..
وهكذا غدوت
مطرباً(1) في
المحافل
أشدو للسعداء،
وأنوح للبائسين
وكلٌ يظن أنني له
رفيق
ولكن أياً منهم (السعداء
والبائسين) لم يدرك حقيقة ما أنا
فيه!!
لم يكن سري بعيداً
عن نواحي، ولكن
أين هي الأذن
الواعية، والعين المبصرة؟!!
فالجسم مشتبك
بالروح، والروح متغلغلة في
الجسم..
ولكن أنى لإنسان
أن يبصر تلك الروح؟
أنين الناي نار لا
هواء..
فلا كان من لم
تضطرب في قلبه النار..
نار الناي هي سورة
الخمر، وحميا العشق
وهكذا كان الناي
صديق من بان
وهكذا مزقت
ألحانه الحجب عن أعيننا..
فمن رأى مثل الناي
سماً وترياقاً؟!
ومن رأى مثل الناي
خليلاً مشتاقاً؟!
إنه يقص علينا
حكايات الطريق التي خضبتها
الدماء
ويروي لنا أحاديث
عشق المجنون
الحكمة التي
يرويها، محرمة على الذين لا
يعقلون،
إذ لا يشتري عذب
الحديث غير الأذن الواعية.
-----------------------------
(1)
ـ الطرب في أصل اللغة العربية
يكون من فرح ومن جزع.
---------------
*مدير
مركز الشرق العربي
للاتصال بمدير المركز
00447792232826
zuhair@asharqalarabi.org.uk
25/09/2007
|