ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 16/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

إبراهيم بن اسحق الحربي

زهير سالم*

إبراهيم بن اسحق بن إبراهيم بن بشر بن عبد الله بن ديسم، أبو اسحق الحربي. ولد سنة ثمان وتسعين ومائة. وسمع أبا نعيم الفضل بن دكين، وعفان بن مسلم، وعبد الله بن صالح العجلي، والإمام أحمد في آخرين. ونقل عن الإمام أحمد مسائل ونحن نسوق ما تيسر منها.

وروى عنه أبو بكر بن أبي داود وأبو بكر الأنباري، وأبو بكر النجاد، وأبو عمر الزاهد، في آخرين. وكان إماماً في العلم، ورأساً في الزهد، عارفاً بالفقه، بصيراً بالأحكام، حافظاً للحديث. وصنف كتباً كثيرة. منها: غريب الحديث، ودلائل النبوة، وكتاب الحمام، وسجود القرآن، وذم الغيبة. والنهي عن الكذب، والمناسك، وغير ذلك.

قال إبراهيم: رأيت رجالات الدنيا، فلم أر مثل ثلاثة: رأيت أحمد بن حنبل يعجز النساء أن يلدن مثله. ورأيت بشر بن الحارث من قَرنه إلى قدمه مملوءاً عقلاً. ورأيت أبا عبيد كأنه جبل نفخ فيه علم.

وقال إبراهيم الحربي: ما شكوت إلى أمي ولا إلى أختى ولا إلى امرأتي، ولا إلى بناتي حُمّى قط وجدتها. الرجل هو الذي يدخل غمه على نفسه، ولا يغم عياله. وكان بي شقيقة خمساً وأربعين سنة، ما أخبرت بها أحداً قط. ولي عشرون سنة أبصر بفرد عين ما أخبرت بها أحد قط. وأفنيت من عمري ثلاثين سنة برغيفين، إن جاءتني بهما أمي أو أختى أكلت، وإلا بقيت جائعاً عطشاناً إلى الليلة الثانية. وأفنيت ثلاثين سنة من عمري برغيف في اليوم والليلة، إن جاءتني به امرأتي أو إحدى بناتي أكلته، وإلا بقيت جائعاً عطشاناً إلى الليلة الأخرى. والآن آكل نصف رغيف وأربع عشرة تمرة، إن كان بَرْنياً، أو نيفاً وعشرين إن كان دَقَلاً. ومرضت ابنتي فمضت امرأتي، فأقامت عندها شهراً. فقام إفطاري في هذا الشهر بدرهم ودانقين ونصف. ودخلت الحمام واشتريت لهم صابوناً بدانقين فقامت نفقة شهر رمضان كله بدرهم وأربعة دوانيق ونصف.

وأنبأنا أبو بكر المقرئ عن ابن سمعون قال قال أحمد بن سليمان القطيعي: أضقت إضاقة، فمضيت إلى إبراهيم الحربي لأبثه ما أنا فيه. فقال لي: لا يضق صدرك. فإن الله من وراء المعونة. وإني أضقت مرة حتى انتهى أمري في الإضاقة إلى أن عدم عيالي قوتهم. فقالت لي الزوجة: هب أني أنا وإياك نصبر فكيف نصنع بهاتين الصبيتين؟ فهات شيئاً من كتبك حتى نبيعه أو نرهنه فضقت بذلك، وقلت: اقترضي لهما شيئاً، وأنظريني بقية اليوم والليلة. وكان لي بيت في دهليز داري فيه كتبي. فكنت أجلس فيه للنسخ وللنظر. فلما كان في تلك الليلة إذا داقٌّ يدق الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: رجل من الجيران فقلت: ادخل فقال: اطفئ السراج حتى أدخل. فكببت على السراج شيئاً. وقلت: ادخل. فدخل وترك إلى جانبي شيئاً وانصرف. فكشفت عن السراج ونظرت، فإذا منديل له قيمة، وفيه أنواع من الطعام وكاغد فيه خمسمائة درهم. فدعوت الزوجة، وقلت: أنبهي الصبيان حتى يأكلوا، ولما كان من الغد قضينا ديناً كان علينا من تلك الدراهم: وكان وقت مجيء الحاج من خراسان. فجلست على بابي من غد تلك الليلة. فإذا جمّال يقود جملين عليهما حملان وُرقاً. وهو يسأل عن منزل الحربي، فانتهى إليّ، فقلت: أنا إبراهيم. فحط الحملين، وقال: هذان الحملان أنفذهما لك رجل من خراسان. فقلت: من هو؟ فقال: قد استحلفني أن لا أقول من هو.

وقال أبو عثمان الرازي: جاء رجل من أصحاب المعتضد إلى إبراهيم الحربي بعشرة آلاف درهم من عند المعتضد، يسأله عن أمير المؤمنين أن يفرق ذلك، فرده. فانصرف الرسول، ثم عاد فقال: إن أمير المؤمنين يسألك أن تفرقه في جيرانك. فقال: عافاك الله. هذا مال لم نشغل أنفسنا بجمعه، فلا نشغلهما بتفرقته. قل لأمير المؤمنين: إن تركتنا وإلا تحولنا من جوارك.

وقال أبو القاسم بن الختلى: اعتل إبراهيم الحربي علة أشرف فيها على الموت، فدخلت عليه يوماً. فقال لي: يا أبا القاسم، أنا في أمر عظيم مع ابنتي. ثم قال لها: قومي اخرجي إلى عمك، فخرجت. فألقت على وجهها خمارها، فقال لها إبراهيم: هذا عمك كلميه. فقالت لي: نحن في أمر عظيم، لا في الدنيا ولا في الآخرة: الشهر والدهر ما لنا طعام إلا كسراً يابسة وملحاً، وربما عدمنا الملح. وبالأمس قد وجه إليه المعتضد مع بدر ألف دينار، فلم يأخذها. ووجه إليه فلان وفلان فلم يأخذ منهما شيئاً، وهو عليل. فالتفت الحربي إليها وتبسم، وقال: يا بنية، إنما خفت الفقر؟ قالت: نعم. قال لها: انظري إلى تلك الزاوية، فنظرت، إذا كُتب، فقال: هناك إثنا عشر ألف جزء لغة وغريب، كتبته بخطي، إذا مت فوجهي في كل يوم بجزء تبيعينه بدرهم. فمن كان عنده إثنا عشر ألف درهم ليس هو فقير.

وأنبأنا الحسن بن علي الجوهري حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال: سمعت أبا عمر بن عبد الواحد اللغوي يقول: سمعت ثعلباً يقول: ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس نحوٍ أو لغة خمسين سنة.

وقال إبراهيم الحربي: ما أخذت على علم قط أجراً ولا مرة واحدة. فإني وقفت على باب بقال: فوزنت له قيراطاً إلا فلساً، فسألني عن مسألة فأجبته. فقال للغلام: أعطه بقيراط ولا تنقصه شيئاً فزادني فلساً.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: كان أبي يقول: امض إلى إبراهيم الحربي حتى يلقي عليك الفرائض.

ولما مات سعيد بن أحمد بن حنبل جاء إبراهيم الحربي إلى أحمد بن حنبل، فقام إليه عبد الله، فقال: تقوم إلي؟ فقال عبد الله: لم لا أقوم؟ والله لو رآك أبي لقام إليك. فقال الحربي: والله لو رأى ابن عيينة أباك لقام إليه.

وقال محمد بن صالح القاضي: لا نعلم أن بغداد أخرجت مثل إبراهيم الحربي في الأدب والحديث، والفقه، والزهد.

وقال إبراهيم الحربي لجماعة عنده: من تعدون الغريب في زمانكم هذا؟ فقال واحد منهم: الغريب من نأى عن وطنه. وقال آخر: الغريب من فارق أحبابه. وقال كل واحد منهم شيئاً. فقال إبراهيم: الغريب في زماننا رجل صالح عاش بين قوم صالحين، إن أمر بالمعروف آزروه، وإن نهى عن المنكر أعانوه. وإن احتاج إلى سبب من الدنيا مانوه، ثم ماتوا وتركوه.

وقال محمد بن خلف وكيع: كان لإبراهيم الحربي ابن. وكان له إحدى عشرة سنة، قد حفظ القرآن، ولقنه من الفقه شيئاً كثيراً. قال: فمات، فجئت أعزيه، قال فقال لي: كنت أشتهي موت ابني هذا. قال قلت: يا أبا اسحق، أنت عالم الدنيا، تقول مثل هذا في صبي قد أنجب، ولقنته الحديث والفقه؟ قال: نعم، رأيت في النوم كأن القيامة قد قامت، وكأن صبياناً بأيديهم قلال فيها ماء، يستقبلون الناس يسقونهم. وكان اليوم يوم حار شديد حره. فقلت لأحدهم: اسقني هذا الماء. قال: فنظر إليّ وقال: لستَ أبي. فقلت: إيش أنتم؟ فقال: نحن الصبيان الذين متنا في دار الدنيا، فخلفنا آباءنا نستقبلهم فنسقيهم الماء. قال: فلهذا تمنيت موته.

وقال محمد بن عبد الله الكاتب: كنت يوماً عند محمد بن يزيد المبرد، فأنشد:

جسمي معي غير أن الروح عندكم     فالجسم في غربة والروح في وطن

فليعجب  الناس  مني: أن لي بدنا     لا روح فيـه ولا روح بـلا بدن

ثم قال: ما أظن قالت الشعراء أحسن من هذا. قلت: ولا قول الآخر؟ قال: هيه، قلت: الذي يقول:

فارقتكم، وحييت بعدكـم     ما هكذا كـان الذي يجب

فالآن ألقى الناس معتذراً     من أن أعيش وأنتم غيب

قال: ولا هذا. قلت: ولا قول خالد الكاتب:

روحان لي: روح تضمنها جسد     وأخـرى حـازهـا بلـد

وأظـن شاهدتـي كغائبـتـي      بمكانها تجـد الذي أجـد

قال: ولا هذا. قلت: أنت إذا هويت الشيء ملت إليه. ولم تعدل إلى غيره. قال: لا، ولكنه الحق. فأتيت ثعلباً فأخبرته. فقال ثعلب: ألا أنشدته:

غابوا فصار الجسم من بعدهم     مـا تنظر  العيـن  لـه  فَيّـاً

بــأي  وجــه  أتلقـاهـم     إذا  رأونـي  بعدهــم  حيّـاً

يا خجلتي منهم، ومـن قولهم:     مـا ضرك الفقـد لنـا شيـئاً

قال: فأتيت إبراهيم الحربي، فأخبرته. فقال: ألا أنشدتهم:

يـا حيائـي  ممن  أحب  إذا     ما قال بعد الفراق:  إني حييت

لو صدقت الهوى على الصحة     لما  نـأى   لكنـت  تمـوت

قال: فرجعت إلى المبرد، فقال: أستغفر الله إلا هذين البيتين، يعني بيتي إبراهيم الحربي.

وقال إبراهيم الحربي: ما أنشدت بيتاً من الشعر إلا قرأت بعده (قل هو الله أحد) ثلاث مرات.

وقال عيسى بن محمد الطوماري: دخلت على إبراهيم الحربي، وهو مريض وقد كان يُحمل ماؤه إلى الطبيب. وكان يجيء إليه ويعالجه؟ فجاءت الجارية وردت الماء. وقالت: مات الطبيب. فبكى، ثم أنشأ يقول:

إذا مـات المعالِج من  سقام     فيوشك  للمعالَج  أن  يموت

وقال علي بن الحسن البزار: سمعت إبراهيم الحربي يقول: وقد دخل عليه قوم يعودونه؟ فقالوا: كيف تجدك يا أبا اسحق؟ قال: أجدني كما قال الشاعر ( قلت هو أبو نواس)

دب فيّ البلاء سُفلا وعلواً     وأراني أذوب عضواً فعضواً

بليت جِدَّتي  بطاعة نفسي     فتذكـرت طاعـة الله نِضْواً

وذكر أبو عبد الرحمن السُّلمي: أنه سأل الدارقطني عن إبراهيم الحربي؟ فقال: كان إماماً. وكان يقاس بأحمد بن حنبل في علمه وزهده وورعه.

وحدث عبيد بن أبي الفتح عن الدارقطني قال: أبو اسحق الحربي إمام مصنف عالم بكل شيء، بارع في كل علم صدوق. مات ببغداد سنة خمس وثمانين ومائتين.

وقال إسماعيل الخطمي: مات أبو اسحق إبراهيم بن اسحق الحربي يوم الاثنين لتسع بقين من ذي الحجة. ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من ذي الحجة سنة خمس وثمانين ومائتين. وصلى عليه يوسف بن يعقوب القاضي. وكان الجمع كثيراً جداً. وكان يوماً في عقب مطر ووحل. ودفن في بيته رحمه الله.

وقال إبراهيم: سئل أحمد عن الرجل يختم القرآن في شهر رمضان في الصلاة: أيدعو قائماً في الصلاة، أم يركع ويسلم ويدعو بعد السلام؟ فقال: لا، بل يدعو في الصلاة وهو قائم بعد الختمة. قيل له: فيدعو في الصلاة بغير ما في القرآن؟ قال: نعم.

وقال إبراهيم الحربي: وسئل أحمد عن رجل صلى في جماعة: أيؤم بتلك الصلاة؟ قال: لا. ومن صلى خلفه يعيد. قيل له: فحديث معاذ؟ قال: فيه اضطراب. وإذا ثبت فله معنى دقيق، لا يجوز مثله اليوم.

وقال إبراهيم أيضاً: وسئل أحمد عن رجل حرٍّ مات، وليس له وارث، وله أخ مملوك تحته زوجة حرة؟ فقال: يؤمر المملوك بأن يمسك عن وطء زوجته، حتى يعلم: هل بها حمل أم لا؟ فإن بان حملها فهو يرث عمه الحر. وإن لم يكن بها حمل كان ميراثه لبيت المال. قيل له: إلى كم يمسك عن وطئها؟ قال: حتى تحيض، ويتبين أنه ليس عندها حمل.

وقال إبراهيم الحربي أيضاً: التابعون كلهم خير. وخيرهم: أحمد بن حنبل. وهو عندي من أجلهم.

وقال إبراهيم الحربي: كل شيء أقول لكم: هذا قول أصحاب الحديث فهو قول أحمد بن حنبل، هو ألقى في قلوبنا منذ كنا غلماناً اتباع حديث النبي صلى الله عليه وسلم، وأقاويل الصحابة والاقتداء بالتابعين.

وأنبأنا علي البندار عن ابن بطة قال: سمعت شيخنا أبا حفص رحمه الله، لا مرة ولا مرات، إلا مالا أحصيه يقول: سمعت إبراهيم الحربي يقول: يقول الناس: أحمد بن حنبل بالتوهم. والله ما أعرف لأحد من التابعين عليه مزية. ولا أعرف أحداً يقدره قدره، ولا نعرف من الإسلام محله. ولقد صحبته عشرين سنة، صيفاً وشتاء وحراً وبرداً، وليلاً ونهاراً، فلما لقيته لقاء في يوم إلا وهو زائد عليه بالأمس. ولقد كان يقدم أئمة العلماء من كل بلد، وإمام كل مصر فهم بجلالتهم مادام الرجل خارجاً عن المسجد، فإذا دخل المسجد صار غلاماً متعلماً.

وسئل إبراهيم الحربي: كيف سمعت أحمد يقول في القراءة خلف الإمام؟ فقال: إما ألف مرة، إن لم أقل، فقد سمعته يقول: يقرأ فيما خافت، وينصت فيما جهر. قلت لإبراهيم الحربي: فإيش ترى إنت؟ قال: أنا ذاك علمني، وعنه أخذت، وصحبته وأنا غلام، وكل شيء يلقيه إلينا أخذته عنه، وتمسك به قلبي. فأنا عليه، أقرأ إذا لم أسمع. وإذا جهر استمعت.

وقال إبراهيم الحربي: قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه لا يدرى أين هو.

----------------

*مدير مركز الشرق العربي

 


 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ