ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
قتلتْ
أرضٌ جاهلَها بقلم
د. صلاح الدين النكدلي أعلن
المجلس التشريعي (البرلمان) في
بلد أوروبي قراره بإباحة (الزواج
المثلي) والتعاطي مع آثاره ،
وبخاصة في المجال المالي . ومثل
هذا القرار التشريعي المثير
للجدل يحرك وسائل الإعلام ،
فتتجه إلى أصحاب الرأي في
المجتمع محاولة استطلاع آراء
الموافقين والمعارضين . ونظراً
لوجود المسلمين النامي في
أوروبا ، فإن إحدى محطات
التلفزة التقت بإمام مسجد مشهور
، وسألته عن رأي الإسلام في زواج
الرجل من رجل ، والمرأة من امرأة
؟ . فأجاب
الشيخ مؤكداً على المعاني
الآتية : إنّ
الإسلام لا يبيح العلاقات
الجنسية خارج مؤسسة الزواج
المعروف ، أي بين رجل وامرأة
بعقد صحيح ، ويرى الإسلام أن
الخروج عن هذه الثنائية المكونة
للأسرة ضربٌ من الانحراف عن
الفطرة . ثم إنّ ثنائية الذكر
والأنثى نراها أساس التكاثر في
الكائنات الحية ، وليست محصورة
في الإنسان . وأضاف
الشيخ : وقد ذكر لنا القرآن
الكريم أن ما يسمى اليوم (الزواج
المثلي) أو إباحة العلاقات
الجنسية بين الذكور ، قد كان
سبباً في هلاك قوم لوط ، وذلك
حين انتشرت فيهم عادة معاشرة
الرجال للرجال من دون النساء ،
وصارت هذه العلاقة الشاذة عن
الفطرة ظاهرة مقبولة في المجتمع
. وكان
هذا البيان من الشيخ كافياً
لإبراز النظرة الإسلامية في
الموضوع المطروح ، ولكن الشيخ -بدافع
من الغيرة على الإنسانية- أضاف
المعاني الآتي ذكرها : إنّ
الذين يرون إباحة العلاقات
الجنسية المثلية ليسوا
كالحيوانات (الأنعام) بل هم
أحطُّ وأضل منها ، لأننا لا نعلم
في عالم الحيوان مثلاً أن كلباً
ينـزو على كلب ذكر ، أو حماراً
ينـزو على حمار ، أو قطاً يأتي
قطا .. فثنائية (الذكر والأنثى)
ضرورية لاستمرار الحياة
البشرية ، والعلاقاتُ المثلية
مدمرةٌ للجنس البشري ، ولذلك
فإن الذين يقبلون بها
ويمارسونها أحط من الحيوانات . *
*
* انتهت
المقابلة مع الشيخ ، ولكن
المعاني الواردة في المقطع
الأخير حرَّكت جماعة من
المثليين ، فسارعوا إلى رفع
قضية تشهير وتحقير أمام القضاء
، لأن الشيخ -حسب القوانين
المرعية- قد تجاوز حدود التعبير
عن الرأي إلى الشتم والتحقير ،
ويجب أن يقول القضاء كلمته في
تصريحات الشيخ المعادية
للمثليين . ونظر
القضاء في الدعوى ، واستشار
الخبراء ، وتوصل إلى الآتي : * من حق
الشيخ أن يعبر عن رأيه في
القضايا العامة كإباحة الزواج
المثلي ، وهذا الحق يضمنه
الدستور والقوانين النافذة . * ولكن
التعبير عن الرأي شيء والنيل من
كرامة وإنسانية الآخرين شيء آخر
، ويجب على أصحاب الرأي أن
يفرقوا بين الأمرين ؛ فالأول
حقٌ مضمون ، والثاني خطأ يؤاخِذ
عليه القانون . * لم
يوفق الشيخ في التزام حدود
التعبير عن الرأي والموقف ،
فوقع في تجاوزات . *
فالشيخ مخطيء ، وعليه تقديم
اعتذار إلى من أساء إليهم من غير
قصد . *
*
* عندما
كانت هذه القضية ساخنة التقيت
بمستشرق يجيد اللغة العربية ،
وسألته عن رأيه في المشكلة ،
فأخبرني : حسب نصوص القوانين فإن
الشيخ مخطيء ، وقد استشارتني
المحكمة في دلالة عبارات الشيخ
في تصريحه ، فطالبتُ بضرورة
ملاحظة التباين الثقافي في
التعبير ، وحاولت تلطيف كلام
الشيخ على الرغم من شدته ،
وعلماً بأن القانون لا يحمي
المخطئين ، ولا يأخذ بالنيات . *
*
* هذه
القصة توحي بدروس ينبغي
الاهتمام بها : 1-
إنّ الوجود الإسلامي جزء من
الحياة الاجتماعية ، والثقافية
، والاقتصادية ، والسياسية في
أوروبا ، وهناك تطلع إلى معرفة
موقف الإسلام من قضايا المجتمع
التي تشغل بال الناس . 2-
وهذا الوجود النامي يحتاج
إلى من يمثله ويعبر عنه بصورة
لائقة ، وهذا يقتضي أن يكون
الأئمة والدعاة والمربون على
مستوى المسؤولية : علماً
بالإسلام ، ومعرفةً بالواقع ،
وقدرةً على تنـزيل الأحكام على
الوقائع ، مع حُسن التعبير عن
قيم الإسلام وأحكامه . وهذه
المعاني يطالبنا بها ربنا عزَّ
وجلَّ ، ونجدها في مثل قوله
تعالى : ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ
رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ ... ))[النحل : 125] . ولقد
قرأت في (مجمع الأمثال) هذين
المثلين الرائعين : 1-
(قتل أرضاً عالِمُها : أصل
القتل التذليل .. ويراد بالمثل
أن الرجل العالم بالأرض عند
سلوكها يذلل الأرض ويغلبها
بعلمه . يُضرب في مدح العلم ،
ويقال في ضده : 2-
قتلتْ أرضٌ جاهلَها : يضرب
لمن يباشر أمراً لا علم له به) [ص
: 127] . إنّ
معرفة القوانين التي تحكم حرية
التعبير تحمي أصحاب الرأي من
الوقوع في أخطاء قد تفسد الموقف
الشرعي ، وقد يؤدي الجهل بحدود
حق التعبير إلى طامات مهلكات . 3-
ويلوح لي أن قول الله عزَّ
وجلَّ : ((وَمَا
أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ
إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ
اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ
وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)) [إبراهيم
: 4] . يتضمن معرفة اللغة المعبرة
عن الموقف الشرعي الذي يقيم
الحجة . إنّ
نوعية الإمام والداعية من أهم
القضايا التي ينبغي أن يلتفت
إليها المسلمون ، وبخاصة
المؤسسات الدينية في أوروبا ،
وعليهم أن يسعوا إلى إقامة
الصروح العلمية التي تخرِّج
أئمة ودعاة ومدرسين ، وفق مناهج
تتعانق فيها المعرفة الشرعية
بمعرفة الواقع بأبعاده . ولقد
أدركت جهات أوروبية ، حكومية
ودينية ، أهمية دور الإمام في
المجتمع ، ورأت أن تدخل ساحة
تكوين أئمة تتوفر لديهم : 1-
المعرفة اللغوية 2-
التكوين الشرعي 3-
التأهيل القانوني 4-
التداخل الثقافي في المجتمع
الأوروبي . قد
يرتاب كثير من المسلمين في
دوافع الجهات الحكومية
والكنسية التي تهتم بتخريج أئمة
وفق منهج جامعي ، وربما جادلوا
في نوعية المعرفة الشرعية التي
تقدم للدارسين ، وفي أهلية
المدرسين العلمية والسلوكية ،
ولكن هذه الخطوات تفرض على
المسلمين أمرين : الأول :
تحديد موقف من هذه الجهود التي
تبذل من طرف غير المسلمين ، بصرف
النظر عن دوافع من يتصدى لهذه
المهمة . والمقصود بتحديد
الموقف : هل نشجع أبناءنا على
الالتحاق بالجامعات والمعاهد
التي تخرج أئمة ومدرسين للتربية
الإسلامية ؟ أم لا ؟ . الثاني
: جمع الجهود الإسلامية العلمية
- المالية - الإدارية ، وبلورتها
في مشاريع عملية ، ثم التقدم بها
إلى السلطات من أجل الاعتراف
بها ، بحيث يكون أمر تأهيل أئمة
المساجد ومدرسي التربية
الدينية بأيدي مسلمين صالحين
مؤهلين لحمل هذه الأمانة ، وعلى
المسلمين أن يتحلوا بالصبر
الجميل حتى يحصلوا على اعتراف
الجهات الحكومية بعملهم .
4-
ينبغي أن يحرص الأئمة
والدعاة والمربون على أن يبقى
الحوار مع غير المسلمين محصوراً
في القضايا العقدية والتشريعية
والاجتماعية ، وبعيداً عن
الخصومات التي يسببها شتم ما
يعظمون أو الطعن في أشخاصهم ،
لئلا يتحول الحوار إلى مشاحنات
وخصومات تنأى بالحوار عن أهدافه
، وما أروع التوجيه القرآني : ((وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ
مِنْ دُونِ اللَّهِ
فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا
بِغَيْرِ عِلْمٍ ...)) [الأنعام :
108] . 5-
وأخيراً .. فلا بد من التأكيد
المستمر على ضرورة تعانق (الإخلاص)
و(الصواب) وهذا الذي يجعل العمل
مقبولاً عند الله عزَّ وجلَّ ،
ويفتح القلوب الباحثة عن الحق
إلى التفكير الجاد في مضمون
الدعوة إلى الخير والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر . ـــــــ المصدر
: الدار الإسلامية للإعلام ------------------------- المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |