ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الدكتور عصمت سيف الدولة (من كتابه: " عن العروبة
والإسلام") الجهل بالإسلام يؤدي إلى أخذه على أنه
مجرد دين فلا يحيط بما يميز
الاسلام من بين الأديان . والجهل
بالعروبة يؤدي إلى أخذها على
أنها مجرد أمة فلا يحيط بما يميز
الأمة العربية من بين الأمم (تمييز
وليس امتيازاً ) . فإن اجتمعا
انتفى العلم بما بين الاسلام
خاصة والأمة العربية خاصة من
علاقة خاصة لامثيل لها - فيما
نعرف من تاريخ الأديان والأمم -
بين أي دين وأية أمة . فهل نبدأ
من البداية ؟ قلنا ونعيد إن الاصل في " الدين "
عامة أنه كان عنصراً من عناصر
التكوينات الاجتماعية المختلفة
التي كانت وحدة "الاصل"
محور تكوينها ( الأسر والعشائر
والقبائل ) وانقلب الأجداد
الذين ماتوا آلهة يعبدهم نسلهم
من الأحياء ، ويتميزون بهم عن
ذوي " الأجداد - الالهة "
الاخرين . ثم استقر " الاله
" مميزاً لكل قبيلة ، فكان لكل
قبيلة إلهها الخاص تختاره طبقاً
لظروفها الخاصة ، وتعبده طبقاً
لتقاليدها الخاصة ، وتلتمس منه
العون في تحقيق مصيرها الخاص .
فإذا تعددت مشكلاتها لم يكن ثمة
مايمنع أن يكون لكل قبيلة أو
مجموعة من القبائل عدد من
الآلهة يختص كل منهم بإسداء
العون في واحدة من تلك المشكلات
على ماكانوا يعتقدون . فثمة إله
للحرب ، وإله للزرع ، وإله للصيد
، وإله للملاحة ، وإله للحب
أيضاً … الخ ، ولكنها ، حتى وهي
مجموعة خاصة ، كانت تقوم
بالوظيفة المشتركة للاله في
المجتمعات القبلية وما دونها من
مجتمعات عشائرية وأسرية فهي "
رمز " يجسد الوجود الاجتماعي
المستقل لكل جماعة ويميزها عن
غيرها . كل هذا لايزال قائماً في
المجتمعات القبلية المعاصرة . فلما جاءت الرسالات السماوية والرسل من
عند الله إلى مجتمعات قبلية
أرسل إلى كل قبيلة رسولاً من
أبناءها يدعوها إلى إله واحد . (
ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن
اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )
{ النحل : 36 } . والأمثلة كثيرة في
القرآن ( ولقد أرسلنا نوحاً إلى
قومه إني لكم نذير مبين ) { هود : 25
} . وإلى عاد أخاهم هودا ، قال يا
قوم اعبدوا الله مالكم من إله
غيره إن أنتم إلا مفترون ) { هود
:50 } . وإلى ثمود أخاهم صالحاً ،
قال ياقوم اعبدوا الله مالكم
إله غيره ) { هود : 61 } . وإلى مدين
أخاهم شعيباً ، قال ياقوم
اعبدوا الله مالكم من إله غيره )
{ هود : 84 } . وكان بنو اسرائيل من
المجتمعات القبلية التي أرسل
إليها خاصة ، رسول من عند الله :أرسل
إليهم موسى عليه السلام أ ولاً
وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى
لبني اسرائيل) {الاسراء : 2 } . (
وإذ قال موسى لقومه لم تؤذونني
وقد تعلمون اني رسول الله إليكم
) { الصف : 5 } . ثم ارسل اليهم عيسى
عليه السلام : ( وإذ قال عيسى بن
مريم يابني اسرائيل إني رسول
الله إليكم ) {الصف:6 } . ولقد كان
كل الرسل الذين جاء ذكرهم في
القرآن يحملون دعوة واحدة هي
" التوحيد " (اعبدوا الله
مالكم من إله غيره ) ، ولكن لم
تكن أي منها دعوة انسانية . نعني
موجهة إلى الناس جميعاً . غير أن
هذا التوجيه قد بدا محدوداً في
رسالة موسى ، ثم فتحت أبوابه في
رسالة عيسى ، لتتهيأ الانسانية
لاستقبال رسالة محمد ، عليهم
السلام جميعاً . فلقد أمر موسى بأن يتجاوز برسالته محيط
قبيلته من بني إسرائيل ، وبأن
يذهب الى فرعون ( اذهب إلى فرعون
إنه طغى ) { طه : 24 } . فتدخل الحذر
القبلي من الاتصال بغير أبناء
القبيلة ، فالتمس موسى من مصادر
القوة مالم يكن في حاجة إليه وهو
آمن في قبيلته . ( قال رب اشرح لي
صدري . ويَسر لي أمري . واحلل
عقدة من لساني . يفقهوا قولي .
واجعل لي وزيراً من اهلي . هارون
أخي . اشدد به أزري ) { طه : 25 -31 } . (
قال قد اوتيت سؤالك ياموسى ) { طه
: 36 } . ( اذهب أنت وأخوك بآياتي
ولا تنيا في ذكري اذهبا إلى
فرعون إنه طغى ) { طه : 42 : 43 } . موسى
وهارون يحملان رسالة إلى من
لاينتمون الى بني اسرائيل . إلى
طاغية معين بصفته حاكماً (
فرعوناً ) في مصر ، وإلى طاغيين
معينيين بالاسم : قارون وهامان (
وقارون وفرعون وهامان ولقد
جاءهم موسى بالبينات فاستكبروا
في الأرض وما كانوا سابقين ) {
العنكبوت : 39 } . كانت تلك بداية
خروج الرسالة الدينية من الاطار
القبلي إلى الاطار الشعبي . فقد كان الناس في مصر مستقرين في وادي
النهر لايتمايزون فيما بينهم
بما يميز القبائل من وحدة النسب
الحقيقي أو الموهوم . وكانت
آلهتهم رموزاً للبيئة
الجغرافية ولم تكن رموزاً لحدود
قبائل متجاورة . وكان فوقهم
فرعون إلهاً وابن إله وملكاً
ومالكاً وحيداً للأرض والناس
وخالداً بعد الموت لايموت .
فكانت رسالة موسى وأخيه هارون
موجهة إلى " شعب " في مصر
مخاطباً في شخص حاكمه فرعون
ورجاله . ولكن هذا الخروج بالدين من الاطار القبلي
إلى الاطار الشعبي بقي محدوداً
في وسيلته وفي مداه . وإنا لنفهم
من الآيات أن موسى وهارون لم
يذهبا الى فرعون ويواجهاه
منفردين بدون حشد قبلي من بني
إسرائيل . إذ ماان رفض فرعون
الاستجابة للرسالة وبدأت
المطاردة حتى طارد فرعون وجنده
" بني إسرائيل " وليس موسى
وهارون وحدهما . ( يابني اسرائيل
قد انجيناكم من عدوكم ) { طه : 80 } .
فنلاحظ أن رفض فرعون رسالة موسى
وهارون كان عند بني اسرائيل
عداء لهم جميعاً . وتلك إحدى
خصائص المجتمعات القبلية . كل
هذا يعني - عندنا - أن موسى
وهارون لم يكونا وحدهما منذ
البداية ، بل كانا يبلَغان
الرسالة في حماية قبلية . وقد
يكون ذلك ما أفزع فرعون فحسب
الأمر ستاراً للاستيلاء على
الحكم فنراه يحشد قومه تحت شعار
الملك . ( ونادى فرعون في قومه
قال ياقوم أليس لي ملك مصر ) {
الزخرف : 51 } . ثم إن موسى لم يرسل
إلى شعب آخر مرة ثانية . أياً ماكان الأمر فإن المسيح عيسى بن مريم
هو الذي سيسمو بالدين فوق
الانتماء القبلي والشعبي ويطرح
لأول مرة وحدة الدين في
الانسانية ، أو وحدة الانسانية
في الدين ، ويبشر بأنه يمهد
لتقبل رسالة الاسلام . فلقد
عرفنا من القرآن ، أنه ، عليه
السلام ، كان رسولاً إلى بني
اسرائيل . وقد بقي كذلك ما بقي
رسولاً . ولكن رسالته اليهم كانت
تتضمن إضافة إلى ماحمله موسى،
كانت تتضمن دعوة وبشرى بالخروج
من مضيق علاقة الانتماء القبلي
إلى رحاب الأخوة في الدين . ( وإذ
قال عيسى ابن مريم يابني
اسرائيل إني رسول الله إليكم
مصدقاً لما بين يديَ من التوراة
ومبشراً برسول من بعدي أسمه
أحمد ) { الصف : 6 } . فلما كذَبوه
حدث ذلك الحدث الجليل الذي تطور
به الدين فأصبح علاقة انتماء
إلى السماء بعد أن كان مقترناً
بعلاقات الانتماء العشائرية
على يد إبراهيم ونوح ، والقبلية
على يد هود وصالح وشعيب وموسى .
سقطت علاقات الانتماء العشائري
والقبلي ، وسمت علاقة الانتماء
الديني لتكون في " الله "
الواحد الأحد وحده . قص علينا
القرآن قصة تلك الطفرة العظيمة
في الآية 52 من سورة آ ل عمران .
قال : ( فلما أحس عيسى منهم الكفر
قال من أنصاري إلى الله ، قال
الحواريون نحن أنصار الله ،
آمنا بالله ، واشهد بأنا مسلمون
). إنا نتابع تطور الدين على مستوى علاقته
بتطور التكوين الاجتماعي من
العشيرة الى القبيلة ، الى
الشعب ، لنصل إلى حيث نرى علاقة
الدين بالأمة أو علاقة الاسلام
بالعروبة وهو موضوعنا الأصيل . وليس مما يلزم لبيان مانريد أن نعرض
لتفصيل مضمون الشرائع كيف تطَور
متسقاً مع تطور المجتمعات . ومع
ذلك لانرى بأساً في أن نشير إلى
ماتتضمنه الشريعة الموسوية من
خصائص ماتزال تحمل الطابع
القبلي وما تتضمنه الشريعة
المسيحية من خصائص فائقة
التجريد الانساني . هذا مع علمنا
بأن مايقال له " التوراة "
المتداولة الآن ، ليست كلها
ماتلقاه موسى ، وبأنها كتبت قبل
أن تكتشف " التوراة - الرسالة
" في عهد الملك يوشيَا بعد
وفاة موسى بنحو سبعة قرون ( سفر
الملوك الثاني ، اصحاح 22 ) . وان
الاناجيل الأربعة هي ماكتبه
أربعة من تلاميذ السيد المسيح .
إلا أن تلك الكتب وما أضيف إليها
من شروح هي مصادر الشريعتين كما
يعيشه اليهود والنصارى في
الغالب من مذاهبهم . إن أظهر الخصائص القبلية في كتاب "
التوراة " الموضوع ، الحرص
الفائق على بيان الأنساب . إنه
يتضمن تاريخ العالم لاعلى أساس
التطور البشري أو المادي أو
تتابع الأحداث الاجتماعية
السلمية أو الحربية ، بل
مبتدئاً بمن تزوج ، ثم كم أنجب ،
ثم يتتبع الأولاد وأولاد
الأولاد ومن تلاهم جيلاً جيلاً
، أسماً أسماً ، الى أن يصل الى
البناء القبلي لبني اسرائيل
ليقول ، أو ليثبت ، أن كل اليهود
في كل مكان من الأرض ، ومن أي جنس
وأي لون هم سلالة الاسباط
الاثني عشر ابناء يعقوب (
اسرائيل ) بن اسحاق بن ابراهيم .
هذه العناية بإثبات وحدة الأصل
العرقي واحدة من أهم مميزات
المجتمع القبلي لأن وحدة النسب
هي مناط الانتماء إلى القبيلة . (
مقابل " الهوية " مناط
الانتماء إلى الدولة في عصرنا
الحديث ) . ولقد كانت كل القبائل
، وماتزال ، تحرص على حفظ
أنسابها كما حرص اليهود في
التوراة . ولم تكن القبائل العربية أقل حرصاً على
أنسابها منهم أو من غيرهم . ثم
يأتي الاله الخاص " يهوه "
الذي وعد شعبه بأن يقوده " إلى
مدن عظيمة لم تبنها ، وبيوت
مملوءة كل خير لم تملأها ، وآبار
محفورة لم تحفرها وكروم زيتون
لم تغرسها " ( سفر التثنية .
اصحاح 6 آية 11 ) . ثم يأتي الرمز
القبلي للقوة ( الطوطم ) . وهو
عندهم جبل صهيون حيث التقى "
يهوه بجدهم يعقوب وتصارعا
مصارعة جسدية لم يهزم فيها
يعقوب فأعجب الاله به وباركه
واختاره وأسماه اسرائيل " (
سفر التكوين : 32 آية 25 - 29 ) . ثم
التضامن البشري والمالي بين
أفراد القبيلة فتصبح أرملة الأخ
المتوفي زوجة لأخيه بعد الوفاة
بدون حاجة إلى ايجاب أو قبول أو
عقد حتى لاتشرد أنثى من القبيلة
بشخصها أو بمالها . ولقد كان هذا
النظام سائداً في القبائل
العربية قبل الاسلام حيث كانت
زوجة الأب المتوفى تصبح زوجة
لابنه فحرَمه الاسلام . وأخيراً
العداء ، بدون حد أو قيد تشريعي
أو اجتماعي أو أخلاقي ، لمن لا
ينتمون إلى القبيلة . قال حكماء
صهيون : " اضربوهم وهم يضحكون .
اسرقوهم وهم لاهون . قيدوا
أرجلهم وانتم راكعون . ادخلوا
بيوتهم وأهدموها . تسللوا إلى
قلوبهم ومزقوها " ومن قبلهم
قال إله بني اسرائيل " إني
ادفع الى ايديكم سكان الأرض
فتطردهم من أمامك ، لاتقطع معهم
ولامع آلهتهم عهداً . لايسكنون
في أرضك لئلا يجعلوك تخطىء " (سفر
الخروج : اصحاح23 آية22و23 ) . إن
حديث إله بني اسرائيل عن آلهه
آخرين بدون إنكار مكتفياً بمنع
التعاهد معهم واضح الدلالة على
ماتحمله التوراة الموضوعة من
آثار العصر القبلي ، حيث لكل
قبيلة إله تعبده ، فيرعاها . عكس هذا تماماً ماجاءت به المسيحية . لقد
جاءت المسيحية تقدم إلى الناس
علاقة انتماء إلى " ملكوت
الله " بديلاً عن علاقات
الانتماء العرقية والاقتصادية .
هذا هو جوهر الديانة المسيحية .
أخوة البشر جميعاً في الله
ودعوتهم إلى أن يتحرروا من
علاقات الانتماء القبلية
والاقتصادية لينتموا إلى ملكوت
الله . أما عن الانتماء
الاقتصادي ( الملكية ) التي تميز
الناس بعضهم عن بعض ، فقد أدانها
السيد المسيح ادانة حاسمة . "
وفيما هو خارج إلى الطريق ، ركض
واحد وجثا له وسأله : ايها
المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث
الحياة الأبدية ؟ فقال له يسوع :
لماذا تدعوني صالحاً . ليس أحد
صالحاً إلا واحد وهو الله . أنت
تعرف الوصايا : لاتزن ، لاتقتل،
لاتسرق ، لاتشهد بالزور ، أكرم
أباك وأمك . فأجاب وقال له :
يامعلم هذه كلها حفظتها منذ
حداثتي . فنظر إليه يسوع وأحبَه
وقال له : يعوزك شيء واحد اذهب
وبع كل مالك وأعط الفقراء فيكون
لك كنز في السماء وتعال اتبعني
حاملاً الصليب . فاغتم على القول
ومضى حزيناً لأنه كان ذا أموال
كثيرة . فنظر يسوع حوله وقال
لتلاميذه ماأعسر دخول ذوي
الأموال إلى ملكوت الله . فتحير
التلاميذ من كلامه . فأجاب يسوع
أيضاً وقال لهم : يابنيَ ،
ماأعسر دخول المتكلين على
الأموال الى ملكوت الله "
انجيل مرقص . اصحاح 10 آية 17-25 ) .
بقي الانتماء الأسري أو
العشائري أو القبلي القائم على
قرابة الدم . ولقد أنكر المسيح
تقديمه أو مساواته بالأخوة في
الدين . " وفيما هو يكلم
الجموع أذا أمه واخوته قد وقفوا
خارجين طالبين أن يكلموه . فقال
له واحد هوذا امك وأخوتك واقفون
خارجاً طالبين أن يكلموك فأجاب
وقال للقائل له : من هي أمي ومن
هم أخوتي . ثم مد يده نحو تلاميذه
وقال هاأمي واخوتي . لأن من يصنع
مشيئة أبي الذي في السموات هو
أخي وأختي وأمي " ( انجيل متى ،
اصحاح 12 آية 46-50) - أما عن البشرى بالاسلام فقد التمسها
البعض في كلمة " الانجيل "
حيث تعني في أصلها اللغوي "البشرى
" . وقيل إنما جاءت فيما رواه
يوحنا في انجيله من أن المسيح قد
قال : "ومتى جاء المعَزي الذي
سأرسله انا اليكم من الأب روح
الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو
يشهد لي " (الاصحاح 15 آية 26 ) .
ولسنا نرى في أي القولين مايدل
على البشرى بالاسلام على وجه
التحديد . ولعل الصعوبة في
الاهتداء إلى البشرى من أقوال
عيسى عليه السلام ماغلب على تلك
الاقوال من الصيغ الرمزية ، وما
قد يكون شاب النقل عنه في
الانجيل من قصور . على أي حال
فإنَا نعتقد أن أول عناصر
البشرى قد جاء في الَزبور (
الكتاب الذي أنزل على داوود ) .
ففيه يقول: " الحجر الذي رفضه
البناءون قد صار رأس الزاوية
" (المزمور118 ). ولقد كان بنو
اسرائيل يعرفون في ذلك الوقت أن
جدهم ابراهيم كان قد بنى الكعبة
للمرة الرابعة ومعه اسماعيل
ولده من هاجر ، وفي الكعبة يقوم
الحجر الأسود رأساً للزاوية .
ولم ينل ذلك مما كان بنو اسرائيل
يتباهون به من أن كل الانبياء
والرسل منهم واليهم فقال متَى
في انجيله : " قال لهم يسوع أما
قرأتم قطَ في الكتب . الحجر الذي
رفضه البناءون هو قد صار رأس
الزاوية . من قبل الرب كان هذا
وهو عجيب في أعيننا . لذلك أقول
لكم إن ملكوت الله ينزع منكم
ويعطى لأمة تعمل أثماره " (
الاصحاح 21 آية 42، 43 ،44 ) . فدَل كل
هذا على أن ملكوت الله ( الدين )
سينتقل إلى الأمة القائمة عند
الكعبة حيث الحجر رأس الزاوية .
وذلك ماعرفته جماعة من المطلعين
على الكتب المقدسة مثل عبيد
الله بن جحش ، وعثمان بن الحويرث
، وزيد بن عمرو بن نفيل .. وورقة
بن نوفل فتوقعوا الرسالة
الجديدة حيث جاءت ، وصدقها ورقة
بن نوفل ابن عم خديجة زوج الرسول
بمجرد أن أخبرته بأول الوحي . على أي حال ، تلك كانت الطفرة في المضمون
من دين المجتمعات القبلية إلى
دين الانسانية تأكيداً لما قلنا
من قبل عن اتساق تطور الدين مع
تطور المجتمعات في التكوين من
الاسرة إلى العشيرة إلى القبيلة
إلى الشعب . بهذا تم التمهيد
ليجيء رسول من غير بني اسرائيل
يحمل رسالة إلى الناس جميعاً ،
فيكون لها شأن ، وأي شأن ،
بالأمة العربية . - ثم جاء الاسلام ليتوحد الدين ويكتمل . (
هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين
الحق ليظهره على الدين كله) {
الفتح :28 } . (ألا لله الدين
الخالص ){ الزمر : 3 }. جاء شاملاً
في المضمون ماجاءت به الاديان
السابقة مما يتسق مع كونه آخر
الرسالات . فهو الدين منذ
إبراهيم حتى محمد . ( قل إنني
هداني ربي إلى صراط مستقيم
ديناً قيماً ملَة ابراهيم ) {
الأنعام : 161 } . ( وانزلنا إليك
الكتاب بالحق مصدقاً لما بين
يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ) {
المائدة : 48 } . ولقد كان المضمون المشترك في كل الأديان
السماوية هو التوحيد ، فجاءت
أرقى وأكمل صيغة للتوحيد في
سورة الاخلاص ( قل هو الله أحد .
الله الصمد لم يلد ولم يولد . ولم
يكن له كفواً أحد ) . ثم أضافت
التوراة إلى التوحيد الوصايا
العشر . تبدأ " إني أنا الباقي
إلهكم الذي أخرجكم من مصر منزل
عبودتكم فلا تتخذوا آلهةً غيري
" ثم لاتشرك بي شيئاً . لاتعمل
في اليوم السابع . أكرم اباك
وأمك … لاتقتل . لاتزن . لاتسرق .
لاتشهد على قريبك شهادة زور .
لاتسلب مال قريبك . لاتشته زوجة
قريبك ( سفر الخروج . اصحاح 20
الآيات : 2- 17) . انها الوصايا إلى
المجتمع القبلي تحمل بصماته حين
يقتصر التحريم على مايضير
الأقارب وحين يقتصر العمل على
ستة أيام وهو تقليد قبلي سابق
على رسالة موسى . فجاء المسيح عليه السلام لينزع عن تلك
الوصايا لباسها القبلي ويحيلها
إلى مواقف " روحية " مجردة
من كل مايتصل بظروف الحياة على
الأرض . حولها إلى مثل عليا من
القيم الانسانية غير متوقفة على
ظروف الانسان . قال : " قد
سمعتم أنه قيل للقدماء لاتقتل .
ومن قتل يكون مستوجب الحكم .
وأمَا أنا فأقول لكم إن كل من
يغضب على أخيه باطلاً يكون
مستوجب الحكم " …. " قد
سمعتم إنه قيل للقدماء لاتزن ،
وأما أنا فأقول لكم إن كل من
ينظر إلى إمرأة ليشتهيها فقد
زنى بها في قلبه . فإن كانت عينك
اليمنى تعثرك فاقلعها وألقها
عنك " …. " أيضاً سمعتم أنه
قيل للقدماء لاتحنث بل أوف للرب
أقسامك . وأما أنا فأقول لكم
لاتحلفوا البتة " …. "
سمعتم أنه قيل عين بعين وسن بسن .
وأما أنافأقول لكم لاتقاوموا
الشر . بل من لطمك على خدك الأيمن
فحول له الآخر أيضاً " …. "
سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض
عدوك . وأما أنا فأقول لكم أحبوا
أعداءكم . باركوا لاعنيكم " …
الخ .( انجيل متى . اصحاح 5 آية :
21-48 ) . في الآية الأخيرة من
الاصحاح يحدد المسيح عليه
السلام غاية الوصايا بأنها
الكمال الالهي . " فكونوا أنتم
كاملين كما أن أباكم الذي في
السموات هو كامل " . جاءت الوصايا العشر هذه في القرآن نظاماً
للتعامل بين الناس في حياة
إنسانية واقعية . لاقبلية ولا
تجريدية. جاءت متتابعة في ثلاث
آيات من سورة الأنعام : ( قل
تعالوا أتل ماحرَم ربكم ،عليكم (
1 ) ألا تشركوا به شيئاً (2)
وبالوالدين إحساناً ( 3 )
ولاتقتلوا أولادكم من إملاق نحن
نرزقكم وإياهم (4) ولا تقربوا
الفواحش ماظهر منها وما بطن ( 5 )
ولاتقتلوا النفس التي حرَم الله
إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم
تعقلون ( 6) ولاتقربوا مال اليتيم
إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ
أشَده ( 7 ) وأوفوا الكيل
والميزان بالقسط ، لانكلف نفساً
إلا وسعها (8 ( وإذا قلتم فاعدلوا
ولو كان ذا قربى ( 9) وبعهد الله
أوفوا ، ذلكم وصاكم به لعلَكم
تذكَرون (10) وأن هذا صراطي
مستقيماً فاتبعوه ولاتتبعوا
السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم
وصاكم به لعلكم تتقون(11) الآيات :
( 151،152،153). وكان لابد - لكي
يكتمل الدين انتماء كما اكتمل
مضموناً - من أن يكون الاسلام
رسالة إلى الناس كافة ومفتوحاً
لانتماء الناس جميعاً بصرف
النظر عن انتماءاتهم الاسرية أو
العشائرية أو القبلية أو
الشعوبية أو القومية . وقد كان . (
قل ياأيها الناس اني رسول الله
اليكم جميعاً ) { الأعراف : 158 } . (
وما ارسلناك إلا كافة للناس ) {
سبأ : 28 } . هذا هو الجديد على
الانسانية مما جاء به الاسلام .
ليس دقيقاً فيما نرى _ مايقال من
أن الاسلام متميز عن غيره من
الاديان بالتوحيد . فقد علَمنا
القرآن أن كل الرسل والانبياء
كانوا يدعون أقوامهم إلى عبادة
الله وحده وينفون الشرك في كل
مظاهره الفكرية والوثنية ، كما
أن قواعد التعامل فيمابين
المؤمنين كما جاءت في القرآن لم
تكن جديدة على الأديان وإن كانت
أكثر اكتمالاً . إنما الذي يميز
الاسلام حقاً هو ما حقق به آخر
وأرقى مراحل تطور علاقة
الانتماء الديني . وحدة البشر في
الدين في كل مكان وفي كل زمان
لتتسق مرة واحدة وإلى الأبد ،
وحدة الدين مع وحدة الكون مع
وحدة البشر . وليس أبلغ ولا أروع
من التدليل على لزوم هذا
الاتساق لصالح البشر ، وعلى أنه
مناط الصلاح في الكون ، من أن
الله يتخذه حجة ً على وحدانيته (
لو كان فيهما آلهة إلآ الله
لفسدتا ) { الانبياء : 22 } . ========================= ميخائيل نعيمة أخي ! إنْ ضَجَّ بعدَ الحربِ غَرْبِيٌّ
بأعمالِهْ وقَدَّسَ ذِكْرَ مَنْ ماتوا وعَظَّمَ
بَطْشَ أبطالِهْ فلا تهزجْ لمن سادوا ولا تشمتْ بِمَنْ
دَانَا بل اركعْ صامتاً مثلي بقلبٍ خاشِعٍ دامٍ لنبكي حَظَّ موتانا *** أخي ! إنْ عادَ بعدَ الحربِ جُنديٌّ
لأوطانِهْ وألقى جسمَهُ المنهوكَ في أحضانِ
خِلاّنِهْ فلا تطلبْ إذا ما عُدْتَ للأوطانِ
خلاّنَا لأنَّ الجوعَ لم يتركْ لنا صَحْبَاً
نناجيهم سوى أشْبَاح مَوْتَانا *** أخي ! إنْ عادَ يحرث أرضَهُ الفَلاّحُ أو
يزرَعْ ويبني بعدَ طُولِ الهَجْرِ كُوخَاً
هَدَّهُ المِدْفَعْ فقد جَفَّتْ سَوَاقِينا وَهَدَّ الذّلُّ
مَأْوَانا ولم يتركْ لنا الأعداءُ غَرْسَاً في
أراضِينا سوى أجْيَاف مَوْتَانا *** أخي ! قد تَمَّ ما لو لم نَشَأْهُ نَحْنُ
مَا تَمَّا وقد عَمَّ البلاءُ ولو أَرَدْنَا نَحْنُ
مَا عَمَّا فلا تندبْ فأُذْن الغير ِ لا تُصْغِي
لِشَكْوَانَا بل اتبعني لنحفر خندقاً بالرفْشِ
والمِعْوَل نواري فيه مَوْتَانَا *** أخي ! مَنْ نحنُ ؟ لا وَطَنٌ ولا أَهْلٌ
ولا جَارُ إذا نِمْنَا ، إذا قُمْنَا رِدَانَا
الخِزْيُ والعَارُ لقد خَمَّتْ بنا الدنيا كما خَمَّتْ
بِمَوْتَانَا فهات الرّفْشَ وأتبعني لنحفر خندقاً آخَر نواري فيه اخي انا ------------------------ المقالات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |