ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 03/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

(إبراهيم النخعي)

استفدنا من ترجمة الدكتور قلعجي بتصرف كبير

عالم العراق ووارث فقه ابن مسعود وشيخ حماد شيخ أبي حنيفة إليه

انتهت وراثة العلم في الكوفة بل في العراق.

زهير سالم*

ولد إبراهيم النخعي عام ست وأربعين هجرية (الموافق لعام ستمائة وست وستين للميلاد)[1].

كان النخعي رجلاً نحيفاً كريم إحدى العينين ، أصاب إحدى عينيه بياض فذهب بها. كما كان خفيف الروح، فقد مشى مرة مع سليمان الأعمش ، فقال إبراهيم على سبيل الدعابة: إن الناس إذا رأونا قالوا: أعور وأعمش، قال سليمان وما عليك أن نؤجر ويأثموا؟ قال إبراهيم على سبيل الجد: وما عليك نسلم ويسلموا[2]؟

قال عنه ابن سيرين (قد رأيت فتى نحيفاً عند علقمة في عينه بياض[3]، وكان حسن الهندام، يظنه من يراه أنه من الموسرين مع أنه ليس كذلك[4]، فقد كانت تغطي رأسه قلنسوة فاخرة، يحلي مقدمتها فروثعلب[5]، وكان يعتم بعمامة يرخي ذنبها خلفه[6]، وكان له إزار أصفر، وطيلسان أحمر مزين بالديباج، يلبسهما في غالب أيامه، ويصلي بهما في الناس، بينما يخص المسجد الجامع، وصلاة الجمعة والأعياد بثياب أخرى أكثر بهاء، وهي عبارة عن ملاءتين صفراوين، يخرج فيهما إلى المسجد الجامع، ويجمِّع فيهما[7]. كان يلبس خاتم حديد في شماله، وقد نقش عليه عبارة (ذباب لله ونحن له)[8] هذه العبارة الواعظة التي تذكر النخعي في كل حين بأن الإنسان مهما تعاظم فإنه يستوي مع أحقر المخلوقات، لأنه هو وإياها من مخلوقات الله تعالى، فلم التعاظم ولم التفاخر!! وأحياناً يلبس خاتماً آخر نقش عليه (ولي إبراهيم ناصره)[9]). ونعتقد أنه كان يلبس الخاتم الثاني بعد اشتداد الخصومة بينه وبين ولاة العراق.

نشأته:

ولد النخعي ونشأ في الكوفة، والكوفة آنذاك مدرسة تعج بالعلماء وطلاب العلم، لأن وجود كثير من الصحابة فيها ـ وعلى رأسهم عبد الله بن مسعود ـ جعلها قبلة لكل من طلاب الفقه والحديث في العراق، فالجو العام الذي عاش فيه النخعي هو جو علمي، كما أن الجو الخاص الذي وجد فيه النخعي هو جو علمي أيضاً.

النخع القبيلة والأسرة

 حظيت قبيلة النخع بدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها بالخير، فتفتح هذا الخير فيها علماً وتقوى وصلاحاً، فأبوه يزيد بن الأسود راوية للحديث[10]، وخالاه الأسود بن يزيد، الصوام القوام الفقيه الزاهد[11]، وعبد الرحمن بن يزيد، محدث مشهور، وعم أم إبراهيم هو علقمة بن قيس، راهب أهل الكوفة عبادة وعلماً وفضلاً وفقهاً[12]، هؤلاء هم الذين رعوا إبراهيم، وأحاطوه بالعناية التي كان لها أكبر الأثر في حياته، ولذلك قال الشعبي: (نشأ النخعي في بيت فقه، فأخذ فقههم ثم جالسنا فأخذ صفو حديثنا إلى فقه أهل بيته)[13]، ولكن العناية الكبرى كان قد لقيها من علقمة؛ لأن علقمة كان عميقاً[14]، حيث وجد في إبراهيم المؤنس والتلميذ.

وحج علقمة والأسود فاصطحباه معهما إلى الحج، وهو مازال صغيراً لم يبلغ الحلم، فأدخلاه على عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فرأى عليها ثوباً أحمر، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى الرعاية التي بذلها هذان العالمان الجليلان ـ علقمة والأسود ـ لإبراهيم، كما يدل على اغتنام الفرص المناسبة للاجتماع بأصحاب الفضل من الناس.

ظروف عيشه

كان النخعي يعيش عيشة الكفاف، حتى أن بعض أصحابه ليظن أنه تحل له الميتة من شدة فقره، ويظهر أن النخعي كان حين يشتد به الفقر يستأجر بعض الأراضي الزراعية ليزرعها، فيسد بعض الخلل المالي الذي يقع فيه، فقد روى عبد الرزاق عنه أنه استأجر أرضاً بيضاء ـ ليس فيها زرع ـ إلى أجل[15]. وهذا ما يفسر أن النخعي كان يقبل أعطيات الولاة من غير مسألة منه. وقد جعل بينه وبين الحرام حاجزا.

ذكاء النخعي:

كان النخعي على جانب عظيم من الذكاء، فمكنه ذلك من حفظ القرآن الكريم. حتى كان أحد القراء المشهورين في الكوفة، وحفظ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حتى صار محدث الكوفة، ورجل الإسناد الذهبي عن ابن مسعود، ووعى الأحكام الفقهية، حتى أصبح فقيه الكوفة غير منازع، بل فقيه العراق، وأحد الذين يشار إليهم بالبنان من فقهاء العالم الإسلامي آنذاك، بل إنه أصبح أستاذاً يحمل عنه العلم في سن مبكرة، قال ابن قتيبة ـ في المعارف ـ (وحُمل عنه العلم وهو ابن ثماني عشرة سنة)[16] رغم وجود علماء عظماء أمثال: الأسود بن يزيد، وشريح بن الحارث القاضي، ومسروق بن الأجدع، وغيرهم.

تقوى النخعي وورعه:

كان أبو عمران على جانب كبير من التقوى، يجهد نفسه في عبادة الله، طلباً للذة القرب من الله، وابتغاء رضوانه، ولذلك كان يصوم يوماً ويفطر يوماً[17]، كما كان يفرغ وسعه في الصلاة، لأنه يشعر ـ وهو يصلي ـ بأنه يقف بين يدي رب العالمين، وما أثقلها من وقفة لمن استحضر معناها، والنخعي كان يستحضر هذا المعنى،  ولذلك كان ينتهي من صلاته وهو مكدود الجسم، مهدود القوى، قال الأعمش: (ربما رأيت إبراهيم يصلي، ثم يأتينا، فيبقى ساعة كأنه مريض)[18]. (وكان إذا أخذ الناس منامهم لبس حلة طرائف، وتطيب، ثم لا يبرح مسجده حتى يصبح، أو ما شاء الله من ذلك، فإذا أصبح نزع تلك، لبس غيرها)[19].

ولا عجب أن يكون أبو عمران كذلك، وهو الذي رُبّي علي يد علقمة، وتتلمذ على الأسود بن يزيد ومسروق بن الأجدع، وهم أعلام التقوى، وموارد الإيمان.

 

وأوصى عند وفاته بألا يجعلوا في قبره لبناً عرْزَمِياً، وأن يلحد له في القبر لحداً، وألا يتبعوا جنازته بنار[20].

وأوصى أنه إذا اجتمع حين موته أربعة فلا يؤذنوا به أحداً، فقال: (إذا كنتم أربعة فلا تُؤذنِوا بي أحداً[21]).

وإذا تأملنا هذه الوصية وجدناها تتفق في كثير من نقاطها مع ما أوصى به علقمة بن قيس أستاذ إبراهيم النخعي، حيث قال علقمة: (لا تنعوني كنعي الجاهلية، ولا تُؤذِنوا بي أحداً، وأغلقوا الباب، ولا تتبعني امرأة، ولا تتبعوني بنار، وإن استطعتم أن يكون آخر كلامي لا إله إلا الله عز وجل[22]).

وفاته

ألمَّ المرض بأبي عمران  فأحس أنه ميت لا محالة، فجزع جزعاً شديداً، وبكى، فقال له بعض ممن يعوده: ما يبكيك يا أبا عمران؟ فقال: (وأي خطر أعظم مما أنا فيه، أتوقع رسولاً يرد علي من ربي إما بالجنة وإما بالنار، والله لوددت أنها تَلَجْلَجُ في حلقي إلى يوم القيامة)[23]. وكانت آخر لياليه في الدنيا تلك التي دخل عليه فيها أبو الهيثم، وأوصاه بابنتيه، فما أن انصرف عنه أبو الهيثم حتى لاقاه ملك الموت ليلاً، فأخرجته زوجته هُنيدة إلى صُفة البيت[24]، استعداداً لتغسيله، وتكفينه، وفي ذلك يقول أبو الهيثم: (دخلت على إبراهيم وهو مريض فبكى، فقلت: ما يبكيك يا أبا عمران؟ فقال: ما أبكي جزعاً على الدنيا، ولكن ابنتي هاتين) قال: فجئت من الغد، فإذا هو قد مات، وإذا امرأته قد أخرجته من البيت إلى الصفة وهي تبكيه[25]. وتذكر بعض الروايات أن أصحابه لم يستطيعوا دفنه نهاراً، فأرجئوا دفنه إلى الليل، فدفن ليلاً[26]، وصلى عليه عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد، ابن خاله[27].

وفي الزمن الذي مات فيه النخعي قولان:

القول الأول: أنه مات في زمن الحجاج بن يوسف الثقفي، وأنه مات مختفياً منه، ودفن سراً، يخيم الخوف على الذين دفنوه، وعلى هذا فإنه يكون قد مات قبل رمضان سنة 95 لأن الحجاج مات في أواخر رمضان 25 أو 27 رمضان سنة 95هـ والذي يدل على هذا القول:

1ـ ما ذكره أحد تلاميذ النخعي ـ وهو شعيب بن الحبحاب ـ قال: (كنت فيمن صلى على إبراهيم النخعي ليلاً، ودفن في زمن الحجاج، وأنا تاسع تسعة أو سابع سبعة)[28].

2ـ وما ذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب، والذهبي في تاريخ الإسلام، من أنه مات مختفياً من الحجاج[29].

3ـ ولعل مما يدل على ذلك أيضاً قول تلميذه عبد الله بن عون: (دفنا إبراهيم ليلاً ونحن خائفون)[30]، إذ إنهم لا يخافون إلا إذا كانت الأحوال غير طبيعية، وقد فسر ابن حجر في تهذيب التهذيب سبب هذا الخوف وهو أن إبراهيم النخعي كان مطلوباً من قبل الحجاج، ومختفياً منه، فخاف الذين تولوا دفنه أن يتهمهم الحجاج أنهم أعوان إبراهيم النخعي، فتحل بهم نقمته.

أما السبب المباشر الذي من أجله اختفى إبراهيم النخعي فلا نعلم عنه شيئاً، وقد جهدنا في البحث عن هذا السبب فلم نوفق إلى معرفته.

القول الثاني: إن إبراهيم النخعي مات بعد وفاة الحجاج بأربعة أشهر أو خمسة، وعلى هذا تكون وفاته في أوائل سنة ست وتسعين.

وقد حكى ابن سعد بالإجماع على ذلك، فقال: أجمعوا على أنه توفي سنة ست وتسعين في خلافة الوليد بن عبد الملك بالكوفة، وهو ابن تسع وأربعين سنه لم يستكمل الخمسين[31].

وجزم به الحافظ العراقي في طرح التثريب[32]، ويحيى القطان[33]، وحكاه أبو نعيم ـ الفضيل بن دُكين ـ عن ابن بنت إبراهيم النخعي، قال أبو نعيم: سألت ابن بنت إبراهيم النخعي عن موته، فقال: بعد الحجاج بأربعة أشهر أو خمسة. قال أبو نعيم مات أول سنة ست وتسعين[34]. ورجحه الذهب في تاريخ الإسلام[35]، وابن الجزري في غاية المنتهى في طبقات القراء[36].

ويؤيد هذا ما رواه ابن سعد في الطبقات عن حماد ـ تلميذ إبراهيم ـ قال: (بشرت إبراهيم بموت الحجاج فسجد، وقال حماد: ما كنت أرى أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت إبراهيم يبكي من الفرح)[37].

فنحن نرى أن الروايات تكاد تكون متكافئة، والمرجح لرواية على أخرى يكاد يكون معدوماً. و الأرجح إن النخعي قد توفي بعد الحجاج، وخاصة أن ابن سعد ـ وهو من أقدم المؤرخين الذي تحدثوا حول هذا الموضوع ـ قد حكى الإجماع على أن موت النخعي كان بعد موت الحجاج، وكأنه لم يعتد بخلاف من خالف هذا القول.


[1] ـ الأعلام 1/76، وطبفات ابن سعد 6/283 وغيرهما.

[2] ـ العقد الفريد 1/148، وطبقات ابن سعد 6/270.

[3] ـ مصنف ابن أبي شيبة 2/172.

[4] ـ تاريخ الإسلام 3/336، وحلية األأولاء 4/222.

[5] ـ طبقات ابن سعد 6/280، وآثار أبي يوسف 231.

[6] ـ طبقات ابن سعد 6/282.

[7] ـ طبقات ابن سعد 6/281. ومعنى يجمع: يصلي الجمعة.

[8] ـ طبقات ابن سعد 6/282.

[9] ـ آثار أبي يوسف 232.

[10] ـ ذكر أبو حنيفة في مسنده حديثين رواهما إبراهيم النخعي عن أبيه، أحدهما: عن إبراهيم عن أبيه عن حميد بن عبد الرحمن الحميدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل من أصحابه يوم عاشوراء: مر قومك فليصوموا هذا اليوم، قال:إنهم طعموا، قال: (وإن كان قد طعموا)، والثاني: (عن أبي حنيفة عن  إبراهيم عن أبيه قال: سألت ابن عمر رضي الله عنهما: أيتطيب المحروم؟ قال: لأن أصبح أنضح قطراناً أحب إلي من أن أصبح أنضح طيباً، فأتيت عائشة، فذكرت لها، فقالت: أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان في أزواجه ثم أصبح ـ تعني محرماً).

[11] ـ أنساب السمعاني 557.

[12] ـ أنساب السمعاني 557.

[13] ـ حلية الأولياء 4 / 221.

[14] ـ تهذيب التهذيب 7 / 277.

[15] ـ مصنف عبد الرزاق 8 / 91.

[16] ـ المعارف لابن قتية 204.

[17] ـ طبقات ابن سعد 6 / 276، وحلية الأولياء 4 / 224، ومختصر طبقات علماء الحديث 15.

[18] ـ تذكرة الحفاظ 1 / 64.

[19] ـ طبقات ابن سعد 6 / 276.

[20] ـ طبقات ابن سعد 6 / 283، ابن أبي شيبة 1 / 144.

[21] ـ طبقات ابن سعد 6 / 284.

[22] ـ المختار في مناقب الأخيار 1 / 287 ـ مخطوط ـ

[23] ـ انظر تاريخ الإسلام 3 / 335، ورغبة الأمل 8 / 235، والمختار 1 / 53، وحلية الأولياء 4 / 224، وأحياء علوم الدين 4 / 409.

[24] ـ طبقات ابن سعد 6 / 283.

[25] ـ حلية الأولياء 4 / 224.

[26] ـ الحلية 4 / 220، وتاريخ الإسلام 3 / 336، والمختار 1 / 53، وطبقات ابن سعد 6 / 284.

[27]ـ المعارف 204.

[28] ـ المختار 1 / 53، وحلية الأولياء 4 / 220.

[29] ـ تهذيب التهذيب 1 / 177، وتاريخ الإسلام 3 / 336.

[30] ـ طبفات ابن سعد 6 / 284.

[31] ـ طبقات ابن سعد 6 / 284.

[32]ـ طرح التثريب 1 / 33.

[33] ـ تاريخ الإسلام 3 / 335.

[34] ـ طبقات ابن سعد 6 / 284.

[35] ـ تاريخ الإسلام 3 / 335.

[36] ـ غاية المنتهى 1 / 30.

[37] ـ طبقات ابن سعد 6 / 270.

----------------

*مدير مركز الشرق العربي

للاتصال بمدير المركز

00447792232826

zuhair@asharqalarabi.org.uk


 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ