ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد  12/04/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


'أندلسيات لجرح العراق' لبشرى البستاني:

 فضائح الاحتلال شعراً

وليد مال الله

بغداد صدر حديثا عن دار ميلن برس الأميركية كتاب جديد باللغة الانكليزية تحت عنوان

'شعر معاصر من العراق لبشرى البستاني' ترجمة الأكاديميتين المختصتين بالأدب الانكليزي والترجمة وفاء عبد اللطيف وسناء ظاهر.

والكتاب الذي يقع في 120 صفحة، هو ترجمة متقابلة لقصيدة الشاعرة العراقية بشرى البستاني 'أندلسيات لجروح العراق'، وهي ملحمة من ثلاثين مقطعا عن الأسابيع الأربعة التي جرت فيها كارثة الاحتلال الأميركي للعراق وحتى احتلال بغداد وما صاحب ذلك العدوان من ظلم وهمجية.

وتسرد القصيدة تداعيات الغزو وتفضح التصرفات الوحشية لجنود الاحتلال وأفعالهم البشع.

وفي المقدمة المطولة التي تقع في ثلاث وعشرين صفحة، تقدم المترجمتان الشاعرة بشرى البستاني وتضعانها في سياقها التاريخي والأدبي وتعرفان القارئ الانكليزي بها وبالبنية الفنية لشعرها الذي اتسم بالثراء والتنوع بدءا من القصيدة المركزة فالدارجة الطول فالقصيدة الطويلة حتى وصل بناؤها إلى النص كاملا.

ويؤكد ذلك على قدرة الشاعرة على اللعب بأدواتها الفنية وتوجيهها الوجهة التي ارتأتها فضلا عن تمكنها من التحول الأدائي من قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر بالرغم من كونها شاعرة إيقاعية بامتياز مما يشير إلى قدرة على التحول والضبط معا، كما أن الترجمة تحتوي على هوامش ضرورية لفهم مغاليق القصيدة وإشاراتها الثرية ولا سيما تلك الإشارات الآتية من الماضي التراثي للعراق والتاريخ العربي الإسلامي وربطها بالأحداث التي وقعت.

وكانت الشاعرة الدكتورة بشرى البستاني والمؤلفة الدكتورة وفاء عبد اللطيف شاهدتي عيان لها. كما وتشرح المترجمتان عبد اللطيف وظاهر ملابسات احتلال بغداد ومعركة المطار الباسلة التي تشير لها الشاعرة بين طيات رموز القصيدة التي تهيمن على أجوائها روح الأسى والمفارقات الأليمة والعجيبة التي اقترفتها دولة التحضر المزعوم في عصر الحريات والديمقراطية الكاذبة حيث تقتل الطفولة البريئة وتقتحم المستشفيات وتحرق المكتبات وتسرق وتنهب المؤسسات العامة وتستباح كنوز حضارة عريقة قدمت للإنسانية الكثير عبر تواصل وخصب وتجدد قل نظيره في الحضارات. وهي حضارة وادي الرافدين :

والثور الأشوريُّ الباسم مرتعبٌ.. غادر مرتبكاً وبكى

في أرجاء المتحف والمنعطفات

كانت قيثاراتْ...

سومرَ تعزف لحن الحزنْ...

ويتمكن السرد من الانضواء بطواعية في خلايا الشعرية التي لم تسلم نفسها لليأس بالرغم من فداحة الجرح الذي كان يحتضن عروس الشرق وربيع الكون بغداد ثم ينزف بها ومعها.

لقد قدمت المترجمتان القصيدة على أنها بانوراما لتاريخ العراق القديم والحديث وللتراث العربي والإسلامي عبر مده الحضاري الزاهر وما خسرته الإنسانية بانسحاب تلك الحضارة من دائرة الفعل.

كما قدمت الأندلسيات عبر تناصات بالغة الحركية إبداع العراق الشعري القديم والحديث عبر شعرائه العظام، المتنبي وأبي تمام والسياب، قدمتهم ثائرين محتجين على ما يجري كل ذلك تم عبر الإشارات والرموز التي امتدت إلى عمق التاريخ:

غرناطة تعدو في قمصان الليل ِ

يلاحقها الذئب التتري

تصل البصرة يوقفها الأميركيّ على السلك الشائك ِ

تزحف في ذي قارْ

بين جذور النخل الممتدة من أوتار الحزنِ

بسومرَ حتى قلب النارْ

وعراقُ الأروقة الجذلى ينزف في الأغلالْ...

حقل الزيتون الغارقُ في قطرة دمعْ

يتحداهم في القمر الطالع خلف الدارِ

جنائن بابل َظمأى يرتعش الصمت ُعلى شفتيها

وعلى كتفيها يذوي الوردْ.

فكم هو حجم الدمعة التي أغرقت حقل الزيتون رمز السلام وخضرة الخصب الدائم ،لكن الحقل يظل بالرغم من غرقه قادرا على التحدي مما يؤكد استعار روح المقاومة منذ أيام الاحتلال الأولى فبالرغم من كون الدمعة اكبر حجما من العراق إلا أن القمر طالع خلف الدار ما عليه إلا أن ينعطف ليغمرها بالنور،.

وهكذا ككل شعر إنساني عظيم لا يسلم شعر بشرى البستاني قارئه لليأس في المحن بل يكتب حزنه مدججا بالحلم وعوامل التواصل معا في إشارات خصب واضحة الدلالة وفي صميم المحنة لتبقى الحياة متوهجة رغم أعدائها:

تنشق الأرض عن الشارة

تعطيني وهج الزنبق في عز الظهرِ

وأعطيها قمري

يتلألأ فوق غلائل عمري

دمك الياقوتيّ..

أكفك كانت عبر هدير الدبابات

تلامسُ خصري.

وتحضر الطفولة حضورا لافتا في القصيدة، تحضر متسائلةً حركيةً شاهدةً ومستشهدة وليست طفولة سكونية، كما تحضر الدولة الأموية والعباسية والأندلس وموشحاتها التي كانت فنا للفرح فصارت بالاحتلال ترنيمة وجع لا يهدأ، وتحضر فلسطين وجرنيكا بيكاسو التي شكلت كهذا النص أحزان الإنسان.

 

ويشير النص والمترجمتان إلى سرقة المتاحف العراقية من قبل جنود الاحتلال وحرق الجامعات والمكتبات وكل ما ينبض بالحياة والثقافة العراقية والعربية الإسلامية.

كما احتوى الكتاب على مصادر ثرة عن تاريخ العراق والفتوحات الإسلامية والشعر العربي القديم والحديث ودراسات أخرى عن الاحتلال الأميركي.

إن الكتاب وثيقة أدبية فنية تاريخية ستبقى مفتوحة للدراسة والتحليل وعلى مختلف القراءات. هذا وقد حازت الترجمة على تقييم ممتاز من المقيم والخبير المختص لدار النشر الأميركية والذي أُرسل إلى المترجمتين رسالة قال فيها 'إن نص بشرى البستاني 'أندلسيات لجروح العراق' من روائع الأدب العربي الحديث، أما الترجمة فهي فعلاً من روائع الأدب الانكليزي'.

وأضاف قائلاً 'إن المترجمين كما يقول المثل الايطالي 'خونة' لكني أقول 'إلا وفاء عبد اللطيف وسناء ظاهر' فقد أضافتا انجازاً سيظل خالداً في ميدان صناعة الترجمة الأمينة والشعر الحديث.

وقال أيضاً 'أني أرى الكتابَ انجازاً رائعاً مع ندرة ترجمة الشعر العربي وخاصةً الحديث منهُ فلا نكادُ نرى مثل هذا العمل متاحاً للقارئ الانكليزي وخاصةً الأميركي الذي لا يعرف إلا القليل عما حصل و يحصل في العراق من تجريح وتعذيب للأبرياء والمرضى والعلم ومؤسساته ولتاريخ الحضارات بسرقة الآثار والمنحوتات ومن انتهاكات فاضحة للإنسان والإنسانية'.

أما التوطئة للكتاب فقد كتبتها الشاعرة الأميركية-الفلسطينية ديما شهابي والتي تقولُ فيها 'ان هذهِ الرائعة الشعرية تجول بُنا عميقاً في جراح وطن بشرى البستاني المثخنة، نحو تاريخِ أهلنا في العراق وأساطيره وإرثه الأصيل الخالد الذي تنقلُهُ المؤلفتان بلغة رائعة وثرية تسهل على الفهم من قبل القارئ الانكليزي'.

وتضيف شهابي 'إنهُ جهد صادق و ثمين نابع من حبهما الذي ينطلق إلى روح العراق أرضاً وشعباً وتاريخاً'.

وتسردُ الشاعرة حدثاً فعلياً من جرائم الاحتلال:

الجندي الأميركي

يطلقُ ناراً فوق جبين صبي

منتفخ الصدر

سقطَ الطفلُ ببركةِ دم

إذ فكوا صدرَهُ

كانت أرغفةُ الخبزْ

تنزفُ تحتَ قميصِهِ

لكن الطفل لا يركن للصمت بل يظل يتساءل تساؤل الرافض وسط حالة لا إنسانية يدعي صانعوها زورا أنهم حماة الإنسانية:

أصحو في الفجر على صوت الاطلاقات

ألمّ شظايا العتمة فوق سريري

يتساءل طفل في شرفة قلبي

عما يفعله الأميركيُّ على البوابات.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها


السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ