ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 29/08/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


النقد القديم : ما له وما عليه

د. رمضان عمر

عاش النقد العربي القديم ردحا من الزمن،يتفيأ ظلال محاولات  انطباعية ذوقية، من خلال مواكبة سريعة للبيت والبيتين، تستحضر تعليقا مثاليا من مثل قولهم:والله لولا أن ابا بصير انشدني انفا لقلت انك اشعر من في السوق.او قول بعضهم هذا اجمل بيت قالته العرب ،او أمدح بيت أو اغزل بيت ، وجملة ما  اتسم به  هذا المنهج  -  ان  صح لنا ان نطلق  عليه هذه  التسمية -  هو اللياقة العرفية.ونعني  باللياقة هنا هو هذا الذوق  الفطري  المتمثل  في  طبيعة  فهم  العرب  للغتهم بالسليقة ،  ومثال  ذلك  ما روي أن امرؤ القيس كان جالساً بخبائه، وعنده زوجه (أم جندب) الطائية، فجاءه علقمة  بن عبدة التميمي، وتذاكرا أمر الشعر، وادعى كل منهما لنفسه فيه ما ليس عند صاحبه، فاتفقا على أن ينشدا، وتحكم بينهما (أم جندب) فقال امرؤ القيس قصيدته التي مطلعها:

خليلي مرا  بي على أم  جندب       نقضي لبانات الفؤاد المعذب

ومنها في وصف جواده:

فللسوط  ألهوب  وللساق  درة    وللزجر منه وقع أفرج منعب [49]

وقال علقمة يعارضه:

ذهبت من الهجران  في  كل مذهب   ولم يك حقاً كل هذا التجنب

ووصف فيها جواده فقال:

فأدركهن  ثانياً  من  عنانه    يمر كمر الرائح المتحلب [50]

فلما فرغا قضت (أم جندب) لعلقمة على امرىء القيس، فسألها:" بم فضلته علي؟" فقالت: "فرس ابن عبدة أجود من فرسك، فأنت زجرت وحركت ساقيك، وضربت بسوطك، أما علقمة فأدرك بفرسه غرضه، ثانياً من عنانه، لم يضربه بسوط ولم يجهده  ".

 

 بذور غير ناضجة

وعلى الرغم من هذه الانطباعية المثالية لا نعدم وجود منهجية قياسية متواضعة حكمت أمزجة القوم، وشكلت بذورا بنى عليها المتاخرون أحكامهم؛ فعمر بن الخطاب يفضل زهيرا على غيره من الجاهليين لعلة أخلاقية، جعلت ابن طباطبا العلوي- في القرن الرابع  يعالجها ضمن موضوع الصدق والكذب، والنابغة تناول بيت حسان:

لنا الجفنات البيض يلمعن في الضحى  وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

فكان الغلو واحدا من مفردات الدرس النقدي عند ناقد منطقي- متاخر نسبيا- وهو قدامة .

 

النقد في  خدمة النص  الديني 

بيد ان الملاحظ في ذلك الجهد النقدي المتمثل في قرونه الخمسة الأولى خصوصا، ميله الشديد لخدمة النص الديني، من حيث اهتمامه باللفظ والمعنى، وتحرزه من المولد والحديث ،بل لقد كانت هذه الغاية واحدة من أهم القضايا التي ولدت المعارك الكبيرة بين القدماء والمحدثين، تلك المعركة التي مثلت في جانب من جوانبها الحرب الثقافية اللغوية بين العربية والفارسية.

ولو تتبعنا قضايا النقد في تلك المرحلة، ومنطق العلماء في تناولها لوجدنا ان كثيراً من منطلقاتهم كانت دفاعية ضد الشعوبية.فهذا ابن الاعرابي استاذ الصولي يرفض ان يقرا لابي تمام؛ لانه هجن المعاني وجاء بغير ما كانت عليه العرب، ومثله فعل ابو عمرو ابن العلاء.

بل ان الآمدي وظف عمود الشعر - وهو قياس يستند في مجمله الى الذوق العربي القديم  القديم في بناء القصيد- لينتصر لشاعر الطبع البحتري، وينال من شاعر الصنعة والفلسفة، وصاحب المعاني ابي تمام، ولعل هذه السلفية النقدية التي وجدناها عند الامدي ومن قبله ابن قتيبة وابن طباطبا؛ هي التي حفظت للقصيدة العربية تقاليدها الصارمة؛ فكان الاتباع أفضل من الخروج والابتكار الا ما استند الى رؤية القوم في بناء الشعر كما في عموده.

ولو اننا تتبعنا تلك المعارك النقدية وما كان يدور فيها من جدل حول اللفظ والمعنى لوجدنا انها كانت تصب في نهر واحد ، نهر الحفاظ على لغة القران ، وهنا يكمن السر في قلة تاثر العرب باليونانية، وغيرها رغم وجود حركة ترجمة لا باس بها . هذا من نحو. من نحو اخر فقد أفضت تلك المعارك إلى بروز فكرة الاعجاز ، وهي رد صريح على فكرة الصرفة، فالإعجاز واقع في النظم أي في الصياغة، وهو عند الجاحظ اعجاز لفظي؛ وهذا واضح من خلال تعريفه لحد الشعر:"الشعر صياغة وضرب من التصوير"؛ لان المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العربي والعجمي ،وفي   هذا الفصل الاخير من عبارة الجاحظ ما يكشف عن هدف دفاعي اصيل عن لغة القران ضد الشعوبية.

اما عبد القاهر فقد خالف الجاحظ ووسع من مفهوم هذه الجدلية ليصل بها غايتها التي  لا كلام بعدها بعد  ان استبدل ذلك بالحديث  عن النظم  ؛ ليتحدث عن التركيب ،من خلال بناء الجملة، معطيا المعنى قيمة واسبقية ، لكن اللفظ من خلال موافقته للمعنى ووقوعه الموقع الحسن في سياق النظم الذي يجعل الكلام بليغا،هو الذي  يتمم مفهوم الفصاحة  ويحدد  معالمها.

من خلال هذه النظرية، استطاع عبدالقاهر ان يجيب عن سؤال لطالما دار حوله العلماء، عند تناول النص القراني الفريد في شيء من التحليل البياني، مبينا ان موطن الاستعلاء في النص القراني يكمن في تلك السمة الجمالية التي لا تقع الا من خلال النظم.

 

الإعجاز وأثره في النقد القديم

هذه النظرية اغلقت الى حد ما الاجتهادات المتوقعة في قضايا كان يمكن ان يفتحها الدرس النقدي عند الحديث مثلا عن الجنس الادبي  ، او  عند تناول الناقد   للنص القراني .ذلك ان النقد الادبي وفقا لهذا التصور البياني اصبح مفردة بلاغية تبحث عن جماليات التعبير ،  بعيدا عن فضاءات النص  المشكلة لتكمالية الابداع  . 

فقد تحددت معالم الشعر، وفق  لهذا المنطق  البلاغي،  واضحى اللفظ   أو الشكل  اساس  التركيب  الجمالي في  بناء القصيدة ، وبينت مقاييس البلاغة واضحى النقد الأدبي رافدا من روافدها -أي البلاغة- إن لم يكن هي، فمدار النقد القديم، لم يكد يغادر تينك القضيتين: اللفظ والمعنى ، ليشكل من هذه الثنائية نمطا قياسيا ملزما في اكثر الاحيان، حماية للغة القران ، وردفا لها ، خصوصا أن العلماء الاوائل الذين أسسوا لهذا المنهج النقدي إنما انطلقوا من استحضار الشاهد، لتوظيفه في النحو أوفي العلوم القرانية، في اغلب الأحيان .

اذا  فقد نشأ النقد القديم   في ظلال علوم البلاغة  والنحو،  التي  نشات -أصلا -خدمة للنص القراني،  لا سيما علم البيان، الذي كان مقصورا على الأدب والشعر،ثم وظف  توظيفا واسعا عند عبدالقاهر  لدراسة  نظرية الاعجاز ، وايضا، فقد لازمت قضايا : الاخلاق   والصدق  جانبا كبيرا  من جوانب العملية النقدية ،كأحد تجليات الموقف الديني، لكنه لم يذكر أن هذا الموقف الأخلاقي المثالي أفسد الكثير من شعر القدماء أما الصراع الذي دار في حقل النقد بين القدماء والمحدثين ، فقد مثل  جانبا من المزاجية العربية في النقد؛  تمثلت في السلفية النقدية  عند  النقاد الاعلام  كما ورد في   العديد من الكتب المهمة مثل: طبقات الشعراء لابن المعتز، والشعر  والشعراء  لابن قتيبة والبديع لابن المعتز والموازنة بين الطائيين للآمدي، والوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي الجرجاني، تم تتويجه بمجيء الإمام عبد القاهر الجرجاني في القرن الخامس.

 

ما تناوله القدماء وما لم يتناولوه

من السهل جدا حصر قضايا النقد الادبي القديم ، فمهما يكن من امر الخلافات بين النقاد في تلك القضايا؛ فان الخلافات غالبا ما كانت تراوح مكانها ، فبعضهم انتصر للفظ وبعضهم للمعنى ، وبعضهم رأى ان الشاعر المجيد هو الشاعر المطبوع، بينما رأى اخرون أن التكلف والصنعة من متطلبات الصياغة ، وتناولوا السرقات انتصارا وذما بيد انهم اخفقوا في تطوير هذه القضايا لتصل الى مستويات جديدة وتشكل مدرسة نقدية كما نجد في زماننا لدى الغرب، فالامدي والجرجاني والمرزوقي -على سبيل المثال-  داروا في فلك عمود الشعر مكررين منطق القدما في الحديث عن قضايا اللفظ والمعنى والوزن والقافية والتشبيه ...الخ وظل النقد يدور في اطارت عامة كالمفاضلة بين النثر والشعر او الحديث عن المطبوع والمصنوع او الموازنة بين شاعرين او اكثر او تناول قضتايا شكلية في طبيعة العمل الفني دون الوصول الى نتائج جديدة ويكفي ان نشير الى قضية السرقات وما اثرته من جدلية حول كل من ابي تمام والبحتري والمتنبي وينشغل بها نقاد كبار مثل الحاتمي والجرجاني والامدي دون ان يصلوا الى نتائج مقنعة او نظرية فنية ابداعية في هذا المجال ولنا ان نقول  مثل هذا في باقي الثنائيات  ك كاللفظ  والمعنى  والصدق  والكذب  ،  والطبع  والتكلف  .

قضية اخرى يمكن  تسجيلها على النشاط النقدي  في القرون الخمسة الاولى  ،  تتمثل  في  اعتماد النقد على التنظير والهرب من مواجهة النص مواجهة حوارية تطبيقية، وإذا حدث وعثرنا على دراسات تطبيقية،

كما  عند الامدي  والجرجاني  ؛ فإن معظمها قائم على الانطباع والارتجال والذاكرة. ومحاولة الانتصار  للذوق  لا للمنهج ، إن النقد لا ينمو أو يتطور إلا عبر حواره المباشر مع النص الإبداعي ضمن معطيات معينة، وحين لا يفعل ذلك يصاب بالتقصير. 

 

المحدثون وقضايا النقد القديم

من المهم ان ندرك ان النقد القديم كان مواكبا للابداع القديم مستجيبا بشكل من الاشكال لطبيعة القصيدة العربية ؛ ومن هنا فأن مصطلحات النقد الحديثة قد لا تناسب واقع القصيدة القديمة غير انها قد تفتح أفاقا لاسئلة وجدليات من نحو : هل يمكن الاستفادة من النقد القديم وبث الروح فيه ؟أم ان النقد الحديث بضاعة اجنبية لا تصلح لمعالجات النصوص التراثية وذا كانت الاغراض الشعرية قد فرضت نفسها على طبيعة النقد القديم فلم لم يحاول النقد القديم ان يجيب على اسئلة طرحها النقد الحديث من مثل غياب الشعر الملحمي والمسرحي ...الخ ام ان الاسقاط الزمني والمحاكمة بلغة العصر ، ومحاولة تطويع النصوص القديم للمناهج الحديثة عنوة ، تجنن قبيح ، واغفال لاعتبارات ضرورية كالذوق اللغوي والتاريخي وظروف الزمان والمكان الذي قيل فيها النص .

 

اذا السؤال الجدلي هو

هل يمكن الانطلاق من تلك الاسس القديمة لبناء تصور نقدي حداثي ليواكب حركة الابداع دون ان يغرق في بحر التبعية للنقد الغربي ؟

او بمعنى اخر هل يمكن انشاء نوع من المزاوجة بين النقد القديم والمناهج النقدية الحديثة بحيث ننطلق من الجذور ونستفيد من تقنيات العصر .

نقول : مع  ان  المجال  كان مفتوحا  امام المحدثين ليتجاوزوا  هذه  القضايا الا  ان  التبعية العمياء للمحدثين في  تبني  مناخج  نقدية حديثة كالبنيوية ،  والاسلوبية وغيرهما ،  دون  اخضاعها للذوق  العربي الاصيل  لا يعد  اصلاحا اوحلا بل تغريبا وتعقيدة ، فنحن نرى ان  النقد القديم ربما شكل  اساس  لا بد  منه  لتشكيل  نظرية نقدية متكاملة تناسب  طبيعة الذوق  العربي  ،  من خلال  الخروج  من قمقم  الجدليات الثنئية الى حقل  التحليل  النقدي  المواكب  لحركة التطور  والابداع وفق  مقايس  نقدية اكثر رحابة وعمقا ولصوقا بجمالية النص  . ويمكن القول أن النقد العربي الحديث ظلم الشعر العربي القديم؛ لأنه لم يكشف عن الجوانب الفنية والجمالية المختبئة فيه- كما ينبغي- التي كانت سبباً رئيساً في حضوره القوي وتأثيره الفعال، واستمراره

لقد انصرف معظم النقد الحديث في تناوله للنصوص الشعرية القديمة إمّا إلى اتباع المنهج التاريخي الوصفي الذي يكتفي برصد محتويات الظاهرة الشعرية من الخارج، وإمّا إلى إخضاع هذا الشعر إلى مناهج ذات اتجاهٍ واحدٍ مثل: المنهج النفسي، والأسطوري، والبلاغي، والبنيوي، بل  احيانا كان يكرر اخطاء  القدماء  حين   تعامل مع النصوص القديمة على أنها شكل ومحتوى منفصلين بعضهما عن البعض الآخر، فقد كان يتحدث عن المحتوى في مكان، ويتحدث عن الشكل في مكان آخر.

ومعروف أن جمال الشيء- بما في ذلك الفن والأدب- لا يبدو واضحاً إلا عبر تكامله وتفاعل أجزاءه. ويكمن تأثير الشعر القديم وجماله، أو أي شكل من أشكال الشعر في تكامله. فنحن حين نصغي إلى قصيدة فضيلة لا نصغي إلى محتواها وحده، أو شكلها وحده وإنما عبر تفاعل الاثنين معاً.

وغابت عن النقد الحديث الدراسات النصية للشعر القديم، إلى جانب أنه- أي النقد- لم يفد في دراسته للشعر القديم من معطيات العلوم الإنسانية، وبخاصة علم الجمال.

ما نود تأكيده هنا أن معظم النقد الحديث كان يتناول النصوص القديمة إما بأدوات القدماء التي لم يتجاوز زمنها القرن الرابع الهجري؛ أي أنهم درسوا ذلك الشعر بأدوات نقّاده. وإما بأدوات غير عربية لا تنسجم وخصوصية هذا الشعر كتطبيق المناهج النفسية والأسطورية والبنيوية، ومن ثم التفكيكية بطريقة تعسفية.

اذا  نحن بحاجة الى دراسات نقدية توفيقية ابداعية تتخذ  من القديم متكأ  ،  ومن الحديث  منهاجا  ، لتصل  الى رؤية ابداعية تنسجم مع  طبيعة هذا الشعر  وتخرجه  من اتون غربته ،  وتمسح  عنه  ما تراكم عليه  من غبار  تكدس  عبر  قرون ن دون أن تذهب  بعبقه ، أو  تغفل عن قيمته التراثية الأصيلة.

وهنا لا بد ان نشير الى بعض المحاولات النقدية الحديثة التي انطلقت من مقولات شائعة قديمة وظهرت في زماننا على شكل نظريات اسلوبية أو وظفت من خلال علم اللسانيات الحديث لتتماهى من رؤى عبد القادر الجرجاني في النظم وغيره وهذا دليل كاف على امكانية تطوير هذا المنهج النقدي المنشود .

-------------------------

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها


السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ