ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 07/12/2011


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

إلى كل من لا يقرأ - من مذكرات سجين في تدمر

د. براء سراج

"الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لايراها إلا المرضى", بالمقياس نفسه, الكتاب نعمة لاتشعر بها إلا بفقدها وبالذات في تدمر, كنت أتساءل كيف أمضينا السنين خارج السجن ولم نحفظ أياً من هذه الكتب التي حولنا؟ بل لم نفكر حتى بفتح بعضها لقراءة المقدمة!

لم يدخل السجن من الكتب كاملاً إلا القرآن, شكراً لبعض من حفظه غيباً قبل السجن وللجهد الهائل الذي يبذل لحفظه دون أخطاء ونقله بين المهاجع بأساليب أقرب ماتكون للأسطورة,  كان هناك الكثير من الأحاديث النبوية محفوظة مع عدم الدقة في معرفة مصدرها أو درجة تصحيحها، كان هناك أيضاً بعض المتون التي حفظها طلاب أو خريجو كلية الشريعة أو المدارس الشرعية كملخص لمواد علمية معينة وماعدا ذلك فهي متفرقات أو بالأصح فهي ذكريات.

 

كان العطش للمعرفة يزداد يوماً بعد يوم مع توالي السنين في سجن تدمر، وهذا الحرمان من المادة المقروؤة المكتوبة كان جانب تعذيب نفسي بالإضافة لجوانب التعذيب الأخرى لتدمر، كلما أتى حزيران أُطرق ملياً وكأنني في قاعة امتحان وأذكر نفسي أن عاماً آخر قد خسرته من سنوات الجامعة، توقفت عن تذكر الجامعة عندما مرت السنون وحسبتها جيداً أن كل أفراد صفي قد تخرجوا، كان التحليق بين ذكريات المدرسة والجامعة بل بين أي ذكريات أسرية ما قبل السجن لها مفعول إيجابي بتذكيري أو بإصراري أنني إنسان ولست تلك الألقاب الرديئة التي ينادي بها الشرطة علينا كل صباح ومساء، وصرت كلما دخلت مهجعاً، أُجري مسحاً كاملاً بمثقفي المهجع لأسألهم عن مختصرات وأمهات الكتب في كل علم من العلوم قد درسوه، ثم أنشأت قاعدة بيانية بهذه الكتب في ذهني وأضيف إليها كلما التقيت بمثقف جديد ساقه قدره إلى هذا المكان، قوائم الكتب هذه كانت مادة ممتازة بالإضافة إلى قائمة الأطعمة اللذيذة لقطع ساعات الأرق الطويل تحت البطانية وأنا أذهب جيئة وذهاباً بين رفوف الكتب والأطعمة في حال أخلي سبيلي يوماً ما، كان التصميم على شراء هذه الكتب أحد جوانب ذلك الأمل الذي لايتزعزع أنني لابد خارج من هذا المكان رغم أنف الأسد وشرطته، كان الاستماع لذكريات طلاب الطب والهندسة والشريعة والآداب مشوقاً لي حتى إنني أوجدت صداقة وهمية مع أساتذة أصدقائي دون أن أعرفهم.

 

مرت عدة سنوات ونقلت عشوائيا مع أصدقاء آخرين إلى غرفة أخرى، بعد عدة أشهر في تلك الغرفة التي يقطنها ١١٧ سجينا، يأتيني صديق من حلب مبتسماً ليقول لي:

جهز حالك, هناك مفاجأة لكن بشرط أن لا تقول لأحد، أنظر مندهشاً إليه وهو يبتسم ابتسامة الواثق، تمر أيام وأسأله عدة مرات عن ما حل بذلك الوعد فيطلب مني الصبر حتى نسيت القضية تماماً، في أحد الأيام يعود صديقي ليطلب مني أن لاأنام بعد أن ينام المهجع، طلب مني أن أغطي نفسي بشرشف يسمح بدخول ضوء المصباح الخافت بدلاً عن البطانية,  ثم دسّ في يدي لفافة من قماش، أفتحها تحت الشرشف والناس نيام، وإذا أنا أمام مفاجئة كبرى: نسخة قرآن ٣ في ٤ سنتمترا. خلع غلافها ليصغر حجمها، أمر لايصدق!

 

كيف دخلت نسخة قرآن إلى سجن الموت هذا؟ كيف لم تكتشف طوال هذه السنين وحملات التفتيش الدقيقة؟ لم يجبني ذلك الصديق ولم أستطع أن أسأل أحداً حتى لا أبوح بالسر بخاصة أن بعض ضعاف النفوس في المهجع لا يؤتمنون على سر كهذا، كنت أنظر إلى الأحرف أكاد ألتهمها، علي أن أفتح الصفحات ببطء حتى لاتصدر صوتاً مريباً..

راجعت حفظي للقرآن على تلك النسخة خلال أيام قليلة ولم أرها بعد ذلك !

------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها


السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ